تناشؤ فعل التفلسف اليوناني بين الإثبات والنفي

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الطلحاوي الإسلام اكتشف المزيد حول الطلحاوي
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 4 (0 أعضاء و 4 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الطلحاوي
    2- عضو مشارك

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 30 مار, 2013
    • 119
    • أستـاذ
    • الإسلام

    تناشؤ فعل التفلسف اليوناني بين الإثبات والنفي

    الســلام عليكم

    كنتُ قد وعدت بأن أضع مبحثا مقتضبــا حول قضيـة الفلسفة اليونانية و نزعـات المركزية التــي اختارت الانتصار لنظرية "أسطورة الاطار" كمـا سمـاهـا كارل بوبر، و قد قمتُ بحذف بعض الفصول المرتبطة بالمقارنــة بين الفلسفة الصينية و الهندية و بين اليونانية حتـى لا يتشعب النقاش الــى مجالات أخـرى . نرجو من الإخـوة الكرام تثبيت هـذا البحث الوجيز إن كـان يستحق ذلك و شكرا


    المبحث الأول : تأحيد الفلسفة والموقف الدوغماتي

    يرتبط مفهوم الأخلاق في التصور الفلسفي بإشكالات عدة ذات مواضيع مختلفة،حيث يسعى الفكر المنظم المجرد إلى محاولة فك أسرار معادلة الأخلاق و تقديم المحتوى المعرفي و الفعلي لها تنظيرا و ممارسة للخروج بحصيلة فكرية تضع القواعد و النظم للأخلاق و تبعد عنها ما يدخل في إطار النزعات الشخصية،فالفلسفة - بمعناها الواسع- تفكير في طريقة لاختيار موقع في الوجود عبر توظيف العقل بالتحليل و التركيب و المقايسة وفق قواعد المنطق،كما تعبر عن آليات التفكير في المعالجة بحسب الخصوصيات الحضارية.

    إن الفلسفة بمفهومها العام تظل لصيقة بالإنسان وحده ولازمة له على خط مستقيم، وتبقى خاضعة للتغيرات الزمانية و المكانية وقابلة للتبدل لتتحول إلى منهج قائم بذاته لها أسسها وقواعدها كأركان لولوج عالم التفلسف ، ونحن نجد في تاريخ الحضارات فلسفات متعددة تنسجم وفق الطابع العام والخصائص الداخلية لكل حضارة،فمنها فلسفات امتزج فيها الدين بشكل تطابقي لا يمكن الفصل بينهما أو عزل بعضها عن بعض ،ومنها فلسفات استقلت عن الدين نسبيا وظل الاعتماد على العقل وحده كضامن لليقين والخير،شأنها شأن الفلسفة اليونانية في مراحل محدودة حتى غدت الفلسفة في طابعها العقلي رمزا للحضارة وتعبيرا عن ريادتها من حيث قدرتها على الانفلات من أكوام الأساطير والأوهام حيث اتجهت سيول المداد صوب تزكية " العقل اليوناني" و تبريكه سواء من قبل كتاب الغرب أو الشرق فكاد أن يستقر الوضع العام على تقرين اليونان بالفلسفة وتبوئها موقعا بلغ من التمجيد لهم مبلغ وصفها ب:"المعجزة اليونانية " وعكفت طوال عقود من الزمن تحتفظ بأصالتها منذ العصور القديمة والمتوسطة والحديثة إلى أن جاء القرن العشرون فبدأت في الانحدار و التنازل رغبة في تجاوز" المركزية الغربية" وهيمنتها على عقول الشرق فنصبت نفسها قاضية إمامية على بقية العلوم والمعارف ذات الأصول الشرقية ، وكذلك لمحاولة التعامل مع فلسفات الشرق بحيادية تعترف بالقيم والتصورات التي صاغتها الحضارات الإنسانية في شكل حكم مندمجة في أحضان الدين كمؤسس أول باعث للتأمل ، ولعقل استقراء الكتابات التي أرخت للفكر الفلسفي بصفة عامة ناطقة وشاهدة على مقولة نفي الشرق من ساحة الإبداع ومحاكمته وهو بريء، وظلت ردحا من الزمن تحصر" أنوار الفكر" في بقعة جغرافية ذات أبعاد زمانية ومكانية شكلت أسرا لكبار المفكرين الذين انجرفوا وراء مقولات الإعلاء من منظومة الفكر اليوناني وراحوا يبشرون بعالم "العقل والعقل وحده" في سبيل إثبات ريادية "العقل اليوناني" وتفوقه الكاسح على مختلف"العقول الشرقية" السابحة في فلك الروحيات الموغلة -حسبهم - في الطقوس الدينية والأوهام التجريدية، وقد ظل غالبية هؤلاء الذين اصطفوا وراء هذا الموقف الاقصائي مخلصين لآرائهم وعضوا عليها بالنواجذ، إذ يكفي مراجعة الخزانة المعرفية في الفكر الفلسفي ليتبدى لنا حجم حضور "العقل اليوناني" وحده وهيمنته على ساحة التأمل والتفكر المجرد من بداية تشكلا ته إلى حين اقعنساسه أو كما يحلوا لبعضهم أن يسميها ب،خريف الفكر اليوناني في مقابل ربيع الفكر اليوناني في إشارة إلى العصر الذهبي و أنوار العقل ، ومع قلة الكتابات المشرقية و كشوفاتهم وسيل الطوفان الجارف المفعم بنظريات اليونان تتدنى خطوط التفاهم والتحاور بين الحضارات لتفسح المجال ل،الأنا وتشويه "الهو" المقابل الآخر في سبيل محاولة قيادة صدارة التاريخ ،فتصير مؤسسة الشرق مدرسة يرقى بها في أحضان هوامش التاريخ معدومة التفاعيل ،ومؤسسة الغرب مدرسة نموذجية يحتكم إليها في درجة التحضر و التعقل على مختلف الأصعدة وبالتالي استحقاقهم لبناء العالم من حيث هي ممثلة للقيم المطلقة و جامعة للحكم.

    1- النزعة الو ثوقية :

    إذا كنا بصدد تفكيك دواليب النزعة الوثوقية الساعية إلى بلوغ المطلق وتحديد توجهاتها كان علينا لزاما النفاذ إلى مفهوم الفلسفة كمصطلح يوناني وإبراز تبيانات مواضيعها منذ أن قام الإنسان بتوظيف عقله إلى حدود الوقت المعاصر حتى يتسنى لنا الأشياء التي بها بانت تلك النزعة على الوجود وعللت بها أحكامها وقراراتها لأن تصور الشيء سابق على الحكم عليه –كما يقول المناطقة ،فلابد من معرفة الخطوط العامة للفلسفة اليونانية و إدراك حيثياتها ولو بصورة موجزة حتى نعي الأسباب التي حركت وولدت نزعة دوغماتية ترفض الآخر جملة و تفصيلا.

    عرفت الفلسفة -بصفة عامة -تباينات في تحديد مواضيعها و تقعيد قضاياها ،ولعلنا نجد في التعاريف المختلفة للفلاسفة أنفسهم ما يكشف الستار على تشعب هذه المواضيع بدأ من فلاسفة الطبيعة وجماعة السفسطة مرورا بأفلاطون وأرسطو إلى روجر بيكون وفرنسيس ييكون وروينه ديكارت إلى مورتس اشلك...وقد نصل هذه التحديدات درجة التوافق في بعض الجزئيات أو التناقض ،ومرد ذلك قد يعود إلى اختلاف نظرة كل فيلسوف إلى الوجود و طريقة معالجته لكبريات المشاكل الإنسانية أو الميتافيزيقية فضلا عن الخصائص العامة لحضارة من الحضارات إذ غالبا ما يكون منطق الانتماء إلى مجتمع ما بكل مستوياته ونوعية أزماته يحدد سقف تنظيراته و تأطر جهازه المفاهيمي باعتبار أن الإنسان "ابن مألوفه وعوائده وليس ابن طبيعته" وأن لا مناص من التأثر بالواقع المعيش ، فبقدر ما يؤثر الواقع في الفكر يؤثر الفكر في الواقع و يحركه نحو تجاوز المعطيات الماثلة والتنكر للموروثات القديمة ، وعلى الرغم من تشعب المواضيع وتداخلها ضمن نسقية تمثل حقلا خصبا لممارسة فعل التفكير، فإن جل الأبحاث الفلسفية بشقيها المادية و المثالية اعتادت- كما اعتادت مؤرخو الفلسفة - تصنيف مباحث الفلسفة إلى ثلاثة أقسام :مبحث الوجود والمعرفة والقيم ،فالأول يتناول مسائل الماورائيات الميتافيزيقية (الانطولوجيا)،والثاني يهتم بمفهوم المعرفة كنتاج لفعالية العقل ومدى تقدمها كحصيلة لأخطاء متراكمة أو كنتيجة لسلسلة النجاحات التي تمضي إلى الأمثل و الأرقى (الإبستمولوجيا)

    أما مبحث القيم فينصرف نحو دراسة الحق والباطل والأحكام الواقعية والقيمية (الأكسيولوجيا)، وتنتظم داخل تلك المباحث فروعا عدة مثل دراسة الحضارة ،اللغة ، المجتمع،النفس ،التاريخ، الدين وعليه فكل شيء موضوع للفلسفة تضعها تحت المجهر لأجل استكشاف حقائقها.
    ونحن إذا أردنا أن نقوم بسرد موجز لتاريخ الفلسفة اليونانية التي كانت موضع التفاخر والاعتزاز طوال عقود من الزمن قلنا أنها عرفت انطلاقتها منذ القرن السابع قبل الميلاد مع فلاسفة الطبيعة الأيونيين و الأيليين والذريين مرورا بجماعة السفسطائيين وسقراط وأفلاطون باتجاه أرسطو طاليس نحو المدارس السقراطية ممن أولو اهتماما كليا بالمسائل الأخلاقية، وعلى مر هذه المنعطفات الزمنية شهدت الفلسفة تنوعا في المواضيع التي شغلت الفلاسفة ، فالطبيعيون الأوائل إنما انحصرت أبحاثهم في الجوانب الكونية في محاولة لإدراك الوجود بأصوله وفروعه ودراسة نشأة الكون دراسة نظرية بإرجاعها إلى العلل الأولى (الاسطقسات)، فالتوجيه كان كوسمولوجيا بامتياز يُعنى بالوجود كمبحث شكل مدار الاهتمام واتجهوا إلى دراسة أسرار الكون في رمته وخلصوا إلى جملة من النتائج المتضاربة حول تكوين العالم،وهم بذلك بعيدون كل البعد من الانشغال بخبايا الإنسان وهمومه وظلوا يحلقون في سماء التجريد باستدلالات نظرية بحتة إلى أن قام السفسطائيون في القرن الخامس قبل الميلاد بإثارة مشكل الإنسان باعتباره مركز الكون ، ويتقدمهم بروتاغوراس وغورغياس وكاليكلس ممن تفننوا في فن الجدل والبيان يجعلون منها وسيلة للتكسب وطريقة لإفحام الخصوم بالمحاججة عبر التلاعب بالألفاظ وتأييد القول الواحد ونقيضه إلى أن نبغ في زمنهم نابغ يدحض أقوالهم ويكشف عن زيفهم (سقراط) وكأنه " كان على موعد مع الحدث"1، ومنه إلى تلميذه أفلاطون ونظرية "المثل " وتمييزه للعالم المعقول عن العالم المحسوس،فجعل يطلب الحقائق في عالم المطلق باعتباره أزليا خالدا غير قابل للزوال عكس العالم المحسوس الذي يوصف بأنه ظلال وأشباح لعالم المثل والجواهر،وغير ذلك مما أسسه وقعده في محاوراته ورسائله المتنوعة ليترك المجال للفيلسوف أرسطو حيث لم يترك ما يحتاج إلى النظر العقلي إلا وقد بسط فيه القول وأعطاه حق قدره بشكل أكثر تنظيما من شيخه ،فكان واضع علم المنطق سمي من خلاله بالمعلم الأول ،إذ ظل زمنا طويلا قاموسا ومرجعا للفكر الإنساني إلى حدود القرن السادس عشر،و بعد موته أخذت الفلسفة تنكمش في بعدها الأخلاقي حيث غدا السلوك البشري النقطة المحورية في غالبية البحوث يستوي في ذلك ما ذهبت إليه المدرسة الرواقية مع زينون الرواقي والمدرسة الأبيقورية نسبة إلى أبيقور فكانت المحطة الرئيسية تدور حول الفضيلة والبحث عن السعادة أن الفكر اليوناني في عمومه لم يستطع أن يفلت من ربقة الفكر الأسطوري الآسر،وظل يرزح تحت التصورات الأسطورية في بناء نظرياته "فالفلسفة اليونانية القديمة تميزت بعلاقتها بالأسطورة. إن التطور الروحي ما بين القرنين السابع قبل الميلاد والرابع قبل الميلاد قد انطلقت من الأسطورة وقد لعب دورا كبيرا في هذه العملية استيعاب الإغريق للمفاهيم والأفكار العلمية والفلسفية لدى شعوب الشرق، "2 ، فما كانت الأساطير تحيد عن الفكر اليوناني "فبالرغم من أن الفلاسفة قبل سقراط نبذوا الكثير من اللغة الأسطورية إلا أنهم ظلوا في بعض النقاط بما ورثوه من مزاعم هصر ما قبل الفلسفة " 3
    أمام هذه المنعطفات التاريخية التي جسدت قيمة الفلسفة في اليونان تبدأ الكتابات بشرارتها حول مبتكرات فعل التفلسف وعطاءاته الإبداعية في المجتمع اليوناني، و ظلت بلاد اليونان تحتل مركزا حساسا في معظم الكتابات الفلسفية بوصفها رمز العقلانية وقطنا جذابا لكل من تملكته فضول المعرفة،بل غدا ولوج عالم التفلسف مرهونا بدراسة النصوص اليونانية والانكباب عليها بالبحث بالتمحيص والتعامل معها تعامل الشيخ للتلميذ رغبة في الدخول إلى عالم الانفتاح وآفاق الفلسفة،وهي –بلا شك-نظرة محكومة بنزعة دوغماتية وثوقية مفرطة تعطي للجنس الآري الريادة على مستوى الاكتشافات وأساليب الإبداع وتدعو إلى « قطيعة ابستمولوجية » تتجاوز الفكر الشرقي وتتجاوب مع الفكر الغربي ورفض أي إنتاجات عقلية لا تنتمي إلى « العقل اليوناني » مع الإصرار بضرورة الاحتكام إلى مقولات اليونان وأجهزته المفاهيمية واعتباره بمثابة السلطة المرجعية في تقرير الصالح من الطالح ومن ثم "إمبراطورية " مترامية الأطراف تحكم عقول الشرق وتهيمن على أنماط تفكيرهم، ووفق هذه الرؤية الاختزالية تنطبق الفلسفة على اليونان وتغدو الكشوفات الذهنية من نصيبها وحدها صانعة الحضارة ورائدة الفكر فتنحل الثقافات إلى ثقافة وحدانية تمثل الأصل لمجمل كسوب البشر،وهو ما يعادل ضمنيا عودة فكرة تراتبية الحضارات وانتظامها في سلم الأمثل والأدنى.يمكن أن نجرف بالقول أن مثل هذه « الوثوقية » شبيهة إلى حد ما بتلك الدعوات المسعورة التي أطلقها بعضهم في ادعاء احتكار العلم للغرب باعتباره حاملا لبذور التقدم وناشرا للمثل والقيم تراوحت في حدود إثنية صرفة، يتجلى ذلك بوضوح عند استقراء أعمال كل من ماكس فيبر ولابوج ومارسيل موس وجوبينو وارنست رينان... حيث الإعلاء من النظم الغربية كنسيج ثقافي مثل المبدأ الذي سعى أنصار ’التمركز الإثني" لتبريرها .



