التسلط اللائكي

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الطلحاوي الإسلام اكتشف المزيد حول الطلحاوي
هذا موضوع مثبت
X
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 1 (0 أعضاء و 1 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الطلحاوي
    2- عضو مشارك

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 30 مار, 2013
    • 119
    • أستـاذ
    • الإسلام

    التسلط اللائكي

    الســلام عليكم

    (1)

    قد ينخدع الإنسـان و هو يمر علـى تلاوين مختلفة من الكتب اللائكية فيندهـش من حجم السلاطـة اللغوية التـي تدور حول مفردات التعددية و الحق في الاختلاف و احترام منظومـة القيم الحقوقية و فصل السلط و غيرهـا من المفاهيم الشائعـة بين النخب، لكنّ العبرةَ ليست إطـلاقا في تصفيف الكـلام و بنـاء مصطلحـاتٍ تعجُّ بهـا المتون اللائكية إلـى حدّ الابتذال، إنمـا لا شأن لأيّ اعتبار قائم علـى تجريد الأنسقـة المعرفية بدون النظر في تطبيقـاتِ أصحـابهـا و تصرّفـات أهلهـا من النـاحية الواقعية، فحيثمـا خـالفت الممـارساتُ الميدانية التنظيراتِ الفكريةَ و ناقضت قواعدهـا التأصيلية دلَّـت على الفور علـى خواء الشخصيـة القيادية و "تفحُّم" القيم و ازدواجية المعايير و هيمنـة التسلط اللُّغوي سواء صدرَ ذلك من "دِيـانــيٍّ" بتعبير الفيلسوف طه عبد الرحمـان أو من لائكيّ مُفَـوَّهٍ، و بقدر تحققِ تنـاغـمٍ لدى الشخص بين معتقداتـه و بين فلسفة حياتـه العملية بقدر مـا أشَّــرَ علـى سـلامـة القصد و استواء السلوك القيادي .

    لكنّ أمراضنـا ، كمـا يبدو، تظلُّ لصيقـة بالثرثرة الكـلامية التـي تُنتِجُ لغـةً سـاحرة من حيث المدلولات و التصميم الهيكلي اللغوي التي تأسـر العقول ، لكنهـا في الواقـع تُعبِّـرُ عن تمظهـرات خـارجية للنفـاق السياسي المستور تحت لعبـة إنتـاج المفردات المُنمَّقـة، و هكـذا قد نـجد فيلسوفـا فصيح اللسـان عميق التأمـل يسبُـرُ أغـوار السياسـة من خـارج الممـارسـة و يشرح قوانين الحكم الراشـد و يُؤسس نظريـات في العـدالـة و في تدبير الشأن السياسي، لكن،عمليا، لا يفـارقُ أسلوبُـه أسلوبَ استئصـال الآخرين و اصطفـافـه مـع الديكتاتوريين، الشيء الذي يجعـل كـلّ حديث عن بنـاء الدولـة العـادلة مجرد هذيـان لَغـوي لا جدوى منـه البتـة .

    سُـذَّجٌ أولئك الذين يعتقدون بأنَّ وضعَ مؤلّـفات مـاراطونية تجريدية كفيلـةً بتحديد الطبقـات المثقفـة الغيورة علـى مستقبل الشعوب لأن المعيار الوحيد لاختبـار أهليـة النـاس لا ينفصل عن فعل الممـارسـة التي تكشف عن الوجـه الحقيقي، و لمَّـا كـان النفاق السياسي في زمننـا المعـاصر عُملَـةً رائجـة بين المثقفين الأكـاديميين صـارَ من اللازم جدا عدم الالتفاف إلـى طوفـان الأقـوال المُصدَّرَة للشعوب باسم العقلانية و الواقعية و عدم الانخداع بحجم الشعـارات اللامعـة في أدبيات و كتابات اللائكيين التي تطفوا طفْـوَ الزبد علـى سطح البحر .

    ثمـة نمـاذج عديدة تُعَـرِّي واقع المفارقـة الرهيبـة بين منطوق الكـلام و طبيعة الفعل السياسي لدى شخصيـة اللائكي، و إنَّ المرء لَيعجبُ أيمـا عجبٍ من مفكرين احترفوا الرّهـان علـى سلطة اللغـة فأنتجوا تسلّطـا خِطـابيا لائكيا ينزع منحـى الهيمنـة و الإقصـاء للمخـالفين في الفكر السياسي و المرجعية الفكرية، فهـؤلاء الذين تمترسوا وراء اللبـاقـة الأدبية و الحذلقـة الكـلامية لا زالوا يعلنون الحرب دومـا علـى كـل التنظيمـات الإسلاميـة التــي تبني مواقفهـا انطـلاقـا من منظومـة وجودية مُغـايِـرة للمنظور اللائكي إذْ تتحرك أنيابهم في كـل منـاسبـة للنيل من الخصـوم مُوَظِّفـين في سبيل ذلك بضاعتهم الموروثـة من القواميس الغربية فتنكشف الأقنعـة بانكشاف الوجوه الحقيقية، لكنَّ الغريبَ أنَّ البعض منهم قد يبدو لائقـا في حديثـه عن المُخـالفين فيعترف بحقهم في الاختـلاف السياسي و بضرورة احترام قواعـد تدبير الخلاف و جعـلِ الإرادة الشعبية حَكَمـا بين المُتنـازعين و حق الأغلبيـة في القيـادة... بينمـا يثـور غضبـا عندمـا يكتسحُ تنظيم إسلاميّ فوزه في انتخـاباتٍ حرة عبر الصنـاديق فتتغير نبراتُ نقـده و يشرعُ في حملة استنفـارٍ و تنفيرٍ واسعٍ، و كأنمـا بذلـك يُقــدِّمُ صورته الحقيقية و ثوابت تكوين شخصيتـه الأصلية .

