( الحوزة العلمية ...اسرار خفايا)
للإمام محب الدين عباس الكاظمي
هذه الرسالة
إنها
صرخة نذير واستغاثة غريق
وجد نفسه وقومه وسط العباب
تتقاذف سفينة نجاتهم الأمواج
في بحر الظلمات لا أول له ولا آخر
ثم ...
لاحت له من بعيد منارات النجاة
على شاطئ الأمل
فهو يصرخ في قومه صراخا ربما انزعج له الكثيرون –القليلون :
خلصوا أنفسكم قبل أن يدرككم الغرق
أنقذوا ما تستطيعون إنقاذه
ووجهوا دفة سفينتكم
قبل .. فوات ..
الأوان .
جاء فى محكم التنزيل فى القرآن الكريم
( وقال الذى امن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد) غافر 30-31
( ويا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم التناد . يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد) غافر 32-33
( وقال الذى امن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد . يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار) غافر 38-39
(ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار. تدعونني لأكفر بالله وأشرك ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار. لا جرم أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار. فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ) غافر 41-44
لماذا كتبت هذه الرسالة :
عشت سنوات عمري بي وأنا مؤمن -ولازلت- بأن منهج أهل البيت الأطهار (ع) موافق لشرع الله جل وعلا كما هو موافق للعقل الصريح ومنسجم مع الذوق السليم والسلوك الإنساني القويم وليس فيما يؤثر عنهم ما يتناقض مع كتاب الله أو سنة نبيه و إلا خالفناه وأخذنا بغيره كما جاء التوجيه عن الإمام الصادق (ع) لما كثرت التقول عليه وصارت الروايات الباطلة تصنع على لسانه وتنسب إليه قال :
(ما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالفه فدعوه) [1].
واستمرت بي الايام وأنا أراقب أحداثها ، وأعيش الواقع وأرصد حركاته وأرى الناس وأتفحص تصرفاتهم وأختبر أفكارهم فلقد رزقني الله نفسا لا تقتنع بما ترى أو تسمع دون دراسة و تمحيص وتؤمن أن الله أعطى كل إنسان عقلا ليفكر به ويستعمله لا ليعطله ويفكر بعقول الآخرين لا سيّما في الأمور العظيمة كأصول الدين والعقيدة وضروريات الحياة البشرية ، وكنت أردد دائما مقولة أمير المؤمنين (ع) (أعوذ بالله من سبات العقول) [2]
وأرتعد فرقا أمام قوله جل جلاله :
(يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا)/الأحزاب 66-67.
سبحان الله هؤلاء قوم عطلوا عقولهم عن فهم كتاب الله وسنة نبيه وأسلموا زمامها إلى أيدي السادة والكبراء والعلماء فكان مصيرهم إلى النار جميعا .
وإن تقليد العلماء ليس عاما لكل شيء وإنما هو مقصور على فروع الدين وجزئياته وغوامضه لمن لايملك الة البحث والاجتهاد بشرط عدم الاصطدام بنص القرآن أو السنة .
أما أصول الدين ومهماته فلا يعذر الإنسان بجهلها أو الخطأ فيها إتباعا للعلماء وتقليدا لهم ، وإلا فإن لكل ملة علماءها ، فلليهود علماء وللنصارى كذلك ولكن كما قال الله تعالى :
(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)/ التوبة –31وعرفت ... أن الإسلام –ذلك الدين العظيم قد تعرض خلال مسيرته الطويلة إلى كثير من المؤامرات والكيد ومحاولات الدس والتحريف ومنها وضع الأحاديث الملفقة على لسان رسول الأمة صلى الله عليه وآله وسلم وصنع الروايات المزخرفة على ألسنة الأئمة (ع).
وبين العيش في الناس والغوص في بطون الكتب توصلت إلى ...
حقيقة مرة هي :
أن أئمة أهل البيت –شأنهم شأن كل المصلحين الكبار- قد ظلموا مرتين !!
مرة ... من الأعداء .
ومرة ... من الأتباع !!
أما الأعداء : فطعنوا فيهم وشوهوا سيرتهم وأشد ذلك الطعن والتشويه ما كان مبطنا مستترا يتخفى وراء براقع الانتساب إليهم كي لا ينتبه إليه الأتباع والمحبون .
وأما الأتباع ...
فكان ظلمهم أشد حين انخدعوا بمقولات الأعداء المبطنة فصدقوها وتبنوها فعملوا بها ! بل و تحمسوا لها فأذاعوها ونشروها !فيا للمصيبة ..
وهنا أشعر بالحاجة إلى أن أضع القلم من يدي لأبكي ... مرتين !! ولكن ... ما فائدة البكاء؟ وإلى متى؟!
أما آن لنا أن نحصل على حصتنا من التفاؤل والأمل ؟ وأن تأخذ عدة الجد والعمل كي نواصل الطريق وصولا إلى الهدف ، ومعرفة الحقيقة وسط أنوار الحق الساطعة !!
بين المراقد والمراجع
زرت العديد من مراقد الأئمة والصالحين والتقيت الكثير من السادة والمشايخ والعلماء العاملين وقرأت كذلك كثيرا من المصادر والمراجع المعتمدة ولكن ... بالروحية الفاحصة الباحثة نفسها .
فكنت أعرف .. وكنت أنكر !!
وأحيانا أجد عجبا فأقول : أين الحقيقة ؟!!
لا سيما وأن في هذه العجائب ما يوقع في الحرج الشديد كل من يحاول جاهدا أن يدافع عنه أو يتلمس له المخارج والأعذار ، وأحيانا تنتابه حالة من الخجل أمام تساؤلات المرتابين أو هجوم المنكرين إذ لا يجد ما يدافع به أو يصلح للدفاع وقد يبدو عليه الضعف فيتلعثم أو يرتبك وهو يفتش عن وسيلة للخروج من مأزق حشر فيه أو نفق طويل لا يراه يخلص إلى شيء فأما السكوت وأما اللجاج وأحلاهما مر ! فما هو الحل ؟
ما هو الحل ؟
هل نكتفي بالقول أن هذا كذب أو بالادعاء أنه مدسوس ؟ وهو أمر بات واضحا أنه ليس أكثر من وسيلة للتملص والهروب من الإحراج، وصاحبه أعلم به من خصمه !! لو كان الموضوع يتعلق بمسالة أو مسألتين أو -حتى- مائة أو مائتين !
أو كان الاعتراض على خط مسطور في كتاب مغمور أو منشور، لهان الخطب .
أما و المسائل التي تخالف الكتاب والصواب وتناقض المنقول والمعقول وتنبو عن الذوق والسلوك الرفيع تعد بالمئات بل بالآلاف !! ومثبتة في المصادر الموثقة والمراجع المعتمدة والكتب الكثيرة المنتشرة المتداولة ، الممنوعة منها والمشروعة وكذلك المخطوطة و والمطبوعة قديما وحديثا وتباع في المكتبات –وتدرس في المدارس ، وتعلن على الملأ وعامة الناس دون نكبر من كبير أو صغير فهو الأمر الجلل الذي لا تنفع معه محاولات التكذيب ولا يعالج بالترقيع ! لا بد من إجراء عملية جراحية (كبرى)!
ناهيك عن الأعمال المخالفة للشرع والأدب والتي نشاهدها بأم أعيننا تمارس -وبالمكشوف- عند مراقد الأولياء ومشاهد الأصفياء !
وإذا سمع صوت خافت من هنا أو هناك قيل له: إن هذا من فعل العوام أو الجهلة ، ويعلم الله أن من المشاركين لهم فيها والواقعين في دواهيها أناسا يعتمرون العمائم ويعفون اللحى ويلبسون زي (رجال الدين) –كما يقولون- أو يرقبونها عن كثب دون نكير !!
ما هو دور العلماء ؟ ولماذا هذا الصمت ؟! إن هذه الأفعال أضحت ممارسات طبيعية اعتاد الناس ارتكابها وهم يعيشون حياتهم اليومية في المجتمع !
أيعقل أن هذا هو منهج أهل البيت ؟!!
أيصح شرعا أو يحتمل وجدانا أو يستساغ عقلا أن نرى كل هذا ثم نسكت على نسبته إليهم أو فعله باسمهم ؟!
حقا إن ذلك مما لا يمكن السكوت عليه تحت أي حجة أو ذريعة لأن الانحدار وصل وتجاوز حد الهاوية .
وإن ارعدت انوف
وأنا أعلم أن في هذه الصرخة المدوية ما يؤلم ويزعج وتغص به حلاقيم ، وترعد له أنوف !
ولكن .. حسبي وعذري أن الحقيقة مرة ، وإن الحال قد أمسى مما لا ينفع في علاجه الترفق والإيماء أو الإيغال بحذر وحياء .
إنه ... ورم وورم كبير!!
ولا بد لعلاجه من مبضع الجراح !! إن الركام لهائل وإن التركة لثقيلة .
ولا بد من تصفية الحساب كله ومراجعة الدفاتر كلها والرجوع من جديد إلى أول الطريق من أجل أن نميز بين التشيع الأصيل والدخيل .
الباب الأول
منهج أهل البيت ...النظرية والتطبيق
الفصل الأول : الرسول (ص ) والأئمة (ع)
السيرة العطرة
محمد (ص) سيد الزاهدين :
كان رسول الله (ص) أزهد الناس وأبعدهم عن زخارف الدنيا وملذاتها ، وكان في شغل في دينه ودعوته عن حاجات نفسه ومطالب أهله وقرابته !
كان (ص) ينام على التراب ، ويفترش الحصير فيقوم وقد أثر في جنبه فيقولون له :
يا رسول الله لو اتخذت لك وطاءا (أي فراشا لينا) فيجيبهم :
((ما لي وللدنيا ؟!ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح عنها)) .
ورأى جماعة يعالجون خصا لهم (أي بيتا من خشب وقصب) فقال: ((ما هذا)) ؟ قالوا قد وهن فنحن نصلحه فقال : ((ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك)).
وكان (ص) أحيانا يشد الحجر على بطنه من الجوع .
ويمر عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار ، طعامه واهل بيته الأسودان : التمر والماء إلا أنه قد كان له (ص) جيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إليه من ألبانها فيشرب ويسقي أهله.
وخرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير أو القمح ! مع قدرته عليه لا سّيما في أواخر حياته الشريفة بعد أن فتح الله عليه الفتوحات وصارت الأموال تجبى إليه .
ولما اشتكت إليه أزواجه ما يلقينه من الشدة وشظف العيش معه وكان ذلك بعد خيبر وحيازة أموالها وأراضيها نزل قول الرب –جل وعلا- بالتخيير بين البقاء معه على هذه الحال أو الفراق بالطلاق ليجدن ما يردنه في أرض الله الواسعة :
(يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا . وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما)/الأحزاب 28-29
وكان (ص) يصلي أحيانا جالسا ما به إلا الجوع !
وجاءته السيدة فاطمة (ع) يوما بكسرة خبز فقال : ((ما هذه الكسرة يا فاطمة؟)) قالت : قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى آتيك بهذه الكسرة ، فقال :
((أما أنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام)) !!.
لم يكن ذلك منه عجزا ، بل كانت الدنيا كلها بين يديه ولكنه كان يؤثر الزهد والتعفف والقناعة .
وحرم على نفسه وأهل بيته الزكاة والصدقات وسماها أوساخ الناس !
ليضرب المثل الأعلى بنفسه وأهله في العلو والتسامي ولقد عرض عليه ربه أن يجعل له بطحاء مكة ذهبا فقال :
((لا يا رب ولكن أجوع يوما وأشبع يوما فإذا شبعت حمدتك وشكرتك وإذا جعت تضرعت إليك ودعوتك))!! وخرج من الدنيا ودرعه مرهونة عند يهودي على صاع من شعير !!
فمن أحق الناس بأتباعه والتأسي به من أهل بيته وإن تطاولت بهم الحقب ، أو طالت بهم سلسلة النسب ؟!
على خطى جدهم وإمامهم (ص)
لقد وفى أهل البيت الكرام –لاسيما الأئمة الكبار منهم- لرسولهم وإمامهم (ص) فساروا على طريقه ومنهاجه مختارين حياة الزهد والعفا ف والسمو والترفع عما في أيدي الناس فكانوا خير من علم بعده وعمل بقوله :
((اليد العليا خير من اليد السفلى))
ولقد حفلت كتب السير والتواريخ ودواوين الأحاديث والروايات بتراث ضخم من مآثرهم يخبرنا عن توكلهم وحسن ظنهم بربهم وتعلقهم به والتجائهم إليه في البأساء والضراء واليسر والرخاء.
وكيف أنهم قاموا بواجبهم تجاه الناس وإرشادهم وتعليمهم دون انتظار أجر من أحد سوى الله بل كانوا يرفضون أن يمدوا أيديهم إلى درهم واحد من أموالهم بل كانوا هم المتفضلين عليهم فيعطونهم من جهودهم وأوقاتهم وأموالهم كذلك ولسان حالهم :
((إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا))/الدهر9 .
الإمام علي (ع)
من أقواله المأثورة :
(يا أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان : إتباع الهوى وطول الأمل أما إتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة ألا وإن الدنيا ولت حذاء (مسرعة) فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء اصطبها صابها).
ألا وإن الآخرة قد أقبلت ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن كل ولد سيلحق بأمه يوم القيامة وإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل) [3].
وقال يذكر النبي (ص) :
(قد حقر الدنيا وصغرها وأهون بها وهونها وعلم أن الله زواها عنه اختيارا وبسطها لغيره احتقارا فأعرض عنها بقلبه وأمات ذكرها عن نفسه ، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه لكي لا يتخذ منها رياشا أو يرجو فيها مقاما) [4].
أكبر مصائبنا
لكن المصيبة –التي نكبنا بها فتركتنا كالسكارى لا نعي ولا نفكر في سعي- أننا نقرأ هذه الأقوال ونرويها للإعجاب والتباهي دون شعورنا أن هذا لن ينفعنا عند الله مثقال ذرة ما لم نعمل أو نطالب أنفسنا ولو بجزء قليل من العمل بمقتضى هذه التوجيهات العظيمة .
((يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون))/الصف2-3.
لقد أصابنا مرض مزمن انه تبلد الإحساس بما نقرأ أو نسمع من سير الصالحين وحكم الواعظين أنها لا تعني بالنسبة لنا أكثر من أننا نسمعها أو نرويها ونمر بها كما يمر السائق السكران بإشارة المرور لا يعي ما تعني بالنسبة إليه ولا يثيره منها إلا زخرفتها أو حسن رسمها وجاذبية ألوانها ! ولذلك حصل الانشطار بين أقوالنا وأفعالنا .
أقوال تسندها الأفعال
لقد كانت حياة أمير المؤمنين (ع) ترجمانا أمينا لأقواله ووصاياه عاش عيشة الفقراء حتى وهو على رأس السلطة ! ومنع أهله وأقاربه من متع الدنيا والتبسط فيها ليظلوا مثلا يقتدي به المقتدون .
استمع إليه كيف يخبر عن حال أخيه عقيل الذي افتقر واشتد به الفقر حتى أنه لا يجد مدا من طحين فيأتي أخاه أمير المؤمنين يسأله من بيت المال ما يسد به جوع عياله الذين اسودت وجوههم واغبرت ألوانهم وشعثت شعورهم فيرده رغم تكرار طلبه ومراجعته :
(لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استملحني من بركم صاعا ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظائم، وعاودني مؤكدا وكرر علي القول مرددا فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني واتبع قياده مفارقا طريقي، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنف من ألمها وكاد أن يحترق من ميسمها فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه؟! أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟!.
وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها ، فقلت : أصلة أم صدقة أم زكاة؟فذلك محرم علينا أهل البيت . فقال : لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية. فقلت : هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟!! [5].
إنني لأرى العار مجسما يجلجل في أردية ولحى كثيرة حين أقارن بين هذه الحالات وبين ما عليه أصحاب تلك الأردية من غنى فاحش وترف وتخمة ورتع في أموال الناس بل هناك ما هو امر وادهى !!.
او قوله (المال مادة الشهوات) [6].
ورؤى (ع) وعليه إزار خلق مرقوع فقيل له في ذلك فقال :
(يخشع له القلب ، وتذل به النفس ، ويقتدي به المؤمن) [7].
يكنس بيت المال !
كان (ع) ينفق جميع ما في بيت المال ويوزعه على المستحقين ثم ... يكنسه بنفسه ويرشه ليصلي فيه ركعتين هما نصيبه منه !!
ثم خلفت من بعده خلوف تكنس المال كنسا !
التوحيد الخالص
قال (ع) يصف ربه :
(كل شيء خاشع له ، وكل شيء قائم به ، غنى كل فقير ، وعز كل ذليل ، وقوة كل ضعيف ، ومفزع كل ملهوف) [8].
وأقول مرة أخرى : إن مصيبتنا أننا نقرأ أقوال الأئمة للتباهي والمدح المجرد لا للإقتداء والعمل، وإلا كم من ملهوف إذا استغاث أو دعا أو استجار جعل مفزعه غير الله يلتجيء إليه يعوذ به ويتقرب إليه بالنذور ويندب اسمه ويستغيث به دون الله ؟! دون أن يدري أنه في طريق والإمام (ع) في طريق أليس هو القائل :
(إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة ، وأقام الصلاة فإنها الملة ، وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة ... وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة ... واقتدوا بهدي نبيكم فإنه أفضل الهدي واستنوا بسنته فإنها أهدى السنن ، وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب) [9].
حكم أين نحن منها ؟
(من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) [10].
(إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته (نسبه)، وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته) [11].
ما مدى تطبيق هذه القواعد العظيمة من الواقع ؟!
يعطون و...لا يأخذون !!
لقد سار أولاد أمير المؤمنين (ع) وأحفاده على خطاه التي ترسمت خطى رسول الله (ص) ، فهذا الإمام الحسن (ع) دخل السوق لحاجة يشتريها فساوم صاحب دكان في سلعة فأخبره بالسعر ثم علم أنه الحسن بن علي سبط رسول الله (ص) فنقص في السعر إجلالا له وإكراما ، ولكن الحسن لم يقبل منه ذلك وترك الحاجة وقال :
(إنني لا أرضى أن أستفيد من مكانتي من رسول الله (ص) في شيء تافه).
أما الإمام السجاد (ع) فكان إذا سافر كتم نفسه حتى لا يعرفه أحد فيصله ويعطيه شيئا بلا مقابل ويقول :
(أنا أكره أن آخذ برسول الله (ص) مالا أعطي به).
أقول : لقد أمسى الانتساب إلى رسول الله (ص) مهنة !! بل هو أعظم المهن وسيلة للارتزاق واستجلاب الترف والنعيم !!! وأضحت توضع لها الشارات والعلامات من أجل الدلالة والتعريف وصاحبها مستعد لتذكيرك إذا نسيت ومطالبتك إن قصرت ! أين هذا من قول الباقر (ع) :
(إذا رأيتم القارىء (أي العالم) يحب الأغنياء فهو صاحب دنيا)!! واليوم أكثر الناس حبا للأغنياء وتزلفا إليهم هم العلماء إلا القليل !
وكان الإمام الصادق (ع) يتصدق حتى لا يبقى لعياله شيئا وكان كجده زين العابدين يسر بالعطاء ولا يظهره فكان إذا جاء الغلس و أعتكر الظلام حمل جرابا فيه خبز ولحم ودراهم ثم يذهب إلى ذوي الحاجات من أهل المدينة ويعطيهم وهم لا يعلمون .
أما ابنه الإمام الكاظم (ع) فكانت صرة عطائه يضرب بها المثل !
من عمل أيديهم يأكلون
كان أمير المؤمنين علي (ع) يحصل على رزقه أيام خلافته من كد عمله في بستان يعمل فيه ظاهر الكوفة . وهكذا كان الأئمة (ع).
فقدكان للإمام الصادق (ع) مزرعة يعمل فيها ، فيلتقيه رجل يوما ما على قارعة الطريق وهو راجع من مزرعته يتصبب عرقا فيلومه ذلك الرجل بكلمة غير مهذبة تثيره فيقول :
(خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك) [12].