    1 - من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية. عبد الرحمان مرحبا .الطبعة2 منشورات عويدات باريس،ص: 93.
    2 - موسوعة الفلاسفة: د.فيصل عباس. الطبعة الأولى 1996 دار الفكر العربي بيروت ص 10
    3 - نفسه ص 11.




    التعديل الأخير تم بواسطة الطلحاوي; 3 يون, 2014, 06:03 م.
  • الطلحاوي
    2- عضو مشارك

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 30 مار, 2013
    • 119
    • أستـاذ
    • الإسلام

    #2
    " فماكس فييرmax weber ـ عالم الاجتماع الألماني ـ لم يتردد في تزكية هذا التفرد النموذجي للحضارة الغربية و النمط الثقافي الغربي.إن العلم في نظره لم ينم إلا في الغرب وهو الذي صاغ تاريخا علميا وهو وحده الذي يتمتع بنظم سياسية وقانونية واقتصادية مبنية على أسس عقلية متينة.بل لقد انتهى به الأمر إلى التساؤل عن إمكانية عزو هذه الأصالة إلى صفات وراثية نظرا لما نصادفه في الغرب وحده دون انقطاع من تعقيل أنموذجي إلى حد بعيد "1، أما مارسيل موس فيؤكد أن " الشعب الأوربي وحده الذي استحق أن يسمى أمة من بين شعوب العالم " 2، وإذا كنا قد نلتمس لهم العذر بوصفهم جموعا يشتركون في الهوية الحضارية بحكم النعرة العنصرية التي تغذيها أواصر الجنس الآري وانتماءاتهم لنفس النسق الغربي ذو التوجه الاقصائي فإننا لا نعرف لغير هؤلاء أي مبرر للاشتغال بالفكر اليوناني وحده وكأن الحضارات السابقة عليها لا وجود لها في تاريخ الأمم أو ظلت مأطرة بالميثولوجيا والطقوس الدينية -كما يصفها غالبية المؤرخين -إلى أن جاء اليونان فصرفوا نظرهم عن الأساطير ونقحوا تراثهم حتى خلا من دخالة الفكر الروحاني!.

    لقد أعلن هيغل في كتابه "فلسفة التاريخ" ،أن موطن الروح هو الشرق وأن على بلدان شمال إفريقيا الارتباط بأوروبا وبفرنسا خاصة و أن على الآسيويين الخضوع للسادة الإنجليز لأن القدر المحتوم للإمبراطوريات الأسيوية هو أن تخضع للأوروبيين، كما أن فيلسوفا بوزن هوسرل يتحدث في محاضرة ألقاها سنة 1935 بمنفاه في براغ تحت عنوان (أزمة العلوم كتعبير عن الأزمة العميقة للحياة لدى الإنسانية الأوروبية) عن أوربا بوصفها كيانا كليا معقولا تجسدت معالمه في يونان القديمة ، وان الثقافة الأوروبية هي -على خلاف الثقافات الأخرى المرتكزة على الأسطورة- هي ثقافة العقلانية باجتياز ذات الطابع الكوني .. وغير هؤلاء من الفلاسفة الذين تلقفتهم مزاعم الجنس الأوروبي الشيء الذي يعني أن وجودهم غدا نسخة من النسيج الحضاري الآسر أو كمرآة تعكس لتا الطابع العام للفكر الأوروبي حيث يصير الإنسان نتاج الوسط الاجتماعي بكل محتوياته، فيكون من الطبيعي أن تمتد أصواتهم نحو استنهاض التاريخ الفلسفي اليوناني بتراكماته الإبداعية بغية التفاخر به والاعتزاز بجذورهم التاريخي إن لم " " نقل أن الفلسفة المعاصرة تعمل لإحياء الفلسفة التي سبقت سقراط "3 ، و لكن إذا جاء ذلك من « اللاغرب » في اتجاه بسط أفكار اليونان وفقط ،فان ذلك يكرس أزمة الإبداع ويزكي فرضية تفوق اليونان على غيرها من الحضارات في إدراك الموجودات وتأكيد على قلة العطاءات وضيق أفق التأمل والتدبر،في حين لو تصدى المؤرخون لتاريخ الشرق وأنماط تفكيرهم بكثير من التحليل والنقد بنفس الحجم والاستعداد الذي أبدوه في دراسة اليونان لأعادوا الاعتبار للفكر الشرقي بعدما ظل هامشا على التاريخ وعبئا على المشغلين بمهموم التاريخ.

    وإذا كان من الصعوبة بمكان الإحاطة بجميع الكتابات المنزوعة نحو الفكر الغربي لمعاضدته وجعل الحضارة الإغريقية على قمة صدارة التاريخ فانه يكون ممكنا جرد بعض الشواهد لإبراز مدى حضور فلاسفة الإغريق في معظم الخزانات الفلسفية ورمي غيرهم بكثير من الأوصاف لأجل النيل من ثقافتها وجردها من أبسط مقومات التفكير لتصبح أفكارا تسبح في فلك المثاليات الفوقية .

    وتعود بذور الاختلاف حول أصول الفلسفة إلى ما أعلنه أرسطو بأن " نشأة الفلسفة كانت في اليونان في أيونية وأن أول من تفلسف كان طاليس الملطي ،بينما قال ديوجانيس في( حياة الفلاسفة) أن اليونانيين تلاميذ الهند و الكلدان و مصر"4 وبعد ذلك انقسمت الآراء إلى مؤيد ومعارض سيطر فيها أعوان" المعجزة اليونانية" إلى حدود نهاية القرن التاسع عشر حيث زعزعت المواقف الدوغماتية وحتى اليونان أنفسهم قد لا نغالي في القول بأنهم راحوا يرفعون من مقامهم إلى مصاف المجتمع المدني وغيرهم في سلك البرابرة " فنظروا إلى الفرس على أنهم قوم غير متحضرين ولم يعترفوا بالتحضر إلا للمصريين الذين سبقوهم في ميدان التحضر بمراحل، وكان اعتراف الإغريق للمصريين مشوبا بالكراهية و الحسد والحقد" 5 ، وهو أمر مفهوم من خلال كتاباتهم التي تقطع الصلة مع إمدادات الشرق وفضلهم .










    1 - منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية:.د محمد محمد أمزيان الطبعة الثالثة. .بيت الحكمة للترجمة والنشر ص 81
    2 - نفسه ص81.
    3 - دروس في تاريخ الفلسفة:.نجيب بلدي. دار توبقال للنشر. الطبعة الأولى: 1987.ص .12
    4 - الفلسفات الهندية: د علي زيعور. دار الأندلس. الطبعة الثانية: 1943 ص 145.
    5 - سلسلة عالم المعرفة:الحضارة: حسين مؤنس .الطبعة2/1998 العدد237 ص 80
    التعديل الأخير تم بواسطة الطلحاوي; 3 يون, 2014, 06:03 م.

    تعليق

    • الطلحاوي
      2- عضو مشارك

      حارس من حراس العقيدة
      عضو شرف المنتدى
      • 30 مار, 2013
      • 119
      • أستـاذ
      • الإسلام

      #3
      إن نظرة في الأدبيات الغربية تكشف عن حجم اعتزازهم باليونان بوصفها مهد عقلانيتهم ورمز أنوارهم " فقد تعصبوا للتراث الثقافي اليوناني والروماني فاعتبروه جماع ثقافة العالم وتجاهلوا ما خلفته الأجيال الفارطة في الشرقين الأوسط والأقصى من تراث ثقافي باهر "1 ينم عن عبقرية و حكمة تضرب جذورها في القدم مستفيدة من تثاقف الحضارات و تلاقح المدارك وفق احتكاكات المعارف من دون أن تنال من الخصوصيات الحضارية التي تطبع كل قطر بكل ثوابته و أسس تفكيره ،و استلحاقا لمبدأ الإقصاء والنفي فنحن لا نكاد نعثر على شهادات غربية تشيد بنوازع الفكر الشرقي و تراثه اللهم بعض الكتابات التي أرخت للعقائد القديمة ومراحل الملوك فيها وما تلحقها من نزاعات تنزع عنها صفات التعاطي للمعرفة وتلبسها لباس الجمود وحصر تاريخها في مجالات هي أبعد ما تكون عن طلب الحكمة والعرفان، ،" فأساتذة الفلسفة في الغرب لا يعرفون ولا يريدون كثيرا أن يعرفوا الفلسفات الشرقية، براتراند رسل مثلا يجهلها ولا يهمه أن يكون جاهلا بها ، فقد كتب تاريخا للفلسفة الغربية يرى فيه الغرب فقط ويعبد فيه اليونان وهو الذي يدعو إلى الوعي العالمي للفيلسوف "2 وهو الذي دأب على سرد نظريات اليونان في كتابه (حكمة الغرب) صور فيها اليونان كقمة ما وصل إليها الفكر البشري ،" فالحضارات الإغريقية ـ عنده ـ هي أول حضارة على الأرض تمثلت المذهب الإنساني حتى أنها لا تتصور الآلهة إلا في صورة البشر بكل أهوائهم ونقائصهم ولا تختلف عن البشر إلا فيما تتمتع فيه من قوة خارقة للطبيعة البشرية "3

      لقد تعامل الغربيون مع الفكر الشرقي عامة بكثير من التجاهل واللامبالاة زعما منهم انه ينتمي إلى عالم الروحانيات المبتور من الابتكارات العقلية النظرية بدافع من التعصب و رغبة في توكيد حضارتهم كإعلان عن كفاءاتهم وقدراتهم العالية لأجل ربط التراكمات المعرفية بالجنس الآري قائد الحضارات ،وبالتالي جاءت المناهج التي تبنوها مشحونة بنزعة عنصرية تستبعد كل مسا همة للأمم الشرقية وهي مناهج تخديرية مغلوطة تخرج عن الموضوعية والحيادية في البحث، " فالمناهج المنحرفة على أنواع منها العام الذي يتناول التراث برمته فيقتله من دائرة النظر العقلي ويضعه في دائرة الروحانيات التي تستغرق الفكر وتمنع عنه بالتالي فرصة النظر بواسطة العقل ،وقد انطلق مبدعو هذه المناهج من نظرة عنصرية دميمة تفرق بين الأعراق فتجعل العرق الأوروبي في موقع التفوق وتضع الفكر الشرقي في موقع التخلف والعجز عن إنتاج المعارف العقلية" 4 ، فنحن أمام حضارتين لا تلتقيان هما على طرفي نقيض حضور أحدهما تستلزم نفي الأخر من حيث كونهما يتباينان في الإنتاجات الثقافية وفي المرجعيات المؤسسة، فعندما نتحدث عن "الغرب" فهو مركز جامع لكل القيم الإيجابية المطلقة و حين الحديث عن الشرق ينصرف الكلام إلى الهامش أو الطرف الفاقد لشروط النظر العقلي ،ويعزز ذلك بترسانة من التصريحات المركزية التي تشيد بتطور الفكر الغربي وضحالة العقل الشرقي بتدحرجه في خط تنازلي لا منته، كما لا ننسى في أواخر القرن التاسع عشرة كيف صرح " الشاعر البريطاني الاستعماري راديارد كيبلينج في بعض أشعاره التي تمجد الإمبراطورية البريطانية أن الشرق شرق والغرب غرب وان التوأمين لن يلتقيا أبدا " 5

      إن مثل هذه المواقف لم تكتف بفصل وبتربين الحضارات وجعلها كأطر منعزلة لا تخضع للتفاعل مع الأمم، إنما سعت إلى تحرير الشرق من الغرب حتى يستقل الغرب بأفكاره ونظمه الخاصة و ما أكثر من حاولوا أن يظهروا اليونان كمنبع يستقي منه الشرق ، وقد مثل هذا التيار بقوة (جون برنت) حيث لم يتردد في اعتبار حضارات الشرق تبع لليونان تنهل من معارفها، فهو يقول : " إننا لا يمكن أن نتحدث عن فلسفة لدى المصريين أو البابليين، أما الذين يمكن أن تنسب لهم فلسفة من القدماء فهم الهنود، ولكننا ـ والكلام له دائما ـ على الرغم من ذلك لا يمكن أن نرجع الفلسفة اليونانية إلى الهنود بل الأقرب إلى الحقيقة أن نقول بان الفلسفة الهندية هي التي تأثرت بالفلسفة اليونانية "6 ، فحسب (برنت) فكل الفلسفات لم تسلم من تأثير اليونان فيها، فالمصريون والبابليون والصينيون لم يقوموا بأكثر من التعامل مع الفكر اليوناني بمنطق الاستهلاك والأخذ من دون أن تعرف إفرازات فكرية نابعة من الماهية الحضارية للأمم، وهو موقف يكشف لنا عن مدى مغالاة هؤلاء المفكرين في تمجيد تراثهم و سحق غيرهم من ألوان المعارف .








      1 - حكمة الصين : دارسة تحليلية لمعالم الفكر الصيني منذ اقدم العصور . الجزء الأول فؤاد محمد شبل . دار المعارف بمصر ص 6
      2 - الفلسفات الهندية علي زيعور .ص: 50.
      3 - سلسلة عالم الفكر . المجلد31: المثال أو النموذج بين الإنساني والإلهي. محمود كحيل ص 132.
      4 - ابن خلدون وتفوق الفكر العربي على الفكر اليوناني باكتشافه حقائق الفلسفة. مصباح العاملي الطبعة الأولى 1988 الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع والإعلان ص: 18
      5 - حكمة الصين: دراسة تحليلية لمعالم الفكر الصيني منذ أقدم العصور ص 5. فؤاد محمد شبل .
      6 - الفلسفة اليونانية : تاريخها ومشكلاتها.د أميرة حلمي مطر. ص 22.
      التعديل الأخير تم بواسطة الطلحاوي; 3 يون, 2014, 06:04 م.

