الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
فقد كثر الطلاق في هذه الأيام و كثر الطلاق على خلاف الشرع ، ومن الطلاق المخالف للشرع طلاق الرجل زوجته وهي حائض ،وهذا النوع من الطلاق طلاق محرم بالكتاب والسنة وإجماع العلماء ، وليس بين أهل العلم نزاع في تحريمه .
أدلة تحريم الطلاق في الحيض
أما الكتاب فقد قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ﴾ [ الطلاق من الآية 1 ] أي : يا أيها النبي إذا أردتم - أنت والمؤمنون - أن تطلِّقوا نساءكم فطلقوهن مستقبلات لعدتهن - أي في طهر لم يقع فيه جماع، أو في حَمْل ظاهر – و احفظوا العدة؛ لتعلموا وقت الرجعة إن أردتم أن تراجعوهن[1] .
، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ قَالَ: لَا يُطَلِّقْهَا وَهِيَ حَائِضٌ وَلَا فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ، وَلَكِنْ: تَتْرُكُهَا حَتَّى إِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً[2].
وقال ابن عباس – رضي الله عنه - أيضا: ( الطَّلَاقُ عَلَى أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: وَجْهَانِ حَلَالٌ وَوَجْهَانِ حَرَامٌ: فَأَمَّا الْحَلَالُ: فَأَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا مُسْتَبْيِنًا حَمْلَهَا، وَأَمَّا الْحَرَامُ: فَأَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا، أَوْ يُطَلِّقَهَا حِينَ يُجَامِعُهَا لَا يَدْرِي أَيَشْتَمِلُ الرَّحِمُ عَلَى وَلَدٍ أَمْ لَا ؟ )[3]
و أما السنة فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ »[4]، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ، إِلَّا إنْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا [5] فالأمر بإمساكها بعد المراجعة، ثم يطلقها في الطهر دليل على أنه لا يحل له أن يطلقها في الحيض .
و في رواية فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ثُمَّ قَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى مُسْتَقْبَلَةً سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَذَلِكَ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ كَمَا أَمَرَ اللهُ »[6] ،و النبي - صلى الله عليه وسلم – يتغيظ من ارتكاب الحرام فدل أن الطلاق في الحيض حرام .
و أما الإجماع :
فقد قال ابن عبد البر - رحمه الله –: ( وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ مَكْرُوهٌ لِمَنْ أَوْقَعَهُ وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهُ لَمْ يُطَلِّقْ لِلْعِدَّةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْعُدُولِ تَغَيُّظُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - على بن عُمَرَ حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ )[7].
و قال النووي- رحمه الله – : ( أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ الْحَائِلِ - أي غير الحامل - بِغَيْرِ رِضَاهَا ) [8].
و قال ابن قدامة - رحمه الله –: ( وَأَمَّا الْمَحْظُورُ، فَالطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ، أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَكُلِّ الْأَعْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَيُسَمَّى طَلَاقَ الْبِدْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ خَالَفَ السُّنَّةَ ، وَتَرَكَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [ الطلاق من الآية 1] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « إنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ »[9] )[10]
هل كل طلاق في الحيض حرام ؟
وبعد أن علمنا أن الطلاق في الحيض حرام لا يجوز فهل كل طلاق في الحيض حرام ؟ والجواب لا فليس كل طلاق في الحيض حرام إذ يستثني من تحريم الطلاق في الحيض ما يلي :
الأولى: إذا كان الطلاق قبل أن يخلو بها، أو يمسها فلا بأس أن يطلقها وهي حائض، لأنه لا عدة عليها ، فلا يكون طلاقها مخالفًا لقوله تعالى: ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [ الطلاق من الآية 1]
الثاني : إذا كان الطلاق على عوض، فإنه لا باس أن يطلقها وهي حائض مثل أن يكون بين الزوجين نزاع وسوء عشرة فيأخذ الزوج عوضًا ليطلقها، فيجوز ولو كانت حائضًا. لحديث ابن عباس - - : «أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس جاءتْ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: " يا رسول الله إني ما أعْتِبُ عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام "، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أتردِّين عليه حديقته ؟ قالت: نعم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقْبلْ الحديقة وطلّقها تطليقة » [رواه البخاري] . ولم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل كانت حائضًا أو طاهرًا؟ ، ولأن هذا الطلاق افتداء من المرأة عن نفسها فجازَ عند الحاجة إليه على أي حال كان [11].
