عـــــقـــلُ الــفــقــيــه

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الطلحاوي الإسلام اكتشف المزيد حول الطلحاوي
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الطلحاوي
    2- عضو مشارك

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 30 مار, 2013
    • 119
    • أستـاذ
    • الإسلام

    عـــــقـــلُ الــفــقــيــه

    عقل الفقيـــه

    ربمـا أصـبح من البديهي القيـام بتصنيف معرفي بطبائع العقول المُـكـوَّنـة في الساحة الفكرية و أصبح مـألوفا الحديث عن تعدد في أنـماط التفكير و مناهـج التحليل لقضايا التاريخ و أحـداث العصر الراهــن ، فــلا نــظن أحـدا من العقلاء يـقر بخلاف ذلك بالنظـر إلـى ســند الواقع الفكري الذي يدلنا على حصولـه ، فلكل عقل منظومـة مـؤسِّــسة تمثل زاوية معياريــة يحاكم إليهــا آراءه الاجتـهادية و مـواقفـه السياسية و التاريخية ، فــهو عــقل "مكـوَّن" تكوينا مرجعـيا .

    عــلى أن مشروعية هـذا التعدد المرجعي الطارئ في الأصول فــرضهـا واقع التمدد الغربي في النظم و المدارس الفلسفية و نتائج سياسات التغريب و التفرنج الممنهَـج جعلتها مع تعاقب الأيــام كـما لـو أنهـا جزء من مكونات الفكر التداولي و اجتهادا نــابعا من إشكالات العصر. فالعقل الماركسي/التابع لــه منطــقه الذاتي في مقياس الظواهــر اجتماعية كانت أم تاريخــية أم سياسية و لـه مرجعيــة تحدد آليات الاجتهاد و طرائقــه ، و للعقل الرأسمالي ثوابت فلسفية و توجيهــات تمــثل حدودا أساسيا لأي بنــاء تجديدي عصري لمشاكل الراهن السياسي و الفكري و الاجتماعي ، و إذا كــان الأمــر كذلك فللعقــل الإسلامي منــطق متـفرد يواجــه بها تحديات و أزمــات العصر قــد يشتــرك مــع غــيره في بعض الجزئيات إلا أنــه يفارقــهم في الأصول الكبرى المؤسِّــسة و في المضامين الفلسفية ، فلـو أخذنــا – مثلا – مطلـب العــدل في حركات و فصائــل دعــاة التغيير لــوجدناه شعارا مشتركـا عند مَطالب الجميع، لكننا لــو نفذنــا إلــى فلسفة العدل و مــاهيته في أدبيات دعــاة التغيير لوجدنــا تمايزات و اختلافات جوهريــة تبعا للمرجعيات العقدية و الأنســاق الفكرية ¹ . علــى هــذا الأســاس أمـكن لنــا الحديث عن عقول متباينة في الخلفيات و المضامين فنشــير إلـى وجود عقل الفقيه و عقل اللائكي و عقل الملحد و ...

    و إذا كــنا في مقالات سابقة أوجـزنا الكلام عن بعـض ملامــح عقل اللائكي في تركيبته الذاتية كمـا هـو متجلي في كتب أصحابهــا اللائكيين فإنــنا هــنا – إن شاء الله – سنــأخذ القارئ إلى فسحـة أخـرى نقوم من خلالها تشريح عقل الفقيه كمــا عــبَّــر عن نــفســه في مواقف تاريخية و سياسية متعددة ، و حــتى لا يسارع القارئ الكريم بالسخرية و التهكــم علـى هــذا العقل المفتـرى عليه فتتجــمع في ذهــنه صورا نمطيــة معاصرة عن حــال الفقيــه و مــا وصل إليــه من الذل و الكــسل المعرفي و الخلود إلـى الأرض عجزا و استسلامــا فإننا نــوضح ابتــداء صورة الفقيه كمــا تجلت في تــاريخ المسلمين في وقت مبــكر ، إننا نعــي تمــاما طبيعة الصور الذهنية التي ترسبــت في عقول العموم إزاء الفقيــه ساهمــت فيهــا حالات التشويــه المقصود من أقــلام لائكية تبنت قيم التغــريب كمــا ساهمــت فيهـا – و نعترف بذلك – شخصية الفقيه المعاصرة حيث فقدَ القدرة علــى تـوجيه المجتــمع و التحلي بالشجاعـة و الإحاطة المعرفية بفنون العصــر جعلــته مَضرب المثل أحيانا في الغــباء و الجــهل عنــد خصومه ، بــل و للأسف الشديد وجدنــا نـخبا مثقفـة لائكية تــواصــل عملية مســخ و تشويــه عقــل الفقيــه في حين تنتــصر لأطراف أخــرى يصفونــها بالعقلانية و التحرر ، مِن هــؤلاء مَــن جعــل فلاسفة الإسلام ( ظلال اليونان في العقل ) رموزا للشخصية الإسلامية و بالتــالي يسعــون إلــى إحــياء مسارهــم " العلمي " و تفكيرهـم الفلسفي ، و مِـن هؤلاء مَـن يكيـدون كيدا شديدا للفقيــه التاريخــي فينــحاز أحيانــا لعقل المعتزلة فيشرع في حــصر الشخصية التاريخــية المعتـبرة في علماء الكـلام الذين أخــذوا بتوظيف المنهج العقلي لنصرة الإسلام.

