عدد المصاحف العثمانية
فيما مرَّ علينا في الفصل السابق من نسخ المصاحف في زمن عثمان ، علمنا أنه نسخ عددًا من المصاحف وأرسل بِها إلى الأمصار، وعرفت هذه المصاحف فيما بعدُ بالمصاحف العثمانية، نسبة إلى من أمر بنسخها، وهو الخليفة الراشد عثمان ابن عفّان .
وفي هذا الفصل نتناول بالبحث عدد المصاحف التي نسخها عثمان ، والتعريف بالرسم العثماني، وحكم اتباع ذلك الرسم.
المبحث الأول: عدد المصاحف العثمانية
لَمَّا انتهى زيد بن ثابت ومن معه من نسخ المصاحف، أرسل عثمان إلى كل أفقٍ بِمصحف، وأمر الناس بإتلاف ما خالف هذه المصاحف.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أنه قال: حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا.(1)
قال النووي: خاف عثمان وقوع الاختلاف المؤدي إلى ترك شيء من القرآن، أو الزيادة فيه، فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة، الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحفَ، وبعث بِها إلى البلدان، وأمر بإتلاف ما خالفها، وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي بن أبي طالب، وسائر الصحابة، وغيرهم .ـ(2)
ولَمَّا كان الاعتماد في نقل القرآن على المشافهة والتلقِّي من صدور الرجال، ولم تكن المصاحف كافية في نقل القرآن وتعلُّمه، فقد أرسل عثمان مع كل مصحف من المصاحف قارئًا يعلِّم الناس على ما يوافق المصحف الذي أرسل به، وكان يتخير لكل قارئٍ المصحف الذي يوافق قراءته في الأكثر.(3)
فقد روي أن عثمان أمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكيّ، وبعث المغيرة بن أبي شهاب مع الشاميّ، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفيّ، وعامر بن عبد قيسٍ مع البصري.(4)
وقد اختلف العلماء في عدد المصاحف التي بعث بِها عثمان إلى البلدان، فالذي عليه الأكثر أنَّها أربعةٌ، أرسل منها عثمان مصحفًا إلى الشام، وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى البصرة، وأبقى الرابع بالمدينة.
وقيل كتب خمسة مصاحف، الأربعة المذكورة، وأرسل الخامس إلى مكة.
وقيل ستةٌ، الخمسة المذكورة، وأرسل السادس إلى البحرين.
وقيل سبعة، الستة السابقة، وأرسل السابع إلى اليمن.
وقيل ثَمانية، والثامن هو الذي جمع القرآن فيه أولاً، ثم نسخ منه المصاحف، وهو المسمى بالإمام، وكان يقرأ فيه، وكان في حجره حين قُتِل.(5)
وقيل إنه أنفذ مصحفًا إلى مصر.(6)
عن حمزة الزيات قال: كتب عثمان أربعة مصاحف، فبعث بِمصحفٍ منها إلى الكوفة، فوُضِع عند رجل من مُرادٍ، فبقي حتى كتبتُ مصحفي عليه.(7)
وقال أبو حاتم السجستاني: لَمَّا كتب عثمان المصاحف حين جمع القرآن، كتب سبعة مصاحف، فبعث واحدًا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدًا.(8)
قال الإمام أبو عمرو الداني: أكثر العلماء على أن عثمان لَمَّا كتب المصاحف، جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كل ناحية من النواحي بواحدةٍ منهن: فوجّه إلى الكوفة إحداهنَّ، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشام الثالثة، وأمسك عند نفسه واحدةً، وقد قيل إنه جعله سبع نسخٍ، ووجَّه من ذلك أيضًا نسخةً إلى مكةَ، ونسخة إلى اليمن، ونسخة إلى البحرين، والأول أصحُّ، وعليه الأئمة.(9)
وقال الحافظ ابن حجر والسيوطي: فالْمشهور أنَّها خمسة.(10)
وقال الْجعبري: حبس مصحفًا بالْمدينة للناس، وآخر لنفسه، وسيَّر باقيَها إلى أمرائه.(11)
والْمتعارف عند علماء رسم القرآن ستة مصاحف:
الأول: الْمصحف الإمام، وهو الْمصحف الذي احتبسه عثمان لنفسه، وينقل عنه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم.
الثاني: الْمصحف الْمدني، وهو الْمصحف الذي كان بأيدي أهل المدينة، وعنه ينقل الإمام نافع.
الثالث: الْمصحف الْمكي.
ويطلق على الإمام والمدني والمكي: الْمصاحف الحجازية، أو الحرمية.(12)
الرابع: الْمصحف الشامي.
الخامس: الْمصحف الكوفي.
السادس: الْمصحف البصري.
