رد: مناظرة مع السيد رشيد حول نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
22- من أخطاء الرب العلمية فى الكتب القانونية الثانية:
يقول الدكتور القس منيس عبد النور عن الأبوكريفا:
قال المعترض: هناك كتب مشكوك في صحتها، يسمّونها أحياناً «كتب الأبوكريفا». وهذه حذفها البروتستانت».
وللرد نقول: كتب الأبوكريفا هي الكتب المشكوك في صحة نسبتها إلى من تُعزى إليهم من الأنبياء، وهي كتب طوبيا، ويهوديت، وعزراس الأول والثاني، وتتمَّة أستير، ورسالة إرميا، ويشوع بن سيراخ، وباروخ، وحكمة سليمان، وصلاة عزريا، وتسبحة الثلاثة فتية، وقصة سوسنة والشيخين، وبل والتنين، وصلاة منسى، وكتابا المكابيين الأول والثاني. ومع أن هذه الأسفار كانت ضمن الترجمة السبعينية للعهد القديم، إلا أن علماء بني إسرائيل لم يضعوها ضمن الكتب القانونية. وبما أن بني إسرائيل هم حفظة الكتب الإلهية، وعنهم أخذ الجميع، فكلامهم في مثل هذه القضية هو المعوّل عليه. وقد رفضوا هذه الكتب في مجمع جامينا (90م) لأنها غير موحى بها، للأسباب الآتية:
(1) إن لغتها ليست العبرية التي هي لغة أنبياء بني إسرائيل ولغة الكتب المنزلة، وقد تأكدوا أن بعض بني إسرائيل كتب هذه الكتب باللغة اليونانية.
(2) لم تظهر هذه الكتب إلا بعد زمن انقطاع الأنبياء، فأجمع أئمة بني إسرائيل على أن آخر أنبيائهم هو ملاخي. وورد في كتاب الحكمة أنه من كتابة سليمان. ولكن هذا غير صحيح، لأن الكاتب يستشهد ببعض أقوال النبي إشعياء وإرميا، وهما بعد سليمان بمدة طويلة، فلا بد أن هذه الكتابة تمَّت بعد القرن السادس ق م. ويصف »كتاب الحكمة« بني إسرائيل بأنهم أذلاء مع أنهم كانوا في عصر سليمان في غاية العز والمجد.
(3) لم يذكر أي كتاب منها أنها وحي، بل قال كاتب المكابيين الثاني (15: 36-40) في نهاية سفره: «فإن كنت قد أحسنتُ التأليف وأصبتُ الغرض، فذلك ما كنتُ أتمنّى. وإن كان قد لحقني الوهَن والتقصير فإني قد بذلت وُسعي. ثم كما أن شرب الخمر وحدها أو شرب الماء وحده مضرٌّ، وإنما تطيب الخمر ممزوجة بالماء وتُعقب لذة وطرباً، كذلك تنميق الكلام على هذا الأسلوب يطرب مسامع مطالعي التأليف». ولو كان سفر المكابيين الثاني وحياً ما قال إن التقصير ربما لحقه!
(4) في أسفار الأبوكريفا أخطاء عقائدية، فيبدأ سفر طوبيا قصته بأن طوبيا صاحَب في رحلته ملاكاً اسمه روفائيل، ومعهما كلب، وذكر خرافات مثل قوله إنك إن أحرقت كبد الحوت ينهزم الشيطان (طوبيا 6: 19). ونادى بتعاليم غريبة منها أن الصَّدقة تنجي من الموت وتمحو الخطايا (طوبيا 4: 11، 12: 9)، وأباح الطلعة (الخروج لزيارة القبور) وهي عادة وثنية الأصل، وهي أمور تخالف ما جاء في أسفار الكتاب المقدس القانونية.. وجاء في 2مكابيين 12: 43-46 أن يهوذا المكابي جمع تقدمة مقدارها ألفا درهم من الفضة أرسلها إلى أورشليم ليقدَّم بها ذبيحة عن الخطية »وكان ذلك من أحسن الصنيع وأتقاه، لاعتقاده قيامة الموتى.. وهو رأي مقدس تقَوي، ولهذا قدَّم الكفارة عن الموتى ليُحَلّوا من الخطية«. مع أن الأسفار القانونية تعلِّم بعكس هذا.
(5) في أسفار الأبوكريفا أخطاء تاريخية، منها أن نبو بلاسر دمَّر نينوى (طوبيا 14: 6) مع أن الذي دمرها هو نبوخذنصر، وقال إن سبط نفتالي سُبي وقت تغلث فلاسر في القرن الثامن ق م، بينما يقول التاريخ إن السبي حدث في القرن التاسع ق م، وقت شلمنأصر. وقال طوبيا إن سنحاريب ملك مكان أبيه شلمنأصر (طوبيا 1:18) مع أن والد سنحاريب هو سرجون. وجاء في يشوع بن سيراخ 49: 18 أن عظام يوسف بن يعقوب «افتُقدت، وبعد موته تنبأت».
(6) لم يعتبر بنو إسرائيل هذه الكتب مُنزلة، ولم يستشهد بها المسيح المذخَّر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم (كولوسي 2: 3). ولا اقتبس منها تلاميذ المسيح، ولم يذكرها فيلو ولا يوسيفوس. مع أن المؤرخ يوسيفوس ذكر في تاريخه أسماء كتب بني إسرائيل المنزلة، وأوضح تعلّق بني إسرائيل بها، وأنه يهُون على كل يهودي أن يفديها بروحه.
(7) سار الآباء المسيحيون الأولون (ما عدا قليلون منهم) على نهج علماء بني إسرائيل في نظرتهم إلى هذه الأسفار. ومع أنهم اقتبسوا بعض الأقوال الواردة فيها إلا أنهم لم يضعوها في نفس منزلة الكتب القانونية. وعندما قررت مجامع الكنيسة الأولى الكتب التي تدخل ضمن الكتب القانونية اعتبرت هذه الكتب إضافية أو غير قانونية، فلم يذكرها مليتو أسقف ساردس (في القرن الثاني المسيحي) من الكتب المقدسة، ولم يذكرها أوريجانوس الذي نبغ في القرن الثاني، ولا أثناسيوس ولا هيلاريوس ولا كيرلس أسقف أورشليم، ولا أبيفانيوس، ولا إيرونيموس (جيروم)، ولا روفينوس، ولا غيرهم من أئمة الدين الأعلام الذين نبغوا في القرن الرابع. وقد أصدر المجمع الديني الذي اجتمع في لاودكية في القرن الرابع جدولاً بأسماء الكتب المقدسة الواجب التمسك بها، دون أن يذكر هذه الكتب. ويرجع الكاثوليك إلى قرارات هذا المجمع. ولكن لما كانت هذه الكتب موجودة ضمن أسفار العهد القديم في الترجمات السبعينية واللاتينية، فقد أقرّ مجمع ترنت في القرن السادس عشر اعتبارها قانونية، فوُضعت ضمن التوراة الكاثوليكية، على أنها كتب قانونية ثانوية.. علماً بأن إيرونيموس (جيروم) مترجم «الفولجاتا» (من اليونانية إلى اللاتينية) وضع تلك الأسفار بعد نبوَّة ملاخي، فأُطلق عليها في ما بعد «أسفار ما بين العهدين».
(8) هذه الكتب منافية لروح الوحي الإلهي، فقد ذُكر في حكمة ابن سيراخ تناسخ الأرواح، والتبرير بالأعمال، وجواز الانتحار والتشجيع عليه، وجواز الكذب ( يهوديت 9: 10، 13). ونجد الصلاة لأجل الموتى في 2مكابيين 12: 45، 46 وهذا يناقض ما جاء في لوقا 16: 25، 26 وعبرانيين 9: 27.
(9) قال الأب متى المسكين، في كتابه »الحُكم الألفي« (ط 1997، ص3): «كتب الأبوكريفا العبرية المزيَّفة، التي جمعها وألَّفها أشخاص كانوا حقاً ضالعين في المعرفة، ولكن لم يكونوا «مسوقين من الروح القدس»، (2بطرس 1: 21) مثل كتب: رؤيا عزرا الثاني وأخنوخ، ورؤيا باروخ وموسى وغيرها». ثم قال في هامش الصفحة نفسها: «تُسمَّى هذه الكتب بالأبوكريفا المزيَّفة، وهي من وضع القرن الثاني قبل المسيح، وفيها تعاليم صحيحة وتعاليم خاطئة وبعض الضلالات الخطيرة مختلطة بعضها ببعض. ولكنها ذات منفعة تاريخية كوثائق للدراسة».
وبما أن بني إسرائيل الذين أؤتُمنوا على الكتب الإلهية، هم الحكَم الفصل في موضوع قانونية الأسفار المقدسة، وقد أجمع أئمتهم في العصور القديمة والمتأخرة على أنه لم يظهر بينهم نبي كتب هذه الكتب، فإنه من المؤكد أن أحد اليهود المقيمين في الشتات وضعها. ولو كانت معروفة عند بني إسرائيل لوُجد لها أثر في كتاب التلمود. أما الكتب المقدسة القانونية فهي مؤيَّدة بالروح القدس وبالآيات الباهرة. فالأنبياء الكرام وتلاميذ المسيح أيّدوا رسالتهم وتعاليمهم بالمعجزات الباهرة التي أسكتت من تصدّى لهم، فتأكد الجميع حتى المعارضون أن أقوالهم هي وحي إلهي، فقبلوا كتبهم بالاحترام الديني والتبجيل، وتمسكوا بها واتخذوها دستوراً، ولم يحصل أدنى خلاف بين أعضاء مجمع نيقية على صحة الكتب المقدسة لأنها في غنى عن ذلك.) انتهى الاقتباس.
