عقل الفقيـــه
ربمـا أصـبح من البديهي القيـام بتصنيف معرفي بطبائع العقول المُـكـوَّنـة في الساحة الفكرية و أصبح مـألوفا الحديث عن تعدد في أنـماط التفكير و مناهـج التحليل لقضايا التاريخ و أحـداث العصر الراهــن ، فــلا نــظن أحـدا من العقلاء يـقر بخلاف ذلك بالنظـر إلـى ســند الواقع الفكري الذي يدلنا على حصولـه ، فلكل عقل منظومـة مـؤسِّــسة تمثل زاوية معياريــة يحاكم إليهــا آراءه الاجتـهادية و مـواقفـه السياسية و التاريخية ، فــهو عــقل "مكـوَّن" تكوينا مرجعـيا .
عــلى أن مشروعية هـذا التعدد المرجعي الطارئ في الأصول فــرضهـا واقع التمدد الغربي في النظم و المدارس الفلسفية و نتائج سياسات التغريب و التفرنج الممنهَـج جعلتها مع تعاقب الأيــام كـما لـو أنهـا جزء من مكونات الفكر التداولي و اجتهادا نــابعا من إشكالات العصر. فالعقل الماركسي/التابع لــه منطــقه الذاتي في مقياس الظواهــر اجتماعية كانت أم تاريخــية أم سياسية و لـه مرجعيــة تحدد آليات الاجتهاد و طرائقــه ، و للعقل الرأسمالي ثوابت فلسفية و توجيهــات تمــثل حدودا أساسيا لأي بنــاء تجديدي عصري لمشاكل الراهن السياسي و الفكري و الاجتماعي ، و إذا كــان الأمــر كذلك فللعقــل الإسلامي منــطق متـفرد يواجــه بها تحديات و أزمــات العصر قــد يشتــرك مــع غــيره في بعض الجزئيات إلا أنــه يفارقــهم في الأصول الكبرى المؤسِّــسة و في المضامين الفلسفية ، فلـو أخذنــا – مثلا – مطلـب العــدل في حركات و فصائــل دعــاة التغيير لــوجدناه شعارا مشتركـا عند مَطالب الجميع، لكننا لــو نفذنــا إلــى فلسفة العدل و مــاهيته في أدبيات دعــاة التغيير لوجدنــا تمايزات و اختلافات جوهريــة تبعا للمرجعيات العقدية و الأنســاق الفكرية ¹ . علــى هــذا الأســاس أمـكن لنــا الحديث عن عقول متباينة في الخلفيات و المضامين فنشــير إلـى وجود عقل الفقيه و عقل اللائكي و عقل الملحد و ...
و إذا كــنا في مقالات سابقة أوجـزنا الكلام عن بعـض ملامــح عقل اللائكي في تركيبته الذاتية كمـا هـو متجلي في كتب أصحابهــا اللائكيين فإنــنا هــنا – إن شاء الله – سنــأخذ القارئ إلى فسحـة أخـرى نقوم من خلالها تشريح عقل الفقيه كمــا عــبَّــر عن نــفســه في مواقف تاريخية و سياسية متعددة ، و حــتى لا يسارع القارئ الكريم بالسخرية و التهكــم علـى هــذا العقل المفتـرى عليه فتتجــمع في ذهــنه صورا نمطيــة معاصرة عن حــال الفقيــه و مــا وصل إليــه من الذل و الكــسل المعرفي و الخلود إلـى الأرض عجزا و استسلامــا فإننا نــوضح ابتــداء صورة الفقيه كمــا تجلت في تــاريخ المسلمين في وقت مبــكر ، إننا نعــي تمــاما طبيعة الصور الذهنية التي ترسبــت في عقول العموم إزاء الفقيــه ساهمــت فيهــا حالات التشويــه المقصود من أقــلام لائكية تبنت قيم التغــريب كمــا ساهمــت فيهـا – و نعترف بذلك – شخصية الفقيه المعاصرة حيث فقدَ القدرة علــى تـوجيه المجتــمع و التحلي بالشجاعـة و الإحاطة المعرفية بفنون العصــر جعلــته مَضرب المثل أحيانا في الغــباء و الجــهل عنــد خصومه ، بــل و للأسف الشديد وجدنــا نـخبا مثقفـة لائكية تــواصــل عملية مســخ و تشويــه عقــل الفقيــه في حين تنتــصر لأطراف أخــرى يصفونــها بالعقلانية و التحرر ، مِن هــؤلاء مَــن جعــل فلاسفة الإسلام ( ظلال اليونان في العقل ) رموزا للشخصية الإسلامية و بالتــالي يسعــون إلــى إحــياء مسارهــم " العلمي " و تفكيرهـم الفلسفي ، و مِـن هؤلاء مَـن يكيـدون كيدا شديدا للفقيــه التاريخــي فينــحاز أحيانــا لعقل المعتزلة فيشرع في حــصر الشخصية التاريخــية المعتـبرة في علماء الكـلام الذين أخــذوا بتوظيف المنهج العقلي لنصرة الإسلام.
