الرد الداحض لشبهة: البداء صفة لله كما عند البخاري من حديث أبو هريرة!!!
أصل عقيدة البداء لدى اليهود ومنهم أخذ الشيعة، وتعني: العلم بالشيء بعد إن كان لا يعلم به!
وأهل السنة والجماعة ينزهون الله عزوجل من هذه الصفة وذلك بدليل الكتاب والسنةوالأدلة على هذا كثيرة:ـ
قال سبحانه {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5)} آل عمران.
وقال سبحانه {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) ....} الأنعام.
وقال سبحانه {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)} الأنعام.
وقال تعالى { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)} الحديد.
وقال تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)} الجن.
روى البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ - قَالَ - وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ».
محل الشبهة:ـ
لقد أورد البخاري في صحيحه رواية فيها قول : بدا لله عز وجل أن يبتليهم!!
والجواب:ـ لقد روي هذا الحديث من طريق هَمَّامٌ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد روى الحديث من طريقين بلفظين مختلفين عن همام بنفس الإسناد السابق:ـ
اللفظ الأول: بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ [ رواية عبدالله بن رجاء ] رواها البخاري في صحيحه.
اللفظ الثاني: أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ [رواية عمرو بن عاصم رواية شيبان بن فروخ] الأولى عند البخاري والثانية عند مسلم.
ولو نظرنا إلى تراجم هؤلاء الرواة لوجدنهم متقاربين الضبط، فكلهم في مرتبة الصدوق. فالترجيح هنا يتم بناء على عدد الرواة. فلا شك أن الرواية الثانية وهي [أراد الله أن يبتليهم] هي الرواية الأثبت في هذا الحديث لأن من رواها اثنين مقابل الرواية الأولى التي رواها واحد موافق لهم في ضبطهم.
فلماذا رواها البخاري في صحيحه إذن؟! نقول لسببين:ـ
1ـمن الناحية المتنية، لم يكن يخطر على بال البخاري المعنى المغلوط للفظة :"بدا لله أن يبتليهم"، فهي تعنى عنده : أراد الله كذا مع سابق علمه وإحاطته، فهذه العقيدة لم تكن لدى المسلمين الأوائل.
2ـ من الناحية الإسنادية، لم يسمع البخاري هذا الحديث إلا من طريق عبدالله بن رجاء ومن طريق عمرو بن عاصم ورواية عبدالله بن رجاء وإن خالفت رواية عمرو بن عاصم، في بعض ألفاظها فهي معضدة له ومقوية له في سماعهم لهذا الحديث كلاهما من همام شيخهم فقد أوردها البخاري من باب التقوية .
طرق الحديث تفصيلا:
الطريق الأول: عبدالله بن رجاء عن همام، بلفظ: بدا لله عزوجل ان يبتليهم.
ملاحظة: لقد دمج البخاري إسنادين في إسناد وفرق بينهم بحاء التحويل (ح) ولكنه أتى بلفظ عبدالله بن رجاء، ثم جاء في باب آخر فجاء برواية عمرو بن عاصم وحده بلفظه الآخر.
روى البخاري في صحيحه حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح [وهذا الإسناد الأول المدموج بحاء التحويل]. أما الإسناد الآخر فقد قال البخاري.
و حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا .. إلخ الحديث الطويل.
ومن طريق البخاري عن عبدالله بن رجاء به رواه العقيلي في الضعفاء، بنفس لفظ البخاري السابق.
وتابع البخاري على هذا الإسناد موسى بن عمر الجرجاني كما رواه أبو القاسم الجرجاني في تاريخ جرجان
ورواه البزار من نفس الطريق ولم يضبطه فقال: حَدَّثنا إبراهيم بن عَبد الله الرازي ،أو غيره من أصحابنا ، قَال : حَدَّثنا عَبد الله بن رجاء أَخْبَرَنَا همام عن إسحاق بن عَبد الله بن أبي طلحة ، قَال : حَدَّثني عَبد الرحمن بن أبي عمرة أن أبا هُرَيرة حدثه أنه سمع رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم يقول : إن ثلاثة نفر في بني إسرائيل : أبرص وأقرع وأعمى . أراد الله تبارك وتعالى أن يبلوهم . بعث إليهم ملكا...إلخ الحديث.
الطريق الثاني: عمرو بن عاصم عن همام بلفظ: أراد الله أن يبتليهم.
ورواه البخاري في صحيحه قَالَ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ مَلَكًا فَأَتَى الْأَبْرَصَ فَقَالَ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فَلَا بَلَاغَ لِي إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
ورواه ابن الجوزي من طريقه كما في المنتظم
تنبيه: علق البخاري هذه الرواية هنا لأنه سبق له أن أسندها الإسناد المدموج السابق [كما رجحه ابن حجر في تغليق التعليق].
الطريق الثالث: شيبان بن فروخ عن همام، بلفظ: فأراد الله أن يبتليهم.
روى مسلم في صحيحه حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ ثَلاَثَةً فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا .....إلخ الحديث.
ومن طريقه رواه البيهقي في شعب الإيمان والسنن الكبرى، وابن حبان في صحيحه، وابن حجر في عواليه.
وبالله التوفيق والسداد.
تعليق