اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،
مقتطفات من أحد المواقع النّصرانية الأرثوذكسية :
--------------------------------------------------
--------------------------------------------------
أ- مفهوم عام لعبارة بقايا (ذخائر) القديسين:
كلمة بقايا باللغة اليونانية وباللغة اللاتينية الكلاسيكية RELIQUIAE، في الأصل تعني أن أي شيء من بقايا الأموات، ولكنها مع الوقت أخذت معنى دينيًا إذ خصصت الكنيسة هذه اللفظة لبقايا القديسين وما يختص بهم: كالأجساد والأدوات التي استعملها القديس خلال حياته الأرضية وكل ما تبقى من الأدوات التي تألم بها وأدّت إلى استشهاده.
والبقايا هي جلد القديس، هيكله، ثيابه وكل شيء مادي استعمله حتَّى موته، وفي كثير من الأحيان الأواني المقدسة والأدوات التي كانت لها علاقة مع جسده.
لقد أتى الإله ليقدّس المادة ويطهرها ويرفعها عندما َقبِل أن يصير جسدًا. لأن جسدنا نحن البشر هو من مادة هذا العالم، ولكن هذه المادة بعكس ما يقوله بعض الفلاسفة اليونان القدماء، مثل أفلاطون، الذين يعتبرون الجسد كسجن للنفس والمادة بحدّ ذاتها فاسدة، أو كالهرطقة الغنوسية التي تؤكد أن المادة هي شرّ.
فهي بحد ذاتها جيدة، لأنَّها خليقة الله. لكننا يمكن أن نعتبرها قد فسدت بعد السقوط مع فساد طبيعة الانسان. ولكن هذا لايعني انها لا يمكن أن تتقدس من جديد، لأن المسيح قد أتى ليقدسها. لذلك عندما يتقدس الإنسان نفسًا وجسدًا، "أجسادكم هي أعضاء المسيح ( 1 كو 6: 15 ) وهيكل الروح القدس" ( 1 كو 6: 19 )، وهذه هي دعوتنا أن نتقدس بكليتنا.
.
من أهم نتائج التأله هو تقديس الجسد وتأّلهه. الجسد ليس سجنًا للنفس كما يعّلم افلاطون وليس له هدف ارضي فقط "أما الجسد فليس للزنى بل هو للرب والرب للجسد" ( 1 كور 6: 13). فكما قلنا سابقًا، الجسد يجب أن يكون جسدًا له وهيكل لله مقدس. اذا فالجسد يجب أن يتقدس بالكلية بالتأله، وبالتأله فقط يصل الجسد إلى كامل قيمته وليس في النظريات الانسانية الحديثة.
يقول القديس سمعان اللاهوتي الحديث عن تأله الجسد: "ان النفس التي أصبحت بتقديسها أهلاً لأن تكون شريكة في النعمة الالهية، تستمر بالضرورة بتقديس كامل هيكلها. لأنها حيث تكمن في هذا الهيكل و توجد في كاّفة أعضائه. لذلك فنعمة الروح القدس، عندما تسكن في النفس، تسكن أيضًا في هيكلها. ولكن طالما بقيت النفس في هذا الهيكل فان الروح القدس لا ينقل هيكلها بالكامل إلى مجده لأنَّهُ من الضروري أن تكون لها حريتها وأن تبدي رغباتها وتظهر ارادتها إلى أن تنتهي حياتها الأرضية. وعندما تنفصل النفس عن الجسد يتوقف الجهاد. فان انتصرت النفس وانفصلت عن الجسد حاملة اكليل عدم الفساد. حينئذ تسكن نعمة الروح القدس وتقدّس بالكلية هيكل هذه النفس. ولذلك نجد عظام القديسين وبقاياهم تفيض أشفية تداوي كل ضعف.
