ترتيب السور

تقليص

عن الكاتب

تقليص

وليد المسلم مسلم اكتشف المزيد حول وليد المسلم
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • وليد المسلم
    مشرف عام

    • 11 يون, 2006
    • 762
    • مسلم

    ترتيب السور

    ترتيب السور

    وأما ترتيب السور على ما هي عليه الآن، فاختلف: هل هو توقيف من النبي ، أو من فعل الصحابة، أو يُفَصَّل؟ على ثلاثة أقوال:

    القول الأول:
    وهو مذهب الجمهور:
    أن النبي فوَّضَ ذلك إلى أمته من بعده، يعني أن هذا الترتيب من فعل الصحابة . ومِمَّن ذهب هذا الْمذهب الإمام مالكٌ، والقاضي أبو بكر الباقلاني فيما استقر عليه رأيه من قوليه.(1)
    قال الزركشي: قال أبو الحسين أحمد بن فارسٍ في كتاب المسائل الخمس:
    جمع القرآن على ضربين: أحدهما: تأليف السور، كتقديم السبع الطُّوال، وتعقيبها بالْمئين، فهذا الضرب هو الذي تولاه الصحابة ….ـ(2)

    وقد استدلوا على مذهبهم بأدلة، منها:

    أولاً: أنه لو كان ترتيب السور بتوقيف من النبي لظهر وفشا ونقل مثله، وفي العلم بعدم ذلك النقل دليلٌ على أنه لم يكن منه توقيف فيه.(3)

    ثانيًا: أن مصاحف الصحابة كانت مختلفة في ترتيب السور قبل جمع القرآن في عهد عثمان، ولو كان الترتيب توقيفيًّا منقولاً عن النبي ? ما ساغ لهم أن يهملوه ويتجاوزوه.(4)
    فمن ذلك أن مصحف أُبَيِّ بن كعب قدمت فيه النساء على آل عمران، ثم تلت آل عمران سورة الأنعام، ثم الأعراف ثم المائدة …، ومصحف ابن مسعود كان مبدوءا بالبقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأعراف، ثم الأنعام … الخ ما فيهما من خلاف مصاحفنا اليوم، وروي أن مصحف علي كان مرتبًا على النزول، فأوله سورة العلق، ثم المدثر، ثم ق، ثم المزمل ثم تبت، ثم التكوير، وهكذا إلى آخر المكي والمدني.(5)

    ثالثًا: حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى سُورَةِ الأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى سُورَةِ بَرَاءةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ، فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ مِنَ السُّوَرِ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، فَكَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ لَهُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الآيَاتُ قَالَ: ضَعُوا هَذِهِ الآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الآيَةُ قَالَ: ضَعُوا هَذِهِ الآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَتْ سُورَةُ الأَنْفَالِ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ سُورَةُ بَرَاءةٌ مِنْ أَوَاخِرِ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: فَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهًا بِقِصَّتِهَا، فَظَنَنَّا أَنَّهَا مِنْهَا، وَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ.(6)
    فقول عثمان : "فَظَنَنَّا أَنَّهَا مِنْهَا، وَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا" صريحٌ في عدم التوقيف.(7)
    فهذا الحديث يدل عندهم على أن ترتيب السور لم يكن بتوقيف من النبي ، بل كان باجتهاد من الصحابة.


    رابعًا: عن يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي الله عَنْهَا، إِذْ جَاءهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ؟ قَالَتْ وَيْحَكَ وَمَا يَضُرُّكَ؟! قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ. قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ. قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟ … قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ.(8)
    ووجه الدلالة فيه أن السائل كان يسأل عن ترتيب السور، بدليل قول عائشة له: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟ لأن السلف متفقون على المنع من قراءة القرآن منكوسًا، بأن يقرأ من آخر السورة إلى أولِها، ولو كان السائل يسأل عن ترتيب الآي لأنكرت عليه عائشة قراءة القرآن غير مؤلف.(9)
    ففي هذه الأحاديث، وغيرها حجة لِمن قال إن ترتيب السور كان اجتهاديًّا، وليس بتوقيف من النبي .



