رد: مناظرة مع السيد رشيد حول نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
شواهد عظمة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
ومن شواهد عظمة أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم،أنه انبهر أعداؤه قبل أصحابه بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، فكانت سببًا في إسلام بعضهم، فلننظر إلى ملك عُمَان المعاصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الجُلَنْدى [انظر: ابن حجر العسقلاني: الإصابة 1/538 ترجمة رقم (1298)]؛ الذي انبهر بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، فقال: "والله لقد دلَّني على هذا النبيِّ الأُمِّيِّ أنه لا يأْمُرُ بخير إلاَّ كان أوَّل آخذ به، ولا يَنْهَى عن شيء إلاَّ كان أوَّل تارك له، وأنه يَغْلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد وينجز الموعود، وأشهد أنه نبي". [القاضي عياض: الشفا 1/248]
تكافؤ وتكامل أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن عظمة أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها متكاملة ومتكافئة؛ بحيث لا يطغى جانب على جانب آخر من أخلاقه صلى الله عليه وسلم، فكان صبره صلى الله عليه وسلم مثل شجاعته، وأمانته مثل كرمه، وصدقه مثل حلمه..وهكذا لا نجد له صلى الله عليه وسلم خُلُقًا في موضعه من الحياة يزيد وينقص على خُلُق آخر في موضعه، وهذا التكافؤ الخُلُقِيّ لم تعرفه الحياة الواقعية لإنسان غير محمد صلى الله عليه وسلم [كما قال: محمد الصادق عرجون: محمد رسول الله 1/211، 212]؛ لذلك قال الشاعر الألماني جوته: "بحثتُ في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم". [زغريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب ص465]
وكان القرآن الكريم هو المنبع الرئيسي الذي استمدَّ منه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أخلاقه، فأضفى على كماله الخلقي كمالاً، وعلى جميل أدبه جمالاً، وذلك بتوجيهه لكل خير، وإرشاده لكل معروف، حتى أصبح صلى الله عليه وسلم كأنه قرآنًا يمشي على الأرض في أفعاله وأقواله؛ لذلك قالت أُمُّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عندما سألها سعد بن هشام بن عامر عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلتُ: بلى. قالت: فإنَّ خُلق نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن [مسلم (746)] وفي رواية أخرى قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان خلق رسول الله القرآن. ثم قالت: تقرأ سورة المؤمنين اقرأ: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ *</span><span lang=AR-SA><o></o></span> </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * </span><span lang=AR-SA><o></o></span></div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * </span><span lang=AR-SA><o></o></span></div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) المؤمنون: 1-11 [فقالت: هكذا كان خلق رسول الله [انظر: الحاكم (3481)] فما أدقّ وصف أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
كما كانت رؤية النبي محمد صلى الله عليه وسلم لطبيعة الإسلام رؤية مبنيَّة على مكارم الأخلاق،وهذا ما فهمه العرب منذ بداية دعوته صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فعندما عرض محمد صلى الله عليه وسلم نفسه -مثلاً- على وفد بني شيبان بن ثعلبة -وكان في القوم مفروق بن عمرو، والمثنى بن حارثة، وهانئ بن قبيصة، والنعمان بن شَرِيك- فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الأنعام: 151]. فقال مفروق: ما هذا من كلام أهل الأرض، ولو كان من كلامهم لعرفناه. فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل: 90، فقال مفروق: دعوتَ والله يا قرشي إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال، ولقد أُفِكَ قومٌ كذبوك وظاهروا عليك. [البيهقي: دلائل النبوة (695)]
ولقد ظهر تعظيمه صلى الله عليه وسلم للأخلاق في كثير من كلماته وأحاديثه، فها هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يقول معلِّمًا لأصحابه: "إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ".[الترمذي عن عائشة رضي الله عنها (2612)]
ولم تكن هذه الأخلاق مقصورة على قوم دون آخرين أو طائفة دون طائفة، بل ظهرت واضحة جلية في كل تعاملاته؛ فقد كان كثير المخالطة لأصحابه،لم يعتزل عنهم أبدًا، كان يُجالس الفقراء، ويرحم المساكين، وتسير به الأَمَة في شوارع المدينة أينما شاءت، وكان يعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويزور أصحابه في بيوتهم، ويزورونه في بيته، وهو في كل ذلك دائم الابتسامة، منبسط الأسارير، متهلِّل الوجه، وكان رحيمًا بأُمَّته تمام الرحمة، ما خُيِّر بين أمرين إلاَّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس عنه، وكان كثير العفو حتى عَمَّن ظلمه وبالغ في ظلمه.
أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم مع أعدائه
كما كانت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمة في بيته،وفي تعامله مع غير المسلمين في مجتمعه، بل وتميز أيضًا صلى الله عليه وسلم بمعامله أعدائه ومبغضيه بكل رفق وأناة، وقد شهد بحسن خلقه أبو سفيان بن حرب قبل أن يُسلم وهو زعيم المشركين، فقال عند إسلامه: "والله إنك لكريم، ولقد حاربتك فنعم محاربي كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت، فجزاك الله خيرًا". [أبو نعيم الأصبهاني: معرفة الصحابة 3/1509.]
شهادة وليم موير:
وبعدُ، فإننا لن نستطيع أن نستقصي أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في صفحات قليلة، فقد كانت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم محطَّ إعجاب كثير من المسلمين وغير المسلمين،فها هو ذا المستشرق البريطاني السير وليم موير (1819-1905م)، يصف حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: "كانت السهولة صورة من حياته كلها، وكان الذوق والأدب من أظهر صفاته في معاملته لأقلِّ تابعيه، فالتواضع، والشفقة، والصبر، والإيثار، والجُود صفات ملازمة لشخصه، وجالبة لمحبَّة جميع مَنْ حوله، فلم يُعرف عنه أنه رفض دعوة أقلِّ الناس شأنًا، ولا هديةً مهما صغرت، وما كان يتعالى ويبرز في مجلسه، ولا شعر أحد عنده أنه لا يختصُّه بإقبال وإن كان حقيرًا، وكان إذا لقي مَنْ يفرح بنجاحٍ أصابه أمسك يده وشاركه سروره، وكان مع المصاب والحزين شريكًا شديد العطف، حَسَنَ المواساة، وكان في أوقات العسر يقتسم قُوتَهُ مع الناس، وهو دائم الاشتغال والتفكير في راحة مَنْ حوله وهناءتهم". [انظر: وليم موير: حياة محمد نقلاً عن سعيد حوى: الرسول ص147]
هذا هو رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي نفخر به، وتفخر معنا البشريَّة كلها؛ فقد كان حقًّا خُلُقه القرآن.
شهادة إدوارد جيبون:
إدوارد جيبون (1737–1794م). مؤرخ إنجليزي، يعتبر أعظم المؤرخين الإنجليز في عصره . "المورد" (1990) .
يقول "إدوارد جيبون وسيمون أوكلي" في كتاب "تاريخ الإمبراطورية العربية الإسلامية " طبعة لندن (1870) ص54: "لا إله إلا الله محمد رسول الله هي عقيدة الإسلام البسيطة والثابتة. إن التصور الفكري للإله (في الإسلام) لم ينحدر أبدا إلى وثن مرئي أو منظور. ولم يتجاوز توقير المسلمين للرسول أبدا حد اعتباره بشرا، وقيدت أفكاره النابضة بالحياة شعور الصحابة بالامتنان والعرفان تجاهه، داخل حدود العقل والدين".
شهادة لومارتان:
لومارتان مؤرخ الفرنسي - من كتاب "تاريخ تركيا"، باريس، 1854، الجزء 11، صفحة 276-277.
يقول: "إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادًا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم. لكن هذا الرجل محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ. ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة.
لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر من الله كان طموح النبي (صلى الله عليه وسلم) موجها بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك. حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته (صلى الله عليه وسلم) وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث. فالشق الأول يبين صفة الله (ألا وهي الوحدانية)، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى (وهو المادية والمماثلة للحوادث). لتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المدعاة من دون الله بالسيف، أما الثاني فقد تطلّب ترسيخ العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة).
هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم) الفيلسوف،الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم). بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؟
شهادة مونتجومري وات:
مونتجومرى وات، من كتاب "محمد في مكة"، 1953، صفحة 52.
إن استعداد هذا الرجل لتحمل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدا وقائدا لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة، كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه. فافتراض أن محمدا مدع افتراض يثير مشاكل أكثر ولا يحلها. بل إنه لا توجد شخصية من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللائق بها مثل ما فعل بمحمد.
شهادة بوسورث سميث:
بوسورث سميث، من كتاب "محمد والمحمدية"، لندن 1874، صفحة 92.
لقد كان محمد قائدا سياسيا وزعيما دينيا في آن واحد. لكن لم تكن لديه عجرفة رجال الدين، كما لم تكن لديه فيالق مثل القياصرة. ولم يكن لديه جيوش مجيشة أو حرس خاص أو قصر مشيد أو عائد ثابت. إذا كان لأحد أن يقول إنه حكم بالقدرة الإلهية فإنه محمد، لأنه استطاع الإمساك بزمام السلطة دون أن يملك أدواتها ودون أن يسانده أهلها.
شهادة الدكتور زويمر:
الدكتور زويمر الكندي مستشرق كندي ولد 1813 ـ 1900 قال في كتابه (الشرق وعاداته).
يقول الدكتور زويمر: إن محمداً كان ولا شك من أعظم القواد المسلمين الدينيين، ويصدق عليه القول أيضاً بأنه كان مصلحاً قديراً وبليغاً فصيحاً وجريئاً مغواراً، ومفكراً عظيماً، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء.
شهادة برناردشو:
برناردشو الإنكليزي ولد في دبلن بأيرلندا (1856-1950)، وهو ناقد وسيناريست وفيلسوف. له مؤلف أسماه (محمد)، وقد أحرقته السلطة البريطانية.
يقول: (إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة [يعني أوروبا]).
إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها.
يقول الفيلسوف الإنجليزي الشهير برنارد شو قولته الخالدة: "لقد كان دين محمد - صلى الله عليه وسلم - موضع تقدير سامي لما ينطوي عليه من حيوية مدهشة .. ... . هو الدين الوحيد الذي له ملكة الهضم لأطوار الحياة المختلفة، وأرى واجباً أن يدعى محمد - صلى الله عليه وسلم - منقذ الإنسانية، وإن رجالاً كشاكلته إذا تولى زعامة العالم الحديث فسوف ينجح في حل مشكلاته).