وبناءً عليه نسأل الدكتور القس منيس عبد النور والسيد رشيد:
هل من العقل رفض الكتب القانونية الثانية لأنها تعلم عقائد ضالة لا صلة لها بالكتب المعترف بها عند اليهود، فى الوقت الذى تؤمنون فيه بعقائد فيما تسمونه العهد الجديد تُخالف ما جاء به موسى والأنبياء، وذكرته كتب العهد القديم، منها توارث الخطيئة الأولى التى تنفيها كتب العهد القديم وتؤمنون بها ضمن تعاليم بولس، التى تظنون أنها موحى بها، وهى تُخالف تعاليم موسى والأنبياء. فهل من الذكاء أو العقل أن يكون عندكم معياران لنفس القضية؟
أضف إلى ذلك أيضًا تحبيذ عدم الزواج، إخصاء الرجال أنفسهم، كسر السبت، واستبداله بالأحد، إلغاء العهد الأبدى بين الله وعبه، وهو الختان،
بل سب الرب واتهمه بالجهل والضعف: (25لأَنَّ جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ! وَضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ!) كورنثوس الأولى 1: 25
واتهمه بالقسوة والحمق: (31فَمَاذَا نَقُولُ لِهَذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا فَمَنْ عَلَيْنَا! 32اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟) رومية 8: 31-32
وأن بولس سيدين الملائكة فى الآخرة: (3أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلاَئِكَةً؟ فَبِالأَوْلَى أُمُورَ هَذِهِ الْحَيَاةِ!) كورنثوس الأولى 6: 3
بل لعن يسوع نفسه: (13اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ».) غلاطية 3: 13
ومن الممكن اختصار كل ما سبق فى جملة واحدة، وهى أنه قام بإلغاء الناموس نفسه! فعلى أى أساس تعتبرون رسائله والكتابات المتأثرة بها وحى من عند الرب؟
(19فَلِمَاذَا النَّامُوسُ؟ .. .. .. لأَنَّهُ لَوْ أُعْطِيَ نَامُوسٌ قَادِرٌ أَنْ يُحْيِيَ، لَكَانَ بِالْحَقِيقَةِ الْبِرُّ بِالنَّامُوسِ.) غلاطية 3: 19-21
(20وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ.) رومية 5: 20
وعلَّمَ أتباعه الإرتداد عن تعاليم الناموس والأنبياء: (18فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَجْلِ ضُعْفِهَا وَعَدَمِ نَفْعِهَا، 19إِذِ النَّامُوسُ لَمْ يُكَمِّلْ شَيْئاً.) عبرانيين 7: 18-19
(56أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ) كورنثوس الأولى 15: 56
ناهيك عن الأخطاء التاريخية والعلمية التى تسببت فى نبذ البروتستانت للكتب القانونية الثانية، فالكتاب الذى تؤمن به جميع طوائف المسيحية، العهد القديم، ملىء بمثل هذه الأخطاء العلمية والتاريخية والجغرافية والحسابية، وقد ذكرت لك بعضًا منها، وعلى القارىء أن يلجأ لموسوعة أخطاء الكتاب المقدس المسماة (البهريز فى الكلام اللى يغيظ) وهى أربعة مجلدات. الأمر الذى يتتبع رفضهم لما يسمونه الكتاب المقدس، لأن الله تعالى أقدس من أن يفعل خطأ واحدًا.
وبالتالى إن اتباع مثل هذه الكتب ونسبتها للرب القدوس ينافى العقل، ويجافى الحكمة، ويبعد عن المنطق والذكاء، وبالتالى لو صحت نسبة هذا الكتاب للرب، والمكتوب إلى الأنبياء، لسقطت نبوة كل أنبياء هذا الكتاب، وسقطت ألوهية الرب معه.
وإلى هنا نكون قد أجبنا على السيد رشيد فى النقطة الأولى من قوله فى المناظرة بينه وبين الشيخ عمار حول دلائل النبوة، والمتعلقة بثبوت العقل عند النبى.
* * *
غ 2- المصلحة الشخصية:
ما هى المصلحة الشخصية التى عادت إلى النبى صلى الله عليه وسلم من توليه النبوة؟
لقد أوجزها السيد رشيد فى ثلاثة نقاط، هى: الجنس والمال والسلطة.
وبتدقيق النظر فى هذه التهم الثلاثة يتبين للقارىء أن رشيد يظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعيش ملكًا مثل الأباطرة الرومان، أو الملوك سواء السابقين أو الحاليين. كما يظن غيره أن ما كان يحصل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الخمس من الغنائم أو الفىء كان يخصه هو وأهله، ولا يعلم أنها كانت تنفق فى سبيل الله، والدليل على ذلك، ضمن ما لدينا من مواقف وأحاديث، أنه كانت تمر عليه الأيام دون طعام عنده، وكانت تمر الأشهر دون أن يأكل لحم أو طبيخ. مع الأخذ فى الاعتبار أنه لا يورث نبى. أى ما تركه من قطعة أرض (الفدك) آلت إلى الدولة:
فقد ذهبت السيدة فاطمة إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنهما فطلبن منه أن يقسم لها ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها أبو بكر: (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) (رواه البخارى)
فلماذا يحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدنيا، وقد كان فيها جائعًا معظم وقته، قائمًا جزءًا من الليل يصلى لله تعالى، حتى قالت السيدة عائشة: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا صلى قام حتى تفطرت قدماه .. قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!، فقال -صلى الله عليه وسلم-: يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا) (رواه مسلم)
والغريب أن هذه النقاط الثلاثة عرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم فى بداية دعوته ورفضها، ولوكان يبحث عنها أى شخص لقبلها ووفر على نفسه محاولات اغتياله واللإقتتال مع العدو، وتهجيره من بلده:
جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي مسجدنا، فانهه عن أذانا، فقال: يا عقيل: ائتني بمحمد، فأتيته به، فقال: يا ابن أخي، إن بني عمك يزعمون أنك تؤذيهم، فانته عن ذلك، قال: فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء فقال: أترون هذه الشمس؟ قالوا: نعم، قال: ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك من أن تشعلوا منها شعلة، قال: فقال أبو طالب: ما كذبنا ابن أخي، فارجعوا
الراوي: عقيل بن أبي طالب المحدث:ابن حجر العسقلاني - المصدر: المطالب العالية - الصفحة أو الرقم: 4/372 (خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن)
وفى رواية جاءت فى السيرة النبوية لابن هشام: قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "وحدثنى يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حُدِّث: أن قريشًا حين قالوا لأبي طالب [يا أبا طالب إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا مِنْ شتم ابائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفّه عنّا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قالوا له]، بعث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي: كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبق عليّ وعلى نفسك، ولا تحملنى من الأمر مالا أطيق. فظن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قد بدا لعمه فيه أنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته.
قال: ثم استعبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبكى ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يابن أخي، قال: فأقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: اذهب يا بن أخي،فقل ما أحببت،فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا.(الروض الأنف3: 45-46)
وهذا القرآن العظيم تأثر به المشركون، فهذا عتبة بن ربيعة أرسله كفار مكة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا له اذهب إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم انهه عما هوعليه فذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد آذيتنا في أزواجنا وآذيتنا في أولادنا وآذيتنا في أنفسنا فماذا تريد؟ إن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا وإن كنت تريد مالاً جمعنا لك من المال حتى تكون أغنانا وإن كنت تريد جاهاً وجهناك علينا حتى لا نقطع أمراً حتى نأخذ برأيك وإن كنت تريد زوجة زوجناك أجملها فماذا تريد؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنهى عتبة كلامه فلما انتهى التفت إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال أنتهيت يا عم؟ إكراماً له لكبر سنه، قال: نعم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فاسمع منّي فقال: قل، فقرأ عليه أول سورة فُصّلت ولم يتكلم بكلمة من كلام البشر ولكن تكلم بكلام رب البشر سبحانه وتعالى فصار عتبة يسمع وينبهر مما يسمع حتى وضع يديه خلف ظهره وهو يستمع كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه تبارك وتعالى فلما انتهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم التفت إلى عتبة وقال: هذا ما عندي، فرجع إلى كفار مكة وكانوا ينتظرونه على أحر من الجمر فلما دخل عليهم نظروا إليه وإذا هو قد تغيّر فقال بعضهم لبعض: تالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به.
أى لقد أتاه بملك الملوك والقياصرة ودولة لم تبن بعد، وأقصى ما يحلم به إنسان من الجاه والمال والنساء، فرفضه الطاهر الصادق صلى الله عليه وسلم. ألا يوضع هذا عند العقلاء فى ميزان دلائل نبوته؟
زهده صلى الله عليه وسلم:
وبعد أن رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مباهج الحياة، وأبى أن يكون مثل قيصر، قبل فقط أن يكون عبدًا فقيرًا لله تعالى، ولم يطمع إلا فى رضاه وجنته.