    علــى أننــا حينما نتـحدث عن الفقيـه كشخصية لا نحصــرهـا كما يفعـل آخرون في أصحــاب المذاهب الفقهية أو العارفين في طرق الاستنــباط ، و إنـما نقصـد منـه تلك الشخصية التـي استطاعـت عبـر التــاريخ أن تــحافِـظ علــى مكــانتها المرموقة بين المجتــمع فصارت لــه الكلــمة و انــقادت لــه عموم النــاس بالاحتــرام الشديد لــه ، فجـمعت بين تحقق آلــة الاستنباط و التــحرر من هــيمنــة السلطــة أمــرا و توجــيها مطلــقا . علــى هــذا الأســاس نــرى من الضروري أن يفــهم النــاس حقيقة الفقــيه الذي استــوعـب تموجات التاريخ و تَــحرّكَ في موجاتــه المتلاطمــة بعيدا عــن الصور البنائية السطحية الراهــنة التي تــكونت عن هــذا الفقــيه حيث جعــلتــه موصوفــا بالكسل المعرفي و الجبن السياسي و الارتبــاط المباشـر بأصــحاب " الطبقة البورجوازية الصغرى " .

    لا بــد لــنا من التــحرر من أســر سلطــة الواقــع و التفكير بمنطـق التاريــخ كــما كــان يعيشــه الفقيـه حــقا و يتفاعــل معه ، بناء على هــذا الأساس فنــحن لا نــضع حــواجــز صلبـة بين عقل الفقيه/ عقل الفروع و بين عقل المعتــزلة مثلا و لا نتعامل مع الشخصيات التاريخــية تــعامــلا فِــرَقِــيّــا ( نسبة إلـى الفرقة ) ننتصـر لــهذا علــى حساب ذاك و إنــما نــرى وجود خــطّ مشتــرك بينــهم إن لـم يكــن من مــدخــل آليات الاجتــهاد المعتَــمدة فمن بــاب زعــامتــه الدينية و شخصيتــه الوازنــة بين النــاس ، فعندي أنه ليس ضروريــا أن نــضع عقــل المعتــزلي منــاقضا لعقل الفقيــه ، بــل الأصح أن نقــول بين المعتــزلة شخصيــات فقهــية أصيلــة جمــعت بين علوم متنوعــة لكنــها حافظت على خطها التداولي ، و ليس بالضروري وضع الفقيــه في تــناد مع الأشعــري- مثلا- لوجــود فقهــاء استوعــبوا دقائق الكـلام ضمن شخصيتــهم الفقهية الغالبة ، و علــيه فحينــما نــرسل الكلام عن عقل الفقيه فنحــن قد نقصد منه عقل المعتــزلي أو الأشعري أو أصحاب الأثر لاشتراكــهم في السياق التاريخي التداولي و الزعامة المستقــلة ، و من هــنا نبتــعد عن التصنيفــات و الاصطفافات الإيديولوجية التي جــزأت تــاريخــنا إلـى ملل و مــذاهب و حــوَّلتــهُ إلــى ساحــة صراع دائم عصفــت بكل صور التــلاقي في الحضارة الإسلامية و احتلت صور الاصطدام ساحةَ الحضارة .

    و حتـى لا يًـستدرك علينا بالقول بأننا نـقوم بعملـية طــمس و خــلط شديد للتمايزات المفصـلية بين منـاهـج و طرق التيارات الفقهية و الكلامية و الصوفيـة فإنــنا ننــبه ابتداء بكوننا لا ننــكر وجود اختــلافات منهـجية و منـظورات مستقــلة بين هــذا الفقيه الكلامي و الفقيه الصوفي و الفقيه المذهــبي ، و لكننا نــرى أن العــقل الفقــهي بتمــظهــراتــه المتنـوعـة بنـية واحـدة في شخصيتــه الذاتية رغم اختــلاف العديد منهــم في المواقف ، فقد جعــلــهم الانتساب للإســلام كمرجعية ثابتا من ثوابت تفكــيرهــم السياسي و الاجتماعي فنـظَّــروا و واجهــوا و اعتُـقــلوا بــل و عُــذبوا في سبيل الإخــلاص لـــهذا الدين العظــيم ، و لــعلنــا لا نبالــغ إذا قلنا إن العديد من اللائكيين ( لائكية ليبرالية أم ماركسية أو أمازيغية النخب ) لــم يكلـفوا أنــفســهم استــقراء و استــنطـاق التــاريــخ الفُــقَــهائي و تتــبع مــساراتــه المعـقدة في التاريخ الإسلامي و لــم يبينــوا لــنا بالمنهــج العلمي و التحليل التاريخي الذي يــزعمونـه كــيف كــان الفقيه يــفكــر إذ يــواجــه تــحديات عــصره ، بــحَــثنــا عن ذلك فلــم نــجد إلا تعــميمات و أحكــاما تـحكَّــمت فيهــا الإديديولوجيا أكثــر مما تحــكَّمــت فيها شواهد التاريــخ ، و لــم نــجد إلا ترديدات متسرعــة دأبت عليهـا القراءات المادية للتاريخ إلــى درجة أن غدت مسلمات غير قابلـة للنــقد تأثَّــرت بهــا العديد من النخب فراحـوا يصفون الفقيــه أحــيانا بصاحــب العمــامة و الحرفية الفقهية و الخضوع لواقع السيف و الغلبة و تجميد العقل .... تــوصيفات منقولـة غلبت عليهـا الحمــاسة فأسرتــه.