    القول الثاني: أن هذا الترتيب توقيف من النبي ، وبه قالت طائفة من أهل العلم.
    قال أبو جعفر النحاس10) المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله ، وروي ذلك عن علي بن أبي طالبٍ.(11)
    وقال الكِرْماني12) ترتيب السور هكذا هو عند الله تعالى في اللوح المحفوظ.(13)
    وقال أبو بكر بن الأنباري14) أنزل القرآن كله إلى سماء الدنيا، ثم فرِّق في بضعٍ وعشرين، فكانت السورة تنزل لأمر يحدث، والآية جوابًا لمستخبر، ويقف جبريلُ النبيَّ على موضع السورة والآية، فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف، كله عن النبي ، فمن قَدَّم سورة أو أخَّرَها، فقد أفسد نظم الآيات.(15)

    واستدلوا على ذلك بأن الصحابة أجمعوا على المصحف الذي كتب في عهد عثمان، ولم يُخالف منهم أحد، وإجماعهم لا يتم إلا إذا كان الترتيب الذي أجمعوا عليه عن توقيف؛ لأنه لو كان عن اجتهاد لتمسك أصحاب المصاحف المخالفة بِمخالفتهم، ولكنهم عدلوا عن مصاحفهم وأحرقوها، ورجعوا إلى مصحف عثمان وترتيبه جميعًا.(16)
    واستدلوا بأحاديث، منها:
    عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ كان يَقُولُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطه وَالأَنْبِيَاءِ: إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي.(17)
    فذكرها نسقًا كما استقر ترتيبها.
    وعن واثلة بن الأسقع أن النبي قال: أُعْطِيتُ مكانَ التَّوْراة السبعَ الطِّوالَ، وأُعْطِيتُ مكان الزبور الْمِئِينَ، وأُعْطِيتُ مكان الإنجيل المثانيَ، وفُضِّلْت بالمفصَّلِ.(18)
    قال أبو جعفر بن النحاس: وهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي ، وأنه مؤلف من ذلك الوقت.(19)
    وقال مالك: إنَّما أُلِّف القرآن على ما كانوا يسمعون من قراءة رَسُول اللهِ .ـ(20)


    قال ابن حجر21) ومِمَّا يدل على أن ترتيب المصحف كان توقيفيًّا:

    عَنْ أَوْسِ الثَّقَفِيِّ(22) قَالَ: كُنْتُ فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ أَتَوُا النَّبِيَّ أَسْلَمُوا مِنْ ثَقِيفٍ… الحديث، وفيه: قُلْنَا مَا أَمْكَثَكَ عَنَّا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَرَدْتُ أَنْ لا أَخْرُجَ حَتَّى أَقْضِيَه.ُ قَالَ: فَسَأَلْنَا أَصْحَابَ رسول الله حِينَ أَصْبَحْنَا، قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالُوا: نُحَزِّبُهُ ثَلاَثَ سُوَرٍ وَخَمْسَ سُوَرٍ وَسَبْعَ سُوَرٍ وَتِسْعَ سُوَرٍ وَإِحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً وَثَلاَثَ عَشْرَةَ سُورَةً وَحِزْبَ الْمُفَصَّلِ مِنْ قَافْ حَتَّى يُخْتَمَ.(23)
    قال ابن حجر: فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان في عهد النبي ...ـ (24)

