الحمد لله رب العامين
والصلاة والسلام على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قال الله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس)
أي نصرفها للناس ونغيرها من حال إلى حال، للبلاء والتمحيص، يوما لكم ويوما عليكم .
وقيل : نداولها بين الناس من فرح وغم وصحة وسقم وغنى وفقر .
و قد يدال للكافر من المؤمن ، ويبتلى المؤمن بالكافر ، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه ، ويعلم الصادق من الكاذب .
تكون مرة للمؤمنين لينصر الله عز وجل دينه ، ومرة للكافرين إذا عصى المؤمنون ليبتلي المؤمنين ويمحص ذنوبهم ; فأما إذا لم يعصوا فإن حزب الله هم الغالبون.
فأخبر الله تعالى أن أيام وأوقات الغلبة والظفر لا تبقى للناس على حالة واحدة ،بل يصرفها الله على ما أراد تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء ، وكما قيل:الحرب سجال.
وقوله تعالى ( وتلك الأيام ) الكائنة بين الأمم في حروبها والآتية فيما بعد كالأيام الكائنة في زمن النبوة ، تارة تغلب هذه الطائفة ، وتارة تغلب الأخرى كما وقع للمسلمين في يوم بدر وأحد .
وذلك أن الله عز وجل أدال المسلمين من المشركين ببدر ، فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين . وأدال المشركين من المسلمين بأحد ، فقتلوا منهم سبعين ، سوى من جرحوا منهم .
وأما من ابتلى منهم من المسلمين يوم أحد ، فكان عقوبة بمعصيتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فكان في ذلك تسلية عما أصاب المسلمين يوم أحد بأن ذلك غير عجيب في الحرب ، إذ لا يخلو جيش من أن يغلب في بعض مواقع الحرب.
ولما كان قتال أحد وأصاب المسلمين ما أصاب ، صعد النبي صلى الله عليه وسلم الجبل ، فجاء أبو سفيان فقال : يا محمد ! يا محمد! ألا تخرج ؟ ألا تخرج ؟ الحرب سجال : يوم لنا ويوم لكم وفي رواية ابن عباس ،قال أبو سفيان : يوم بيوم وإن الأيام دول والحرب سجال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : أجيبوه ، فقالوا : لا سواء ، لا سواء ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار! فقال أبو سفيان : لنا عزى ولا عزى لكم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم . فقال أبو سفيان : اعل هبل! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : الله أعلى وأجل! فقال أبو سفيان : موعدكم وموعدنا بدر الصغرى قال عكرمة : وفيهم أنزلت : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " .
فمداولة الأيام سنة من سنن الله ، فلا عجب أن تكون الدولة مرة لأهل الحق ومرة لأهل الباطل . وإنما المضمون لصاحب الحق أن تكون العاقبة له، وإنما الأعمال بالخواتيم .
وقد سأل هرقل أبا سفيان: فكيف كان قتالكم إياه (يقصد النبي صلى الله عليه وسلم)؟ قال أبوسفيان : تكون الحرب بينا وبينه سجالا ، يصيب منا ونصيب منه: فكان رد هرقل :وسألتك هل قاتلتموه ، فزعمت أنكم قاتلتموه ، فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا ، ينال منكم وتنالون منه،وكذلك الرسل تبتلى وتكون لهم العاقبة .
وصلى الله وسلم وزاد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول بنصرف من
تفسير القرطبي
تفسير الطبري
تفسير ابن كثير
تفسير البغوي
تفسير المنار
التحرير والتنوير التفسير الكبير المسمى البحر المحيط
تفسير المنار فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية
تعليق