فاقرأ ياسيد رشيد، وتعلم شيئًا عن حياة النبى صلى الله عليه وسلم، عسى الله أن يهديك للحق:
إن التوسع في المآكل والمشارب من عادات الحكام والملوك والأمراء، فأحسن الأكل وأطيبه تجده بين أيديهم، وأفضل الشراب وألذه وتنوعه تجده عندهم، فهم يعيشون حياة ترف وبذخ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم خليفة المسلمين سلك مسلكاً يختلف تماما عن هؤلاء الملوك، فقد اختار لنفسه أن يعيش في تقشف وتواضع وبساطة في الطعام والشراب فهذا خادمه أنس رضي الله عنه يصف لنا شيئاً من معيشته صلى الله عليه وسلم فيقول: ((لم يجتمع عند النبي صلى الله عليه وسلم غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على الضفيف[أي عند نزول الضيف]))،
وفي رواية عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: ((ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز قط ولا لحم إلا على ضفف))،
قالت عائشة رضي الله عنها تصف حالته المعيشية : ((ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم)) بأبي أنت وأمي يا رسول الله عشت حياة الفقراء وسلكت طريق المساكين، في مأكلك ومشربك فكنت خير قدوة.
ذكرت عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يأتيها فيقول : ((أعندك غداء)) فتقول: لا فيقول: ((إني صائم)).
وقال قتادة -رضي الله عنه-: ((كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، ويقول: كلوا، فما أعلمُ النبي - صلى الله عليه وسلم- رأى رغيفاً مرققاً حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سَميطاً [التي أزيل شعرها بالماء الحار] بعينه قط)) رواه البخاري،
وروي عن عمر أنه قال عندما رأى ما أصاب الناس من الدنيا: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يظلّ اليوم يَلْتَوي، ما يجد دَقَلاً يملأ به بطنه) رواه مسلم
قال أنس -رضي الله عنهم-: (جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- بكسرة خبز، فقال لها: من أين لك هذه الكسرة؟ قالت: قُرْصاً خبزتُ، فلم تطب نفسي حتى آتيك بهذه الكسرة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: أما إن هذا أول شيء دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام) ذكره أبوالشيخ: الأخلاق ص 297برقم (856)، بواسطة السيرة النبوية للصلابي.
أما أثاثه وفراشه - صلى الله عليه وسلم- فبيته لم يكن مليئاً بالفراش والأثاث، ولم تكن له غرف نوم ومجالس عربية من أغلى الأقمشة كما هي حال بيوت كثير من المسلمين اليوم فهو- صلى الله عليه وسلم- لم يكن يجد شيئاً من هذا قالت عائشة -رضي الله عنها- تصف فراشه وأثاث بيته عليه الصلاة والسلام: ((إنما كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الذي ينام عليه أدَمَاًَ حشوُهُ ليف)) البخاري ومسلم واللفظ لمسلم
ودخل عمر ذات يوم على النبي - صلى الله عليه وسلم- ووجده على حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وعند رجليه قَرُطاً مَضبوراً [أي مجموعاً] وعند رأسه أَهَبٌ مُعَلَّقة [جمع إهاب وهوالجلد قبل الدبغ] ورأى أثر الحصير في جنبه فبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما يبكيك؟)) فقال عمر: يا رسول الله، إن كسرى وقصير فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟)) البخاري ومسلم
حَدَّثَنَا عَمْرُوبْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوعَلَى سَرِيرٍ مَرْمُولٍ بِشَرِيطٍ، تَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، مَا بَيْنَ جِلْدِهِ وَبَيْنَ السَّرِيرِ ثَوْبٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ؟"، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا أَبْكِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، فَهُمَا يَعِيثَانِ فِيمَا يَعِيثَانِ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِالْمَكَانِ الَّذِي أَرَى، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا تَرْضَى يَا عُمَرُ أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ؟"، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنَّهُ كَذَلِكَ". (البخارى)
وفي رواية أخرى: "..ثم رفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئاً يردّ البصر غير أُهبة ثلاثة، فقلت: ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم وُسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله"، وكان متكئا فقال: (أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيّباتهم في الحياة الدنيا) متفق عليه.
فلم تكن زخارف الدنيا ومتاعها وأثاثها الفاني تهمه- صلى الله عليه وسلم- فقد اكتفى بالقليل منها وإنما كانت الآخرة هي همه وهي شغله الشاغل: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة).
تقول عائشة -رضي الله عنها: ((كان لنا حَصَيرٌ نَبْسُطُهَا بالنهار، ونَحْتَجِرُهَا علينا بالليل)) رواه البخاري
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على حصير، فأثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله!، ألا آذنتنا فنبسط تحتك ألين منه؟ فقال: ((مالي وللدنيا؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب سار في يوم صائف، فَقَال تحت شجرة، ثم راح وتركها)) [أحمد في المسند وصحح أحمد شاكر سنده، والترمذي قال حسن صحيح]، فيا لله من هذا النبي الكريم المتواضع آثر الآخرة على الدنيا ورضي بالقليل من هذه الفانية، وبهذا التواضع وهذه البساطة التي عاشها عليه الصلاة والسلام ملك قلوب الناس فكان خير قدوة للناس أجمعين.
أما ملبسه- صلى الله عليه وسلم- فلم يكن بأحسن مما سبق من طعامه وفراشه فالأمر عنده سوى فالتواضع هديه وخلقه لا يمتلك كثير من الملابس فقد روى عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في شَمْلَة [أي بردة مخططة] أراد أن يَتَوشَّح بها فضاقت، فعقدها في عنقه هكذا، وأشار عبادة إلى قفاه، ليس عليه غيرها)) [الشامي: السبل(7/481)].
وروى ابن عساكر عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: ((كان طول ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أربعة أذرع وشبراً في ذراع وشبر)[ المصدر السابق].
هذا هو بيت النبوة وهذه هي حاله - صلى الله عليه وسلم- في بيته فقد كان- عليه الصلاة والسلام- متقشفاً في كل جوانب حياته، وهوالقائل: ((البذَاذَةُ من الإيمان)) [أي التواضع في ترك الزينة من الإيمان] رواه أبوداود، وصححه الألباني، وقال- صلى الله عليه وسلم-: ((ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجْلفُ [أي الخبز بلا إدام أوغليظة] الخبز والماء)) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
ولم يكن الموقف الذي بين أيدينا سوى صورةٍ مصغّرة للكمال النبوي، لتُصبح سيرته عليه الصلاة والسلام أنموذجاً يُحتذى به، وطريقاً نسير عليه.
ولوشاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لأجرى الله بين يديه ألوان النعيم، ولكان له من ذلك أوفر الحظّ والنصيب، لكنّه كان راضياً بالقليل، قانعاً باليسير، واضعاً نُصب عينيه قول الحقّ تبارك وتعالى: {ورزق ربك خير وأبقى} (طه : 131).
يروي لنا أبوسعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن نفسه: (إن عبداً عُرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة) رواه أحمد، ونزل إليه ذات مرّة ملكٌ من السماء فقال له: "إن الله يخيّرك بين أن تكون عبداً نبيّاً، وبين أن تكون ملكاً نبيّا"، فأجاب: (بل أكون عبداً نبياً) رواه البخاري في تاريخه، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) متفق عليه.
ومن هنا كذب من ادعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان غنيًا.
الغنائم والخمس لله ولرسوله:
وأمر الله تعالى بقسمة الغنائم فقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنفال: 41
فقسّمها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خمسة أجزاء، أربعة أخماس أى 80% منها للمحاربين، والباقى 20% للقادمين:
1- جزء لقرابة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فهم من حرّمت عليهم الصّدقة. وهى تمثل أيضًا 4% من الغنيمة
2- جزء ليتامى المسلمين. وهى تمثل 4% من الغنيمة.
3- جزء للمساكين والمُعوزين. وهى تمثل 4% من الغنيمة.
4- جزء للمسافرين الّذين فقدوا أموالهم أو نفدت أموالهم وليس لديهم ما يسدّ حاجتهم أو ليرجعوا إلى ديارهم. وهى تمثل 4% من الغنيمة.
5- جزء لله وللرّسول صلّى الله عليه وسلّم. وهذا ملك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعل به ما يشاء. أى 4% من الغنائم. فينفق منه على نفسه وعياله، فإن بقي منه شيء رده على الفقراء والمساكين، وذلك لأن جزء الله ورسوله هو جزء واحد.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: خُمُسُ اللَّهِ وَخُمُسُ الرَّسُولِ وَاحِدٌ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ ذَلِكَ الْخُمُسَ حَيْثُ أَحَبَّ وَيَصْنَعُ مَا شَاءَ وَيَحْمِلُ فِيهِ مَنْ شَاءَ .
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ، فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ قَالَ: سَهْمُ اللَّهِ وَسَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدٌ .
وتحكى لنا كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأخذ الخمس في حنين، والتى كانت أكثر الغزوات غنائمًا، ويُخمَّن أنه لم يأخذه في غيرها أيضًا. ولو أخذها ما أخطأ! فقد ورد أنه «صلى الله عليه وآله» قد رد الخمس على أصحابه في قصة حنين، حيث: «تناول من الأرض وبرة من بعير، أو شيئاً، ثم قال: والذي نفسي بيده، ما لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس، وهو مردود عليكم». (الموطأ ج2 ص14 المطبوع مع تنوير الحوالك، أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/323، والأموال لأبي عبيد ص444 و447، والفتوح لابن أعثم ج2 ص122، ومسند أحمد ج5 ص316 و319 و326، والثقات ج2 ص78، نقلا عن "مرويات غزوة حنين وحصار الطائف"، إبراهيم بن إبراهيم القريبى، الطبعة الأولى 1412هـ، ج2، ص697-680).
ويقول الشيخ سعيد حوى: ولو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع مالاً لكان أكثر الخلق مالاً. إن خمس غنائم حنين كان 8000 من الغنم 4800 من الجمال 8000 أوقية من الفضة و2200 من السبي.
هذا الخمس كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقرباه منه خمساه فكم نتصور غنى الرسول صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يجمع مالاً من غزواته كلها من خيبر الغنية وقريظة وبني النضير ... فإذا علمنا أن مقدار حق رسول الله صلى الله عليه وسلم المعطى له من هذه الأموال مثل هذا وإذا عرفنا أنه كان بالإمكان استثماره وتنميته ثم علمنا بعد ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي وأنه أمر أن يوزع ميراثه إن كان على المسلمين، وأنه ليس لأقاربه من ميراثه شيء، وأنه ما كان يلبس إلا الخشن ولا ينام إلا على القليل، وأنه يجوع الأيام وأنه كان يخشى إذا بقي في بيته مال فلم يوزعه على الناس، إذا عرفت هذا أدركت أي كرم كان عنده صلى الله عليه وسلم وأي نفس طاهرة هذه النفس وأدركت أنها النبوة. وأن غير النبوة لا تجود بهذا الجود وترضى مع القدرة بهذه الحياة.
إلا إذا كانت نفسًا متأسية برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد شهد على ذلك أقوى الناس شركاً وعنادًا وبغضًا له صلى الله عليه وسلم فأسلموا نتيجة ذلك ولعل في ما ذكرناه غنية عن ضرب الأمثلة ولكن في المزيد خيرًا.
وأخرج ابن جرير عن سهل بن سعد قال: "جاءت امرأة إلى رسول الله ببردة فقالت: يا رسول الله جئتك أكسوك هذه، فأخذها رسول الله وكان محتاجًا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من أصحابه، فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه اكسنيها فقال: نعم. فلما قام رسول الله لامه أصحابه وقالوا: ما أحسنت حين رأيت رسول الله أخذها محتاجًا إليها ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يسأل شيئًا فيمنعه. قال: والله ما حملني على ذلك إلا رجوت بركتها حين لبسها رسول الله لعلي أكفن فيها".
وأخرج ابن عساكر في قصة إسلام صفوان بن أمية عن عبد الله بن الزبير ما يلي: "وخرج رسول الله قبل هوازن وخرج معه صفوان وهو كافر وأرسل إليه يستعيره سلاحه فأعار سلاحه مائة درع بأداتها. فقال صفوان: طوعًا أو كرهًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عارية رادة. فأعاره. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملها إلى حنين فشهد حنيناً والطائف ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة فبينما رسول الله يسير في الغنائم ينظر إليها – ومعه صفوان ابن أمية فجعل صفوان بن أمية ينظر إلى شعب ملاء نعماً وشاء ورعاء فأدام النظر إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه فقال: أبا وهب يعجبك هذا الشعب. قال: نعم. قال: هو لك وما فيه . فقال صفوان عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأسلم مكانه".
لقد هانت عنده صلى الله عليه وسلم الدنيا كلها فى سبيل إنقاذ عبد من عباد الله من النار!!
أى ما كان يخص الله ورسوله 4% من هذه الغنائم، وهو مردود كله أو الجزء الأكبر منه على المسلمين مرة أخرى، والباقى يوزع كما هو مذكور أعلاه.
لكن هب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ حصته البالغة 4% من الغنائم، وذلك ليس فقط من 9 غزوات تم فيهم الحرب، بل من الغزوات البالغ عددها 29 (لاحظ أننا نفترض)، وأصبح بمفهومنا اليوم ملياردير. ففكر معى: لم يكن لديه إلا طعام كفاف لجزء من اليوم، فكان إذا تناول الغداء، لا يتعشى. لم يكن يسكن قصرًا أو بيتًا فخمًا، بل كانت بيوت بعض المعاصرين له أكثر فخامة وعزًا. ولن أعيد عليكم ما ذكرته فى الصفحات القليلة الماضية، لكن أين ذهبت هذه الثروة التى يدعيها البعض عليه، إذا كان فقيرًا هو وأسرته ويعيشون على الكفاف أو أقل، ولم يترك ميراثًا لأحد، بل قال إن الأنبياء لا تورث؟ أكيد للفقراء والمساكين والإنفاق على تجهيز المقاتلين والدعوة الإسلامية.
إذن لا يعيبه أن يأخذ من الغنائم ويأكل منها هو وأسرته، عملا بكتاب الله تعالى، ويُضاف إلى فضائله أنه كان ينفقها على الفقراء والمساكين والدعوة.
استشهاد رشيد بأحاديث يرويها الواقدى:
أما الرواية التى يرويها السيد رشيد عن الواقدى، والتى تقضى بأن الرسول صلى الله عليه وسلم غنم من حنين أربعة آلاف وقية من الفضة، غير باقى الغنائم، يريد منها أن يُظهر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حارب من أجل المال، وأنه اغتنى بالفعل من جراء هذه الغزوات، وذكر ما قاله الواقدى، على الرغم من أنه يعلم تمامًا أن الواقدى كذاب، ومدلس، وليس بشىء، وليس بثقة، ولا يؤخذ منه حديث:
قال عنه البخارى: ما عندي للواقدي حرف، وما عرفت من حديثه، فلا أقنع به. وقال: سكتوا عنه، وتركه أحمد وابن نمير .
وقال مسلم وغيره: متروك الحديث .
وقال النسائى: ليس بثقة .
وقال أيضًا في "الضعفاء والمتروكين": المعروفون بوضع الحديث على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعة: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بن خراسان ، ومحمد بن سعيد بالشام .
وقال أيضًا في "الكنى": أخبرنا عبد الله بن أحمد الخفاف، قال: قال إسحاق عنه: هو عندي ممن يضع الحديث.
وقال أبو داود: لا أكتب حديثه، ما أشك أنه كان ينقل الحديث، لا ينظر للواقدي في كتاب إلا تبين أمره فيه، روى في فتح اليمن وخبر العنسي أحاديث عن الزهري ليست من حديثه. وكان أحمد لا يذكر عنه كلمة .
وقال الإمام الشافعي: كتب الواقدي كذب .
وقال أحمد بن حنبل: الواقدي كذاب .
وقال علي بن المديني: روى الواقدي ثلاثين ألف حديث غريب.
وقال أيضًا: الهيثم بن عدي (وهو ضعيف أيضًا) أوثق عندي من الواقدى.
وقال أيضًا: عند الواقدي عشرون ألف حديث لم أسمع بها، ثم قال: لا يُروى عنه، وضعفه.
وقال يحيى بن معين: أغرب الواقد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرين ألف حديث .
وقال أحمد بن زهير، عن ابن معين: ليس الواقدي بشيء وقال مرة: لا يُكتب حديثه.
وقال أبو زرعة : ترك الناس حديث الواقدي .
وقال الحاكم: ذاهب الحديث
وقال الذهبي رحمه الله مجمع على تركه "مغني الضعفاء" 2/ الترجمة 5861
فلماذا يتمسك السيد رشيد بالكذابين؟ ولكن نحسن الظن به، ونقول إنه كان يجهل هذا. لكن بفرض أن الرسول صلى الله عليه وسلم غنم 40 مليون أوقية من الفضة، ألم يوزعها تبعًا لكتاب الله، وتنازل عن حقه فيها؟ ألم يعطى المقاتلين المسلمين أربعة أخماس الغنائم، وأعطى الخمس المتبقى للمؤلفة قلوبهم، ولم يأخذ هو منها شعرة بعير؟
وهذا ما رواه ما رواه أبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وكذلك عن عمرو بن عبس رضى الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي عند توزيع غنائم حُنين -بعد أن أمسك وبرة من سنام بعير بين إصبعيه: "إِنَّهُ لَيْسَ لِي مِنَ الْفَيْءِ شَيْءٌ وَلاَ هَذِهِ إِلاَّ الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ". رواه النسائي (4139)، وأبو داود (2694)، وأحمد (6729)، وحسنه الألباني.
وذكرت من قبل أحاديث تدل على معيشة الرسول صلى الله عليه وسلم وفقره، وما تركه بعد وفاته، حتى إن درعه كانت مرهونة لدى يهودى. فالسيدة عائشة قالت لعروة عن معيشة الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. فقلت ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء. إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه". (صحيح البخارى)
فهل علم رشيد بهذا؟ هل أخذه بعين الاعتبار عند الحكم على سيد البشر والأنبياء؟ فلماذا غض الطرف عنها عند الحكم على الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لأنه لا يخدم غرضه فى النيل منه ومن سيرته؟
22- من أخطاء الرب العلمية فى الكتب القانونية الثانية:
يقول الدكتور القس منيس عبد النور عن الأبوكريفا:
قال المعترض: هناك كتب مشكوك في صحتها، يسمّونها أحياناً «كتب الأبوكريفا». وهذه حذفها البروتستانت».