      تعليق

      • الطلحاوي
        2- عضو مشارك

        حارس من حراس العقيدة
        عضو شرف المنتدى
        • 30 مار, 2013
        • 119
        • أستـاذ
        • الإسلام

        #4
        إن نزعة كهذه تقضي على كل شكل من أشكال التحاور بين الحضارات و تؤكد على فرضية " صراع الحضارات " كثابت متجذر في وعي الإنسان الغربي ودال على حجم النوايا التي يكنها ل « الشرق » بوصفها فرعية تابعة للأصلية ،والأوروبيون لم يقدروا على تجاوز هذه الرواسب منذ عقود من الزمن حتى أطلت علينا مقولات تفوق الجنس الآري في العلوم والفلسفة و بالجملة في صناعة الحضارات مثل ما نجده عند المستشرق الفرنسي رينان ارنست حيث "" نظر لهذه العنصرية و ارتفع بها من درك الانحراف الأخلاقي إلى مستوى البحث العلمي والذي أخذ بما كان شائعا في عصره من تصنيف للشعوب إلى سامية و آرية مفضلا الثانية على الأولى من حيث المرتبة الحضارية و القابليات العقلية "1 ، وهي بمثابة دعوة إلى الانغلاق داخل منتوجات الفكر الغربي والتقوقع ضمن حدود جغرافية تعطي لها المكانة السامية، ومن ثم التبشير بمعالم الفكر الأحادي والترويح بقيمته المثلى في وسط زحمة الأفكار المتعددة .

        يبدو النظر في استكشاف غمم الفكر الشرقي من زاوية الفكر الغربي مفعما بالكراهية والأحكام البعيدة عن الموضوعية وغنيا بشتى أنواع الوصفات الدالة على الموقف الوثوقي بتجلياته المتعددة.و لم تحمل هذه الوصفات أي اعتراف عن براعة الأمم الشرقية في توظيف عقولها في كبريات المسائل الوجودية للإنسان ،و من أهم النقط التي دأب عليها المفكرون الغربيون في سبيل الاعتزاز بتاريخهم وصف الشرق بالروحانيات والغرب بالعقلانية بما يعطي انطباعا على دنيوية و فوقية الحضارات و ريادة الغرب، فليس من الغريب إذا صادفنا أكاديميا بمثل فارنغتون farrington يعلن بأن " المفكر إذا ظهر في الغرب كان فيلسوفا وإذا ظهر في الشرق كان نبيا "2 ، فحيث ظهر السبب بطل العجب ، و قد لا نبالغ إذا قلنا أن مثل تلك النعوت تكاد تكون ثابتا من ثوابت المواقف الوثوقية و حاضرة بقوة في مجمل الكتابات الفلسفية التي أرخت لتطور الفكر الفلسفي ،و التحقت بها معظم الأدبيات الفلسفية العربية من باب التبعية و الاستلاب حتى حذت حذو النعل بالنعل فراحوا يرددون هشاشة الفكر الشرقي وبراعة العقل اليوناني في صيغة تأريخ لحكمهم و تجاهل مطبق لدواليب الفعل الشرقي و تراثهم ،" لقد تصور الأوروبيون التاريخ الحضاري والفلسفي أيضا بشكل تبدو فيه أثينا و الحضارة اليونانية ثم الحضارة الأوروبية هي الصورة والنور و الأساس،بينما تمثل الحضارات الأخرى ظلالا و بنى مهملة أو غير مؤثرة في الهيكل الفكري الجميعي للإنسان و للفلسفة و للفكر في شروطه الاجتماعية و قوانينه الإنسانية الشاملة"3، فلِمَ يريدون أن يحكموا على النتاج الفكري الشرقي من خلال العطاء الثقافي؟ وهل من إفادة في دحر ثقافات الأمم و ادعاء احتلال صدارة التاريخ ؟و كيف تبدو لنا صورة التصريحات الغربية عند السعي لسحق ارث الإنسانية بالأوصاف الاستفزازية ؟

        لم يمل الأكاديمي الغربي من ربط الشرق بالروحية رغم تعاقب الأزمان وتداول الأيام،و ظل مخلصا لأفكاره و هو يناقش أصول الفلسفة و مهدها اليوناني الأصيل حتى جزم جزما بصوابية أطروحته.وها هو الفيلسوف هوسرل يتصدى لفرضية أولوية نشأة الفلسفة عند حكماء الشرق ويقول :" و أريد أن أواجه اعتراضا جاهزا يقول بان الفلسفة ـ وهي علم الإغريق ـ ليست إبداعهم المميز لهم و أنهم لم يقوموا سوى فبشرها في العالم،و قد أفاضوا هم أنفسهم في الحكايات حول الحكمة المصرية والبابلية ..بل لقد استمدوا أشياء كثيرة من المصريين ،ونحن اليوم ـ يقول ـ نملك كما من الأعمال حول الفلسفات الهندية والصينية، هذه الفلسفات التي لا تماثل فلسفة الإغريق "4 ، ،كيف لا وهو الذي رفع اليونان إلى أرقى المراتب يسترشد منها ويتغذى بها ! و من جهتنا نستغرب كيف صدر ذلك من فيلسوف بهذا المستوى وهو يعبر عن عجزه من الانفلات من رواسب "المركزية الغربية " وقيود العلاقات الإثنية، فإذا كان هوسرل بمستواه الفلسفي ذو وزن وثقل على ساحة الفكر الأوروبي،ظل حبيس النزعة الوثوقية و لم تشفع له فلسفته في تجاوز معطيات الحدود العرقية فانه بلا شك أن من تحته في المقام أولى له بإطلاق التواصيف.

        وتماشيا مع نغمة " اليونان وحدها " واستقلاليتها عن أي تأثير خارجي فاعل في تراث اليونان نجد ثيودور غومبيرزt.gomperz لا يتوانى في وضع حد فاصل بين الحضارات و اعتبار اليونان على هرم الغزارات الفكرية مانح للقيم والمثل مستقبلا لا مستقبلا، يقول في (مفكرو اليونان ):" لقد كان لشعب صغير أن يخلق مبدأ الرقي، هذا الشعب لم يكن سوى الشعب اليوناني،وإذا استثنينا قوى الطبيعة العمياء فإننا نقدر على القول بان لا شيء يتحرك في هذا الكون إلا وهو ذو أصل يوناني "5 ، و في ذلك ما يكشف عن نزعة تطرفية بلغت ذروته تبجيل اليونان إلى حد اعتباره أصلا لكل المحركات و كفى بهذا وثوقية.!







        1 - ابن خلدون وتفوق الفكر العربي على الفكر اليوناني باكتشافه حقائق الفلسفة:.مصباح العاملي ص : 38
        2 - عالم المعرفة:الفكر الشرقي القديم : جون كولر العدد 199 ترجمة: يوسف حسين.مقدمة د ع.الفتاح 1995 الطبعة الثانية /ص 12
        3 - الفلسفات الهندية: د.علي يعور .دار الأندلس الطبعة 2/ 1943 ص 39.
        4 - الإنسية الأوروبية والفلسفة .هورسل .طبعة اويبي ص 35.
        5 - الفلسفات الهندية .علي زيعوز. دار الأندلس ص 32

        تعليق

        • الطلحاوي
          2- عضو مشارك

          حارس من حراس العقيدة
          عضو شرف المنتدى
          • 30 مار, 2013
          • 119
          • أستـاذ
          • الإسلام

          #5
          و إذا كانت مثل هذه المواقف و غيرها تفصح عن قرب على النزعة المتأصلة في بنية تكوين الإنسان الغربي، فإننا لا نرمي من وراء ذلك إلى إهمال الإرث اليوناني الضخم الذي صاغه عباقرة الفلسفة و نزع صفة التفلسف عن إنتاجهم فذلك مما لا يتوافق و الواقع و إلا فان صاحبها يتجاهل التاريخ أو يعيش خارج إطار الزمان و المكان، فلا أحد من العقلاء ينكر ذلك، ولكن حسبنا القول أن النظريات و المدارك التي انتهت إليها لم تكن و ليدة أفكار أصحابها فقط بقدر ما كانت حلقة وصل تربط السابق باللاحق ،الأصالة و المعاصرة،التراث والتجديد،و بالجملة " ألما قبل بالما بعد" ، ولم يكن بالإمكان تكوين أجهزة معلوماتية بدون الاحتكاك بثقافات الأمم واستلهام ما غاب عنها في،قواميسها الفلسفية ،فمتى أرادوا أن يسندوا لليونان فلسفة قلنا نعم،و متى أسندوا لها " الفلسفة "قلنا بأنها نزعة وثوقية لا تأخذ بالحسبان عطاءات الأمم و تنزع نحو الانفراد في إعمال عقولها في الوجود.

          انسجاما مع مقتضيات النزعة الأحادية الاختزالية،هيمن الفكر اليوناني بكل ثقله في الفكر الغربي من مستحدثين ومعاصرين أقبلوا عليها بشغف شديد ينقبون في ما يدعمون بها طروحاتهم لتنسجم مع الهوية الحضارية والانتماء الغربي،في هذا الساق ينبهنا " هايدغر heidegger إلى أننا عندما نكون أمام تفكير فلاسفة ما قبل سقراط لا نكون أمام تفكير بدائي ولكن أمام أصول أمام أناس ابتدعوا الفلسفة "1 ،فنحن أمام تفكير ارتفع عن أنماط العقل البدائي نحو عقل اكتشف الفلسفة و سبر أغوارها لتبدأ زمن الترقي إلى المجتمعات المتحضرة ،و خلاصة الأمر أن اليونان هو عصر الفلسفة و التنوير وعصر " الماقبل " عصر الخرافة و الأساطير الهلامية،وهي نفس الفكرة التي خلص إليها جاكلان روس jacquelin russ بإعلانه أن " اليونان أدركت الحقيقة الإنسانية فمنها ـ أي مع مفكريها الكبار و نصوصهم ـ وصلنا إلى المعرفة العقلية اليقينية التي تجاوزت المظاهر لبلوغ الحقائق الصائبة " 2 .

          و إذا كان المؤرخون الغربيون لم يتوانوا في إحياء جذورهم الثقافية، فإن مفكرينا الشرقيين عجزوا عن تفكيك تراث حضارتهم و تفسير ألغازهم فولوا وجهتهم نحو تبسيط الفكر اليوناني و استنهاض نظمهم بكل وثنياتهم وأساطيرهم وبسط القول في مذاهبهم وخلاصة مدارسهم، بل وجزموا باستقلاليته المطلق عن كل تأثير وتأثر فراحوا يمجدون و يعظمون قيمة "العقل اليوناني " بشتى أنواع النعوت مسايرين المنحنى الغربي في إطلاق أحكامه المسمومة،و هكذا تقرر عند عبد الرحمان بدوي أن الفلسفة محلها اليونان في محاولة للسير حذو النعل بالنعل مع أرسطو، فهو يقول " إن بدء الفلسفة لا يمكن أن نضعه في الفكر الشرقي و إنما يجب أن يكون هذا البدء في القرن السادس ق.م عند اليونان، و بهذا نكون قد رجحنا رأي أرسطو على المحاولات الحديثة التي قامت من أجل النيل من هذا الرأي ومن أجل عد الفكر الشرقي وهو مرجع الفكر الفلسفي"3 ، و هي دعوة تفصح عن الفكرة التي صنعها بيده مسبقا لأجل التوكيد على صحتها ولوضع المسوغات المعاضدة له،فلم يستسغ يوما وجود فكر شرقي يقوم على البرهان والاستدلال النظري فانتفض يدافع عن موقف أرسطو لإثبات خالصية الفلسفة اليونانية بشجاعة و ليعلن أنها لم" تنشأ متأثرة بأفكار شرقية و إنما نشأت نشأة طبيعية من خصائص الشعب اليوناني في نفسه و من الظروف الحضارية التي وجدت في القرن السادس قبل الميلاد في بلاد اليونان،ولا نستطيع أن نبحث بحثا مفصلا من أجل تأييد هذه الفكرة، لكنا نستطيع فقط أن نشير إشارة عابرة إلى أنه حتى منتهى القرن التاسع عشرة خصوصا في النصف الثاني من القرن العشرين كاد الرأي أن يستقر على أن الفلسفة اليونانية لم تنشأ متأثرة بعناصر شرقية،بل نشأت من تربة يونانية خالصة "4 ، فبالرغم من عجزه إثبات فرضية الاستقلالية فهو ماض في نفي تأثر الفكر اليوناني بالفكر الشرقي حيث تبرز لنا مستوى الاعتزاز الذي أبانوه للموروثات الإغريقية رغبة في "التماهي الكلي" وإصرارا في تجاوز "الأنا " ،بغير بينة، و لم يكتفوا هؤلاء النخبويون من تجريد الشرق من كل المواهب العقلية في ميادين البراهين و الحجج الذهنية،بل امتدت حتى أتت على مختلف فروع الابتكارات لتطال الرياضات و التفكير النظري المنظم ..بما يدلل على أن الشرق أصبح شبيها ب "فزاعة" صماء لا وظيفة لها سوى هجرانها بفعل هولها و بشاعة أشكالها ،و ها هو عبد الرحمان بدوي يعود لإقصاء الشرق من خبرتها في الرياضات فيقر أنها " كانت عند المصريين مماثلة في كثير من نتائجها من الرياضات عند اليونان،بل ربما كانت في بعضها أكثر تفوقا،و لكن ـ يقول ـ المهم في هذا ليس في النتائج بل في طبيعة الرياضات عند كل من اليونانيين و المصريين ،فالرياضيات كانت عند المصريين كما كانت عند البابليين و الآشوريين تجريبية صرفة"5 ، و هي نظرة لا تحتاج كثيرا من البيان.و لم يعدم بدوي أنصارا ممن انساقوا وراء النزعة الوثوقية ،إذ تدفقت مجاري المداد للذود عن اليونان و تبويئه قمة الإنتاج البشري و تبجيل مطلق إلى حد التنزيه،و نحن نجد في شخص ( محمد عبد الرحمان مرحبا) مثلا أعلى في تجنيد فكره لخدمة "المركزية اليونانية" من خلال كتابه الضخم (من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية) عبر فيه بإعجاب عن عبقرية اليونان ،فهم على حد تعييره " أساتذة العالم القديم و الأوسط و الحديث ، كيف لا وهم رواد النزعة العقلية في العالم و طلائعها وهم جنود الفكر الخالص الذين آمنوا بالعقل كأول من آمن و تعلقوا بالمعرفة لذات المعرفة لا لتحقيق مغتم أو دفع مغرم، فطلب المعرفة لذاتها بدعة جديدة ابتدعها الاغارقة، و كانت مزيتهم الأولى التي فاخروا بها أمما سبقتهم أو عاصرتهم ..فالفلسفة أصلها يوناني و روحها يوناني وعبقريتها يونانية "6



