قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: قَالَ: لِي قَائِلٌ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِهِ أَنْتَ عَرَبِيٌّ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلِسَانِ مَنْ أَنْتَ مِنْهُمْ وَأَنْتَ أَدْرَى بِحِفْظِهِ وَفِيهِ لِلَّهِ فَرَائِضُ أَنْزَلَهَا لَوْ شَكَّ شَاكٌّ قَدْ تَلَبَّسَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ بِحَرْفٍ مِنْهَا اسْتَتَبْته فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْته وَقَدْ قَالَ: عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] فَكَيْفَ جَازَ عِنْدَ نَفْسِك أَوْ لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ فَرَضَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ مَرَّةً الْفَرْضُ فِيهِ عَامٌّ وَمَرَّةً الْفَرْضُ فِيهِ خَاصٌّ وَمَرَّةً الْأَمْرُ فِيهِ فَرْضٌ وَمَرَّةً الْأَمْرُ فِيهِ دَلَالَةٌ؟ وَإِنْ شَاءَ ذُو إبَاحَةٍ وَأَكْثَرُ مَا فَرَّقْت بَيْنَهُ مِنْ هَذَا عِنْدَك حَدِيثٌ تَرْوِيهِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ آخَرَ أَوْ حَدِيثَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ وَجَدْتُك وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَك لَا تُبَرِّئُونَ أَحَدًا لَقِيتُمُوهُ وَقَدَّمْتُمُوهُ فِي الصِّدْقِ وَالْحِفْظِ وَلَا أَحَدًا لَقِيت مِمَّنْ لَقِيتُمْ مِنْ أَنْ يَغْلَطَ وَيَنْسَى وَيُخْطِئَ فِي حَدِيثِهِ بَلْ وَجَدْتُكُمْ تَقُولُونَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَخْطَأَ فُلَانٌ فِي حَدِيثِ كَذَا وَفُلَانٌ فِي حَدِيثِ كَذَا وَوَجَدْتُكُمْ تَقُولُونَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِحَدِيثٍ أَحْلَلْتُمْ بِهِ وَحَرَّمْتُمْ مِنْ عِلْمِ الْخَاصَّةِ لَمْ يَقُلْ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَخْطَأْتُمْ أَوْ مَنْ حَدَّثَكُمْ وَكَذَبْتُمْ أَوْ مَنْ حَدَّثَكُمْ لَمْ تَسْتَتِيبُوهُ وَلَمْ تَزِيدُوهُ عَلَى أَنْ تَقُولُوا لَهُ بِئْسَمَا قُلْت: أَفَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَظَاهِرُهُ وَاحِدٌ عِنْدَ مَنْ سَمِعَهُ بِخَبَرِ مَنْ هُوَ كَمَا وَصَفْتُمْ فِيهِ وَتُقِيمُونَ أَخْبَارَهُمْ مَقَامَ كِتَابِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تُعْطُونَ بِهَا وَتَمْنَعُونَ بِهَا؟
فَقُلْت: إنَّمَا نُعْطِي مِنْ وَجْهِ الْإِحَاطَةِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ وَجِهَةِ الْقِيَاسِ وَأَسْبَابُهَا عِنْدَنَا مُخْتَلِفَةٌ وَإِنْ أَعْطَيْنَا بِهَا كُلِّهَا فَبَعْضُهَا أَثْبَتُ مِنْ بَعْضٍ
قَالَ: وَمِثْلُ مَاذَا؟
قُلْت: إعْطَائِي مِنْ الرَّجُلِ بِإِقْرَارِهِ وَبِالْبَيِّنَةِ وَإِبَائِهِ الْيَمِينَ وَحَلَفَ صَاحِبُهُ وَالْإِقْرَارُ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْ إبَاءِ الْيَمِينِ وَيَمِينِ صَاحِبِهِ وَنَحْنُ وَإِنْ أَعْطَيْنَا بِهَا عَطَاءً وَاحِدًا فَأَسْبَابُهَا مُخْتَلِفَةٌ
قَالَ: وَإِذَا قُمْتُمْ عَلَى أَنْ تَقْبَلُوا أَخْبَارَهُمْ وَفِيهِمْ مَا ذَكَرْت مِنْ أَمْرِكُمْ بِقَبُولِ أَخْبَارِهِمْ وَمَا حُجَّتُكُمْ فِيهِ عَلَى مَنْ رَدَّهَا
