قصة من التاريخ ... تستحق التأمل
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى أما بعد :-
يقول الله عزوجل في كتابه الكريم .. (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) وبين يدي قصة من التاريخ أرويها لكم لنتفكر فيها سويا ونحللها لنطبقها على واقعنا الآن .
بداية القصة هي اجتياح التتار لبغداد بقيادة هولاكو سنة 656 هجرية وكان حاكم بغداد وقتها الخليفة العباسي المستعصم بالله .
حين دخل التتار بغداد وأخذوا يقصفونها هل كان الخليفة مشغولا بالجيش وتجهيزه للدفاع عن بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية أم أنه كان مشغولا بأمور أخرى .
يجيب على هذا التساؤل الأمام ابن كثير رحمه الله في كتابه الشهير البداية والنهاية فيذكر ما يدور في دار الخلافة حين اجتاح التتار بغداد فيقول :-
"وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب، حتى أصيبت جارية كانت "تلعب" بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت تسمى "عرفة"، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي "ترقص" بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك، وفزع فزعاً شديداً، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: "إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم"، فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرت الستائر على دار الخلافة!!". .
لقد تمكنت الدنيا تماماً من قلوب الناس في بغداد، وأولهم الخليفة.. فها هو الخليفة الموكل إليه حماية هذه الأمة في هذا الموقف الخطير يسهر هذه السهرة اللاهية.. نعم قد تكون الجارية ملك يمينه.. وقد تكون حلالاً له.. وإذا لم يكن هناك من يشاهدها غيره فلا حرج من أن يشاهدها الخليفة وهي ترقص.. لكن أين العقل في رأس الخليفة؟! العاصمة الإسلامية للخلافة محاصرة، والموت على بعد خطوات، والمدفعية المغولية تقصف، والسهام النارية تحرق، والناس في ضنك شديد، والخليفة يستمتع برقص الجواري!!..
أين العقل؟ وأين الحكمة؟!
لقد أصبح رقص الجواري في الدماء، فصار كالطعام والشراب.. لابد منه حتى في وقت الحروب.. ولا أدري حقيقة كيف كانت نفسه تقبل أن ينشغل بمثل هذه الأمور، والبلاد والشعب وهو شخصياً في مثل هذه الضائقة..
وما أبلغ العبارة التي كتبها التتار على السهم الذي أطلق على دار الخلافة وقتل الراقصة المسكينة إذ قالوا: "إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم"، فالله عز وجل قد قضى على بغداد بالهلكة في ذلك الوقت، وأذهب فعلاً عقل الخليفة وعقول أعوانه وشعبه، ولا شك أن هذه العبارات المنتقاة بدقة كانت نوعاً من الحرب النفسية المدروسة التي كان يمارسها التتار بمهارة على أهل بغداد..
ويكفي كدليل على قلة عقل الخليفة أنه بعد هذه "الكارثة" (كارثة قتل الراقصة) لم يأمر الشعب بالتجهز للقتال، فقد وصل الخطر إلى داخل دار الخلافة، وإنما أمر فقط بزيادة الاحتراز، ولذلك كثرت الستائر حول دار الخلافة لحجب الرؤية ولزيادة الوقاية وستر الراقصات!..
ترى هل حال أمتنا اليوم مثل حال الخليفة أيام التتار ؟
في انتظار تعليقاتكم .
في انتظار تعليقاتكم .
تعليق