ولقد وجد برنارد شو في شخصية الرسول – عليه الصلاة و السلام – ما دعاه إلى أن يصفه بأنه منقذ البشرية فقال: (لقد عمد رجال الاكليروس في العصور الوسطى إلى تصوير الإسلام في أحلك الألوان، وذلك بسبب الجهل وبسبب التعصب الذميم، والواقع أنهم كانوا يسرفون في كراهية محمد وكراهية دينه ويعدونه خصماً للمسيح، أما أنا فأرى واجباً أن يدعى محمد منقذ الإنسانية وأعتقد أن رجلاً مثله إذا تولى زعامة العالم الحديث نجح في حل مشكلاته وأحل في العالم السلام والسعادة وما أشد حاجة العالم اليوم إليهما).
* * *
غ 26- يؤيده الله تعالى بالمعجزات، إثباتًا لنبوته أمام الناس، وتصديقًا له
لكن ما الغرض من المعجزات التى يقوم بها الأنبياء؟
هل هى لتثبت ألوهية ما لديهم؟ بالطبع لا. فالمؤمنون يؤمنون أن الله تعالى قادر على كل شىء، ولا داعى لمعجزة ما تثبت ألوهيته.
وبالتالى فالمعجزة لإثبات أن هذا الشخص الذى يقوم بها نبى من عند الله حقًا، ومؤيدًا من الله، ليستمع الناس إلى رسالة الله إليهم عن طريقه. لذلك نجد أن يسوع كان يرفع رأسه للسماء، طالبًا من الله تعالى أن يمده بالتأييد ليصدق الناس أنه رسول من عنده:
فعندما حاول إحياء الميت: يوحنا 11: 41-42 (41فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعاً وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي 42وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي».)
وعندما حاول شفاء الأصم الأعقد: مرقس 7: 32-35 (32وَجَاءُوا إِلَيْهِ بِأَصَمَّ أَعْقَدَ ... وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَتَفَلَ وَلَمَسَ لِسَانَهُ 34وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَأَنَّ وَقَالَ لَهُ: «إِفَّثَا». أَيِ انْفَتِحْ. 35وَلِلْوَقْتِ انْفَتَحَتْ أُذْنَاهُ وَانْحَلَّ رِبَاطُ لِسَانِهِ وَتَكَلَّمَ مُسْتَقِيماً.)
وعندما أراد إطعام الجمع: متى 14: 19 (أَخَذَ الأَرْغِفَةَ لْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى الأَرْغِفَةَ لِلتَّلاَمِيذِ وَالتَّلاَمِيذُ لِلْجُمُوعِ.)
لوقا 9: 16 (16فَأَخَذَ الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَهُنَّ ثُمَّ كَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ لِيُقَدِّمُوا لِلْجَمْعِ)
وعندما أراد أن يُخاطب الله ويدعوه: يوحنا 17: 1 (1تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضاً)
وأعلن يسوع أنه يعمل هذه المعجزات بإصبع الله، أى بقدرته، وعبر عنها مرة أخرى أنه بروح الله يخرج الشياطين، أى إن الله ذاته هو الفاعل، وما يسوع إلا عبد يُظهر الله قوته على يديه. وأنه لا يفعل شيئًا من نفسه، وأن الله تعالى هو الذى يعلمه ما يقول، وما يفعل، وأن هذه الأعمال هى التى أعطاها الله له، أى ليست من عند نفسه:
يوحنا 5: 30 (30أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. ...)
لوقا 11: 20 (20وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ بِإِصْبِعِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ ...)
متى 12: 28 (28وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللَّهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ ...)
يوحنا 5: 20 (20لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الاِبْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ ...)
يوحنا 8: 28 (وَلَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئاً مِنْ نَفْسِي ...)
يوحنا 5: 36 (لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لِأُكَمِّلَهَا هَذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي.)
وفى محاولته شفاء الأعمى تصديقًا لما نذهب إليه: مرقس 8: 22-26 (22وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ صَيْدَا فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ 23فَأَخَذَ بِيَدِ الأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ هَلْ أَبْصَرَ شَيْئاً؟ 24فَتَطَلَّعَ وَقَالَ: «أُبْصِرُ النَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ». 25ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضاً عَلَى عَيْنَيْهِ وَجَعَلَهُ يَتَطَلَّعُ. فَعَادَ صَحِيحاً وَأَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيّاً. 26فَأَرْسَلَهُ إِلَى بَيْتِهِ قَائِلاً: «لاَ تَدْخُلِ الْقَرْيَةَ وَلاَ تَقُلْ لأَحَدٍ فِي الْقَرْيَةِ»)
فهل لو كان يعمل المعجزات بلاهوته لفشل فى المرة الأولى واحتاج إلى تجربة ثانية ليشفى الأعمى؟ هل يوجد إله يقوم بتجارب يفشل منها ما يفشل، وينجح فى النهاية فى إشفاء أعمى؟
وفكر فى قول يسوع الذى يرمى إلى أن الله تعالى على كل شىء قدير: مرقس 10: 27 (27فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ وَلَكِنْ لَيْسَ عِنْدَ اللَّهِ لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللَّهِ».) ستجد أنه يقول لك إن كل ما هو غير مستطاع عن الناس، فهو مستطاع عند الله، وستجد أنه يعلنها لكل الناس أنه بشر، وليس بإله!!
ثم قارن هذا بقول الكتاب الذى تقدسه من أن يسوع لم يستطع أن يقوم بمعجزة واحدة فى وطنه: بل مر عليه وقت فى وطنه لم يستطع أن يعمل معجزة واحدة: مرقس 6: 5 (5وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْنَعَ هُنَاكَ وَلاَ قُوَّةً وَاحِدَةً غَيْرَ أَنَّهُ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَرْضَى قَلِيلِينَ فَشَفَاهُمْ.)
بل إن يسوع أخبرهم أنه لن يعطيهم آية، إلا آية يونان النبى: متى 12: 38-39 (38حِينَئِذٍ قَالَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ: «يَا مُعَلِّمُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً». 39فَقَالَ لَهُمْ: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ.)
وفى موضع آخر أخبرهم أنه لن يقوم بآية بالمرة: مرقس 8: 11-12 (11فَخَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَابْتَدَأُوا يُحَاوِرُونَهُ طَالِبِينَ مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ لِكَيْ يُجَرِّبُوهُ. 12فَتَنَهَّدَ بِرُوحِهِ وَقَالَ: «لِمَاذَا يَطْلُبُ هَذَا الْجِيلُ آيَةً؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَنْ يُعْطَى هَذَا الْجِيلُ آيَةً!»)
ومن ناحية أخرى، ماذا كان رد فعل من شفاهم أو أحياهم بإذن الله؟
وماذا كان رد فعل تلاميذه وأعدائه وجموع الناس؟
لقد أقروا كلهم أنه نبى مرسل من الله:
فعندما سأل الكهنة الرجل الذى شفاه يسوع بإذن الله من العمى، الذى ولد به، عن رأيه فيه، قال إنه نبى: يوحنا 9: 17 (17قَالُوا أَيْضاً لِلأَعْمَى: «مَاذَا تَقُولُ أَنْتَ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟» فَقَالَ: «إِنَّهُ نَبِيٌّ».)
لقد أقر اثنان من تلاميذه بعد موته المزعوم إنه كان: لوقا 24: 17-20 (... 17فَقَالَ لَهُمَا: «مَا هَذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟» 18فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا الَّذِي اسْمُهُ كَِلْيُوبَاسُ: «هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؟» 19فَقَالَ لَهُمَا: «وَمَا هِيَ؟» فَقَالاَ: «الْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ الَّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ. 20كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ الْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ.)
وأقر بطرس أنه رسول لله تعالى: وقال بطرس فى أعمال الرسل 2: 22 (22«أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هَذِهِ الأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا أَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ.)
وأقر أعداؤه أنه رسول لله تعالى: يوحنا 3: 1-2 (1كَانَ إِنْسَانٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ اسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ. 2هَذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلِّماً لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَهُ».)
وأقرت الجموع أن يسوع رسول لله تعالى: متى 21: 10-11 (10وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً: «مَنْ هَذَا؟» 11فَقَالَتِ الْجُمُوعُ: «هَذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ».)
وهكذا فهم كل الناس الذين عاصروه ورأوا معجزاته. بل أصرت ترجمة الفاندايك الشهيرة عند الأرثوذكس فى مصر على تغيير كلمة عبد الله على يسوع أربع مرات، فى الوقت الذى تصر فيه الترجمة الكاثوليكية ومعظم التراجم الأجنبية على اعتبار يسوع عبد الله"
وكان يسوع عبدًا لله تعالى: فقد قال بطرس: أعمال الرسل 3: 13 (13إِنَّ إِلهَ إِبراهيمَ وإِسحقَ ويَعْقوب، إِلهَ آبائِنا، قد مَجَّدَ عَبدَه يسوع الَّذي أَسلَمتُموه أَنتمُ وأَنكَرتُموه أَمامَ بيلاطُس، وكانَ قد عَزَمَ على تَخلِيَةِ سَبيلِه، ) الترجمة الكاثوليكية اليسوعية
وقال بطرس أيضًا: أعمال الرسل 3: 26 (26فمِن أَجلِكم أَوَّلاً أَقامَ اللهُ عَبدَه وأرسَله لِيُبارِكَكم، فيَتوبَ كُلَّ مِنكُم عن سَيِّئاتِه)).) الترجمة الكاثوليكية اليسوعية
وقالا بطرس ويوحنا: أعمال الرسل 4: 27 (27تحالَفَ حَقًّا في هذهِ المَدينةِ هِيرودُس وبُنْطيوس بيلاطُس والوَثَنِيُّونَ وشُعوبُ إِسرائيلَ على عَبدِكَ القُدُّوسِ يسوعَ الَّذي مَسَحتَه،) الترجمة الكاثوليكية اليسوعية
وقالا أيضًا: أعمال الرسل 4: 30 (30باسِطًا يدَكَ لِيَجرِيَ الشِّفاءُ والآياتُ والأَعاجيبُ بِاسمِ عَبدِكَ القُدُّوسِ يَسوع)).) الترجمة الكاثوليكية اليسوعية
فكيف تؤلهونه أنتم اليوم وتدعون عليه ما لم يفهمه معاصروه أو تلاميذه وما لم يتفوه هو به وما لا يقل به الكتاب الذى تقدسونه؟
وأكثر من ذلك، فقد أقرَّ يسوع أنه لا يملك من أمر نفسه شيئًا، فلا يستطيع أن يعمل من نفسه شيئًا: لا معجزة، ولا تعاليم، ولا فطنة فى مواجهة الأعداء ومناظرتهم، ولا يطلب إلا مراد الله ومشيئته: يوحنا 5: 30 (30أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي.)