والكوفي والبصري عراقيان، وهما الْمرادان بِمصاحف أهل العراق.(13)
ولعل الصواب في ذلك هو الْمتعارف عند علماء القراءات، إذ قد كثر نقلهم عن هذه المصاحف الستة.(14)
قال الحدَّاد15) واختلف في عدد الْمصاحف التي كتبها عثمان، فقيل -وهو الذي صوَّبه ابن عاشرٍ في شرح الإعلان: أنَّها ستةٌ: الْمكي والشامي والبصري والكوفي، والْمدني العامُّ، الذي سيَّره عثمان من محلِّ نسْخِه إلى مقرِّه، والْمدني الخاصُّ به، الذي حبسه لنفسه، وهو الْمسمَّى بالإمام.(16)
--------------------------------------
(1) رواه البخاري في الصحيح كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) 4987.
(2) التبيان في آداب حملة القرآن ص 96.
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/40).
(4) دليل الحيران شرح مورد الظمآن ص 18-19، والكواكب الدرية ص 24، ومناهل العرفان (1/403-404).
(5) دليل الحيران شرح مورد الظمآن ص 11.
(6) الكواكب الدرية ص 26، ومناهل العرفان (1/403).
(7) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب ما كتب عثمان ? من المصاحف ص 43.
(8) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب ما كتب عثمان ? من المصاحف ص 43، وانظر التبيان في آداب حملة القرآن ص 97.
(9) المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 19، وانظر: البرهان في علوم القرآن (1/240)، والتبيان في آداب حملة القرآن ص 96-97.
(10) فتح الباري (8/636)، والإتقان في علوم القرآن (1/172).
(11) انظر: الكواكب الدرية ص 2.
(12) نسبة إلى الحرم.
(13) انظر شرح الإعلان بتكملة مورد الظمآن. ص 437.
(14) انظر: إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 197، ومناهل العرفان (1/403).
(15) هو الشيخ محمد بن علي بن خلف الحسيني، المعروف بالحدَّاد، من فقهاء المالكية بِمصر، ولد بالصعيد سنة 1282 هـ، وتعلم بالأزهر، ثم عيِّن شيخًا للمقارئ المصرية سنة 1323 هـ، وتوفي سنة 1357 هـ. الأعلام (6/304).
(16) الكواكب الدرية ص 26.
فيما مرَّ علينا في الفصل السابق من نسخ المصاحف في زمن عثمان ، علمنا أنه نسخ عددًا من المصاحف وأرسل بِها إلى الأمصار، وعرفت هذه المصاحف فيما بعدُ بالمصاحف العثمانية، نسبة إلى من أمر بنسخها، وهو الخليفة الراشد عثمان ابن عفّان .
وفي هذا الفصل نتناول بالبحث عدد المصاحف التي نسخها عثمان ، والتعريف بالرسم العثماني، وحكم اتباع ذلك الرسم.
المبحث الأول: عدد المصاحف العثمانية
لَمَّا انتهى زيد بن ثابت ومن معه من نسخ المصاحف، أرسل عثمان إلى كل أفقٍ بِمصحف، وأمر الناس بإتلاف ما خالف هذه المصاحف.
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أنه قال: حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا.(1)
قال النووي: خاف عثمان وقوع الاختلاف المؤدي إلى ترك شيء من القرآن، أو الزيادة فيه، فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة، الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحفَ، وبعث بِها إلى البلدان، وأمر بإتلاف ما خالفها، وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي بن أبي طالب، وسائر الصحابة، وغيرهم .ـ(2)
ولَمَّا كان الاعتماد في نقل القرآن على المشافهة والتلقِّي من صدور الرجال، ولم تكن المصاحف كافية في نقل القرآن وتعلُّمه، فقد أرسل عثمان مع كل مصحف من المصاحف قارئًا يعلِّم الناس على ما يوافق المصحف الذي أرسل به، وكان يتخير لكل قارئٍ المصحف الذي يوافق قراءته في الأكثر.(3)
فقد روي أن عثمان أمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكيّ، وبعث المغيرة بن أبي شهاب مع الشاميّ، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفيّ، وعامر بن عبد قيسٍ مع البصري.(4)
وقد اختلف العلماء في عدد المصاحف التي بعث بِها عثمان إلى البلدان، فالذي عليه الأكثر أنَّها أربعةٌ، أرسل منها عثمان مصحفًا إلى الشام، وآخر إلى الكوفة، وآخر إلى البصرة، وأبقى الرابع بالمدينة.
وقيل كتب خمسة مصاحف، الأربعة المذكورة، وأرسل الخامس إلى مكة.
وقيل ستةٌ، الخمسة المذكورة، وأرسل السادس إلى البحرين.