قَالَ: لَا أَقْبَلُ مِنْهَا شَيْئًا إذَا كَانَ يُمْكِنُ فِيهِمْ الْوَهْمُ وَلَا أَقْبَلُ إلَّا مَا أَشْهَدُ بِهِ عَلَى اللَّهِ كَمَا أَشْهَدُ بِكِتَابِهِ الَّذِي لَا يَسَعُ أَحَدًا الشَّكُّ فِي حَرْفٍ مِنْهُ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ شَيْءٌ مَقَامَ الْإِحَاطَةِ وَلَيْسَ بِهَا؟
فَقُلْت: مَنْ عَلِمَ اللِّسَانَ الَّذِي بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْكَامُ اللَّهِ دَلَّهُ عِلْمُهُ بِهِمَا عَلَى قَبُولِ أَخْبَارِ الصَّادِقِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا دَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ وَعُلِمَ بِذَلِكَ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ كُنْت لَمْ تُشَاهِدْهُ خَبَرُ الْخَاصَّةِ وَخَبَرُ الْعَامَّةِ
قَالَ: نَعَمْ
قُلْت: فَقَدْ رَدَدْتهَا إذْ كُنْت تَدِينُ بِمَا تَقُولُ
قَالَ: أَفَتُوجِدنِي مِثْلَ هَذَا مِمَّا تَقُومُ بِذَلِكَ الْحُجَّةُ فِي قَبُولِ الْخَبَرِ؟ فَإِنْ أَوْجَدْتَهُ كَانَ أَزْيَدَ فِي إيضَاحِ حُجَّتِك وَأَثْبَتَ لِلْحُجَّةِ عَلَى مَنْ خَالَفَك وَأَطْيَبَ لِنَفْسِ مَنْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ لِقَوْلِك
فَقُلْت: إنْ سَلَكْت سَبِيلَ النَّصَفَةِ كَانَ فِي بَعْضِ مَا قُلْت دَلِيلٌ عَلَى أَنَّك مُقِيمٌ مِنْ قَوْلِك عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْك الِانْتِقَالُ عَنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنْ قَدْ طَالَتْ غَفْلَتُك فِيهِ عَمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ تَغْفُلَ مِنْ أَمْرِ دِينِك
قَالَ: فَاذْكُرْ شَيْئًا إنْ حَضَرَك
قُلْت: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2]
قَالَ: فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْكِتَابَ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا الْحِكْمَةُ؟ .
قُلْت: سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ جُمْلَةً وَالْحِكْمَةَ خَاصَّةً وَهِيَ أَحْكَامُهُ؟
قُلْت: تَعْنِي بِأَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَ مَا بَيَّنَ لَهُمْ فِي جُمْلَةِ الْفَرَائِضِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ أَحْكَمَ فَرَائِضَ مِنْ فَرَائِضِهِ بِكِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ هِيَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: إنَّهُ لَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ
قُلْت: فَإِنْ ذَهَبْتَ هَذَا الْمَذْهَبَ فَهِيَ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ قَبْلَهُ الَّذِي لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: فَإِنْ ذَهَبْت مَذْهَبَ تَكْرِيرِ الْكَلَامِ؟
قُلْت: وَأَيُّهُمْ أَوْلَى بِهِ إذَا ذَكَرَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ أَنْ يَكُونَا شَيْئَيْنِ أَوْ شَيْئًا وَاحِدًا
قَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا كَمَا وَصَفْت كِتَابًا وَسُنَّةً فَيَكُونَا شَيْئَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا شَيْئًا وَاحِدًا
قُلْت: فَأَظْهَرُهُمَا أُولَاهُمَا وَفِي الْقُرْآنِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قُلْنَا وَخِلَافُ مَا ذَهَبْتَ إلَيْهِ
قَالَ: وَأَيْنَ هِيَ؟
قُلْت: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُتْلَى فِي بُيُوتِهِنَّ شَيْئَانِ قَبْلُ فَهَذَا الْقُرْآنُ يُتْلَى فَكَيْفَ تُتْلَى الْحِكْمَةُ؟ .