وأقر أيضًا أنه لا يملك من أمر غيره شيئًا: متى 20: 23 (... وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَبِي».)
وأن الحساب والدينونة بيد الله: متى 6: 9-15 (9«فَصَلُّوا أَنْتُمْ هَكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. 10لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ. 11خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. 12وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. 13وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. 14فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. 15وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضاً زَلَّاتِكُمْ.)
يوحنا 8: 50 (50أَنَا لَسْتُ أَطْلُبُ مَجْدِي. يُوجَدُ مَنْ يَطْلُبُ وَيَدِينُ.)
ألا تعلم أن يسوع سيخضع فى الآخرة مثل كل المخلوقات لله رب العالمين؟ كورنثوس الأولى 15: 28 (28وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ فَحِينَئِذٍ الِابْنُ نَفْسُهُ أَيْضاً سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.) ألا ينفى عنه هذا الألوهية التى نسبتموها إليه؟
ألم يقل يسوع إن دخول الجنة يتوقف على شهادة أن لا إله إلا الله، وأنه عبد الله ورسلوه؟ يؤيدنا فى هذا الفهم قوله مرة أخرى: يوحنا 17: 4 (3وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ.)
ألم يقل يسوع إن الخلود فى الجنة يتوقف على فصلك بين الله ورسوله، والإيمان بالله كإله خالق الكون ومليكه، وتطيع رسوله الذى أرسله؟ ومن يمُت على ذلك فهو من أهل الجنة: يوحنا 5: 24 (24«اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ.)
وبهذا أثبتنا أن يسوع عمل معجزات تؤيد نبوته، على الرغم من تضارب بعض النصوص مع بعضها، ونفينا ألوهيته المزعومة بأقواله وأعماله وأقوال المعاصرين له، سواء كانوا تلاميذه أو أتباعه أو أعدائه أو جموع الناس الذين اختلطوا به وعرفوه.
لكن ما هى معجزات يسوع التشريعية؟ لا يوجد تشريع من الأساس.
ما هى معجزات يسوع العلمية فى مجال النباتات أو الحيوان أو الحشرات أو فى أى مجال آخر؟ لا يوجد.
بل إن كل من يؤمن بيسوع حق الإيمان يمكنه أن يحيى الموتى، ويشفى المرضى بإذن الله. يوحنا 14: 12 (12اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضاً وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا ....).
فهل استطاع البابا الحالى أن يحيى من سبقه؟ وهل استطاع من سبقه أن يحيى من سبقهم؟ فأنت أيها السيد رشيد بين نارين: إما أن هؤلاء الباباوات الذين هم على رأس كنائسكم، وعلى قمة إيمانكم، وذروة علمكم، لم يؤمنوا بيسوع والأعمال التى قام بها، فلم يتمكنوا من إحياء ميتًا، كما فعل يسوع، وإما هذه الجملة مدسوسة على كتابكم!
وهل المعجزات الحسية تثبت نبوة الشخص الذى يقوم بها؟
تبعًا لما قاله يسوع "لا": متى 24: 24، (24لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضاً)ومرقس13: 22
وعلى ذلك إن معجزات يسوع وحدها لا تكفى لإثبات نبوته تبعًا لقوله نفسه!
لكن ما رأيك فيمن يؤيد الله تعالى لليوم صدق نبوته، وصدق الكتاب الذى جاء به؟
لقد أيَّد الله تعالى النبى محمد صلى الله عليه وسلم بالمعجزات الكثيرة، التى تفوق فى عددها الألف فى حياته. سواء كان منها شفاء المرضى، أو تحدث الحيوانات أو الشجر إليه، واعترافهم بنبوته، سواء فى إخباره بالغيب وتحققه فى حياته أو بعد مماته، سواء تكلم كتف الشاة المذبوحة والمطهية واعترافها أنها سُمَّمَت. فمنها على سبيل المثال:
1- القرآن الكريم
2- انشقاق القمر ليلة البدر حتى افترق فرقتين على كل جبل جزء
3- أن الله زوى ـ أي جمع ـ له الأرض كلها فضم بعضها لبعض حتى رآها وشاهد مغاربها ومشارقها، وقال تعالى له: إن ملك أمته سيبلغ ما زوى له منها .
4- حنين الجذع إليه لما فارقه إلى المنبر وصار يخطب على المنبر بعد ما كان يخطب عليه ولم يسكن حتى أتى إليه فضمه وأعتنقه فسكت .
5- نبع الماء من بين أصابعه. رواه البخاري
6- تسبيح الحصى بكفه. رواه أبن عسكر من حديث أبي داود وغيره .
7- تسبيح الطعام حين وضع بين يديه فنطق كما في البخاري عن ابن مسعود .
8- تسليم الجحر والشجر عليه بالنطق. رواه أبو نعيم في دلائل النبوه .
9- تكليم ذراع الشاة المشوية المسممة له صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه مسموم. رواه البخاري .
10- أن البعير شكا إليه الجهد أن صاحبه يجيعه ويتعبه. رواه أبو داود .
11- شهاد الذئب له بالنبوة. رواه الطبراني وابو نعيم .
12- أنه جاء مرة إلى قضاء الحاجه ولم يجد شيئا يستتر به سوى جذع نخله صغيره وأخرى بعيده عنها. ثم أمر كلا منها فأتتا إليه فسترتاه حتى قضا حاجته ثم أمر كلا منهما بالمضي إلى مكانها. راواه الأمام أحمد والطبراني .
13- أنه قربت منه ست من الأبل لينحرها فصارت كل واحده تقترب منه ليبدأ بها .رواه أبو داود والنسائي .
14- أن عين قتاده بن النعمان الأنصاري سقطت يوم أحد فردها فكانت المردودة أحـد (أقوى) من العين الصحيحه .رواه الحاكم وغيره من عدة طرق .
15- أن عين أبي طالب رضى الله عنه برأت من الرمد حين تفل فيها .متفق عليه .
16- أن عبد الله بن عتيك الأنصاري أصيبت رجله حين نزل من درج إلى رافع أبن أبي الحقيق لما قتله فمسحها بيده الشريفه فبرأت. رواه البخاري.
17- أن أبي بن خلف كان يلقي المصطفى فيقول إن عندي قعودًا أعلفه كل يوم أقتلك عليه. فيقول صلى الله عليه وسلم بل أنا أقتلك إن شاء الله، فطعنه يوم أحد في عنقه فخدشه غير كثير، فقال: قتلني محمد فقالوا: ليس بك بأس. قال: إنه قال: أنا أقتلك فلو بصق علي لقتلني فمات.
18- أنه أخبر أمية بن خلف أنه يقتله. فقتل كافرًا يوم بدر .رواه البخاري .
19- أنه عد لأصحابه في بدر مصارع الكفار (الأماكن التى سيصرعون فيها) فقال: هذا مصرع فلان غدًا ويضع يده على الأرض، وهذا، وهذا، فكان كما وعد. وما تجاوز أحد منهم موضع يده. رواه ابو داود.
20- أنه أخبر عن طوائف من أمته أنهم سيركبون وسط البحر أي يغزون في البحر كالملوك على الأسرة ومنهم أم حرام بنت ملحان فكان كما أخبر. رواه البخاري .
21- أنه قال في الحسن بن علي إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يُصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فكان كما قال. فإنه لما توفى أبوه بايعه أربعون ألفًا على الموت فتنازل عن الخلافه لمعاوية حقنا لدماء المسلمين .رواه البخاري.
22- أنه أخبر في شأن عثمان بن عفان t أنه ستصيبه بلوى شديده يريد قتله فكان كما قال. رواه البخاري .
23- أنه أخبر بمقتل الأسود العنسي في صنعاء اليمن في الليلة التي قتل فيها في المدينة، فجاء الخبر بما أخبر به .ذكره ابن اسحاق وغيره .
24- أنه أخبر بقتل كسرى كذلك في ليلة مقتله الخبر كما ذكر.
25- أخبر عن الشيماء بنت الحارث السعدية أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع أنها قد رفعت في خمار أسود على بغله شهباء فكان كذلك .رواه أبو نعيم .
26- أنه دعا أن يُعز الإسلام باحدى العمرين، فأصابت عمر بن الخطاب t ورفض أبو جهل ابن الهشام. فعز بإسلامه كل من أضحى مسلما .
27- أنه دعا لعلي بن أبي طالب رضى الله عنه بذهاب الحر والبرد عنه فكان علي لايجد حرا ولا بردا، رواه البيهقي.
28- أنه دعا لابن عباس بفقه الدين وعلم التأويل فصار بحرًا زخارًا واسع العلم
29- أنه دعا لثابت بن قيس بن شماس بأن يعيش سعيدا ويقتل شهيدًا فكان كذلك.
30- أنه دعا لأنس بن مالك بكثرة المال والولد وبطول العمر فعاش نحو المائة سنه وكان ولده من صلبه مائة وعشرين ولدًا ذكرًا،وكان له نخل يحمل في كل سنة حملين.
31- أنه قال في رجل مسلم، غزا معه وأكثر قتال الكفار مع المسلمين، إنه من أهـل النار، فأصابته جراحه فقتل نفسه بيده عمدًا.(وقاتل نفسه في النار) متفق عليه
32- كان بينه وبين عتيبه بن أبي لهب أذى، فدعا عليه بأن يسلط الله عليه كلبًا من كلابه فقتله الأسد . رواه أبو نعيم وغيره .