وروى الكليني أيضا عن أبي حمزة قال : رأيت أبا الحسن (ع) يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق فقلت : جعلت فداك أين الرجال؟ فقال : يا علي قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه ومن أبي فقلت له : ومن هو ؟ فقال : رسول الله (ص) وأمير المؤمنين وآبائي (ع) كلهم قد عملوا بأيديهم [13].
وجاء رجل إلى أبي عبدالله (ع) فقال : أدعو الله أن يرزقني في دعة فقال : لا أدعو لك أطلب كما أمرك الله عز وجل [14].
الفصل الثاني
نظام الحياة في الإسلام
الاسلام نظام شامل متوازن
جاء الإسلام بنظام للحياة عظيم يمتاز بالشمولية والتوازن ينظم علاقة الإنسان بربه وعلاقته بمجتمعه وكذلك علاقته بنفسه بحيث نؤدي حقوق الله تعالى وعبادته وحقوق المجتمع والإحسان إلى أفراده ومؤسساته وكذلك حقوق النفس وحاجاتها بصورة متوازنة يمتنع فيها طغيان جانب على آخر بل تجعل هذا الإنسان يعيش ضمن منظومة متناسقة مترابطة ترضي خالقه وتمنح نفسه ومجتمعه الاستقرار وطيب العيش في الحياة الدنيا وفى لآخرة وإلى هذا أشار الرسول العظيم (ص) بقوله :
إن لربك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا ولنفسك عليك حقا) لقد فصل ديننا هذه الحقوق تفصيلا :
فأمر بعبادة الله وحدة ونبذ عبادة ما سواه أو التعلق به من دونه كدعائه والاستغاثة به أو استعانته أو القسم به أو الخوف منه أو رجاءه والاعتماد عليه أو الرجوع إليه في الطاعة والتحاكم والتشريع وما إلى ذلك مما لا يصلح صرفه إلا إلى الله وحده .
وفرض الصلوات الخمس وحدد أوقاتها وفرض صوم رمضان وإيتاء الزكاة وحج البيت وأمر ببناء المساجد وعمارتها وشرع الذكر وقراءة القرآن وتدبره والعمل به وجعل الجهاد في سبيل الله والدعوة إليه ذروة سنام الإسلام ...
وبين سبحانه –أن هذه العبادات أساسها عمل القلب من الإخلاص والصدق والخشوع والخوف والحب والرجاء والتفكر والتوكل واليقين ... و شرع كذلك الصدقة والإحسان إلى الخلق من ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل- وأوصى بالجار وإحسان العلاقة مع الناس جميعا .
ونظم الأسرة وشرع الزواج وحرم الزنا وبين حقوق الزوجين في الائتلاف والاختلاف وحث على تربية الأولاد أما الوالدان فالإحسان إليهما مقرون بأعظم أركان الدين –وهو التوحيد! كما أمر بالصدق في الحديث والوفاء بالوعد وغض البصر والعفاف وإحصان الفرج... ونظم احوال السوق فأحل البيع وحرم الربا والغش والاحتكار وحث على التسامح والتعاون على البر والتقوى.
وعلم المسلم كيف يتطهر ويتجمل ويلبس ويتغذى وينام وفي العموم ما من جزئية من جزئيات الحياة ومفرداتها إلا وذكرها ونظمها كالزراعة والصناعة والتعليم والصحة والجيش ...الخ.
فإذا أديت هذه الحقوق والواجبات كما أراد الله عز وجل صلح حال الفرد والمجتمع .
أما إذا وقع الخلل واختل التوازن المذكور كأن تطغى حظوظ النفس ورغبات الجسد على حقوق الله أو المجتمع أو حصل العكس فإن هذا النظام الرائع يفسد فيعم الخراب وينهار المجتمع وصدق الله إذ يقول :
(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)الروم 41
إن الإسلام حين يقدم نظامه العظيم هذا ويدعو المسلم إلى أن يراعي حقوق الله وحقوق المجتمع مراعاة شديدة ويحثه على التوسع في هذين الحقين قدر المستطاع.
لكنه من الناحية الأخرى يدعو إلى التخفف من متع الدنيا ويحثه على الزهد فيها وعدم الإكثار منها .
إنهما أمران متعاكسان تماما!
فبينما نرى الإسلام يقسم حق الله وحق المجتمع إلى :
- واجب لا يحل التفريط فيه
- مستحب رتب عليه أجرا يغري المسلم بفعله والتوسع فيه
نراه من الناحية الأخرى يقسم الأمر قسمة معاكسة فمثلا :
أمر بالصلاة والصوم وحث على الإكثار من التطوع فيهما كنافلة القيام والسنن وصوم يومي الاثنين والخميس وفرض كذلك طاعة الوالدين وبرهما وفرض الزكاة التي هي حق المجتمع وحث على الصدقة من الأموال والأطعمة وغيرهما بل قرن بين الذبح وإطعام اللحم وبين الصلاة فقال :
(فصل لربك وانحر) الكوثر2 .
بينما لم يجعل التوسع في المآكل والمشارب و المساكن و المناكح لا من الواجبات ولا من المستحبات ولم يرتب على ذلك مدحا ولا أجرا وإنما غايته أن يكون من المباحات التي يستوي فيها الفعل والترك إذ ليس جمع المال ولا بناء القصور ولا المتاع الجسدي أمورا جاء الشرع بالترغيب فيها ولا جعل لها فضيلة لذاتها ولا أجر فيها ما دامت منفعتها مقتصرة على الفرد نفسه إنما الأجر على إعطاء المال والإيثار به لا على أخذه أو كنزه أو التمتع به .
وقد أمر الإسلام بالعفاف وغض البصر وإحصان الفرج وجعل للزواج غاية سامية فوق المتعة الجسدية الزائلة ، ألم تر أن الله تعالى يقول :
(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا) الأحزاب 41-42
(إنما أموالكم وأولادكم فتنة) التغابن 15
(المال و البنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) الكهف46
فأرشد إلى الإكثار من الذكر وإلى الحذر من المال والولد وبين أنهما متاع دنيوي زائل .
إذن الأمر في باب العبادة والإحسان إلى الخلق قائم على الترغيب والتوسيع وفي باب المتاع المالي والجسدي قائم على التزهيد والتضييق والحكم في الباب الأول يدور بين الاستحباب والوجوب بينما هو في الباب الآخر يتردد بين الإباحة والكراهة والخط هناك صاعدا أبدا، وهنا نازل قد ينحدر إلى درك الإثم والحرمة . هذاهو نظام الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى لعباده وما عداه فمن وضع البشر واجتهادهم .
النظام الذي يقوم عليه التدين الدخيل
بعد طول ملاحظة ونظر ومناقشة تيقنت من حقيقة مرة بائسة هي : أن التدين الذي نمارسه اليوم يتناقض كليا مع النظام الرباني البديع !!
إنه باختصار دين آخر يقوم ويرتكز على الاهتمام بحظوظ النفس ورغبات الجسد من المال والجنس والمتع الدنيوية الهابطة . لقد وصل هذا التدين البديل إلى درجة مخيفة من الاختلال والاضطراب في هذا النظام . لقد تغلبت الحظوظ والمتع الذاتية على حقوق الله والمجتمع تغلبا مذهلا ، لا يمكن أن يتأمله عاقل إلا ويدرك جازما أن هذا ليس هو التشيع الأصيل ولا يعقل قط أن يكون هو الدين الذي جاء في التنزيل !
وإذا أطلقت عليه ظلما كلمة (التشيع) فلا بد أن نضيف إليها كلمة أخرى هي (الدخيل) حتى نبرئ ساحة التشيع الأصيل .
انه ملخص في هذه العبارة الجامعة :
(دين في أمر العبادة والإحسان يقوم على التضييق والمشاححة وفي أمور المال والجنس يقوم على التوسيع والمسامحة)!! وحاشا أهل البيت (ع) ان يكون هذا ( الدين )منهجهم ، ومن الغلط الفاحش أن نسميه (تشيعا) .
وقد ربط أقطابه والمستفيدون منه بين كثير من العبادات الشرعية أو البدعية وبين الطعام والشراب والمال والجنس ! وفتحوا الباب على مصراعيه للولوج إلى دائرة الحرام بعد أن أمسى الجو مهيئا ومناسبا ، والحواجز ضعيفة أو معدومة ، والذرائع إليه موصولة موفورة ! لا سيما وأنهم استطاعوا أن يخيلوا لأتباعهم أن أعظم المنكرات تغفر بأوهن الأسباب وأوهى الأعذار .
و ..... هكذا –وكنتيجة حتمية- صار الجنس واقعا وباتت العبادة قائمة على المال والجنس والمتاع والتوسع فيه ، وعلى حذف ما أمكن حذفه واختصار ما أمكن اختصاره من الفرائض الدينية والتخفف منها أو تحويلها إلى مصيدة للمال والجنس ما وجدوا إلى ذلك سبيلا ! ففي المال والجنس نجد الإضافة والمسامحة والتوسيع ،وفي العبادة والإحسان نجد الحذف والمشاححة والتضييق!! هذه هي القاعدة احفظها جيدا وتعال معي أفصل لك ما أجملته تفصيلا وذلك فى الباب التالى .
الباب الثاني
المنهج الدخيل ... الواقع الفاسد
الفصل الأول : التوحيد
من الإيمان إلى ... الإدمان
ومضات سريعة من درر القرآن الكريم
(أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فماله من هاد) الزمر22-23 .
تأمل هذه الصورة ثم قارن بينها وبين الصورة التي ترسمها الآية التالية لترى إلى أي الصورتين نحن أقرب :
(وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة و إذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) الزمر45.
من هؤلاء (الذين من دونه)؟ إنهم: (اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى) النجم 19-20 الذين قال الله عنهم : (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) النجم 27
إذا كان المشركون يعتقدون أن الملائكة بنات الله -سبحانه- فيتخذونهم شفعاء يدعونهم أو يدعون الله بهم وقت الرخاء ويستبشرون بذكرهم وينشرحون له أكثر منهم عند ذكر الله فإذا كان ذلك شركا بالله فما الفرق بينه وبين الانشراح عند ذكر الصالحين أكثر منه عند ذكر الله ؟!