قُلْت: إنَّمَا مَعْنَى التِّلَاوَةِ أَنْ يَنْطِقَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَمَا يَنْطِقُ بِهَا
قَالَ: فَهَذِهِ أَبْيَنُ فِي أَنَّ الْحِكْمَةَ غَيْرُ الْقُرْآنِ مِنْ الْأُولَى
وَقُلْت: افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: وَأَيْنَ؟ .
قُلْت: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] وَقَالَ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]
قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَوْلَى بِنَا أَنْ نَقُولَهُ فِي الْحِكْمَةِ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ: إنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالتَّسْلِيمِ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِكْمَتِهِ إنَّمَا هُوَ مِمَّا أَنْزَلَهُ لَكَانَ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ لَهُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى التَّسْلِيمِ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قُلْت: لَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ أَمْرِهِ فَقَالَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]
قَالَ: إنَّهُ لَبَيِّنٌ فِي التَّنْزِيلِ أَنَّ عَلَيْنَا فَرْضًا أَنْ نَأْخُذَ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ وَنَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قُلْت: وَالْفَرْضُ عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ هُوَ قَبْلَنَا وَمَنْ بَعْدَنَا وَاحِدٌ؟
قَالَ: نَعَمْ
فَقُلْت: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْنَا فَرْضًا فِي اتِّبَاعِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنُحِيطُ أَنَّهُ إذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا شَيْئًا فَقَدْ دَلَّنَا عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي يُؤْخَذُ بِهِ فَرْضُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ
قُلْت: فَهَلْ تَجِدُ السَّبِيلَ إلَى تَأْدِيَةِ فَرْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي اتِّبَاعِ أَوَامِرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَحَدٍ قَبْلَك أَوْ بَعْدَك مِمَّنْ لَمْ يُشَاهِدْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ فِي أَنْ لَا آخُذَ ذَلِكَ إلَّا بِالْخَبَرِ لِمَا دَلَّنِي عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيَّ أَنْ أَقْبَلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَقُلْت لَهُ أَيْضًا: يَلْزَمُك هَذَا فِي نَاسِخِ الْقُرْآنِ وَمَنْسُوخِهِ
قَالَ: فَاذْكُرْ مِنْهُ شَيْئًا
قُلْت: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] وَقَالَ فِي الْفَرَائِضِ {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] فَزَعَمْنَا بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ آيَةَ الْفَرَائِضِ نَسَخَتْ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فَلَوْ كُنَّا مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْخَبَرَ فَقَالَ قَائِلٌ: الْوَصِيَّةُ نَسَخَتْ الْفَرَائِضَ هَلْ نَجِدُ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ إلَّا بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
قَالَ: هَذَا شَبِيهٌ بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَالْحُجَّةُ لَك ثَابِتَةٌ بِأَنَّ عَلَيْنَا قَبُولَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ صِرْت إلَى أَنَّ قَبُولَ الْخَبَرِ لَازِمٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِمَا ذَكَرْت وَمَا فِي مِثْلِ مَعَانِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسَتْ تَدْخُلُنِي أَنَفَةٌ مِنْ إظْهَارِ الِانْتِقَالِ عَمَّا كُنْت أَرَى إلَى غَيْرِهِ إذَا بَانَتْ الْحُجَّةُ فِيهِ بَلْ أَتَدَيَّنُ بِأَنَّ عَلَيَّ الرُّجُوعَ عَمَّا كُنْت أَرَى إلَى مَا رَأَيْتُهُ الْحَقَّ وَلَكِنْ أَرَأَيْت الْعَامَّ فِي الْقُرْآنِ كَيْفَ جَعَلْتَهُ عَامًّا مَرَّةً وَخَاصًّا أُخْرَى