33- أنه لما شكا إليه شاك قحوط المطر ـ أي حبسه وانقطاعه وهو فوق المنبر في خطبة الجمعة فرفع يديه إلى الله تعالى ودعا. وما في السماء قطعة من السحاب فطلعت سحابة حتى توسطت السماء فاتسعت فأمطرت فقال: اللهم حوالينا ولا علينا فاقلعت وانقطعت .متفق عليه
34- أنه أمر عمر الفاروق صلى الله عليه وسلم أن يزود أربع مائة راكب أتو إليه من تمر كان عنده فزودهم منه، والتمر كان مقدراه كالفصيل الرابض، فزودهم جميعا وكأنه ما مسه أحد. رواه أحمد وغيره .
35- أنه أطعم أهل الخندق أيضا من تمر يسير أتت به إليه جاريه.رواه ابو نعيم
36- أنه أطعم الألف الذين كانوا معه في غزوة الخندق من صاع شعير ودون صاع وبهيمة ـ وهي ولد الضأن فأكلوا وشربوا وانصرفوا وبقي بعد انصرافهم عن الطعام أكثر مما كان من الطام. متفق عليه .
37- أنه أطعم جماعة من أقراص شعير قليلة بحيث جعلها أنس تحت ابطه لقلتها فأكل منها ثمانون رجلا وشبعوا كلهم وهو كما أتى لهم كأنه لم يمسه أحد كما جاء في الصحيحين عن أنس .
38- أنه أطعم الجيش حتى وصلوا إلى حد الشبع من مزود ـ وعاء التمر ـ ورد مابقى فيه لصاحبه أبي هريرة. ودعا له بالبركه فأكل منه في حياته إلى حين قتل عثمان ـ رضي الله عنه .
39- أنه حين تزوج بزينب بنت جحش أطعم خلقا كثيرًا من طعام قدم إليه في قصعة ثم رفع الطعام من بينهم وقد شبعوا وهو كما وضع أو أكثر. كما رواه أبو نعيم .
40- أنه في غزوة حنين رمى الكفار بقبضهةمن تراب وقال: شاهت الوجوه فامتلأت أعينهم ترابًا كلهم، وهزموا عن أخرهم .رواه مسلم وغيره .
41- أنه لما أجتمعت صناديد قريش في دار الندوة وأجمعوا على قتله وجاءوا إلى بابه ينتظرون خروجه فيضربونه بالسيوف ضربه رجل واحد خرج عليهم ووضع التراب على رأس كل واحد منهم .
42- معجزة الأسراء والمعراج من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .
43- فيضان ماء بئر الحديبية
44- قدح لبن روى الكثير من الناس ببركته صلى الله عليه وسلم
45- امتلاء عكة سمن لأم سليم بعد فراغها
46- توفية دين جابر الذي استغرق كل ماله
47- سلام الحجر عليه صلى الله عليه وسلم
48- توقير الوحش له صلى الله عليه وسلم واحترامه إياه
49- احترام الأسد لمولى الرسول صلى الله عليه وسلم وقيادته إياه إلى زملائه للحاق بهم
50- نطق الغزالة ووفاؤها له صلى الله عليه وسلم
51- خروج الجن من الصبي بدعائه صلى الله عليه وسلم
52- شفاء الضرير بدعائه صلى الله عليه وسلم
53- شفاء صبي من امرأة من خثعم بفضل سؤره صلى الله عليه وسلم
54- تحول جذل الحطب سيفًا لعكاشة بن محصن يوم بدر
55- صدق إخباره بالغيب
والكثير غيرها. وقد ذكرت لك ما ذكرت بالاختصار. وعليك التحقق من صدقها فى المراجع والكتب الإسلامية (دلائل النبوة، للبيهقى).
وأسأل الله تعالى الهداية لك ولى!
وقد زالت المعجزات الحسية كلها، بما فيها التنبوء بالغيب القريب، وهو ما حدث فى عصره، منها شفاء الميئوس من شفائه، منها استجابة الله لدعائه، منها تكلم الحيوان معه، ولم تتبق لنا إلا معجزة واحدة هى حجة على العالمين، وهى القرآن الكريم:
فقد جرت سُنة الله في تأييده رُسله بالمعجزات أن يُؤيد كل رسول من رُسله بالمعجزة التي تناسب من أرسل إليهم، وتكون في بيئته أبلغ دَلالة على صِدقه وأشد إقحامًا لمن كذَّبوا به. فمحمد صلى الله عليه وسلم أيده الله بمعجزة القرآن؛ لأنه بعث في بيئة عربية في زمن كان العرب فيه يزعُمون أنهم استووا على عرش البلاغة والفصاحة، وملَكوا فنون القول، وأُتوا الحِكمة وفَصْل الخطاب، وقد قال النعمان بن المنذر بين يدي كسرى في وصفهم:"وأما حكمة ألسنتهم، فإن الله أعطاهم في أشعارهم ورونق كلامهم. مع معرفتهم بالأشياء، وضرْبهم للأمثال، وإبلاغهم في الصفات ما ليس لغيرهم".
فالله تعالى لحكمته البالغة، أيد محمدًا بالقرآن؛ ليُقحمهم في أعز ميادينهم، ويقنعهم بما لا سبيل لهم إلى الجدال فيه، ويُقيم لهم برهانًا هم أقدر الناس على إدراكه والإذعان له.
والإعجاز هو إثبات العجز وإظهاره، وإعجاز القرآن للناس؛ أي: إثبات عجزهم عن أن يأتوا بمثله، ولا يتحقق الإعجاز إلا إذا توافرت أمور ثلاثة:
الأول: أن تتحدى من تريد إثبات عجزه؛ أي: أن تتطلب منه أن يأتي بمثل ما جئت به، وتصارحه بأنه لا يستطيع ولن يستطيع.
والثاني: أن تتوافر عند من تتحداه جميع الدواعي التي تحمله على أن يستجيب لدعوتك، ويَبطل تحدِّيك، ويأتي بمثل ما جئت به.
والثالث: أن تنفي عنه الموانع الحسية والمعنوية التي تمنعه أن يستجيب لك. بمعنى أن القرآن نزل بلسانهم العربي، وألفاظه مكونة من حروفهم الهجائية التي يكونون منها ألفاظهم، وأساليبه على منهاج أساليبهم، وفيهم ملوك البلاغة والفصاحة، وفرسان السباق في الشعر والخطابة وسائر فنون القول، وفيهم أهل الحكمة والأمثال والتجارب، وبينهم الكُهان والرُّهبان وأهل الكتاب، وقد دعاهم القرآن في تحديه أن تستعينوا بمن شاؤوا؛ ليُكملوا ما نقصهم، ويُتموا عدتهم.
وأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا القرآن أوحى إليه من عند الله: روى البخاريُّ بسنده عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: (ما من نبيٍّ إلا أُوتِي ما مثله آمَن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتِيتُه وحيًا أُوحِي إليَّ، فأوَدُّ أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة).
وأقره الله تعالى على ذلك، فقال: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) النساء: 105
وأقره فقال سبحانه وتعالى: (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) إبراهيم: 1
وقال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ) الزمر: 41
وقال جل وعلا: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) يوسف: 3
وقال سبحانه: (</div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size: 18.0pt'>وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) الشورى: 7
وأكَّد عز وجل ذلك بقوله: (</div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) طه: 2
وقال: إن هذا الوحي من الله إلىّ تصديق إلهي لي في دعواي أني رسول الله، وإن كنتم في ريب من أنه من عند الله، وزعمتُم أنه من قول البشر، فها أنتم من أقدر البشر على القول والبيان، فأتُوا بمثله أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله، وتحدَّاهم بعبارات واخزة، وأساليب تثير الحَميَّة، وتستفز القريحة، وأقسم أنهم لا يستطيعون ولن يأتوا بمثله، ولن يفعلوا، ولن يستجيبوا؛ قال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ الإسراء: 88
وتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثل القرآن؛ فقال عز شأنه: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ﴾ هود: 13، 14،
نعم إنهم لم يستجيبوا لليوم، ولن يتمكنوا، فلماذا لا يقرون بأنه من عند الله تعالى؟ إنه الكبر وبطر الحق!!
وتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله؛ فقال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ البقرة: 23، 24
فالله سبحانه على لسان رسوله تحدَّى الناس بالقرآن بصور شتى من صور التحدي، وطالبهم أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله، وأكد لهم بالقسم أنهم لن يستطيعوا ولن يفعلوا ولو اجتمعوا إنسًا وجنًّا، وتعاونوا بكل الوسائل، والعرب الذين تحداهم رسول الله بالقرآن توافرت لهم كل الدواعي التي تستفز عزيمتهم للمعارضة، وتَستنهض هِمَمهم للإتيان بمثله لو كان مقدورًا لهم؛ لأن محمدًا عاب آلهتهم، وسفَّه عقولهم، وجاءهم بغير ما وجدوا عليه آباءهم، فما أشد حرصهم على أن يبطلوا دعواه أنه رسول الله! وما أشد حرصهم على أن يدحضوا الحُجة التي احتج بها، ويأتوا بقرآن مثل قرآنه، ويثبتوا أن هذا القرآن من قول البشر!!
فلا ريب في أن رسول الله تحدى بالقرآن بأبلغ عبارات التحدي وأشدها وخزًا للضمائر وحفزًا للهِمم، ولا ريب في أن من تحداهم توافر لديهم كل ما يقتضيهم أن ينازلوا هذا المتحدي لهم، وأن يأتوا بمثل ما جاء به، ولا ريب في أنهم انتفى عنهم ما يَمنعهم من هذه المعارضة من جميع النواحي اللفظية والمعنوية والزمنية؛ لأن القرآن بلغهم وفيهم أهل العلم والكتاب، وقد أنزل مُفرَّقًا في سنين عديدة.