    لكنــنا نــريد أن نــفهــم أسبــاب هـذه الحملات المسعـورة التـي اختارت طريق النقد الفارغ و أرادت أن تنتصـر لمشاريعــها المُـــستَـلَـبَـة علـى حساب حقيقة الواقع التاريخي فــنستـوعبَ الخلفيات و الإيديولوجيات و مــا تحدثـه من ضغــط و تـوجيه للبحث و الدراسات في ميدان التاريخ الإسلامي المظلوم

    ¹ يُـنظَـر كتاب "سقوط الغلو العلماني" . د محمد عمارة ص : 158

    يُتــبَــــع بحول الله...
  • الطلحاوي
    2- عضو مشارك

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 30 مار, 2013
    • 119
    • أستـاذ
    • الإسلام

    #2
    رد: عـــــقـــلُ الــفــقــيــه

    لــعلـنا سنجازف بالقول أن الأبحــاث التـي تعـرَّضت بالدراسـة و التحليل لِـفترات التاريخ الإسلامي – و ضمنهـا موقع عقل الفقيه – تنــوعت و اختلــفت اختــلافا كبيرا نــجمــل بعضهــا في مــا يلي :

    · قراءات مــادية إسقاطية للتاريخ : تبـنـت مفاهـيم الصراع الطبقي و الجدلية التاريخية و ســحبتــه عـلى كل تــاريخ ، و أرادت من خــلالــها الانتصار لفـكرة اليمين و اليســار في الصراع علـى السلـطة فـراح أصحابـها يتعــاملــون مــع بعض الفقهــاء كأنـهم يمثلون الجنـاح الثوري / اليسار فتــم تجريدهـم من بــواعث الإيمـان و منطلقات العقيدة حــتى صــاروا رجــال دنــيا و " مناضلين " مــاديين ، في المــقابل تــمَّ رســم/ صورة نقيضة لبعض الفقهــاء الذين اعتُــبِــروا حلــفاء " الإقطــاع " و رمــوز " البورجوازية " يوالــون السلــطة و ينــعمــون بخيراتــها و يضــعون لــهم الدين صمــان أمــان ضــد الثــورة عليهم ! كــتابات كــهــذه تأثــرت بالفكرة المادية للتاريخ و بأجــواء المناخ الدولــي حينما كانت الشيوعية ذات قرون فــرقــصَ المـقــلِّــدون لـها طــربا عــلى أنغــام انهــيارهــا السريعــة فــما عــاد بريقــها يستهــوي أحــدا من العقــلاء ( كتابات النزعات المادية ، اليمين و اليسار في الإسلام ، مشروع رؤية جديدة للفكر العربي ... ).

    · قراءات لائكية مِن خارج الدين مِن خـارج التراث : و هـي قراءات نـصبت العــداء للتاريـخ الإسلامي فوسمــتهــا بالمنظـور المشرقي فـأرادت أن تــفــهمَ وجودهــا فــهمــا إثــنيا ، فإذا كانت قد نــاصبت العـداء لهـذا التــاريخ و راحـت أحيانــا تقتــفي أثــر المستشرقيـن الحاقدين فتصــيدت شواهــد الإدانــة من تــاريخ المسلمين فمن باب أولـى أن تنصــب الحــقــد لــعقل الفقــيه بوصفـه عقلا متحــجرا و مشرقيا في تفكيره . يــدخــل في هـذا البــاب كتابات و مقالات ضحلـة لنخـب أمــازيغية ( مجرد نخب ) استنــجدت بتراث الوثنيين ما قبل الميلاد و انغــرزت في أعــرافــهم ، و هــذه الفــئة لا نــهتــم بهــا كثيرا لأن أصحــابهــا يعلـــنون حربهــم علـى الإسلام و مَـن حــملَ لواءه فأراحونــا من الرد علــى أمثالهم.

    · قراءات لائكية من خـارج الدين من داخل التـراث : و أصــحاب هذه القراءات لا يـزعــمون علــنا معاداة الإسلام و تــاريخـه و لا يتبــنون في الغالب المنهــج المــادي في تحليل أحــداثــه ، و إنــما ينطلقــون مِــن داخــل التراث في حركــاته و سكنـاته ليصلـوا بنــا إلــى خــلاصـة إدانــة عقــل الفقــيه و إدانــة تـاريخ المسلمين . و هــؤلاء النوع أقــلُّ ســوء لأنهــم نــظروا إلــى التراث و قــامـوا باستعــراض أزمــاتــه و نكباتـه و نظــروا في تــصرفات الفقيه و خــضوع البعـض لسلـطة السيف و الغلبـة و صمت البـعض علـى البـوح بفســاد إمارة الاستيــلاء بــل و تأييد البعض لـها بحكم الأمــر الواقع و حدوث الفتــنة ، نــظروا إلــى كــل ذلك فحكــموا و جزمـوا فــصار الفقيه في قفـص الاتهــام . أصــحاب هــذا الاتجاه كُــثُــر و كتاباتـهم متعددة جمـعت بين الغث و السمين ، بين حقـائق التاريـخ و تأويلـه ، انـدمـجت في عقولـهم حنين الديــن و غلبـة الغرب/النموذج ، يصيــبون أحــيانــا و يخطــئون أحــايين ، حــافــظوا علــى ســلامــة اللغة من التهجيــن لكن خـــانتهم المعــاني ، بعـضهم يصـدرون أحكـام الإدانـة فيصفون الفقهـاء ب " عبيــد السلاطين " ² و الآخــر يـحـسم حسمــا جازمــا فيقــرر " أن أصـبح الخضوع لأولي الأمـر هـو القاعـدة في ممــارسة السياسـة " (يُــنظَـر النظام السياسي في الإسلام . برهـان غليون و سليم العـوا ) . هــكذا أرادوا أن يقرأوا التــاريخ و يحددوا عقل الفقيه ، و للتــمثيـل يُـرجى النظر في كتابات علي عبد الرازق و فرج فودة و برهان غليون و المستشــار العشماوي و ...