    قال السيوطي25) ومِمَّا يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت ولاءً، وكذا الطواسين، ولم ترتب المسبحات ولاءً، بل فصل بين سورها، وفصل بين (طسم) الشعراء و(طسم) القصص بـ (طس) مع أنها أقصر منهما، ولو كان الترتيب اجتهاديًّا لذكرت المسبحات ولاءً، وأُخِّرت (طس) عن القصص.
    وقد سئل ربيعة26) لم قُدِّمت البقرة وآل عمران، وقد نزل قبلهما بضعٌ وثمانون سورة بمكة، وإنَّما أنزلتا بالمدينة؟ فقال: قُدِّمتا، وأُلِّف القرآن على علم ممن ألَّفه به، ومن كان معه فيه، واجتماعهم على علمهم بذلك، فهذا مِمَّا يُنْتَهى إليه، ولا يُسْأل عنه.(27)
    قال الكِرْماني: وعلى هذا الترتيب كان يعرضه على جبريل كل سنة، أي: ما كان يجتمع عنده منه، وعرض عليه في السنة التي توفي فيها مرتين.(28)
    وقال أبو بكر الباقلاني: … فالذي يظهر أنه عارضه به هكذا على هذا الترتيب، وبه جزم ابن الأنباري.(29)
    قال ابن حجر: وفيه نظرٌ، بل الذي يظهر أنه كان يعارضه به على ترتيب النزول.(30)

    والذي يظهر -والله أعلم- قول الكرماني والباقلاني وابن الأنباري، فإنه لا يُعلم دليلٌ يدلُّ على كيفية عرض النبي القرآن على جبريل ، وقد عُلم أن عامة(31) قراءة النبي كانت على ما عليه ترتيب المصحف الآن.(32)




    القول الثالث: أن ترتيب كثير من السور كان بتوقيف من النبي وعلم ذلك في حياته، وأن ترتيب بعض السور كان باجتهاد من الصحابة
    واستدلوا على ذلك بورود أحاديث تفيد ترتيب بعض السور، كالأدلة التي احتج بِها الفريق القائل بالقول الثاني، وورود آثار تصرح باجتهاد الصحابة في ترتيب بعض السور كحديث ابن عباس عن عثمان السابق.

    واختلف القائلون بِهذا القول في السور التي جاء ترتيبها عن توقيف والسور التي جاء ترتيبها عن اجتهاد:
    فقال القاضي أبو محمد بن عطية: إن كثيرًا من السور قد علم ترتيبها في حياة النبي كالسبع الطوال، والحواميم، والمفصل.
    وقال أبو جعفر بن الزبير: الآثار تشهد بأكثر مِمَّا نصَّ عليه ابن عطية، ويبقى منها قليلٌ يُمكن أن يجري فيها الخلاف، واحتج بأحاديث منها حديث عبد الله بن مسعود، وحديث عبد الله بن عباس السابقة في أدلة القول الأول.(33)
    قال ابن حجر: ترتيب بعض السور على بعض، أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفيًّا، وإن كان بعضه من اجتهاد بعض الصحابة، واحتج بحديث ابن عباس السابق.(34)
    قال السيوطي: والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي، وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي، إلا براءة والأنفال، ولا ينبغي أن يستدل بقراءته سورًا ولاءً على أن ترتيبها كذلك، وحينئذ لا يَرِدُ حديث قراءته النساء قبل آل عمران؛ لأن ترتيب السور في القراءة ليس بواجبٍ، ولعله فعل ذلك لبيان الجواز.(35)

    القول الراجح

    هوَّن الزركشي من أمر هذا الخلاف، فقال: والخلاف يرجع إلى اللفظ؛ لأن القائل بأن الترتيب كان عن اجتهاد منهم يقول: إنه رمز إليهم بذلك، لعلمهم بأسباب نزوله، ومواقع كلماته؛ ولِهذا قال الإمام مالك: إنَّما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي ، مع قوله بأن ترتيب السور اجتهاد منهم، فآل الخلاف إلى أنه: هل ذلك بتوقيف قولي، أم بِمجرد استناد فعلي، وبحيث بقي لَهم فيه مجال للنظر.(36)
    قال السيوطي: وسبقه إلى ذلك أبو جعفر بن الزبير.(37)