علــى أننــا حينما نتـحدث عن الفقيـه كشخصية لا نحصــرهـا كما يفعـل آخرون في أصحــاب المذاهب الفقهية أو العارفين في طرق الاستنــباط ، و إنـما نقصـد منـه تلك الشخصية التـي استطاعـت عبـر التــاريخ أن تــحافِـظ علــى مكــانتها المرموقة بين المجتــمع فصارت لــه الكلــمة و انــقادت لــه عموم النــاس بالاحتــرام الشديد لــه ، فجـمعت بين تحقق آلــة الاستنباط و التــحرر من هــيمنــة السلطــة أمــرا و توجــيها مطلــقا . علــى هــذا الأســاس نــرى من الضروري أن يفــهم النــاس حقيقة الفقــيه الذي استــوعـب تموجات التاريخ و تَــحرّكَ في موجاتــه المتلاطمــة بعيدا عــن الصور البنائية السطحية الراهــنة التي تــكونت عن هــذا الفقــيه حيث جعــلتــه موصوفــا بالكسل المعرفي و الجبن السياسي و الارتبــاط المباشـر بأصــحاب " الطبقة البورجوازية الصغرى " .
لا بــد لــنا من التــحرر من أســر سلطــة الواقــع و التفكير بمنطـق التاريــخ كــما كــان يعيشــه الفقيـه حــقا و يتفاعــل معه ، بناء على هــذا الأساس فنــحن لا نــضع حــواجــز صلبـة بين عقل الفقيه/ عقل الفروع و بين عقل المعتــزلة مثلا و لا نتعامل مع الشخصيات التاريخــية تــعامــلا فِــرَقِــيّــا ( نسبة إلـى الفرقة ) ننتصـر لــهذا علــى حساب ذاك و إنــما نــرى وجود خــطّ مشتــرك بينــهم إن لـم يكــن من مــدخــل آليات الاجتــهاد المعتَــمدة فمن بــاب زعــامتــه الدينية و شخصيتــه الوازنــة بين النــاس ، فعندي أنه ليس ضروريــا أن نــضع عقــل المعتــزلي منــاقضا لعقل الفقيــه ، بــل الأصح أن نقــول بين المعتــزلة شخصيــات فقهــية أصيلــة جمــعت بين علوم متنوعــة لكنــها حافظت على خطها التداولي ، و ليس بالضروري وضع الفقيــه في تــناد مع الأشعــري- مثلا- لوجــود فقهــاء استوعــبوا دقائق الكـلام ضمن شخصيتــهم الفقهية الغالبة ، و علــيه فحينــما نــرسل الكلام عن عقل الفقيه فنحــن قد نقصد منه عقل المعتــزلي أو الأشعري أو أصحاب الأثر لاشتراكــهم في السياق التاريخي التداولي و الزعامة المستقــلة ، و من هــنا نبتــعد عن التصنيفــات و الاصطفافات الإيديولوجية التي جــزأت تــاريخــنا إلـى ملل و مــذاهب و حــوَّلتــهُ إلــى ساحــة صراع دائم عصفــت بكل صور التــلاقي في الحضارة الإسلامية و احتلت صور الاصطدام ساحةَ الحضارة .