و قال البغوي - رحمه الله –: ( اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِدْعَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ".
وَالطَّلَاقُ السُّنِّيُّ: أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ. وَهَذَا فِي حَقِّ امْرَأَةٍ تَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ فَأَمَّا إِذَا طَلَّقَ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ أَوْ طَلَّقَ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ أَوِ الْآيِسَةَ بَعْدَ مَا جَامَعَهَا أَوْ طَلَّقَ الْحَامِلَ بَعْدَ مَا جَامَعَهَا أَوْ فِي حَالِ رُؤْيَةِ الدَّمِ لَا يَكُونُ بِدْعِيًا )[12].
الحكمة من النهي عن الطلاق البدعي
و الحكمة من النهي عن الطلاق البدعي أنه إذا طلقها في الحيض أضر بها في تطويل العدة وإذا طلقها في الطهر الذي جامعها فيه قبل أن يستبين الحمل لم يأمن أن تكون حاملاً فيندم على مفارقتها مع الولد ؛ لأنه لا يعلم هل علقت بالوطء فتكون عدتها بالحمل أو لم تعلق فتكون عدتها بالإقراء وأما طلاق غير المدخول بها في الحيض فليس بطلاق بدعة لأنه لا يوجد تطويل العدة [13].
ويبين ابن قدامة - رحمه الله – السر في النهي عن الطلاق في الحيض أو الطهر الذي جامعها فيه قائلا : ( لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ طَوَّلَ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَ فِيهَا لَا تُحْسَبُ مِنْ عِدَّتِهَا، وَلَا الطُّهْرَ الَّذِي بَعْدَهَا عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ الْأَقْرَاءَ الْحَيْضَ، وَإِذَا طَلَّقَ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، لَمْ يَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَيَنْدَمَ، وَتَكُونَ مُرْتَابَةً لَا تَدْرِي أَتَعْتَدُّ بِالْحَمْلِ أَوْ الْأَقْرَاءِ؟ )[14].
و قال ابن عثيمين – رحمه الله - : ( فإذا قال قائل: ما الحكمة في تحريم الطلاق في الحيض؟ قلنا: الحكمة في ذلك أمران:
الأول: أنه جرت العادة أن الإنسان إذا حاضت امرأته ومنع منها، فإنه لا يكون في قلبه المحبة والميل لها، لا سيما إن كانت من النساء التي تكره المباشرة في حال الحيض؛ لأن بعض النساء يأتيها ضيق إذا حاضت فتكره الزوج وتكره قربانه، فإذا طلق في هذه الحال يكون قد طلق عن كراهة، وربما لو كانت طاهراً يستمتع بها لأحبها ولم يطلقها، فلهذا كان من المناسب أن يتركها حتى تطهر.
الثاني: إذا طلقها في هذه الحيضة فإنها لا تحسب، فلا بد من ثلاث حيض كاملة غير الحيضة التي طلق فيها، وحينئذٍ يضرها بتطويل العدة عليها )[15] .
[1] - التفسير الميسر ص 588
[2] - تفسير ابن كثير 8/143
[3] - رواه عبد الرزاق في مصنفه رقم 10950 ،والبيهقي في السنن الكبرى رقم 14916 ،والدارقطني في سننه رقم 3890
[4] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 5251 , ورواه مسلم حديث رقم 1471
[5] - منهج السالكين وتوضيح الفقة في الدين للسعدي ص 209
[6] - رواه مسلم حديث رقم 1471
[7] - الاستذكار لابن عبد البر 6/141
[8] - شرح النووي على صحيح مسلم 10/60
[9] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 5251 , ورواه مسلم حديث رقم 1471
[10] - المغني لابن قدامة 7/364
[11] - رسالة في الدماء الطبيعية للنساء لابن عثيمين ص 33
[12] - تفسير البغوي 8/148
[13] - المهذب للشيرازي 3/6
[14] - المغني لابن قدامة 7/364
[15] - الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 13/46
فقد كثر الطلاق في هذه الأيام و كثر الطلاق على خلاف الشرع ، ومن الطلاق المخالف للشرع طلاق الرجل زوجته وهي حائض ،وهذا النوع من الطلاق طلاق محرم بالكتاب والسنة وإجماع العلماء ، وليس بين أهل العلم نزاع في تحريمه .