    والذي أميل إلى ترجيحه هو القول الثاني القائل بأن ترتيب سور الكتاب العزيز كلها توقيفيٌّ، بما سبق من الأدلة عند حكاية هذا القول.
    أما أدلة الفريق القائل بأن ترتيب السور اجتهادي فمردودة بما يأتي:

    1 - أما دعواهم أنه لو كان ترتيب السور بتوقيف من النبي لظهر وفشا ونقل مثله، وأن في العلم بعدم ذلك النقل دليلاً على عدم التوقيف، فيجاب بأن عدم النقل ليس دليلاً على عدم وجود النص، بل إن إجماع الصحابة على هذا الترتيب دليلٌ على وجود النص بالتوقيف؛ لأنهم لا يُجمعون على خلاف السنة.(38)


    2 - فإن قيل كيف يكون الصحابة مجمعين على هذا الترتيب مع أن مصاحفهم كانت مختلفة في ترتيب السور قبل جمع القرآن في عهد عثمان ، ولو كان الترتيب توقيفيًّا منقولاً عن النبي ما ساغ لهم أن يهملوه ويتجاوزوه، وهو دليلهم الثاني، فيجاب بأنهم إنَّما اختلفوا في هذا الترتيب بادئ الأمر، قبل أن يعلموا بالتوقيف، فلما علموا بالتوقيف تركوا ترتيب مصاحفهم، وقد يرجع الاختلاف أيضًا إلى أن مصاحفهم كانت شخصية فردية، ولم يكونوا يكتبونَها للناس، فالواحد منهم لا يُثبت في مصحفه إلا ما وصل إليه مجهوده، وقد يفوته ما لم يفت الجماعة من تحقيق أدق وعلم أوسع.(39)


    3 - أما حديث ابن عباس عن عثمان،(40) وهو أقوى حججهم، فهو أوهاها إذا نظر إليه بعين التمحيص، ففيه ضعف لا يُنكر سندًا، وفيه الرد على شبهتهم متنًا:
    أما من ناحية السند فإن مدار الحديث على يزيد الفارسي.(41)
    قال الشيخ أحمد شاكر: وفي إسناده نظر كثير، بل هو عندي ضعيف جدًّا، بل هو حديث لا أصل له.(42)
    وقد اختلف الْمُحدِّثُون في يزيد هذا، اختلافًا كثيرًا:
    قال البخاري في ترجمة يزيد بن هرمز: قال عبد الرحمن بن مهدي: يزيد الفارسي هو ابن هرمز، قال: فذكرته ليحيى فلم يعرفه، قال: وكان يكون مع الأمراء.(43)
    وقال ابن أبي حاتم: يزيد بن هرمز، اختلفوا فيه، هل هو يزيد الفارسي أم لا؟ فقال عبد الرحمن بن مهدي، فيما سمعت أبي يَحكي عن علي بن الْمديني عنه أنه قال: يزيد الفارسي، هو يزيد بن هرمز، وكذا قاله أحمد بن حنبل…، وأنكر يحيى بن سعيد القطان أن يكونا واحدًا، فعن علي بن المديني قال: ذكرت ليحيى قول عبد الرحمن بن مهدي: إن يزيد الفارسي هو يزيد بن هرمز، فلم يعرفه.
    قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: يزيد بن هرمز هذا، ليس بيزيد الفارسي، هو سواه، وكان يزيد بن هرمز من أبناء الفرس الذين كانوا بالمدينة وجالسوا أبا هريرة، وليس هو بيزيد الفارسي البصري الذي يروي عن ابن عباس، روى عنه عوف الأعرابي.(44)
    وقال ابن حبان: يزيد بن هرمز المدني، هو الذي يروي عنه عوف الأعرابي، ويقول: حدثنا يزيد الفارسي عن ابن عباس.(45)
    وأثبته البخاري في الضعفاء بالاسمين: ابن هرمز والفارسي،(46) فهما ضعيفان عنده.

