اللهجات او اللغات العروبية القديمة وعلاقتها في تفسير القرآن

تقليص

عن الكاتب

تقليص

وليد اليحصبي مسلم اكتشف المزيد حول وليد اليحصبي
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 1 (0 أعضاء و 1 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • وليد اليحصبي
    0- عضو حديث
    • 31 أغس, 2014
    • 8
    • مسلم

    اللهجات او اللغات العروبية القديمة وعلاقتها في تفسير القرآن


    عنوان الموضوع : اللهجات او اللغات العروبية القديمة وعلاقتها في تفسير القرآن

    اللغة اليمنية في القرآن الكريم

    ما من شك أبداً أن اليمن تعد من أقدم الحضارات الإنسانية في العالم، من رحمها خرجت الكثير من الشعوب السامية العربية القديمة والعربية والإسلامية الحديثة. فكان الإنسان اليمني الأول رحالة يحب الترحال ويطوف الأرجاء باحثاً عن رزقه وقوته، كما كان باحثاً عن التوسع والسلطان والعيش الكريم. أجبرت الظروف الطبيعية والتضاريس الوعرة اليمنية الإنسان اليمني القديم أن يبتكر وسائل الحياة المختلفة التي تساعده على التشبث بأرضه ويحييها حياة طبيعية مزدهرة تمكنه من العيش الكريم فيها، فخلق أنظمة الري المتعددة من السدود والأنهار الصناعية والقنوات المختلفة (الأفلاج- جمع فلج)، وأحال قمم الجبال جنات خضراء وحدائق معلقة فاقت بعظمتها الأهرامات المصرية والحضارة المصرية، ذلك أن الحضارات المصرية وحضارات ما بين النهرين كان من الطبيعي أن تجعل إنسانها مستقراً متشبثاً بها بما حباه الله من الوسائل الطبيعية للحياة؛ أرض منبسطة وأنهار تجري لم تجعله يعاني ويقاسي ما عانى منه وقاسى الإنسان اليمني، فكانت بلادهم حية بحياة طبيعية.