قُلْت لَهُ: لِسَانُ الْعَرَبِ وَاسِعٌ وَقَدْ تَنْطِقُ بِالشَّيْءِ عَامًّا تُرِيدُ بِهِ الْخَاصَّ فَيَبِينُ فِي لَفْظِهَا وَلَسْت أَصِيرُ فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ، وَكَذَلِكَ أَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ فَبَيَّنَّ فِي الْقُرْآنِ مَرَّةً وَفِي السُّنَّةِ أُخْرَى قَالَ: فَاذْكُرْ مِنْهَا شَيْئًا قُلْت: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] فَكَانَ مُخْرِجًا بِالْقَوْلِ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ وَقَالَ: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] فَكُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٌ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى فَهَذَا عَامٌّ يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ وَفِيهِ الْخُصُوصُ وَقَالَ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] فَالتَّقْوَى وَخِلَافُهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِلْبَالِغِينَ غَيْرِ الْمَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمْ وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج: 73] وَقَدْ أَحَاطَ الْعِلْمُ أَنَّ كُلَّ النَّاسِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُونُوا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ شَيْئًا لِأَنَّ فِيهِمْ الْمُؤْمِنَ وَمَخْرَجُ الْكَلَامِ عَامًّا فَإِنَّمَا أُرِيدَ مِنْ كَانَ هَكَذَا وَقَالَ: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} [الأعراف: 163] دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَادِينَ فِيهِ أَهْلُهَا دُونَهَا وَذَكَرْت لَهُ أَشْيَاءَ مِمَّا كَتَبْت فِي كِتَابِي
_________________________________
يُتبع ..
فَقُلْت: إنَّمَا نُعْطِي مِنْ وَجْهِ الْإِحَاطَةِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ وَجِهَةِ الْقِيَاسِ وَأَسْبَابُهَا عِنْدَنَا مُخْتَلِفَةٌ وَإِنْ أَعْطَيْنَا بِهَا كُلِّهَا فَبَعْضُهَا أَثْبَتُ مِنْ بَعْضٍ
قَالَ: وَمِثْلُ مَاذَا؟
قُلْت: إعْطَائِي مِنْ الرَّجُلِ بِإِقْرَارِهِ وَبِالْبَيِّنَةِ وَإِبَائِهِ الْيَمِينَ وَحَلَفَ صَاحِبُهُ وَالْإِقْرَارُ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْ إبَاءِ الْيَمِينِ وَيَمِينِ صَاحِبِهِ وَنَحْنُ وَإِنْ أَعْطَيْنَا بِهَا عَطَاءً وَاحِدًا فَأَسْبَابُهَا مُخْتَلِفَةٌ
قَالَ: وَإِذَا قُمْتُمْ عَلَى أَنْ تَقْبَلُوا أَخْبَارَهُمْ وَفِيهِمْ مَا ذَكَرْت مِنْ أَمْرِكُمْ بِقَبُولِ أَخْبَارِهِمْ وَمَا حُجَّتُكُمْ فِيهِ عَلَى مَنْ رَدَّهَا
قَالَ: لَا أَقْبَلُ مِنْهَا شَيْئًا إذَا كَانَ يُمْكِنُ فِيهِمْ الْوَهْمُ وَلَا أَقْبَلُ إلَّا مَا أَشْهَدُ بِهِ عَلَى اللَّهِ كَمَا أَشْهَدُ بِكِتَابِهِ الَّذِي لَا يَسَعُ أَحَدًا الشَّكُّ فِي حَرْفٍ مِنْهُ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ شَيْءٌ مَقَامَ الْإِحَاطَةِ وَلَيْسَ بِهَا؟
فَقُلْت: مَنْ عَلِمَ اللِّسَانَ الَّذِي بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْكَامُ اللَّهِ دَلَّهُ عِلْمُهُ بِهِمَا عَلَى قَبُولِ أَخْبَارِ الصَّادِقِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا دَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ وَعُلِمَ بِذَلِكَ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ كُنْت لَمْ تُشَاهِدْهُ خَبَرُ الْخَاصَّةِ وَخَبَرُ الْعَامَّةِ
قَالَ: نَعَمْ
قُلْت: فَقَدْ رَدَدْتهَا إذْ كُنْت تَدِينُ بِمَا تَقُولُ
قَالَ: أَفَتُوجِدنِي مِثْلَ هَذَا مِمَّا تَقُومُ بِذَلِكَ الْحُجَّةُ فِي قَبُولِ الْخَبَرِ؟ فَإِنْ أَوْجَدْتَهُ كَانَ أَزْيَدَ فِي إيضَاحِ حُجَّتِك وَأَثْبَتَ لِلْحُجَّةِ عَلَى مَنْ خَالَفَك وَأَطْيَبَ لِنَفْسِ مَنْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ لِقَوْلِك
فَقُلْت: إنْ سَلَكْت سَبِيلَ النَّصَفَةِ كَانَ فِي بَعْضِ مَا قُلْت دَلِيلٌ عَلَى أَنَّك مُقِيمٌ مِنْ قَوْلِك عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْك الِانْتِقَالُ عَنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنْ قَدْ طَالَتْ غَفْلَتُك فِيهِ عَمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ تَغْفُلَ مِنْ أَمْرِ دِينِك
قَالَ: فَاذْكُرْ شَيْئًا إنْ حَضَرَك
قُلْت: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2]
قَالَ: فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْكِتَابَ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا الْحِكْمَةُ؟ .