          1 - - دروس في تاريخ الفلسفة : نجيب بلدي. . الطبعة الأولى 1987 /ص 12.
          2 - Les chemins de la penssée philosophie . jacquelin russ p :31-
          3 - ربيع الفكر اليوناني. عبد الرحمان بدوي الطبعة الخامسة .1979. دار القلم بيروت لبنان ص 11.
          4 - نفسه ص 84.
          5 - ربيع الفكر اليوناني ص 9
          6- من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية .محمد عبد الرحمان مرحبا .الطبعة الثانية 1981 ص 58

          تعليق

          • الطلحاوي
            2- عضو مشارك

            حارس من حراس العقيدة
            عضو شرف المنتدى
            • 30 مار, 2013
            • 119
            • أستـاذ
            • الإسلام

            #6
            و في هذا منتهى ما وصلت إليها النزعة" الواحدية" تبلغ ذروتها مع المفكر الشرقي كناطق رسمي نيابي عن النخبويين الغربيين في دفاعاتهم الصلبة على الفكر اليوناني حتى خلص إلى أن " ما من فكر اشرأب أو فيلسوف قام أو رجل أوتي الحكمة وانهالت عليه المعاني إلا و بدأ باليونان و بنى فلسفته على أساس فلسفة اليونان و أبرز أفكاره و آرائه من خلال أفكار اليونان، فأعظم باليونان أساتذة للفكر والحضارة و أكرم بهم رسلا للحق والخير والجمال "1 ، و لنا أن نسائلهم حول صحة دعواتهم ونساءل تاريخ الفكر اليوناني حول طبيعة ما خرجوا به بفعل نزوعهم العقلي الخالص،؟ وهل لنا أن نقطع قطعا بأن مسارهم العقلي ظل في خطوط متوازية لا يعرف التناقض ما دام العقل وحده في التصور اليوناني هو الضامن الموصل لليقين ؟ وهل يجوز أصلا الحكم على حضارة من الحضارات من خلال تعاطيها للتجربة بأنها لا ترقى إلى الحكمة الفلسفية وأن طلب المعرفة لذاتها كفيلة لتصنيف الشعوب إلى عقلية و روحية؟،وإذا كان يجوز لهؤلاء إطلاق العنان لمحاكمة الحضارات الشرقية وفق معيار الغرب ،أفليس من المعقول فعل عكس ذلك من زاوية الشرق وفق القناعات الشرقية والخصوصيات الحضارية؟.

            لا شك أن التراث الفلسفي والأدبي والشعري الذي صاغه اليونان بكل حقائقه قد كان عاملا لتجاهل الفكر الشرقي و التقوقع في دائرة اليونان و رفض أي مساهمات للعقول الشرقية في تكوين النسق الفلسفي الإغريقي، فليس بغريب أن تعرف الساحة المفاهيمية ظهور قاموس يعزز فكرة ضخامة الفكر اليوناني من قبيل "المعجزة اليونانية" و "المنطق اليوناني " و "الخلق من عدم "..وغيرها من الألفاظ التي تستبطن نزعة اختزالية بحتة تنأى عن مناهج العلم والمعرفة.إن مفكرا بوزن عبد الرحمان بدوي قد وقف ـ كما وقف غيره ـ على أرض ليست أرضه و دافع عن فكر دخيل و ناصر أصله و ناصر أعلامهم و أيد طروحاتهم ، وهناك غير قليل " ممن تلقوا العلم عن الجامعات الغربية وعجزوا عن اكتشاف حقيقة التراث ،فإن من يضعون أنفسهم في خانة الفكر العلمي ولا يزالون ـ و للأسف -ينهجون في عملهم نهج هؤلاء و يعتمدون مناهج تجهيل الحقائق " 2، فالعودة إلى الذات أولا و العودة إلى الذات ثانيا و الانفتاح على الآخر ثالثا، الأصل تراث الأنا و الفرع تراث الآخر حيثما سقط الأصل سقط الفرع .

            2 - الفلسفة الواحدية

            بدأت بعض الدراسات تشق طريقها نحو إعادة النظر في أصول الفلسفة منذ بداية القرن العشرين و نهاية القرن التاسع عشرة بفعل ما يبدو محاولة للخروج من نفق إدعاء " المعجزة اليونانية " والهيمنة شبه المطلقة من قبل الإغريق حتى أصبح مفهوم الفلسفة لصيقا بالطابع اليوناني ، فحيثما وجدت الفلسفة لزم منها حضور الإغريق و بالضرورة، فالعلاقة علاقة سببية متينة غير قابلة للانفصام ولا تحتاج في نظر الغربيين إلى بيان، إذ أن تاريخ الفكر كاشف لذلك و دال عليه ، و قد جاءت تلك الدراسات كصعقة هزت مزاعم الوثوقيين لتجعلهم يعيدون تصفح أوراق التاريخ لأجل الاهتداء للحقيقة والتشكيك في المفاهيم المعيارية للغرب بعدما ظل ردحا من الزمن تحت ركام التاريخ مجهولا غائبا على وعي النخبويين الكبار،ومما لا مراء فيه أن ذلك لم يحفل باستقبال شديد للناس لما فيه من تغيير جذري للمنعطفات التاريخية لليونان ، بل بدت تلك الأصوات صدى يتردد من دون أن تلقى آذانا صاغية تعيد عجلة الفكر الشرقي للحركة و النشاط ، و لم يكن ذلك مقبولا عند من قطعوا على أنفسهم الارتماء في أحضان اليونان نظرا لضيق صدورهم ومدى قناعتهم بخرافة الفكر الشرقي وارتباطاته بالأساطير والطقوس الدينية و جزمهم "بالفلسفة الواحدية"اليونانية التي لا تضاهيها أية فلسفة شرقية على مستوى التفكير المنظم والعقل المجرد ، وهو أمر مفهوم من جهة نزعتهم الدوغماتية التي تأطر أحكامهم و تحدد لهم المشروع من اللامشروع والمعقول من اللامعقول وفق زيفهم القناعتي و ثوابتهم المطلقة التي لا تجادل.

            إن الإيمان بشأن تعدد الفلسفات أمر واقع لا يقبل النفي لاسيما إذا علمنا أن " كثيرا من مؤرخي الفلسفة بدءوا يميلون إلى القول بأن نشأة الفلسفة في بلاد اليونان في القرن السادس ق.م ليس بحقيقة نهائية حاسمة بقدر ما هو افتراض عملي ونقطة بدء مؤقتة في البحث نسلم بها لأن الوثائق الخاصة بعلوم الحضارات الشرقية القديمة و فلسفتها ليست وافية ولا هي واضحة بالقدر الذي يسمح أن نقرر بشكل حاسم أن بلاد اليونان هي مهد الفلسفة ومبدأ تاريخها وأنها أرض المعجزة"3 ، ومنه فالاعتماد على الفلسفة اليونانية أمر ظرفي تقتضيه غموض الوثائق وقلتها حول حضارات الشرق،وهو إجراء عملي من شأنه أن يبعثر كل الحسابات الغربية، إذ قد تنقلب فيها مجمل المفاهيم الإقصائية لتتحول « المعجزة اليونانية » إلى "معجزة شرقية " و"المنطق اليوناني" إلى" المنطق الشرقي"،وضمن نفس السياق " ذهب العالم المؤرخ الهندي( رأدكريشنان) في مقدمة لكتابه الذي اشترك فيه مع نخبة من كبار علماء الهند وفلاسفتها عن تاريخ الفلسفة الشرقية والغربية ويقول إنه يصدق على تاريخ الفلسفة ما يصدق على العالم إذ يصفه أحد كبار شعراء الفرس من أنه أشبه بمخطوط قديم فقدت أولى صفحاتها وآخرها "4 ، و ينضاف إلى تلك الشهادات المؤرخ الفرنسي المعروف (إيميل برهيه) في "تاريخ الفلسفة".



            1 - نفسه ص 58.
            2 - نفسه ص 19.
            3 - الفلسفة اليونانية : تاريخها ومشكلاتها . د أميرة حلمي مطر دار قباء للطباعة ص 21.
            4 - الفلسفة اليونانية: تاريخها ومشكلاتها د أميرة حلمي مطر ص 21.

            تعليق

            • الطلحاوي
              2- عضو مشارك

              حارس من حراس العقيدة
              عضو شرف المنتدى
              • 30 مار, 2013
              • 119
              • أستـاذ
              • الإسلام

              #7
              إن غالبية الكتابات الفلسفية التي أرخت لتطور الفكر الفلسفي سعت إلى فرض النموذج اليوناني بكثير من التحليل والإفاضة في المشكلات التي أثاروها وقاموا بتغذيتها حتى تمثل السقف والعتبة النهائية لاكتشاف الحقائق، وهو أمر يقابله فقر شديد في التنظير للفكر الشرقي عموما وعجز عن بلورة نظرياتهم في العالم سواء من المؤرخين الغربيين أو الشرقيين ، بل حتى المكتبات العربية التي نزعت لإظهار بسالة الفكر الشرقي غالبا ما اعتمدت على ما رسمته أيادي الغرب واتبعتها أيادي الشرق ،إن في ذلك دليلا على الهشاشة الفكرية والانحياز شبه المطلق لتعضيد "الإثنية الغربية" ، إنهم لم يتورعوا عن تمويه الحقائق والنظر إلى الفلسفة اليونانية على أنها تمثل المقياس الذي تقاس به وجودة الفلسفة وصلاحيتها ومن ثم كان لزاما الحكم على أنماط التفكير من خلال المعيار اليوناني .فلم ذلك؟أفلا يجوز الحديث عن كل حضارة بما يتناسب مع إطارها الخصوصياتي وفق المعطيات الروحية؟ولماذا يصر الكثيرون على ضرورة تجريد الفلسفة من الدين حتى يتسنى الحديث عن الفلسفة؟

              إذا حاولنا أن نكتشف معالم التفكير الغربي وجب أن ننقب عن الأسباب التي تسمى الفلسفة فلسفة والمسوغات التي تلوح في الأفق وتجعل من الفكر اليوناني فلسفة ومن الفكر الشرقي روحية، فلا ريب أنها تبريرات تتجافى الموضوعية وتفتقد أبسط مقومات البحث العلمي حينما تقفز على الماهيات الحضارية الشرقية لتصفها بأشكال قدحية صرفة،فلا نعثر سوى على اعتبارات تتردد في كثير من المواضيع تعد فصلا بين عالم التفلسف وعالم اللاتفلسف نجملها في مبدأين:مبدأ يتعامل مع الفلسفة بوصفها لا تهتم بالمواضيع إلا لذاتها وفي حد ذاتها بغض النظر عن ملحقاتها الإجرائية النفعية،ومبدأ يتفرع عنها إذ لما كانت المواضع مطلوبة لذاتها نتج عنها وضع الفلسفة في تعارض مع فنون التجربة حيث ليس هناك سوى العقل في تصييغ القوانين،وهما مبدءان أصبحا شائعين في العديد من الأدبيات الفلسفية حيث تحول إلى قانون يحدد لنا الفلسفة و يميزها عن غيرها هن أنواع التفكير. إن ذلك ما يفسر لنا تلك الهجمة التي تنزع عن الشرق صفة التفلسف وتضعها في خانات الروحيات التي تجاوزها الفكر البشري،وقد ينضاف مبدأ ثالث ظاهر في فلسفة اليونان مع بعض المآخذ يتعلق بالمناهج التي بناها الفكر اليوناني وفق قواعد الاستقراء والاستنباط في معالجة المواضيع حيث أفرزت الحصيلة الإبداعية نسقيات في مجالات الأخلاق والسياسة والعدالة والخير والشر والجمال...كونت سلسلة معارف متداخلة . إن الفرق بين الشرق والغرب يتم ترجيحه بالمبادئ المذكورة:والفرق بينهما واضح وضوح الشمس في وسط النهار ،فالفكر الشرقي القديم(المصريون ـ الهنود ـ الصينيون ـ البابليون...) أبدعت حضارات إنسانية توحد بين الحاجة العلمية وبين تفكير ديني يعتمد على النظر العقلي المجرد في حين عزف اليونان عن الأغراض النفعية واقتصر على الدراسات الذاتية.

              إن ما لا يقبل عند الغربيين عامة يقبل عند الشرقيين خاصة،و ذنبها أنها لم تفلح في النظر في المسائل لذاتها كموضوعات علم مستقل، وأنها عالجت المشاكل بما تتوفر عليها من المعرفة الدينية وأنها لم تدرس الجدل في نفسه لأجل إدراك أسس الاستقراء ،في المقابل حاز اليونان على المجد والعزة بإعراضهم عن حوائج الذات حيث قصدوا كشف أسرار الحقيقة عن طريق النظر العقلي الخالص بباعث من اللذة العقلية بصرف النظر عن المكاسب أو إشباع لمطالب الحياة الدينية فاحتقروا فنون الصناعات اليدوية ومالوا إلى تنزيه أنفسهم عما قد يلحقهم من جراء تعاطيهم للممارسة البدنية،فأنزلوا ذواتهم مقام العقلاء وغيرهم مقام العبيد البلداء ، " فالإغريق كانت لهم ثقافة أرستقراطية وكانوا يترفعون عن أن يلوثوا أيديهم في مختبر،وكانوا يعتقدون أن إجراء التجارب مهنة لا تليق إلا بالعبيد"1 ، فما كانوا يوما يحشرون أنفسهم في الاشتغال بهموم المجتمع ونواكبه،دليل ذلك تلك الفلسفات التجريدية التي ظلت تحلق في سماء المعقولات لملاحقة العلل والجواهر والماهيات ...نحو إنشاء انساق فلسفية لا يتميز فيها الصواب من الخطأ والحقيقة من الخيال وهي لا تزيد إلا غموضا على غموض، صحيح أن" اليونان اختصوا عن باقي الأمم الشرقية الأخرى باكتشافهم لمفهوم العلم بمعناه الحديث،أي إدراكهم أن العلم إنما يتلخص في وضع القوانين والنظريات المفسرة لمجموعة من الظواهر الجزئية"2 إلا أنهم لم يكونوا يفرقون بين الفلسفة والعلم،فهي حصيلة منطقية للمسار الذي تبنوه إزاء هذا التعامل مع المواضيع المختلفة حيث العقل وحده قائدا أو حاكما، له السلطة المرجعية في كل شيء ولهم في ذلك مبرراتهم حيث الدين في تاريخهم دين أساطير وأوهام هي ابعد من الاطمئنان لها وموغلة في الحكايات الميثولوجية والأقاصيص المثالية (الديانات الأورفية، الفيتاغورية ،تعدد الآلهة)، فلم يكن لهم من سبيل سوى رفض الأورفية ، وأشعار هوميروس و هزيود والانصراف إلى املاءات العقل حتى في باب الميتافيزيقا إضافة إلى نزعتهم التجريدية في احتكاكهم مع المواضيع .
              " إن اليونان في اعتقادهم "بأنهم أذكى شعوب الأرض وأقربها إلى الكمال واختصاص أنفسهم بكل فضيلة قضوا على أنفسهم بهذا الموقف لأنهم بعد أن انتصروا على الفرس في حروبهم الطويلة المعروفة ركبهم غرور فتعففوا عن العمل واستكثروا من العبيد لخدمتهم ...وأوغل علماؤها في التفلسف، فابتعدوا عن الحياة فأنقض عليهم المقدونييون وكان الإغريق يحتقرونهم وأزالوا دولهم بقيادة الإسكندر"3 ، وهي خلاصة لطريقة أدائهم للحياة ودرس لمن أراد الانفراد بصدارة التاريخ بالاحتقار وتجاهل حضارات الأمم الأخرى، وها هو أفلاطون يميز بين الروح اليونانية المتطلعة للمعرفة والروح الفينيقية والمصرية المتطلعة للنفع العلمي فيضع خطا بين النمط العقلي اليوناني المتلهف لحب الفضول المعرفي و بين والنمط النفعي المصري المتعطش للمصالح والفوائد الفعلية .