وقيل سبعة، الستة السابقة، وأرسل السابع إلى اليمن.
وقيل ثَمانية، والثامن هو الذي جمع القرآن فيه أولاً، ثم نسخ منه المصاحف، وهو المسمى بالإمام، وكان يقرأ فيه، وكان في حجره حين قُتِل.(5)
وقيل إنه أنفذ مصحفًا إلى مصر.(6)
عن حمزة الزيات قال: كتب عثمان أربعة مصاحف، فبعث بِمصحفٍ منها إلى الكوفة، فوُضِع عند رجل من مُرادٍ، فبقي حتى كتبتُ مصحفي عليه.(7)
وقال أبو حاتم السجستاني: لَمَّا كتب عثمان المصاحف حين جمع القرآن، كتب سبعة مصاحف، فبعث واحدًا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدًا.(8)
قال الإمام أبو عمرو الداني: أكثر العلماء على أن عثمان لَمَّا كتب المصاحف، جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كل ناحية من النواحي بواحدةٍ منهن: فوجّه إلى الكوفة إحداهنَّ، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشام الثالثة، وأمسك عند نفسه واحدةً، وقد قيل إنه جعله سبع نسخٍ، ووجَّه من ذلك أيضًا نسخةً إلى مكةَ، ونسخة إلى اليمن، ونسخة إلى البحرين، والأول أصحُّ، وعليه الأئمة.(9)
وقال الحافظ ابن حجر والسيوطي: فالْمشهور أنَّها خمسة.(10)
وقال الْجعبري: حبس مصحفًا بالْمدينة للناس، وآخر لنفسه، وسيَّر باقيَها إلى أمرائه.(11)
والْمتعارف عند علماء رسم القرآن ستة مصاحف:
الأول: الْمصحف الإمام، وهو الْمصحف الذي احتبسه عثمان لنفسه، وينقل عنه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم.
الثاني: الْمصحف الْمدني، وهو الْمصحف الذي كان بأيدي أهل المدينة، وعنه ينقل الإمام نافع.
الثالث: الْمصحف الْمكي.
ويطلق على الإمام والمدني والمكي: الْمصاحف الحجازية، أو الحرمية.(12)
الرابع: الْمصحف الشامي.
الخامس: الْمصحف الكوفي.
السادس: الْمصحف البصري.
والكوفي والبصري عراقيان، وهما الْمرادان بِمصاحف أهل العراق.(13)
ولعل الصواب في ذلك هو الْمتعارف عند علماء القراءات، إذ قد كثر نقلهم عن هذه المصاحف الستة.(14)
قال الحدَّاد15) واختلف في عدد الْمصاحف التي كتبها عثمان، فقيل -وهو الذي صوَّبه ابن عاشرٍ في شرح الإعلان: أنَّها ستةٌ: الْمكي والشامي والبصري والكوفي، والْمدني العامُّ، الذي سيَّره عثمان من محلِّ نسْخِه إلى مقرِّه، والْمدني الخاصُّ به، الذي حبسه لنفسه، وهو الْمسمَّى بالإمام.(16)
--------------------------------------
(1) رواه البخاري في الصحيح كتاب فضائل القرآن باب جمع القرآن (8/626) 4987.
(2) التبيان في آداب حملة القرآن ص 96.
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/40).
(4) دليل الحيران شرح مورد الظمآن ص 18-19، والكواكب الدرية ص 24، ومناهل العرفان (1/403-404).
(5) دليل الحيران شرح مورد الظمآن ص 11.
(6) الكواكب الدرية ص 26، ومناهل العرفان (1/403).
(7) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب ما كتب عثمان ? من المصاحف ص 43.
(8) رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف باب ما كتب عثمان ? من المصاحف ص 43، وانظر التبيان في آداب حملة القرآن ص 97.
(9) المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 19، وانظر: البرهان في علوم القرآن (1/240)، والتبيان في آداب حملة القرآن ص 96-97.
(10) فتح الباري (8/636)، والإتقان في علوم القرآن (1/172).
(11) انظر: الكواكب الدرية ص 2.
(12) نسبة إلى الحرم.
(13) انظر شرح الإعلان بتكملة مورد الظمآن. ص 437.
(14) انظر: إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 197، ومناهل العرفان (1/403).
(15) هو الشيخ محمد بن علي بن خلف الحسيني، المعروف بالحدَّاد، من فقهاء المالكية بِمصر، ولد بالصعيد سنة 1282 هـ، وتعلم بالأزهر، ثم عيِّن شيخًا للمقارئ المصرية سنة 1323 هـ، وتوفي سنة 1357 هـ. الأعلام (6/304).
(16) الكواكب الدرية ص 26.