الــسلام عليكم
حوار حول كتاب النزعـات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية لحسين مروة
في أحد المنتديات وضع ماركسيي/تابع روابــط إلكترونية لكتاب لحسين مروة المعروف بالنزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية فأحببتُ أن أناقشــه في ما زعمه أنه تحليل موضوعي فــدار الحوار التــالي :
قلتُ :
يمثل كتاب حسين مروة أحد الكتب التي تروم إلى قراءة يسارية للإسلام، فهو كتاب يحاول عبثا اصطناع وجود آلية الصراع الطبقي في التاريخ الإسلامي تماشيا مع التحليلات الماركسية التي تضع الصراع الطبقي في مقدمة العوامل المحركة للتاريخ، وهي محاولات استلحاقية تأتي في خضم الهيمنة الإديولوجية لفلسفة النزعة المادية التي سيطرت على الفكر الغربي قرونا من الزمن، فمروة يحاول أن يقرأ التاريخ بناء على تاريخ آخر لا علاقة له بالوحي وتأثيره في التوجيه ولذالك تجده يتعامل مع الشخصيات الإسلامية في الصدر الإسلامي الأول كما لو أنهم أجساد تتحرك من خلال مطالب الخبز فراح يفسر أحداث بناءً على هذا المنهج العليل فانتهى إلى تشويه حقيقة رجال الإسلام الذين ما كانوا ليحيدوا عن مطالب الإسلام في مقتضيات العدل فلم ينتج لنا إلا أشخاص يجرون وراء حطام الدنيا مفصولين عن الهموم الإسلامية التي تحركهم ضد أي حدث.
ومثل هذا الكتاب مثل كتاب اليمين واليسار في الإسلامي لأحمد عباس صالح ، وكتابات طيب تيزني وفؤاد زكريا وغيرهم ممن يمارسون إسقاطا تاريخيا لتاريخ على تاريخ.
قــال :
إن كتاب الدكتور الشهيد "حسين مروة" الموسوم بـ(النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) بجزأيه، يمثل مشروعاً فكرياً وفلسفياً عربياً مهماً، كونه يتطرق إلى أهم مراحل التاريخ العربي الإسلامي، وخاصة الجانب الفكري والفلسفي منه، استناداً إلى المنهج المادي التاريخي، الذي أرسى دعائمه الفيلسوف الألماني الشهير "كارل ماركس". ولا شك بأن استخدام هذا المنهج - الذي يعتبره البعض مستوردا ودخيلا - في معالجة التراث العربي الإسلامي بجرأة وشجاعة، يمثل خطوة مهمة في طريق اقتحام السياج الحديدي الذي يقوم بعض سدنة الدين الجدد بحمايته، ليس خوفا على الدين الإسلامي في حد ذاته، وإنما خوفا على مصالحهم الطبقية...
صحيح أن كتاب "النزعات" تتخلله بعض المواقف المتسرعة والعجولة من طرف الكاتب، وصحيح أن الكتاب لم ينجح في سد بعض الثغرات أو إيجاد بعض الحلقات المفقودة في تاريخنا السحيق. لكنه استطاع - في المقابل - أن يكسر الاحتكار المفروض على الدين من طرف بعض القوى، وأن يطرح تصورا جديدا وبديلا للتراث، قد نتفق وقد نختلف معه.
علاوة على ذلك، فإن الدكتور حسين مروة، قد استند في معالجته للتراث على المادة التاريخية الموجودة في المصادر التاريخية المعروفة، ولم يأت بها من بنات أفكاره كما قد يتبادر لذهن البعض. وإذا كان الكاتب يفسر التاريخ الإسلامي على أساس نظرية "الصراع الطبقي" التي تنظر إلى التاريخ البشري كونه تاريخ صراع بين طبقات اجتماعية، فإن أصحاب التفسير المثالي والأسطوري للدين يعتبرون أن القوى الغيبية هي صانعة التاريخ، ولا دخل للعوامل الموضوعية في ذلك.... وبالتالي فإن لكلا التصورين منطلقهما الفلسفي الذي ينطلقان منه، ولا مجال - أبداً - للتوفيق بينهما.... ولكن التاريخ هو الذي يحكم على صحة الأفكار والتصورات، والبقاء للأصلح !