    أما الإنسان اليمني فقد ابتكر الحياة الطبيعية واصطنعها من العدم في قمم الجبال وبطون الأودية وباحات الصحراء، فأجرى لها الأنهار وبنى لها السدود، وأقام المصانع (القلاع) في كل جبل ووادٍ وسهل، وهي وسائل الحياة الحضارية القديمة. فعرف الزراعة والصناعة والتجارة منذ القدم قبل أي من الأمم الأخرى المعاصرة له، مما جعل اليمن في عصور مختلفة قديمة دولة التجارة الأولى، وانبثق عن تلك الصفة أن قامت طريق تجارية تسمى بطريق القوافل القديمة (طريق اللبان) بين الدول والحضارات القديمة (الفينيقية الإغريقية، والبابلية والأشورية والأكادية والنبطية والفارسية والرومانية)، جعلت اليمن أغنى بلاد العالم القديم.
    كما أن تجارة البخور واللبان التي عرفها اليمنيون قبل الأمم، جعلت منه السلعة الأولى عالمياً، حتى ليسمى بالذهب الأسود، وهو يقارن بالتجارة النفطية اليوم. مما حدا ببعض الكتابات الإغريقية واليونانية أن تصف حياة الترف والرخاء والبذخ التي يعيشها اليمنيون، حيث قالوا إن اليمنيين يسقفون بيوتهم بأعمدة من ذهب وفضة، وكذلك شبابيكهم وأسرّتهم. ولقد جاء بعض من وصف تلك الحياة من الرخاء والأمن في القرآن الكريم أعظم مصادر الدنيا تدويناً وصدقاً وشهادة في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}(سبأ: 15).
    حتى إذا عمر الإنسان اليمني الأرض وتشبّعت منه وضاقت عليه وذريته بما يمتلك من غريزة حب التملك والتوسع، انبثقت منه هجرات بشكل مروحي يميناً وشمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، متوسعاً في ذلك حتى كون بذلك شعوباً متعددة وجديدة. وأينما حل وارتحل حمل معه خبراته لابتكار فرص الحياة الكريمة له مما ألفه في موطنه الأم. ومع توسعه ذلك انبثقت منه حضارات شتى، فابتكر الخط، وطور لغة التخاطب، وأثر في محيطه، وكوّن العلوم التطبيقية التي لم تكن مدونة. كما قام بتسجيل حركاته وسكناته من حياته السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية في قمم الجبال وبطون الأودية وأحجار بيوته ومسكنه وخشبه بشكل تدوين ثقافي بخطه المسندي.
    لقد وجدت النقوش المسندية التي تمثل الثورة الثقافية عند اليمنيين في كل سهل ووادٍ، وعلى قمم الجبال والآكام والصخر، وعلى أ***ب الشجر ولحائها، حتى في بعض الفيافي والقفار وحتى أقاصي العالم القديم في جزر اليونان ومضيق جبل طارق، وبلاد مصر، مسجلاً رحلاته وتجارته وتعاملاته حتى مع الأمم الأخرى.
    فكانت من الغزارة ما توحي بأن ثقافة عريضة وعميقة ضاربة بأطنابها في عمق الجذور البعيدة، وما ظهر منها ما هو إلا تحصيل حاصل من عوامل الصدف، وما هو بائن على وجه الأرض. أما ما هو مطمور منها فإنه يحتاج إلى إعادة تنقيب وتصحيح مسار ووضع، وحتى الوصول إلى تلك الغاية سيكشف التاريخ ما هو أعمق مما قد يغير في تاريخ الإنسانية، خاصة إذا ما تم كشف النقاب عن حضارة “عاد إرم” في الأحقاف اليمنية بين عمان واليمن في أعماق الصحراء والرمال المتحركة. من هذه النقوش دُوّن التاريخ اليمني القديم، وعرف الإبن تاريخ آبائه وحضاراته الأولى. ومن هذه النقوش أيضاً نهل العلماء الدارسون العلوم الإنسانية القديمة، فكشفوا براعته وحياته ووسائل عيشه وتاريخه وحياته العسكرية والمدنية والاقتصادية والثقافية. مما حدا بكثير من العلماء العالميين أن يخاطروا بحياتهم وتجشمهم الصعاب في الكشف عن حياة الإنسان الأول ومعرفة أسراره الأولى ليستفيد منها إنسان اليوم، فجاءت الرحلات من أوروبا ومن أمريكا ومن آسيا وأفريقيا لدراسة هذه النقوش وإرواء ظمأ الإنسان المعاصر في معرفة حياة الإنسان الأول.
    لقد جاء هذا الكتاب - في حقيقة الأمر - رداً على القائلين بعدم عربية لغة أهل اليمن من أمثال أبي عمرو بن العلاء وطه حسين ومن حذا حذوهما في التنكر للحضارة اليمنية ولسانهم العربي الذي يعد من أهم مصادر العربية، وهضم الإنسان اليمني حقه في تطوير البشرية القديمة. لقد عرفنا فيه كيف أن تنكراتهم تلك لم تكن لتقوى على الواقع الذي اضطر علماء اللغة والتفسير أن يعودوا إلى المنهل الصافي للمصادر اللغوية القديمة المتمثلة في اللغة اليمنية القديمة، فكان ابن عباس أول من نهل من تلك اللغة وهو يعود إلى تفسير بعض كلمات وألفاظ القرآن التي نسبها إلى لغة اليمن، وجاء مثله من علماء التفسير قتادة والضحاك وطاووس وغيرهم. ثم جاء من اللغويين من أمثال الخليل بن أحمد آخذاً من تلك اللغة ما يشبع فضوله وتساؤلاته رغم بعض المقاييس والعيوب التي عاب بها لغة أهل اليمن، وغيره كثير من اللغويين الذين استشهدوا بلغة أهل اليمن. وفي التاريخ الحديث هناك من مضى في طريق أبي عمرو بن العلاء ومنهم طه حسين وغيره من العلماء المستشرقين، ومنهم من سلك طريق ابن عباس ومن سار بنهجه، وبدأ كثير من العلماء اللغويين وأصحاب الأدب مراجعة مقولة أبي عمرو بن العلاء في قوله: “ما لسان حمير وأقاصي اليمن اليوم بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا”، وفندوا مقولته تفنيداً صريحاً، مستشهدين بكثير من الأدلة التي تدحض رأيه مقولته. ومنهم من وقف في المنتصف من ذلك الرأي وأراد أن يقسم عربية اليمن إلى قسمين؛ قسم قديم ما قبل العربية وهذا القسم عنده ليس من العربية، وهو الدكتور إبراهيم السامرائي، وقسم حديث ما قبل تكون العربية الفصحى وهو عنده من العربية ومنه وردت بعض ألفاظ القرآن الكريم.
    المبحث الأول:
    اللغة السامية اليمنية وعلاقتها باللغة العربية الفصحى
    أطلق علماء في مجال علوم الإنسان واللغات تسمية “السامية” على شعوب ومواطن ولغات الإنسان العربي القديم في شبه الجزيرة العربية، وانتقالاً إلى محيطها من الشعوب العربية الأخرى القريبة منها، مثل بلاد الشام والأردن والعراق والحبشة في أفريقيا. و”السامية تسمية حديثة عهد اقترحها عالم اللاهوت الألماني – النمساوي شلوتزر Scholzer عام 1781 للميلاد، لتكون علماً على عدد من الشعوب التي أنشأت في هذا الجزء من غرب آسيا حضارات ترتبط لغوياً وتاريخياً، كما ترتبط من حيث الأنساب، والتي زعم أنها انحدرت من صلب سام بن نوح، بناءً على ما جاء في التوراة في صحيفة الأنساب الواردة في الإصحاح العاشر من سفر التكوين، من أن الطوفان عندما اجتاح سكان الأرض لم ينج منه سوى نوح وأولاده الثلاثة: سام وحام ويافث وما حمل معه في سفينته من كلٍ زوجين اثنين. وقد شاعت هذه التسمية وأصبحت علماً لهذه المجموعة من الشعوب عند عدد كبير من العلماء في الغرب ومن سايرهم من العرب”(1) على الرغم من أن هذه التسمية لا تستند إلى واقع تاريخي كلغات النقوش القديمة مثلاً، أو إلى أسس علمية صحيحة، أو وجهة نظر لغوية. وعرفت فيما بعد اللغات التي كان يتحدث بها شعوب مناطق العالم القديم للشرق الأوسط والجزيرة العربية والشام باللغات السامية، ولم يتميزون بها كعرق، إلا أن اليهود بعد تلك الأبحاث بدؤوا يعرِّفون أنفسهم بأنهم الشعب السامي - لغرض استيطان واحتلال أرض فلسطين- رغم أن جزءاً بسيطاً منهم وهم العبرانيون الأوائل ينتمون إلى تلك الشعوب، وأخرج العلماء مصر وطناً وشعباً من تلك التسمية.
    الموطن الأول للساميين:
    تذكر الكثير من المصادر التاريخية والدراسات الإنسانية، وخاصة دراسات الإنسان القديم، أن اليمن تعد الموطن الأول للساميين، ومنها تمت هجرات مختلفة على فترات متعددة انزاحت نحو الشمال (الشام وبلاد ما بين النهرين، وشمال الجزيرة العربية)، وخلف البحار (أفريقيا). “يذكر الدكتور حتي رئيس قسم الدراسات المشرقية في جامعة برنستون الأميركية في مؤلفه “تاريخ العرب” تحت عنوان الفصل الأول منه ما يلي:
    “العرب ساميون.. الجزيرة مهد الجنس السامي الأول”، إلى أن يقول: “ولما كانت جزيرة العرب هي مهد الجنس السامي -على ما يرجح- فإنها أنشأت الشعوب التي نزحت فيما بعد إلى الهلال الخصيب؛ هذه الشعوب التي أصبحت مع تعاقب الأجيال أمم البابليين والفينيقيين والعبرانيين”(2). وقال المستشرق بروكلمن عن معين وسبأ وحمير التي أسست مدنها ومراكزها على طرق تجارة القوافل العالمية، والتي أنشأت تلك الحضارة “بأنها الأمة التي كوّنت الأصل السامي الذي استوطن جنوب الجزيرة العربية وأنشأ عمراناً مادياً رفيعاً”. “وابتداءً من حوالي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وربما قبل ذلك، بدأت بعض القبائل السامية تهاجر إلى العراق واستقرت في بابل، ولم يمض عليها عدة قرون حتى أصبحت صاحبة الأمر في البلاد، وأسس الملك سرجون الأول حوالي عام 2340 قبل الميلاد مملكة “أكاد السامية” التي اتسعت فتوحاتها حتى شملت آسيا الصغرى وشكلت إمبراطورية الأكاديين”(3). كما أن “هناك وثيقة تبين أن أحد الملوك الساميين في العراق وهو الملك سرجون الأكادي 2600 ق.م كتب عن أصله في نقش مشهور يفهم منه أنه وعشيرته قد جاؤوا إلى العراق من شرقي جزيرة العرب”(4). ويذكر العالم الانجليزي (ب . فيلبي) في كتابه “تاريخ العرب قبيل الإسلام” ص9، والذي صدر في الإسكندرية عام 1947م أن بلاد العرب الجنوبية هي الموطن الأصلي لهذا الجنس من البشر المعروف الآن باسم الجنس السامي، وهو يمتاز عن سائر الشعوب بلغته المعروفة باسم السامية(5).
    وقال كثير من المستشرقين مثل جيراهارد شرايدر وأيده من بعد فنكلر، وتيله، والأب فنسان، والآثاري الفرنسي جاك دي مورجان، والمستشرق الإيطالي كايتاني “إن جزيرة العرب واليمن خاصة هي موطن الساميين الأول”، وهذا ما أكده إسرائيل ولفنسون(6). وهناك نظرية تقول إن “شبه جزيرة العرب هي موطن الساميين الأول ومهدهم الأصلي، وأول من قال بها العالمان (سبرنجر) الألماني، و (كايتاني) الإيطالي، وأيدهما فيها كثير من العلماء والمستشرقين، مثل: (شرايدر، ورايت، وماير، ومورغان، وفانسان، ودتلف نلسن)”(7). ولهم في ذلك حجج متعددة لدعمها منها: أن الشروط والأسس التي اتفق عليها العلماء على كونها تؤلف الصفات المشتركة بين الساميين متوفرة على ما أتم ما يكون التوفر في سكان شبه الجزيرة العربية، وأن شبه الجزيرة العربية كانت في غابر الأزمان مطيرة كثيرة النباتات والمزروعات تتوفر فيها جميع أسباب العيش الرغيد حتى حل الجفاف في الألف العاشر قبل الميلاد – على الغالب – فبدأ سكانها يهاجرون منها على موجات بشرية مهاجرة نحو الشمال والشرق والغرب.
    وتدعم هذه النظرية تماثل بعض المفردات اللغوية والمفاهيم المشتركة، ومن غير المعقول انتقال المزارعين المستقرين من أرض خصبة إلى أرض قاحلة صحراوية جافة، بل العكس هو الصحيح. والوضع الجغرافي لشبه الجزيرة العربية ينطبق مع الواقع التاريخي للهجرات السامية كونها محاطة من جميع أطرافها بجبال وبحار ما عدا الجهة الشمالية مفتوحة، وأن الجفاف حين بدأ يحل بها حول سهولها الداخلية إلى صحاري رملية قاحلة، حيث انقلب السكان إلى عرب رحل لا يستقر لهم قرار، واستأنسوا الجمل (سفينة الصحراء)، ولم يكن لهم من طريق سوى سلوك طريق الشمال إلى الهلال الخصيب، أو طريق باب المندب وبرزخ السويس إلى أفريقيا ومصر. وليس أدل على ذلك من اكتشاف كثير من النقوش المسندية متجهة من الجنوب إلى الشمال وليس العكس.
    كما أن طريق القوافل القديم كان يتجه أيضاً من الجنوب إلى الشمال. وكانت بلاد جهات الشمال بلاد استقرار لا ترحال كما هو الحال جنوباً، هذا عدا عن ذكر المصادر الكلاسيكية القديمة لهجرات بعض القبائل من الجنوب واستقرارها في الشمال. اللغات السامية: على منوال الإنسان السامي وموطنه الأساس صار مصطلح “السامية” يطلق على اللغات التي تحدث بها ذلك الإنسان مع أخيه الإنسان، وشاعت تسمية اللغات السامية بعد الاكتشافات الأثرية للغات النقوش القديمة في الجزيرة العربية والشام ولبنان والعراق ومصر؛ كاللغات اليمنية القديمة (المعينية والسبئية والقتبانية والحضرمية والأوسانية والحميرية)، واللغات الأخرى الآرامية والسامرية والبابلية والكنعانية والفينيقية والعبرية والهيروغليفية المصرية.
    ورغم أن كثيراً من العلماء والباحثين والمختصين يعيدون كل تلك اللغات إلى أصل واحد وهي اللغة السامية الأم (العربية الأولى) ومنها الجنوبية (اليمنية)، إلا أن كثيراً من الباحثين والعلماء والمختصين -أيضاً- صاروا يجزئون تلك اللغات بحسب الشعوب التي تتكلم بها، فصارت تعرف البابلية نسبة إلى بابل، والكنعانية نسبة إلى الكنعانيين في فلسطين وأجزاء من سورية، والفينيقية إلى الفينيقيين في شمال أفريقيا على ساحل المتوسط... وهكذا. حتى أن اللغة الآرامية التي أعادها كثير من العلماء إلى الشمال في الشام وبلاد فارس خالفهم علماء آخرون وذكروا أن مهدها الأول هو شبه الجزيرة العربية.
    يقول بعض المختصين: “وأما الآرامية فكان مهدها شبه جزيرة العرب ثم نزحت إلى الشام حيث تفرعت إلى فرعين كبيرين، فرع اتجه نحو الغرب في بلاد الشام وهي الآرامية الغربية وهي لغة تدمر والأنباط والسامريين، وفرع اتجه إلى الشرق نحو العراق وهي الآرامية الشرقية ومنها اللغة السريانية ولغة يهود بابل”(8). “ولقد احتكت اللغة العربية باللغات اليمنية القديمة ودخلت في صراع معها مدة طويلة إلى أن تمكنت من السيطرة عليها في المراحل الأخيرة من العصر الجاهلي. ومع ذلك فقد أصاب اللغة العربية بعض التحريف في الأصوات والمفردات والقواعد، فوجدت لهجات عربية جديدة في الجنوب، مختلفة عن لهجات الشمال.
    ومع السنين تمكن العرب في الشمال بالتفاهم مع أهل اليمن، ثم توحيد اللغة إلى حد كبير، فجاء الشعر الجاهلي بلغة واحدة رغم بقاء بعض اللهجات اليمنية الصغيرة في بعض المناطق النائية على حالها. ومن هذه اللهجات، اللهجة الأخكيلية واللهجة السقطرية واللهجة المهرية إلى أن بعُدت هذه اللهجات عن أصولها الأولى. وسادت فكرة أن اللغتين اليمنية والعربية تمثلان لهجتين للغة العربية، ولذلك قسموا اللغة العربية على (العربية القحطانية/ العاربة) أو لغة الجنوب أو اللغة الحميرية، و(العربية العدنانية/المستعربة)، أو لغة الشمال، أو اللغة المضرية (الحجاز ونجد وما جاورهما). وهذا التقسيم الأخير صحيح فقط بعد تغلب اللغة العربية على لهجات المنطقة. ولكنه ما زال تقسيماً غير صحيح فيما يتعلق باللغات اليمنية القديمة”(9).
    وذهب بالكثير من اللغويين القول إلى أن “لغات جنوب الجزيرة العربية أو ما يسمى الآن باليمن وأجزاء من عُمان تختلف عن اللغة العربية الشمالية التي انبثقت منها اللغة العربية، ولا تشترك معها إلا في كونها من اللغات السامية”.
    اللغة اليمنية وعلماء العربية:
    لما جاء العصر الإسلامي الأول وبدأ العرب بدراسة اللغة وتقعيدها (من القواعد) قال أبو عمرو بن العلاء قولته المشهورة: “ما لسان حمير وأقاصي اليمن اليوم بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا”، فصارت نبراساً يهتدي بها اللغويون، ومن ثم أخرجوا اللغة اليمنية من العربية الفصحى ومن التأثير فيها، مما كان له بالغ الأثر فيما بعد في عدم دراستها أو الاستشهاد بها ومدوناتها في اللغة الأدبية العربية طيلة العصور الإسلامية العربية اللاحقة. ومنهم من قدح في اللغة اليمنية قدحاً ولم ينكر عربيتها كلية كما فعل أبو عمرو بن العلاء، كما قال الكسائي: “إن اللغة اليمانية فيها أشياء منكرة خارجة عن المقاييس”(10).
    ومن المتأخرين/المحدثين من سار على نهج أبي عمرو بن العلاء وهو الدكتور طه حسين الذي يعتبر عميد الأدب العربي الحديث، فقال: “إن الشعر الجاهلي الذي بين أيدينا لا يمثل اللغة الجاهلية ولا يمكن أن يكون صحيحاً. ذلك لأننا نجد بين هؤلاء الشعراء الذين يضيفون إليهم شيئاً كثيراً من الشعر الجاهلي قوماً ينتسبون إلى عرب اليمن، حيث أن لغة اليمن كانت لغة غير لغة القرآن، كما أن هذا الشعر لا يمثل حياة العرب في الجاهلية”. وعلى الوسط منهما فقد صنف الدكتور إبراهيم السامرائي اللغات اليمنية إلى صنفين؛ صنف قديم (قبل الميلاد) ليس من العربية، وصنف متأخر(في العصور الجاهلية قبل الإسلام) هو عربي فصيح وكان له أثره في القرآن الكريم. وبين الشخصيتين (أبي عمرو بن العلاء وطه حسين) أيضاً، برز العديد من اللغويين الذين يأخذون بعض اللغات السامية مثل العبرية والسريانية وحتى الحبشية التي هي في الأصل مأخوذة عن اللغة اليمنية القديمة ويستشهدون ببعضها ولا يأخذون باللغة الأقرب مكاناً ومكانة ولفظاً وهي اليمنية.
    فمثلاً، “الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى سنة 175هـ يعرف الكنعانية؛ إذ قال وهو يعالج مادة (كنع): وكنعان بن سام بن نوح ينتسب إليه الكنعانيون، وكانوا يتكلمون بلغة تضارع العربية”(11). كما أدرك ابن حزم الأندلسي المتوفى سنة 456هـ علاقة القربى بين العربية والعبرية والسريانية، حيث يقول: “إن الذي وقفنا عليه وعلمناه يقيناً أن السريانية والعبرانية والعربية التي هي لغة مُضَر وربيعة لا لغة حمير؛ واحدة تبدلت بتبدل مساكن أهلها، فحدث فيها جرس كالذي يحدث من الأندلسي، إذا رام نغمة أهل القيروان، ومن القيرواني إذا رام لغة الأندلسي، ومن الخرساني إذا رام نغمتهما”.
    ويستطرد قائلاً: “فمن تدبر العربية والعبرانية والسريانية؛ أيقن أن اختلافهما إنّما هو من نحو ما ذكرنا، من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف البلدان ومجاورة الأمم، وإنها لغة واحدة في الأصول”(12). وعجب قولهم هذا في اتفاق العربية والعبرية وعدم اتفاق الحميرية والعربية! فالعبرية حينما يسمعها السامع من غير الناطقين بها تعد لغة أعجمية لا يفهم غير العالم بها شيئاً منها إلا من خلال وسيط هو المترجم. بينما الحميرية عكس ذلك تماماً. ولو نظرنا إلى الجدول رقم (2) التالي سنرى كم هو الفرق شاسعاً بين العربية والعبرية وكم هو تقارب وشبه اتفاق بين الحميرية والعربية. ويقول الإمام السهيلي (المتوفى 581هـ) في العلاقة بين العربية والسريانية: “وكثيراً ما يقع الاتفاق بين السرياني والعربي أو ما يقاربه في اللفظ “(13).
    ولقد كان لبعض اليهود اللغويين الذين عاشوا في كنف الدولة الإسلامية ومعرفتهم باللغة العربية إلى جانب عبريتهم، الدور البارز والمكرِّس لجعل علماء اللغة العرب يقولون بالتشابه الكبير بين اللغة العربية واللغة العبرية دون غيرها من اللغات السامية الأخرى ومنها اللغات اليمنية القديمة التي تتشابه كثيراً مع خصائص العربية أكثر من العبرية، فوضع علماء اللغة اليهود المؤلفات في ذلك وكرسوا هذا الفصل وصارت مراجعهم ودراساتهم مراجع للمتأخرين من بعض علماء العرب، ما خلق جفاءً وجفوة وبوناً شاسعاً بين اللغة اليمنية والعربية.. فمثلاً: “للغويين من اليهود مؤلفات في الدراسات السامية المقارنة، فقد وقفوا على التقارب بين العربية والعبرية والآرامية واكتشفوا العلاقة بين اللغات، وقد ساعدهم على ذلك إلمامهم بالعربية والآرامية”(14). “وقد وجدت منذ القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري) دراسات مقارنة قام بها لغويون متخصصون ومعظمها تمّ في المغرب والأندلس على يد لغويين يهوداً سجلوها باللغة العربية، وأشهر عَمَلين تَمَّا في هذا المجال عملا “ابن بارون” و”يهوذا بن قريش”، وإن وجدت أعمال أخرى أقل قيمة كتلك التي قام بها أبو يوسف القرقساني وداوود بن إبراهيم”(15).
    “أمّا ابن بارون فكان يهودياً أسبانياً، وقد كتب في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي كتابه (الموازنة بين اللغة العبرية والعربية) وقد خصص الكتاب للدراسة المقارنة بين اللغتين من جانبي اللغة والنحو، واهتم ببيان أوجه الشبه والخلاف بين العربية والعبرية”(16).
    وأما “يهوذا بن قريش (عاش في أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشر) فقد كان أسبق من ابن بارون بنحو قرن من الزمان، ويعتبرونه أبا الدراسات السامية المقارنة. وقد ترك ابن قريش عملاً مكتوباً بالعربية قسمه إلى ثلاثة أقسام عالج في قسم منه العلاقة بين العبرية والعربية، وشَبَّه العلاقة بين العبرية والآرامية بفروع الشجرة الواحدة، أو بعروق الجسد الواحد، كما صرح بأن العربية والآرامية ليستا أجنبيتين. وذكر أن الـــعربية والعبرية نتجتا عن أصل واحد وتفرعتا نتيجة الخروج إلى أماكن مختلفة والاختلاط بلغات أخرى، وأصدر حكمه على اللغات الثلاث (العبرية والآرامية والعربية) بأنها صيغت بالطبيعة بطريقة واحدة”(17). “وفي القرن الحادي عشر الميلادي وضع يهوذا بن حيوج (أبو زكريا يحيى) أسس المقارنة الصوتية للغات السامية، وقد عرف العلاقة القريبة التي تربط الآرامية والعبرية، وقد كان تأثره بالتراث اللغوي العربي واضحاً في ثنايا مؤلفه”.
    وقال بعض اللغويين: أما العربية فتنقسم إلى العربية الجنوبية وتعرف باللغة الحميرية وموطنها اليمن وجنوبي الجزيرة العربية، والعربية الشمالية وهي لغة وسط الجزيرة العربية وشمالها وهي لغة الكتابة المتداولة اليوم في جميع أرجاء الوطن العربي، وقد كتب الله لها الخلود بسبب نزول القرآن الكريم بها، و انتشرت بعد الفتوحات الإسلامية انتشاراً واسعاً في مختلف الأصقاع. وفي كثيرٍ من المجالس الأدبية والحوارية بين أهل البلدان وأصحاب اللغة كانت تقام المناظرات والمجادلات في كثيرٍ من أمور اللغة بين القبائل، يدحض كل طرف ادعاء الآخر ويرد عليه في تفاخره بانتسابه إلى قوم من الأقوام، وكانت النتيجة بعد التحكيم تؤخذ بعين الاعتبار رِفعةً للمنتصر وحِطةً للمهزوم إذا لم يدعم رأيه بالبينة والحجة..في وقت كان فيه الصراع محتدماً بين القيسية واليمانية؛ فأخذت تلك المناظرات والمجادلات كمصدر من مصادر التدوين التي صار يتناقلها المؤرخون والأدباء والمدونون فيما بعد دون التمحيص والروية.
    فمن هذه المجالس مثلاً: “وردت حكاية في كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (279 هـ)، تدّعي أن كلمة إصبع لا يعرفها لسان حِمْيَر أو لا يستعملها.. قالوا: وأحضر أمير المؤمنين أبو العباس إبراهيم بن مخرمة الكندي وناساً من بني الحارث بن كعب أخوال أبي العباس، وخالد بن صفوان فتفاخروا فقال ابن مخرمة: “إن أهل اليمن ملوك العرب في الجاهلية .. فهم العاربة وغيرهم متعربة”. قال أبو العباس: “ما أحسب التميمي يرضى بهذا”. فقال خالد: “أخطأ المتقحم بغير علم”.
    ثم التفت إلى الكندي، ثم قال ابن الأهتم: “كيف علمك بلغة قومك، وما اسم الأصابع عندكم؟”، قال: “الشناتر”..قال خالد: “فإن الله -سبحانه وتعالى- يقول: “بلسان عربي مبين”، فهل سمعته يقول: “جعلوا شناترهم في صناراتهم؟”(18). ولم يكن المناظرون يومها يعلمون لغة النقوش اليمنية القديمة. واليوم مع فك رموز هذه النقوش ثبت أن كلمة إصبع لفظ مشترك بين كل اللغات السامية ومنها كافة اللغات اليمنية القديمة (السبئية والمعينية والحضرمية والقتبانية وأيضاً الحميرية التي أنكر عليها)..تقول إحدى النقوش المعينية: وهو نقش معيني من براقش أو قرناو الجوف 4.28 / صنعاء المتحف الوطني): “أب كرب يثع بن وقهأل ملك معن (= معين) نحل ووهب عبدس (= عبده) أجير (= اسم شخص) وبنهي (= وأبناء) أخس (= أخيه) صبيح (= اسم شخص) بهني (= ابناء) عبد ذببن (= ذي بابٍ ؟= ذي الباب؟) عبد ملكن (= الملك) اصبع بقبرن (= بقبرٍ= بالقبر) محرم ذت (= ذات) جبأت ك ملكن (= ملكٍ= الملك) بن ذخرأل عتنين (= اعتنين= اعتنى) ول يقنين (= وليملّك، وليعطي) وقتبر (= واقتبر) بمحرم وهروحتس (= أروحته ؟ ساحته؟ محيطه؟) أهل ببن أسد (= آساد بمعنى رجال) نجو...
    سطرن سم (= هم) وذ أثرهسم (= وذي أثرهم= ذريتهم؟ أتباعهم؟) ول يقنين ذت (= ذات) اصبعن (= إصبعٍ= الإصبع) وكل ذصدقت بس (= به) أهل ببن ... ... ... نجو ذن (= ذان = ذا، هذا) سطرن (= أسطرٍ، سطورٍ= السطور) سم وذ أثرهسم ... ...سم (= هم) وسنأ وأتمر (= ااتمر= من جذر أمر) بسم أف... ...... ...ضم وكن (= كان) ذت اصبعن وقبر ...ن ونحلتن (= نِحْلَةٍ= النِحْلَة) ذنعر ذكبره ... ...ن كبرس (= كبيره؟) ومرثد ....”.(19). وأما الأذن - بهذا اللفظ تماماً- ذكرتها معظم النقوش اليمنية منذ القرن الثامن قبل الميلاد وحتى اليوم، وتطلق على حواس السمع كما ترجمها المترجمون اللغويون على اختلافهم. فمثلاً: هذا نقش مسندي من القرن الثاني قبل الميلاد يقول: ولخمر/ عبده/ شرح عثت/ أولدم= (أولاد)/ بن= (من)/ حشكتهو= (امرأته)/ أب حمد= (إسمها)/ بت= (بنت)/ بني/ حيوم/ ولسعدهمو= (وليسعدهم)/ برى= (سلامة)/ أأذنم = (أذن، حواس السمع)/ومقيمتم= (أوقات)/ بضرم= (الحرب
    القول إن القرآن نزل بلغة قريش فيه تعصُّب قبلي مناطقي ساد أيام الأمويين والعباسيين في إطار بيئة عامة سادتها التجاذبات العصبية بين المضرية والقحطانية ثم القرشية والحجازية والبصرية والكوفية والبغدادية...وغيرهاومن هذه المصادر التي أخذت هذه المناظرة فطارت بها في عالم الأدب:
    1 - إعلام الناس بما وقع للبرامكة - الإتليدي .. وقال: “يجعلون أصابعهم في آذانهم”، ولم يقل شناترهم.
    2 - المحاسن والمساوئ - إبراهيم البيهقي (نحو 320 هـ): قيل: كان أبو العباس يطيل السهر ويعجبه الفصاحة ومنازعة الرجال، فسهر ذات ليلة وعنده أناس من مضر وفهر وفيهم خالد بن صفوان بن الأهتم التميميّ وناس من اليمن فيهم إبراهيم بن مخرمة الكندي، فقال أبو العباس: هاتوا واقطعوا ليلتنا بمحادثتكم. فبدأ إبراهيم بن مخرمة وقال: يا أمير المؤمنين إن أخوالكم هم الناس وهم العرب الأول ..فقال أبو العباس: “ما أرى مضر تقول بقولك هذا وما أظن خالداً يرضى بذلك”. فقال خالد: “إن أذن أمير المؤمنين وأمنت المواخذة تكلمت”. فقال أبو العباس: “تكلم ولا ترهب أحداً”. فقال خالد: “يا أمير المؤمنين خاب المتكلم وأخطأ المتقحّم ..والله يا أمير المؤمنين ما لهم ألسنة فصيحة ولا لغة صحيحة .. ثم التفت إلى الكندي وقال: كيف علمك بلغات قومك؟ قال: أنا بها عالم. ... قال: فالشناتر؟ قال: الإصبع. .. قال: فإن الله -عز وجل- يقول: “جعلوا أصابعهم في آذانهم”، ولم يقل شناترهم في صنانيرهم.
    3 - الجليس الصالح والأنيس الناصح - المعافى بن زكريا: (390 هـ): قال: فما اسم الأصابع؟ قال الشناتر، ... قال: فإن الله تعالى يقول: “إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون” (يوسف: 2)، وقال: “بلسان عربي مبين” (الشعراء: 195)، وقال: “وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه” (إبراهيم:4)، فنحن العرب والقرآن بلساننا نزل .. وقال: “يجعلون أصابعهم في آذانهم” البقرة:19 ولم يقل شناترهم في صناراتهم.
    4 - التذكرة الحمدونية ابن حمدون (562 هـ) : فقال: ألك علم بلغة قومك؟ قال: نعم...قال: “فما اسم الأصابع؟”، قال: “الشناتر” ...ولم يقل شناترهم في صناراتهم.
    5 - تاريخ دمشق - ابن عساكر (571 هـ): قال كان أبو العباس يعجبه السمر ومنازعة الرجال فحضره ذات ليلة في سمره إبراهيم بن مخرمة الكندي وناس من بني الحارث بن كعب وهم أخواله وخالد بن صفوان بن إبراهيم التميمي، فخاضوا في الحديث وتذاكروا مضر واليمن فقال إبراهيم: “يا أمير المؤمنين: إن اليمن هم العرب الذين دانت لهم الدنيا... هم العرب العاربة وغيرهم المتعربة” ... قال أبو العباس: “ما أظن التميمي يرضى بقولك”، ثم قال: “ما تقول يا خالد؟” ... فقال: “أخطأ يا أمير المؤمنين ... فكيف يكون ما قال والقوم ليست لهم ألسن فصيحة ولا لغة صحيحة” ... ثم التفت فقال: “أعالم أنت بلغة قومك؟”، قال: “نعم” ...قال: “فما اسم الأصابع؟”، قال: “الشناتر” ...فقال له: “أفمؤمن أنت بكتاب الله؟”، قال: “نعم”، قال: “فنحن العرب والقرآن بلساننا نزل.. ألم تر أن الله -عز وجل- قال: “يجعلون أصابعهم في آذانهم” ولم يقل شناترهم في صناراتهم”(20).
    وقد عقب على كل ذلك ابن فارس في فقه اللغة (395 هـ) أن اختلاف اللغة لا يقدح في الأنساب.. فقال:
    وأما من زعم أن ولدَ إسماعيل -عَلَيْهِ السلام- يُعيّرون وَلدَ قَحْطان أنهم ليسوا عرباً، ويحتجُّون عليهم بأنَّ لسانَهم الحِمْيريَّة وأنهم يُسَمُّون اللِّحية بغير اسمها - مع قول الله -جلّ ثناؤه- فِي قصة من قال: “لا تأخذ بلِحْيتي ولا بِرَأْسي”، وأنهم يُسمُّون الذّيب “القِلوْبَ” - مع قوله: “وأخاف أن يأكله الذّئب” - ويسمون الأصابع “الشنَّاتر” - وَقَدْ قال الله -جلّ ثناؤه: “يجعلون أصابعهم فِي آذانِهم” - وأنهم يسمّون الصَّديق “الخِلْمَ” - والله -جل ثناؤه يقول: “أَوْ صَديقِكم” - وَمَا أشبه هَذَا. فليس اختلافُ اللُّغات قادِحاً فِي الأنساب”(21).
    وانظر في قوله: “ما أظن مضر ترضى بذلك”..فلقد كان الزمن زمن صراع بين اليمنية والمضرية على كافة الأوجه العسكرية والثقافية والتاريخية وغيرها، وما أظن هذه الروايات إلا روايات متحيزة ومصطنعة للحط من شأن اليمنية؛ لأن اليمنية حملت الراية العسكرية والجهاد، بينما حمل كثيرٌ من مضر الراية الثقافية فأمكن لها ما تحصل لها من علوم وسيطرة على بعض المجالات العلمية ومنها اللغوية والثقافية إلا أن تنشر مثل هذه المزاعم، ولربما جاؤوا في ذلك المجلس برجل آخر دعي على اليمنية ولا يعرف من لغتهم وثقافتهم شيئاً فنسبوه لابن مخرمة..وذلك أن كل النقوش والكتابات اليمنية واستعمالات لفظ الأصابع في كافة المجالات واللهجات اليمنية المختلفة لم تذكر ما ذكرته تلك الروايات، بل ذكرت الأصابع صراحة دون توهم، وفي المثل الذي سقناه خير دليل على ذلك.