ألسنا نخشع ونبكي عند الأضرحة والمقامات أكثر من خشوعنا وبكائنا ونحن في حضرة الله في بيوته ومساجده أو عند قراءة كتابه والاستماع إلى كلامه ؟!
(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا) الانفال 2-4.
(وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) الزمر67 .
(وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة). فصلت6-7 .
(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) التوبة31.
إنها ربوبية الطاعة من دون نقاش لا ربوبية الخلق لأن اليهودي أو النصراني لا يعتقد في الِعالم أنه هو الذي خلقه وإنما يطيعه طاعة مطلقة كطاعة الله ويقدم له أمواله فهو مسلوب العقل والمال من قبل هؤلاء الأحبار والرهبان كما قال تعالى :
(إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله) التوبة34
مع أن الله تعالى يقول : (اتبعوا من لا يسألكم أجرا) يس 21.
وقال : (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا. وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) الأحزاب66-67 .
(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) النور30.
(وقضى ربك إن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا... وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ...) الخ من الوصايا التي جاءت في سورة الإسراء23-26.
وجاء قوله تعالى : (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة5 .
يأمر بإفراده بالاستعانة كإفراده بالعبادة سوءا بسواء وهو الأصل الذي إنبنى عليه القول المأثور عن علي (ع) :
(من استعان بغير الله ذل)
وجاء قوله تعالى : (ادعوني أستجب لكم) غافر60.
(فلا تدعوا مع الله أحدا) الجن18.
(وهو معكم أين ما كنتم) الحديد4.
(ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ق16 .
ليرد على كل من تعلق بغير الله فدعاه أو استغاث به في شدة أو تصور أنه أقرب إليه استجابة من الله أو اعتقد أن الله أبعد عنا من واسطة نحتاجها تقربنا إليه :
(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان) البقرة186.
هذه هي صورة التوحيد والإيمان الجميلة وفي مقابلها صورة الشرك والكفر البشعة القبيحة .
إن التوحيد تعلق بالله وحده يثمر كل هذه الثمرات الطيبة ويصوغ شخصية المسلم صياغة جديدة تمتاز بالعفاف والحياء والإيثار والعطاء وعلى العكس من ذلك الشرك إنه انقطاع عن الله وتعلق بغيره مهما كان ذلك الغير ملكا فما دونه صورة كالحة وثمار فجة مرة و وقاحة وفحشاء وأخذ بلا عطاء إنه تخبط ودوران في فلك الذات والملذات بعيدا عن الله ومصلحة المجتمع .
والآن ... وبعد هذه الجولة السريعة بين معالم المنهج القرآني نأتي إلى هذا التدين الدخيل الذي نمارسه بصورة طبيعية دون نكير أو اعتراض معتقدين أنه دين أهل البيت !فماذا نجد فيه؟!!
في خدمة المال والجنس
ضعفت الصلة بالله ضعفا شديدا بحيث لا يذكر إلا قليلا ! وهذا القليل لا يكون إلا بواسطة و شفاعة !.
مساواة الله عزوجل بالرسول (ص) والائمة (ع)
ولو تلمس كل واحد قلبه لأحس أن تعلقه واعتماده على الوسطاء والشفعاء أكبر من تعلقه واعتماده على الله هذا إن لم يكن الله بعيدا تماما عن الموضوع . فالمدعو والمستعان والمستغاث والوهاب والشافي ، ومن يجيب المضطر ويكشف السوء، ويذهب الهموم ويزيل الغموم ويفرج الكربات ويلبي الطلبات ويحل المشكلات ، ويفرج الشدات ويسمع الدعوات ليس هو الله بنفسه وإنما لابد من توسط الوسطاء وتدخل الشفعاء ، وقد يدعى هؤلاء مباشرة دون الرجوع إلى الله !!
ولا أدل على ذلك من اللحظة التي يقع فيها أحدهم في شدة واضطرار فإن أول ما ينطق به لسانه هو (الإمام) أو (الولي) وليس (الله) !
الأمر الذي لم يكن قد وصل إلى دركه المشركون الأولون الذين (إذا ركبوا في الفلك دعو الله مخلصين له الدين) العنكبوت65 .والذين قال الله فيهم : (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا) الإسراء67.
حتى أن كثيرا من العوام يدافع عن اعتقاده قائلا : (إن صبر الله طويل) وإن (صبره أربعون عاما) أي فمتى سيجيب ونحن مضطرون والحالة لا تحتمل تأخيرا ؟! ناسين أنه قريب مجيب بل هو أقرب إليهم من حبل الوريد ، وأنه (إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون) يس 82.
أما (الولي) -وهو لفظ يطلق عادة على صاحب القبر أو المرقد- فيعطي المراد ويستجيب للعباد كل حين ودون انتظار أو تأخير . وإذا ودعك مودع فإنه يقول لك : (الله ومحمد وعلي معك) مع أن القرآن من أوله إلى آخرة لا يثبت أحدا معك في كل حين وعلى كل حال إلا الله لا محمد (ص) ولا علي (ع) ولا غيرهما .
(ما يكون من نجوى ثلاثة إلا (هو) رابعهم ولا خمسة إلا (هو) سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا (هو) معهم أينما كانوا) المجادلة7 .من هذا الذي يعبر عنه الله بقوله (هو) هل هو غير الله ؟!!
أليست هذه الآية : (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يوسف106. منطبقة على هذه الحالة تمام الانطباق ؟!
من الحافظ ؟
سؤال قد يبدو غريبا ولكن تأمل هذه المواقف التي أشهدها وتشهدها معي كل يوم :
ذهبنا في تشييع جنازة إلى النجف وبينما كنت أدخل إلى صحن مرقد الإمام (ع) قال لى أحد باعة الماء وهو يعرض علي طاسة ماء : (يحفظك الإمام) قلت له –وأنا أخاطب الجميع- ألستم مسلمين ؟! ألم تقرأوا قول الله في القرآن : (فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) يوسف64 .
و ركب في سيارتي رجل فقال : (يا علي) ولما استقر في مجلسه بدأت أشرح له مسألة الاستغاذة وأنها خاصة بالله أما أهل البيت (ع) فنحن نحبهم ونقتدي بهم لكن لا ندعوهم ولا يجوز أن نستعين بهم ... الخ فوافقني على ما أقول لكنه حينما نزل ووجه إلي كلمات الشكر قال في آخرها :
(يحفظك الرسول) !! قلت في نفسي وأنا أبتسم : ما عملت شيئا!
أسماؤنا تعبد لغير الله
حتى أسماؤنا تدل على ضعف تعلقنا بالله وشدة تعلقنا بالوسائط فعبد الحسين وعبد الزهرة وعبدعلي وعبد الرضا وعبدالكاظم بل عبدالسادة وعبدالأئمة وعبدالكل وعبدالأخوة أكثر شيوعا من عبدالله وعبدالرحمن وعبدالرزاق إلى الحد الذي يكاد يختفي معه هذه الأسماء الكريمة والتي هي من أحب الأسماء إلى الله!
بل عبدالرحمن أو عبدالرزاق مثلا يمكن أن يتحول إلى رحمن ورزاق أما عبدالحسين وعبدالرضا فحاشا وكلا.
وتجد التلفظ بعبد الحسين أو عبدعلي أسهل على الألسنة من التلفظ بعبد الرحمن أو عبدالرزاق ! حتى صار من المألوف أن يكون في سلسلة اسم شخص اسم الرب مجردا واسم المخلوق معبدا مثل (كريم عبدالرضا) عوضا عن ( عبد الكريم عبد الرضا ) و (جليل عبدالحسين) اختصارا ل ( عبد الجليل عبد الحسين )!
ومن المفارقات أنك تجد جميع أسماء الأئمة تحمل أداة التعريف (الـ) الا اسم علي فيقال : عبدالحسن ، ولا يقال عبدالعلي لأن (عبدالعلي) يعني عبدالله لذلك يقولون (عبدعلي) للتأكيد على أن العبودية لغير الله!!
ولد لصديق لي مولود ذكر وذلك بعد طول انتظار وترقب فسماه (عبدالوهاب) تيمنا باسم (الوهاب) الذي وهبه له كما قال إبراهيم (ع) : (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل) ابراهيم 39 ولما جاءتهم جارتهم مهنئة فوجئت بهذا الاسم (الغريب العجيب) فعبرت عن استغرابها قائلة : أما وجدتم غير هذا الاسم ؟! سموه حيدر سموه حسين !!
حور ونذور
وما أكثر (الأئمة) ! إذ لا يحتاج الأمر إلى أكثر من تصميم شكل مكعب على وجه الأرض من فوقه ستور وقبة ((بعضها فوق بعض)) ويجب أن يكون هذا كله قريبا من خط المواصلات! و (للأئمة) –وهذا هو المهم في الأمر كله- سدنة يقومون بأمرهم وأبنيتهم وقبابهم ((وهم لهم جند محضرون)يس 75.
تصور ! (الإمام) يحتاج إلى من يحرسه ويحميه وليس العكس ! وهؤلاء السدنة يحصلون من وراء ذلك على أموال طائلة على شكل نقود أو ذبائح أو نذور أو قرابين وأطعمة ، والوساطات كلها قائمة ومشروطة بدفع الأموال والذبائح والنذور فلا يمكن أن تنجح وساطة أو تقبل شفاعة إلا بذلك ولا وصول إلى الله إلا بشفاعة أو وساطة!
حتى القسم أو اليمين اعظمه ما كان في حضرة (الإمام) ويمكن لأي إنسان أن يحلف مائة مرة بالله كاذبا على أن لا يحلف مرة واحدة (بالإمام) وهو كاذب خصوصا إذا كان في (حضرته) أو (مقامه) أو (ضريحه) ! وهو أمر لم يصل إليه مشركو الجاهلية الأولى فأنهم إذا أكدوا اليمين فإنهم يؤكدونها بالحلف بالله كما أخبر الله عنهم بقوله : (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم) فاطر42.