    قراءة تــراثية للتــراث : و هي قراءات حـاولت تقـطيع التـراث و الانتـصار لتـيار فكري هـو في عرفها الأكـثر تعبيرا عن مـلامـح الشخصية الإسلامية ، و بـالتالي رمـت إلــى انتــقاء مــا ينـبغـي وصـله بالعـصر ، و يـمكن أن نـمثل لــها بكتابات الراحــل محمد عــابد الجـابري حيث سعــت إلـى مـصادرة عقل الفقيه و تماهت في المقابل مع عــقل الفيلسوف . فالنـاظـر لكتبه يــجد تـحاملا كبيرا على الفقهــاء و اتــهــاما لهــذا العقل بغلبة " سلطة اللفظ " و معاداة الفيلسوف، فـهي كتــابات رشــدية فصلـت عقل ابن رشد الفقيه عن شخصيته و رُسِــمَـت له صورة مناقضة لـخط الفقيه ( سـواء كـان فقيها معتزليا أو أشعريا ) حــتى بـدا للقــارئ وجودَ حربٍ ضروس بين فلاسفة الإسلام و الفقـهاء. و فــي المــقابل ينتـصر آخرون لعقل المعتزلي و يشيدون بعقلانيته و قـدرتــه الفائقة علـى استيعاب الــواقع كمـا فــعلَ المفكـر الإسلامي محمد عمارة بدون أن يعنـي ذلك معاداة الآخـرين ، فـهـو يقول في كتابه نـظرة جديدة إلـى التراث : ( فالمعتـزلة أهـل العدل و التوحيد مـثلا أكثر المدارس الفكرية تعبيرا عن أصالـة الشخصية العربية الإسلامية ، فلـقد استخدموا المنهج العقلي في البحث و التفكير دون أن يكونوا أسـرى للفكر لليوناني و دون أن يـنـفصلوا عن قضايا العقيدة التي كـانت تــزخـر بها المجتمعات العربية الإسلامية في عصورهـم ، كما كانوا رجـال فكر و سياسة و ثورات و علم و هندسة و زهد ..) ³ و يــقول : ( فنـحن إذا شـئنا في حياتنا السياسية و في صفوف جمـاهيرنا قيم الديمقراطية و أفـكار المساواة و الحرية السياسية للـمواطن فـلا بـد من أن نقدِّمَ لهذه الجماهير صفحات تراثنا التي تمـجِّــد الشورى و تجعـل صلاحيات الحاكم نـابعة من تـوافـر الشروط فيه ، و ذلك دونـما التفاف إلـى النسب و العرق و الدم أو المـال أو العصبية أو مـركـز القوة غير المشروع ، ففي هـذه الصفحات زاد فكري يستطـيـع أن يؤصل في أمتـنا روح الديمقراطية كخلق و ممارسـة و سلوك لا كمـجرد شعارات ..) 4 انتهى كـلامـه . لا شــك أن الدكتور عمارة و قــد مــرَّ بفتـرة الانقلاب الجذري من خـطابـه اليساري القديم إلـى خطــاب إسلامي استـوعب التراث الإسلامي في وقــت اشتــد فيه الصراع بين اللائكيين القابضين على السلطة و الإعلام و بين الإسلاميين الباحثين عن حــق الوجود القانوني فـكـان من الطبيعي مواجهتهم بلغة الثقافة و التاريخ تــماما كما فـعل الكلاميون في صراعهـم عـقائد الباطل بالحجة و البرهـان ، أمَــا الآن و قــد تــقهــقــر المشروع اللائكي و لـم يــعـد إلا صرخــات ألم فردية مهزومـة فقـد اتجـهَ مفكرنــا إلــى التصالح مع التاريخ الفُــقَــهائي و إبــراز دورهـم في الحراك السياسي و الاجتماعي 5.

    · قــراءة من داخـل الدين من داخل التـراث : تتــميز هـذه القراءات بكونـها قاربـت دراسـة التــاريخ الإسلامي علـى ضـوء التــوجيـهات النبوية و المأثورات الغيبية ، فجمـعت بين التحليل التاريخي للوقائع و بين الإيمان بالغيب الذي بــشَّــر بـه النبي عليه الســلام فالتمســت العــذر لبعـض الفقهـاء الذين رزحوا تحت أسياط التعذيب و سيوف القهـر و نــظروا إلـى واقـع الانحراف التاريخي من منظور ديني بوصفـه حدثا مفصليا ، و يمكـن أن نمـثِّـل بهذه القراءات بكتابات الأستاذ عبد السلام ياسين ( نظرات في الفقه و التاريخ ) و حسن البنا و المودودي و محمد محمد أمزيان في كتابه النفيس ( الفقه السياسي : مقاربة تاريخية ) .