و حتـى لا يًـستدرك علينا بالقول بأننا نـقوم بعملـية طــمس و خــلط شديد للتمايزات المفصـلية بين منـاهـج و طرق التيارات الفقهية و الكلامية و الصوفيـة فإنــنا ننــبه ابتداء بكوننا لا ننــكر وجود اختــلافات منهـجية و منـظورات مستقــلة بين هــذا الفقيه الكلامي و الفقيه الصوفي و الفقيه المذهــبي ، و لكننا نــرى أن العــقل الفقــهي بتمــظهــراتــه المتنـوعـة بنـية واحـدة في شخصيتــه الذاتية رغم اختــلاف العديد منهــم في المواقف ، فقد جعــلــهم الانتساب للإســلام كمرجعية ثابتا من ثوابت تفكــيرهــم السياسي و الاجتماعي فنـظَّــروا و واجهــوا و اعتُـقــلوا بــل و عُــذبوا في سبيل الإخــلاص لـــهذا الدين العظــيم ، و لــعلنــا لا نبالــغ إذا قلنا إن العديد من اللائكيين ( لائكية ليبرالية أم ماركسية أو أمازيغية النخب ) لــم يكلـفوا أنــفســهم استــقراء و استــنطـاق التــاريــخ الفُــقَــهائي و تتــبع مــساراتــه المعـقدة في التاريخ الإسلامي و لــم يبينــوا لــنا بالمنهــج العلمي و التحليل التاريخي الذي يــزعمونـه كــيف كــان الفقيه يــفكــر إذ يــواجــه تــحديات عــصره ، بــحَــثنــا عن ذلك فلــم نــجد إلا تعــميمات و أحكــاما تـحكَّــمت فيهــا الإديديولوجيا أكثــر مما تحــكَّمــت فيها شواهد التاريــخ ، و لــم نــجد إلا ترديدات متسرعــة دأبت عليهـا القراءات المادية للتاريخ إلــى درجة أن غدت مسلمات غير قابلـة للنــقد تأثَّــرت بهــا العديد من النخب فراحـوا يصفون الفقيــه أحــيانا بصاحــب العمــامة و الحرفية الفقهية و الخضوع لواقع السيف و الغلبة و تجميد العقل .... تــوصيفات منقولـة غلبت عليهـا الحمــاسة فأسرتــه.
لكنــنا نــريد أن نــفهــم أسبــاب هـذه الحملات المسعـورة التـي اختارت طريق النقد الفارغ و أرادت أن تنتصـر لمشاريعــها المُـــستَـلَـبَـة علـى حساب حقيقة الواقع التاريخي فــنستـوعبَ الخلفيات و الإيديولوجيات و مــا تحدثـه من ضغــط و تـوجيه للبحث و الدراسات في ميدان التاريخ الإسلامي المظلوم
¹ يُـنظَـر كتاب "سقوط الغلو العلماني" . د محمد عمارة ص : 158
يُتــبَــــع بحول الله...
ربمـا أصـبح من البديهي القيـام بتصنيف معرفي بطبائع العقول المُـكـوَّنـة في الساحة الفكرية و أصبح مـألوفا الحديث عن تعدد في أنـماط التفكير و مناهـج التحليل لقضايا التاريخ و أحـداث العصر الراهــن ، فــلا نــظن أحـدا من العقلاء يـقر بخلاف ذلك بالنظـر إلـى ســند الواقع الفكري الذي يدلنا على حصولـه ، فلكل عقل منظومـة مـؤسِّــسة تمثل زاوية معياريــة يحاكم إليهــا آراءه الاجتـهادية و مـواقفـه السياسية و التاريخية ، فــهو عــقل "مكـوَّن" تكوينا مرجعـيا .
عــلى أن مشروعية هـذا التعدد المرجعي الطارئ في الأصول فــرضهـا واقع التمدد الغربي في النظم و المدارس الفلسفية و نتائج سياسات التغريب و التفرنج الممنهَـج جعلتها مع تعاقب الأيــام كـما لـو أنهـا جزء من مكونات الفكر التداولي و اجتهادا نــابعا من إشكالات العصر. فالعقل الماركسي/التابع لــه منطــقه الذاتي في مقياس الظواهــر اجتماعية كانت أم تاريخــية أم سياسية و لـه مرجعيــة تحدد آليات الاجتهاد و طرائقــه ، و للعقل الرأسمالي ثوابت فلسفية و توجيهــات تمــثل حدودا أساسيا لأي بنــاء تجديدي عصري لمشاكل الراهن السياسي و الفكري و الاجتماعي ، و إذا كــان الأمــر كذلك فللعقــل الإسلامي منــطق متـفرد يواجــه بها تحديات و أزمــات العصر قــد يشتــرك مــع غــيره في بعض الجزئيات إلا أنــه يفارقــهم في الأصول الكبرى المؤسِّــسة و في المضامين الفلسفية ، فلـو أخذنــا – مثلا – مطلـب العــدل في حركات و فصائــل دعــاة التغيير لــوجدناه شعارا مشتركـا عند مَطالب الجميع، لكننا لــو نفذنــا إلــى فلسفة العدل و مــاهيته في أدبيات دعــاة التغيير لوجدنــا تمايزات و اختلافات جوهريــة تبعا للمرجعيات العقدية و الأنســاق الفكرية ¹ . علــى هــذا الأســاس أمـكن لنــا الحديث عن عقول متباينة في الخلفيات و المضامين فنشــير إلـى وجود عقل الفقيه و عقل اللائكي و عقل الملحد و ...