أدلة تحريم الطلاق في الحيض
أما الكتاب فقد قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ﴾ [ الطلاق من الآية 1 ] أي : يا أيها النبي إذا أردتم - أنت والمؤمنون - أن تطلِّقوا نساءكم فطلقوهن مستقبلات لعدتهن - أي في طهر لم يقع فيه جماع، أو في حَمْل ظاهر – و احفظوا العدة؛ لتعلموا وقت الرجعة إن أردتم أن تراجعوهن[1] .
، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ قَالَ: لَا يُطَلِّقْهَا وَهِيَ حَائِضٌ وَلَا فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ، وَلَكِنْ: تَتْرُكُهَا حَتَّى إِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً[2].
وقال ابن عباس – رضي الله عنه - أيضا: ( الطَّلَاقُ عَلَى أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: وَجْهَانِ حَلَالٌ وَوَجْهَانِ حَرَامٌ: فَأَمَّا الْحَلَالُ: فَأَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا مُسْتَبْيِنًا حَمْلَهَا، وَأَمَّا الْحَرَامُ: فَأَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا، أَوْ يُطَلِّقَهَا حِينَ يُجَامِعُهَا لَا يَدْرِي أَيَشْتَمِلُ الرَّحِمُ عَلَى وَلَدٍ أَمْ لَا ؟ )[3]
و أما السنة فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ »[4]، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ، إِلَّا إنْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا [5] فالأمر بإمساكها بعد المراجعة، ثم يطلقها في الطهر دليل على أنه لا يحل له أن يطلقها في الحيض .
و في رواية فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ثُمَّ قَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى مُسْتَقْبَلَةً سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَذَلِكَ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ كَمَا أَمَرَ اللهُ »[6] ،و النبي - صلى الله عليه وسلم – يتغيظ من ارتكاب الحرام فدل أن الطلاق في الحيض حرام .
و أما الإجماع :
فقد قال ابن عبد البر - رحمه الله –: ( وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ مَكْرُوهٌ لِمَنْ أَوْقَعَهُ وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهُ لَمْ يُطَلِّقْ لِلْعِدَّةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْعُدُولِ تَغَيُّظُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - على بن عُمَرَ حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ )[7].
و قال النووي- رحمه الله – : ( أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ الْحَائِلِ - أي غير الحامل - بِغَيْرِ رِضَاهَا ) [8].
و قال ابن قدامة - رحمه الله –: ( وَأَمَّا الْمَحْظُورُ، فَالطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ، أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَكُلِّ الْأَعْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَيُسَمَّى طَلَاقَ الْبِدْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ خَالَفَ السُّنَّةَ ، وَتَرَكَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [ الطلاق من الآية 1] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « إنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ »[9] )[10]
هل كل طلاق في الحيض حرام ؟
وبعد أن علمنا أن الطلاق في الحيض حرام لا يجوز فهل كل طلاق في الحيض حرام ؟ والجواب لا فليس كل طلاق في الحيض حرام إذ يستثني من تحريم الطلاق في الحيض ما يلي :
الأولى: إذا كان الطلاق قبل أن يخلو بها، أو يمسها فلا بأس أن يطلقها وهي حائض، لأنه لا عدة عليها ، فلا يكون طلاقها مخالفًا لقوله تعالى: ﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [ الطلاق من الآية 1]
الثاني : إذا كان الطلاق على عوض، فإنه لا باس أن يطلقها وهي حائض مثل أن يكون بين الزوجين نزاع وسوء عشرة فيأخذ الزوج عوضًا ليطلقها، فيجوز ولو كانت حائضًا. لحديث ابن عباس - - : «أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس جاءتْ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: " يا رسول الله إني ما أعْتِبُ عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام "، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أتردِّين عليه حديقته ؟ قالت: نعم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقْبلْ الحديقة وطلّقها تطليقة » [رواه البخاري] . ولم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل كانت حائضًا أو طاهرًا؟ ، ولأن هذا الطلاق افتداء من المرأة عن نفسها فجازَ عند الحاجة إليه على أي حال كان [11].