    و إذا كانت القراءات اللائكية الثلاث الأولى قــد شـوهت التراث و خرجت بــها عـن حدود التحليل الموضوعي فمارست إسقاطات إيديولوجية ارتبطت جذورها بالظروف الراهــنة و تأثرت بمشاريع الغرب المُــهَــيمِـن كان من الطبيعي أن يكون منـظار التحليل التاريخي متـلونا بلونـه حيث يصير الفقيه " رجل دين " و " كهنوت " أو يصير عند الآخـر " إقطاعيا " متماهيا مع السلطة القائمة أو علـى أحسن تقدير يتــحوَّل إلـى صاحب " عمامة " بيده عـصا التلقين و فرض الرأي ! . الأكــيد عندي أن عقل الفقيه أكـبر من أن تستــوعبـه تحليلات وضعية و دراسات متسرعة و أكبر من أن يُــختَــزل في توصيفات هزيلة أملتــها اعتبارات و هــواجس الضغط الوطني و الدولي و مناهج انفصلت عن الذات ، فمــن أيــن نبعت هذه الصور الكاريكاتورية حول الفقيه ؟ و مــا الذي جـعل عقلـه مــثار سخرية و تهكـم ؟

    فـي تقديري الشخصي ، الكثير من الأحـكام الباطلة جــرت في غــياب امتلاك ملكة البحث و التدقيق في كتـب التــراث حيث أن الغالبية من أصـحاب هــذه الآراء بضاعتــهم في مــيدان التاريخ الإســلامي بضاعة مــزجاة يتـحركون بأحداث العصـر ليحاكمـوا العلماء و الفقهاء ، فلم يكلفوا أنفسـهم عــناء البحث الشاق في ميدان من أوغـل مجالات الحقيقة التاريخية خصوصا ما يتعلق منه بالشق السياسي حيث سادت صورا نمطية أدانت الفقيه و حــمَّــلته مسؤوليات التخلف السياسي .



    ²
    - نفســه ص : 102
    ³ - يُنــظــر نـظرة جديدة إلـى التراث ص : 26
    4 - نفســه ص : 19
    5 - للمزيد يُــنظَـر "سقوط الغلو العلماني" و دفاعه عن الفقهاء ص 98



    يُتــبَـــع بحول الله...

    تعليق

    • النيسابوري
      5- عضو مجتهد

      عضو اللجنة العلمية
      حارس من حراس العقيدة
      عضو شرف المنتدى
      • 13 أغس, 2012
      • 761
      • الإسلام

      #3
      رد: عـــــقـــلُ الــفــقــيــه

      حيّاك الله أستاذنا الكريم ..
      جاري القراءه ..
      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
      عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
      وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
      حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

      تعليق

      • محب المصطفى
        مشرف عام

        • 7 يول, 2006
        • 17075
        • مسلم

        #4
        رد: عـــــقـــلُ الــفــقــيــه

        – و ضمنهـا موقع عقل الفقيه –
        هل يوجد ايضا داعية او صاحب مذهب بهذا المسمى أيضا او شيء ؟؟!!
        شموس في العالم تتجلى = وأنهار التأمور تتمارى , فقلوب أصلد من حجر = وأنفاس تخنق بالمجرى , مجرى زمان يقبر في مهل = أرواح وحناجر ظمئى , وأفئدة تسامت فتجلت = كشموس تفانت وجلى

        سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا اله الا انت نستغفرك ونتوب اليك ،،، ولا اله الا انت سبحانك إنا جميعا كنا من الظالمين نستغفرك ونتوب إليك
        حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوَكيلُ
        ،،،
        يكشف عنا الكروب ،، يزيل عنا الخطوب ،، يغفر لنا الذنوب ،، يصلح لنا القلوب ،، يذهب عنا العيوب
        وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد
        وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد
        عدد ما خلق الله - وملئ ما خلق - وعدد ما في السماوات وما في الأرض وعدد ما احصى كتابه وملئ ما احصى كتابه - وعدد كل شيء وملئ كل شيء
        وعدد ما كان وعدد ما يكون - وعدد الحركات و السكون - وعدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته




        أحمد .. مسلم

        تعليق

        • الطلحاوي
          2- عضو مشارك

          حارس من حراس العقيدة
          عضو شرف المنتدى
          • 30 مار, 2013
          • 119
          • أستـاذ
          • الإسلام

          #5
          رد: عـــــقـــلُ الــفــقــيــه

          المشاركة الأصلية بواسطة النيسابوري
          حيّاك الله أستاذنا الكريم ..
          جاري القراءه ..
          جزاك الله و حياك أخونـا النيسابوي

          تعليق

          • الطلحاوي
            2- عضو مشارك

            حارس من حراس العقيدة
            عضو شرف المنتدى
            • 30 مار, 2013
            • 119
            • أستـاذ
            • الإسلام