    إن التسلط اللائكي بشقيـه الفكري و السياسي يُنتِجُ عندنـا عـاهـات حـادة تُمـزِّقُ الكِيـان الجمـاعي للأمـة و تزرعُ بين جَنـبـاتِـه حلقـاتٍ تُعيق الذات من التحرر فـتـنشُـرُ مغـالطـات حول الدين و مجـالاته، فقد انحصرت وظيفة التسلط الفكري اللائكي في تزييف الوعـي الإسلامي عبر خـلق مرجعيـات تحتــلُّ ذهنية الذات فتُفرِزُ ازدواجياتٍ خطيرة في منظورات التفكير، الشيء الذي يُقسِّــمُ وجود الجمـاعـة،باعتبار الوَلاء، إلـى كِيـانـات هـشَّـة متنـاحـرة تحتكـر الحقيقة لنفسهـا و تهدم كـل الثوابت التـي ورثتهـا الأمـة عبر أزمنـة تترى، أمـا عن التسلط اللائكي السياسي في عـالمنـا الإسلامي – و الذي يُمثل فرعـا من الأول بِحكم الانتمـاء لنفس التصور – فمعضلة أخرى أنتجت كُتلـةً بشريـة خـاملـة تُسـاقُ إلـى الهـاوية الاجتمـاعية و الاقتصادية و الأخـلاقية، إذ صـارَ هـذا التسلط عبر سياسـاتـه القائمـة علـى نفي حق الاختـلاف السياسي مـع التيار الإسلامي مدخــلا لانهـيار الذات و الموضوع و بـابـا من أبواب خراب العمران البشري قاطبـة بِلِحـاظِ استبداده السياسي و ممـارساتـه القمعيـة للمعـارضين و انزيـاحـه عـن المجـال التداولي الإسلامي .

    (2)

    التسلـط السياسي اللائكي

    عندمـا قفـزَ اللائكيون إلـى الحكم عبر الدبـابـة و سياسـة استبلاد الشعوب كـانوا بذلك يُدشنون لبدايات انفصـال الدولـة عن كِيـان الجمـاعـة باعتبار الوَلاء، و لم يكن انتزاءهم علـى الحكم إلا استمـرارا لِمُسَلسَـل نقض عُرى الإسلام و تأكيدا علـى خِيـار الإكـراه في تداول السلـطة مُستَعينين في ذلك بالظروف الإقليمية و الدولية التـي أتـاحت لهم الركوب علـى خٍيارات الشعوب لتوطيد جبروت المُلك القهـري و تثبيت تقاليده السياسية النِّفـاقية، و لم يكن يجرِ هـذا التسلط إلا باسم الشعـارات و العنـاوين الكُبرى التـي تخدع عموم الشعب و تُخدِّره ، تمـامـا مثل مـا كـان بونـابارت يُوظِّفُ شعـارات الثورة الفرنسية لاستعمـار مصر و إدامـة التبعية فيهـا، فباسم القوميـة و التأميم و توفير الحريات و بنـاء الدولة القويـة المستقلة.. تتم عمليـة تسكين آلام الشعوب فتُطيلُ فيــه أحـلام النهوض و يستكين الجميع للأوهام .

    إن هـذا التسلط أوجدَ عبر الزمـن ثغرات عديدة في المجتمع و حوَّل الطبقـة الشعبية إلى غثائية منخورة العزيمـة، فاقدة للمعنـى،لا تلتفتُ إلـى الأصول الحقيقية للمعـركـة العقائدية و الحضارية و لا يهمهـا إلا اللحظـة الآنية ، أنتجَ "عبودية طوعيـة" بتعبير الفيلسوف الفرنسي إتيان لابويسي تنخـرُ جسم الجمـاعـة رُوَيدا رُوَيدا فتُرديهِ مُنهَكـاً لا يقوى علـى الصمود و التحدي لحظـة المواجهـة، هي عبودية جعلـت طبقة كبيرة من النـاس تنصرفُ عن هـمّ إعـادة العقل الجمـاعي الذي دمـره التسلط اللائكي الفكري فانحـصرت وظيفتهـا في الاستغـراق في المشكلات الفردية التــي تعصف بهـا عصفـًا .