وللرد نقول: كتب الأبوكريفا هي الكتب المشكوك في صحة نسبتها إلى من تُعزى إليهم من الأنبياء، وهي كتب طوبيا، ويهوديت، وعزراس الأول والثاني، وتتمَّة أستير، ورسالة إرميا، ويشوع بن سيراخ، وباروخ، وحكمة سليمان، وصلاة عزريا، وتسبحة الثلاثة فتية، وقصة سوسنة والشيخين، وبل والتنين، وصلاة منسى، وكتابا المكابيين الأول والثاني. ومع أن هذه الأسفار كانت ضمن الترجمة السبعينية للعهد القديم، إلا أن علماء بني إسرائيل لم يضعوها ضمن الكتب القانونية. وبما أن بني إسرائيل هم حفظة الكتب الإلهية، وعنهم أخذ الجميع، فكلامهم في مثل هذه القضية هو المعوّل عليه. وقد رفضوا هذه الكتب في مجمع جامينا (90م) لأنها غير موحى بها، للأسباب الآتية:
(1) إن لغتها ليست العبرية التي هي لغة أنبياء بني إسرائيل ولغة الكتب المنزلة، وقد تأكدوا أن بعض بني إسرائيل كتب هذه الكتب باللغة اليونانية.
(2) لم تظهر هذه الكتب إلا بعد زمن انقطاع الأنبياء، فأجمع أئمة بني إسرائيل على أن آخر أنبيائهم هو ملاخي. وورد في كتاب الحكمة أنه من كتابة سليمان. ولكن هذا غير صحيح، لأن الكاتب يستشهد ببعض أقوال النبي إشعياء وإرميا، وهما بعد سليمان بمدة طويلة، فلا بد أن هذه الكتابة تمَّت بعد القرن السادس ق م. ويصف »كتاب الحكمة« بني إسرائيل بأنهم أذلاء مع أنهم كانوا في عصر سليمان في غاية العز والمجد.
(3) لم يذكر أي كتاب منها أنها وحي، بل قال كاتب المكابيين الثاني (15: 36-40) في نهاية سفره: «فإن كنت قد أحسنتُ التأليف وأصبتُ الغرض، فذلك ما كنتُ أتمنّى. وإن كان قد لحقني الوهَن والتقصير فإني قد بذلت وُسعي. ثم كما أن شرب الخمر وحدها أو شرب الماء وحده مضرٌّ، وإنما تطيب الخمر ممزوجة بالماء وتُعقب لذة وطرباً، كذلك تنميق الكلام على هذا الأسلوب يطرب مسامع مطالعي التأليف». ولو كان سفر المكابيين الثاني وحياً ما قال إن التقصير ربما لحقه!
(4) في أسفار الأبوكريفا أخطاء عقائدية، فيبدأ سفر طوبيا قصته بأن طوبيا صاحَب في رحلته ملاكاً اسمه روفائيل، ومعهما كلب، وذكر خرافات مثل قوله إنك إن أحرقت كبد الحوت ينهزم الشيطان (طوبيا 6: 19). ونادى بتعاليم غريبة منها أن الصَّدقة تنجي من الموت وتمحو الخطايا (طوبيا 4: 11، 12: 9)، وأباح الطلعة (الخروج لزيارة القبور) وهي عادة وثنية الأصل، وهي أمور تخالف ما جاء في أسفار الكتاب المقدس القانونية.. وجاء في 2مكابيين 12: 43-46 أن يهوذا المكابي جمع تقدمة مقدارها ألفا درهم من الفضة أرسلها إلى أورشليم ليقدَّم بها ذبيحة عن الخطية »وكان ذلك من أحسن الصنيع وأتقاه، لاعتقاده قيامة الموتى.. وهو رأي مقدس تقَوي، ولهذا قدَّم الكفارة عن الموتى ليُحَلّوا من الخطية«. مع أن الأسفار القانونية تعلِّم بعكس هذا.
(5) في أسفار الأبوكريفا أخطاء تاريخية، منها أن نبو بلاسر دمَّر نينوى (طوبيا 14: 6) مع أن الذي دمرها هو نبوخذنصر، وقال إن سبط نفتالي سُبي وقت تغلث فلاسر في القرن الثامن ق م، بينما يقول التاريخ إن السبي حدث في القرن التاسع ق م، وقت شلمنأصر. وقال طوبيا إن سنحاريب ملك مكان أبيه شلمنأصر (طوبيا 1:18) مع أن والد سنحاريب هو سرجون. وجاء في يشوع بن سيراخ 49: 18 أن عظام يوسف بن يعقوب «افتُقدت، وبعد موته تنبأت».
(6) لم يعتبر بنو إسرائيل هذه الكتب مُنزلة، ولم يستشهد بها المسيح المذخَّر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم (كولوسي 2: 3). ولا اقتبس منها تلاميذ المسيح، ولم يذكرها فيلو ولا يوسيفوس. مع أن المؤرخ يوسيفوس ذكر في تاريخه أسماء كتب بني إسرائيل المنزلة، وأوضح تعلّق بني إسرائيل بها، وأنه يهُون على كل يهودي أن يفديها بروحه.
(7) سار الآباء المسيحيون الأولون (ما عدا قليلون منهم) على نهج علماء بني إسرائيل في نظرتهم إلى هذه الأسفار. ومع أنهم اقتبسوا بعض الأقوال الواردة فيها إلا أنهم لم يضعوها في نفس منزلة الكتب القانونية. وعندما قررت مجامع الكنيسة الأولى الكتب التي تدخل ضمن الكتب القانونية اعتبرت هذه الكتب إضافية أو غير قانونية، فلم يذكرها مليتو أسقف ساردس (في القرن الثاني المسيحي) من الكتب المقدسة، ولم يذكرها أوريجانوس الذي نبغ في القرن الثاني، ولا أثناسيوس ولا هيلاريوس ولا كيرلس أسقف أورشليم، ولا أبيفانيوس، ولا إيرونيموس (جيروم)، ولا روفينوس، ولا غيرهم من أئمة الدين الأعلام الذين نبغوا في القرن الرابع. وقد أصدر المجمع الديني الذي اجتمع في لاودكية في القرن الرابع جدولاً بأسماء الكتب المقدسة الواجب التمسك بها، دون أن يذكر هذه الكتب. ويرجع الكاثوليك إلى قرارات هذا المجمع. ولكن لما كانت هذه الكتب موجودة ضمن أسفار العهد القديم في الترجمات السبعينية واللاتينية، فقد أقرّ مجمع ترنت في القرن السادس عشر اعتبارها قانونية، فوُضعت ضمن التوراة الكاثوليكية، على أنها كتب قانونية ثانوية.. علماً بأن إيرونيموس (جيروم) مترجم «الفولجاتا» (من اليونانية إلى اللاتينية) وضع تلك الأسفار بعد نبوَّة ملاخي، فأُطلق عليها في ما بعد «أسفار ما بين العهدين».
(8) هذه الكتب منافية لروح الوحي الإلهي، فقد ذُكر في حكمة ابن سيراخ تناسخ الأرواح، والتبرير بالأعمال، وجواز الانتحار والتشجيع عليه، وجواز الكذب ( يهوديت 9: 10، 13). ونجد الصلاة لأجل الموتى في 2مكابيين 12: 45، 46 وهذا يناقض ما جاء في لوقا 16: 25، 26 وعبرانيين 9: 27.
(9) قال الأب متى المسكين، في كتابه »الحُكم الألفي« (ط 1997، ص3): «كتب الأبوكريفا العبرية المزيَّفة، التي جمعها وألَّفها أشخاص كانوا حقاً ضالعين في المعرفة، ولكن لم يكونوا «مسوقين من الروح القدس»، (2بطرس 1: 21) مثل كتب: رؤيا عزرا الثاني وأخنوخ، ورؤيا باروخ وموسى وغيرها». ثم قال في هامش الصفحة نفسها: «تُسمَّى هذه الكتب بالأبوكريفا المزيَّفة، وهي من وضع القرن الثاني قبل المسيح، وفيها تعاليم صحيحة وتعاليم خاطئة وبعض الضلالات الخطيرة مختلطة بعضها ببعض. ولكنها ذات منفعة تاريخية كوثائق للدراسة».
وبما أن بني إسرائيل الذين أؤتُمنوا على الكتب الإلهية، هم الحكَم الفصل في موضوع قانونية الأسفار المقدسة، وقد أجمع أئمتهم في العصور القديمة والمتأخرة على أنه لم يظهر بينهم نبي كتب هذه الكتب، فإنه من المؤكد أن أحد اليهود المقيمين في الشتات وضعها. ولو كانت معروفة عند بني إسرائيل لوُجد لها أثر في كتاب التلمود. أما الكتب المقدسة القانونية فهي مؤيَّدة بالروح القدس وبالآيات الباهرة. فالأنبياء الكرام وتلاميذ المسيح أيّدوا رسالتهم وتعاليمهم بالمعجزات الباهرة التي أسكتت من تصدّى لهم، فتأكد الجميع حتى المعارضون أن أقوالهم هي وحي إلهي، فقبلوا كتبهم بالاحترام الديني والتبجيل، وتمسكوا بها واتخذوها دستوراً، ولم يحصل أدنى خلاف بين أعضاء مجمع نيقية على صحة الكتب المقدسة لأنها في غنى عن ذلك.) انتهى الاقتباس.