            #6
            رد: عـــــقـــلُ الــفــقــيــه

            المشاركة الأصلية بواسطة محب المصطفى


            هل يوجد ايضا داعية او صاحب مذهب بهذا المسمى أيضا او شيء ؟؟!!
            موقـع عـقل الفقيــه يمثل جزء من نـاتج التراث، لذلك يتنـاولــه الدارسون اللائكيون بالنـقد ضمـن نقدهـم للتراث التداولــي، و لـم يجرِ الحديث عنـه هنـا كصـاحب مذهـب محدد و إنمــا كداعيــة شعبيـة كـان لـه صيتٌ و نفوذ في المجال التداولي الإسلامي ، المقصـود في هـذا السياق أن الدراسـات و المقاربـات حول التراث عنـد اللائكيين غـالبـا مـا كانت تحكمهـا نزعـات نـاصبت العَداء للفقهـاء و دفعتهم لتوسل زوايـا نـظر إسقاطية كتلك التي أشرنـا إلـى بعضهـا . و الله أعلـم.
            حياك الله و رعـاك

            تعليق

            • الطلحاوي
              2- عضو مشارك

              حارس من حراس العقيدة
              عضو شرف المنتدى
              • 30 مار, 2013
              • 119
              • أستـاذ
              • الإسلام

              #7
              رد: عـــــقـــلُ الــفــقــيــه

              يمكننا إذن أن نُـجملَ بعض أسباب و خلفيات الحملات المغرضـة على هـذا العقل الفُقهـائي في نــقاط منــها :

              1 – سيطـرة القبضة المـادية على التاريخ : لـمـا صارت الجدلية التاريخية عند دعاتـها قانونا يحكم المجتمعات و أصبح الصراع الطبقي آلية الحراك الاجتماعي و ســُــلِّـمَ بقانون " التناقض و وحدة الأضداد و صراعها " كــأحد قوانين " الديالكتيك " صــار في عرف أصحابها أن بعض الفقهاء ( العلماء ) تحولوا إلـى حلفاء إقـطاع و الآخــر زعــماء اليسـار فقـاموا بتصنيفات طبقية عجيبة لـهذا العــقل لإثبات وجود صــراع طبقي و إلا فــهو صراع خفـى محكوم بقانون " التحول من الكـم إلى الكيف " ! .

              2 – التأثــر بالدراسات الاستشراقية حول التاريخ
              : و نــظرا لكون العديد من اللائكيين محكومين بعقـدة نــقص تــجاه الآخــر الوافد الغربي ، فقـد انكــبوا على استهــلاك البحوث الاستشراقية الحاقدة علـى التاريخ – و من ضمن أطرافه الفقهاء– استهــلاكا لا شعوريا وصلَ بهم الأمر إلـى اختزال التاريخ في صفحات الانقلابات و الصراع على السلطة و الاغتيالات و الثورات المتلاحـقة ، بالطـبع لــم يكن الفقيه إلا جـــزءا من هذه العمليات جعلتــهُ أحيانا عندهم مُــشــرِّع استبداد السلطة و أحيانا طالب دنيا .

              3 – الخـلط بين رجل الدين و الفقيه :
              أمــام الاختراق الغربي لمنظومـة قيمنا و فرض تصوره الأحادي ، و لما كــان رجل الدين عندهم رمز الانغلاق و مناهضة " الأحـرار " و سببا من أسباب التخلف الاجتماعي و السياسي و الفكري غـــدا من الطبيعي جدا النـظر إلـى تاريخنا علـى منــوال إيقاعات الصراع الذي عرفــه الغرب بين "رجل الدين" و رجل "العلم "، فاستبدلت الأدوار و اختلطت الصور فصار الفقيــه أو العالِم "رجل دين" و صار الفلاسفة أحيانـا رجال علم و تحرر فخــلقوا صراعا رغــم أنــف التــاريـــخ !

              4 – سـوء تــفسير بعض المواقف الفُـقَهائية :
              شـخصية الفقيه كـانت شخصية رمـزية مُـؤثرة لا تـدانيها حتــى سلطة الدولة و أسياط الجلادين ، و كــلمـة الفقـيه كانت مسموعـة أكثـر من أي شـخص آخــر لأنــه يــعبِّــر عن هموم الأمـة و سلطة العالم في مواجـهة الظلم ، و النـاظـر في كتب الأقدمين يدرك حجم الحضور المكثف للفقيه في أي عــمل سواء كان سياسيا مرتبطا بالفتوحات الإســلامية أو مدنيا موصولا بالحكـم بين النــاس ، فــكان من الطبيعي أن تتنوع مـواقف الفقهاء تــبعا لاجتهادات كل واحد ، و هذا التنوع في المواقف كــثيرا ما يُــساء فهمهــا من طرف المعاصرين فيسارعون بالإدانة حيث يعجزون عـن وضع الموقف في السياق المناسب أو يعممون موقفا فقهيا معينا دونما نـظرٍ في الملابسات و الحيثيات المتغيرة ، فمــثلا الموقف من مشروعية السلطـة الجائرة سواء كانت أموية أو عباسية غالبا مـا تُــختَــزل في الولاء المطلق و الاعتراف بالشرعية دون النظر في التعقيدات السياسية التي كان الفقيه يواجهها تحت قـهر السيف الملوكي ( يُــنـظر كتاب الفقه السياسي : مقاربة تاريخية . د محمد محمد أمزيان و كتاب الإسلام بين العلماء و الحكام تأليف : د عبد العزيز البدري ) . و من أمــثلة ســوء تفسير بعض المواقف أيضا " تنــصل " الفقهاء من تولي المناصب القضائية حــتى رأى فيها البعض دليلا على نزعة الأليكة المبكرة ( يُــنظر كتاب قبل السقوط لفرج فودة و رد منير شفيق و عبد المجيد صبح في : بين النهوض و السقوط و كتاب تهافت قبل السقوط و سقوط صاحبه ) .