    فعلى هذا فالحديث ضعيف، إما لضعف يزيد بن هرمز إن كان هو نفسه يزيد الفارسي، أو لجهالة أو ضعف يزيد الفارسي إن كان غير ابن هرمز.
    قال العلامة أحمد شاكر: فهذا يزيد الفارسي الذي انفرد برواية هذا الحديث، يكاد يكون مجهولاً، حتى شُبِّه على مثل ابن مهدي وأحمد والبخاري أن يكون هو ابن هرمز أو غيره … فلا يقبل منه مثل هذا الحديث ينفرد به، وفيه تشكيك في معرفة سور القرآن الثابتة بالتواتر القطعي… وفيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور، كأن عثمان كان يثبتها برأيه وينفيها برأيه، وحاشاه من ذلك.
    ثم قال: فلا علينا إذا قلنا إنه حديث لا أصل له… فلا عبرة في هذا الموضع بتحسين الترمذي، ولا بتصحيح الحاكم، ولا بموافقة الذهبي، وإنَّما العبرة للحجة والدليل.(47)


    وأما متنًا، فإنه يَحمل تناقضَا ظاهرًا، ويحمل طعنًا في التوقيف في ترتيب الآي.
    أما التناقض، فلأنه أثبت للأنفال وبراءة اسمين مختلفين، وفيه مع ذلك أن عثمان ظن أن براءة من الأنفال فقرنَها بِها، وكان الأولى أن يقول: إنهما سورة واحدة.
    قال الباقلاني: وقد تضمن ذلك أنَّهما سورتان؛ لأنه سمى كل واحدة باسمها.(48)

    وأما الطعن في التوقيف في ترتيب الآي، فلأن قول عثمان: "فظننا أنَّها منها" يدل على أن النبي لم يفصح بأمر براءة، فأضافها عثمان إلى الأنفال اجتهادًا منه ?.
    وهذا مخالف لِما لا يُحصى من الأخبار الصحيحة الدالة على التوقيف في ترتيب آي السور، ومخالف للإجماع المنقول عن أهل العلم على أن ترتيب آي السور ليس محلاًّ للاجتهاد، وإنَّما كان بتوقيف من النبي .ـ(49)

    كما أن قول ابن عباس: "عَمَدْتُمْ إِلَى سُورَةِ الأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى سُورَةِ بَرَاءةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ … فَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ" يحمل ما يرد احتجاج هؤلاء بِهذا الحديث، فهو ذا يذكر أن الأنفال من المثاني، وأن براءة من المئين، ويقول: فوضعتموهما في السبع الطوال، وهذا يدل على أن السبع الطوال كانت معلومة توقيفًا قبل الجمع، وكذلك المثاني، وكذلك المئون، وإلا فما وجه استنكار ابن عباس هذا الترتيب؟!



    4 - أما حديث يوسف بن ماهك عن عَائِشَةَ -رَضِي الله عَنْهَا- فيرد عليه بأن هذا العراقي إنَّما سأل عن ترتيب السور، وكان مِمَّن يأخذ بقراءة ابن مسعود، وكان ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة، لم يوافق أول الأمر على الرجوع عن قراءته، ولا على إعدام مصحفه، وكان تأليف مصحفه مغايرًا لتأليف مصحف عثمان، فلذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف.(50)


    وأما الفريق الثالث القائل بالتفصيل، فيجاب بنفس الأجوبة، إذ لم يأت بدليل جديد، كما يرد عليهم أيضًا بأن العلم بتوقيف البعض يدل على التوقيف في الكل، إذ لو علم الصحابة التوقيف لَما فاتَهم أن يسألوا عن كل سورة بعينها، والنبي حَيٌّ بين أظهرهم، وإلا لكانوا -وحاشاهم- مقصرين في حفظ القرآن.