وبناءً عليه نسأل الدكتور القس منيس عبد النور والسيد رشيد:
هل من العقل رفض الكتب القانونية الثانية لأنها تعلم عقائد ضالة لا صلة لها بالكتب المعترف بها عند اليهود، فى الوقت الذى تؤمنون فيه بعقائد فيما تسمونه العهد الجديد تُخالف ما جاء به موسى والأنبياء، وذكرته كتب العهد القديم، منها توارث الخطيئة الأولى التى تنفيها كتب العهد القديم وتؤمنون بها ضمن تعاليم بولس، التى تظنون أنها موحى بها، وهى تُخالف تعاليم موسى والأنبياء. فهل من الذكاء أو العقل أن يكون عندكم معياران لنفس القضية؟
أضف إلى ذلك أيضًا تحبيذ عدم الزواج، إخصاء الرجال أنفسهم، كسر السبت، واستبداله بالأحد، إلغاء العهد الأبدى بين الله وعبه، وهو الختان،
بل سب الرب واتهمه بالجهل والضعف: (25لأَنَّ جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ! وَضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ!) كورنثوس الأولى 1: 25
واتهمه بالقسوة والحمق: (31فَمَاذَا نَقُولُ لِهَذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا فَمَنْ عَلَيْنَا! 32اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟) رومية 8: 31-32
وأن بولس سيدين الملائكة فى الآخرة: (3أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلاَئِكَةً؟ فَبِالأَوْلَى أُمُورَ هَذِهِ الْحَيَاةِ!) كورنثوس الأولى 6: 3
بل لعن يسوع نفسه: (13اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ».) غلاطية 3: 13
ومن الممكن اختصار كل ما سبق فى جملة واحدة، وهى أنه قام بإلغاء الناموس نفسه! فعلى أى أساس تعتبرون رسائله والكتابات المتأثرة بها وحى من عند الرب؟
(19فَلِمَاذَا النَّامُوسُ؟ .. .. .. لأَنَّهُ لَوْ أُعْطِيَ نَامُوسٌ قَادِرٌ أَنْ يُحْيِيَ، لَكَانَ بِالْحَقِيقَةِ الْبِرُّ بِالنَّامُوسِ.) غلاطية 3: 19-21
(20وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ.) رومية 5: 20
وعلَّمَ أتباعه الإرتداد عن تعاليم الناموس والأنبياء: (18فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَجْلِ ضُعْفِهَا وَعَدَمِ نَفْعِهَا، 19إِذِ النَّامُوسُ لَمْ يُكَمِّلْ شَيْئاً.) عبرانيين 7: 18-19
(56أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ) كورنثوس الأولى 15: 56
ناهيك عن الأخطاء التاريخية والعلمية التى تسببت فى نبذ البروتستانت للكتب القانونية الثانية، فالكتاب الذى تؤمن به جميع طوائف المسيحية، العهد القديم، ملىء بمثل هذه الأخطاء العلمية والتاريخية والجغرافية والحسابية، وقد ذكرت لك بعضًا منها، وعلى القارىء أن يلجأ لموسوعة أخطاء الكتاب المقدس المسماة (البهريز فى الكلام اللى يغيظ) وهى أربعة مجلدات. الأمر الذى يتتبع رفضهم لما يسمونه الكتاب المقدس، لأن الله تعالى أقدس من أن يفعل خطأ واحدًا.
وبالتالى إن اتباع مثل هذه الكتب ونسبتها للرب القدوس ينافى العقل، ويجافى الحكمة، ويبعد عن المنطق والذكاء، وبالتالى لو صحت نسبة هذا الكتاب للرب، والمكتوب إلى الأنبياء، لسقطت نبوة كل أنبياء هذا الكتاب، وسقطت ألوهية الرب معه.
وإلى هنا نكون قد أجبنا على السيد رشيد فى النقطة الأولى من قوله فى المناظرة بينه وبين الشيخ عمار حول دلائل النبوة، والمتعلقة بثبوت العقل عند النبى.
* * *
غ 2- المصلحة الشخصية:
ما هى المصلحة الشخصية التى عادت إلى النبى صلى الله عليه وسلم من توليه النبوة؟
لقد أوجزها السيد رشيد فى ثلاثة نقاط، هى: الجنس والمال والسلطة.
وبتدقيق النظر فى هذه التهم الثلاثة يتبين للقارىء أن رشيد يظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعيش ملكًا مثل الأباطرة الرومان، أو الملوك سواء السابقين أو الحاليين. كما يظن غيره أن ما كان يحصل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الخمس من الغنائم أو الفىء كان يخصه هو وأهله، ولا يعلم أنها كانت تنفق فى سبيل الله، والدليل على ذلك، ضمن ما لدينا من مواقف وأحاديث، أنه كانت تمر عليه الأيام دون طعام عنده، وكانت تمر الأشهر دون أن يأكل لحم أو طبيخ. مع الأخذ فى الاعتبار أنه لا يورث نبى. أى ما تركه من قطعة أرض (الفدك) آلت إلى الدولة:
فقد ذهبت السيدة فاطمة إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنهما فطلبن منه أن يقسم لها ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها أبو بكر: (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ) (رواه البخارى)
فلماذا يحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدنيا، وقد كان فيها جائعًا معظم وقته، قائمًا جزءًا من الليل يصلى لله تعالى، حتى قالت السيدة عائشة: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا صلى قام حتى تفطرت قدماه .. قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!، فقال -صلى الله عليه وسلم-: يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا) (رواه مسلم)
والغريب أن هذه النقاط الثلاثة عرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم فى بداية دعوته ورفضها، ولوكان يبحث عنها أى شخص لقبلها ووفر على نفسه محاولات اغتياله واللإقتتال مع العدو، وتهجيره من بلده:
جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي مسجدنا، فانهه عن أذانا، فقال: يا عقيل: ائتني بمحمد، فأتيته به، فقال: يا ابن أخي، إن بني عمك يزعمون أنك تؤذيهم، فانته عن ذلك، قال: فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء فقال: أترون هذه الشمس؟ قالوا: نعم، قال: ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك من أن تشعلوا منها شعلة، قال: فقال أبو طالب: ما كذبنا ابن أخي، فارجعوا
الراوي: عقيل بن أبي طالب المحدث:ابن حجر العسقلاني - المصدر: المطالب العالية - الصفحة أو الرقم: 4/372 (خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن)
وفى رواية جاءت فى السيرة النبوية لابن هشام: قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "وحدثنى يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حُدِّث: أن قريشًا حين قالوا لأبي طالب [يا أبا طالب إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا مِنْ شتم ابائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفّه عنّا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قالوا له]، بعث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي: كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبق عليّ وعلى نفسك، ولا تحملنى من الأمر مالا أطيق. فظن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قد بدا لعمه فيه أنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته.
قال: ثم استعبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبكى ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يابن أخي، قال: فأقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: اذهب يا بن أخي،فقل ما أحببت،فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا.(الروض الأنف3: 45-46)
وهذا القرآن العظيم تأثر به المشركون، فهذا عتبة بن ربيعة أرسله كفار مكة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا له اذهب إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم انهه عما هوعليه فذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد آذيتنا في أزواجنا وآذيتنا في أولادنا وآذيتنا في أنفسنا فماذا تريد؟ إن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا وإن كنت تريد مالاً جمعنا لك من المال حتى تكون أغنانا وإن كنت تريد جاهاً وجهناك علينا حتى لا نقطع أمراً حتى نأخذ برأيك وإن كنت تريد زوجة زوجناك أجملها فماذا تريد؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنهى عتبة كلامه فلما انتهى التفت إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال أنتهيت يا عم؟ إكراماً له لكبر سنه، قال: نعم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فاسمع منّي فقال: قل، فقرأ عليه أول سورة فُصّلت ولم يتكلم بكلمة من كلام البشر ولكن تكلم بكلام رب البشر سبحانه وتعالى فصار عتبة يسمع وينبهر مما يسمع حتى وضع يديه خلف ظهره وهو يستمع كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه تبارك وتعالى فلما انتهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم التفت إلى عتبة وقال: هذا ما عندي، فرجع إلى كفار مكة وكانوا ينتظرونه على أحر من الجمر فلما دخل عليهم نظروا إليه وإذا هو قد تغيّر فقال بعضهم لبعض: تالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به.
أى لقد أتاه بملك الملوك والقياصرة ودولة لم تبن بعد، وأقصى ما يحلم به إنسان من الجاه والمال والنساء، فرفضه الطاهر الصادق صلى الله عليه وسلم. ألا يوضع هذا عند العقلاء فى ميزان دلائل نبوته؟
زهده صلى الله عليه وسلم:
وبعد أن رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مباهج الحياة، وأبى أن يكون مثل قيصر، قبل فقط أن يكون عبدًا فقيرًا لله تعالى، ولم يطمع إلا فى رضاه وجنته.