              1 - فلاسفة الإغريق ريكس وورنر. ترجمة عبد الحميد سليم ص: 58.
              2 - الفلسفة اليونانية : تاريخها ومشكلاتها ـ د أميرة حلمي مطر ص 23
              3 - سلسلة عالم المعرفة : الحضارة. حسين مؤنس.الطبعة الثانية.العدد 237/1998 ص 50

              تعليق

              • الطلحاوي
                2- عضو مشارك

                حارس من حراس العقيدة
                عضو شرف المنتدى
                • 30 مار, 2013
                • 119
                • أستـاذ
                • الإسلام

                #8
                إن اتخاذ المواضيع لأجل ذاتها هي السمة التي جعلت العديد من المفكرين يقصرون الفلسفة على الإغريق أو إن شئت على "الفلسفة الواحدية" ويدافعون عبرها عن الفلسفة اليونانية، ومن ثم رفض ما سواها من الحكم الشرقية ، يقول محمد عبد الرحمان مرحبا:" فالتفكير النظري البحث والعمل العقلي الذي يكون رائده التفلسف عند المصريين عند الوصول إلى الحقيقة المجردة فأمر بعيد عن مركز اهتماماتهم ومقتضى حياتهم ،ولذلك لم يستطيعوا أن ينجبوا أي مذهب فلسفي بالمعنى الصحيح"1 ، و هو بذلك استبعد كليا شغفهم في الحقيقة المجردة وأقر بانشغالهم بالمطالب العملية ومن ثم لا يستحقون في نظره أن يكون لهم تفكير فلسفي ،لأنه يجعل من الاحتجاج بالعقل وحده شرطا لازما لا محيد عنه في التأسيس للوجود،كما انه لا ينفي عنهم الحكمة إطلاقا،و إنما يعيب عليهم قصورهم في الارتقاء بتلك الحكمة إلى مستوى البحث النظري المنظم.فهو يستطرد بالقول:" وليس معنى هذا أن الأمم الشرقية خلت من تفكير فلسفي وتمحيص عقلي،كلا فلقد كان لدى الشرقيين عناصر هامة من التفكير الفلسفي و الحكمة العقلية،لكن هذه العناصر لم ترتق إلى مستوى البحث النظري والرؤية الشاملة الكلية،بل ظلت محجوبة بسحب كثيفة من المذاهب الدينية والأساطير الشعبية والاهتمامات العملية"2 ، و هي نتيجة نلتمسها عن قرب في العديد من الخطابات التي سايرت هذه المسوغات ،وهي بذلك تقيم على نفسها دليلا على نزعتها الدوغماتية ورفض الآخر شكلا ومضمونا ،فمتى شغلت هؤلاء ضرورة تحليل الفكر الشرقي ومتى كلفوا أنفسهم مهمة معرفة تلك الأساطير الشعبية و الاهتمامات العملية لترتيبه في دائرة خانة الروحيات وإدراك دواعي تلك الاهتمامات، فإن نزوعهم هذا هو شبيه ـ شيئا ما ـ بمحاولات التوفيق التي أرادها فلاسفة الإسلام (الفارابي،ابن سينا،ابن رشد) بين الروح اليونانية في شكلها الأفلاطوني الأرسطي وبين روح الإسلام في شكلها القرآني المطلق، فأرادوا بذلك أن يجزموا بتطابقية العقل اليوناني مع الإسلام،وهي مشابهة قاسمها المشترك ماثلة في مدى رغبة "المُأينين" في الذود عن العقل اليوناني بوصفه آخر ما وصل إليه البشر و شعاعا ينير غمم العالم بأسره.

                إن "الفلسفة الواحدية" التي بشر بها المفكرون هي فلسفة تطبعها المعالجة العقلية فقط، تطارد الظواهر لتحليلها عبر التجريد والتأمل ولا تأبه لتعدد الثقافات،وهي فلسفة يغلب عليها طوفان الأقوال وسيل النظريات الجارفة حتى سماها طه عبد الرحمان "حضارة القول"3 ، لطغيان العقل وغياب مفاعيل الحركة والإرادة الفكرية ،ولذلك فهي فلسفة "نخبوية" لا يتعاطاها سوى نخبة من نوابغ الفكر بعيدين عن فقه الممارسة والتطبيق، وهو ما يفتح الباب لنقدها من هذه الجهة بسبب التراكمات النظرية و المفاهيمية الميتافيزيقية العقيمة و إن كانت بالنسبة للآخرين عنوان الفلسفة و الحضارة. وإذا كان اليونان قد قدحوا في شأن التجربة والفنون اليدوية عامة، فإن الأمر يختلف في حضارات الشرق حيث لا انفصام بين النظر والعمل،بين التأمل والتجربة،وهما وجهان لعملة واحدة على خط مستقيم،" ذلك أن الفلاسفة الشرقيين يستمرون في التواصل عن كثب مع الحياة عائدين إلى محك التجربة الإنسانية لاختبار نظرياتهم"4 ، وهم على وعي بضرورة إخضاع النظر للعمل وتوظيف العقل للتمهيد للفعل لتكتمل صورة الحياة في تناغم وانسجام متوازن لا يغلب أحدهما على الآخر لا بتفريط ولا بإفراط ونحن نلمس ذلك بجلاء في الفلسفة الهندية والصينية والمصرية على حد سواء بسببها أقصيت من تداول قاموس الفكر الفلسفي "فالفلاسفة الصينيون لم يعتبروا المعرفة شيئا ذات قيمة في حد ذاتها مما صدفهم عن نشدان المعرفة من أجل مجرد المعرفة، بل انه حتى بالنسبة للمعرفة العملية المنحى التي تأثر تأثيرا مباشرا على السعادة العاجلة نجد الفلاسفة الصينيين يؤثرون تطبيق هذه المعرفة على السلوك الواقعي الذي يقود إلى السعادة مباشرة بدلا من الخوض في مناقشات جدلية يعتبرونها فارغة لا جدوى من ورائها"5 بمعنى أنهم لا يعترفون بأية فلسفة إذا لم يصاحبها عمل يأتي كنتيجة للمجهود الذهني و كترجمة" للعقل المكون" ،وهو موقف يتناقض مع الطرح اليوناني ذي النزعة العقلية الواحدية التي تضع استبعاد المنافع كقنطرة تتجه صوب الفلسفة ،و قد أدرك الصينيون على أن الواقع في حاجة أكثر إلى العمل وليس إلى مجالات جدلية لا تخرج بشيء حتى " " أن الحكيم الصيني تراه عندما يفشل في الفوز بمركز ووظيفة رسمية يمارس فيها تطبيق مبادئه عمليا يولي وجهه شطر تأليف الكتب كوسيلة لتشييد مذهبه الفكري فإن ظفر بمنصب يرتضيه يصدف عن الكتابة ،و هذا هو سبب قلة الإنتاج الفلسفي الصيني القديم "6 ، و هكذا يسير التفكر جنبا ‘إلى جنب مع التطبيق حيث لا قيمة للأولى بدون الثانية ،وهي رؤية تعبر عن عمق تفكيرهم وسلامة اختيارهم وتوازن منطقهم، ويحدثنا تاريخ الصين -عندما سيطرت الفلسفة الكونفوشيوسية -على" استحالة الحصول على وظيفة حكومية دون معرفة أعمال كونفوشيوش ،كما يخبرنا عن العديد من الملوك والفنانين والمثقفين الذين كانوا فلاسفة، وينظر الصينيون إلى الفكر والفلسفة والممارسة على أنه لا ينفصل أحدهما عن الآخر كجانبين لنشاط واحد "7 ، وهو أمر يكفي للتدليل على نظرتهم السديدة لما تقتضيه طبيعة الحياة كان من المفترض أن تدخل تاريخ الفلسفة من باب واسع بدل التدليل عليها ورميها بالرغبات المنفعية والطقوس الدينية.




                1 - من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية. محمد عبد الرحمان مرحبا الطبعة الثانية 1981. ص:60
                2 - نفسه ص 59.
                3 - سؤال الأخلاق .طه عبد الرحمان الطبعة الأولى 2000 المركز الثقافي العربي ص 77
                4 - عالم المعرفة : الفكر الشرقي القديم .جون كولر ترجمة : يوسف حسين العدد159 ص 21.
                5 - حكمة الصين دراسة تحليلية لمعالم الفكر الصيني منذ أقدم العصور ج 1 .محمد فؤاد شبلي ص 8-9.
                6 - نفسه ص 9.
                7 - عالم المعرفة: الفكر الشرقي القديم.جون كولر ص :21

                تعليق

                • الطلحاوي
                  2- عضو مشارك

                  حارس من حراس العقيدة
                  عضو شرف المنتدى
                  • 30 مار, 2013
                  • 119
                  • أستـاذ
                  • الإسلام

                  #9
                  إن الفلسفة الهندية لا تختلف مع نظيرتها الصينية في تصورها لما ينبغي أن يكون حيث تقاسمها نفس الرؤية فنجد "الدارما" تنصب على مفهوم العمل والسلوك، أي يحدد ما يجب أن يكون ويقوم به الفرد تجاهه وتجاه الآخرين ،فهي مطلوبة على مستوى الفرد و المجتمع لأجل الوصول إلى مجتمع يخلوا من المنازعات البينية وتحقيق قدر من الرفاهية، و" أكثر السمات إثارة في الفكر الفلسفي الهندي بعد ثرائه وشموله تتمثل في طابعه العملي، فقد نشأت تأملات حكماء الهند منذ البداية من محاولاتهم تحسين الحياة،فقد واجه الفلاسفة الهنود العذاب الجسدي والذهني والروحي وسعوا إلى فهم مبرراته وأسبابه" 1 ، كما سعى الفكر الهندي في سبيل ربط العلم بالعمل إلى تحديد الأغراض الأساسية للحياة لأجل تنظيم سلوكيات الأشخاص وترويضها لتتفاعل مع مؤسسات المجتمع في خط تصاعدي نحو الأمثل، ويعبر عنها(بوروشارئا) أي هدف ما ،و" تتوزع إلى أربعة أهداف:العيش الفاضل أو الورع (الدارما) و وسائل الحياة (أرثا) و المتعة (كاما) ثم تحرير النفس (موكشا)2

                  إن الناظر لفلسفات الشرق عامة يدرك حجم تعلقهم بضرورة الجمع بين الوجهين النظري والعملي، فكان أولى بها أن تتبوأ مكانة متميزة تناسب مقامها في تاريخ الفكر بدل النعوتات المسددة لها من الغربيين و"المتأينين" الذين يريدون أن تكون الفلسفة كما تحلوا لهم أن تكون وفق المنظور اليوناني ، ونحن نسلم بالفلسفة الإغريقية ولا أحد يجادل في تراكماتها الفلسفية ولكننا لا نسلم بأنها فلسفة واحدية ووحيدة ومرجعا يحكم الفلسفات الأخرى، وإذا كانت فلسفات الشرق غنية بالأساطير فماذا سنقول عن أساطير هوميروس وهوزيود في ملحماتهم ؟وماذا نقول عن الفكر السفسطائي وعن تأملات فلاسفة الطبيعة؟ثم هل اشتهرت اليونان عن باقي الأمم بالعصمة والفطنة حتى نرفعها إلى قمة القمم ونعلن بخلود فلسفاتها ! فما كان شعب اليونان بأكمله متفلسفا إنما نبغ فيهم قلة ممن حاولوا الإصلاح في مجتمع انحلت فيه القيم و تبددت فيه المثل سيما مع عصر السفسطة،ثم لم ننكر عن الشرقيين الفلسفة لمجرد اهتمامهم بما يعود على مصالحهم؟ أليس من حقنا أن ننكر عن الشرقيين انغماسهم في التجريد والاقتصار بالنظر البرهاني حتى دأبوا على إنكار الحواس وقيمة وظيفتها؟ " ولئن لم نجد لدى المصريين ما نجده عند اليونان من نظريات علمية وقوانين مفسرة للظواهر،و كان طابع العلم عندهم لم يكشف عن تلك الرغبة في المعرفة لذاتها فليس في هذا الاختلاف ما يقلل من أصالتهم العلمية أو ما يدعوا إلى استبعاد المنهج العلمي عن عقليتهم وتراثهم"3 ، مرة أخرى نؤكد على أن حضارة كيفما كانت ينبغي أن تفهم في نطاق خصوصياتها ومجمل ثوابتها، فإذا كان مثلا الدين عند اليونان يقوم على تصورات وهمية لا تقدم ما يكفي من معلومات حول غاية الوجود حيث نجم عنه غزارة في البحث في مسائل الميتافيزيقا أفيجوز أن نعيب على حضارة يكون فيها الدين عمودها الفقري ومحددا لكل شيء؟ " إن من التعسف الشديد أن ننكر عليهم القدرة العلمية لان علمهم قد ارتبط بالتطبيق العملي، ذلك أن هذا التطبيق نفسه حجة لهم لا عليم وهي ثمرة لمعرفتهم العلمية"4 ، وأن من البشاعة بفلسفة حركتها ظرفيتها التاريخية كانت في حاجة ماسة إلى ما يشبع فضول المسائلين حول حقيقة الكون ويذهب حيرة اليونانيين لاسيما إذا علمنا أن اليونان تتوزع على اثني عشر إلها يترأسهم الإله زيوس.و لا يسعنا إلا أن نردد مع د.علي زيعور:" إن المتغلب قد أحدث فينا موقف اللاتوازن فنظرنا فترة إلى الفلسفة على أنها بنت اليونان ونتاج أوربا حديثا ، وبذلك فان المغلوب أخذ نفسه على أنه دون الغرب نظرا وبحثا وقدرات ،لقد بخست الضحية ذاتها بذاتها فكأنها تعاقب نفسها بالاستسلام"5 ، ونضيف بأن " المغلوب مولع بتقليد الغالب في شعاره ونظمه" على حد المؤرخ ابن خلدون.