    فإن قيل: إن الروايات الْمحتج بِها وأمثالها خاصة بِمحالِّها، ثم هي ظنية في الدلالة على كون الترتيب عن توقيف.
    فالجواب أن إجْماع الصحابة على هذا الترتيب يدل على انسحاب ما دلت عَلَيْهِ هذه الروايات من الترتيب على كل القرآن، ويقطع الظن في دلالتها.

    وإن قيل: إن الإجماع الذي استندتم إليه لا يدل على التوقيف في ترتيب جميع السور، لأنه لا يشترط أن يستند الإجماع إلى نص.
    فالجواب أن أمر ترتيب السور لم يكن أمرًا حادثًا حتى يُقال إن الإجماع عليه لا يدل على نص بالتوقيف، بل إن أمرَ ترتيبِ سور القرآن معروفٌ من عهد النبي ، فلا يرد أن إجماعهم كان عن اجتهاد غير مستند إلى نص سابق.



    ------------------------------------



    (1) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 82، والبرهان (1/257)، وفتح الباري (8/655).
    (2) البرهان في علوم القرآن - الزركشي (1/258-259).
    (3) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 82.
    (4) مناهل العرفان (1/353).
    (5) الإتقان في علوم القرآن (1/181-183)، والبرهان في علوم القرآن (1/259)، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص 81، ومناهل العرفان (1/353).
    (6) رواه أحمد في المسند مسند العشرة المبشرين بالجنة (1/92)ح 401، (1/111) ح 501، وأبو داود في كتاب الصلاة باب من جهر بها (1/208-209)ح 786، والترمذي في كتاب تفسير القرآن باب سورة التوبة (5/272) ح 3086، وقال: حديث حسن.
    (7) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 82.
    (8) رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن باب تأليف القرآن (8/654) ح 4993.
    (9) انظر فتح الباري (8/655).
    (10) هو العلامة إمام العربية أحمد بن محمد بن إسماعيل المصري النحوي، صاحب التصانيف، أخذ عن الزجاج، وكان من أذكياء العالم. توفي سنة 338هـ. سير أعلام النبلاء (15/401)، وشذرات الذهب (2/346).
    (11) البرهان (1/258).
    (12) هو تاج القراء، برهان الدين أبو القاسم محمود بن حمزة الكرماني، عالم بالقراءات، كان عجبًا في دقة الفهم وحسن الاستنباط، توفي في حدود سنة 505هـ. الأعلام للزركلي (7/168).
    (13) البرهان في توجيه متشابه القرآن ص 16، والبرهان في علوم القرآن (1/259).
    (14) هو الإمام الحافظ اللغوي ذو الفنون، محمد بن القاسم بن بشار المقرئ النحوي، ولد سنة 272هـ، ألف الدواوين الكبار في علوم القرآن والغريب والمشكل، والوقف والابتداء، وكان من أعلم الناس بنحو الكوفيين وأكثرهم حفظًا للغة. توفي سنة 328هـ. سير أعلام النبلاء (15/274)، وشذرات الذهب (2/310).
    (15) البرهان (1/260).
    (16) مناهل العرفان (1/354).
    (17) رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن باب تأليف القرآن (8/654) ح 4994.
    (18) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده كتاب باب (1/136)، والبيهقي في دلائل النبوة (5/475)، وأشار إليه السيوطي بالحسن: فيض القدير شرح الجامع الصغير (1/565).
    (19) البرهان (1/258).
    (20) رواه أبو عمرو الداني في كتاب المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 18.
    (21) فتح الباري (8/658).
    (22) هو أوس بن أبي أوس الصحابي، وفد على النَّبِيّ ? مع وفد الطائف، وروى حديث تحزيب القرآن. أسد الغابة (1/167).
    (23) رواه أبو داود في سننه كتاب باب (2/55-56) ح 1393، وابن ماجه في سننه كتاب إقامة الصلاة باب في كم يستحب يختم القرآن (1/427) ح 1345 وأحمد في مسند المدنيين ح 15733
    (24) فتح الباري (8/658).
    (25) الإتقان (1/179).
    (26) هو الإمام، مفتي المدينة أبو عبد الرحمن القرشي التيمي مولاهم، المشهور بربيعة الرأي، كان فقيهًا عالمًا بالحديث من أئمة الاجتهاد. توفي سنة 136هـ. سير أعلام النبلاء (6/89)، وشذرات الذهب (1/194).