فاقرأ ياسيد رشيد، وتعلم شيئًا عن حياة النبى صلى الله عليه وسلم، عسى الله أن يهديك للحق:
إن التوسع في المآكل والمشارب من عادات الحكام والملوك والأمراء، فأحسن الأكل وأطيبه تجده بين أيديهم، وأفضل الشراب وألذه وتنوعه تجده عندهم، فهم يعيشون حياة ترف وبذخ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم خليفة المسلمين سلك مسلكاً يختلف تماما عن هؤلاء الملوك، فقد اختار لنفسه أن يعيش في تقشف وتواضع وبساطة في الطعام والشراب فهذا خادمه أنس رضي الله عنه يصف لنا شيئاً من معيشته صلى الله عليه وسلم فيقول: ((لم يجتمع عند النبي صلى الله عليه وسلم غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على الضفيف[أي عند نزول الضيف]))،
وفي رواية عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: ((ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز قط ولا لحم إلا على ضفف))،
قالت عائشة رضي الله عنها تصف حالته المعيشية : ((ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم)) بأبي أنت وأمي يا رسول الله عشت حياة الفقراء وسلكت طريق المساكين، في مأكلك ومشربك فكنت خير قدوة.
ذكرت عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يأتيها فيقول : ((أعندك غداء)) فتقول: لا فيقول: ((إني صائم)).
وقال قتادة -رضي الله عنه-: ((كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، ويقول: كلوا، فما أعلمُ النبي - صلى الله عليه وسلم- رأى رغيفاً مرققاً حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سَميطاً [التي أزيل شعرها بالماء الحار] بعينه قط)) رواه البخاري،
وروي عن عمر أنه قال عندما رأى ما أصاب الناس من الدنيا: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يظلّ اليوم يَلْتَوي، ما يجد دَقَلاً يملأ به بطنه) رواه مسلم
قال أنس -رضي الله عنهم-: (جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- بكسرة خبز، فقال لها: من أين لك هذه الكسرة؟ قالت: قُرْصاً خبزتُ، فلم تطب نفسي حتى آتيك بهذه الكسرة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: أما إن هذا أول شيء دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام) ذكره أبوالشيخ: الأخلاق ص 297برقم (856)، بواسطة السيرة النبوية للصلابي.
أما أثاثه وفراشه - صلى الله عليه وسلم- فبيته لم يكن مليئاً بالفراش والأثاث، ولم تكن له غرف نوم ومجالس عربية من أغلى الأقمشة كما هي حال بيوت كثير من المسلمين اليوم فهو- صلى الله عليه وسلم- لم يكن يجد شيئاً من هذا قالت عائشة -رضي الله عنها- تصف فراشه وأثاث بيته عليه الصلاة والسلام: ((إنما كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الذي ينام عليه أدَمَاًَ حشوُهُ ليف)) البخاري ومسلم واللفظ لمسلم
ودخل عمر ذات يوم على النبي - صلى الله عليه وسلم- ووجده على حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وعند رجليه قَرُطاً مَضبوراً [أي مجموعاً] وعند رأسه أَهَبٌ مُعَلَّقة [جمع إهاب وهوالجلد قبل الدبغ] ورأى أثر الحصير في جنبه فبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما يبكيك؟)) فقال عمر: يا رسول الله، إن كسرى وقصير فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟)) البخاري ومسلم
حَدَّثَنَا عَمْرُوبْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوعَلَى سَرِيرٍ مَرْمُولٍ بِشَرِيطٍ، تَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، مَا بَيْنَ جِلْدِهِ وَبَيْنَ السَّرِيرِ ثَوْبٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ؟"، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا أَبْكِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، فَهُمَا يَعِيثَانِ فِيمَا يَعِيثَانِ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِالْمَكَانِ الَّذِي أَرَى، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا تَرْضَى يَا عُمَرُ أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ؟"، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنَّهُ كَذَلِكَ". (البخارى)
وفي رواية أخرى: "..ثم رفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئاً يردّ البصر غير أُهبة ثلاثة، فقلت: ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم وُسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله"، وكان متكئا فقال: (أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيّباتهم في الحياة الدنيا) متفق عليه.
فلم تكن زخارف الدنيا ومتاعها وأثاثها الفاني تهمه- صلى الله عليه وسلم- فقد اكتفى بالقليل منها وإنما كانت الآخرة هي همه وهي شغله الشاغل: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة).
تقول عائشة -رضي الله عنها: ((كان لنا حَصَيرٌ نَبْسُطُهَا بالنهار، ونَحْتَجِرُهَا علينا بالليل)) رواه البخاري
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على حصير، فأثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله!، ألا آذنتنا فنبسط تحتك ألين منه؟ فقال: ((مالي وللدنيا؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب سار في يوم صائف، فَقَال تحت شجرة، ثم راح وتركها)) [أحمد في المسند وصحح أحمد شاكر سنده، والترمذي قال حسن صحيح]، فيا لله من هذا النبي الكريم المتواضع آثر الآخرة على الدنيا ورضي بالقليل من هذه الفانية، وبهذا التواضع وهذه البساطة التي عاشها عليه الصلاة والسلام ملك قلوب الناس فكان خير قدوة للناس أجمعين.
أما ملبسه- صلى الله عليه وسلم- فلم يكن بأحسن مما سبق من طعامه وفراشه فالأمر عنده سوى فالتواضع هديه وخلقه لا يمتلك كثير من الملابس فقد روى عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: (صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في شَمْلَة [أي بردة مخططة] أراد أن يَتَوشَّح بها فضاقت، فعقدها في عنقه هكذا، وأشار عبادة إلى قفاه، ليس عليه غيرها)) [الشامي: السبل(7/481)].
وروى ابن عساكر عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: ((كان طول ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أربعة أذرع وشبراً في ذراع وشبر)[ المصدر السابق].
هذا هو بيت النبوة وهذه هي حاله - صلى الله عليه وسلم- في بيته فقد كان- عليه الصلاة والسلام- متقشفاً في كل جوانب حياته، وهوالقائل: ((البذَاذَةُ من الإيمان)) [أي التواضع في ترك الزينة من الإيمان] رواه أبوداود، وصححه الألباني، وقال- صلى الله عليه وسلم-: ((ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجْلفُ [أي الخبز بلا إدام أوغليظة] الخبز والماء)) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
ولم يكن الموقف الذي بين أيدينا سوى صورةٍ مصغّرة للكمال النبوي، لتُصبح سيرته عليه الصلاة والسلام أنموذجاً يُحتذى به، وطريقاً نسير عليه.
ولوشاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لأجرى الله بين يديه ألوان النعيم، ولكان له من ذلك أوفر الحظّ والنصيب، لكنّه كان راضياً بالقليل، قانعاً باليسير، واضعاً نُصب عينيه قول الحقّ تبارك وتعالى: {ورزق ربك خير وأبقى} (طه : 131).
يروي لنا أبوسعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن نفسه: (إن عبداً عُرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة) رواه أحمد، ونزل إليه ذات مرّة ملكٌ من السماء فقال له: "إن الله يخيّرك بين أن تكون عبداً نبيّاً، وبين أن تكون ملكاً نبيّا"، فأجاب: (بل أكون عبداً نبياً) رواه البخاري في تاريخه، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) متفق عليه.
ومن هنا كذب من ادعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان غنيًا.
الغنائم والخمس لله ولرسوله:
وأمر الله تعالى بقسمة الغنائم فقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنفال: 41
فقسّمها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خمسة أجزاء، أربعة أخماس أى 80% منها للمحاربين، والباقى 20% للقادمين:
1- جزء لقرابة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فهم من حرّمت عليهم الصّدقة. وهى تمثل أيضًا 4% من الغنيمة
2- جزء ليتامى المسلمين. وهى تمثل 4% من الغنيمة.
3- جزء للمساكين والمُعوزين. وهى تمثل 4% من الغنيمة.
4- جزء للمسافرين الّذين فقدوا أموالهم أو نفدت أموالهم وليس لديهم ما يسدّ حاجتهم أو ليرجعوا إلى ديارهم. وهى تمثل 4% من الغنيمة.
5- جزء لله وللرّسول صلّى الله عليه وسلّم. وهذا ملك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعل به ما يشاء. أى 4% من الغنائم. فينفق منه على نفسه وعياله، فإن بقي منه شيء رده على الفقراء والمساكين، وذلك لأن جزء الله ورسوله هو جزء واحد.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: خُمُسُ اللَّهِ وَخُمُسُ الرَّسُولِ وَاحِدٌ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ ذَلِكَ الْخُمُسَ حَيْثُ أَحَبَّ وَيَصْنَعُ مَا شَاءَ وَيَحْمِلُ فِيهِ مَنْ شَاءَ .
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ، فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ قَالَ: سَهْمُ اللَّهِ وَسَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدٌ .
وتحكى لنا كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأخذ الخمس في حنين، والتى كانت أكثر الغزوات غنائمًا، ويُخمَّن أنه لم يأخذه في غيرها أيضًا. ولو أخذها ما أخطأ! فقد ورد أنه «صلى الله عليه وآله» قد رد الخمس على أصحابه في قصة حنين، حيث: «تناول من الأرض وبرة من بعير، أو شيئاً، ثم قال: والذي نفسي بيده، ما لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس، وهو مردود عليكم». (الموطأ ج2 ص14 المطبوع مع تنوير الحوالك، أوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/323، والأموال لأبي عبيد ص444 و447، والفتوح لابن أعثم ج2 ص122، ومسند أحمد ج5 ص316 و319 و326، والثقات ج2 ص78، نقلا عن "مرويات غزوة حنين وحصار الطائف"، إبراهيم بن إبراهيم القريبى، الطبعة الأولى 1412هـ، ج2، ص697-680).
ويقول الشيخ سعيد حوى: ولو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع مالاً لكان أكثر الخلق مالاً. إن خمس غنائم حنين كان 8000 من الغنم 4800 من الجمال 8000 أوقية من الفضة و2200 من السبي.
هذا الخمس كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقرباه منه خمساه فكم نتصور غنى الرسول صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يجمع مالاً من غزواته كلها من خيبر الغنية وقريظة وبني النضير ... فإذا علمنا أن مقدار حق رسول الله صلى الله عليه وسلم المعطى له من هذه الأموال مثل هذا وإذا عرفنا أنه كان بالإمكان استثماره وتنميته ثم علمنا بعد ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي وأنه أمر أن يوزع ميراثه إن كان على المسلمين، وأنه ليس لأقاربه من ميراثه شيء، وأنه ما كان يلبس إلا الخشن ولا ينام إلا على القليل، وأنه يجوع الأيام وأنه كان يخشى إذا بقي في بيته مال فلم يوزعه على الناس، إذا عرفت هذا أدركت أي كرم كان عنده صلى الله عليه وسلم وأي نفس طاهرة هذه النفس وأدركت أنها النبوة. وأن غير النبوة لا تجود بهذا الجود وترضى مع القدرة بهذه الحياة.
إلا إذا كانت نفسًا متأسية برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد شهد على ذلك أقوى الناس شركاً وعنادًا وبغضًا له صلى الله عليه وسلم فأسلموا نتيجة ذلك ولعل في ما ذكرناه غنية عن ضرب الأمثلة ولكن في المزيد خيرًا.
وأخرج ابن جرير عن سهل بن سعد قال: "جاءت امرأة إلى رسول الله ببردة فقالت: يا رسول الله جئتك أكسوك هذه، فأخذها رسول الله وكان محتاجًا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من أصحابه، فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه اكسنيها فقال: نعم. فلما قام رسول الله لامه أصحابه وقالوا: ما أحسنت حين رأيت رسول الله أخذها محتاجًا إليها ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يسأل شيئًا فيمنعه. قال: والله ما حملني على ذلك إلا رجوت بركتها حين لبسها رسول الله لعلي أكفن فيها".
وأخرج ابن عساكر في قصة إسلام صفوان بن أمية عن عبد الله بن الزبير ما يلي: "وخرج رسول الله قبل هوازن وخرج معه صفوان وهو كافر وأرسل إليه يستعيره سلاحه فأعار سلاحه مائة درع بأداتها. فقال صفوان: طوعًا أو كرهًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عارية رادة. فأعاره. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملها إلى حنين فشهد حنيناً والطائف ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة فبينما رسول الله يسير في الغنائم ينظر إليها – ومعه صفوان ابن أمية فجعل صفوان بن أمية ينظر إلى شعب ملاء نعماً وشاء ورعاء فأدام النظر إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه فقال: أبا وهب يعجبك هذا الشعب. قال: نعم. قال: هو لك وما فيه . فقال صفوان عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأسلم مكانه".
لقد هانت عنده صلى الله عليه وسلم الدنيا كلها فى سبيل إنقاذ عبد من عباد الله من النار!!
أى ما كان يخص الله ورسوله 4% من هذه الغنائم، وهو مردود كله أو الجزء الأكبر منه على المسلمين مرة أخرى، والباقى يوزع كما هو مذكور أعلاه.
لكن هب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ حصته البالغة 4% من الغنائم، وذلك ليس فقط من 9 غزوات تم فيهم الحرب، بل من الغزوات البالغ عددها 29 (لاحظ أننا نفترض)، وأصبح بمفهومنا اليوم ملياردير. ففكر معى: لم يكن لديه إلا طعام كفاف لجزء من اليوم، فكان إذا تناول الغداء، لا يتعشى. لم يكن يسكن قصرًا أو بيتًا فخمًا، بل كانت بيوت بعض المعاصرين له أكثر فخامة وعزًا. ولن أعيد عليكم ما ذكرته فى الصفحات القليلة الماضية، لكن أين ذهبت هذه الثروة التى يدعيها البعض عليه، إذا كان فقيرًا هو وأسرته ويعيشون على الكفاف أو أقل، ولم يترك ميراثًا لأحد، بل قال إن الأنبياء لا تورث؟ أكيد للفقراء والمساكين والإنفاق على تجهيز المقاتلين والدعوة الإسلامية.
إذن لا يعيبه أن يأخذ من الغنائم ويأكل منها هو وأسرته، عملا بكتاب الله تعالى، ويُضاف إلى فضائله أنه كان ينفقها على الفقراء والمساكين والدعوة.
استشهاد رشيد بأحاديث يرويها الواقدى:
أما الرواية التى يرويها السيد رشيد عن الواقدى، والتى تقضى بأن الرسول صلى الله عليه وسلم غنم من حنين أربعة آلاف وقية من الفضة، غير باقى الغنائم، يريد منها أن يُظهر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حارب من أجل المال، وأنه اغتنى بالفعل من جراء هذه الغزوات، وذكر ما قاله الواقدى، على الرغم من أنه يعلم تمامًا أن الواقدى كذاب، ومدلس، وليس بشىء، وليس بثقة، ولا يؤخذ منه حديث:
قال عنه البخارى: ما عندي للواقدي حرف، وما عرفت من حديثه، فلا أقنع به. وقال: سكتوا عنه، وتركه أحمد وابن نمير .
وقال مسلم وغيره: متروك الحديث .
وقال النسائى: ليس بثقة .
وقال أيضًا في "الضعفاء والمتروكين": المعروفون بوضع الحديث على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعة: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بن خراسان ، ومحمد بن سعيد بالشام .
وقال أيضًا في "الكنى": أخبرنا عبد الله بن أحمد الخفاف، قال: قال إسحاق عنه: هو عندي ممن يضع الحديث.
وقال أبو داود: لا أكتب حديثه، ما أشك أنه كان ينقل الحديث، لا ينظر للواقدي في كتاب إلا تبين أمره فيه، روى في فتح اليمن وخبر العنسي أحاديث عن الزهري ليست من حديثه. وكان أحمد لا يذكر عنه كلمة .
وقال الإمام الشافعي: كتب الواقدي كذب .
وقال أحمد بن حنبل: الواقدي كذاب .
وقال علي بن المديني: روى الواقدي ثلاثين ألف حديث غريب.
وقال أيضًا: الهيثم بن عدي (وهو ضعيف أيضًا) أوثق عندي من الواقدى.
وقال أيضًا: عند الواقدي عشرون ألف حديث لم أسمع بها، ثم قال: لا يُروى عنه، وضعفه.
وقال يحيى بن معين: أغرب الواقد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرين ألف حديث .
وقال أحمد بن زهير، عن ابن معين: ليس الواقدي بشيء وقال مرة: لا يُكتب حديثه.
وقال أبو زرعة : ترك الناس حديث الواقدي .
وقال الحاكم: ذاهب الحديث
وقال الذهبي رحمه الله مجمع على تركه "مغني الضعفاء" 2/ الترجمة 5861
فلماذا يتمسك السيد رشيد بالكذابين؟ ولكن نحسن الظن به، ونقول إنه كان يجهل هذا. لكن بفرض أن الرسول صلى الله عليه وسلم غنم 40 مليون أوقية من الفضة، ألم يوزعها تبعًا لكتاب الله، وتنازل عن حقه فيها؟ ألم يعطى المقاتلين المسلمين أربعة أخماس الغنائم، وأعطى الخمس المتبقى للمؤلفة قلوبهم، ولم يأخذ هو منها شعرة بعير؟
وهذا ما رواه ما رواه أبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وكذلك عن عمرو بن عبس رضى الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي عند توزيع غنائم حُنين -بعد أن أمسك وبرة من سنام بعير بين إصبعيه: "إِنَّهُ لَيْسَ لِي مِنَ الْفَيْءِ شَيْءٌ وَلاَ هَذِهِ إِلاَّ الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ". رواه النسائي (4139)، وأبو داود (2694)، وأحمد (6729)، وحسنه الألباني.
وذكرت من قبل أحاديث تدل على معيشة الرسول صلى الله عليه وسلم وفقره، وما تركه بعد وفاته، حتى إن درعه كانت مرهونة لدى يهودى. فالسيدة عائشة قالت لعروة عن معيشة الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. فقلت ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء. إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه". (صحيح البخارى)
فهل علم رشيد بهذا؟ هل أخذه بعين الاعتبار عند الحكم على سيد البشر والأنبياء؟ فلماذا غض الطرف عنها عند الحكم على الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لأنه لا يخدم غرضه فى النيل منه ومن سيرته؟
تعليق