                  المبحث الثاني: موقع الفلسفة في حضارات الشرق

                  (يُتــبَع لاحقا بحول الله)....

                  تعليق

                  • فارس الميـدان
                    مشرف عام أقسام
                    المذاهب الفكرية الهدامة
                    ومشرف عام قناة اليوتيوب

                    • 17 فبر, 2007
                    • 10117
                    • مسلم

                    #10
                    جزاكم الله خيراً أخى الفاضل ..
                    الحمد لله الذى جعل فى كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى .. الإمام أحمد ..

                    تعليق

                    • الطلحاوي
                      2- عضو مشارك

                      حارس من حراس العقيدة
                      عضو شرف المنتدى
                      • 30 مار, 2013
                      • 119
                      • أستـاذ
                      • الإسلام

                      #11
                      1 - نفسه ص 27
                      2 - نفسه ص 72-73.
                      3 - الفلسفة اليونانية : تاريخها ومشكلاتها. أميرة حلمي مطر ص 29.
                      4 - نفسه ص29
                      5 - الفلسفات الهندية : علي زيعور دار الأندلس . الطبعة الثانية 1943:ص 9.



                      المبحث الثاني: موقع الفلسفة في حضارات الشرق

                      لم تكن فكرة الرجوع إلى الفكر الشرقي لفهمه وإدراك خفاياه ما قبل القرن العشرين مطروحة بنفس القوة التي طرحت إبان فواتح القرن العشرين حيث وجهت ضربة قاسمة لأنصار الفكر الدوغماتي اليوناني، فلم يكن لهم سوى أن يتجرعوها على مضض شاكين في مدى مصداقية تلك الدعوى وهم الذين دأبوا على التعامل مع الإغريق بصفتهم يجسدون فلسفة واحدية وحيدة في شكل تكاملي جاءت وليدة نفسها بمعزل عن أي تأثير خارجي ،ومن ثم رفض باقي الفلسفات الهندية منها أو الصينية أو حتى المصرية على أساس انتمائها إلى عالم الميثولوجيا وتداخلاتها مع الدين و التجربة الحسية بحسب ما اعتادت أن تصنفها خارج "إطار" الفلسفة حتى غدا فكرا شبيها بفكر ما قبل التاريخ مجرد من كل مقتضيات التأمل والتدبر، ومع تصاعد الدعوات إلى تفكيك الفكر الشرقي وحل ألغازه تصاعدت بالمقابل دعوات الانطواء على الفلسفة اليونانية الواحدية ونفي ما يزاحمه ويرمي إلى إلغائه عن طريق شتى أنواع الأوصاف والنعوت التعسفية في حين لو سمحوا لأنفسهم بتحليل عالم الحضارات وفلسفاتها لما بقوا على نزعتهم في ترييد الفكر اليوناني وتنزيل غيره.

                      إن دارس الفكر الشرقي ليجد نفسه بعيدا عن تلك الصورة التي اصطنعتها الأيادي الموالية للنزعة الوثوقية ويقف وقفة تفكر وإمعان في مفاهيمهم وتأملاتهم وتصوراتهم التي تنم عن رؤية ليست عبثية عشوائية بقدر ما هي أنسقة تحاول تفسير العالم بموجوداته ولا موجوداته في صيغ مثلت ألغازا استعصى على العادي استكشافه وتحليل أسراره شأنه في ذلك شأن الفلسفة الصينية،وإذا كانت الفلسفة في مجموعها هي ركام من التساؤلات تتبلور عن فضول الإنسان لأجل النفاذ داخل العالم لمعرفته في أصوله وفروعه وتتوزع نحو إيجاد حلول لكبريات القضايا بشقيها "الحسي" "والغيبي"فإن ذلك لم يعدم وجودها في قاموس الفكر الشرقي وظلت حاضرة تسجل مواقفها من الإنسان ووظيفته في الحياة في شكل تهجين بين العلم والعمل بين الإدراك والممارسة، كما أنها انقسمت على مدارس متعددة على حسب اتجاهاتها وأطرها المرجعية في الاستدلال والبرهنة ،فهناك على سبيل المثال " مدارس ترفض الجوهر والهوية والدوام والثبات وترى أن هوية الأشياء و دوامها مسألة وهمية ، و من ثم فإن رؤية الواقع من خلال منظور الجوهر هي زعم باطل لا أساس له لأن الأشياء لا تكف عن الظهور والاختفاء، فلا هوية دائمة بين الأشخاص بل عناصر تنشأ وتتفرق وتتوقف وتظهر وتختفي على نحو مستمر"1 كما نجد مذاهب ذات نزوع مثالي وآخر مادي ساهمت في إثراء الفكر الفلسفي سيما الهندي منه وهو شبيه إلى حد ما بالمدارس الأيونية اليونانية في تأويلات للعالم ومصير الإنسان، كما نجد مذاهب ذات نزوع مثالي وآخر مادي ساهمت في إثراء الفكر الفلسفي سيما الهندي منه وهو شبيه إلى حد ما بالمدارس الأيونية اليونانية في تأويلات للعالم ومصير الإنسان.

                      لقد اختلف المفكرون في أصل الفلسفة ومنشئها فتأرجحت بين الشرق والغرب وانتظم غالبيتهم في كفة الغرب في حين تمسك قلة منهم بالحكمة الشرقية، وقد مثلها " ابل ريه في كتابه (شباب العلم اليوناني ) ثم في المناقشة التي حدثت في الجمعية الفرنسية للموضوع الذي قدمه وهو(العلم عند الشرقيين في العصر السابق على العلم عند اليونان"2 وشايعه في ذلك إميل برهيه و دلتهي و ياسبز بريس و راد أكرشنان و غلاديش و روث، و يقدم المفكر الأمريكي جورج جيمس في كتابه النفيس " التراث المسروق: الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة " قراءة نقدية صارمـة للفلسفة الدوغمائية التي ترى في الفلسفة اليونانية مصدرا للإبداع وحيدا، وفي رأي جورج سارطون في" تاريخ العلم" أن من سذاجة الأطفال أن نفترض أن العلم قد بدأ في بلاد الإغريق فإن المعجزة اليونانية قد سبقتها آلاف الجهود العلمية في مصر وبلاد ما بين النهرين وغيرهما من الأقاليم والعلم اليوناني كان إحياء أكثر من اختراعا "3 ، كما جاء نتيجة للرحلات المتعددة لليونانيين إلى أراضي الشرق لاستلهام العلوم والاستفادة من بواكير فكرها على مستويات مختلفة بل حتى اليونان لا ينكرون فضل الشرقيين على حضارة الإغريق وأسبقيتهم لكثير من الحقائق التي كانت محل إعجاب وانبهار من قبل الإغريق ،" فمنذ القرن الخامس ق. م سجل هيرودوت إعجابه بحضارات قدماء المصيريين واعترف بتفوقهم على أهل بلاده في كثير من الصناعات والفنون العلمية وذكر ما يدين به فلاسفة اليونان وعلمائهم من علوم ونظريات أخذوها عن المصريين"4 اعتبرت إرهاصات لتطور الفكر اليوناني وبدايات وضحت معالم الفكر عامة ،بل نجد غلاديش وروث تبنيا الأصل الشرقي للفكر اليوناني وبالأخص الحضارة المصرية العريقة،وبالرغم من ذلك فكثير من القصص التي نسجها المؤرخون حول مصر اتسمت بالانحيازية والذاتية وتلفيق الأحداث وتزيينها بكثير من الخرافات والأساطير إما عن قصد أو عن جهل بمقومات الحضارة المصرية،و لذلك جاءت كتاباتهم تلفيقية و مفعمة بالروايات الهلامية،"و قد تميزت الفترة ما بين القرنين السادس ق.م إلى الثاني ب.م بزيارة عدد كبير من الاغارقة مؤرخين كانوا أم رحالة ...غير أن كثيرا منهم قد أساءوا فهم ما رأوه و ذهب بهم خيالهم في تفسير أو تعليل ما سمعوه، كما أن هؤلاء زاروا مصر في أيام ضعفها ...وان هؤلاء كانت إقامتهم قي مدن الدلتا وان الكتاب قد اعتمدوا في الكثير من معلوماتهم على الأحاديث الشفوية مع صغار الكهنة والتراجمة الوطنيين بالإضافة إلى روح التعصب التي عرفت عن الغربيين لحضارتهم"5 ، و من أشهر هؤلاء المؤرخين هيكاته الملتي و هيرودوت و هيكاته الأبديري و ديودور الصقلي و فلوتارخيس وغيرهم. فما كانت نزعتهم في التأريخ للحضارات تمنعهم من الميل إلى تمجيد مراكزهم ووصف غيرها بالأساطير الفجة، وكيف لنا أن ننكر على المصريين ابتكاراتهم العلمية في ميدان الرياضيات وعلى البابليين علم الفضاء و الفلك حتى بنا عليها الإغريق أبحاثهم وأضافوا إليها من عبقريتهم؟" فقد عرف الكهنة البابليون منذ القرن الثامن ق.م حسابات و أنظمة مدارات النجوم إلى جانب معرفتهم لظواهر فلكية أخرى كخسوف القمر وكسوف الشمس،إن معرفة حسابات هذه المدارات التي يمكن أن تكون قد قادت الإنسان ولأول مرة إلى المعرفة بأن الفلك يحكم ويسير من قبل قانون قد شددت الاعتقاد بوحدة حكم العالم" 6 كما نجد جاستون مليو يشيد بالمكانة التي يحتفظ بها المصريون و الشرقيون عموما في ميدان الرياضيات.

                      إن حضارات الشرق غنية بالكشوفات و الحقائق والتصورات سواء منها العملية أو النظرية و هي محوجة إلى بيان لأجل التعريف بثقافاتها ومميزاتها التي تمثل مرتكزاتها و أعمدتها الصلبة بيد أن ذلك ظل يراوح مكانه بفعل الذهنية المشلولة العاجزة على إحياء الفكر الشرقي وبفعل الصدمة الحضارية الانطباعية التي خلفت بصماتها اليونان و فلاسفتها حتى غدت مرحلة آسرة ذوبت كل الهمم نتيجة سيول الأقوال .





                      [1] - عالم المعرفة : الفكر الشرقي القديم جون كولر ترجمة: كامل حسين يوسف العدد 199.مقدمة ع. الفتاح إمام الطبعة الثانية ص 11
                      2 - ريع الفكر اليوناني: عبد الرحمان بدوي الطبعة الخامسة 1979 .دار القلم بيروت لبنان ص 9
                      3 - تاريخ العلم . جورج سارطون ج 1 ص 20-21 نقلا عن ( من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية ).محمد عبد الرحمان مرحبا الطبعة 2/1981ص 78
                      4 - الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها د أميرة حلمي مطر ص 26.
                      5 - دراسات في تاريخ الشرق الأدنى .د.أحمد أمين سليم .دار النهضة العربية للنشر و الطباعة .بيروت1989 ص: 16
                      6 - تاريخ الشرق الأدنى القديم .د.أنطون مرتكات .تعريب توفيق سليمان، قاسم الطويل ص 354.

                      تعليق

                      • الطلحاوي
                        2- عضو مشارك

                        حارس من حراس العقيدة
                        عضو شرف المنتدى
                        • 30 مار, 2013
                        • 119
                        • أستـاذ
                        • الإسلام

                        #12
                        إن الأبحاث الدراسية بخصوص التأريخ لتاريخ الفكر يكشف عن عمق العلاقات العضوية بين الشرق والغرب،كما تبرز لنا أوجه التشابه بين حضارات الشرق واليونان خاصة على مستوى الميثولوجيات و المعتقدات الدينية، و هو أمر فيه ما فيه من ضرورة التدقيق في الأبعاد التي قد تلحق تلك العلاقات و مدى حجم تأثيراتها في تشكيل تصورات حضارة ما،و قد" جاءت حضارة ما بين النهرين وحضارة مصر اللتين كان الإغريق على علم بهما،جاءتا فعلا باكتشافات جديرة بالاعتبار على أساس ما شوهد من حركات منتظمة في الطبيعة ،لقد استطاع البابليون أن يتنبئوا بالكسوف و الخسوف رغم جهلهم بأسبابها الحقيقية"1 ، فآتوا بما أدهشوا العقول و حيروا أولو الألباب بنتائجهم وأبحاثهم العلمية كانت بمثابة الحلقة الأولى التي كونت سلسلة الاكتشافات والاختراعات إلى حدود عالمنا المعاصر ،ألا يحق لنا أن نتساءل و نسائل عن المفاعيل التي حركت دواليب الانطلاق نحو إقرار نتائجهم والوصول إلى ما انتهوا إليه؟لاشك أن جواب الوثوقيين ستسند إلى قانون الحاجة العملية بغية تصنيف الفصول أو لتنظيم مواسم زراعتهم من خلال رصد تحركات النجوم ومطالع الكواكب ومغاربه، وهو رد مألوف معهود يتماشى مع مقتضيات النزعة العقلية الخالصة في التأسيس للتصورات ولكن من جهتنا نقول لا ضير ،فالفلسفات تتعدد وليس هناك ما يلزمنا على نفي ذلك انطلاقا من فلسفة تحكمها قوانين واضعيها ويحددون لها شروطها و ومبادئها ومواضيعها بالرغم أن" الفلسفة اليونانية تمتد كثير من أصولها إلى الحضارات المصرية والبابلية والهندية "2 ، و يبين لنا المؤرخ هيكاته الابديري القيمة العلمية للسجلات القديمة المصرية التي تمثل أقدم السجلات المحافظ عليها في مصر ـ على حد تعبير أفلاطون ـ فيقول": لقد احتفظ الكهنة المصريون إلى يومنا هذا بسجلات رصد كل واحد من النجوم والكواكب على مدى عدد من السنين لا يكاد يصدق ..ونتيجة لقيامهم بعمليات الرصد المتصلة أصبح بإمكانهم أن يتنبؤا بحدوث الزلازل و الفيضانات .. و ظهور الكواكب"3 . إنها شهادة تفصح بجلاء حجم الاهتمام الشديد للمصريين بعالم السماء ورغبتهم في ربط ذلك بواقعهم اليومي لأجل الاستفادة من أبحاثهم ونتائجهم التي خلصوا إليها إجمالا، ويقاس ذلك على سائر المكتسبات الأخرى .