و إذا كــنا في مقالات سابقة أوجـزنا الكلام عن بعـض ملامــح عقل اللائكي في تركيبته الذاتية كمـا هـو متجلي في كتب أصحابهــا اللائكيين فإنــنا هــنا – إن شاء الله – سنــأخذ القارئ إلى فسحـة أخـرى نقوم من خلالها تشريح عقل الفقيه كمــا عــبَّــر عن نــفســه في مواقف تاريخية و سياسية متعددة ، و حــتى لا يسارع القارئ الكريم بالسخرية و التهكــم علـى هــذا العقل المفتـرى عليه فتتجــمع في ذهــنه صورا نمطيــة معاصرة عن حــال الفقيــه و مــا وصل إليــه من الذل و الكــسل المعرفي و الخلود إلـى الأرض عجزا و استسلامــا فإننا نــوضح ابتــداء صورة الفقيه كمــا تجلت في تــاريخ المسلمين في وقت مبــكر ، إننا نعــي تمــاما طبيعة الصور الذهنية التي ترسبــت في عقول العموم إزاء الفقيــه ساهمــت فيهــا حالات التشويــه المقصود من أقــلام لائكية تبنت قيم التغــريب كمــا ساهمــت فيهـا – و نعترف بذلك – شخصية الفقيه المعاصرة حيث فقدَ القدرة علــى تـوجيه المجتــمع و التحلي بالشجاعـة و الإحاطة المعرفية بفنون العصــر جعلــته مَضرب المثل أحيانا في الغــباء و الجــهل عنــد خصومه ، بــل و للأسف الشديد وجدنــا نـخبا مثقفـة لائكية تــواصــل عملية مســخ و تشويــه عقــل الفقيــه في حين تنتــصر لأطراف أخــرى يصفونــها بالعقلانية و التحرر ، مِن هــؤلاء مَــن جعــل فلاسفة الإسلام ( ظلال اليونان في العقل ) رموزا للشخصية الإسلامية و بالتــالي يسعــون إلــى إحــياء مسارهــم " العلمي " و تفكيرهـم الفلسفي ، و مِـن هؤلاء مَـن يكيـدون كيدا شديدا للفقيــه التاريخــي فينــحاز أحيانــا لعقل المعتزلة فيشرع في حــصر الشخصية التاريخــية المعتـبرة في علماء الكـلام الذين أخــذوا بتوظيف المنهج العقلي لنصرة الإسلام.
علــى أننــا حينما نتـحدث عن الفقيـه كشخصية لا نحصــرهـا كما يفعـل آخرون في أصحــاب المذاهب الفقهية أو العارفين في طرق الاستنــباط ، و إنـما نقصـد منـه تلك الشخصية التـي استطاعـت عبـر التــاريخ أن تــحافِـظ علــى مكــانتها المرموقة بين المجتــمع فصارت لــه الكلــمة و انــقادت لــه عموم النــاس بالاحتــرام الشديد لــه ، فجـمعت بين تحقق آلــة الاستنباط و التــحرر من هــيمنــة السلطــة أمــرا و توجــيها مطلــقا . علــى هــذا الأســاس نــرى من الضروري أن يفــهم النــاس حقيقة الفقــيه الذي استــوعـب تموجات التاريخ و تَــحرّكَ في موجاتــه المتلاطمــة بعيدا عــن الصور البنائية السطحية الراهــنة التي تــكونت عن هــذا الفقــيه حيث جعــلتــه موصوفــا بالكسل المعرفي و الجبن السياسي و الارتبــاط المباشـر بأصــحاب " الطبقة البورجوازية الصغرى " .