    همنــا أن نحـاولَ وضع أيدينـا علـى بواكير التفتت الداخلـي و أن نرصـدَ البدايات التـي أثمرت تصدعـات كبيرة في كِيـان الجمـاعـة و أن لا نلتفت إلـى الجُزئيـات السببية إلا بمقدار ربطهـا بالعـامـل الأم المسؤول عن التحولات الحـاصلة في بنية الذات و الموضـوع . إنَّ وضعيـات المجتمعـات الإسلامية لا يمكن فهم تموجـاتهـا بعيدا عـن جذور الأزمـة السياسية التـي ولّدت شرودا في الفكر و الواقع نظرا لمركزية الدولـة المعـاصرة في التحكم بمستقبل الشعوب، و لأنَّ السياسات التـي تنهجهـا اللائكية السياسية في دولنـا اللائكية تقوم علـى الانفراد بالثروة و محـاربة الثورة و توسيع العُدَّة "الأمنية" و الرهـان علـى قِطـاعـات مُدجَّنـة في توطيد سلطـة الدولة و تجويع الشعوب و تجهيلهـا فإنّ تحليل طبيعـة البؤر المتفاقمة في كِيـان الجمـاعـة تُلزِمُ ربطهـا بالمشكـل اللائكي السياسي الاستبدادي .

    من جهـة أخرى، تزيد بعض القراءات "العُلمـائية" من مـآسي الانبطـاح للمستبد اللائكي و تُقدِّمُ للعموم مسلكـا تبسيطيا ساذجـا يقوم علـى مداخـل الإصلاح العقدي الذاتي كشرط للنهوض و فهم أسباب التردي الفظيع في واقعنا المعـاصر، و قد غـابَ عن هـؤلاء أن الديكتـاتوريات الحـاكمـة صـارت أفقهَ منهم بكثير إذ يُدركُ هـؤلاء أن ترك الوعـاظ من هـذا النمط علـى حـالهم يمثل شرطا لبقـائهم علـى رأس السلطـة ، لذلك يسمح لهم بتكوين فضائيـات إعـلامية كتعبير عـن رضـاهم بخطـابهم الانبطـاحـي ، لا يود هـؤلاء أن يفهموا أن الديكتـاتوريات المعـاصرة تطورت أدواتهـا بشكل رهيب و أنهـا مشروع يُـفكِّــكُ كل القيم التي يتم بنـائهـا عن طريق الوعظ و الإرشـاد، و أنهـا تعتمد في مخططاتهـا علــى سلب الفاعلية عن طريق برامجهـا الأخطبوطية المتنوعـة في المجتمع و أنها صـارت لهـا أدوارا اختلفت جذريـا عـن كـل مـا كـان سائدا في أزمنـة العصور القديمـة و التي فرضت علـى بعض السلف فيمـا مضى-بحكم الضرورة- طـاعة السلطـة الجـائرة . إنّ من يراهـن علـى أي إصلاح باجتناب الحديث عن موبقات الدولـة لا شك أنـه في حـاجـة لفهـم طبيعـة السلطـة المعـاصرة و نفوذهـا المطلق، لقد تغيرت عـلاقة الدولة بالمجتمع تغيرا مفصليا فصـارَ الآن المجتمعُ رهينـةً بيد الدولـة يتصرف فيهـا كمـا يريد، و لم يعد للكيان الجمـاعي المنخور أية سلطـة قادرة علـى إحداث تحول داخلي نظرا لتحلل المنظومـة الوجودية و تكَوثُــرِ الكِيـانـات الهجينـة النـاجمـة عن رِعـايـة التسلط اللائكي السياسي لهـا .

    و الله أعلــم

  • فارس الميـدان
    مشرف عام أقسام
    المذاهب الفكرية الهدامة
    ومشرف عام قناة اليوتيوب

    • 17 فبر, 2007
    • 10117
    • مسلم

    #2
    رد: التسلط اللائكي

    للرفــــع ..


    الحمد لله الذى جعل فى كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى .. الإمام أحمد ..

    تعليق

    مواضيع ذات صلة

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    ابتدأ بواسطة عادل خراط, 22 أكت, 2021, 08:29 م
    ردود 0
    134 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة عادل خراط
    بواسطة عادل خراط
    ابتدأ بواسطة عبد الصمد حدوش, 25 سبت, 2019, 06:15 م
    ردود 0
    123 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة عبد الصمد حدوش
    ابتدأ بواسطة نصرة الإسلام, 17 ديس, 2015, 09:36 ص
    ردود 28
    6,096 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة فارس الميـدان
    ابتدأ بواسطة قلب ينبض بحب الله, 7 أبر, 2015, 09:03 ص
    ردود 6
    2,968 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة قلب ينبض بحب الله
    ابتدأ بواسطة الطلحاوي, 31 ينا, 2015, 10:49 م
    رد 1
    1,573 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة فارس الميـدان
    يعمل...