قُلْت: سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ جُمْلَةً وَالْحِكْمَةَ خَاصَّةً وَهِيَ أَحْكَامُهُ؟
قُلْت: تَعْنِي بِأَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَ مَا بَيَّنَ لَهُمْ فِي جُمْلَةِ الْفَرَائِضِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ أَحْكَمَ فَرَائِضَ مِنْ فَرَائِضِهِ بِكِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ هِيَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: إنَّهُ لَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ
قُلْت: فَإِنْ ذَهَبْتَ هَذَا الْمَذْهَبَ فَهِيَ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ قَبْلَهُ الَّذِي لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: فَإِنْ ذَهَبْت مَذْهَبَ تَكْرِيرِ الْكَلَامِ؟
قُلْت: وَأَيُّهُمْ أَوْلَى بِهِ إذَا ذَكَرَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ أَنْ يَكُونَا شَيْئَيْنِ أَوْ شَيْئًا وَاحِدًا
قَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا كَمَا وَصَفْت كِتَابًا وَسُنَّةً فَيَكُونَا شَيْئَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا شَيْئًا وَاحِدًا
قُلْت: فَأَظْهَرُهُمَا أُولَاهُمَا وَفِي الْقُرْآنِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قُلْنَا وَخِلَافُ مَا ذَهَبْتَ إلَيْهِ
قَالَ: وَأَيْنَ هِيَ؟
قُلْت: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُتْلَى فِي بُيُوتِهِنَّ شَيْئَانِ قَبْلُ فَهَذَا الْقُرْآنُ يُتْلَى فَكَيْفَ تُتْلَى الْحِكْمَةُ؟ .
قُلْت: إنَّمَا مَعْنَى التِّلَاوَةِ أَنْ يَنْطِقَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَمَا يَنْطِقُ بِهَا
قَالَ: فَهَذِهِ أَبْيَنُ فِي أَنَّ الْحِكْمَةَ غَيْرُ الْقُرْآنِ مِنْ الْأُولَى
وَقُلْت: افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: وَأَيْنَ؟ .