              5 – تصرفات فقهائية معاصـرة :
              فكثيرا من الفقهاء المعاصرين أســاءوا لتاريخـهم حينما تــخلوا عن واجباتــهم و مسؤولياتهم الدينية فاشتغــلوا بالفروع المُــهملَـة و تركوا قضايا الأمـة الإسلامية فصمتوا و زادوا بالإفتـاء بالقعود ، بــل و نجد من "الفقهاء" من انشغلوا بالتشعوذ و فك الطلاسم و قضايا لا علاقة لها بالتاريخ الفقهائي حيث أنتجـوا و ضحوا و كافحوا و بصموا تاريخهم بصور البطولة و العزة.

              إن من الطبيعــي أن تنـزع الكتابات اللائكيـة إلـى تـهميـش مكـانة الفقيـه الوظيفية ليس فقط علـى مستوى الراهـن السياسي و الاجتماعي بل حتى على مستوى واقع التاريخ الإسلامي الذي شـهـد حضورا مكثـفا في رسـم معالم الحضارة إن سلبـاً – و هذا محدود في نظرنا – أو إيـجابا ، و قــد فــرض هـذا الحضور الوازن نفسه لاعتبارات متنوعة نجمل بعضهـا في ما يلي:

              - منـهـا كـون المجـال التداولي الإســلامي و المناخ الذي أفرزتــه المقتضيات العقدية و اللغوية أعـطـى للفقيـه شروط التحرك الايجابي و منحــه القدرة علـى الاندمـاج السريـع وسط القاعدة " الشعبية " العريضة و هــيأ لــه أسباب الجرأة السياسية و الأدبية و الاجتماعية في التحدي الذي فرضـه واقع كان متسـما بالتسلط السياسي الجبري للدولة و بظهـور كيانــات ثقافية دخيلة خارج المجال أرادت زرع مقتضياتهـا تحت ذرائــع متعددة.

              - و منـها مـا يعود إلـى طبيعـة هـذا المجال نفسـه حيث اختُــص بكونـه مجالا عملانيـا مــيـزه عن المجال اليوناني النظري/مثلا ( و سـماه الفيلسوف طه عبد الرحمان بحضارة القول في كتاب سؤال الأخـلاق ) ، و لــمّــا كانت وظائـف الفقيه بالأســاس مرتبطـة بواقـعه الحي بمستوياتــه المتعددة حيث انفـرد بمَــهمّـة استنبــاط الحكم من أدلتــه التفصيليـة دون غيره صــارَ حضوره في التاريخ الإسلامي لازمــا من لوازمــه.

              - و منهـا أن عقــل الفقيه عقل مشــدود في نهاية المطاف إلــى مـرجعية الإســلام في تــدبير أمــور المعاش اليومية يَــهُــمّـهُ أن يُـقدِّم للسائل اجتــهاده إن كانت القضية مستحدثة ، و يعتــبر نفسـه مسؤولا عن هـذه المَــهمة الدينية . و هـذا الانشـداد جعـله في كثير من المناسبات معرَّضــا للمحـن و فتن الظالمين الذين يجتــهدون في صــرف الناس عن مطالبهـم و حقوقهــم السياسية ( يُــنظَـر الأمثلة في كتاب الإسلام بيم الحكام و العلماء ل عبد العزيز البدري ). علـى أنّ صــدع الفقـهاء بالأمـر أو النهـي و الالتزام بالإسلام معيارا رفعــهُـم في أعلــى عليين داخل المجتمع و قـدّم لهم صورة قيادية لم تترك مجالا للناس لمخاصمته فاصطفَّــوا وراءه أحيانا في مــواجــهة الظلمة القابضين على السلطة بحد السيف .

              - و منها أن عقل الفقيه التاريخي عقل اجتــهادي بالأسـاس ، فبخلاف فترات تاريخية ارتبطت فيها جمود هذا العقل عن الإنتاج بظروف سياسية استبدادية و مجتمع مفتون بصراع مذهــبي مقيت فإنّ العقل الفقهي لـم يتوقف عن صناعـة المعرفة الفقهية و الاجتهاد في إيجــاد الحلول لزمان عصره كلّ من زاويته الخاصة و ذلك بالرغم من الضغوطات التي كان يتعـرض لها من جانب السلطة القائمة و التي أبعدتــهُ في غالب الأحــيان عن مصادر القـرار مــمَّــا حــرَمَ الأمــة من اجتهادات كانت ستفضـي حتمــا إلـى إنتــاج آليات سياسية تخص نظم الحكم و سياسة تدبير المعاش ، لكن و مع هـذا فإن الفقيه حــافظَ على قيادته الدينية و زعامته السياسية و ظــلَّ يتصدّرُ قائمة المغضوب عليهم.