للإمام محب الدين عباس الكاظمي
هذه الرسالة
إنها
صرخة نذير واستغاثة غريق
وجد نفسه وقومه وسط العباب
تتقاذف سفينة نجاتهم الأمواج
في بحر الظلمات لا أول له ولا آخر
ثم ...
لاحت له من بعيد منارات النجاة
على شاطئ الأمل
فهو يصرخ في قومه صراخا ربما انزعج له الكثيرون –القليلون :
خلصوا أنفسكم قبل أن يدرككم الغرق
أنقذوا ما تستطيعون إنقاذه
ووجهوا دفة سفينتكم
قبل .. فوات ..
الأوان .
جاء فى محكم التنزيل فى القرآن الكريم
( وقال الذى امن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد) غافر 30-31
( ويا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم التناد . يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد) غافر 32-33
( وقال الذى امن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد . يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار) غافر 38-39
(ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار. تدعونني لأكفر بالله وأشرك ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار. لا جرم أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار. فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ) غافر 41-44
لماذا كتبت هذه الرسالة :
عشت سنوات عمري بي وأنا مؤمن -ولازلت- بأن منهج أهل البيت الأطهار (ع) موافق لشرع الله جل وعلا كما هو موافق للعقل الصريح ومنسجم مع الذوق السليم والسلوك الإنساني القويم وليس فيما يؤثر عنهم ما يتناقض مع كتاب الله أو سنة نبيه و إلا خالفناه وأخذنا بغيره كما جاء التوجيه عن الإمام الصادق (ع) لما كثرت التقول عليه وصارت الروايات الباطلة تصنع على لسانه وتنسب إليه قال :
(ما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالفه فدعوه) [1].
واستمرت بي الايام وأنا أراقب أحداثها ، وأعيش الواقع وأرصد حركاته وأرى الناس وأتفحص تصرفاتهم وأختبر أفكارهم فلقد رزقني الله نفسا لا تقتنع بما ترى أو تسمع دون دراسة و تمحيص وتؤمن أن الله أعطى كل إنسان عقلا ليفكر به ويستعمله لا ليعطله ويفكر بعقول الآخرين لا سيّما في الأمور العظيمة كأصول الدين والعقيدة وضروريات الحياة البشرية ، وكنت أردد دائما مقولة أمير المؤمنين (ع) (أعوذ بالله من سبات العقول) [2]
وأرتعد فرقا أمام قوله جل جلاله :
(يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا)/الأحزاب 66-67.
سبحان الله هؤلاء قوم عطلوا عقولهم عن فهم كتاب الله وسنة نبيه وأسلموا زمامها إلى أيدي السادة والكبراء والعلماء فكان مصيرهم إلى النار جميعا .
وإن تقليد العلماء ليس عاما لكل شيء وإنما هو مقصور على فروع الدين وجزئياته وغوامضه لمن لايملك الة البحث والاجتهاد بشرط عدم الاصطدام بنص القرآن أو السنة .
أما أصول الدين ومهماته فلا يعذر الإنسان بجهلها أو الخطأ فيها إتباعا للعلماء وتقليدا لهم ، وإلا فإن لكل ملة علماءها ، فلليهود علماء وللنصارى كذلك ولكن كما قال الله تعالى :
(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)/ التوبة –31وعرفت ... أن الإسلام –ذلك الدين العظيم قد تعرض خلال مسيرته الطويلة إلى كثير من المؤامرات والكيد ومحاولات الدس والتحريف ومنها وضع الأحاديث الملفقة على لسان رسول الأمة صلى الله عليه وآله وسلم وصنع الروايات المزخرفة على ألسنة الأئمة (ع).
وبين العيش في الناس والغوص في بطون الكتب توصلت إلى ...
حقيقة مرة هي :
أن أئمة أهل البيت –شأنهم شأن كل المصلحين الكبار- قد ظلموا مرتين !!
مرة ... من الأعداء .
ومرة ... من الأتباع !!
أما الأعداء : فطعنوا فيهم وشوهوا سيرتهم وأشد ذلك الطعن والتشويه ما كان مبطنا مستترا يتخفى وراء براقع الانتساب إليهم كي لا ينتبه إليه الأتباع والمحبون .
وأما الأتباع ...
فكان ظلمهم أشد حين انخدعوا بمقولات الأعداء المبطنة فصدقوها وتبنوها فعملوا بها ! بل و تحمسوا لها فأذاعوها ونشروها !فيا للمصيبة ..
وهنا أشعر بالحاجة إلى أن أضع القلم من يدي لأبكي ... مرتين !! ولكن ... ما فائدة البكاء؟ وإلى متى؟!
أما آن لنا أن نحصل على حصتنا من التفاؤل والأمل ؟ وأن تأخذ عدة الجد والعمل كي نواصل الطريق وصولا إلى الهدف ، ومعرفة الحقيقة وسط أنوار الحق الساطعة !!
بين المراقد والمراجع
زرت العديد من مراقد الأئمة والصالحين والتقيت الكثير من السادة والمشايخ والعلماء العاملين وقرأت كذلك كثيرا من المصادر والمراجع المعتمدة ولكن ... بالروحية الفاحصة الباحثة نفسها .
فكنت أعرف .. وكنت أنكر !!
وأحيانا أجد عجبا فأقول : أين الحقيقة ؟!!
لا سيما وأن في هذه العجائب ما يوقع في الحرج الشديد كل من يحاول جاهدا أن يدافع عنه أو يتلمس له المخارج والأعذار ، وأحيانا تنتابه حالة من الخجل أمام تساؤلات المرتابين أو هجوم المنكرين إذ لا يجد ما يدافع به أو يصلح للدفاع وقد يبدو عليه الضعف فيتلعثم أو يرتبك وهو يفتش عن وسيلة للخروج من مأزق حشر فيه أو نفق طويل لا يراه يخلص إلى شيء فأما السكوت وأما اللجاج وأحلاهما مر ! فما هو الحل ؟
ما هو الحل ؟
هل نكتفي بالقول أن هذا كذب أو بالادعاء أنه مدسوس ؟ وهو أمر بات واضحا أنه ليس أكثر من وسيلة للتملص والهروب من الإحراج، وصاحبه أعلم به من خصمه !! لو كان الموضوع يتعلق بمسالة أو مسألتين أو -حتى- مائة أو مائتين !
أو كان الاعتراض على خط مسطور في كتاب مغمور أو منشور، لهان الخطب .
أما و المسائل التي تخالف الكتاب والصواب وتناقض المنقول والمعقول وتنبو عن الذوق والسلوك الرفيع تعد بالمئات بل بالآلاف !! ومثبتة في المصادر الموثقة والمراجع المعتمدة والكتب الكثيرة المنتشرة المتداولة ، الممنوعة منها والمشروعة وكذلك المخطوطة و والمطبوعة قديما وحديثا وتباع في المكتبات –وتدرس في المدارس ، وتعلن على الملأ وعامة الناس دون نكبر من كبير أو صغير فهو الأمر الجلل الذي لا تنفع معه محاولات التكذيب ولا يعالج بالترقيع ! لا بد من إجراء عملية جراحية (كبرى)!
ناهيك عن الأعمال المخالفة للشرع والأدب والتي نشاهدها بأم أعيننا تمارس -وبالمكشوف- عند مراقد الأولياء ومشاهد الأصفياء !
وإذا سمع صوت خافت من هنا أو هناك قيل له: إن هذا من فعل العوام أو الجهلة ، ويعلم الله أن من المشاركين لهم فيها والواقعين في دواهيها أناسا يعتمرون العمائم ويعفون اللحى ويلبسون زي (رجال الدين) –كما يقولون- أو يرقبونها عن كثب دون نكير !!
ما هو دور العلماء ؟ ولماذا هذا الصمت ؟! إن هذه الأفعال أضحت ممارسات طبيعية اعتاد الناس ارتكابها وهم يعيشون حياتهم اليومية في المجتمع !
أيعقل أن هذا هو منهج أهل البيت ؟!!
أيصح شرعا أو يحتمل وجدانا أو يستساغ عقلا أن نرى كل هذا ثم نسكت على نسبته إليهم أو فعله باسمهم ؟!
حقا إن ذلك مما لا يمكن السكوت عليه تحت أي حجة أو ذريعة لأن الانحدار وصل وتجاوز حد الهاوية .
وإن ارعدت انوف
وأنا أعلم أن في هذه الصرخة المدوية ما يؤلم ويزعج وتغص به حلاقيم ، وترعد له أنوف !
ولكن .. حسبي وعذري أن الحقيقة مرة ، وإن الحال قد أمسى مما لا ينفع في علاجه الترفق والإيماء أو الإيغال بحذر وحياء .
إنه ... ورم وورم كبير!!
ولا بد لعلاجه من مبضع الجراح !! إن الركام لهائل وإن التركة لثقيلة .
ولا بد من تصفية الحساب كله ومراجعة الدفاتر كلها والرجوع من جديد إلى أول الطريق من أجل أن نميز بين التشيع الأصيل والدخيل .
الباب الأول
منهج أهل البيت ...النظرية والتطبيق
الفصل الأول : الرسول (ص ) والأئمة (ع)
السيرة العطرة
محمد (ص) سيد الزاهدين :
كان رسول الله (ص) أزهد الناس وأبعدهم عن زخارف الدنيا وملذاتها ، وكان في شغل في دينه ودعوته عن حاجات نفسه ومطالب أهله وقرابته !
كان (ص) ينام على التراب ، ويفترش الحصير فيقوم وقد أثر في جنبه فيقولون له :
يا رسول الله لو اتخذت لك وطاءا (أي فراشا لينا) فيجيبهم :
((ما لي وللدنيا ؟!ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح عنها)) .
ورأى جماعة يعالجون خصا لهم (أي بيتا من خشب وقصب) فقال: ((ما هذا)) ؟ قالوا قد وهن فنحن نصلحه فقال : ((ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك)).
وكان (ص) أحيانا يشد الحجر على بطنه من الجوع .
ويمر عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار ، طعامه واهل بيته الأسودان : التمر والماء إلا أنه قد كان له (ص) جيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إليه من ألبانها فيشرب ويسقي أهله.
وخرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير أو القمح ! مع قدرته عليه لا سّيما في أواخر حياته الشريفة بعد أن فتح الله عليه الفتوحات وصارت الأموال تجبى إليه .
ولما اشتكت إليه أزواجه ما يلقينه من الشدة وشظف العيش معه وكان ذلك بعد خيبر وحيازة أموالها وأراضيها نزل قول الرب –جل وعلا- بالتخيير بين البقاء معه على هذه الحال أو الفراق بالطلاق ليجدن ما يردنه في أرض الله الواسعة :
(يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا . وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما)/الأحزاب 28-29
وكان (ص) يصلي أحيانا جالسا ما به إلا الجوع !
وجاءته السيدة فاطمة (ع) يوما بكسرة خبز فقال : ((ما هذه الكسرة يا فاطمة؟)) قالت : قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى آتيك بهذه الكسرة ، فقال :
((أما أنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام)) !!.
لم يكن ذلك منه عجزا ، بل كانت الدنيا كلها بين يديه ولكنه كان يؤثر الزهد والتعفف والقناعة .
وحرم على نفسه وأهل بيته الزكاة والصدقات وسماها أوساخ الناس !
ليضرب المثل الأعلى بنفسه وأهله في العلو والتسامي ولقد عرض عليه ربه أن يجعل له بطحاء مكة ذهبا فقال :
((لا يا رب ولكن أجوع يوما وأشبع يوما فإذا شبعت حمدتك وشكرتك وإذا جعت تضرعت إليك ودعوتك))!! وخرج من الدنيا ودرعه مرهونة عند يهودي على صاع من شعير !!
فمن أحق الناس بأتباعه والتأسي به من أهل بيته وإن تطاولت بهم الحقب ، أو طالت بهم سلسلة النسب ؟!
على خطى جدهم وإمامهم (ص)
لقد وفى أهل البيت الكرام –لاسيما الأئمة الكبار منهم- لرسولهم وإمامهم (ص) فساروا على طريقه ومنهاجه مختارين حياة الزهد والعفا ف والسمو والترفع عما في أيدي الناس فكانوا خير من علم بعده وعمل بقوله :
((اليد العليا خير من اليد السفلى))
ولقد حفلت كتب السير والتواريخ ودواوين الأحاديث والروايات بتراث ضخم من مآثرهم يخبرنا عن توكلهم وحسن ظنهم بربهم وتعلقهم به والتجائهم إليه في البأساء والضراء واليسر والرخاء.
وكيف أنهم قاموا بواجبهم تجاه الناس وإرشادهم وتعليمهم دون انتظار أجر من أحد سوى الله بل كانوا يرفضون أن يمدوا أيديهم إلى درهم واحد من أموالهم بل كانوا هم المتفضلين عليهم فيعطونهم من جهودهم وأوقاتهم وأموالهم كذلك ولسان حالهم :
((إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا))/الدهر9 .
الإمام علي (ع)
من أقواله المأثورة :
(يا أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان : إتباع الهوى وطول الأمل أما إتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة ألا وإن الدنيا ولت حذاء (مسرعة) فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء اصطبها صابها).
ألا وإن الآخرة قد أقبلت ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن كل ولد سيلحق بأمه يوم القيامة وإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل) [3].
وقال يذكر النبي (ص) :
(قد حقر الدنيا وصغرها وأهون بها وهونها وعلم أن الله زواها عنه اختيارا وبسطها لغيره احتقارا فأعرض عنها بقلبه وأمات ذكرها عن نفسه ، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه لكي لا يتخذ منها رياشا أو يرجو فيها مقاما) [4].
أكبر مصائبنا
لكن المصيبة –التي نكبنا بها فتركتنا كالسكارى لا نعي ولا نفكر في سعي- أننا نقرأ هذه الأقوال ونرويها للإعجاب والتباهي دون شعورنا أن هذا لن ينفعنا عند الله مثقال ذرة ما لم نعمل أو نطالب أنفسنا ولو بجزء قليل من العمل بمقتضى هذه التوجيهات العظيمة .
((يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون))/الصف2-3.
لقد أصابنا مرض مزمن انه تبلد الإحساس بما نقرأ أو نسمع من سير الصالحين وحكم الواعظين أنها لا تعني بالنسبة لنا أكثر من أننا نسمعها أو نرويها ونمر بها كما يمر السائق السكران بإشارة المرور لا يعي ما تعني بالنسبة إليه ولا يثيره منها إلا زخرفتها أو حسن رسمها وجاذبية ألوانها ! ولذلك حصل الانشطار بين أقوالنا وأفعالنا .
أقوال تسندها الأفعال
لقد كانت حياة أمير المؤمنين (ع) ترجمانا أمينا لأقواله ووصاياه عاش عيشة الفقراء حتى وهو على رأس السلطة ! ومنع أهله وأقاربه من متع الدنيا والتبسط فيها ليظلوا مثلا يقتدي به المقتدون .
استمع إليه كيف يخبر عن حال أخيه عقيل الذي افتقر واشتد به الفقر حتى أنه لا يجد مدا من طحين فيأتي أخاه أمير المؤمنين يسأله من بيت المال ما يسد به جوع عياله الذين اسودت وجوههم واغبرت ألوانهم وشعثت شعورهم فيرده رغم تكرار طلبه ومراجعته :
(لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استملحني من بركم صاعا ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظائم، وعاودني مؤكدا وكرر علي القول مرددا فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني واتبع قياده مفارقا طريقي، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنف من ألمها وكاد أن يحترق من ميسمها فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه؟! أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟!.
وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها ، فقلت : أصلة أم صدقة أم زكاة؟فذلك محرم علينا أهل البيت . فقال : لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية. فقلت : هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟!! [5].
إنني لأرى العار مجسما يجلجل في أردية ولحى كثيرة حين أقارن بين هذه الحالات وبين ما عليه أصحاب تلك الأردية من غنى فاحش وترف وتخمة ورتع في أموال الناس بل هناك ما هو امر وادهى !!.
او قوله (المال مادة الشهوات) [6].
ورؤى (ع) وعليه إزار خلق مرقوع فقيل له في ذلك فقال :
(يخشع له القلب ، وتذل به النفس ، ويقتدي به المؤمن) [7].
يكنس بيت المال !
كان (ع) ينفق جميع ما في بيت المال ويوزعه على المستحقين ثم ... يكنسه بنفسه ويرشه ليصلي فيه ركعتين هما نصيبه منه !!
ثم خلفت من بعده خلوف تكنس المال كنسا !
التوحيد الخالص
قال (ع) يصف ربه :
(كل شيء خاشع له ، وكل شيء قائم به ، غنى كل فقير ، وعز كل ذليل ، وقوة كل ضعيف ، ومفزع كل ملهوف) [8].
وأقول مرة أخرى : إن مصيبتنا أننا نقرأ أقوال الأئمة للتباهي والمدح المجرد لا للإقتداء والعمل، وإلا كم من ملهوف إذا استغاث أو دعا أو استجار جعل مفزعه غير الله يلتجيء إليه يعوذ به ويتقرب إليه بالنذور ويندب اسمه ويستغيث به دون الله ؟! دون أن يدري أنه في طريق والإمام (ع) في طريق أليس هو القائل :
(إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة ، وأقام الصلاة فإنها الملة ، وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة ... وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة ... واقتدوا بهدي نبيكم فإنه أفضل الهدي واستنوا بسنته فإنها أهدى السنن ، وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب) [9].
حكم أين نحن منها ؟
(من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) [10].
(إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته (نسبه)، وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته) [11].
ما مدى تطبيق هذه القواعد العظيمة من الواقع ؟!
يعطون و...لا يأخذون !!
لقد سار أولاد أمير المؤمنين (ع) وأحفاده على خطاه التي ترسمت خطى رسول الله (ص) ، فهذا الإمام الحسن (ع) دخل السوق لحاجة يشتريها فساوم صاحب دكان في سلعة فأخبره بالسعر ثم علم أنه الحسن بن علي سبط رسول الله (ص) فنقص في السعر إجلالا له وإكراما ، ولكن الحسن لم يقبل منه ذلك وترك الحاجة وقال :
(إنني لا أرضى أن أستفيد من مكانتي من رسول الله (ص) في شيء تافه).
أما الإمام السجاد (ع) فكان إذا سافر كتم نفسه حتى لا يعرفه أحد فيصله ويعطيه شيئا بلا مقابل ويقول :
(أنا أكره أن آخذ برسول الله (ص) مالا أعطي به).
أقول : لقد أمسى الانتساب إلى رسول الله (ص) مهنة !! بل هو أعظم المهن وسيلة للارتزاق واستجلاب الترف والنعيم !!! وأضحت توضع لها الشارات والعلامات من أجل الدلالة والتعريف وصاحبها مستعد لتذكيرك إذا نسيت ومطالبتك إن قصرت ! أين هذا من قول الباقر (ع) :
(إذا رأيتم القارىء (أي العالم) يحب الأغنياء فهو صاحب دنيا)!! واليوم أكثر الناس حبا للأغنياء وتزلفا إليهم هم العلماء إلا القليل !
وكان الإمام الصادق (ع) يتصدق حتى لا يبقى لعياله شيئا وكان كجده زين العابدين يسر بالعطاء ولا يظهره فكان إذا جاء الغلس و أعتكر الظلام حمل جرابا فيه خبز ولحم ودراهم ثم يذهب إلى ذوي الحاجات من أهل المدينة ويعطيهم وهم لا يعلمون .
أما ابنه الإمام الكاظم (ع) فكانت صرة عطائه يضرب بها المثل !
من عمل أيديهم يأكلون
كان أمير المؤمنين علي (ع) يحصل على رزقه أيام خلافته من كد عمله في بستان يعمل فيه ظاهر الكوفة . وهكذا كان الأئمة (ع).
فقدكان للإمام الصادق (ع) مزرعة يعمل فيها ، فيلتقيه رجل يوما ما على قارعة الطريق وهو راجع من مزرعته يتصبب عرقا فيلومه ذلك الرجل بكلمة غير مهذبة تثيره فيقول :
(خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك) [12].