    (27) الإتقان (1/179).
    (28) البرهان في توجيه متشابه القرآن ص 16، والبرهان في علوم القرآن (1/259).
    (29) فتح الباري (8/658).
    (30) فتح الباري (8/658).
    (31) البرهان في علوم القرآن (1/257).
    (32) من قراءته ? بخلاف ترتيب المصحف: ما رواه مسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها بَاب اسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءةِ فِي صَلاةِ اللَّيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ? ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا … الحديث. صحيح مسلم مع شرح النووي (6/61) ح 772.
    (33) البرهان في علوم القرآن (1/257-258)، والإتقان في علوم القرآن (1/177)، ومناهل العرفان (1/356-358).
    (34) فتح الباري (8/658).
    (35) الإتقان (1/179)، وانظر دلائل النبوة للبيهقي (7/152).
    (36) البرهان في علوم القرآن (1/257).
    (37) الإتقان في علوم القرآن (1/177).
    (38) انظر الرسالة للإمام الشافعي ص 322.
    (39) مناهل العرفان (1/360).
    (40) وقد سبق قريبًا، وفيه قوله: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى سُورَةِ الأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى سُورَةِ بَرَاءةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ.
    (41) رواه أحمد في المسند مسند العشرة المبشرين بالجنة (1/92)ح 401، (1/111) ح 501، وأبو داود في كتاب الصلاة باب من جهر بِها (1/208-209)ح 786، والترمذي في كتاب تفسير القرآن باب سورة التوبة (5/272) ح 3086، وفي رواياتهم يزيد الفارسي. قال الترمذي: يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ هُوَ يَزِيدُ ابْنُ أَبَانَ الرَّقَاشِيُّ وَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ وَلَمْ يُدْرِكِ ابْنَ عَبَّاسٍ. جامع الترمذي (5/272). وورد في رواية البيهقي من طريق هوذة بن خليفة عن عوف بن أبي جميلة عن يزيد الرقاشي. دلائل النبوة (7/152)، وأخرجه الحاكم من طريق هوذة بن خليفة أيضًا،ومن طريق روح بن عبادة، عن عوف عن يزيد الفارسي، وزعم أنه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي! المستدرك على الصحيحين (1/221)، و(1/330).
    (42) مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (1/399).
    (43) التاريخ الكبير (4/2/367)
    (44) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (4/2/293).
    (45) الثقات لابن حبان 5/531).
    (46) الضعفاء الصغير ترجمة 407 ص 122.
    (47) مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (1/399-401).
    (48) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 82.
    (49) راجع مسألة ترتيب الآيات في السورة توقيفي ص 26، والرد على ما يورد من الشبهة بِهذا الحديث ص 28.
    (50) انظر فتح الباري (8/655).
    التعديل الأخير تم بواسطة نصرة الإسلام; 4 أكت, 2012, 05:42 م. سبب آخر: تنسيق ..

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 أغس, 2023, 11:28 م
ردود 0
68 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة د.أمير عبدالله
ابتدأ بواسطة عادل خراط, 17 أكت, 2022, 01:16 م
ردود 112
230 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة عادل خراط
بواسطة عادل خراط
ابتدأ بواسطة اسلام الكبابى, 30 يون, 2022, 04:29 م
ردود 3
48 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة عاشق طيبة
بواسطة عاشق طيبة
ابتدأ بواسطة عادل خراط, 28 أكت, 2021, 02:21 م
ردود 0
145 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة عادل خراط
بواسطة عادل خراط
ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 01:31 م
ردود 3
104 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة عادل خراط
بواسطة عادل خراط
يعمل...