حفظ النبي للقرآن الكريم
كان العرب قبل الإسلام أمَّةً أمِّـيَّةً، لا تقرأ ولا تكتب، والأمي(18) إنما يعتمد في حفظ ما يحتاج إلى حفظه على ذاكرته، فليس ثَمَّ كتابٌ يحفظ عليه ما يريد حفظه، وقد كان العرب يحفظون في صدورهم ما يحتاجون إلى حفظه من الأنساب والحقوق والأشعار والخطب.
قال ? : } هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّـيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ { .(19)
ولما بُعِثَ النبي ? في هذه الأمة كانت إحدى آيات ودلائل نبوته أنه أميٌّ؛ حتى لا يتطرق إلى أوهام من يدعوهم أن دعوته مبنية على علمٍ حصَّله من مُعَلِّمٍ، كما قال? : } وَمَا كُنْتَ تَـتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِنِكَ إِذًا لاَرْتَابَ الْمبْطِلُونَ { .(20)
فلما كان النبي ? أُمِّـيًّا، فلا غروَ كان كذلك يعتمد على ذاكرته في الحفظ، فلما شرَّفه الله بالرسالة، وكان القرآن الكريم آيته التي تحدى بِها الناس كافة والعرب خاصةً - كان شديد الحرص على حفظ القرآن حال إنزاله - وهو من أشد الأحوال عليه، حتى لقد كان ? يعاني مشقة عظيمة لتَعَجُّلِهِ حفظَ القرآن الكريم، مخافة أن ينساه، حتى أنزل الله عليه ما يثبت به فؤاده، ويُطَمْئِنُهُ أن القرآن لن يَتَفلَّتَ منهُ:
قال الله ? : } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ! إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ! فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ { .(21)
فطمأنه الله تعالى أن حفظ وبيان القرآن إليه ? ، وأمره أن ينصت إلى الوحي، كما قال ? : } وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا { .(22)
قال الحافظ ابن حجر: ولما كان من أصل الدين أن الْمبادرة إلى أفعال الخير مطلوبةٌ، فنُـبِّه على أنه قد يَعترضُ على هذا الْمطلوب ما هو أجَلُّ منهُ، وهو الإصغاء إلى الوحي، وتَفَهُّمُ ما يَرِدُ منه، والتشاغل بالحفظ قد يَصُدُّ عن ذلك، فأُمِرَ ألاَّ يُبَادر إلى التحفظ ؛ لأن تحفيظه مضمونٌ على ربه اهـ.(23)
عن سعيد بن جبيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - - فِي قَوْلِهِ تعالى: } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ { قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ،(24)
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يُحَرِّكُهُمَا،
وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ! إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ { قَالَ: جَمْعُـهُ لَكَ فِي صَـدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ، } فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ { قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، } ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ.
فَكَانَ رَسُولُ اللهِ ? بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ ? كَمَا قَرَأَهُ.(25)
وظاهر السياق يحتمل أن يكون إنما كان يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ للمشقة التي كان يجدها ? عند نزول الوحي، فكان يتعجل بأخذه لتزول الْمشقة سريعًا.
وفي روايةٍ أخرى عند البخاري: كان يُحَرِّكُ به لسانه مخافة أن ينفلت منه.(26)
فهذه الرواية صريحةٌ في أن سبب الْمبادرة هو خشية النسيان، أي كان يحرك لسانه لئلا يفلت منه حرف أو تضيع منه لفظة.
وعن الشَّعْبِيِّ في هذه الآية: } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ { قال: كان إذا نزل عليه الوحي عَجِلَ يتكلم به من حُبِّه إيَّاه.(27)
وهذه الرواية تدل على أن سبب الْمبادرة هو حب الرسول ? للقرآن، وحب الشيء يستلزم الخوف عليه، والخوف من ذهابه عنه.
قال الحافظ ابن حجر: ولا بُعْدَ في تعَدُّدِ السببِ.(28)
بواعث حفظ النبي ? للقرآن
يُمكن أن نستخلص مِمَّا سبق بواعث حفظ النبي ? للقرآن الكريم، وهي:
1 - أنه الْمبلِّغ عن ربه تعالى، والحفظ ضروري للبلاغ على الوجه الأكمل الذي أمره الله به.