    ونجد من اللغويين من لا يرضى بالتحامل على اللغة اليمانية ويتهم أصحاب تلك التحاملات، وخاصة في المثل السابق، بالتدليس، ومنهم أحمد بن فارس في “معجم مقاييس اللغة”، فهو يصف ابن دريد بالتدليس فيما يعزوه إلى اليمن. ويضيف: “ولا نقول لأئمتنا إلا جميلاً”، ويقول: “على أنهم يقولون “الصنارة” بلغة اليمن الأذن، و”الشبص” الخشونة، وليس هو بشيء”(22). وقد ذكرنا نقشاً يورد إسم الأذن صراحة في اللغة اليمنية.
    الأسباب التي جعلت اللغويين يقولون بعدم عربية اللغة اليمنية:
    إن من أهم الأسباب التي جعلت اللغويين القدامى يقولون بعدم عربية لغة أهل الجنوب (اليمن):
    1 - أن العرب اقتصروا في جمع مادتهم اللغوية وحصرها على مناطق البادية من شمال شبه الجزيرة العربية، معللين ذلك بأن الحواضر وأطراف الجزيرة لا تمثل لغتها لغة العرب تمثيلاً صحيحاً لتعرضها لمؤثرات أجنبية..وقد كتب ابن جني باباً بعنوان “في ترك الأخذ عن المدر كما أخذ عن أهل الوبر”، قال فيه: “علة امتناع ذلك ما عرض للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال والفساد والخطل. ولو علم أن أهل مدينة باقون على فصاحتهم، ولم يعتر في شيء من الفساد للغتهم لوجب الأخذ عنهم كما يؤخذ عن أهل الوبر”(23).
    ومن هنا جاء تصنيف اليمنيين على أنهم أهل مدر لا تؤخذ اللغة عنهم. كما استدرك ابن جني بالقول: “وكذلك لو فشى في هل الوبر ما شاع في لغة أهل المدر من اضطراب الألسنة وخبالها، وانتقاص عادة الفصاحة وانتشارها لوجب رفض لغتها وترك تلقي ما يرد عنها”(24). وعلى هذا القول.. فأين نضع تلك الألفاظ التي قيل أنها فارسية لكنها عُربت مثل: أبريق، وسندس، وإستبرق...وغيرها؟!
    وقال أبو نصر الفارابي في كتابه المسمى الألفاظ والحروف: “كانت قريش أجود العرب انتقاءً للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النطق وأحسنها مسموعاً وأبينها إبانة عما في النفس، والذين عنهم نقلت اللغة العربية وبهم اقتدى وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب هم قيس وتميم وأسد؛ فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانـــة وبعض الطائيين!”(25).
    وقد أخذت قواعد اللغة العربية عند وضعها في البصرة من مراجعة لغات هذه القبائل على اعتبار أنها هي الفصحى ولغاتها هي الأكثر في الاستعمال” (26)..
    وانظر إلى قوله: “بعض كنانة وبعض الطائيين”، وكأن للبعض الآخر من القبيلتين لغة أخرى غير تلك السابقة.
    أما القبائل التي تسكن أطراف الجزيرة وعلى حدودها فهي أقل فصاحة وأضعف لساناً وقد ظهرت الرخاوة في ألسنتها منذ العصر الجاهلي وذلك بسبب احتكاك هذه القبائل أو اختلاطها بالأمم الأعجمية.
    ويقول الفارابي بعد ذكره القبائل الفصحى: “ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم.. وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم، فإنه لم يؤخذ لا من لخم ولا من حزام لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة وغسان وأياد لمجاورتهم أهل بلاد الشام وأكثرهم نصارى يتكلمون بالعبرانية، ولا من تغلب اليمن فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا من بكر لمجاورتهم للقبط والفرس، ولا من أهل اليمن لمخالطتهم للهند والحبشة، ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة ولا من ثقيف وأهل الطائف لمخالطتهم تجار اليمن المقيمين عندهم، ولا من حاضرة الحجاز؛ لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين بدؤوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم وفسدت ألسنتهم”(27).
    ولو دققنا النظر في هذا القول وربطناه بما جرى في التاريخ اللغوي العربي فعلاً لرددناه من جانبين:
    - الأول: أن اللغويين ومعهم علماء الأدب والنحو وغيرهم يقولون إن أصل منشأ اللغة العربية الفصحى من الشمال (الآرامية، والنبطية، والكنعانية...وغيرها)، والشمال أهل مدر ومدن ودول وحضارات، فكيف أخذ عنهم فصاحة اللغة أو تطورها ولا يؤخذ عن أهل الجنوب (اليمن) وهم أهل مدر ومدن وحضر؟! أليس هذا تناقضاً واضحاً؟
    وإذا كان المقصود بالشمال شمال الجزيرة العربية من القبائل المجاورة لتلك الحضارات (الثمودية، والصفوية، واللحيانية)؛ فإن الجنوب (اليمن) أقرب مكاناً وأكثر احتكاكاً من ممالك الشمال، والأصل أن يؤخذ ويتم التثاقف من الأقرب فالأقرب لا من الأبعد فالأقرب.
    كذلك لا يؤخذ عن هذه القبائل اللغة بسبب مقاييس الفارابي لمجاورة تلك القبائل ممالك غير عربية وهي أهل مدر، فكيف أجازوا الأخذ عنها ولم يجيزوا لأمثالها الأخذ عنها؟!.
    كما أن القبائل الثمودية والصفوية واللحيانية هي قبائل جنوبية هاجرت إلى الشمال وحملت معها خطها المسندي ولغتها الجنوبية، وكثيرٌ من ألفاظها ولغاتها المستعملة مشتركة مع الجنوبية اليمنية.
    - الثاني: أن النقوش اليمنية القديمة تحدثت عن أن أعراب الصحراء وأطراف وتخوم الدولة السبئية ومن بعدها الحميرية كانوا يخضعون للحكم في اليمن مع ما في ذلك من الاحتكاك والاختلاط.. فقد ذكرت نقوش الدولة السبئية المتأخرة والدولة الحميرية بالقول مثلاً: ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات وطود وأعرابهم..وتكرر هذا القول وبصيغ مختلفة مرات عديدة في كثيرٍ من تلك النقوش، كما ذكرت بعض النقوش أن هؤلاء الأعراب كانوا يثورون بين الفترة والأخرى على المملكة فتقوم المملكة بتأديبهم وإخضاعهم مرة أخرى..كما وجدت الكثير من النقوش تتحدث عن وصول حكم بعض الملوك إلى جنوب مصر والبحرين وحكموا كامل الجزيرة العربية، مما يعني دخول الجزيرة بكل أعرابها التي تعد أهل وبر وأخذ عنهم فصاحة اللغة، تحت حكم اليمن وكانت لغة الكتابة يومها هي اللغة اليمنية الجنوبية كما أكدته النقوش التي عثر عليها في مناطق عديدة من المملكة العربية السعودية اليوم، فكيف تم الانسلاخ عنها والتنكر لها فيما بعد؟!
    وإذا اقتصر أمر أخذ اللغة عن البدو أهل الصحراء، وعلة اللغويين الرئيسة أن أهل الصحراء لم يحتكوا بأمم ولا حضارات أخرى (أي منغلقين على أنفسهم) مما جعلهم محافظين على صفاء لغتهم، يعززون الرأي القائل بأن اللغة توقيفية وليست اصطلاحية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: كيف لنا أن نعرف كيف جاءت اللغة لأهل الصحراء بتلك الدقة والتناسق والتناغم والترابط من فصاحة وبيان وغيرها من المظاهر الجمالية والتي انفردت بها عن سائر اللغات البشرية؟ وكيف نشأت عندهم وهم معزولون عن العالم ولم يعرفوا تدويناً ولا تلقيناً ولا استقراراً أيضاً يمكنهم من دراسة اللغة وتطورها؟!، كما لم يؤثر عنهم تدوين أو نقوش عدى بضعة نقوش فقط هي: “نقش رقوش بالحجر” (مدائن صالح) المؤرخ في سنة 267م، “نقش أم جمال الأول” المؤرخ فيما بين 250-270م، “نقش النمارة” المؤرخ في سنة 328م، “نقش سككا الأول” المؤرخ - تقريباً- في القرن الخامس الميلادي، “نقش سكاكا الثاني” المؤرخ - تقريباً - في القرن الخامس الميلادي، “نقش زبد” المؤرخ في سنة 512م، “نقش جبل أسيس” المؤرخ في سنة 528م، “نقش حران” المؤرخ في سنة 568، “نقش أم جمال الثاني” المؤرخ - تقريباً- في القرن السادس الميلادي، مع أن هذه النقوش في تحليلها تعود لممالك مدنية مستقرة كمملكة كندة مثلاً، وهي أقرب إلى الخربشات منها إلى الحروف الواضحة، وقارئها إنما يتوهم حروفها توهماً لا تيقناً لعدم وضوح حروفها.
    ولقد كان عرب شمال ووسط الجزيرة رعاة يبحثون عن الكلأ والماء، ولم يكن لهم هم حضاري أو معرفي، فضلاً عن الصراعات القبلية والتناحر المستمر يجعلهم في شغل شاغل عن الكتابة والعلم. مع أن علماء اللغة في العالم أجمع -قديمهم وحديثهم- يكادون يجمعون على أن اللغة وكتابتها ونشأتها وفصاحتها لا تكون إلا في مجتمع حضاري مستقر في نفس المكان الذي وجد فيه وكوّن فيه حضارته؛ لأنه ناتج عن تراكم كمي معرفي وحاجة الحضارات للحفاظ على نشأتها ومعالمها ومعارفها وترتيب أمورها السياسية والثقافية والعلمية والعمرانية وغيرها واحتكاكهم بالأمم الأخرى.. ألم يُقل إن اللغة الفصحى في قريش نشأت من الاختلاط والرحلات والتجارة واحتكاك القوم بالأقوام الأخرى؟ فكيف يقر الاختلاط والاحتكاك هنا ولا يقر هناك جنوباً في اليمن؟!
    ثم قول الفارابي: “وأخذت قريش عن بعض الطائيين” إن هذا لشيء عجاب!، فهل كان لطيء لغتان في إطار القبيلة الواحدة مع أن القبيلة لا تعدو عن كونها بعض مئات إن لم يكونوا عشرات من البشر، وكيف تنزلت عليهم اللغة بذلك الشكل؟!
    ثم إن القبائل المذكورة كانت لغتهم العربية ولم يكن لهم لغة غيرها وما ذكر عن لغاتهم ليس إلا قصد لهجاتهم؛ إذ ليس لكل قبيلة لغة بل لكل قبيلة لهجتها؛ فاللغة أعم وأشمل تنبثق عنها اللهجات وليس العكس، ومرتكزات اللغة من حروف وألفاظ ومعانٍ وخصائص التي تكون مستقلة بذاتها غير مرتكزات اللهجة؛ فاللهجات المختلفة تحمل العوامل المشتركة من حروف وأعدادها وتختلف فقط في ضبط أواخرها من التحريك والتسكين والتقييد واختلاف المعاني فقط.
    كما أنه معلوم أن اللغة الفصحى لم تتكون إلا قبل الإسلام بمراحل قليلة وليست ضاربة جذورها في أعماق الزمن الغابر.
    وفي “فتح الباري” – 9: 9: قال القاضي أبو بكر بن الباقلانيُّ: معنى قول عثمان: نزل القرآنُ بلسان قريش، أي: معظمُه، وأنه لم تقم دلالة قاطعةُ على أنَّ جميعَه بلسان قريش، فإن ظاهر قوله – تعالى – {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} أنه نزل بجميع ألسنة العرب، ومن زعم أنه أراد مضر دون ربيعة، أو هما دون اليمن، أو قريشاً دون غيرها فعليه البيان؛ لأن اسم العرب يتناول الجميع تناولاً واحداً.
    والقول أن القرآن نزل بلغة قريش فيه تعصب قبلي مناطقي ساد أيام الأمويين والعباسيين في إطار بيئة عامة سادتها التجاذبات العصبية بين المضرية والقحطانية ثم القرشية والحجازية والبصرية والكوفية والبغدادية...وغيرها.
    وهكذا لم يسلم حتى القرآن الكريم من جره إلى التجاذبات العصبية التي سادت تلك الفترة.
    2 - كذلك من الأسباب التي جعلت اللغويين لا يأخذون لغة اليمن كمصدر من مصادر الاستشهاد والاستدلال، قول أبي عمرو بن العلاء السابق “ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم كعربيتنا” فطارت في الآفاق وجعلها اللغويون كأنها قرآن لا يجوز مخالفته.
    حتى جاء طه حسين وكرس هذا المفهوم، وعلى نهجهما سار اللغويون المحدثون والمستشرقون لمكانتيهما الاعتبارية في اللغة والأدب العربيين.
    3 - كما أن بعض علماء اللغة العرب كانوا يصطنعون بعض المقاييس لتفصيل القول فيما هو من لسان العرب وما ليس بلسانهم، ومن ذلك مثلاً قول الخليل بن أحمد في المقلوب من الألفاظ وما اختلفت دلالته لتغيير حركة حرف أو حركة حرف وزيادة حرف والأصل واحد بين اللفظتين، فمثلاً نص الخليل على أن “العلّوش”: الذئب بلغة حمير، وأكد أنها مخالفة لكلام العرب لأن الشينات كلها قبل اللام(28).
    فهل هناك قواعد معرفية في اللغة العربية ترتب الحروف ترتيباً يجعل بعضها مقتصراً بمكان لا يتجاوزه إلى غيره كالمثل السابق؟!..بمعنى هل أن من القواعد أن لا يسبق اللام الشين والعكس هو الصحيح أن حرف الشين هو الذي يسبق دائماً سواء كان بلغة مضر أو لغة قحطان؟ً!
    وتضاربت استدلالات بعض اللغويين في الأمثلة وتسمية بعض الأشياء كما قالوا عند اليمنيين ولم يتفقوا عليها.
    فالخليل قال إن اليمنيين يسمون الذئب “علوشاً”، والدكتور إبراهيم أنيس قال إن اليمنيين يسمون الذئب “قلوباً” وساق بيتين من الشعر قال إنها لأحد الشعراء الحميريين، هما:
    أيا جحمتا بكي على أم واهب أكيلة قلوب ببعض المذانب
    فلم يبق منها غير شط عجانها وشنترة منها وإحدى الذوائب
    أليس هذا تضارباً في الاستدلال مما يجعله تقوّلاً وتجنياً على لغة أهل اليمن؟
    كما قالوا إن الشعر لم يعرفه اليمنيون قديماً ولم تعرفه إلا القبائل التي أخذت عنها اللغة ولم تبتكره إلا قبل مجيء الإسلام بزمن قليل، فكيف لم يعرف اليمنيون فن الشعر وهنا يسوقون بعض الأمثلة من الشعر قالوا بأنها لشعراء حميريين؟!
    ثم إن هذا المثل ليس قاعدة مطردة نقيس عليها كل ألفاظ اللغات اليمنية ونعممها على التقعيد على أنها من مقاييس اللغة.
    4 - ولقد أضاف بعض المؤرخين سبباً إلى الأسباب السابقة وهو الصراع القبلي (الأنساب) بين اليمنية (القحطانية) والمضرية (العدنانية) الذي كانت دوافعه سياسية في أيام الدولة الأموية ثم تغلغل في بدايات الدولة العباسية، فصار التنافس بين الفريقين في كل شيء حتى تعداه إلى إنكار عربية كل طرف للآخر واحتكارها لنفسه مقسمين العرب إلى عرب عاربة وعرب مستعربة وهي نظرية تجد اليوم الكثير من النقد والقول بعدم صحتها، خاصة ولم نجد ما يسند ذلك التقسيم العربي إلى عدنانية وقحطانية في لغة النقوش المدونة على المسلات والجدر والحجارة، وغيرها، وحتى لم نجده في عرب الجاهلية بعد الميلاد أو قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم-، وهو صراع ابتدعه السياسيون المتأخرون لعصر صدر الإسلام مع العصر الأموي، وابتدعه المؤرخون والنسابون للاستفادة منه في ترجيح كفة على أخرى وكسب العون والمدد من هذه الفئة أو تلك..والمفاضلة بين القبائل؛ حتى وصل أن امتد الأمر إلى العلم والعلماء وتأثروا بهذا الداء العضال وأقحموه كل المجالات؛ السياسية والأدبية واللغوية والتاريخية والأنساب وغيرها.
    5 - كما أن هناك سبباً آخر ذكره بعض المؤرخين أيضاً أشبه بالسابق وهو تقسيم العرب إلى طبقتين رئيسيتين - كما هو عند اللغويين - : طبقة البدو من الأعراب (أهل الوبر) من جهة، وطبقة العرب المستقرين (أهل المدر) من جهة ثانية، لا سيما وأن النسابين قد حشروا غالبية قبائل العرب المستقرة من سكان الحواضر في النسب القحطاني (اليمن)، وغالبية القبائل البدوية في النسب العدناني (القبائل الشمالية)(29).
    6 - التدليس عند بعض اللغويين فيما ينسبونه إلى اليمن من اللغة كما قال به أحمد بن فارس في “معجم مقاييس اللغة” متهماً ابن دريد في ذلك.
    7 - ويضيف الدكتور إبراهيم السامرائي سبباً آخر وهو الوضع وعدم الإلمام الحسن في نسبة الظواهر اللغوية إلى أهلها، خاصة وقد ساد الوضع والتزيد طائفة من المعارف القديمة في الأدب والتاريخ والحديث وغيرها(30).
    وعجباً لهؤلاء اللغويين الذين يقرون بلغة اليمن متى ما وقعوا في مأزق من استدلال ولا يقرونها في مواطن كثيرة. في حين أقر اللغويون حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم- باللهجة التهامية “ليس من امبر امصيام في امسفر”، وهي لهجة يمنية خالصة اقتصرت على تهامة اليمن.