              - و منها أن عقل الفقيه لم يكن يترك مجالا للإحباط و اليأس في دعوتــه ، فتميزت مسيرته بكونها مسيرة جــهاد نفسي و معرفي و سيفي أيضا ، و لــم تكن مـظالم الدولة الظالمة تــنال من عزيمتــه أو تــثنــيهِ عن الدعوة إلـى دولة القرآن بخــلاف من آثــروا الانـزواء و الحديث عن مُــثُــل مفصولة عن متغيرات الواقع ، و لــعل محنـة الفقــهاء داخـل السجون و صمودهـم دليل على قوة إيمانهـم بقضيتهم و قضية أي مسلم . يتــفـرع من هــذا المعطـى كون أن الفقيه مِــن أكثر الناس إلتصاقــا بهموم الأمــة و مشاكلها سـواء تلك المرتبطة بالحقوق " المدنية " أو السياسية ، نــاهيك عن كون عقله يتجاوز الإســار الإقليمي الضيق ليمتدّ إلـى كل البقاع الإسلامية دونـما اعتبار للنزعات الإثنية و الجغرافية .

              لــقد كــان الفقيه بحق يمــثِّــل الشخصية المناسبة للقيادة نــظرا لعطائه و تفاعله ، و قــد انتشـروا في البلاد الشاسعة بعد الفتوحات الإسلامية يعلمون الناس أحكام دينهم لا يخافون في الله لومة لائم تنفيذا لبيعة الصحابة للنبي عليه السلام .عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال" بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله تعالى فيه برهان وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ". لقد ظـل الأمــر على هــذا الحال و وقع تحــوّل كبير في نظام الحكم و استبد من استبد بالسلطة و وجد الفقهاء أنفسهم أمام واقع شـذ عن المعايير التي مثلت تجربة النبوة و الخلافة الراشدة المرجعية المؤسسة للسياسة الشرعية ، و اختلف الفقهاء حول تجربة الحكم التي فرضت نفسها بقوة الشوكة و الغلبة دونما اعتبار لحق الأمة في الاختيار ، فمنهـم من رجح حسُّهُ الفقهي الحفاظَ على وجود وحدة الأمة رغم انحراف الهرم السياسي فاجتهـد لتسويغ السلطة القائمة على " الشرطة " فتحدثوا عن " المستبد العادل " و الحفاظ على بيضة الإسلام جلبا للمصلحة و دفعا لمفسدة الفتنة ، و منهم من أعلنوهـا خروجـا على حكم السيف بحد السيف و نظروا إلـى افتــقاد الحكم العادل كأساس للشرعية و الاستقرار. فــقــهاءٌ كــان لا بــد أن يختلفوا حول الحدث الجلل ، منهم من كـان همه عودة الجماعة حتى على أنقاض الحكم المستبد و منهم من قـبِِــلَ بالأمر الواقع و سعى في المقابل إلى محاصرة رجل السلطة و مفاصلته أدبيا و اجتماعيا لنزع الشرعية و إكساب الأمة الوعي المطلوب بفساد سلطة القهر و الغلبة .

              إن مــا يجمــع الفقهــاء انخــراطهم الفعلي في ســاحة التدافعات السياسية و الاجتماعية و إبراز قدرتــهم علـى مــواجهة البدع السياسية و الدينية ( نظرية الجبر الأموية مثلا ) ، كــل ذلك كــان يتم بعقل حصيــف و لغة فصيحــة متناسقة مع المجال التداولي الإسلامي ، و من يــقرأ كتب التاريخ و نماذج الفقهــاء الذين كانوا يخاصمون رجل السلطة يدرك بجلاء كم كان الفقيه ذكيا ذكــاء السياسي الشرعي لا ذكــاء السياسي المنافق .

              من فُـقــهاءِ علماءٍ أقوياءٍ أُمنــاءٍ إلــى فُـقهــاءٍ منهم من آثروا الصمت لحكمة واقعية إلــى فقهــاء بلاطيين أخلدوا إلــى الأرض فصــاروا مثلا في التهكم . حــالُ الفقيــه اليوم أشبه بحال السياسي المُوظَّف أو قلْ أشبه بحال اللافقيــه أيام زمانــه.

              و لله الأمــر من قبل و من بــعد

              تعليق

              مواضيع ذات صلة

              تقليص

              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
              ابتدأ بواسطة Islam soldier, 6 يون, 2022, 01:23 م
              ردود 0
              213 مشاهدات
              0 ردود الفعل
              آخر مشاركة Islam soldier
              بواسطة Islam soldier
              ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:22 ص
              ردود 0
              44 مشاهدات
              0 ردود الفعل
              آخر مشاركة Islam soldier
              بواسطة Islam soldier
              ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:20 ص
              ردود 0
              61 مشاهدات
              0 ردود الفعل
              آخر مشاركة Islam soldier
              بواسطة Islam soldier
              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 07:41 م
              ردود 0
              98 مشاهدات
              0 ردود الفعل
              آخر مشاركة عادل خراط
              بواسطة عادل خراط
              ابتدأ بواسطة Ibrahim Balkhair, 4 سبت, 2020, 05:14 م
              ردود 3
              115 مشاهدات
              0 ردود الفعل
              آخر مشاركة Ibrahim Balkhair
              بواسطة Ibrahim Balkhair
              يعمل...