القديس اثناسيوس يقول في ذلك أيضًا: "ان النعمة الالهية توجد في نفوس وأعضاء القديسين" (شرح المزمور 117). كذلك القديس مكاريوس يقول: "كما تمجد جسد المسيح عند التجلي على الجبل بالمجد الإلهي وبالنور الذي لا يغرب، كذلك تتمجد أجساد القديسين وتلمع. وكما أن المجد الكائن في جسد المسيح أشرق مضيئًا، كذلك أيضًا تفيض قدرة المسيح في ذلك اليوم وتشع خارج أجسادهم " (الكلمة 15،38 ). وكلما كانت المساهمة في شركة الروح القدس أغنى كلما ازدادت قداسة الأجساد أيضًا. القديس يوحنا الذهبي الفم يقول: "بالموت لا تتغرب أجساد القديسين عن النعمة التي كانوا يحيون بها، بل تزداد بها" (في مديح أحد الشهداء).
هـ - نتائج التأله:
1- لمعان الوجه:
أول انسان لمع وجهه كان موسى (خروج 34: 29-35 )، ثم القديس أنطونيوس، سيسوى، موسى الحبشي و آخرون...
2- انتقال نعمة القديس باللمس:
هكذا نجد أن ما مسّ جسد القديس بولس لم يكن مقدسًا فحسب بل كان ينقل النعمة أيضًا إلى الآخرين (أع 19: 21 ). و القديس باسيليوس الكبير أيضًا يقول: "انّ الذي يلمس عظام الشهيد تنتقل إليه نعمة التقديس الموجودة فيها".
3- افاضة الطيب:
تفوح من الذخائر المقدسة لبعض القديسين رائحة ذكية لا توصف. ونقرأ في استشهاد القديس بوليكاربوس (+ 156 ) أن جسده كان يفيض رائحة ذكية في حين استشهاده. "....كان الشهيد يقف في الوسط لا كلحم يحترق بل كخبز يشوى أو ذهب أو فضة، وضعت في البوتقة وكّنا نتنسّم رائحة كأّنها البخور أو عطور نادرة ثمينة".
ونقرأ في السنكسار أن جسد العظيم في الشهداء القديس ديمتريوس المفيض الطيب، "كان ينضح بكثرة، إلى حد أن السكان المحليين وأشخاصًا آخرين قادمين من أمكنة بعيدة كانوا يأخذون منه دون أن ينضب، وبالأحرى أنَّه كان يزداد بشفاعة القديس. وكانت لهذا الطيب قوة العلاجات والأشفية العظمى" .
4- عدم فساد الذخائر المقدسة:
لدى الكنيسة الارثوذكسية العديد من بقايا القديسين التي لم ينل منها الفساد بالرغم من الزمن الطويل الذي مرّ عليها . نذكر مثلاً ذخائر القديس اسبيريدون من جزيرة "كركيرة" في اليونان. هناك يوجد جسده الذي يعود إلى القرن الرابع . ليس محنطًا أو ممنوعًا عنه الهواء بل موضوعًا في تابوت، مكشوف دون غطاء. وكذلك جسد القيسة ثيدورا، في اديرة "كييف" وغيرها من المناطق الروسية هناك أجساد ألف راهب لاتزال محفوظة بدون فساد، وكذلك في رومانيا مثلاً القديس يوحنا الجديد والقديس ديميتري سارابوف وغيرهم......
"أحيانًا عدم انحلال أجساد القديسين يعتبر مؤشرًا على قداستهم (وأحيانًا العكس صحيح). ولكن عدم انحلال الأجساد ليس قاعدة عامة توجب التطويب".
5- العجائب التي تجري بواسطة البقايا المقدسية:
إن قدرة القديسين العجائبية لاتعود إلى قدرتهم الخاصة، بل إلى القوة الالهية الساكنة فيهم، اذ لهم ولله نفس القوة، وبحسب الواهب التي اعطاها الروح القدس لهم، تظهر فيهم العجائب المختلفة التي تجري على ايديهم المباركة. فمنهم من يشفي المرضى، ويقيم الموتى، ومنهم من كان متحررًا من سيطرة قوانين الطبيعة في حياته المتقدسة بحضور النعمة الالهية. فنرى منهم من يتنبأ، أو يتكلم بألسنة، أو يشاهد رؤى، ومنهم من تظهر في جسده سمات الرب يسوع وجراحاته... ومنهم من يشع من جسده نور عجائبي لدرجة تبهر الناظرين إليه، ومنهم من تبعث من جسده رائحة طيب ذكية، كالبخور، سواء قبل رقاده أو بعده. وكل هذا بفعل النعمة الالهية.