    إنني أزعم أن الألفاظ اليمانية في القرآن الكريم أكثر دقة وإيضاحاً للمعنى واختياراً للصورة الدقيقة من تلك المعاني التي ساقها المفسرون على اللغة العربية الفصحى (الشمالية)..فإذا كانت كثيرٌ من الألفاظ العربية التي قيلت أنها شمالية حين استخدامها كإيضاح للمعنى في تفسير اللفظ القرآني إنما تفسر للازمة من لوازم تلك المعاني بعدما استعيرت مجازاً لعلاقة ما بينها وما يمكن أن يكون معنى للفظ القرآني، مثل تعميم المعنى (الغنيمة) على الفيء والنفل وما شابه مع وجود فوارق في واقع الحال التي يستخدم فيها لفظ “الفيء” و”الغنيمة” و”النفل”.
    ولنحاكم مثلاً بعض تلك الألفاظ اليمانية في القرآن الكريم:
    1 - اللفظ “أنفال” في قوله تعالى: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ”(31). قال المفسرون “الأنفال” (الغنائم) بعموم اللفظ والإطلاق دون تقييد. وقال بعضهم هي الغنائم تؤخذ قبل المعركة من غير قتال، كما ورد في تفسير ابن كثير.
    وفي لسان العرب، “النفل”: بالتحريك الغنيمة والهبة، قال لبيد:
    إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي والعجل
    والجمع أنفال ونفال، قالت جنوب أخت عمرو ذي الكلب:
    وقد علمت فهم عند اللقاء بأنهم لك كانوا نِفالا
    ونفّله نفلاً وأنفله إياه ونَفَلَه، بالتخفيف، ونفَّلتُ فلاناً تنفيلاً، أعطيته نفَلاً وغنما.
    وقال شمر: أنفلتُ فلاناً ونفلته أعطيته نافلة من المعروف. ونفَّلته، سوغت له ما غنم”(32).
    أما في لغة اليمن كما وردت في النقوش القديمة “الأنفال” ما سقط في أرض المعركة، فهو مقيد في إطار المعركة وأرضها دون التعدي إلى غير ذلك. وفي هذا التقييد حكمة بالغة حتى لا تسول للمقاتلين أنفسهم فيستبيحوا أموال الناس بحجة الغنيمة والفيء، كما عرف في تاريخ الحروب المختلفة. وإلا لكان ورد اللفظ بمرادف آخر مثلاً كأن يكون قال:”يسألونك عن الفيء” مثلاً كما في بعض القراءات التي تقول بإبدال الألفاظ أو القراءة بالمعنى.
    لكن اللفظ نقل أدق معنى وأضيق حكماً، وهو من الزيادة كما جاء في قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً}(33)، أي زيادة عن المسؤول، كما قال المفسرون. و”النفل” كما هو منطوق اليوم في لهجة تعز هو ما تساقط من زيادة الشيء ونحوه، يقال “نفلت الثمرة” إذا نضجت فتساقطت.
    2 - اللفظ “حبط” كما عند المفسرين واللغويين بمعنى (بطل ثوابه)، وفي الصحاح: “الحبط” بفتحتين أن تأكل الماشية فتكثر حتى تنتفخ لذلك بطنها عن أكل الذرق. وفي الحديث: “وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم”(34).
    أما حبط في اللغة اليمنية فيعني (حِمى). وهو من الأرض المحمية غير الشائعة أحيط بها.
    3 - “يرتع” في قوله تعالى: “ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ”(35)، وهو عند بعض المفسرين كابن عباس والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم يعني “ينشط”. وفي بعض اللغات اليمنية يعني (يحرس، يرتب).
    وسياق الآية من حالة إخوة يوسف من الرعي والعمل يدل على الحراسة والترتيب لا النشاط، وبالتالي فهو إلى اللغة اليمنية أقرب من كلمة ينشط؛ لأن يلعب في الآية مرادف لينشط ولا يستخدم التكرار بلفظين مترادفين ومتتابعين ومتجاورين في القرآن الكريم. وفي اللغة القتبانية يعني (يأكل من خيرات الأرض وشجرها) وهو يناسب أيضاً حالة إخوة يوسف في اللعب والتنزه والأكل من خيرات الشجر.
    4 - “بادٍ” في قوله تعالى: {جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}(36). والباد عند المفسرين الشائع العام وهو عكس “العاكف” وهو المقيم.
    وفي لغة أهل اليمن “الباد” هو الشائع غير المحروز ولا المحظور أي السبيل، يقال “الرجل بدى بأرضه وجعلها بدية” أي جعلها شائعة وسبيلاً. ومنه قوله تعالى: {وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ}(37)، أي سائحون سائرون في القبائل.
    5 - “عاقر” هي المرأة التي لا تلد كما جاء في قوله تعالى: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ}(38).
    والعقر لغة يمانية من لغة الأشعريين وهي لا تزال مستخدمة إلى اليوم في محافظة تعز، وتعني (الخراب والعطل) وعدم الفائدة وعكس “صالح”، يقال: “عقرت الشيء” أي أخربته وأتلفته. وعليه قوله تعالى: {فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ}(39).
    6 - اللفظ {نُسْقِيكُمْ} كما في قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ}(40) قرئ على ضم أوله بلغة حمير. “قراءة أهل المدينة وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر بفتح النون من سقى يسقي. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بضم النون من أسقى يسقي، وهي قراءة الكوفيين وأهل مكة. قيل: هما لغتان. وقال لبيد:
    سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميراً والقبائل من هلال
    وقيل: يقال لما كان من يدك إلى فيه سقيته، فإذا جعلت له شراباً أو عرضته لأن يشرب بفيه أو يزرعه قلت أسقيته؛ قال ابن عزيز، وقد تقدم. وقرأت فرقة “تسقيكم” بالتاء، وهي ضعيفة، يعني الأنعام. وقرئ بالياء، أي يسقيكم الله عز وجل. والقراء على القراءتين المتقدمتين؛ ففتح النون لغة قريش وضمها لغة حمير”(41).
    7 - “ركزا” في قوله تعالى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} “في موضع نصب أي هل ترى منهم أحد وتجد {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} أي صوتاً عن ابن عباس وغيره أي قد ماتوا وحصلوا أعمالهم، وقيل حساً، قال ابن زيد وقيل “الركز” ما لا يفهم من صوت أو حركة. قال اليزيدي وأبو عبيدة كركز الكتيبة وأنشد أبو عبيدة بيت لبيد:
    وتوجستْ ركزَ الأنيس فراعها ... عن ظهر غيب والأنيسِ سقامُها
    وقيل الصوت الخفي ومنه ركز الرمح إذا غيب طرفه في الأرض، وكذلك الركز والركاز المال المدفون”(42).
    وفي اللغة اليمنية “رَكز” بمعنى نصّب، أقام. يقال ركز زيدٌ عمرواً أي نصبه وأقامه. وكذلك غرز الشيء في التراب من عود أو رمح وغيره.
    8 - “ضبحا” في قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً}(43) “أي الأفراس تعدو. كذا قال عامة المفسرين وأهل اللغة؛ أي تعدو في سبيل الله فتضبح. قال قتادة: تضبح إذا عدت؛ أي تحمحم. وقال الفراء: الضبح: صوت أنفاس الخيل إذا عدون. ابن عباس: ليس شيء من الدواب يضبح غير الفرس والكلب والثعلب. وقيل: كانت تكعم لئلا تصهل، فيعلم العدو بهم؛ فكانت تتنفس في هذه الحال بقوة”(44). “قال ابن عباس، وعطاء ومجاهد، وعكرمة، والحسن، والكلبي، وقتادة، والمقاتلان (2) ، وأبو العالية وغيرهم: هي الخيل العادية في سبيل الله عز وجل تَضْبَحُ، والضَّبْح: صوت أجوافها إذا عَدَتْ.
    قال ابن عباس: وليس شيء من الحيوانات تضبح غير الفرس والكلب والثعلب، وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغيَّر حالها من تعب أو فزع، وهو من [قولهم] ضَبَحَتْهُ النارُ، إذا غيرَّت لونه”(45). “يقال ضبح الفرس : إذا عدا بشدّة، مأخوذ من الضبع ، وهو الدفع ، وكأن الحاء بدل من العين. قال أبو عبيدة، والمبرد: الضبح من إضباحها في السير ومنه قول عنترة:
    والخيل تكدح في حياض الموت ضبحا .. ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحال، أي: ضابحات، أو ذوات ضبح، ويجوز أن يكون مصدراً لفعل محذوف، أي: تضبح ضبحاً. وقيل الضبح: صوت حوافرها إذا عدت. وقال الفراء: الضبح صوت أنفاس الخيل إذا عدت”(46).
    أما الضبح في اللغة اليمنية فهو الضجر والشدة والكر في الشدة والحمل على الشيء. وكذلك الضبع: ضرب العدو ومهاجمته.
    فحال سياق الآية “العاديات ضبحاً” يدل على الهجوم والشدة في العدْو؛ لأن وصف الآيات بعده يدل على الحال الذي يكون على إثر الهجوم وشدته من قدح شرارة سنابك الخيل (فالموريات قدحاً) والإغارة في الصباح وإثارة النقع من شدة العدو وتوسط الجمع...إلخ.
    9 - “إصر” في قوله تعالى: {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا}(47). قال الطبري: “وقال أبو جعفر: “وأخذتم على ذلك إصري”؟ يقول: وأخذتم على ما واثقتموني عليه من الإيمان بالرسل التي تأتيكم بتصديق ما معكم من عندي والقيام بنصرتهم =”إصري”. يعني عهدي ووصيتي، وقبلتم في ذلك منّي ورضيتموه”( 47).
    وعند ابن كثير قال: “قال ابن عباس، ومجاهد، والربيع، وقتادة، والسدي: يعني عهدي.
    وقال محمد بن إسحاق: {إصري} أي: ثقل ما حمّلْتم من عهدي، أي ميثاقي الشديد المؤكد”(48).
    وقال البغوي في تفسير “إصراً” في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا}(49)، أي عهداً ثقيلاً وميثاقاً لا نستطيع القيام به فتعذبنا بنقضه وتركه {كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} يعني اليهود، فلم يقوموا به فعذبتهم، هذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والسدي والكلبي وجماعة. يدل عليه قوله تعالى: {وأخذتم على ذلكم إصري}(50) أي عهدي، وقيل: معناه لا تشدد ولا تغلظ الأمر علينا كما شددت على من قبلنا من اليهود”(51).
    والإصر في لسان العرب: “العهد الثقيل. وفي التنزيل {وأخذتم على ذلكم إصري}، وفيه: {ويضع عنهم إصرهم} وجمعه آصار لا يجاوز به أدنى العدد. قال أبو زيد: أخذت عليه إصراً، وأخذت منه إصراً، أي موثقاً من الله تعالى. قال الله عز وجل: {ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا}. قال الفراء: الإصر العهد. وكذلك قال في قول الله عز وجل: {وأخذتم على ذلكم إصري}، قال الإصر ههنا إثم العقد والعهد إذا ضيعوه، كما شدد على بني إسرائيل”(52).
    وفي لغة النقوش اليمنية: “إصري” بمعنى: حمى، حفظ، أعطى قراراً، حصل على قرار، طلب حماية، ضمن حماية، وحي. وهي معانٍ شاملة للعهود والمواثيق وحفظها واتخاذ القرار. وكما هو متسق مع سياق الآية، في شرح الله للأمم السابقة في الإيفاء في العهود والعقود واتخاذ القرارات اللازمة والمناسبة وتحمل تبعات مخالفتها. وكأن المعنى الأقرب والأدق إلى سياق الآية هو الميثاق والضمان، ويكاد يتفق المعنى في بقية الآيات الأخرى؛ في الآية السابقة “الميثاق والضمان”، وفي آية “ويضع عنهم إصرهم” أي ضمانهم، وفي آية: “ربنا ولا تحمل علينا إصراً” أي ضماناً بدليل الآية قبلها “ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به”.
    10 - “تلّه” في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}(53)، قال ابن كثير في تفسيره:”{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} أي: صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه، ليكون أهون عليه، قال ابن عباس، ومجاهد (6) وسعيد بن جبير، والضحاك، وقتادة: { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} : أكبه على وجهه”(54). وقال القرطبي: “قال قتادة: كبه وحول وجهه إلى القبلة”(55). وقال الطبري: “ (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) أي وصَرَعَه للجَبِيِن، والجبينان ما عن يمين الجبهة وعن شمالها، وللوجه جبينان، والجبهة بينهما”(56)، وكذا قاله البغوي.
    وفي لسان العرب لا بن منظور “تلل” “تله يتله تلاً، فهو متلول وتليل: صرعه، وقيل: ألقاه على عنقه وخده، والأول أعلى، وبه فسر قوله تعالى: (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)، معنى تله: صرعه، كما تقول: كبه لوجهه. والتليل والمتلول: الصريع؛ وقال قتادة: تله للجبين: كبه لفيه وأخذ الشفرة، وتُل: إذا صرع”(57).
    وفي اللغة اليمنية: “تلّ”: رفع، أخذ، يقال: زيد تلّ عمرواً، أي رفعه وحركه من موضعه إلى موضع آخر. وسياق الآية وحال إبراهيم وابنه إسماعيل يدلان على هذه الحركة والمعنى في اللغة اليمنية أقرب.
    11 - “بسل” في قوله تعالى: {وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ}(58). قال معظم المفسرين أن “بسل” يعني أسلم، افتضح، عذب، قال ابن كثير: {أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} أي: لئلا تبسل. قال الضحاك عن ابن عباس، ومجاهد، وعِكْرِمة، والحسن، والسُّدِّي: تبسل: تُسْلَم.
    وقال الوالبي، عن ابن عباس: تفتضح. وقال قتادة: تُحْبَس. وقال مُرَّة وابن زيد تُؤاخذ. وقال الكلبيي: تُجَازَي، وكل هذه العبارات متقاربة في المعنى، وحاصلها الإسلام للهلكة، والحبس عن الخير، والارتهان عن درك المطلوب”(59).
    وعند الطبري(60) قال: واختلف أهل التأويل في تأويل قوله:”أن تبسل نفس”.
    فقال بعضهم: معنى ذلك: أن تُسْلَم.
    - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة قوله:”أن تبسل نفس بما كسبت”، قال: تُسلم.
    - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن:”أن تبسل نفس”، قال: أن تُسلم.
    - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن، مثله.
    - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره:”أن تبسل”، قال: تسلم.
    - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:”أن تبسل نفس”، قال: تسلم.
    - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد: أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا ، أسلموا.
    وقال آخرون: بل معنى ذلك: تُحْبس.
    - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:”أن تبسل نفس”، قال: تؤخذ فتحبس .
    - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
    وفي لسان العرب “بسل”: بسل الرجل يبسلُ بسولاً، فهو باسلٌ وبسلٌ وبسيلٌ وتبسلا، كلاهما: عبس من الغضب أو الشجاعة، وأسدٌ باسلٌ. وتبسل لي فلان إذا رأيته كريه المنظر. وبسّل فلان وجهه تبسيلاً إذا كرّهه. وتبسل وجهه: كَرُهَت مرآتُه وفَظُعت؛ قال أبو ذؤيب يصف قبراً:
    فكنت ذنوب البئر لما تبسلتْ وسربلتُ أكفاني ووسدتُ ساعدي
    لما تبسلتُ أي كرهتُ؛ وقال كعب بن زهير:
    إذا غلبته الكأس لا متعبسٌ حصورٌ ولا من دونها يتبسلُ(61)
    وفي اللغة اليمنية “بسل” بمعنى: شوى، أحرق، طبخ، وهو أقرب إلى معنى سياق الآية من العذاب والتذكير بجهنم وحال الكفار في عذاب جهنم، ولعل اللغويين لم يعلموا بهذا المعنى في اللغة اليمنية، وكما ذكرنا أن تفسيراتهم لألفاظ القرآن الكريم أخذت من بعض اللغات الشمالية فقط.
    وقد أشار صاحب اللسان إلى هذا المعنى بالقول الموجز: “وأبسل البُسرَ: طبخه وجففه”(62).
    ..... يتبع