2 - حب النبي ? للقرآن الكريم.
3 - خوف نسيان القرآن.
4 - التوثُّق للقرآن، والتحري في ضبط ألفاظه وحفظ كلماته.
(18) الأمي: هو الذي لا يكتب ولا يقرأ، أو منسوب إلى الأم، كأنه باقٍ على حالته التي وُلد عليها، أو على أنه أشبه بأمه منه بأبيه، إذ إن نساء العرب ما كن يعرفن القراءة والكتابة، ووصف النبي ? بالأمي إما على أحد الْمعاني السابقة، أو على أنه منسوب إلى أمة العرب، وهي الأمة الأمية، وكانوا في الجاهلية لا يعرفون القراءة والكتابة إلا النادر، ولذلك كان أهل الكتاب يصفونهم بالأميين، أو على أنه منسوب إلى أم القرى - شرفها الله. القاموس الْمحيط ص 1392، والجامع لأحكام القرآن (7/190)، وتفسير أبي السعود (3/279).
(19) من الآية 2 من سورة الجمعة.
(20) الآية 48 من سورة العنكبوت.
(21) سورة القيامة، الآيات 16-18.
(22) من الآية 114 من سورة طـه.
(23) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/548) بتصَرُّفٍ يسير.
(24) في كتاب التفسير من صحيح البخاري أن سفيان بن عيينة وصف تحريكه ? لسانه بقوله: يريد أن يحفظه، قال الحافظ في الفتح: وفي رواية أبي كريب: تعَجَّل يريدُ حفظَه، فنـزلت. فتح الباري (8/548-549).
(25) رواه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الوحي، صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (1/39) ح: 5.
(26) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري، كتاب التفسير، باب } إن علينا جمعه وقرآنه { (8/549) ح: 4928.
(27) رواه الطبري في التفسير (29/187).
(28) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/550).
كان العرب قبل الإسلام أمَّةً أمِّـيَّةً، لا تقرأ ولا تكتب، والأمي(18) إنما يعتمد في حفظ ما يحتاج إلى حفظه على ذاكرته، فليس ثَمَّ كتابٌ يحفظ عليه ما يريد حفظه، وقد كان العرب يحفظون في صدورهم ما يحتاجون إلى حفظه من الأنساب والحقوق والأشعار والخطب.
قال ? : } هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّـيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ { .(19)
ولما بُعِثَ النبي ? في هذه الأمة كانت إحدى آيات ودلائل نبوته أنه أميٌّ؛ حتى لا يتطرق إلى أوهام من يدعوهم أن دعوته مبنية على علمٍ حصَّله من مُعَلِّمٍ، كما قال? : } وَمَا كُنْتَ تَـتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِنِكَ إِذًا لاَرْتَابَ الْمبْطِلُونَ { .(20)
فلما كان النبي ? أُمِّـيًّا، فلا غروَ كان كذلك يعتمد على ذاكرته في الحفظ، فلما شرَّفه الله بالرسالة، وكان القرآن الكريم آيته التي تحدى بِها الناس كافة والعرب خاصةً - كان شديد الحرص على حفظ القرآن حال إنزاله - وهو من أشد الأحوال عليه، حتى لقد كان ? يعاني مشقة عظيمة لتَعَجُّلِهِ حفظَ القرآن الكريم، مخافة أن ينساه، حتى أنزل الله عليه ما يثبت به فؤاده، ويُطَمْئِنُهُ أن القرآن لن يَتَفلَّتَ منهُ:
قال الله ? : } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ! إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ! فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ { .(21)
فطمأنه الله تعالى أن حفظ وبيان القرآن إليه ? ، وأمره أن ينصت إلى الوحي، كما قال ? : } وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا { .(22)
قال الحافظ ابن حجر: ولما كان من أصل الدين أن الْمبادرة إلى أفعال الخير مطلوبةٌ، فنُـبِّه على أنه قد يَعترضُ على هذا الْمطلوب ما هو أجَلُّ منهُ، وهو الإصغاء إلى الوحي، وتَفَهُّمُ ما يَرِدُ منه، والتشاغل بالحفظ قد يَصُدُّ عن ذلك، فأُمِرَ ألاَّ يُبَادر إلى التحفظ ؛ لأن تحفيظه مضمونٌ على ربه اهـ.(23)
عن سعيد بن جبيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - - فِي قَوْلِهِ تعالى: } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ { قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ،(24)
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ? يُحَرِّكُهُمَا،
وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ! إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ { قَالَ: جَمْعُـهُ لَكَ فِي صَـدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ، } فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ { قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، } ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ.