لا يقتصر تكريم الذخائر المقدسة على الكنيسة الأرثوذكسية فحسب، وإنما تشاركها في هذا كل الكنائس القديمة التقليدية بما فيها الكنيسة الكاثوليكية. إذ يعود هذا الاكرام إلى أقدم الزمان. يشهد على ذلك كما رأينا سابقًا الكتاب المقدَّس بعهديه: القديم والجديد، وكذلك التقليد الشريف.
اختلفت ممارسة اكرام ذخائر القديسين والشهداء بشكل عام في الشرق عنها في الغرب. ففي الشرق كانت أجساد القديسين "تنبش" (تكشف) وتقسم أجزاء وتنقل من مكان إلى آخر، كانتقال ذخائر القديس "بابيلاس" سنة 351، وفي القرن الرابع كان نقل البقايا يتم باحتفالات مهيبة.
وفي كنيستنا الارثوذكسية من القديسين من احُتفل بعيد نقل بقاياه بالاضافة إلى الاحتفال بعيد ميلاده أو موته.
شهادة من الآباء عن البقايا المقدسة:
القديس باسيليوس الكبير:
كتب القديس باسيليوس رسالة إلى الأسقف أركاديس بمناسبة بنائه كنيسة جديدة، جاء فيها: "لقد سررت للغاية عند سماعي أنك منهمك بمسألة تشييد بيت لمجد الله - وهذا يَدَهِيِّ كونك صرت مسيحيًا - وأنك بالمحبة العملية، احببت "جمال بيت الرب" كما هو مكتوب، أنك بهذا، قد أعددت لنفسك ذلك القصر السماوي الذي أعده الرب في راحته للذين يحبونه. إذا تيسّر لي أن أجد أيّا من بقايا الشهداء، رجائي أن تكون لي مساهمة في محاولتك المحبة". وفي مناسبة تذكار يوم استشهاد القديس برلعام يقول القديس باسيليوس "كان موت القديسين يكرّم قديمًا، بالدموع وقرع الصدور فبكى يوسف بمرارة عندما مات يعقوب، وناح اليهود كثيرًا عندما مات موسى. أما اليوم فإننا نبتهج ونتهّلل في موت القديسين بالمراثي بعد الموت، بل نطوف حول قبورهم طوافًا إلهيًا. ذلك أن موت الأبرار صار رقادًا بل هو صار حياة....".
القديس يوحنا الذهبي الفم:
يقول هذا القديس في كلمته عن الشهيدة ذروسيذا: "حيث لاينفع ذهب ولاغنى هناك تفيد بقايا القديسين .لأن الذهب لايشفي من مرض ولاينجي من موت ولكن عظام القديسين تفعل الاثنين" (طبعة ميني 50،689 ). كذلك يشهد القديس نفسه أن بقايا القديسين مخيفة للشياطين. ويذكر أن بقايا القديس بابيلا أبطلت افعال أبولون حيث امتنع عن اجابة الامبراطور يوليان الجاحد إلى طلبه واعترف ابولون نفسه بسبب صمته وهو لأن بقايا القديس دفنت إلى جانب معبده. عندئذٍ أمر الامبراطور بنقل البقايا إلى مكان آخر ليحرر أبولون ويستنتج القديس يوحنا الذهبي الفم من ذلك: "إن المخادع الأول (الشيطان) لم يجرؤ أن ينظر قبر بابيلا. هذه هي قوة القديسين الذين وهم أحياء لم تحتمل الشياطين ظّلهم ولاثيابهم وهم أموات ترتجف حتَّى من قبورهم".
يشهد القديس ذاته بأن المسيحيين الحسني العبادة معتادون على:
أن يصّلوا أمام البقايا المقدَّسة.
أن يقيموا الاجتماعات والاحتفالات حولها.
أن يقبّلوها قبل المناولة الإلهية.
أن يتمّنوا أن يدفنوا إلى جانبها.
يُتبع بإذن الله >>>
تعليق