ولا ريب في أنهم مع هذا كله لم يحاولوا أن يعارضوه ولم يأتوا بمثله، ولو جاؤوا بمثله، لنصروا كهنتهم، وأبطلوا حُجة من سفَّه عقولهم، وكَفَوا أنفسهم ويلات الحرب والقتال في عدة سنين. فالْتِجاؤهم إلى المحاربة بدل المعارضة، وإلى التآمر على قتْل الرسول صلى الله عليه وسلم بدل التآمر على الإتيان بمثل قرآنه - اعترافٌ منهم بالعجز عن معارضته، وتسليم منهم بأن هذا فوق قدرة البشر، وبرهان على أنه من عند الله. (الشيخ عبد الوهاب خلاف)
قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يونس: 37
شواهد عظمة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
ومن شواهد عظمة أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم،أنه انبهر أعداؤه قبل أصحابه بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، فكانت سببًا في إسلام بعضهم، فلننظر إلى ملك عُمَان المعاصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الجُلَنْدى [انظر: ابن حجر العسقلاني: الإصابة 1/538 ترجمة رقم (1298)]؛ الذي انبهر بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، فقال: "والله لقد دلَّني على هذا النبيِّ الأُمِّيِّ أنه لا يأْمُرُ بخير إلاَّ كان أوَّل آخذ به، ولا يَنْهَى عن شيء إلاَّ كان أوَّل تارك له، وأنه يَغْلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد وينجز الموعود، وأشهد أنه نبي". [القاضي عياض: الشفا 1/248]
تكافؤ وتكامل أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن عظمة أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها متكاملة ومتكافئة؛ بحيث لا يطغى جانب على جانب آخر من أخلاقه صلى الله عليه وسلم، فكان صبره صلى الله عليه وسلم مثل شجاعته، وأمانته مثل كرمه، وصدقه مثل حلمه..وهكذا لا نجد له صلى الله عليه وسلم خُلُقًا في موضعه من الحياة يزيد وينقص على خُلُق آخر في موضعه، وهذا التكافؤ الخُلُقِيّ لم تعرفه الحياة الواقعية لإنسان غير محمد صلى الله عليه وسلم [كما قال: محمد الصادق عرجون: محمد رسول الله 1/211، 212]؛ لذلك قال الشاعر الألماني جوته: "بحثتُ في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم". [زغريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب ص465]
وكان القرآن الكريم هو المنبع الرئيسي الذي استمدَّ منه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أخلاقه، فأضفى على كماله الخلقي كمالاً، وعلى جميل أدبه جمالاً، وذلك بتوجيهه لكل خير، وإرشاده لكل معروف، حتى أصبح صلى الله عليه وسلم كأنه قرآنًا يمشي على الأرض في أفعاله وأقواله؛ لذلك قالت أُمُّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عندما سألها سعد بن هشام بن عامر عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألستَ تقرأ القرآن؟ قلتُ: بلى. قالت: فإنَّ خُلق نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن [مسلم (746)] وفي رواية أخرى قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان خلق رسول الله القرآن. ثم قالت: تقرأ سورة المؤمنين اقرأ: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ *</span><span lang=AR-SA><o></o></span> </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * </span><span lang=AR-SA><o></o></span></div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * </span><span lang=AR-SA><o></o></span></div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * </div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) المؤمنون: 1-11 [فقالت: هكذا كان خلق رسول الله [انظر: الحاكم (3481)] فما أدقّ وصف أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
كما كانت رؤية النبي محمد صلى الله عليه وسلم لطبيعة الإسلام رؤية مبنيَّة على مكارم الأخلاق،وهذا ما فهمه العرب منذ بداية دعوته صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فعندما عرض محمد صلى الله عليه وسلم نفسه -مثلاً- على وفد بني شيبان بن ثعلبة -وكان في القوم مفروق بن عمرو، والمثنى بن حارثة، وهانئ بن قبيصة، والنعمان بن شَرِيك- فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الأنعام: 151]. فقال مفروق: ما هذا من كلام أهل الأرض، ولو كان من كلامهم لعرفناه. فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل: 90، فقال مفروق: دعوتَ والله يا قرشي إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال، ولقد أُفِكَ قومٌ كذبوك وظاهروا عليك. [البيهقي: دلائل النبوة (695)]
ولقد ظهر تعظيمه صلى الله عليه وسلم للأخلاق في كثير من كلماته وأحاديثه، فها هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يقول معلِّمًا لأصحابه: "إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ".[الترمذي عن عائشة رضي الله عنها (2612)]
ولم تكن هذه الأخلاق مقصورة على قوم دون آخرين أو طائفة دون طائفة، بل ظهرت واضحة جلية في كل تعاملاته؛ فقد كان كثير المخالطة لأصحابه،لم يعتزل عنهم أبدًا، كان يُجالس الفقراء، ويرحم المساكين، وتسير به الأَمَة في شوارع المدينة أينما شاءت، وكان يعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويزور أصحابه في بيوتهم، ويزورونه في بيته، وهو في كل ذلك دائم الابتسامة، منبسط الأسارير، متهلِّل الوجه، وكان رحيمًا بأُمَّته تمام الرحمة، ما خُيِّر بين أمرين إلاَّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس عنه، وكان كثير العفو حتى عَمَّن ظلمه وبالغ في ظلمه.
أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم مع أعدائه
كما كانت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمة في بيته،وفي تعامله مع غير المسلمين في مجتمعه، بل وتميز أيضًا صلى الله عليه وسلم بمعامله أعدائه ومبغضيه بكل رفق وأناة، وقد شهد بحسن خلقه أبو سفيان بن حرب قبل أن يُسلم وهو زعيم المشركين، فقال عند إسلامه: "والله إنك لكريم، ولقد حاربتك فنعم محاربي كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت، فجزاك الله خيرًا". [أبو نعيم الأصبهاني: معرفة الصحابة 3/1509.]
شهادة وليم موير:
وبعدُ، فإننا لن نستطيع أن نستقصي أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في صفحات قليلة، فقد كانت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم محطَّ إعجاب كثير من المسلمين وغير المسلمين،فها هو ذا المستشرق البريطاني السير وليم موير (1819-1905م)، يصف حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: "كانت السهولة صورة من حياته كلها، وكان الذوق والأدب من أظهر صفاته في معاملته لأقلِّ تابعيه، فالتواضع، والشفقة، والصبر، والإيثار، والجُود صفات ملازمة لشخصه، وجالبة لمحبَّة جميع مَنْ حوله، فلم يُعرف عنه أنه رفض دعوة أقلِّ الناس شأنًا، ولا هديةً مهما صغرت، وما كان يتعالى ويبرز في مجلسه، ولا شعر أحد عنده أنه لا يختصُّه بإقبال وإن كان حقيرًا، وكان إذا لقي مَنْ يفرح بنجاحٍ أصابه أمسك يده وشاركه سروره، وكان مع المصاب والحزين شريكًا شديد العطف، حَسَنَ المواساة، وكان في أوقات العسر يقتسم قُوتَهُ مع الناس، وهو دائم الاشتغال والتفكير في راحة مَنْ حوله وهناءتهم". [انظر: وليم موير: حياة محمد نقلاً عن سعيد حوى: الرسول ص147]
هذا هو رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي نفخر به، وتفخر معنا البشريَّة كلها؛ فقد كان حقًّا خُلُقه القرآن.
شهادة إدوارد جيبون:
إدوارد جيبون (1737–1794م). مؤرخ إنجليزي، يعتبر أعظم المؤرخين الإنجليز في عصره . "المورد" (1990) .
يقول "إدوارد جيبون وسيمون أوكلي" في كتاب "تاريخ الإمبراطورية العربية الإسلامية " طبعة لندن (1870) ص54: "لا إله إلا الله محمد رسول الله هي عقيدة الإسلام البسيطة والثابتة. إن التصور الفكري للإله (في الإسلام) لم ينحدر أبدا إلى وثن مرئي أو منظور. ولم يتجاوز توقير المسلمين للرسول أبدا حد اعتباره بشرا، وقيدت أفكاره النابضة بالحياة شعور الصحابة بالامتنان والعرفان تجاهه، داخل حدود العقل والدين".
شهادة لومارتان:
لومارتان مؤرخ الفرنسي - من كتاب "تاريخ تركيا"، باريس، 1854، الجزء 11، صفحة 276-277.
يقول: "إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادًا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم. لكن هذا الرجل محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ. ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة.
لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر من الله كان طموح النبي (صلى الله عليه وسلم) موجها بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك. حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته (صلى الله عليه وسلم) وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث. فالشق الأول يبين صفة الله (ألا وهي الوحدانية)، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى (وهو المادية والمماثلة للحوادث). لتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المدعاة من دون الله بالسيف، أما الثاني فقد تطلّب ترسيخ العقيدة بالكلمة (بالحكمة والموعظة الحسنة).
هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم) الفيلسوف،الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد (صلى الله عليه وسلم). بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؟
شهادة مونتجومري وات:
مونتجومرى وات، من كتاب "محمد في مكة"، 1953، صفحة 52.
إن استعداد هذا الرجل لتحمل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدا وقائدا لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة، كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه. فافتراض أن محمدا مدع افتراض يثير مشاكل أكثر ولا يحلها. بل إنه لا توجد شخصية من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللائق بها مثل ما فعل بمحمد.
شهادة بوسورث سميث:
بوسورث سميث، من كتاب "محمد والمحمدية"، لندن 1874، صفحة 92.
لقد كان محمد قائدا سياسيا وزعيما دينيا في آن واحد. لكن لم تكن لديه عجرفة رجال الدين، كما لم تكن لديه فيالق مثل القياصرة. ولم يكن لديه جيوش مجيشة أو حرس خاص أو قصر مشيد أو عائد ثابت. إذا كان لأحد أن يقول إنه حكم بالقدرة الإلهية فإنه محمد، لأنه استطاع الإمساك بزمام السلطة دون أن يملك أدواتها ودون أن يسانده أهلها.
شهادة الدكتور زويمر:
الدكتور زويمر الكندي مستشرق كندي ولد 1813 ـ 1900 قال في كتابه (الشرق وعاداته).
يقول الدكتور زويمر: إن محمداً كان ولا شك من أعظم القواد المسلمين الدينيين، ويصدق عليه القول أيضاً بأنه كان مصلحاً قديراً وبليغاً فصيحاً وجريئاً مغواراً، ومفكراً عظيماً، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء.
شهادة برناردشو:
برناردشو الإنكليزي ولد في دبلن بأيرلندا (1856-1950)، وهو ناقد وسيناريست وفيلسوف. له مؤلف أسماه (محمد)، وقد أحرقته السلطة البريطانية.
يقول: (إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة [يعني أوروبا]).
إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها.
يقول الفيلسوف الإنجليزي الشهير برنارد شو قولته الخالدة: "لقد كان دين محمد - صلى الله عليه وسلم - موضع تقدير سامي لما ينطوي عليه من حيوية مدهشة .. ... . هو الدين الوحيد الذي له ملكة الهضم لأطوار الحياة المختلفة، وأرى واجباً أن يدعى محمد - صلى الله عليه وسلم - منقذ الإنسانية، وإن رجالاً كشاكلته إذا تولى زعامة العالم الحديث فسوف ينجح في حل مشكلاته).