لا بــد لــنا من التــحرر من أســر سلطــة الواقــع و التفكير بمنطـق التاريــخ كــما كــان يعيشــه الفقيـه حــقا و يتفاعــل معه ، بناء على هــذا الأساس فنــحن لا نــضع حــواجــز صلبـة بين عقل الفقيه/ عقل الفروع و بين عقل المعتــزلة مثلا و لا نتعامل مع الشخصيات التاريخــية تــعامــلا فِــرَقِــيّــا ( نسبة إلـى الفرقة ) ننتصـر لــهذا علــى حساب ذاك و إنــما نــرى وجود خــطّ مشتــرك بينــهم إن لـم يكــن من مــدخــل آليات الاجتــهاد المعتَــمدة فمن بــاب زعــامتــه الدينية و شخصيتــه الوازنــة بين النــاس ، فعندي أنه ليس ضروريــا أن نــضع عقــل المعتــزلي منــاقضا لعقل الفقيــه ، بــل الأصح أن نقــول بين المعتــزلة شخصيــات فقهــية أصيلــة جمــعت بين علوم متنوعــة لكنــها حافظت على خطها التداولي ، و ليس بالضروري وضع الفقيــه في تــناد مع الأشعــري- مثلا- لوجــود فقهــاء استوعــبوا دقائق الكـلام ضمن شخصيتــهم الفقهية الغالبة ، و علــيه فحينــما نــرسل الكلام عن عقل الفقيه فنحــن قد نقصد منه عقل المعتــزلي أو الأشعري أو أصحاب الأثر لاشتراكــهم في السياق التاريخي التداولي و الزعامة المستقــلة ، و من هــنا نبتــعد عن التصنيفــات و الاصطفافات الإيديولوجية التي جــزأت تــاريخــنا إلـى ملل و مــذاهب و حــوَّلتــهُ إلــى ساحــة صراع دائم عصفــت بكل صور التــلاقي في الحضارة الإسلامية و احتلت صور الاصطدام ساحةَ الحضارة .
و حتـى لا يًـستدرك علينا بالقول بأننا نـقوم بعملـية طــمس و خــلط شديد للتمايزات المفصـلية بين منـاهـج و طرق التيارات الفقهية و الكلامية و الصوفيـة فإنــنا ننــبه ابتداء بكوننا لا ننــكر وجود اختــلافات منهـجية و منـظورات مستقــلة بين هــذا الفقيه الكلامي و الفقيه الصوفي و الفقيه المذهــبي ، و لكننا نــرى أن العــقل الفقــهي بتمــظهــراتــه المتنـوعـة بنـية واحـدة في شخصيتــه الذاتية رغم اختــلاف العديد منهــم في المواقف ، فقد جعــلــهم الانتساب للإســلام كمرجعية ثابتا من ثوابت تفكــيرهــم السياسي و الاجتماعي فنـظَّــروا و واجهــوا و اعتُـقــلوا بــل و عُــذبوا في سبيل الإخــلاص لـــهذا الدين العظــيم ، و لــعلنــا لا نبالــغ إذا قلنا إن العديد من اللائكيين ( لائكية ليبرالية أم ماركسية أو أمازيغية النخب ) لــم يكلـفوا أنــفســهم استــقراء و استــنطـاق التــاريــخ الفُــقَــهائي و تتــبع مــساراتــه المعـقدة في التاريخ الإسلامي و لــم يبينــوا لــنا بالمنهــج العلمي و التحليل التاريخي الذي يــزعمونـه كــيف كــان الفقيه يــفكــر إذ يــواجــه تــحديات عــصره ، بــحَــثنــا عن ذلك فلــم نــجد إلا تعــميمات و أحكــاما تـحكَّــمت فيهــا الإديديولوجيا أكثــر مما تحــكَّمــت فيها شواهد التاريــخ ، و لــم نــجد إلا ترديدات متسرعــة دأبت عليهـا القراءات المادية للتاريخ إلــى درجة أن غدت مسلمات غير قابلـة للنــقد تأثَّــرت بهــا العديد من النخب فراحـوا يصفون الفقيــه أحــيانا بصاحــب العمــامة و الحرفية الفقهية و الخضوع لواقع السيف و الغلبة و تجميد العقل .... تــوصيفات منقولـة غلبت عليهـا الحمــاسة فأسرتــه.
لكنــنا نــريد أن نــفهــم أسبــاب هـذه الحملات المسعـورة التـي اختارت طريق النقد الفارغ و أرادت أن تنتصـر لمشاريعــها المُـــستَـلَـبَـة علـى حساب حقيقة الواقع التاريخي فــنستـوعبَ الخلفيات و الإيديولوجيات و مــا تحدثـه من ضغــط و تـوجيه للبحث و الدراسات في ميدان التاريخ الإسلامي المظلوم
¹ يُـنظَـر كتاب "سقوط الغلو العلماني" . د محمد عمارة ص : 158
يُتــبَــــع بحول الله...
تعليق