وروى الكليني أيضا عن أبي حمزة قال : رأيت أبا الحسن (ع) يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق فقلت : جعلت فداك أين الرجال؟ فقال : يا علي قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه ومن أبي فقلت له : ومن هو ؟ فقال : رسول الله (ص) وأمير المؤمنين وآبائي (ع) كلهم قد عملوا بأيديهم [13].
وجاء رجل إلى أبي عبدالله (ع) فقال : أدعو الله أن يرزقني في دعة فقال : لا أدعو لك أطلب كما أمرك الله عز وجل [14].
الفصل الثاني
نظام الحياة في الإسلام
الاسلام نظام شامل متوازن
جاء الإسلام بنظام للحياة عظيم يمتاز بالشمولية والتوازن ينظم علاقة الإنسان بربه وعلاقته بمجتمعه وكذلك علاقته بنفسه بحيث نؤدي حقوق الله تعالى وعبادته وحقوق المجتمع والإحسان إلى أفراده ومؤسساته وكذلك حقوق النفس وحاجاتها بصورة متوازنة يمتنع فيها طغيان جانب على آخر بل تجعل هذا الإنسان يعيش ضمن منظومة متناسقة مترابطة ترضي خالقه وتمنح نفسه ومجتمعه الاستقرار وطيب العيش في الحياة الدنيا وفى لآخرة وإلى هذا أشار الرسول العظيم (ص) بقوله :
إن لربك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا ولنفسك عليك حقا) لقد فصل ديننا هذه الحقوق تفصيلا :
فأمر بعبادة الله وحدة ونبذ عبادة ما سواه أو التعلق به من دونه كدعائه والاستغاثة به أو استعانته أو القسم به أو الخوف منه أو رجاءه والاعتماد عليه أو الرجوع إليه في الطاعة والتحاكم والتشريع وما إلى ذلك مما لا يصلح صرفه إلا إلى الله وحده .
وفرض الصلوات الخمس وحدد أوقاتها وفرض صوم رمضان وإيتاء الزكاة وحج البيت وأمر ببناء المساجد وعمارتها وشرع الذكر وقراءة القرآن وتدبره والعمل به وجعل الجهاد في سبيل الله والدعوة إليه ذروة سنام الإسلام ...
وبين سبحانه –أن هذه العبادات أساسها عمل القلب من الإخلاص والصدق والخشوع والخوف والحب والرجاء والتفكر والتوكل واليقين ... و شرع كذلك الصدقة والإحسان إلى الخلق من ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل- وأوصى بالجار وإحسان العلاقة مع الناس جميعا .
ونظم الأسرة وشرع الزواج وحرم الزنا وبين حقوق الزوجين في الائتلاف والاختلاف وحث على تربية الأولاد أما الوالدان فالإحسان إليهما مقرون بأعظم أركان الدين –وهو التوحيد! كما أمر بالصدق في الحديث والوفاء بالوعد وغض البصر والعفاف وإحصان الفرج... ونظم احوال السوق فأحل البيع وحرم الربا والغش والاحتكار وحث على التسامح والتعاون على البر والتقوى.
وعلم المسلم كيف يتطهر ويتجمل ويلبس ويتغذى وينام وفي العموم ما من جزئية من جزئيات الحياة ومفرداتها إلا وذكرها ونظمها كالزراعة والصناعة والتعليم والصحة والجيش ...الخ.
فإذا أديت هذه الحقوق والواجبات كما أراد الله عز وجل صلح حال الفرد والمجتمع .
أما إذا وقع الخلل واختل التوازن المذكور كأن تطغى حظوظ النفس ورغبات الجسد على حقوق الله أو المجتمع أو حصل العكس فإن هذا النظام الرائع يفسد فيعم الخراب وينهار المجتمع وصدق الله إذ يقول :
(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)الروم 41
إن الإسلام حين يقدم نظامه العظيم هذا ويدعو المسلم إلى أن يراعي حقوق الله وحقوق المجتمع مراعاة شديدة ويحثه على التوسع في هذين الحقين قدر المستطاع.
لكنه من الناحية الأخرى يدعو إلى التخفف من متع الدنيا ويحثه على الزهد فيها وعدم الإكثار منها .
إنهما أمران متعاكسان تماما!
فبينما نرى الإسلام يقسم حق الله وحق المجتمع إلى :
- واجب لا يحل التفريط فيه
- مستحب رتب عليه أجرا يغري المسلم بفعله والتوسع فيه
نراه من الناحية الأخرى يقسم الأمر قسمة معاكسة فمثلا :
أمر بالصلاة والصوم وحث على الإكثار من التطوع فيهما كنافلة القيام والسنن وصوم يومي الاثنين والخميس وفرض كذلك طاعة الوالدين وبرهما وفرض الزكاة التي هي حق المجتمع وحث على الصدقة من الأموال والأطعمة وغيرهما بل قرن بين الذبح وإطعام اللحم وبين الصلاة فقال :
(فصل لربك وانحر) الكوثر2 .
بينما لم يجعل التوسع في المآكل والمشارب و المساكن و المناكح لا من الواجبات ولا من المستحبات ولم يرتب على ذلك مدحا ولا أجرا وإنما غايته أن يكون من المباحات التي يستوي فيها الفعل والترك إذ ليس جمع المال ولا بناء القصور ولا المتاع الجسدي أمورا جاء الشرع بالترغيب فيها ولا جعل لها فضيلة لذاتها ولا أجر فيها ما دامت منفعتها مقتصرة على الفرد نفسه إنما الأجر على إعطاء المال والإيثار به لا على أخذه أو كنزه أو التمتع به .
وقد أمر الإسلام بالعفاف وغض البصر وإحصان الفرج وجعل للزواج غاية سامية فوق المتعة الجسدية الزائلة ، ألم تر أن الله تعالى يقول :
(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا) الأحزاب 41-42
(إنما أموالكم وأولادكم فتنة) التغابن 15
(المال و البنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) الكهف46
فأرشد إلى الإكثار من الذكر وإلى الحذر من المال والولد وبين أنهما متاع دنيوي زائل .
إذن الأمر في باب العبادة والإحسان إلى الخلق قائم على الترغيب والتوسيع وفي باب المتاع المالي والجسدي قائم على التزهيد والتضييق والحكم في الباب الأول يدور بين الاستحباب والوجوب بينما هو في الباب الآخر يتردد بين الإباحة والكراهة والخط هناك صاعدا أبدا، وهنا نازل قد ينحدر إلى درك الإثم والحرمة . هذاهو نظام الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى لعباده وما عداه فمن وضع البشر واجتهادهم .
النظام الذي يقوم عليه التدين الدخيل
بعد طول ملاحظة ونظر ومناقشة تيقنت من حقيقة مرة بائسة هي : أن التدين الذي نمارسه اليوم يتناقض كليا مع النظام الرباني البديع !!
إنه باختصار دين آخر يقوم ويرتكز على الاهتمام بحظوظ النفس ورغبات الجسد من المال والجنس والمتع الدنيوية الهابطة . لقد وصل هذا التدين البديل إلى درجة مخيفة من الاختلال والاضطراب في هذا النظام . لقد تغلبت الحظوظ والمتع الذاتية على حقوق الله والمجتمع تغلبا مذهلا ، لا يمكن أن يتأمله عاقل إلا ويدرك جازما أن هذا ليس هو التشيع الأصيل ولا يعقل قط أن يكون هو الدين الذي جاء في التنزيل !
وإذا أطلقت عليه ظلما كلمة (التشيع) فلا بد أن نضيف إليها كلمة أخرى هي (الدخيل) حتى نبرئ ساحة التشيع الأصيل .
انه ملخص في هذه العبارة الجامعة :
(دين في أمر العبادة والإحسان يقوم على التضييق والمشاححة وفي أمور المال والجنس يقوم على التوسيع والمسامحة)!! وحاشا أهل البيت (ع) ان يكون هذا ( الدين )منهجهم ، ومن الغلط الفاحش أن نسميه (تشيعا) .
وقد ربط أقطابه والمستفيدون منه بين كثير من العبادات الشرعية أو البدعية وبين الطعام والشراب والمال والجنس ! وفتحوا الباب على مصراعيه للولوج إلى دائرة الحرام بعد أن أمسى الجو مهيئا ومناسبا ، والحواجز ضعيفة أو معدومة ، والذرائع إليه موصولة موفورة ! لا سيما وأنهم استطاعوا أن يخيلوا لأتباعهم أن أعظم المنكرات تغفر بأوهن الأسباب وأوهى الأعذار .
و ..... هكذا –وكنتيجة حتمية- صار الجنس واقعا وباتت العبادة قائمة على المال والجنس والمتاع والتوسع فيه ، وعلى حذف ما أمكن حذفه واختصار ما أمكن اختصاره من الفرائض الدينية والتخفف منها أو تحويلها إلى مصيدة للمال والجنس ما وجدوا إلى ذلك سبيلا ! ففي المال والجنس نجد الإضافة والمسامحة والتوسيع ،وفي العبادة والإحسان نجد الحذف والمشاححة والتضييق!! هذه هي القاعدة احفظها جيدا وتعال معي أفصل لك ما أجملته تفصيلا وذلك فى الباب التالى .
الباب الثاني
المنهج الدخيل ... الواقع الفاسد
الفصل الأول : التوحيد
من الإيمان إلى ... الإدمان
ومضات سريعة من درر القرآن الكريم
(أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فماله من هاد) الزمر22-23 .
تأمل هذه الصورة ثم قارن بينها وبين الصورة التي ترسمها الآية التالية لترى إلى أي الصورتين نحن أقرب :
(وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة و إذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) الزمر45.
من هؤلاء (الذين من دونه)؟ إنهم: (اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى) النجم 19-20 الذين قال الله عنهم : (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) النجم 27
إذا كان المشركون يعتقدون أن الملائكة بنات الله -سبحانه- فيتخذونهم شفعاء يدعونهم أو يدعون الله بهم وقت الرخاء ويستبشرون بذكرهم وينشرحون له أكثر منهم عند ذكر الله فإذا كان ذلك شركا بالله فما الفرق بينه وبين الانشراح عند ذكر الصالحين أكثر منه عند ذكر الله ؟!