ولقد وجد برنارد شو في شخصية الرسول – عليه الصلاة و السلام – ما دعاه إلى أن يصفه بأنه منقذ البشرية فقال: (لقد عمد رجال الاكليروس في العصور الوسطى إلى تصوير الإسلام في أحلك الألوان، وذلك بسبب الجهل وبسبب التعصب الذميم، والواقع أنهم كانوا يسرفون في كراهية محمد وكراهية دينه ويعدونه خصماً للمسيح، أما أنا فأرى واجباً أن يدعى محمد منقذ الإنسانية وأعتقد أن رجلاً مثله إذا تولى زعامة العالم الحديث نجح في حل مشكلاته وأحل في العالم السلام والسعادة وما أشد حاجة العالم اليوم إليهما).
* * *
غ 26- يؤيده الله تعالى بالمعجزات، إثباتًا لنبوته أمام الناس، وتصديقًا له
لكن ما الغرض من المعجزات التى يقوم بها الأنبياء؟
هل هى لتثبت ألوهية ما لديهم؟ بالطبع لا. فالمؤمنون يؤمنون أن الله تعالى قادر على كل شىء، ولا داعى لمعجزة ما تثبت ألوهيته.
وبالتالى فالمعجزة لإثبات أن هذا الشخص الذى يقوم بها نبى من عند الله حقًا، ومؤيدًا من الله، ليستمع الناس إلى رسالة الله إليهم عن طريقه. لذلك نجد أن يسوع كان يرفع رأسه للسماء، طالبًا من الله تعالى أن يمده بالتأييد ليصدق الناس أنه رسول من عنده:
فعندما حاول إحياء الميت: يوحنا 11: 41-42 (41فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعاً وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي 42وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي».)
وعندما حاول شفاء الأصم الأعقد: مرقس 7: 32-35 (32وَجَاءُوا إِلَيْهِ بِأَصَمَّ أَعْقَدَ ... وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَتَفَلَ وَلَمَسَ لِسَانَهُ 34وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَأَنَّ وَقَالَ لَهُ: «إِفَّثَا». أَيِ انْفَتِحْ. 35وَلِلْوَقْتِ انْفَتَحَتْ أُذْنَاهُ وَانْحَلَّ رِبَاطُ لِسَانِهِ وَتَكَلَّمَ مُسْتَقِيماً.)
وعندما أراد إطعام الجمع: متى 14: 19 (أَخَذَ الأَرْغِفَةَ لْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى الأَرْغِفَةَ لِلتَّلاَمِيذِ وَالتَّلاَمِيذُ لِلْجُمُوعِ.)
لوقا 9: 16 (16فَأَخَذَ الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَهُنَّ ثُمَّ كَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ لِيُقَدِّمُوا لِلْجَمْعِ)
وعندما أراد أن يُخاطب الله ويدعوه: يوحنا 17: 1 (1تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضاً)
وأعلن يسوع أنه يعمل هذه المعجزات بإصبع الله، أى بقدرته، وعبر عنها مرة أخرى أنه بروح الله يخرج الشياطين، أى إن الله ذاته هو الفاعل، وما يسوع إلا عبد يُظهر الله قوته على يديه. وأنه لا يفعل شيئًا من نفسه، وأن الله تعالى هو الذى يعلمه ما يقول، وما يفعل، وأن هذه الأعمال هى التى أعطاها الله له، أى ليست من عند نفسه:
يوحنا 5: 30 (30أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. ...)
لوقا 11: 20 (20وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ بِإِصْبِعِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ ...)
متى 12: 28 (28وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللَّهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ ...)
يوحنا 5: 20 (20لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الاِبْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ ...)
يوحنا 8: 28 (وَلَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئاً مِنْ نَفْسِي ...)
يوحنا 5: 36 (لأَنَّ الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لِأُكَمِّلَهَا هَذِهِ الأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي.)
وفى محاولته شفاء الأعمى تصديقًا لما نذهب إليه: مرقس 8: 22-26 (22وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ صَيْدَا فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ 23فَأَخَذَ بِيَدِ الأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ هَلْ أَبْصَرَ شَيْئاً؟ 24فَتَطَلَّعَ وَقَالَ: «أُبْصِرُ النَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ». 25ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضاً عَلَى عَيْنَيْهِ وَجَعَلَهُ يَتَطَلَّعُ. فَعَادَ صَحِيحاً وَأَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيّاً. 26فَأَرْسَلَهُ إِلَى بَيْتِهِ قَائِلاً: «لاَ تَدْخُلِ الْقَرْيَةَ وَلاَ تَقُلْ لأَحَدٍ فِي الْقَرْيَةِ»)
فهل لو كان يعمل المعجزات بلاهوته لفشل فى المرة الأولى واحتاج إلى تجربة ثانية ليشفى الأعمى؟ هل يوجد إله يقوم بتجارب يفشل منها ما يفشل، وينجح فى النهاية فى إشفاء أعمى؟
وفكر فى قول يسوع الذى يرمى إلى أن الله تعالى على كل شىء قدير: مرقس 10: 27 (27فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ وَلَكِنْ لَيْسَ عِنْدَ اللَّهِ لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللَّهِ».) ستجد أنه يقول لك إن كل ما هو غير مستطاع عن الناس، فهو مستطاع عند الله، وستجد أنه يعلنها لكل الناس أنه بشر، وليس بإله!!
ثم قارن هذا بقول الكتاب الذى تقدسه من أن يسوع لم يستطع أن يقوم بمعجزة واحدة فى وطنه: بل مر عليه وقت فى وطنه لم يستطع أن يعمل معجزة واحدة: مرقس 6: 5 (5وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْنَعَ هُنَاكَ وَلاَ قُوَّةً وَاحِدَةً غَيْرَ أَنَّهُ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَرْضَى قَلِيلِينَ فَشَفَاهُمْ.)
بل إن يسوع أخبرهم أنه لن يعطيهم آية، إلا آية يونان النبى: متى 12: 38-39 (38حِينَئِذٍ قَالَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ: «يَا مُعَلِّمُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً». 39فَقَالَ لَهُمْ: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ.)
وفى موضع آخر أخبرهم أنه لن يقوم بآية بالمرة: مرقس 8: 11-12 (11فَخَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَابْتَدَأُوا يُحَاوِرُونَهُ طَالِبِينَ مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ لِكَيْ يُجَرِّبُوهُ. 12فَتَنَهَّدَ بِرُوحِهِ وَقَالَ: «لِمَاذَا يَطْلُبُ هَذَا الْجِيلُ آيَةً؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَنْ يُعْطَى هَذَا الْجِيلُ آيَةً!»)
ومن ناحية أخرى، ماذا كان رد فعل من شفاهم أو أحياهم بإذن الله؟
وماذا كان رد فعل تلاميذه وأعدائه وجموع الناس؟
لقد أقروا كلهم أنه نبى مرسل من الله:
فعندما سأل الكهنة الرجل الذى شفاه يسوع بإذن الله من العمى، الذى ولد به، عن رأيه فيه، قال إنه نبى: يوحنا 9: 17 (17قَالُوا أَيْضاً لِلأَعْمَى: «مَاذَا تَقُولُ أَنْتَ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟» فَقَالَ: «إِنَّهُ نَبِيٌّ».)
لقد أقر اثنان من تلاميذه بعد موته المزعوم إنه كان: لوقا 24: 17-20 (... 17فَقَالَ لَهُمَا: «مَا هَذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟» 18فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا الَّذِي اسْمُهُ كَِلْيُوبَاسُ: «هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؟» 19فَقَالَ لَهُمَا: «وَمَا هِيَ؟» فَقَالاَ: «الْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ الَّذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ. 20كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ الْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ.)
وأقر بطرس أنه رسول لله تعالى: وقال بطرس فى أعمال الرسل 2: 22 (22«أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هَذِهِ الأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا أَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ.)
وأقر أعداؤه أنه رسول لله تعالى: يوحنا 3: 1-2 (1كَانَ إِنْسَانٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ اسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ. 2هَذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلِّماً لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَهُ».)
وأقرت الجموع أن يسوع رسول لله تعالى: متى 21: 10-11 (10وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً: «مَنْ هَذَا؟» 11فَقَالَتِ الْجُمُوعُ: «هَذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ».)
وهكذا فهم كل الناس الذين عاصروه ورأوا معجزاته. بل أصرت ترجمة الفاندايك الشهيرة عند الأرثوذكس فى مصر على تغيير كلمة عبد الله على يسوع أربع مرات، فى الوقت الذى تصر فيه الترجمة الكاثوليكية ومعظم التراجم الأجنبية على اعتبار يسوع عبد الله"
وكان يسوع عبدًا لله تعالى: فقد قال بطرس: أعمال الرسل 3: 13 (13إِنَّ إِلهَ إِبراهيمَ وإِسحقَ ويَعْقوب، إِلهَ آبائِنا، قد مَجَّدَ عَبدَه يسوع الَّذي أَسلَمتُموه أَنتمُ وأَنكَرتُموه أَمامَ بيلاطُس، وكانَ قد عَزَمَ على تَخلِيَةِ سَبيلِه، ) الترجمة الكاثوليكية اليسوعية
وقال بطرس أيضًا: أعمال الرسل 3: 26 (26فمِن أَجلِكم أَوَّلاً أَقامَ اللهُ عَبدَه وأرسَله لِيُبارِكَكم، فيَتوبَ كُلَّ مِنكُم عن سَيِّئاتِه)).) الترجمة الكاثوليكية اليسوعية
وقالا بطرس ويوحنا: أعمال الرسل 4: 27 (27تحالَفَ حَقًّا في هذهِ المَدينةِ هِيرودُس وبُنْطيوس بيلاطُس والوَثَنِيُّونَ وشُعوبُ إِسرائيلَ على عَبدِكَ القُدُّوسِ يسوعَ الَّذي مَسَحتَه،) الترجمة الكاثوليكية اليسوعية
وقالا أيضًا: أعمال الرسل 4: 30 (30باسِطًا يدَكَ لِيَجرِيَ الشِّفاءُ والآياتُ والأَعاجيبُ بِاسمِ عَبدِكَ القُدُّوسِ يَسوع)).) الترجمة الكاثوليكية اليسوعية
فكيف تؤلهونه أنتم اليوم وتدعون عليه ما لم يفهمه معاصروه أو تلاميذه وما لم يتفوه هو به وما لا يقل به الكتاب الذى تقدسونه؟
وأكثر من ذلك، فقد أقرَّ يسوع أنه لا يملك من أمر نفسه شيئًا، فلا يستطيع أن يعمل من نفسه شيئًا: لا معجزة، ولا تعاليم، ولا فطنة فى مواجهة الأعداء ومناظرتهم، ولا يطلب إلا مراد الله ومشيئته: يوحنا 5: 30 (30أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي.)