قُلْت: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] وَقَالَ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]
قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَوْلَى بِنَا أَنْ نَقُولَهُ فِي الْحِكْمَةِ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ: إنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالتَّسْلِيمِ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِكْمَتِهِ إنَّمَا هُوَ مِمَّا أَنْزَلَهُ لَكَانَ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ لَهُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى التَّسْلِيمِ لِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قُلْت: لَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ أَمْرِهِ فَقَالَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]
قَالَ: إنَّهُ لَبَيِّنٌ فِي التَّنْزِيلِ أَنَّ عَلَيْنَا فَرْضًا أَنْ نَأْخُذَ الَّذِي أَمَرَنَا بِهِ وَنَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قُلْت: وَالْفَرْضُ عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ هُوَ قَبْلَنَا وَمَنْ بَعْدَنَا وَاحِدٌ؟
قَالَ: نَعَمْ
فَقُلْت: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْنَا فَرْضًا فِي اتِّبَاعِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنُحِيطُ أَنَّهُ إذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا شَيْئًا فَقَدْ دَلَّنَا عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي يُؤْخَذُ بِهِ فَرْضُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ
قُلْت: فَهَلْ تَجِدُ السَّبِيلَ إلَى تَأْدِيَةِ فَرْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي اتِّبَاعِ أَوَامِرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَحَدٍ قَبْلَك أَوْ بَعْدَك مِمَّنْ لَمْ يُشَاهِدْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ فِي أَنْ لَا آخُذَ ذَلِكَ إلَّا بِالْخَبَرِ لِمَا دَلَّنِي عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيَّ أَنْ أَقْبَلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَقُلْت لَهُ أَيْضًا: يَلْزَمُك هَذَا فِي نَاسِخِ الْقُرْآنِ وَمَنْسُوخِهِ
قَالَ: فَاذْكُرْ مِنْهُ شَيْئًا
قُلْت: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] وَقَالَ فِي الْفَرَائِضِ {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] فَزَعَمْنَا بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ آيَةَ الْفَرَائِضِ نَسَخَتْ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فَلَوْ كُنَّا مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الْخَبَرَ فَقَالَ قَائِلٌ: الْوَصِيَّةُ نَسَخَتْ الْفَرَائِضَ هَلْ نَجِدُ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ إلَّا بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
قَالَ: هَذَا شَبِيهٌ بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَالْحُجَّةُ لَك ثَابِتَةٌ بِأَنَّ عَلَيْنَا قَبُولَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ صِرْت إلَى أَنَّ قَبُولَ الْخَبَرِ لَازِمٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِمَا ذَكَرْت وَمَا فِي مِثْلِ مَعَانِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسَتْ تَدْخُلُنِي أَنَفَةٌ مِنْ إظْهَارِ الِانْتِقَالِ عَمَّا كُنْت أَرَى إلَى غَيْرِهِ إذَا بَانَتْ الْحُجَّةُ فِيهِ بَلْ أَتَدَيَّنُ بِأَنَّ عَلَيَّ الرُّجُوعَ عَمَّا كُنْت أَرَى إلَى مَا رَأَيْتُهُ الْحَقَّ وَلَكِنْ أَرَأَيْت الْعَامَّ فِي الْقُرْآنِ كَيْفَ جَعَلْتَهُ عَامًّا مَرَّةً وَخَاصًّا أُخْرَى
قُلْت لَهُ: لِسَانُ الْعَرَبِ وَاسِعٌ وَقَدْ تَنْطِقُ بِالشَّيْءِ عَامًّا تُرِيدُ بِهِ الْخَاصَّ فَيَبِينُ فِي لَفْظِهَا وَلَسْت أَصِيرُ فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ، وَكَذَلِكَ أَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ فَبَيَّنَّ فِي الْقُرْآنِ مَرَّةً وَفِي السُّنَّةِ أُخْرَى قَالَ: فَاذْكُرْ مِنْهَا شَيْئًا قُلْت: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] فَكَانَ مُخْرِجًا بِالْقَوْلِ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ وَقَالَ: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] فَكُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٌ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى فَهَذَا عَامٌّ يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ وَفِيهِ الْخُصُوصُ وَقَالَ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] فَالتَّقْوَى وَخِلَافُهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِلْبَالِغِينَ غَيْرِ الْمَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمْ وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج: 73] وَقَدْ أَحَاطَ الْعِلْمُ أَنَّ كُلَّ النَّاسِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُونُوا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ شَيْئًا لِأَنَّ فِيهِمْ الْمُؤْمِنَ وَمَخْرَجُ الْكَلَامِ عَامًّا فَإِنَّمَا أُرِيدَ مِنْ كَانَ هَكَذَا وَقَالَ: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} [الأعراف: 163] دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَادِينَ فِيهِ أَهْلُهَا دُونَهَا وَذَكَرْت لَهُ أَشْيَاءَ مِمَّا كَتَبْت فِي كِتَابِي
_________________________________
يُتبع ..
تعليق