                        ويروي لنا هيرودوت أن" فن المساحة arpentage الذي كان المصريون يستخدمونه في إعادة توزيع الأراضي بعد الفيضان كان مصدر علم الهندسة عند اليونان"4 ، إن مثل هذه التصريحات تعبر عن إعجاب المؤرخين لمصر حيث التنبيه بالمستوى العلمي ظل حاضرا في تأريخاتهم، و مع ذلك فإنها لم ترتفع إلى المقام الذي تستحقه مصر،إذ اقل ما يمكن أن نقول عن تلك الاعترافات أنها تمشي على استحياء في تمجيد مصر و قد غمطت المنطقة حقها و وقعت تحت ثقل المنعوتات الأسطورية المكثفة ، " إن هيكاته الأبدري قام بوضع كتاب عن مصر تحدث فيه بصفة عامة عن العقائد الأساطير الدينية والمصرية بصفة خاصة واتسمت كتاباته بروح التعصب و التحيز لوطنه "5 ، بالإضافة إلى أن هيرودوت زار مصر في مرحلة من بالإضافة إلى أن هيرودوت زار مصر في مرحلة من المراحل الإنحطاطية إبان الحكم الفارسي لها،فجاءت كتاباته لتعبر عن فترة زمنية معينة جمعت بين الغث والثمين .

                        إن اليونان لم يروعوا عن النهل من المصريين بمبتكراتهم خاصة في الرياضيات لتفوقهم الباهر،ولم يكونوا بحاجة لمناظرات جدلية حول العدد الزوجي و الفردي و مفهوم العدد وربطه بالعالم حتى يصلوا إلى ما وصلوا إليه،" و حسبنا أن نقول أننا نجد العلوم الرياضية متقدمة أعظم تقدم منذ بداية تاريخ مصر المدون،وشاهد ذلك أن تصميم الأهرام وتشييدها يتطلبان دقة في القياس لا يستطاع الوصول إليها بغير معرفة واسعة بالعلوم الرياضية،و ما من شك أن القياس كان منشأ فن الهندسة..والأقدمون كلهم تقريبا مجموعون على أن هذا العلم من وضع المصريين"6 ، و من ثم اتضحت بواكير الهندسة و أصولها لتتحول بعدها إلى علم ساهمت الحضارات في صياغته بشكل منسجم و مقولب في قوانين نظرية تعتمد على الاستدلال والبرهان إلى أن عرفت تخصصات قائمة بذاتها .

                        وإذا كان ذلك واضحا على مستوى الهندسة الرياضية فإنها لم تكن الوجهة الوحيدة في تاريخ مصر بقدر ما هو غيض من فيض ثقافتهم حيث اعتبر الطب المصري مثلا رائدا ومساهمة جبارة للتأسيس لعلم الطب،" وتكشف بردية أدوين اسميث edwin smith عن مدى تقدمهم في الطب الذي اتخذ عندهم طابعا تجريبيا خالصا من السحر و توصلوا فيه إلى تشخيص كثير من الأمراض وعلاجها"7 ،، وإذا كانت حكمة المصريين في مجال العلم أو الفلسفة ذات مداد عظيم، فلأنهم كانوا مضرب المثل عند اليونان الذين كانوا يعتقدون أنهم أطفال بالقياس إلى هذا الشعب القديم ، و هاهم الإغريق قد انبهروا بنظامهم السياسي والإداري وقدم ثقافتهم التي تعبر عن مستوى وحس فلسفي لا يستهان به،كما" نجد في ملامح هوميروس مقاطع مقتبسة من حكايات خرافية من بلاد ما بين النهرين ووادي النيل،وبالمثل استلهم أبقراط برديات مصرية شديدة القدم حين جمع بين نباتات مختلفة من أجل استنباط الأدوية "8 ، فكيف لنا أن نجزم بأن العلم أو الفلسفة اليونانية قد بلورت نفسها بنفسها، وأنها لم تكن بحاجة للمؤثرات الخارجية حتى تنشأ حضارة بمثل مكانة الإغريق ؟





                        1 - فلاسفة الإغريق ريكس وورنر ترجمة: عبد الحليم سليم ص 10.
                        2 - الفلسفة الأخلاقية الأفلاطونية عند مفكري الإسلام .د ناجي التكريتي .الطبعة 2/1982 دار الأندلس بيروت لبنان ص 5.
                        3 - عالم الفكر. نشأة الفكر التاريخي وتطوره عند اليونان .د مصطفى العبادي ص7-8.المجلد 31.
                        4 - الفلسفة اليونانية : تاريخها ومشكلاتها.د أمير حلمي مطر ص 26.
                        5 - دراسات في تاريخ الشرق الأدنى القديم د أحمد أمين سليم دار النهضة العربية للطباعة والنشر 1989ص 18.
                        6 - قصة الحضارة وول ديورانت ج2 المجلد الأول ترجمة محمد بدران ص 119.
                        7 - الفلسفة اليونانية :تاريخها و مشكلاتها.ص9
                        8 - عالم المعرفة : تاريخ الطب . جان شارل سورينا ترجمة ابراهيم البجلاتي العدد 281/2002ص 46
                        .

                        تعليق

                        • الطلحاوي
                          2- عضو مشارك

                          حارس من حراس العقيدة
                          عضو شرف المنتدى
                          • 30 مار, 2013
                          • 119
                          • أستـاذ
                          • الإسلام

                          #13
                          ولما كانت مفاهيم العلم والفلسفة إبانها تتداخل وتتناغم في شكل نسيج يعسر فك حبالها وتمييز بعضها ببعض، فإن ذلك أدعى للقول بإمكانية التأثر بحضارة الشرق،بل وحتى إذا افترضنا التأثر في مجال العلوم دون الفلسفة ـ إن أمكن ـ فإن الأمر سيان، حيث لم يكن العلم ليتبلور لولا حكمة فلسفية و إدراك للظواهر وتعليل للوقائع بالتجربة التي يصاحبها انفتاح فلسفي متزامن.إن طاليس كما قال أرسطو:" هو أول فيلسوف قال إن أصل الأشياء هو الماء،لكننا نجد ذلك عند الكلدانيين منذ 600ق.م، كما أن طاليس تجول في العالم القديم فتعلم و انتفع اقتبس و فكر " 1 ونجد في الحضارة الشرقية البابلية إحدى القصائد تدعى الخلق " فيها كلام عن بدأ العلم يشبه كلام طاليس إذ يقول صاحبها أنه قبل أن يكون للسماء اسم،وقبل أن يكون للأرض اسم كانت الأشياء كلها مختلطة في الماء مما دعا المؤرخين إلى القول بأن الفلسفة قد نشأت في بلاد العراق بين النهرين."2

                          إن حضارات الشرق تملك من الغزارة الفكرية ما يقتضي كشف غممها ،فالدارس في حضارات الهند لاشك أنه سيعثر على ما لم تعوده الفلسفات الوثوقية في التبشير لها ويدرك كمية التغييب التي أحدثتها تلك الفلسفات،يستوي في ذلك أيضا الفلسفات الصينية العريقة بكل غنى رصيدها المعرفي منذ ما قبل الميلادي، وهو ما يدعونا إلى التوقف لحظات لاستحضار مستوى الوعي الشرقي الهندي والصيني كنماذج ناطقة بتطور الفكر نحو التفاعل مع كبريات المشاكل الوجودية لتقدم مطارحات تركت بصمات قوية في تاريخ الفكر البشري و حركت العالم بجودة تفكيرهم وطرائق اشتغالهم،وهي حصيلة استشفها كبار المفكرين، فراحوا يدعون إلى ضرورة الاقتباس منهم لاسيما في باب الإنسانيات والأخلاقيات .

                          1 - جدلية التأثر والتأثير

                          من خلال ما سلف يمكن أن نستخلص أن الفلسفات تتعدد وتختلف من حضارة إلى أخرى، وذلك تبعا لنوع الخصوصيات ذات طابع معين تحدد طبيعة التفكير وطريقة التعامل مع الظواهر الكونية منها والإنسانية، فلا وجود لفلسفة واحدية إلا في قواميس أنصار النزعة الدوغماتية ومن اقتفى أثرهم شبرا بشبر ونحى منحاهم من باب التبعية والاستلاب الناشئة من الانبهار لما خلفه الفكر اليوناني وصاغته عقول عزفت عن الاستعانة والاسترشاد بغير التأمل و العقل، وإذا جاز لنا التسليم بمصداقية الفلسفة الواحدية تبطل معها مختلف تأملات غير اليونانيين و إقحامه في دورات ما قبل العلمي، حيث تصير الميثولوجيات نسخة من تلك التأملات و سمة ثابتة تبقى لصيقة بالحضارات غير اليونانية، كما تندثر فكرة تداخل الحضارات و تثاقفاتها بفعل الحركة الانفعالية و التفعيلية للأمم فيما بينها ، فلا تأثير ولا تأثر و قصارى ما هناك نظريات لا صلة لها مع غير موجدها و لا ثمة علائق بين أفكار أمة مع غيرها من الأمم ،فلا تسربات ولا حركة، و لكن أطر منعزلة تدور في الخلاء جوفاء هشة حبيسة جغرافيتها .

                          حول مبدأ الانفعالية و التفعيلية في تاريخ الأمم وحقيقة وجودها تدور أسئلة العلاقات بين الأفكار وارتباطات الحضارات وتؤشر من خلالها على قوة النزعة الوثوقية وناصري الفلسفة الواحدية أو سكونها و خفاياها، وهي إشكاليات لا تحمل منها سوى الاسم ،إذ هي رؤية لم يعد التاريخ يعترف بها ولا يقبل بها عاقل يؤمن بجدلية الأفكار و الحضارات، فقد تجاوزتها العلوم الانتربولوجية والاجتماعية بفعل تحقق هذيان التقسيمات إلى أعلى أو أدنى و غيرها من المفاهيم القيمية والإيديولوجية المهوسة لتوظيفها في تعزيز المصالح المذهبية من قبيل مقولات "التحضر"و"التوحش" و"البدائية" و"العقلانية"...إن المؤرخين الغربيين ومن لف مجراهم وهم يتحدثون ويؤرخون للفكر اليوناني خاصة والفكر الغربي عامة قد اسقطوا من حساباتهم كل ما قد يكون له علاقة" بالما قبل"، فراحوا يبشرون بالثقافة الغربية الأحادية ويهملون كل أصناف التجاذبات بين الحضارات ومدى فعلها في صياغة التاريخ، ولم تكن لهم من الجرأة ما يدفعهم إلى الاعتراف بغير ذلك ـ اللهم النزر القليل من الاعترافات الخجولة أحيانا ـ سيرا على نزعتهم الدوغماتية وتحقيقا"لفكرة قيادة عالم الأفكار للغربي فقط"، يبدو ذلك على جميع الأصعدة وفي مختلف فروع الحياة وشتى أنواع المعارف والإبداعات حيث يقف الرجل الغربي على مجمل الكشوفات بإسهامات البشرية و تضافر جهود العقول الإنسانية نحو التأسيس للوجود رغبة في تجاوز المعطيات الإثنية عامة، فالإقصاءات التصاعدية لأعلام الفكر من ذوي الأماكن الشرقية وقلة الاستفاضة في تصوراتهم مقارنة مع الحضور المكثف لأعلام الفكر الغربي ، كل ذلك تلاميح تدلل على غزارة طغيانية "النزعة المركزية" و محاولة الانفراد بزعامة التاريخ واحتكاره المطلق نحو الهيمنة واكتساح الكل بالجزء ومسخ"الماقبل بالمابعد"حتى يتحول العالم إلى تاريخ موحد تجتمع تحت أجنحة أقطاب الغرب ورواده وترمي غيرها في غياهب المجهول مأسورا مقيدا بالنزعة الاختزالية الكفائية.

                          إن التاريخ من الناحية الموضوعية لا يمكن عزله في إطارات وحدانية لا تملك لنفسه الانعتاق منها،ولكنه بالأساس فلك تسبح فيه الأفكار والأحداث والظواهر والإبداعات، فمنها ما ينتمي إلى الثوابت الهوياتية ومنها ما لا يمكن بحال من الأحوال أن يسند إلى تلك الثوابت باعتبارها دخيلة يحركها فضول المعرفة والرغبة في الاستتيزاد والاحتكاك بالعوالم الغيرية، فلا وجود أبدا بحضارة تزخر بتراث خالص من صناعة أهلها فقط بقدر ما هناك أخذ ورد و اكتساب وتجديد وغربلة وتنقيح



                          1 - الفلسفات الهندية علي زيعور الطبعة 2/1983ص 146.
                          2 - ربيع الفكر اليوناني.ع.الرحمان بدوي الطبعة 5//1979ص-8-9.

                          تعليق

                          • الطلحاوي
                            2- عضو مشارك

                            حارس من حراس العقيدة
                            عضو شرف المنتدى
                            • 30 مار, 2013
                            • 119
                            • أستـاذ
                            • الإسلام

                            #14
                            لا أحد من العقلاء من يفترض وجود حواجز مانعة من التثاقفات أو قطائع يلغي اللاحق السابق بدون أن تنهل من عطاءاتها ومخزون تبصراتها ، بل نشوء و تناشؤات وانفعال وتفاعلات، إنها جدلية ضرورية لتوازن التاريخ وعلائق أساسية للحركة نحو الأمثل و الأرقى، و لا نقصد هنا بالجدلية ما عني بها في القواميس الماركسية بوصفها قانونا يحكم التاريخ وفق قاعدة (نفي النفي) أو ما يسميه بالتركيب والتأليف، لأن ذلك عودة لإلغاء الماضي وتقديس المستقبل ،إنما أردنا منها تلك الحركة التأثرية والتأثيرية من غير تآثر وإثبات تسلسلية التاريخ الذي يتفاعل فيه الفاعل المفعول وتحقق مبدأ الأخذ والعطاء كتعبير عن هذه الجدلية بوصفهما وجهان لعملة واحدة لا يمكن الفصل بينهما بدون أن يحدث شرخا في التوازن، فإذا كان من غير المعقول أن تكتفي حضارة ما من الأخذ فقط بدون أن تضيف،فإنه بنفس المنع تكون حضارة ما مانحة فقط بدون الإطلاع والاقتراض لما في الحضارات الأخرى.