وأقر أيضًا أنه لا يملك من أمر غيره شيئًا: متى 20: 23 (... وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَبِي».)
وأن الحساب والدينونة بيد الله: متى 6: 9-15 (9«فَصَلُّوا أَنْتُمْ هَكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. 10لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ. 11خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. 12وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. 13وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. 14فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. 15وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضاً زَلَّاتِكُمْ.)
يوحنا 8: 50 (50أَنَا لَسْتُ أَطْلُبُ مَجْدِي. يُوجَدُ مَنْ يَطْلُبُ وَيَدِينُ.)
ألا تعلم أن يسوع سيخضع فى الآخرة مثل كل المخلوقات لله رب العالمين؟ كورنثوس الأولى 15: 28 (28وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ فَحِينَئِذٍ الِابْنُ نَفْسُهُ أَيْضاً سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.) ألا ينفى عنه هذا الألوهية التى نسبتموها إليه؟
ألم يقل يسوع إن دخول الجنة يتوقف على شهادة أن لا إله إلا الله، وأنه عبد الله ورسلوه؟ يؤيدنا فى هذا الفهم قوله مرة أخرى: يوحنا 17: 4 (3وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ.)
ألم يقل يسوع إن الخلود فى الجنة يتوقف على فصلك بين الله ورسوله، والإيمان بالله كإله خالق الكون ومليكه، وتطيع رسوله الذى أرسله؟ ومن يمُت على ذلك فهو من أهل الجنة: يوحنا 5: 24 (24«اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ.)
وبهذا أثبتنا أن يسوع عمل معجزات تؤيد نبوته، على الرغم من تضارب بعض النصوص مع بعضها، ونفينا ألوهيته المزعومة بأقواله وأعماله وأقوال المعاصرين له، سواء كانوا تلاميذه أو أتباعه أو أعدائه أو جموع الناس الذين اختلطوا به وعرفوه.
لكن ما هى معجزات يسوع التشريعية؟ لا يوجد تشريع من الأساس.
ما هى معجزات يسوع العلمية فى مجال النباتات أو الحيوان أو الحشرات أو فى أى مجال آخر؟ لا يوجد.
بل إن كل من يؤمن بيسوع حق الإيمان يمكنه أن يحيى الموتى، ويشفى المرضى بإذن الله. يوحنا 14: 12 (12اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضاً وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا ....).
فهل استطاع البابا الحالى أن يحيى من سبقه؟ وهل استطاع من سبقه أن يحيى من سبقهم؟ فأنت أيها السيد رشيد بين نارين: إما أن هؤلاء الباباوات الذين هم على رأس كنائسكم، وعلى قمة إيمانكم، وذروة علمكم، لم يؤمنوا بيسوع والأعمال التى قام بها، فلم يتمكنوا من إحياء ميتًا، كما فعل يسوع، وإما هذه الجملة مدسوسة على كتابكم!
وهل المعجزات الحسية تثبت نبوة الشخص الذى يقوم بها؟
تبعًا لما قاله يسوع "لا": متى 24: 24، (24لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضاً)ومرقس13: 22
وعلى ذلك إن معجزات يسوع وحدها لا تكفى لإثبات نبوته تبعًا لقوله نفسه!
لكن ما رأيك فيمن يؤيد الله تعالى لليوم صدق نبوته، وصدق الكتاب الذى جاء به؟
لقد أيَّد الله تعالى النبى محمد صلى الله عليه وسلم بالمعجزات الكثيرة، التى تفوق فى عددها الألف فى حياته. سواء كان منها شفاء المرضى، أو تحدث الحيوانات أو الشجر إليه، واعترافهم بنبوته، سواء فى إخباره بالغيب وتحققه فى حياته أو بعد مماته، سواء تكلم كتف الشاة المذبوحة والمطهية واعترافها أنها سُمَّمَت. فمنها على سبيل المثال:
1- القرآن الكريم
2- انشقاق القمر ليلة البدر حتى افترق فرقتين على كل جبل جزء
3- أن الله زوى ـ أي جمع ـ له الأرض كلها فضم بعضها لبعض حتى رآها وشاهد مغاربها ومشارقها، وقال تعالى له: إن ملك أمته سيبلغ ما زوى له منها .
4- حنين الجذع إليه لما فارقه إلى المنبر وصار يخطب على المنبر بعد ما كان يخطب عليه ولم يسكن حتى أتى إليه فضمه وأعتنقه فسكت .
5- نبع الماء من بين أصابعه. رواه البخاري
6- تسبيح الحصى بكفه. رواه أبن عسكر من حديث أبي داود وغيره .
7- تسبيح الطعام حين وضع بين يديه فنطق كما في البخاري عن ابن مسعود .
8- تسليم الجحر والشجر عليه بالنطق. رواه أبو نعيم في دلائل النبوه .
9- تكليم ذراع الشاة المشوية المسممة له صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه مسموم. رواه البخاري .
10- أن البعير شكا إليه الجهد أن صاحبه يجيعه ويتعبه. رواه أبو داود .
11- شهاد الذئب له بالنبوة. رواه الطبراني وابو نعيم .
12- أنه جاء مرة إلى قضاء الحاجه ولم يجد شيئا يستتر به سوى جذع نخله صغيره وأخرى بعيده عنها. ثم أمر كلا منها فأتتا إليه فسترتاه حتى قضا حاجته ثم أمر كلا منهما بالمضي إلى مكانها. راواه الأمام أحمد والطبراني .
13- أنه قربت منه ست من الأبل لينحرها فصارت كل واحده تقترب منه ليبدأ بها .رواه أبو داود والنسائي .
14- أن عين قتاده بن النعمان الأنصاري سقطت يوم أحد فردها فكانت المردودة أحـد (أقوى) من العين الصحيحه .رواه الحاكم وغيره من عدة طرق .
15- أن عين أبي طالب رضى الله عنه برأت من الرمد حين تفل فيها .متفق عليه .
16- أن عبد الله بن عتيك الأنصاري أصيبت رجله حين نزل من درج إلى رافع أبن أبي الحقيق لما قتله فمسحها بيده الشريفه فبرأت. رواه البخاري.
17- أن أبي بن خلف كان يلقي المصطفى فيقول إن عندي قعودًا أعلفه كل يوم أقتلك عليه. فيقول صلى الله عليه وسلم بل أنا أقتلك إن شاء الله، فطعنه يوم أحد في عنقه فخدشه غير كثير، فقال: قتلني محمد فقالوا: ليس بك بأس. قال: إنه قال: أنا أقتلك فلو بصق علي لقتلني فمات.
18- أنه أخبر أمية بن خلف أنه يقتله. فقتل كافرًا يوم بدر .رواه البخاري .
19- أنه عد لأصحابه في بدر مصارع الكفار (الأماكن التى سيصرعون فيها) فقال: هذا مصرع فلان غدًا ويضع يده على الأرض، وهذا، وهذا، فكان كما وعد. وما تجاوز أحد منهم موضع يده. رواه ابو داود.
20- أنه أخبر عن طوائف من أمته أنهم سيركبون وسط البحر أي يغزون في البحر كالملوك على الأسرة ومنهم أم حرام بنت ملحان فكان كما أخبر. رواه البخاري .
21- أنه قال في الحسن بن علي إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يُصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فكان كما قال. فإنه لما توفى أبوه بايعه أربعون ألفًا على الموت فتنازل عن الخلافه لمعاوية حقنا لدماء المسلمين .رواه البخاري.
22- أنه أخبر في شأن عثمان بن عفان t أنه ستصيبه بلوى شديده يريد قتله فكان كما قال. رواه البخاري .
23- أنه أخبر بمقتل الأسود العنسي في صنعاء اليمن في الليلة التي قتل فيها في المدينة، فجاء الخبر بما أخبر به .ذكره ابن اسحاق وغيره .
24- أنه أخبر بقتل كسرى كذلك في ليلة مقتله الخبر كما ذكر.
25- أخبر عن الشيماء بنت الحارث السعدية أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع أنها قد رفعت في خمار أسود على بغله شهباء فكان كذلك .رواه أبو نعيم .
26- أنه دعا أن يُعز الإسلام باحدى العمرين، فأصابت عمر بن الخطاب t ورفض أبو جهل ابن الهشام. فعز بإسلامه كل من أضحى مسلما .
27- أنه دعا لعلي بن أبي طالب رضى الله عنه بذهاب الحر والبرد عنه فكان علي لايجد حرا ولا بردا، رواه البيهقي.
28- أنه دعا لابن عباس بفقه الدين وعلم التأويل فصار بحرًا زخارًا واسع العلم
29- أنه دعا لثابت بن قيس بن شماس بأن يعيش سعيدا ويقتل شهيدًا فكان كذلك.
30- أنه دعا لأنس بن مالك بكثرة المال والولد وبطول العمر فعاش نحو المائة سنه وكان ولده من صلبه مائة وعشرين ولدًا ذكرًا،وكان له نخل يحمل في كل سنة حملين.
31- أنه قال في رجل مسلم، غزا معه وأكثر قتال الكفار مع المسلمين، إنه من أهـل النار، فأصابته جراحه فقتل نفسه بيده عمدًا.(وقاتل نفسه في النار) متفق عليه
32- كان بينه وبين عتيبه بن أبي لهب أذى، فدعا عليه بأن يسلط الله عليه كلبًا من كلابه فقتله الأسد . رواه أبو نعيم وغيره .
33- أنه لما شكا إليه شاك قحوط المطر ـ أي حبسه وانقطاعه وهو فوق المنبر في خطبة الجمعة فرفع يديه إلى الله تعالى ودعا. وما في السماء قطعة من السحاب فطلعت سحابة حتى توسطت السماء فاتسعت فأمطرت فقال: اللهم حوالينا ولا علينا فاقلعت وانقطعت .متفق عليه
34- أنه أمر عمر الفاروق صلى الله عليه وسلم أن يزود أربع مائة راكب أتو إليه من تمر كان عنده فزودهم منه، والتمر كان مقدراه كالفصيل الرابض، فزودهم جميعا وكأنه ما مسه أحد. رواه أحمد وغيره .