فَكَانَ رَسُولُ اللهِ ? بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ ? كَمَا قَرَأَهُ.(25)
وظاهر السياق يحتمل أن يكون إنما كان يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ للمشقة التي كان يجدها ? عند نزول الوحي، فكان يتعجل بأخذه لتزول الْمشقة سريعًا.
وفي روايةٍ أخرى عند البخاري: كان يُحَرِّكُ به لسانه مخافة أن ينفلت منه.(26)
فهذه الرواية صريحةٌ في أن سبب الْمبادرة هو خشية النسيان، أي كان يحرك لسانه لئلا يفلت منه حرف أو تضيع منه لفظة.
وعن الشَّعْبِيِّ في هذه الآية: } لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ { قال: كان إذا نزل عليه الوحي عَجِلَ يتكلم به من حُبِّه إيَّاه.(27)
وهذه الرواية تدل على أن سبب الْمبادرة هو حب الرسول ? للقرآن، وحب الشيء يستلزم الخوف عليه، والخوف من ذهابه عنه.
قال الحافظ ابن حجر: ولا بُعْدَ في تعَدُّدِ السببِ.(28)
بواعث حفظ النبي ? للقرآن
يُمكن أن نستخلص مِمَّا سبق بواعث حفظ النبي ? للقرآن الكريم، وهي:
1 - أنه الْمبلِّغ عن ربه تعالى، والحفظ ضروري للبلاغ على الوجه الأكمل الذي أمره الله به.
2 - حب النبي ? للقرآن الكريم.
3 - خوف نسيان القرآن.
4 - التوثُّق للقرآن، والتحري في ضبط ألفاظه وحفظ كلماته.
(18) الأمي: هو الذي لا يكتب ولا يقرأ، أو منسوب إلى الأم، كأنه باقٍ على حالته التي وُلد عليها، أو على أنه أشبه بأمه منه بأبيه، إذ إن نساء العرب ما كن يعرفن القراءة والكتابة، ووصف النبي ? بالأمي إما على أحد الْمعاني السابقة، أو على أنه منسوب إلى أمة العرب، وهي الأمة الأمية، وكانوا في الجاهلية لا يعرفون القراءة والكتابة إلا النادر، ولذلك كان أهل الكتاب يصفونهم بالأميين، أو على أنه منسوب إلى أم القرى - شرفها الله. القاموس الْمحيط ص 1392، والجامع لأحكام القرآن (7/190)، وتفسير أبي السعود (3/279).
(19) من الآية 2 من سورة الجمعة.
(20) الآية 48 من سورة العنكبوت.
(21) سورة القيامة، الآيات 16-18.
(22) من الآية 114 من سورة طـه.
(23) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/548) بتصَرُّفٍ يسير.
(24) في كتاب التفسير من صحيح البخاري أن سفيان بن عيينة وصف تحريكه ? لسانه بقوله: يريد أن يحفظه، قال الحافظ في الفتح: وفي رواية أبي كريب: تعَجَّل يريدُ حفظَه، فنـزلت. فتح الباري (8/548-549).
(25) رواه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الوحي، صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (1/39) ح: 5.
(26) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري، كتاب التفسير، باب } إن علينا جمعه وقرآنه { (8/549) ح: 4928.
(27) رواه الطبري في التفسير (29/187).
(28) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/550).
تعليق