و قال البغوي - رحمه الله –: ( اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِدْعَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي الطُّهْرِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ".
وَالطَّلَاقُ السُّنِّيُّ: أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ. وَهَذَا فِي حَقِّ امْرَأَةٍ تَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ فَأَمَّا إِذَا طَلَّقَ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ أَوْ طَلَّقَ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ أَوِ الْآيِسَةَ بَعْدَ مَا جَامَعَهَا أَوْ طَلَّقَ الْحَامِلَ بَعْدَ مَا جَامَعَهَا أَوْ فِي حَالِ رُؤْيَةِ الدَّمِ لَا يَكُونُ بِدْعِيًا )[12].
الحكمة من النهي عن الطلاق البدعي
و الحكمة من النهي عن الطلاق البدعي أنه إذا طلقها في الحيض أضر بها في تطويل العدة وإذا طلقها في الطهر الذي جامعها فيه قبل أن يستبين الحمل لم يأمن أن تكون حاملاً فيندم على مفارقتها مع الولد ؛ لأنه لا يعلم هل علقت بالوطء فتكون عدتها بالحمل أو لم تعلق فتكون عدتها بالإقراء وأما طلاق غير المدخول بها في الحيض فليس بطلاق بدعة لأنه لا يوجد تطويل العدة [13].
ويبين ابن قدامة - رحمه الله – السر في النهي عن الطلاق في الحيض أو الطهر الذي جامعها فيه قائلا : ( لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ طَوَّلَ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَ فِيهَا لَا تُحْسَبُ مِنْ عِدَّتِهَا، وَلَا الطُّهْرَ الَّذِي بَعْدَهَا عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ الْأَقْرَاءَ الْحَيْضَ، وَإِذَا طَلَّقَ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، لَمْ يَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا، فَيَنْدَمَ، وَتَكُونَ مُرْتَابَةً لَا تَدْرِي أَتَعْتَدُّ بِالْحَمْلِ أَوْ الْأَقْرَاءِ؟ )[14].
و قال ابن عثيمين – رحمه الله - : ( فإذا قال قائل: ما الحكمة في تحريم الطلاق في الحيض؟ قلنا: الحكمة في ذلك أمران:
الأول: أنه جرت العادة أن الإنسان إذا حاضت امرأته ومنع منها، فإنه لا يكون في قلبه المحبة والميل لها، لا سيما إن كانت من النساء التي تكره المباشرة في حال الحيض؛ لأن بعض النساء يأتيها ضيق إذا حاضت فتكره الزوج وتكره قربانه، فإذا طلق في هذه الحال يكون قد طلق عن كراهة، وربما لو كانت طاهراً يستمتع بها لأحبها ولم يطلقها، فلهذا كان من المناسب أن يتركها حتى تطهر.
الثاني: إذا طلقها في هذه الحيضة فإنها لا تحسب، فلا بد من ثلاث حيض كاملة غير الحيضة التي طلق فيها، وحينئذٍ يضرها بتطويل العدة عليها )[15] .
[1] - التفسير الميسر ص 588
[2] - تفسير ابن كثير 8/143
[3] - رواه عبد الرزاق في مصنفه رقم 10950 ،والبيهقي في السنن الكبرى رقم 14916 ،والدارقطني في سننه رقم 3890
[4] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 5251 , ورواه مسلم حديث رقم 1471
[5] - منهج السالكين وتوضيح الفقة في الدين للسعدي ص 209
[6] - رواه مسلم حديث رقم 1471
[7] - الاستذكار لابن عبد البر 6/141
[8] - شرح النووي على صحيح مسلم 10/60
[9] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 5251 , ورواه مسلم حديث رقم 1471
[10] - المغني لابن قدامة 7/364
[11] - رسالة في الدماء الطبيعية للنساء لابن عثيمين ص 33
[12] - تفسير البغوي 8/148
[13] - المهذب للشيرازي 3/6
[14] - المغني لابن قدامة 7/364
[15] - الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 13/46
تعليق