35- أنه أطعم أهل الخندق أيضا من تمر يسير أتت به إليه جاريه.رواه ابو نعيم
36- أنه أطعم الألف الذين كانوا معه في غزوة الخندق من صاع شعير ودون صاع وبهيمة ـ وهي ولد الضأن فأكلوا وشربوا وانصرفوا وبقي بعد انصرافهم عن الطعام أكثر مما كان من الطام. متفق عليه .
37- أنه أطعم جماعة من أقراص شعير قليلة بحيث جعلها أنس تحت ابطه لقلتها فأكل منها ثمانون رجلا وشبعوا كلهم وهو كما أتى لهم كأنه لم يمسه أحد كما جاء في الصحيحين عن أنس .
38- أنه أطعم الجيش حتى وصلوا إلى حد الشبع من مزود ـ وعاء التمر ـ ورد مابقى فيه لصاحبه أبي هريرة. ودعا له بالبركه فأكل منه في حياته إلى حين قتل عثمان ـ رضي الله عنه .
39- أنه حين تزوج بزينب بنت جحش أطعم خلقا كثيرًا من طعام قدم إليه في قصعة ثم رفع الطعام من بينهم وقد شبعوا وهو كما وضع أو أكثر. كما رواه أبو نعيم .
40- أنه في غزوة حنين رمى الكفار بقبضهةمن تراب وقال: شاهت الوجوه فامتلأت أعينهم ترابًا كلهم، وهزموا عن أخرهم .رواه مسلم وغيره .
41- أنه لما أجتمعت صناديد قريش في دار الندوة وأجمعوا على قتله وجاءوا إلى بابه ينتظرون خروجه فيضربونه بالسيوف ضربه رجل واحد خرج عليهم ووضع التراب على رأس كل واحد منهم .
42- معجزة الأسراء والمعراج من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .
43- فيضان ماء بئر الحديبية
44- قدح لبن روى الكثير من الناس ببركته صلى الله عليه وسلم
45- امتلاء عكة سمن لأم سليم بعد فراغها
46- توفية دين جابر الذي استغرق كل ماله
47- سلام الحجر عليه صلى الله عليه وسلم
48- توقير الوحش له صلى الله عليه وسلم واحترامه إياه
49- احترام الأسد لمولى الرسول صلى الله عليه وسلم وقيادته إياه إلى زملائه للحاق بهم
50- نطق الغزالة ووفاؤها له صلى الله عليه وسلم
51- خروج الجن من الصبي بدعائه صلى الله عليه وسلم
52- شفاء الضرير بدعائه صلى الله عليه وسلم
53- شفاء صبي من امرأة من خثعم بفضل سؤره صلى الله عليه وسلم
54- تحول جذل الحطب سيفًا لعكاشة بن محصن يوم بدر
55- صدق إخباره بالغيب
والكثير غيرها. وقد ذكرت لك ما ذكرت بالاختصار. وعليك التحقق من صدقها فى المراجع والكتب الإسلامية (دلائل النبوة، للبيهقى).
وأسأل الله تعالى الهداية لك ولى!
وقد زالت المعجزات الحسية كلها، بما فيها التنبوء بالغيب القريب، وهو ما حدث فى عصره، منها شفاء الميئوس من شفائه، منها استجابة الله لدعائه، منها تكلم الحيوان معه، ولم تتبق لنا إلا معجزة واحدة هى حجة على العالمين، وهى القرآن الكريم:
فقد جرت سُنة الله في تأييده رُسله بالمعجزات أن يُؤيد كل رسول من رُسله بالمعجزة التي تناسب من أرسل إليهم، وتكون في بيئته أبلغ دَلالة على صِدقه وأشد إقحامًا لمن كذَّبوا به. فمحمد صلى الله عليه وسلم أيده الله بمعجزة القرآن؛ لأنه بعث في بيئة عربية في زمن كان العرب فيه يزعُمون أنهم استووا على عرش البلاغة والفصاحة، وملَكوا فنون القول، وأُتوا الحِكمة وفَصْل الخطاب، وقد قال النعمان بن المنذر بين يدي كسرى في وصفهم:"وأما حكمة ألسنتهم، فإن الله أعطاهم في أشعارهم ورونق كلامهم. مع معرفتهم بالأشياء، وضرْبهم للأمثال، وإبلاغهم في الصفات ما ليس لغيرهم".
فالله تعالى لحكمته البالغة، أيد محمدًا بالقرآن؛ ليُقحمهم في أعز ميادينهم، ويقنعهم بما لا سبيل لهم إلى الجدال فيه، ويُقيم لهم برهانًا هم أقدر الناس على إدراكه والإذعان له.
والإعجاز هو إثبات العجز وإظهاره، وإعجاز القرآن للناس؛ أي: إثبات عجزهم عن أن يأتوا بمثله، ولا يتحقق الإعجاز إلا إذا توافرت أمور ثلاثة:
الأول: أن تتحدى من تريد إثبات عجزه؛ أي: أن تتطلب منه أن يأتي بمثل ما جئت به، وتصارحه بأنه لا يستطيع ولن يستطيع.
والثاني: أن تتوافر عند من تتحداه جميع الدواعي التي تحمله على أن يستجيب لدعوتك، ويَبطل تحدِّيك، ويأتي بمثل ما جئت به.
والثالث: أن تنفي عنه الموانع الحسية والمعنوية التي تمنعه أن يستجيب لك. بمعنى أن القرآن نزل بلسانهم العربي، وألفاظه مكونة من حروفهم الهجائية التي يكونون منها ألفاظهم، وأساليبه على منهاج أساليبهم، وفيهم ملوك البلاغة والفصاحة، وفرسان السباق في الشعر والخطابة وسائر فنون القول، وفيهم أهل الحكمة والأمثال والتجارب، وبينهم الكُهان والرُّهبان وأهل الكتاب، وقد دعاهم القرآن في تحديه أن تستعينوا بمن شاؤوا؛ ليُكملوا ما نقصهم، ويُتموا عدتهم.
وأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا القرآن أوحى إليه من عند الله: روى البخاريُّ بسنده عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: (ما من نبيٍّ إلا أُوتِي ما مثله آمَن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتِيتُه وحيًا أُوحِي إليَّ، فأوَدُّ أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة).
وأقره الله تعالى على ذلك، فقال: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) النساء: 105
وأقره فقال سبحانه وتعالى: (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) إبراهيم: 1
وقال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ) الزمر: 41
وقال جل وعلا: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) يوسف: 3
وقال سبحانه: (</div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size: 18.0pt'>وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) الشورى: 7
وأكَّد عز وجل ذلك بقوله: (</div><div align="right"></="direction: rtl; unicode-bidi: embed; margin-right: 18.0pt"><span lang=AR-SA style='font-size:18.0pt;font-family:"Traditional Arabic"'>مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) طه: 2
وقال: إن هذا الوحي من الله إلىّ تصديق إلهي لي في دعواي أني رسول الله، وإن كنتم في ريب من أنه من عند الله، وزعمتُم أنه من قول البشر، فها أنتم من أقدر البشر على القول والبيان، فأتُوا بمثله أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله، وتحدَّاهم بعبارات واخزة، وأساليب تثير الحَميَّة، وتستفز القريحة، وأقسم أنهم لا يستطيعون ولن يأتوا بمثله، ولن يفعلوا، ولن يستجيبوا؛ قال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ الإسراء: 88
وتحداهم أن يأتوا بعشر سور مثل القرآن؛ فقال عز شأنه: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ﴾ هود: 13، 14،
نعم إنهم لم يستجيبوا لليوم، ولن يتمكنوا، فلماذا لا يقرون بأنه من عند الله تعالى؟ إنه الكبر وبطر الحق!!
وتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله؛ فقال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ البقرة: 23، 24
فالله سبحانه على لسان رسوله تحدَّى الناس بالقرآن بصور شتى من صور التحدي، وطالبهم أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله، وأكد لهم بالقسم أنهم لن يستطيعوا ولن يفعلوا ولو اجتمعوا إنسًا وجنًّا، وتعاونوا بكل الوسائل، والعرب الذين تحداهم رسول الله بالقرآن توافرت لهم كل الدواعي التي تستفز عزيمتهم للمعارضة، وتَستنهض هِمَمهم للإتيان بمثله لو كان مقدورًا لهم؛ لأن محمدًا عاب آلهتهم، وسفَّه عقولهم، وجاءهم بغير ما وجدوا عليه آباءهم، فما أشد حرصهم على أن يبطلوا دعواه أنه رسول الله! وما أشد حرصهم على أن يدحضوا الحُجة التي احتج بها، ويأتوا بقرآن مثل قرآنه، ويثبتوا أن هذا القرآن من قول البشر!!
فلا ريب في أن رسول الله تحدى بالقرآن بأبلغ عبارات التحدي وأشدها وخزًا للضمائر وحفزًا للهِمم، ولا ريب في أن من تحداهم توافر لديهم كل ما يقتضيهم أن ينازلوا هذا المتحدي لهم، وأن يأتوا بمثل ما جاء به، ولا ريب في أنهم انتفى عنهم ما يَمنعهم من هذه المعارضة من جميع النواحي اللفظية والمعنوية والزمنية؛ لأن القرآن بلغهم وفيهم أهل العلم والكتاب، وقد أنزل مُفرَّقًا في سنين عديدة.
ولا ريب في أنهم مع هذا كله لم يحاولوا أن يعارضوه ولم يأتوا بمثله، ولو جاؤوا بمثله، لنصروا كهنتهم، وأبطلوا حُجة من سفَّه عقولهم، وكَفَوا أنفسهم ويلات الحرب والقتال في عدة سنين. فالْتِجاؤهم إلى المحاربة بدل المعارضة، وإلى التآمر على قتْل الرسول صلى الله عليه وسلم بدل التآمر على الإتيان بمثل قرآنه - اعترافٌ منهم بالعجز عن معارضته، وتسليم منهم بأن هذا فوق قدرة البشر، وبرهان على أنه من عند الله. (الشيخ عبد الوهاب خلاف)
قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) يونس: 37
تعليق