    لقد كان من الخطأ الجسيم أن يتم الاقتصار على أخذ مادة اللغة العربية فقط عن أهل الصحراء من الأعراب وإهمال غيرهم من أهل المدن وخاصة المجاورة. ذلك أن مادة اللغة البدوية والصحراوية وألفاظها لا تكاد تخرج عن مجالات الخيمة والصحراء والإبل والخيل والغنم والرعي وما ارتبط بها. وتجنبوا أهل المدن والحضارة وما ارتبط بها من ألفاظ العمران والبناء والقراءة والكتابة والتجارة والصناعة والسدود والزراعة والاستقرار والنهضة والجيوش والدولة والدواوين والتاريخ وكل ما ارتبط بالحياة العامة للمدن. كما لا يعلم أهل الصحراء بلغة أهل السواحل الساكنين جوار البحار وما تتطلبه تلك البيئة البحرية من ألفاظ مناسبة مع محيطهم، ونفس الشيء ينطبق على سكان المناطق الجبلية.
    وعمد اللغويون وممن أخذوا عنهم من أهل البادية إلى تفسير كل لفظ ومادة لغوية غير بدوية وإخضاعها لألفاظهم ومصطلحاتهم ومعانيها وتفسيرها على الناقة والصحراء وما ارتبطت به اعتسافاً لغير ما نطقت به في الحياة المدنية، تاركين بيئات مختلفة من الحياة العامة للشعوب والأمم كالبيئة البحرية والجبلية.ومن ذلك مثلاً تفسير اللفظ “حشك” في اللغة اليمنية كمجتمع مدني يقال “حشك الجند” بمعنى حشد وضم بعضهم إلى بعض، وكذلك شك الرجل والرجلين بحربة واحدة وجمع أشياء في مكان واحد، وتقييد الأسرى في حبل واحد يسمى حشكاً.. بينما حشك عند أهل البادية كما في لسان العرب “حشك” “الحشك شدة الدِّرَّة في الضرع، وقيل: سرعة تجمع اللبن فيه. وحشكت الناقة في ضرعها لبناً تحشكه حشكاً وحشوكاً، وهي حشوك: جمعته”(63)، فكثير من الأشياء والمعاني يعيدونها إلى الناقة وما تعلق بها.
    وكذلك فسروا مادة “قرأ” مثلاً وأعادوها إلى الناقة التي صارت مضرب الأمثال ومستقى اللغة والتفسير؛ فقالوا في مادة “قرأ”: “قرأت الشيء قرآناً: جمعته وضممت بعضه إلى بعض. ومنه قولهم: ما قرأت هذه الناقة سلًى قط، وما قرأت جنيناً قط، أي لم يضطم رحمها على ولد، وأنشد:
    هِجانِ اللون لم تقرأ جنينا
    وقال: قال أكثر الناس معناه لم تجمع جنيناً، أي لم يضطم رحمها على الجنين”(64).
    وعلى هذا السياق والمنوال ذهب اللغويون في كل الألفاظ العربية، واختلف أهل التفسير في القرآن الكريم لمثل هذه الأسباب. وجاءت الاختلافات في بعض ألفاظ القرآن الكريم التي قيل أنها ليست عربية لقياسها على مقياس لغة أهل الصحراء من القبائل الشمالية، ثم عُرِّبت قبل نزول القرآن وصارت عربية بعد القرآن...إلخ.
    بل إن القرآن الكريم أشار كثيراً إلى البيئة القريبة المحيطة بمهبط الوحي والرسالة كاليمن ومصر والشام، ونحن نعلم أن كثيراً من الأمثلة في القرآن كانت تنزل تتحدث عن أهل اليمن، كما كان يفسرها الرسول - صلى الله عليه وسلم- للصحابة، وما قال عنه المفسرون والمحدثون من الصحابة والتابعين. من ذلك مثلاً لا حصراً الآيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }(65) فقال لأبي موسى الأشعري: “هم قومك يا أبا موسى”، وفي رواية: “هم قوم هذا، وأشار إلى أبي موسى”. وكذلك {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ}(66).
    {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}(67). {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}(68). {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ}(69). {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(70). {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}(71). وهناك مواضع كثيرة في القرآن ورد ذكر اليمن في سياق آياتها، حتى أن القرآن الكريم سمّى سورة بكاملها لأهل اليمن وهي سورة “سبأ”. أفبعد هذا ينكر اللغويون عربية أهل اليمن ولا يستشهدون بها في مادتهم اللغوية والقرآن يستشهد بهم وببيئتهم؟!.. وهذا يدل على البعد الدلالي في الاستشهاد بالبيئة المحيطة مكاناً وزماناً وتعاملاً ولغة، وعبرة وعظة.
    وفي الألفاظ السابقة (بلدة، أيكة، ذات العماد، قصر، مشيد، قرية، عروش)، هذه من الألفاظ ذات البيئة المدنية الحضرية وليست صحراوية وبيئة بدوية. والبدو يطلقون على مكان تجمع الماء (حوظ، حياظ) وترددت في أشعارهم ولغتهم، وهي عند الحضر (البرك، والسدود) وهذا النوع من العمران لم تعرفه البيئة الصحراوية.. ومن التضييق على القرآن الكريم وعلى الناس الاقتصار عن بحث معانيه في اللغة الشمالية وترك بقية اللغات، مما يحدث مشقة وعنتاً للمسلمين في فهم كثيرٍ من معاني القرآن، ويترتب عليه أحكام فقهية قد تنافي سعة وفطرة الإسلام وتضع المسلمين في حرج من أمرهم، كما بينا في بعض الأمثلة السابقة للألفاظ التي استشهدنا بها.
    اللغة اليمنية واللغويون:
    رغم أن بعض علماء اللغة لم يدخلوا اللغات اليمنية في التأثير على اللغة العربية أو كمصدر من مصادر اللغة العربية كاللغات الشمالية، إلا أن علماء آخرين ومنهم مُعَجِّمو المعاجم ومؤلفوها قد اعتمدوا اللغة اليمنية مصدراً من مصادر جمع مادتهم اللغوية ومنهم الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتابه “العين” على الرغم من أنه في بعض المواطن لا يقر بلغة حمير، إلا أنه تضطره بعض المواطن أيضاً للاستدلال بلغة اليمن.
    كما أن ابن منظور في اللسان يستدل كثيراً من لغات اليمن، وقد أخذ هذا الأخير كثيراً من مادته اللغوية من اللغة اليمنية، وكان يسميها لغة حمير، كما كان يشير في معرض حديثه عن الألفاظ في اللغة اليمنية ويقول: “ومن لغة حمير كذا وكذا”، أو “وفي لغة أهل اليمن كذا وكذا”، وقد أخذ عمن قبله من اللغويين مثل ابن فارس، والفراء، والكسائي، والأصمعي، وابن قتيبة، والخليل، وابن جني، والجوهري، وابن السكيت، وقطرب، وسيبويه، وأبي عمرو بن العلاء، وغيرهم.
    وكثير من هؤلاء أخذوا مواد كثيرة من الألفاظ اليمنية وأدخلوها في مصنفاتهم ومعاجمهم اللغوية.
    وقد قال ابن منظور في اللسان عن مادة “ينع”: “الينيع واليانع، مثل النضيح والناضح، قال عمرو بن معد يكرب [وهو زعيم وشاعر يمني]:
    كأن على عوارضهن راحاً......يُفض عليهن رمان ينيع”(72).
    وكما هو مشهور في علوم اللغة أن الفيروز أبادي ألف معجمه اللغوي المشهور “القاموس المحيط” في اليمن وأخذ كثيراً من اللغة اليمنية في معجمه في أواخر القرن السابع الهجري وبداية القرن الثامن، وربما كان “لسان العرب” و”القاموس المحيط” متقاربين؛ لأن كليهما ألفا في القرن السابع الهجري. كما لم ينكر على مؤلف الفيروز أبادي أحد من علماء اللغة أخذه عن اليمن.
    وكذلك فعل ابن فارس في “معجم مقاييس اللغة”، والفراء في “البحر المحيط”، فمثلاً هذا الأخير يذكر أن “كذّاباً”(بكسر الكاف وتشديد الذال) مصدر “كذب” لغة يمانية فصيحة(73)، وذلك في قوله تعالى: {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً}(74). وابن دريد في الجمهرة.
    بل إن أبا عمرو بن العلاء نفسه الذي قال ما قال في لغة أهل اليمن، رجع إلى الأخذ بتلك اللغة. فقال وهو يسأل عن مادة “لغب” كما جاء في لسان العرب، “حكي أبو عمرو بن العلاء عن أعرابي من أهل اليمن، فلان لغوب، جاءته كتابي فاحتقرها. قلت أتقول جاءته كتابي؟، فقال أليس هو الصحيفة؟. قلت: فما اللغوب؟، قال: الأحمق، والاسم اللغابة واللغوبة”(75).
    ويستشهد هو نفسه باللغة اليمانية في مواضع عدة ومن ذلك مثلاً ما ذكره الطبري في تفسيره في معنى قول الله عز وجل:{إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ}(76). وذُكِر عن أبي عمرو بن العلاء، قال: إنها لغة أهل اليمن(77).
    وكان أول من اهتم باللغة اليمنية قديماً وفك أبجديتها أبو الحسن الهمداني في كتابه “الإكليل”، واهتم بالألفاظ اليمنية وتعدادها. . ولقد كان لاختفاء معظم مؤلفاته ومعظم مخطوطات الإكليل وخاصة الجزء التاسع منه الذي ركز فيه على اللغة اليمنية وكتاباتها المسندية - فيما أعتقد-، الدور الأهم في فهم علماء اللسانيات الغربيين أمثال: نيبور وجلازر وغيرهما اللذان ينسب إليهما فك الخط المسند اليوم ونسبوه لأنفسهم، بينما هذا المخطوط يوضح فيه كل شيء عن خصائص تلك الأبجدية واللغة، وكما قيل أنه يوجد في متحف لندن، فلا أستبعد أنهم أخذوه وتعلموا منه فك تلك الأبجدية. وكذلك فعل من بعده بزمن نشوان الحميري في معجمه “شمس العلوم”. حيث توسع في شرح هذه اللغة والخط اليمنيين؛ رسماً وخصائص، وشرحاً وأبعاداً.. يقول الدكتور فؤاد حسنين علي: “والدليل على إلمام العلماء [المسلمين] بلغة تلك الكتابات ما جاءنا عن نشوان الحميري، وهو ممن عاشوا في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين.
    فهو يذكر لنا الأبجدية الجنوبية ويفهمها فهماً جيداً، لذلك مما يؤسف له حقاً أن المؤرخين الإسلاميين خلطوا بين التاريخ والدين وتناسوا هذه الكتابات القديمة التي ظلت على الإهمال والنسيان حتى جاء القرن التاسع عشر”(78).
    وفي هذا يذكر مطهر الإرياني أن ليس للغرب وللمستشرقين الباحثين في اللغة اليمنية القديمة الفضل البتة في فك رموز وأبجديات الخط المسند اليمني، فقد جاؤوا على علم مكتوب في كتب الهمداني ونشوان الحميري، ويذكر لذلك قصة طريفة.
    حيث حدثني الإرياني أن مخطوط “شمس العلوم” لنشوان الحميري الذي حققه مع الدكتور حسين عبدالله العمري، كان محروزاً في مكتبة الأوسكاريال، وهي مكتبة الرهبان الإسبان في إسبانيا، وغير مسموح البتة في الأخذ منه أو نسخه أو تصويره حتى جاء العام 1988، حينما كان حسين العمري يحضر الدكتوراه فذهب إلى المكتبة ولقي القائمين عليها وألح في نسخ الكتاب، ولما رفضوا قال لهم إن لي حقاً في هذا الكتاب، فصاحبه هو جدي العاشر، وأخذ يسلسل أسماء أجداده حتى وصل إلى العاشر فقال بن نشوان بن سعيد الحميري(79). عند ذلك وعدوه بإرسال نسخة مصورة له، وبعد فترة أرسلوا نسخة مصورة من الكتاب على عنوان الإقامة لمطهر الإرياني في دمشق، فأظهروه للنور.
    كما أخذ بعض المحدثين يتتبعون بعض الألفاظ اليمنية في المعاجم العربية أو القرآن الكريم سواء كان ذلك في مؤلفاتهم أم في دوريات ومجلات تعنى باللغة والأدب والفكر. ومن هؤلاء مثلاً: الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه “اللهجات العربية”، “وقد اعتمد الدكتور إبراهيم أنيس على اللسان وخصص القسم الأخير منه لنصوص نقلها من اللسان، كان عدد الألفاظ اليمانية: سبعاً وستين ومائة لفظ”(80)، والدكتور هادي عطية مطر الهلالي من جامعة بغداد في كتابه “دلالة الألفاظ اليمانية في بعض المعجمات العربية” الصادر عام 1408- 1988م، وقبله كتابه “الجهود اللغوية للشيخ الهمداني في شرح القصيدة الدامغة”.
    فقد ذكر في كتابه أن علماء اللغة أغفلوا جهود الخليل بن أحمد في ذكر دلالات الألفاظ اليمانية ونسبتها إلى تلميذه الليث من قبل الأزهري ومن نقل عن كتابه التهذيب.
    وهو في هذا الكتاب يعيد ذكر هذه الألفاظ اليمانية في هذا الكتاب للخليل بن أحمد وغيره من اللغويين. وذكر أن مجموع ما ذكره الخليل من الألفاظ اليمانية: اثنتان وثلاثون ومائة لفظ.
    كما أن الصغاني اهتم بجمع هذه الألفاظ اليمانية في كتابه “التكملة والذيل والصلة” “فكان أكثر من ثمانٍ وستين وأربعمائة لفظة”(81).
    ومنهم الدكتور هاشم الطعان الذي “ذكر في كتابه (تأثر العربية باللغات اليمنية القديمة) معجماً للألفاظ اليمانية كان عددها: تسعين ومائتي كلمة”(82). وقد عاش الصغاني في ذمار اليمنية فترة من الزمن يقارب عامين.
    أما من كتب حول بعض الألفاظ اليمانية في القرآن الكريم في الدوريات والحوليات المعاصرة، كالأستاذ الداجي الهاشمي الذي كتب “بحثاً في مجلة (دعوة الحق) التي تصدرها وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب تحت عنوان “لم يكن القرآن بلغة قريش فحسب” ذكر فيه أن في القرآن الكريم ستاً وعشرين لفظة من حمير”(83) ثم قام بتعدادها.
    كما كتب بحثاً في هذا الشأن الدكتور إبراهيم السامرائي من جامعة صنعاء، في مجلة “الإكليل”(84) تحت عنوان “مقدمة في لغات اليمن” أورد ألفاظاً للغة اليمانية في القرآن الكريم كما عند السيوطي في “الإتقان” وعددها اثنا عشر لفظاً، هي: “سامدون”، “الأرائك”، “ولو ألقى معاذيره”، “لا وزر”، “وزوجناهم بحور”، “لو أردنا أن نتخذ لهواً”، “أتدعون بعلاً”، “المرجان”، “الصواع”، “فنقبوا”، “سيل العرم”، “مسطورا”.
    وكذلك ورد بحث للقاضي إسماعيل الأكوع في مجلة “الإكليل”(85) بعنوان “اللغات اليمانية القديمة وما انفردت به من خصائص”، وساق فيه خمسين لفظاً من القرآن الكريم على أنها لغات يمانية، قال الدكتور هادي عطية أنه اعتمد على ما ذكره السيوطي والداجي(86).
    لقد حافظت اللغة اليمنية على خصائصها وجزالتها وأصالتها خاصة في المناطق الجنوبية لليمن كونها كانت بعيدة عن زحف التأثير اللغوي الشمالي الجديد؛ لأن اللغة العربية الفصحى الجديدة اتسعت شمالاً بفعل تأثير القرآن الكريم الذي انتشر مع انتشار الدين الإسلامي الجديد، وكان حركته إلى الشمال والشرق والغرب أكثر من حركته إلى الجنوب (اليمن)؛ كون اليمنيين كانوا مهاجرين حاملين لراية الدعوة والفتوح في أصقاع الأرض، ولم تكن بلدهم بلد هجرة إليها واستقرار؛ لذلك انتقلوا مع الدعوة حيثما انتقلت، وبقيت بلادهم الأصلية بعيدة عن التأثير اللغوي الشمالي إلا قليلاً في المناطق الشمالية القريبة من البيئة الجديدة للغة والدين وبفعل القرآن الكريم.
    ولذلك كلما اتجهنا جنوباً في اليمن كلما وجدنا ألفاظاً لغوية أكثر أصالة ومحافظة وتقيدها بالساميات القديمة وليس بالعربية الشمالية الجديدة.
    لقد تتبعنا كثيراً من الألفاظ التي ذكرناها على أنها ألفاظ يمانية في القرآن الكريم فوجدناها تنتمي أكثر إلى المناطق الجنوبية الغربية في اليمن (قتبانية ثم أشعرية) في صيغها وتراكيبها ودلالتها ومعانيها وأصالتها.
    مثل بعض الألفاظ: “كُبّار”، “كِذّاب”، “زحزح”، “يرتع”، “عرجون”، “تثريب”، “خرّ”، “فتح”، “عقم”، “صبغ”، “مرج”، “صريم”، “تني”، “زهد”، “عقر”، “زجى”، “باد”، “تل”، “دعَّ”، “روح”، “سرح”، “رتق”، “فتق”، “ذرع”، “كر”، “وقرا”، “قرّ”، “جرّ”، “قهر”، “نهر”، “ذرّ”، “ذرأ”، “بسل”...إلخ.
    اللغة اليمنية وعلماء التفسير:
    لقد فرضت بعض ألفاظ القرآن الكريم ذاتها على المفسرين واللغويين في معرفة معانيها من مواطن متعددة، وبعضها لم يجد لها المفسرون جواباً أو معنىً إلا في لغة أهل اليمن.
    كما أن بعض المفسرين اللغويين للقرآن الكريم، وعلى رأسهم عبدالله بن عباس وطاووس بن كيسان، عادوا إلى اللغة اليمنية في معرفة بعض ألفاظ القرآن الكريم التي أشكلت على المفسرين وحار فيها اللغويون.. وبعض هؤلاء اللغويين أفرد لها كتباً خاصة أسموها مثلاً “غريب القرآن”، “مشكل القرآن”..إلخ.. فهذا ابن عباس يقول: “لم أكن أعلم ما معنى (فاطر) حتى مررت على أعرابيين [من أهل اليمن] وهما يختصمان على بئر، فسمعت أحدهما يقول أنا فطرتها”..وهذا اللفظ يكثر في لغة النقوش اليمنية، وهو بمعنى (اختط، أحدث، أنشأ، شق، أوجد). بل إن ابن عباس كان يسكت عن مسائل القوم في بعض الألفاظ فما يدري ما يجيبهم به حتى يعرف معانيها من أهل اليمن، وأحياناً كان بعض أهل اليمن يصوب له المسألة إذا سئل عنها. ومن ذلك مثلاً ما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قيس بن سعد قال: سأل رجل ابن عباس - - عن قوله {أتدعون بعلاً} فسكت عنه ابن عباس - - ، ثم سأله، فسكت عنه، فسمع رجلاً ينشد ضالة، فسمع آخر يقول: “أنا بعلها”. فقال ابن عباس: “أين السائل؟ إسمع ما يقول السائل “أنا بعلها”. (أنا ربها)، {أتدعون بعلاً} أتدعون رباً”.(87).
    وكذلك قال مفسرون آخرون “لم نكن ندري ما معنى قول كذا..”، فقد “أخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في الوقف والابتداء، عن الحسن - رضي الله عنه- قال: لم نكن ندري ما الأرائك حتى لقينا رجلاً من أهل اليمن، فأخبرنا أن الأريكة عندهم الحجلة إذا كان فيها سرير”(88).
    وكان بعض اليمنيين يصوبون بعض الكلمات والأحكام في مجالس الصحابة لبعض معاني آي القرآن. فمن ذلك مثلاً ما ذكره ابن كثير والطبري في تفسيريهما من رواية ابن جرير قال: “حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد قال: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوماً: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(89)، فقال شابٌ من أهل اليمن: “بل عليها أقفالها حتى يكون الله - عز وجل- يفتحها أو يفرجها”. فما زال الشاب في نفس عمر - رضي الله عنه- حتى ولي، فاستعان به”(90).
    وكان الضحاك من المشتغلين بتفسير القرآن الكريم وهو من المعافر اليمنية - جنوب غرب اليمن (محافظة تعز اليوم)- وقد ساعده في استنباط معاني القرآن الكريم خلفيته المعرفية اللغوية اليمنية، وكذلك كان طاووس (من التابعين)، وهو أحد أئمة الجند بعد معاذ بن جبل - رضي الله عنه-، وكذلك كان عكرمة وقتادة وعطاء بن أبي رباح وسفيان الثوري ومقاتل، يرجعون إلى لغة أهل اليمن لمعرفة معاني بعض ألفاظ القرآن الكريم، وكل هؤلاء من الأولين ولم ينكر عليهم أحد من علماء عصورهم أنهم استرشدوا معاني لبعض ألفاظ القرآن الكريم من لغات اليمن.
    أما من المتوسطين فكان ابن كثير والزمخشري والقرطبي والسيوطي، ومن المتأخرين إبن الأمير الصنعاني والشوكاني؛ وكانوا يرجعون إلى اللغة اليمنية لمعرفة معاني بعض ألفاظ القرآن.
    وللتمثيل على ما ذكر، نذكر بعض الألفاظ وتفاسيرها عند بعض المفسرين، وبعض ما توصلنا إليه في بحثنا ومنها:
    1 - “بعل” في قوله تعالى على لسان نبيه شعيب: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}(91)، قال ابن عباس --، ومجاهد وعكرمة وقتادة والسدي “بعلاً” يعني: رباً. قال عكرمة وقتادة وهي لغة أهل اليمن”(92). وفي لغة النقوش اليمنية “ب ع ل/ أ و م” بمعنى رب أو سيد أوام.
    2 - “الصواع” في قوله تعالى على لسان أتباع عزيز مصر: {قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ}(93). هي “الطرجهالة في لغة أهل اليمن. وأخرج الكلبي في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان عن مجاهد قال: “الصواع الطرجهالة بلغة حمير”(94).
    3 - “لهواً” في قوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ}(95). “قال الحسن وقتادة وغيرهما (اللهو) المرأة بلسان أهل اليمن”(96).
    4 - قال المؤرخ القاضي إسماعيل الأكوع: “كتب الأستاذ الداجي التهامي الهاشمي بحثاً في مجلة (دعوة الحق) التي تصدرها وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب تحت عنوان “لم يكن القرآن بلغة قريش فحسب” ذكر فيه أن في القرآن الكريم ستاً وعشرين لفظة من حمير، وأخذ في تعدادها وذكر مكانها من الآيات والسور ثم ساق منها حسب ترتيبه: سيداً، تفشلا، سفاهة، زيّلنا، مرجواً، السقاية، حمأ، مسنون، فسينغضون، مسطورا، حُسبانا، عتيا، مآرب، غراما، الصرح، أنكر، وبعلاً”(97).
    5 - “سامدون”: هي الغناء بلغة أهل اليمن “قال سفيان الثوري عن أبيه عن ابن عباس قال: “سامدون” الغناء هي يمانية؛ أسمد لنا: (غنّ لنا)، وكذا قال عكرمة”(98).
    6 - “معاذيره” في قوله تعالى: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}(99). “قال الضحاك: ولو ألقى ستوره، وأهل اليمن يسمون الستر المعذار”(100).
    7 - “كُبّاراً” في قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً}(101). وهو لفظ يمني يعني منتهى الكِبَر ولا كبير فوقه، ولا يزال يستخدم هذا اللفظ إلى اليوم في لغة الأشعريين. إذ أن بعض اليمنيين وخاصة في محافظة تعز يسمي الإصبع الإبهام “كُبّار” وليس كبيراً. “وقال عيسى بن عمر في “كُبّار” في قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً} هي لغة يمانية، وعليها قول الشاعر:
    بيضاء تصطاد القلوب وتستبي بالحسن قلب المسلم القُرّاز(102).
    8 - “الصريم” في قوله تعالى: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}(103). هو الصراب، وهو القطع والاستئصال للزروع أثناء الحصاد، ومن هنا جاء تشبيه هلاك ودمار الجنة “أصبحت كالصريم” مستأصلة من جذورها مع الحرق. وفي اللسان “الصريم الشيء المصروم الذي لا شيء فيه، وقيل: الأرض المحصودة”(104).
    9 - “وقرا”: وهو لفظ عند الأشعريين تعني الثقل والوسع والكفاية، ولا يزال اللفظ مستعملاً في لهجة محافظة تعز إلى اليوم..يقال “حمل الرجل وقره” أي كفايته ووسعه، ومنه قوله تعالى: {فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً}(105),
    10 - “فاقرة”: وهو الموت والهلاك في لغة اليمن، ومنه قوله تعالى: {تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ}(106).
    11 - “كرّة”: وهي الإعادة ومن تكرار الشيء، وهو لفظ لا يزال يستخدم إلى اليوم عند بعض القبائل اليمنية كبني مطر والحيمتين وبعض قبائل البيضاء، وله معانٍ متعددة، مثل: “رجعة، إعادة، تكرار، مرة”. وهو عند بعض قبائل الحجرية يعني “جمعاً” أو “الكل” كما هو في لهجتي الصلو وسامع. ومنه قوله تعالى: “ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ”(107)، وقوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}(108). أي رجعة أو عودة.
    و”الكرّة” أيضاً الاندفاع والحمل على الشيء، كما هو أيضاً في لهجة أهل الحجرية أيضاً. يقال: “كرّ عليه”، أي حمل عليه وشدد في الطلب.
    12 - “مصانع”: هو لفظ يمني يعني “قلاع” مفردها “مصنعة” أي قلعة. ويرد في لغة النقوش اليمنية كثيراً في كل اللهجات السامية اليمنية، ومنه قوله تعالى: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}(109). ولا تزال الأسماء موجودة إلى اليوم، كـ “مصنعة مارية” في ذمار.
    13 - “فتح” وهو القضاء في لغة اليمن، ومنه قوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}(110). أي إقض بيننا وبين قومنا بالحق.
    14 - “تني”: هو لفظ في لهجة الحجرية بمعنى “تمهل، إنتظر، أقصر”، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي}(111).
    15- “رِبيون” وهم الأتباع في لغة اليمن. ومنه قوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}(112).
    16 - “زحزح” بمعنى حرك وأزاح جانباً في لغة من لغات اليمن. ومنه قوله تعالى في الذكر الحكيم: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}(113).
    17 - “خرّ” بمعنى هوى وقذف وارتمى في لغة اليمن، ومنه قوله تعالى: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ}(114). أي فهوى ساجداً، أ ارتمى ساجداً. ومنه قوله تعالى أيضاً: {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً}(115). أي يهوون، والأذقان في لغة اليمن مواضع العبادة.
    18 - “رتق” بمعنى ألصق وضم في لغة اليمن، يقال: “رتق فلان ثوبه” إذا أخاط تمزقه، ومنه قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا}(116). قال الشاعر عبدالله بن الزبعرى السهمي:
    يا رسول المليك إن لساني ... راتقٌ ما فتقت إذ أنا بور
    19 - “مرج” في قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}(117). قال بعض المفسرين ومنهم ابن عباس “مرج” يعني أرسل، وقال ابن كثير يعني “خلق”، وفي لغة بعض اليمنيين “مرج” بمعنى خلط ومدد ومزج، يقال عند رش الماء في الأرض خاصة إذا مزج بالنورة ونحوها (مرّج)، وهي من لغة الأشعريين والقتبانيين، ولا يزال اللفظ منطوقاً به إلى اليوم في محافظة تعز بمعنى (خلط ومزج وذرى ومدد، وكذلك ملط جدران البيوت)، وهو أقرب المعاني إلى سياق وحال الآية من التصوير بين مزج البحرين ببعضهما {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً}(118).
    20 - “مزجاة” في قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ}(119)، قال بعض المفسرين: (مدفوعة)، وقال بعضهم (ضعيفة) بدليل “فتصدق علينا”(120)..واللفظ “كنعاني” يحمل معنى الضعف، غير أنه في لغة اليمن يعني (القوة)، فيعد من ألفاظ التضاد بين اللغات.
    21 - “صبغ” وذلك في قوله تعالى: {تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ}(121)، وتعني (إدام) للآكلين، ذكره ابن كثير، وهو ما يؤكل مع الرغيف والخبز يسمى اليوم “خصار”. وهو من الألفاظ اليمنية التي لا تزال مستعملة النطق إلى اليوم. لكن اليمنيين، وخاصة في محافظة تعز، ينطقون اللفظ بالسين والصاد معاً (سبغ، صبغ) مثله مثل اللفظ “مسيطر، مصيطر”.
    22 - “عرج” في لغة اليمن هو غصن الشجر الممتد على الأرض سواء كان أخضراً أم يابساً، ومنه المنعرج في الطريق (الملتوي). وورد في قوله تعالى: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}(122). وهو عند المفسرين بمعنى عذق النخل إذا تيبس فيتقوس.
    23 - “يرتع” في قوله تعالى: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}(123)، وهو عند بعض المفسرين كابن عباس والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم يعني “ينشط”. وفي بعض اللغات اليمنية يعني (يحرس، يرتب).
    وسياق الآية من حالة إخوة يوسف يدل على الحراسة والترتيب لا النشاط، وبالتالي فهو إلى اللغة اليمنية أقرب من كلمة ينشط؛ لأن يلعب في الآية مرادف لينشط ولا يستخدم التكرار بلفظين مترادفين ومتتابعين ومتجاورين في القرآن الكريم. وفي اللغة القتبانية يعني (يأكل من خيرات الأرض وشجرها) وهو يناسب أيضاً حالة إخوة يوسف في اللعب والتنزه والأكل من خيرات الشجر.
    24 - “بادٍ” في قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}(124). والباد عند المفسرين الشائع العام وهو عكس “العاكف” وهو المقيم.
    وفي لغة أهل اليمن “الباد” هو الشائع غير المحروز ولا المحظور أي السبيل، يقال “الرجل بدى بأرضه وجعلها بدية” أي جعلها شائعة وسبيلاً. ومنه قوله تعالى: {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ}(125)، أي سائحون ماشون في القبائل.
    25 - “عاقر” هي المرأة التي لا تلد كما جاء في قوله تعالى: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ}(126).
    والعُقْرُ - بضم العين وتسكين القاف- لغة يمانية من لغة الأشعريين وهي لا تزال مستعملة إلى اليوم في محافظة تعز، وتعني (الخراب والعطل) وعدم الفائدة وعكس “صالح”، يقال: “عقرت الشيء” أي أخربته وأتلفته. وعليه قوله تعالى: {فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ}(127).
    26 - وكذلك “العقم” في قوله تعالى: {وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً}(128)، وهو الرجل الذي لا ينجب البتة. . والعقم في لغة اليمن (السد أو الحابس) ومنه حبس الإنجاب عن الرجل. و”المعقم” السد في لغة الأشعريين والقتبانيين، وهو في لغة النقوش اليمنية “مصرف الماء”.. وكذلك اللفظ “عُكْم” بمعنى سد، وأظنه مرادفاً للفظ “عقم” أو ذاك لغة وذاك لغة أخرى لكنه يؤدي نفس المعنى وهو في لغة أهل الحجرية بالحرفين معاً مثله مثل اللفظ “مسيطر ومصيطر” بالسين والصاد، وذاك بالكاف والقاف وهو تشابه يتكرر كثيراً في لغات اليمن.
    27 - “طرح” بمعنى (ألقى) وهو في قوله تعالى: {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ}(129). أي ألقوه في أرض بعيدة عن أبيكم.. والطرح في لغة اليمن الإلقاء، وحط الشيء المحمول على الأرض، وكذلك الضرب والصرعة، يقال “زيدٌ طرح عمراً أرضاً”، أي ضربه وصرعه وتغلب عليه.
    28 - “زهد” في قوله تعالى: {وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}(130)..أي من الناكرين له كما قال المفسرون. واللفظ في لغة اليمن عند القتبانيين والأشعريين يعني المعرفة عكس النكران، يقال “فلان زهد وزاهد”، يعني علم ودرى. بينما في اللغة السبئية والحميرية يعني محصول ضريبة، والعامل بين الحالين هو البيع والاتجار به.
    29 - “عطل”، كما في قوله تعالى: {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ}(131). قال المفسرون “معطلة” يعني متروكة بغير راعٍ. وفي اللغة اليمنية “معطلة” يعني مخربة ومنزوعة الماء..يقال “عطل فلان وعاءه” أي نقل ما فيه وأفرغه من محتواه، وهي لغة جنوبية غربية (أشعرية من أصول قتبانية).
    30 - “فصل” في قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ}(132)، أي (سار) في لغة اليمن، وقد ورد اللفظ “فسل” بالسين أي سار، ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}(133)، أي سارت بلغت اليمن وانفصلت عن المكان الذي خرجوا منه.
    31 - “عسى” كما في قوله تعالى: {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ}(134). واللفظ كما قال اللغويون من أفعال الترجي يشبه لعل. وفي اللغة اليمنية بمعنى فعل. وقد فصلنا في “عسى” في الصفحتين 128، و129 من هذا الكتاب.
    32 - “قرَّ”: كما في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}(135). عند المفسرين من القرار بمعنى “إلزمن”. وفي لغة اليمن بمعنى القرار والسكون وعدم الحركة، يقال للرجل “قر” بكسر القاف وتشديد الراء، إذا كان متحركاً بمعنى (أسكن) ولا تتحرك. ولا يزال اللفظ يستخدم إلى اليوم في لهجة أهل تعز في الحجرية للزوم المنزل، يقال “الرجل قرّ في بيته”، أي لزمه ولم يخرج منه. وكثيراً ما يستخدم اللفظ لمعنى تقييد الحركة وأكثره يخاطب به الحيوان عند اضطرابه.
    33 - “ركع” في قوله تعالى: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ}(136). قال ابن دريد: الركعة الهوة في الأرض لغة يمانية، وقيل الانحناء يعم الركوع والسجود، ويستعار أيضا في الانحطاط في المنزلة. قال الشاعر:
    ولا تعاد الضعيف علك أن ...تركع يوما والدهر قد رفعه (137).
    34 - “بور”: في قوله تعالى: {وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً}(138). ويطلق البور على الهلاك. وعن ابن عباس أنها لغة أهل عمان، وهم من أهل اليمن، ومنه قول الشاعر:
    فلا تكفروا ما قد صنعنا إليكم ... وكافوا به فالكفر بور لصانعه(139).
    35 - قوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}(140). مذهب الجمهور - منهم الحسن ومجاهد - أن “ما” معناه التعجب وهو مردود إلى المخلوقين، كأنه قال: أعجبوا من صبرهم على النار ومكثهم فيها. وفي التنزيل: {قُتِلَ الأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}(141). و{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}(142). وبهذا المعنى صدر أبو علي. قال الحسن وقتادة وابن جبير والربيع: ما لهم واللّه عليها من صبر، ولكن ما أجرأهم على النار وهي لغة يمنية معروفة.
    قال الفراء أخبرني الكسائي قال: أخبرني قاضي اليمن أن خصمين اختصما إليه فوجبت اليمين على أحدهما فحلف، فقال له صاحبه: ما أصبرك على اللّه؟ أي ما أجرأك عليه. والمعنى: ما أشجعهم على النار إذ يعملون عملا يؤدي إليها”(143).
    36 - “الطلح المنضود”. هو الموز بلغة اليمن. “وروي عن ابن عباس، وأبي هريرة، والحسن، وعِكْرِمَة، وقسامة بن زهير، وقتادة، وأبي حَزْرَة، مثل ذلك، وبه قال مجاهد وابن زيد -وزاد فقال: أهل اليمن يسمون الموز الطلح. ولم يحك ابن جرير غير هذا القول”(144).
    37 - “كتاب مرقوم” أي مكتوب كالرقم في الثوب، لا ينسى ولا يمحى. وقال قتادة: مرقوم أي مكتوب، رقم لهم بشر: لا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد. وقال الضحاك: مرقوم: مختوم، بلغة حمير؛ وأصل الرقم: الكتابة؛ قال: سأرقم في الماء القراح إليكم ... على بعدكم إن كان للماء راقم”(145).
    والمرقوم في لغة الأشعريين، ولا يزال اللفظ مستعملاً إلى اليوم، يعني مرسوم، الوثيقة المصدقة بشهود وختم وغيره كالمرسوم (القانون)، يقول أحد المتخاصمين للقاضي: “أرقم لنا مرقوماً”، أي أكتب لنا كتاباً موثقاً مشهوداً.
    38 - “نقض” في قوله تعالى: {الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ}(146) كما عند القرطبي “أي أثقله حتى سمع نقيضه؛ أي صوته. وأهل اللغة يقولون: أنقض الحمل ظهر الناقة: إذا سمعت له صريراً من شدة الحمل. وكذلك سمعت نقيض الرحل؛ أي صريره. قال جميل:
    وحتى تداعت بالنقيض حباله ... وهمت بواني زوره أن تحطما
    بواني زوره: أي أصول صدره. فالوزر: الحمل الثقيل. قال المحاسبي: يعني ثقل الوزر لو لم يعف اللّه عنه. {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} أي أثقله وأوهنه”(147).
    وفي اللغة اليمنية “النقض” بفتح النون: الهدم، يقال في اليمن وخاصة في لغة الحجرية “نقض بناءه” أي هدمه وأعاد إصلاحه. و”النقض” بضم النون وسكون القاف: هو المرض الذي اختفى وعاد من جديد، وأيضاً الجرح إذا التهب فتهيج وآلم صاحبه وأقلقه يقال له “نُقض”، وهو في سياق الآية وحالها أقرب إلى الواقع وتفسير المعنى الصحيح..والله أعلم.
    39 - “للغيب”: في قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ}(148). قال القرطبي: الليل بلغة حمير(149).
    40 - “عجل”: في قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ}(150). قال أبو عبيدة وكثير من أهل المعاني: العجل: الطين بلغة حمير
    41 - “ألا تعولوا”: في قوله تعالى:{ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}(151)، قال الثعلبي المفسر: قال أستاذنا أبو القاسم بن حبيب: سألت أبا عمر الدوري عن هذا وكان إماماً في اللغة غير مدافع فقال: هي لغة حمير؛ وأنشد:
    وإن الموت يأخذ كل حي ... بلا شك وإن أمشى وعالا(152).
    42 - “يضاهئون” في قوله تعالى {ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْل}، قال القرطبي في تفسيره(153): أي: يشابهون. وفي لغة اليمن يعني يرد بالمثل، يقضي بالمثل، يقرض، يشابه، يماثل.
    43 - “الرهب” الكُم، “وقال بعض أهل المعاني: الرهب الكم بلغة حمير وبني حنيفة قال مقاتل: سألتني أعرابية شيئاً وأنا آكل فملأت الكف وأومأت إليها، فقالت: ها هنا في رهبي تريد في كمي. وقال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول لآخر: أعطني رهبك، فسألته عن الرهب فقال: الكم؛ فعلى هذا يكون معناه: اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم”(154).
    للتوضيح نورد الجدول التالي لبعض اللغويين الذين نسبوا لابن عباس - - تفسير بعض ألفاظ القرآن الكريم على لغة اليمن، برواية أبي عبيد كما جاء في كتاب “دلالة الألفاظ اليمانية في بعض المعجمات العربية” للدكتور هادي عطية الهلالي(155): الجدول رقم (1)
    السورة الألفاظ القرآنية رقم السورة والآية دلالة الألفاظ ونسبة دلالتها إلى القبائل اليمانية
    البقرة لاَّ شِيَةَ فِيهَا 2/71 لا وضح، بلغة: أزد شنوءة
    البقرة فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ 2/90 يعني استوجبوا بلغة جرهم
    البقرة لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ 2/176 يعني في ضلال بعيد، بلغة جرهم
    البقرة تَعْضُلُوهُنَّ 2/232 تحبسوهن بلغة أزد شنوءة
    آل عمران كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ 3/11 يعني كأشباه آل فرعون، بلغة جرهم
    آل عمران وَسَيِّداً وَحَصُوراً 3/39 يعني بالسيد: الحليم بلغة حمير
    آل عمران تَفْشَلاَ 3/122 يعني: تجبنا بلغة حمير
    آل عمران رِبِّيُّونَ 3/146 رجال كثير بلغة حضرموت
    النساء تَعُولُواْ 4/3 تميلوا بلغة جرهم
    الأعراف سَفَاهَةٍ 7/66-67 جنون بلغة حمير
    الأعراف لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا 7/92 يعني: لم ينعموا فيها بلغة جرهم
    يونس لَمْ تُغْنِ 10/24 يتمتعوا بلغة جرهم
    الأنفال أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ 8/31 كلام الأولين بلغة جرهم
    الأنفال فَشَرِّدْ بِهِم 8/57 فنكل بهم بلغة حمير
    الأنفال وَلاَ يَحْسَبَنَّ 8/59 بفتح السين: لغة جرهم
    يونس فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ 10/28 فميزنا بينهم، بلغة حمير
    هود إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ 11/8 سنين بلغة أزد شنوءة
    هود أَرَاذِلُنَا 11/27 سفلتنا، بلغة جرهم
    هود قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً 11/62 حقير بلغة حمير
    هود يَوْمٌ عَصِيبٌ 11/77 يعني شديد، بلغة جرهم
    يوسف السِّقَايَةَ 12/70 الإناء بلغة حمير
    الحجر مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ 15/26، 28، 33 الحمأ: الطين، والمسنون: المنتن، بلغة حمير
    الحجر دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ 15/66 مستأصل بلغة جرهم
    الإسراء فَدَمَّرْنَا 17/16 أهلكنا بلغة حضرموت
    الإسراء فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً 17/29 المحسور: المنقطع بلغة جرهم
    الإسراء فَسَيُنْغِضُونَ 17/51 يحركون، بلغة حمير
    الإسراء مَسْطُوراً 17/58 مكتوباً، بلغة الأشعريين
    الإسراء لأَحْتَنِكَنَّ 17/62 لأستأصلن، بلغة الأشعريين
    الإسراء بِإِمَامِهِمْ 17/17 كتاب، بلغة حمير
    الكهف حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ 18/40 يعني: بَرَداً، بلغة حمير
    مريم مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً 19/8 نحولاً، بلغة حمير
    طه مَآرِبُ 20/18 حاجات، بلغة حمير
    طه تَارَةً أُخْرَى 20/55 مرة أخرى، بلغة الأشعريين
    الأنبياء لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً 21/17 اللهو: المرأة، بلغة أهل اليمن
    الأنبياء مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ 21/96 حدب: جانب، وينسلون: يخرجون، بلغة جرهم
    المؤمنون خَرْجاً 23/72 بغير ألف: جُعلاً، بلغة حمير
    النور الْوَدْقَ 24/43 المطر، بلغة جرهم
    النور خِلَالِهِ 24/43 الخِلال: السحاب، بلغة جرهم
    الفرقان الرَّسِّ 25/38 البئر، بلغة أزد شنوءة
    الفرقان تَبَّرْنَا 25/39 أهلكنا، بلغة حمير
    الفرقان غَرَاماً 25/65 بلاء، بلغة حمير
    الشعراء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ 26/54 عصابة، بلغة جرهم
    الشعراء أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ 26/128 بكل طريق، بلغة جرهم
    النمل الصَّرْحَ 27/44 البيت، بلغة حمير
    الأحزاب فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ 33/32 يعني: الزنا، بلغة حمير
    سبأ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ 34/12 النحاس، بلغة جرهم
    سبأ مِنسَأَتَهُ 34/14 عصاته، بلغة حضرموت
    الصافات لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ 37/67 يعني: مزجاً، بلغة جرهم
    الصافات أَتَدْعُونَ بَعْلاً 37/125 يعني: رباً، بلغة حمير، وقيل بلغة أزد شنوءة
    الزمر اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ 39/45 أي مالت ونفرت، بلغة الأشعريين
    محمد يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ 47/35 أي: ينقصكم، بلغة حمير
    ق وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ 50/38 أي: من إعياء، بلغة حضرموت
    ق بِجَبَّارٍ 50/45 أي: بمسلَّط، بلغة جرهم
    الرحمن لِلْأَنَامِ 55/10 الخلق، بلغة جرهم
    الرحمن الْمَرْجَانُ 55/22 صغار اللؤلؤ، بلغة أهل اليمن
    الواقعة مَدِينِينَ 56/86 محاسبين، بلغة حمير
    الحديد بِسُورٍ 57/13 حائد، بلغة جرهم
    الحشر مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ 59/5 يعني: النخل، بلغة الأوس
    التغابن


    زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا


    64/7 كل زعم في كتاب الله باطل، بلغة حمير
    الحاقة أَعْجَازُ نَخْلٍ يعني: أجذاع، الواحد عِجْزُ: بكسر العين، بلغة حمير
    الحاقة أَخْذَةً رَّابِيَةً 69/10 يعني شديدة، بلغة حمير
    الحاقة مِنْ غِسْلِينٍ 69/36 الحار الذي انتهى غليانه شدة، بلغة أزد شنوءة
    نوح وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ 71/7 يعني: تغطوا، بلغة جرهم
    المزمل أَخْذاً وَبِيلاً 73/16 يعني: شديداً، بلغة حمير
    المدثر لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ 74/29 حرَّاقة، بلغة أزد شنوءة
    المدثر كَلَّا لَا وَزَرَ 75/11 ولا حيل، بلغة أهل اليمن
    النبأ ثَجَّاجاً 78/14 يعني: رشاشاً بلغة الأشعريين
    النازعات وَاجِفَةٌ 79/8 خائفة، بلغة همدان
    النازعات وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا 79/29 أظلم، بلغة أنمار، وهمدان
    المطففين كِتَابٌ مَّرْقُومٌ 83/9،20 مختوم، بلغة حمير
    المجموع: 74 لفظاً ولم تكن هذه الألفاظ كل ما حوى القرآن الكريم من ألفاظ يمانية، ربما لم يكن يومها علماء التفسير، ومن بعدهم اللغويون، يدركون كل الألفاظ اليمانية، وهذا كل ما وصل إليهم فقط؛ لأنهم أيضاً لم يكونوا قد علموا لغة النقوش اليمنية القديمة ولم يفتشوا عنها أو في ثناياها عن الألفاظ الواردة في القرآن الكريم ومعانيها سواء في التفسير أم في لغة النقوش ذاتها.
    كما أن اليمن لم تكن محل بحث عن أصول اللغة فيها من قبل اللغويين الذين قصروا مادة بحثهم وتحصيلهم اللغوي على بعض البوادي في الجزيرة العربية فقط حتى أنهم لم يبحثوا في كل بوادي الجزيرة كباديات اليمن وعمان والربع الخالي مثلاً، وذلك للتعصب الذي اقتصر على بادية الحجاز والباديات المضرية الأخرى، حتى أن بادية تهامة اليمنية لم يأخذوا منها.
    كما أنه لم يبرز من اليمانيين أي من المشتغلين في الحقل اللغوي كما برز غيرهم إلا في وقت متأخر، مما جعل هذا الحقل اللغوي الأدبي بعيداً عن ثقافتهم واهتماماتهم، وبالتالي تنحية التراث اللغوي اليمني من الحقل اللغوي العربي مما أدى إلى التقول بعدم عربية اللغة اليمنية.
    ولكن من خلال الجدول العام والرئيس التالي لاحقاً في هذا الكتاب مما استقصيناه في لغة النقوش اليمنية ومقارنته مع ألفاظ وردت في القرآن الكريم - أهم مصدر لغوي عربي- سيتبين القارئ مدى التأثير اللغوي اليمني في لغة القرآن الكريم، وكثرة هذه الألفاظ، مما ظهرت فيما بعد على أنها ألفاظ مشتركة بين العربية الفصحى ولغة النقوش اليمنية، وبالتالي يدحض كل ما قيل من مقولات عن عدم عربية اللغة اليمنية.
    وقد كانت “عرب الشمال تلاحظ أن لغة حمير في مواطنها باليمن لغة أجنبية بالنسبة للعربية الفصحى، فقالوا “من دخل ظفار حمّر” [تكلم الحميرية]. وقالوا أيضاً: “ما لسان حمير بلساننا”. ومع هذا فهناك أيضاً أثر للكتابة الحميرية على تطور الكتابة في شمال شبه الجزيرة العربية؛ فاللهجة الثمودية في إقليم مدائن صالح والجوف، والحرة (قرب تبوك)، واللهجة اللحيانية في العلا (ددن)، وفي الحريبة، واللهجة الصفوية التي عثر على نقوشها في جبل الصفا إلى الجنوب الشرقي من دمشق، كلها استعملت الخط المسند، وهو خط المعينيين والسبئيين والحميريين متطوراً، ولم تستعمل الأبجدية الآرامية كما استعملها التدمريون والنبط مثلاً”(156).
    مع أن هذه الشعوب هي شعوب يمنية هاجرت إلى الشمال ومعها لغتها، ومنها انبثقت أسس اللغة العربية الفصحى وكذلك الخط العربي.
    اللغة اليمنية حل لإشكالات العربية:
    هناك بعض الظواهر اللغوية في اللغة العربية الفصيحة الحديثة ظهرت كإشكالات غامضة وعويصة لدى علماء اللغة العربية مثل “الصرف” ووضع بعض الألفاظ بين أن تكون حروفاً أو أسماء أو أفعالاً، وغيرها من الإشكالات، لم يشتف في بحثها وتفسيرها اللغويون وأظهروا لها تفسيرات أو تأويلات شتى ولم يقتنعوا بتلك التأويلات.
    الباحث المتمعن في اللغات السامية القديمة وعلى رأسها اللغات اليمنية سيجد فيها الأجوبة الشافية لتلك الإشكالات، بالعودة إلى المصادر الأساسية للغة العربية التي تعد اللغات السامية من أهم مصادرها. وفي المثل التالي توضيح لهذا التفسير.
    لقد كان اللفظ “عسى” في العربية مثلاً، من بين الألفاظ الشاغلة للغويين العرب والنحويين على السواء؛ هل يعد فعلاً أم حرفاً؟ وما هو إخراجه؛ هل هو ممنوع من الصرف أم متصرف؟ هل هو جامد أم مشتق؟..وما هو معناه؟..وهكذا حتى أدخل ضمن الألفاظ التي تحمل معنىً متضاداً في القرآن الكريم وفي العربية..فأورده اللغويون بمعنى “الترجي” ويجري مجرى فعل الترجي الآخر “لعل”، ومرة أوردوه للشك ومرة لليقين، كما جعلوا له اسماً وخبراً يلحقان به، وفعلاً للشرط وآخر لجوابه..وهكذا.
    ومن هذه الأقوال في “عسى” مثلاً: قال ابن عقيل في شرح ألفية ابن مالك: “إن “كاد” وأخواتها كلها أفعال إلا “عسى” فنقل الزاهد عن ثعلب أنها حرف، ونُسِبَ أيضاً إلى “ابن السراج” والصحيح أنها فعل بدليل اتصال تاء الفاعل وأخواتها بها”(157)
    و”نص ابن هشام في أكثر كتبه على القول بأن “عسى” حرف، هو قول الكوفيين، وتبعهم على ذلك ابن السراج، ونص في “المغني وشرح الشذور” على أن ثعلباً يرى هذا [أنها حرف] وثعلب أحد شيوخ الكوفيين، وملخص مذهبهم أنهم قالوا: “عسى” حرف ترجّ، واستدلوا على ذلك بأنها دلت على معنى “لعل”، وبأنها لا تتصرف، ولما كانت “لعلّ” حرفاً بالإجماع وجب أن تكون “عسى” حرفاً مثلها؛ لقوة التشابه بينهما”(158).
    ثم جاء أصحاب المعاني من اللغويين ودخلوا مع اللفظ في تفسيرات ومعانٍ شتى.
    قال قطرب في كتابه “أضداد القرآن الكريم”: “وعسى تأتي مرة للشك ومرة لليقين، قال الله جل ثناؤه: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}(159). وعسى في القرآن واجبة”.
    وفسّر ابن كثير قول الله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}(160) بالشفاعة الكبرى، وأنها كائنة له - صلى الله عليه وسلم- لا محالة، فسّر بها قوله تعالى: {فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ}(161)، أي أن أولئك من المهتدين المفلحين، هكذا أوردها بالتوكيد، وكل عسى في القرآن واجبة”(162).
    و”عسى” عند محمد نور الدين المنجد صاحب كتاب “التضاد في القرآن الكريم” ليست واجبة. وبعض المفسرين فسروا “لعل وعسى” في القرآن باللازم، وقالوا إن الطمع والرجاء لا يصح من الله، وفي هذا قصور فهم ونظر، وذلك أن الله تعالى إذا ذكر ذلك يذكره ليكون الإنسان منه راجياً لا لأن يكون تعالى هو الذي يرجو؛ فقوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ}(163) أي كونوا راجين. وبهذا التأويل يبقى اللفظ على حاله من الطمع والترجي ولا يكون يقيناً وليس بضد”(164).
    لكن اللفظ “عسى” ورد في لغة أهل اليمن بمعنى (فَعَلَ) في معظم - إن لم يكن كل- النقوش اليمنية على اختلاف لهجاتها؛ وهي من مصادر العربية الفصحى، وعليه فإن “عسى” في قوله تعالى: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ} في لغة اليمن بمعنى (هل فعلتم)، أو (هل تفعلوا)، والتقدير هل تقاتلون إذا كتب عليكم القتال؟، لذا كان الجواب: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا}(165). كما أن سياق الآية ومعانيها تدل على ذلك المعنى (هل تفعلوا إذا كتب عليكم القتال؟).
    كما أن اللغة اليمنية يمكن أن تكون الميدان الأوسع الذي يمكن أن يجد المفسرون للقرآن الكريم تفسيراً لفظياً لغوياً صحيحاً وشافياً لكثير من الألفاظ التي حار عندها المفسرون ولم يجدوا لها جواباً في اللغة العربية الفصحى ولغات الشمال، وبالتالي عمد كثيرٌ من المفسرين لتلك الألفاظ إلى ثلاث طرق في تفسيرها، وهذه الطرق هي:
    1 - تفسير اللفظ بلفظ آخر لا يتفق والمعنى الصحيح للفظ.
    2 - مرور الكرام على تلك الألفاظ دون تفسيرٍ لها كأنها مفهومة من السياق ولا تحتاج إلى تفسيرٍ وكأن معاني صورتها تلك من المسلّمات المعروفة لدى كل الناس.
    3 - التأويل بما يقارب المعنى أو الرجوع إلى الإسرائيليات.
    وقد تتفق المعاني التي يوردها المفسرون للفظ مع اللغات التي ألفوها وفهموها للهجات الجزيرة العربية وخاصة الشمالية التي أخذوا بها، لكن بعض تلك المعاني لا تتفق مع كل الألفاظ الواردة في القرآن الكريم خاصة إذا أوّلوا معاني القرآن الكريم باللغة الشمالية وقد لا يكون اللفظ باللغة الشمالية، بل بلغة غيرها، وقد تكون أدق معنى باللغة الجنوبية مثلاً كما رأينا عند بعض المفسرين الذين أخذوا من اليمنية مثلاً، وهي معروفة عند أهل تلك اللغات.
    فاليمني مثلاً فهم معاني الألفاظ التي تتناسب مع لغته أو هي لغته، وكذلك الفارسي والعبري الذين أسلموا وغيرهم من الأعراب والعرب.
    لقد رأينا اختلاف بعض المفسرين مثلاً في لفظ “النعجة” بعضهم قال هي المرأة كما عند ابن عباس، والبعض الآخر قال هي الضأن.
    كما رأيناهم كيف فسروا “الأذقان” في قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً} كادوا يجمعون على أن الأذقان هي أذقان الرجال، وهو ما لا يتناسب وسياق الألفاظ ولغتها وحالها. فاللام التي سبقت الذقن هي لام الغاية للمكان بمعنى إلى، فهل الناس يخرون سجداً إلى ذقونهم أم إلى أماكن السجود في الأرض؟ فاللفظ اليمني “الذقن” موضع العبادة، وهو أدق معنى في تفسير هذه الحالة واللفظ.
    كما رأينا اختلاف المفسرين في كثيرٍ من الألفاظ ويوردون لها معانٍ لا تتفق لا عقلاً ولا نقلاً، كما قالوا مثلاً إن الشجرة التي نهى الله عنها آدم وحواء الأكل منها هي شجرة الحنطة (البر). فالبر ليس شجراً خبيثاً حتى ينهى الله عن أكله، وقالوا إن حبته كانت بمقدار كلوة الثور...إلخ. وهناك أمثلة كثيرة في تفاسيرهم ليس المقام مقام استقصاء لها بقدر ما هو تمثيل فقط للتدليل.
    وكنت أتوقف كثيراً منذ الصغر حول اللفظ “تفث” في القرآن الكريم أثناء قراءتي لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}(166)، وعندما بحثت عن معناه عند المفسرين لم أقتنع بما أوردوه من معانٍ له، وقد اختلفوا كثيراً.
    فقال بعضهم: “تفثهم” يعني حلق شعورهم وتقصير أظافرهم، فهل يحتاج الرجل في أقصى العراق أو المغرب وهو يرحل شهوراً براحلته يضرب بها أكباد الإبل لكي لا يقصر وينتف شعره ويقص أظافره إلا في الحج ويتحمل كل العناء والمشقة والأموال حتى يدفع روحه ثمناً لذلك أحياناً؟! والدين يسر وقد كتب الله - سبحانه- للإنسان وللمسلم كل ما هو يسر ونهاه عن ظلم نفسه وتكليفها ما يشق عليها، وهذا من واقعية الدين الإسلامي وواقعية القرآن أنهما تعاملا مع الإنسان بحسب فطرته وقدرته وما هو ميسر له لا معسر عليه.
    و«التفث» كما في لسان العرب “نتف الشعر وقص الأظفار، وتنكب كل ما يحرم على المحرم، وكأنه الإخراج من الإحرام إلى الإحلال. وفي التنزيل العزيز: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}(167)، قال الزجاج: لا يعرف أهل اللغة “التفث” إلا من التفسير. وروي عن ابن عباس قال: “التفث” الحلق والتقصير، والأخذ من اللحية والشارب والإبط، والذبح والرمي. وقال الفراء: “التفث” نحر البدن وغيرها من البقر والغنم، وحلق الرأس، وتقليم الأظفار وأشباهه”(168).
    لكن “التفث” في اللغة اليمنية يعني فضل منتوجات، أي زيادة منتوجات سواء كانت صناعية أو زراعية أو غيرها.
    ولذلك فإن للحاج الرخصة هنا في المتاجرة وتسويق بعض منتوجاته ليستفيد منها في النفقة على نفسه أثناء الحج. وهذا مفهوم ويتسق مع سياق الآية وحالة الإنسان المسلم في الحج. وهذا التفسير أقرب إلى السياق والمعنى في الآية، التي عدد الله فيها أغراض ومهام الحاج في الحج، وكأنه يقول الحج عبادة وعمل، عبادة ومنفعة.
    وتماشياً مع هذا المعنى من التفسير فإننا نستنتج منها قاعدة فقهية وهي: “جواز ممارسة الحاج البيع والشراء لقضاء حاجته في الحج”، والتوسعة على المسلمين في ذلك لا التضييق عليهم، وكما يقال في المثل اليمني (حج وبيع مسابح).
    لأننا نجد بعض العلماء أو بعض المذاهب تضيَّق على المسلم في هذا الباب مع الحج، حيث لا يجيزون له بيعاً ولا شراءً، والقول باقتصار التجرد والنية الخالصة في الحج حتى لا ينشغل الحاج بأمور البيع والشراء عن الحج، لكن الأصل في ذلك السعة والإباحة مع بعض التقييد في الأمور المنفعية. وفي الأصل قد رخص الله -سبحانه - للحاج في ذلك بقوله: “ليشهدوا منافع لهم”.

  • محب المصطفى
    مشرف عام

    • 7 يول, 2006
    • 17075
    • مسلم

    #2
    رد: اللهجات او اللغات العروبية القديمة وعلاقتها في تفسير القرآن

    والله يا اخي الكريم لست بعالم تحت هذا الباب لكي اصحح لك او انتقد في بحثك هذا
    ولكن اجمالا ان شاء الله لعل الدكتور الجمل يطلع على البحث هنا ان شاء الله

    شكر الله لك جهودك وحسن سعيك ..
    شموس في العالم تتجلى = وأنهار التأمور تتمارى , فقلوب أصلد من حجر = وأنفاس تخنق بالمجرى , مجرى زمان يقبر في مهل = أرواح وحناجر ظمئى , وأفئدة تسامت فتجلت = كشموس تفانت وجلى

    سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا اله الا انت نستغفرك ونتوب اليك ،،، ولا اله الا انت سبحانك إنا جميعا كنا من الظالمين نستغفرك ونتوب إليك
    حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوَكيلُ
    ،،،
    يكشف عنا الكروب ،، يزيل عنا الخطوب ،، يغفر لنا الذنوب ،، يصلح لنا القلوب ،، يذهب عنا العيوب
    وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد
    وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد
    عدد ما خلق الله - وملئ ما خلق - وعدد ما في السماوات وما في الأرض وعدد ما احصى كتابه وملئ ما احصى كتابه - وعدد كل شيء وملئ كل شيء
    وعدد ما كان وعدد ما يكون - وعدد الحركات و السكون - وعدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته




    أحمد .. مسلم

    تعليق

    • وليد اليحصبي
      0- عضو حديث
      • 31 أغس, 2014
      • 8
      • مسلم

      #3
      رد: اللهجات او اللغات العروبية القديمة وعلاقتها في تفسير القرآن

      المشاركة الأصلية بواسطة محب المصطفى
      والله يا اخي الكريم لست بعالم تحت هذا الباب لكي اصحح لك او انتقد في بحثك هذا
      ولكن اجمالا ان شاء الله لعل الدكتور الجمل يطلع على البحث هنا ان شاء الله

      ان شاء الله وللتوضيح المقالة هذه من رسالة ماجستير واصدر الباحث كتاب بعنوان اللغة اليمنية في القرآن الكريم وهو الباحث توفيق السامعي

      شكر الله لك جهودك وحسن سعيك ..
      وإياكم اخي الكريم وأشكرك لفتح الموضوع .

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة عادل خراط, 14 ديس, 2022, 12:39 م
      ردود 0
      45 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة عادل خراط
      بواسطة عادل خراط
      ابتدأ بواسطة د/ احمد الجمل, 5 مار, 2020, 03:37 م
      رد 1
      297 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة د.أمير عبدالله
      ابتدأ بواسطة د/ احمد الجمل, 3 مار, 2020, 10:01 ص
      ردود 0
      83 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة د/ احمد الجمل
      ابتدأ بواسطة د/ أحمد الجمل, 17 ماي, 2010, 08:33 م
      ردود 8
      14,095 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة الفضة
      بواسطة الفضة
      ابتدأ بواسطة د/ أحمد الجمل, 7 أبر, 2010, 02:50 ص
      ردود 17
      15,120 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      يعمل...