                            يبدو أن محاولة تأكيد فرضية احتكاك الحضارات وتفاعلاتها صرخة في وجه المنادين بالواحدية اليونانية وراية احتجاج ضد فرضية"الأطر الحضارية" باعتبارها مدخلا لردم ما بنوه من أسس هشة ، كما أن من شأنها أن تكشف عن طبيعة تلك العلاقات الحضارية و كيفياتها لأجل تجاوز ما ألفوه المؤرخون في ترييد الحضارة الغربية عامة و الدعوة إلى إعادة النظر فيها، و هي دعوة بهدف تخليص الفكر الشرقي من ثقل الفكر الغربي و التحرر من أسر سلطته الجاثمة عليه عقودا من الزمن حتى قالوا بأن التاريخ يبدأ منذ 1492 و تجاهلوا جهود آلاف السنين من العقول الإنسانية، فمنهم من تحدث عن اليونان بوصفها أصلا تعود إليها كل الجذور المعرفية، و منهم من تحدث عن بداية تدشين عصر "النهضة" و "الأنوار" و غير ذلك من المفاهيم الإيديولوجية الفجة التي توظف في تسليب العقول و تدعيم نظرية الزعامة وصولا إلى ما أرادوا أن يصنعوه بخطاباتهم وهم الذين وضعوا المقاييس والمعايير للمفاضلة بين الأمم و تقسيمها إلى طبقة" أعلى" و" أدنى". " إن تاريخ الفلسفة عبارة عن سلسلة متصلة الحلقات من الاقتباس يأخذه اللاحق عن السابق ويضعه تحت التمحيص فيرضى ما هداه عقله إلى انه الحق وينبذ منه ما سواه، ولما كان الحق نيرا فانه قليلا ما تختلف العقول فيه"1 ، فهي صورة مكبرة شبيهة بسلسلة اقتباس التلميذ من الأستاذ لينطلق التلميذ في مسيرة التجديد والتحليل والإبداع فيما لم يكن قد علمه إياه أستاذه حتى يغدوا التلميذ أستاذا ليتابع مشوار اقتحام جدران المعرفة وهكذا دواليك، يقودنا ذلك إلى أن التاريخ بوصفه صورة مبكرة،يضم تعددات في الاقتباسات على جنبات شتى لا تختلف عن الصورة المصغرة سوى في الدرجة.

                            إن جدلية التفعيل والانفعال صفتان عموميتان تخضع لها التاريخ والحضارة والإنسان والطبيعة، فكل شيء يجري عليه قانون التأثر والتأثير، فالحضارات تتأثر وتأثر وكذلك الإنسان بدوره لا يسلم من التأثر بفعل قوى معينة موضوعية قد تكون اجتماعية أو طبيعية بوصفه جماع ظروفه وخلاصة معايشاته اللحظية تسبب في هيكلة تصوراته وتكوين ثوابته،وإذا كان هناك عزوف على مستوى الخوض في مباحث الميتافيزيقا في عهد كونفوشيوس الذي أخذ على عاتقه مهمة النظر في شؤون السياسة والعلائق الاجتماعية، فإن ذلك لا يعني بتاتا أنها لم تكن لها من القدرات العقلية ما يدفعها في الغوص في مجال الكوسمولوجية ، فقد شهدت الساحة الصينية ميلاد مدارس سدت هذا الفراغ من قبيل مدرسة( لين يانغ yin – yang) والمدرسة الثاوية وهما دلائل ناطقة،إلى جانب ذلك" ناقش الفيلسوف (هوستون تزو)نظرية اللغة وعالج مشكلات ما برحت تثيرا جدال الفلاسفة حتى فلاسفة العصر الحديث، ونجده يبحث موضوع الكلمات والآراء وأسباب اختلاف تعبيرات الشعوب وتبلبل ألسنتها وتباين آرائها وكذلك التنقيب عن طبيعة اللغة ذاتها "2 وهي بحوث جديرة بالمطالعة استطاعت أن تتحرك في اتجاه بحث أعوص المشاكل ومحاولة الخروج بحصيلة فكرية ذاتية تمايزية تناولتها المذاهب اللسانية المعاصرة الغربية بالتحليل والتفسير،لقد تناول الفكر الصيني وبسط القول في مواضيع حساسة تقتضي متابعات طويلة للحسم فيها من ذلك مفهوم "التغير"، فعلى غرار الصيرورة التي قعدها هيراقليطس كمبدأ عام يحكم كل شيء في الوجود نتيجة صراع الأضداد، فإن " الصينيين آمنوا بوحدة مبدئي الحركة و القانون الثابت الذي يهيمن عليها...كما أن حركة التطور في التصور الصيني لا يتجه اتجاها أماميا صاعدا ، بل تتجه اتجاها شبيها باللولب دائريا فهي تؤوب إلى نقطة بدايتها، ومن ثم الفكر الصيني لا يستسيغ محاولة تعظيم الجديد على حساب الماضي، وذلك تأثرا بفكرة التغير الدائري اللولبي الطابع"3 ، " ، وهذا يذكرنا بتعارضها الصارخ مع قاعدة "نفي النفي"التي دشنها ماركس من بين القوانين الجدلية التي بنى بها صرحه الفلسفي، فإذا كان قد تقرر عنده أن الجديد يلغي القديم مع الاحتفاظ بالجوانب الإيجابية فيه وأن الصيرورة غالبا ما تكون أرقى وأفضل من السابق مطلقا، فإن الصينيين لم يجعلوا التغير طريقا إلى الصعود إلى الأمثل دائما بقدر ما هو في مسار لولبي لا يلغي السالف مطلقا.




                            [1] - قصة الإيمان بين الفلسفة والقرآن. نديم الجسر ص 122.
                            2 - نفسه ص 126.
                            3 - حكمة الصين ص 43-44

                            تعليق

                            • الطلحاوي
                              2- عضو مشارك

                              حارس من حراس العقيدة
                              عضو شرف المنتدى
                              • 30 مار, 2013
                              • 119
                              • أستـاذ
                              • الإسلام

                              #15
                              بناءا على هذه التلميحات لا نتصور حضارة لم تكن في حاجة إلى عالم خارجي لبلورة نظرياتها، ولا نقبل فرضية "إطار الحضارة" في صيغتها الانعزالية واستقلاليتها في نشأة نظمها وانسقتما الفكرية، كما ليس بوسعنا فصلها عن باقي الحضارات لأن ذلك مما يرفضه العقل نفسه و يأباه الأنتربولوجيون ودارسي تاريخ الحضارات، و" لأن تيار الفكر متصل الحلقات سائر إلى الأمام، وكما تسلم اليونان شعلة الفكر من قدماء المصريين فقد سلموها لمن خلفهم ليكون التراث ملكا للإنسانية جمعاء ، كل أمة وكل حضارة تضيف من عبقريتها وأصالتها روافد يجمعها في النهاية تيار الفكر الإنساني الخالد النابض بالحياة،"1 ، فلا حدود ولا خطوط فاصلة ولكن حلقات متسلسلة اشترك فيها ملايين العقول وساهمت فيها أجيال من الأزمان ونقحت وزادت وغيرت ما لم يكن في الحسبان إلى أن وصل في حلة تراكمية زعموا أنها من إنتاج الغرب وحده بتحكيماته للمنطق والعقل في كل شيء.

                              إن ما يحدثنا به التاريخ أن ما من حضارة إلا وكانت على اتصالات مع جيرانها بكل ما تحتضنه من تصورات ، وأن أية حضارة لم تكن خالصة في كشوفاتها بقدر ما كانت مخضرمة بألوان الفكر و ممزوجة بالثقافات اللامحلية جاءت عبر سلسلة من الاحتكاكات و التدافعات المعرفية، فليس من الصواب الادعاء بنقاوة المعرفة النابعة من هوية حضارية مطلقة في غنى عن باقي الأمم التي تقاسمها الأفكار و تقايضها التصورات، فالحضارة الهندية والبابلية والصينية واليونانية والرومانية والإسلامية ..كلهن ذوات تأثيرات و تاثرات ببعضهن تكون فيهن حجم التفاعلات و الانفعالات، من حضارة لأخرى وهو ما يدل على أن تاريخ الحضارات تاريخ متداخل تقتضي تحديد مجال التفعيلات والانفعالات لبيان نقاوة أفكار حضارة و مدى استقلاليتها .

                              لقد اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ بداية عالم التفلسف، وغالبا ما أسندت إلى اليونان باعتباره مركز الثقل الذي فاض بعلمه على كل الأطراف، ولم يكن لهم أن يتساءلوا حول كيفية تحصيلهم لمعارفهم وعلاقاتهم بتصورات الهند ومصر والبابليون وما عداهم، فعدوها هوامش عديمة الفائدة بالمقارنة مع الفتح العظيم الذي دشنوه باتخاذهم العقل مصدر العلم، فقاموا بتمجيد تراث اليونان وإهمال غيرها من الأمم " وقد اعتاد مؤرخو الفلسفة من الغربيين أن يرجعوا نشأة الفلسفة إلى الطبيعيين الأولين وكأن التفكير الفلسفي قد ظهر إلى عالم الوجود للمرة الأولى في ملطية على يد طاليس الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد، فهل يكون معنى هذا أن الحاجة إلى الفلسفة لم تكن معروفة قبل ذلك التاريخ أو انه لم يحدث شيء في تاريخ التفكير الفلسفي قبل أن يظهر طاليس؟"2






                              [1] - الفلسفة اليونانية: تاريخها ومشكلاتها د أميرة حلمي مطر ص 31.
                              2 - مشكلة الفلسفة زكريا إبراهيم ، طبعة جديدة 1971 مكتبة مصر ص 26.



                              لائحة المراجع العربية و المعربة:


                              - الفلسفة اليونانية: تاريخها و مشكلاتها . د:أميرة حلمي مطر.الطبعة :1998.دار قباء للطباعة و النشر و التوزيع.

                              - سلسلة "من المسرح العالمي":السحب لأرسطوفان.أحمد عثمان و أحمد علي عبد اللطيف.العدد 215/1987
                              .
                              - الشرق و اليونان القديمة:أندري إيمار،جانين أبوايه.ترجمة:فريد واعز ،فؤاد أبو ريحان.المجلد الأول ،منشورات عويدات
                              .
                              - آخر أيام سقراط .أفلاطون ترجمة:أحمد الشيباني ،دار الكتاب العربي،بدون طبعة
                              .
                              - علم الأخلاق إلى نيقوماخوس .أرسطوطاليس،الجزء الثاني،ترجمة:أحمد لطفي ،الطبعة:1924 دار الكتب المصرية.

                              - حكمة الغرب.براتراند رسل .ترجمة:فؤاد زكريا .الجزء الأول .الطبعة:1831

                              - سلسلة عالم المعرفة :الفكر الشرقي القديم. جون كولر .ترجمة:كامل حسين يوسف .العدد:199.الطبعة الثانية / 1995

                              - سلسلة عالم المعرفة:تاريخ الطب.جان شارل سورينا .ترجمة:إبراهيم البجلاتي .العدد:281/ 2002
                              .
                              - سلسلة عالم المعرفة:الحضارة.حسين مؤنس .الطبعة الثانية .العدد:237/1998
                              .
                              - بواكير الفلسفة قبل طاليس أو من الميثولوجيا إلى الفلسفة عند اليونان .حسام محيي الدين .الطبعة الثانية1981 .المؤسسة العربية للنشر
                              .
                              - الفكر اليوناني قبل أفلاطون :العقل اليوناني في دروب الحكمة.حسين حرب.الطبعة الأولى 1990.دار الفكر اللبناني.

                              - المذاهب اليونانية في العالم الإسلامي .دافيد سانتلانا .تحقيق:محمد جلال شرف 1981.دار النهضة العربية
                              .
                              - فلاسفة الإغريق .ريكس وورنر .ترجمة:عبد الحميد سليم
                              .
                              - مشكلة الفلسفة.زكريا إبراهيم .طبعة جديدة .مكتبة مصر 1971
                              .

                              - سؤال الأخلاق.طه عبد الرحمان .الطبعة الأولى 2002.المركز الثقافي العربي.

                              - تاريخ الفلسفة اليونانية. ماجد فخري. الطبعة الأولى 1991.دار العلم للملايين .

                              - سلسلة المعرفة الفلسفية: دروس في تاريخ الفلسفة. نجيب بلدي .الطبعة الأولى 1987.دار توبقال للنشر.

                              - قصة الإيمان بين الفلسفة و العلم و الدين و القرآن.نديم الجسر
                              .
                              - الفلسفة الأخلاقية الأفلاطونية عند مفكري الإسلام.ناجي التكريتي.الطبعة الثانية/1982 دار الأندلس
                              .
                              - أفول الأصنام. نيتشه .ترجمة:حسان بورقية و محمد الناجي. الطبعة الأولى/1969. إفريقيا الشرق.

                              - من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية.عبد الرحمان مرحبا .الطبعة الثانية/1981.منشورات عويدات بيروت
                              .
                              - الفلسفات الهندية.علي زيعور .الطبعة الثانية/1983.دار الأندلس
                              .
                              - ربيع الفكر اليوناني.عبد الرحمان مرحبا.الطبعة الخامسة/1979 .دار القلم بيروت لبنان

                              - نشأة الفكر الفلسفي عند اليونان.علي سامي النشار. طبعة 1969.دار المعارف المصرية.

                              - نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام.علي سامي النشار.الجزء الأول .ا لطبعة السابعة.دار المعارف المصرية.

                              - المفكرون من سقراط إلى سارتر.عثمان نويه.طبعة1970
                              .
                              - موسوعة الفلاسفة .فيصل عباس.الطبعة الأولى/1996.دار الفكر العربي بيروت
                              .
                              - حكمة الصين:دراسة تحليلية لمعالم الفكر الصيني منذ أقدم العصور .الجزء الأول.فؤاد محمد شبل.دار المعارف المصرية
                              .
                              - قصة الحضارة.وول ديورانت.ج 2 م 1،و ج 4 م 1 ،و ج 2 م 2 .ترجمة :محمد بدران .الطبعة الثالثة .الطبعة 1988.

                              - قصة الحضارة. وول ديورانت،ج 3 م 1 .الطبعة الثالثة.ترجمة: نجيب محمود.

                              -
                              تاريخ الفلسفة اليونانية.يوسف كرم.دار القلم بيروت .

                              تــمَّ بحمد الله

                              أستــسمــح الإخـوة علـى هـذا الإبحـار التجريدي


                              تعليق

                              مواضيع ذات صلة

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة Islam soldier, 6 يون, 2022, 01:23 م
                              ردود 0
                              211 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة Islam soldier
                              بواسطة Islam soldier
                              ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:22 ص
                              ردود 0
                              42 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة Islam soldier
                              بواسطة Islam soldier
                              ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:20 ص
                              ردود 0
                              61 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة Islam soldier
                              بواسطة Islam soldier
                              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 07:41 م
                              ردود 0
                              98 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة عادل خراط
                              بواسطة عادل خراط
                              ابتدأ بواسطة Ibrahim Balkhair, 4 سبت, 2020, 05:14 م
                              ردود 3
                              113 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة Ibrahim Balkhair
                              بواسطة Ibrahim Balkhair
                              يعمل...