ألسنا نخشع ونبكي عند الأضرحة والمقامات أكثر من خشوعنا وبكائنا ونحن في حضرة الله في بيوته ومساجده أو عند قراءة كتابه والاستماع إلى كلامه ؟!
(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا) الانفال 2-4.
(وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) الزمر67 .
(وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة). فصلت6-7 .
(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) التوبة31.
إنها ربوبية الطاعة من دون نقاش لا ربوبية الخلق لأن اليهودي أو النصراني لا يعتقد في الِعالم أنه هو الذي خلقه وإنما يطيعه طاعة مطلقة كطاعة الله ويقدم له أمواله فهو مسلوب العقل والمال من قبل هؤلاء الأحبار والرهبان كما قال تعالى :
(إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله) التوبة34
مع أن الله تعالى يقول : (اتبعوا من لا يسألكم أجرا) يس 21.
وقال : (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا. وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) الأحزاب66-67 .
(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) النور30.
(وقضى ربك إن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا... وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ...) الخ من الوصايا التي جاءت في سورة الإسراء23-26.
وجاء قوله تعالى : (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة5 .
يأمر بإفراده بالاستعانة كإفراده بالعبادة سوءا بسواء وهو الأصل الذي إنبنى عليه القول المأثور عن علي (ع) :
(من استعان بغير الله ذل)
وجاء قوله تعالى : (ادعوني أستجب لكم) غافر60.
(فلا تدعوا مع الله أحدا) الجن18.
(وهو معكم أين ما كنتم) الحديد4.
(ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ق16 .
ليرد على كل من تعلق بغير الله فدعاه أو استغاث به في شدة أو تصور أنه أقرب إليه استجابة من الله أو اعتقد أن الله أبعد عنا من واسطة نحتاجها تقربنا إليه :
(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان) البقرة186.
هذه هي صورة التوحيد والإيمان الجميلة وفي مقابلها صورة الشرك والكفر البشعة القبيحة .
إن التوحيد تعلق بالله وحده يثمر كل هذه الثمرات الطيبة ويصوغ شخصية المسلم صياغة جديدة تمتاز بالعفاف والحياء والإيثار والعطاء وعلى العكس من ذلك الشرك إنه انقطاع عن الله وتعلق بغيره مهما كان ذلك الغير ملكا فما دونه صورة كالحة وثمار فجة مرة و وقاحة وفحشاء وأخذ بلا عطاء إنه تخبط ودوران في فلك الذات والملذات بعيدا عن الله ومصلحة المجتمع .
والآن ... وبعد هذه الجولة السريعة بين معالم المنهج القرآني نأتي إلى هذا التدين الدخيل الذي نمارسه بصورة طبيعية دون نكير أو اعتراض معتقدين أنه دين أهل البيت !فماذا نجد فيه؟!!
في خدمة المال والجنس
ضعفت الصلة بالله ضعفا شديدا بحيث لا يذكر إلا قليلا ! وهذا القليل لا يكون إلا بواسطة و شفاعة !.
مساواة الله عزوجل بالرسول (ص) والائمة (ع)
ولو تلمس كل واحد قلبه لأحس أن تعلقه واعتماده على الوسطاء والشفعاء أكبر من تعلقه واعتماده على الله هذا إن لم يكن الله بعيدا تماما عن الموضوع . فالمدعو والمستعان والمستغاث والوهاب والشافي ، ومن يجيب المضطر ويكشف السوء، ويذهب الهموم ويزيل الغموم ويفرج الكربات ويلبي الطلبات ويحل المشكلات ، ويفرج الشدات ويسمع الدعوات ليس هو الله بنفسه وإنما لابد من توسط الوسطاء وتدخل الشفعاء ، وقد يدعى هؤلاء مباشرة دون الرجوع إلى الله !!
ولا أدل على ذلك من اللحظة التي يقع فيها أحدهم في شدة واضطرار فإن أول ما ينطق به لسانه هو (الإمام) أو (الولي) وليس (الله) !
الأمر الذي لم يكن قد وصل إلى دركه المشركون الأولون الذين (إذا ركبوا في الفلك دعو الله مخلصين له الدين) العنكبوت65 .والذين قال الله فيهم : (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا) الإسراء67.
حتى أن كثيرا من العوام يدافع عن اعتقاده قائلا : (إن صبر الله طويل) وإن (صبره أربعون عاما) أي فمتى سيجيب ونحن مضطرون والحالة لا تحتمل تأخيرا ؟! ناسين أنه قريب مجيب بل هو أقرب إليهم من حبل الوريد ، وأنه (إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون) يس 82.
أما (الولي) -وهو لفظ يطلق عادة على صاحب القبر أو المرقد- فيعطي المراد ويستجيب للعباد كل حين ودون انتظار أو تأخير . وإذا ودعك مودع فإنه يقول لك : (الله ومحمد وعلي معك) مع أن القرآن من أوله إلى آخرة لا يثبت أحدا معك في كل حين وعلى كل حال إلا الله لا محمد (ص) ولا علي (ع) ولا غيرهما .
(ما يكون من نجوى ثلاثة إلا (هو) رابعهم ولا خمسة إلا (هو) سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا (هو) معهم أينما كانوا) المجادلة7 .من هذا الذي يعبر عنه الله بقوله (هو) هل هو غير الله ؟!!
أليست هذه الآية : (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يوسف106. منطبقة على هذه الحالة تمام الانطباق ؟!
من الحافظ ؟
سؤال قد يبدو غريبا ولكن تأمل هذه المواقف التي أشهدها وتشهدها معي كل يوم :
ذهبنا في تشييع جنازة إلى النجف وبينما كنت أدخل إلى صحن مرقد الإمام (ع) قال لى أحد باعة الماء وهو يعرض علي طاسة ماء : (يحفظك الإمام) قلت له –وأنا أخاطب الجميع- ألستم مسلمين ؟! ألم تقرأوا قول الله في القرآن : (فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) يوسف64 .
و ركب في سيارتي رجل فقال : (يا علي) ولما استقر في مجلسه بدأت أشرح له مسألة الاستغاذة وأنها خاصة بالله أما أهل البيت (ع) فنحن نحبهم ونقتدي بهم لكن لا ندعوهم ولا يجوز أن نستعين بهم ... الخ فوافقني على ما أقول لكنه حينما نزل ووجه إلي كلمات الشكر قال في آخرها :
(يحفظك الرسول) !! قلت في نفسي وأنا أبتسم : ما عملت شيئا!
أسماؤنا تعبد لغير الله
حتى أسماؤنا تدل على ضعف تعلقنا بالله وشدة تعلقنا بالوسائط فعبد الحسين وعبد الزهرة وعبدعلي وعبد الرضا وعبدالكاظم بل عبدالسادة وعبدالأئمة وعبدالكل وعبدالأخوة أكثر شيوعا من عبدالله وعبدالرحمن وعبدالرزاق إلى الحد الذي يكاد يختفي معه هذه الأسماء الكريمة والتي هي من أحب الأسماء إلى الله!
بل عبدالرحمن أو عبدالرزاق مثلا يمكن أن يتحول إلى رحمن ورزاق أما عبدالحسين وعبدالرضا فحاشا وكلا.
وتجد التلفظ بعبد الحسين أو عبدعلي أسهل على الألسنة من التلفظ بعبد الرحمن أو عبدالرزاق ! حتى صار من المألوف أن يكون في سلسلة اسم شخص اسم الرب مجردا واسم المخلوق معبدا مثل (كريم عبدالرضا) عوضا عن ( عبد الكريم عبد الرضا ) و (جليل عبدالحسين) اختصارا ل ( عبد الجليل عبد الحسين )!
ومن المفارقات أنك تجد جميع أسماء الأئمة تحمل أداة التعريف (الـ) الا اسم علي فيقال : عبدالحسن ، ولا يقال عبدالعلي لأن (عبدالعلي) يعني عبدالله لذلك يقولون (عبدعلي) للتأكيد على أن العبودية لغير الله!!
ولد لصديق لي مولود ذكر وذلك بعد طول انتظار وترقب فسماه (عبدالوهاب) تيمنا باسم (الوهاب) الذي وهبه له كما قال إبراهيم (ع) : (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل) ابراهيم 39 ولما جاءتهم جارتهم مهنئة فوجئت بهذا الاسم (الغريب العجيب) فعبرت عن استغرابها قائلة : أما وجدتم غير هذا الاسم ؟! سموه حيدر سموه حسين !!
حور ونذور
وما أكثر (الأئمة) ! إذ لا يحتاج الأمر إلى أكثر من تصميم شكل مكعب على وجه الأرض من فوقه ستور وقبة ((بعضها فوق بعض)) ويجب أن يكون هذا كله قريبا من خط المواصلات! و (للأئمة) –وهذا هو المهم في الأمر كله- سدنة يقومون بأمرهم وأبنيتهم وقبابهم ((وهم لهم جند محضرون)يس 75.
تصور ! (الإمام) يحتاج إلى من يحرسه ويحميه وليس العكس ! وهؤلاء السدنة يحصلون من وراء ذلك على أموال طائلة على شكل نقود أو ذبائح أو نذور أو قرابين وأطعمة ، والوساطات كلها قائمة ومشروطة بدفع الأموال والذبائح والنذور فلا يمكن أن تنجح وساطة أو تقبل شفاعة إلا بذلك ولا وصول إلى الله إلا بشفاعة أو وساطة!
حتى القسم أو اليمين اعظمه ما كان في حضرة (الإمام) ويمكن لأي إنسان أن يحلف مائة مرة بالله كاذبا على أن لا يحلف مرة واحدة (بالإمام) وهو كاذب خصوصا إذا كان في (حضرته) أو (مقامه) أو (ضريحه) ! وهو أمر لم يصل إليه مشركو الجاهلية الأولى فأنهم إذا أكدوا اليمين فإنهم يؤكدونها بالحلف بالله كما أخبر الله عنهم بقوله : (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم) فاطر42.
تعليق