قلت :
حقا إن هذا النمط من التفكير المادي المتغرب ليس بجديد علينا في ساحة النقاش، فأصحابه مازالوا عبثا يمارسون علينا أسلوب الأدلجة واستيراد النظم المعلَبة في الفكر والسياسة والتحليل التاريخي، ولذلك فهم لا يشعرون بأي حرج وهم يرددون تحليلات الملاحدة حول التاريخ باعتباره المنهج السليم لقراءته وتحليل تموجاته السياسية والاجتماعية، وأنا لا أستغرب حينما أجد أتباع هذا الملحد المدعو "كارل ماركس" ينسجون على منواله في تفسير التاريخ والواقع كما يؤكد الأستاذ منير شفيق الماركسي السابق في كتابه الشيق (الدولة والثورة ومقاربات مع الرؤية الإسلامية) أن ماركس ومريديه لم تكن عندهم من القدرة العلمية مـا يجعلهم يلموا بالتاريخ من جوانبه المتعددة، فهو كغيره من العاجزين كان يستند إلى نتائج هزيلة من الأنتربولوجيين في دراستهم لبعض المناطق الإفريقية، فعبثا يحاول الملاحدة الماركسيون الاختباء وراء العلمية والتحليل العلمي للتاريخ، فلقد غدا واضحا عند المهتمين بالشأن التاريخي أن لا العامل الطبقي قادرا على تفسير الأحداث التاريخية و لا العامل الإثني وحده قادر على بناء نظريات شاملة حول مسار التطور التاريخي، وقد أوضح الأستاذ منير شفيق ما يكفي من هشاشة المنهج المادي في فهم التطور التاريخي من خلال كشف الأخطاء النظرية التي وقع فيها كل من ماركس ومقلده لينين في (الدولة والثورة).
لسنا بحاجة نحن المسلمين إن كنا نؤمن بالله ربا وبالرسول نبيا وبالقرآن دستورا لسنا بحاجة لمهاترات الإيديولوجية الماركسية في تصورها للحياة والإنسان والكون كما أننا في غنى عن استيراد هذه المعلبات الإيديولوجية في التحليل التاريخي وقد أوضح نقاده أن ماركس لم يكن إلا إيديولوجيا يصطنع العلمية ويتستر وراء الطبقة العاملة، والتاريخ يبين لنا أن ما من حكم ماركسي قام إلا و الخراب لازمه خراب في الدنيا وفي الآخرة عذاب أليم، إننا لسنا أمة تتغيى الخبز ولا تطلب إلا ما فوق الثرى ولسنا كائنات دوابية لا هم لها إلا الرغيف، نحن أمة قرآنية قبل أن نكون طلاب الدنيا و ليس بمقدورنا أن نعيش كما يعيش عباد البقر وليس بمقدورنا أن نتخلص من همنا في طلب القرب من الله مادمنا عباده، ولسنا مستعدين أن نلغي ديننا في سبيل الطاغوت في حبن أن إنجلز كان يردد "أن الماركسي لا يستطيع إلا ن يكون ملحدا"، إن كنتَ ترى أنت أن طلب الخبز والتراب أهون عليك من طلب وعد الله في الاستخلاف والتمكين فهذا عندنا نحن عين التخلف والانحطاط العقدي والفكري. لقد أبان الشيخ محمد الغزالي في كتابه (الإسلام في وجه الزحف الأحمر) أن الشيوعية أقبح نظام في العالم بالنظر إلى ما أنتجته الماركسية من بؤس في الواقع والمنهج و قد أبانت عليها مستوى الإنحطاط الاقتصادي الذي وصلت إليها الاتحاد السوفياتي سابقا وقد سرد لنا من المعطيات ما يجعلنا نمضي على قناعتنا بأن المسلمين لن تكون لهم نهضة ولا تحرر بغير دينهم، وهذا الأمر ليس ببعيد عنا حيث كان الإسلام المنطلق الأصيل في التحرر وكان المسجد الركن البارز في تحرك الجماهير التواقة إلى الخلاص والأدلة على ما نقول متعددة حملت لواءها في زمننا المعاصر الانتفاضة الفلسطينية المباركة التي انطلقت من المسجد لا من شعار (يا عمال العالم اتحدوا).
إن النهج الذي اعتمده حسين مروة في تحليل نظمنا التاريخية متهافت ولا يستطيع أن يصمد مع معطيات الواقع الإسلامي، فهو منهج إسقاطي متعسف بعيد كل البعد عن آليات التحليل العلمي ولقد أوضح الفيلسوف طه عبد الرحمان في (تجديد المنهج وتقويم التراث) أن هذه الأدوات التحليلية التي يعتمد عليها الماديون والمتأثرون بالمناهج التفكيكية لم تفضِ إلا إلى نتائج كارثية مزقت أوصال التاريخ الإسلامي وشوهت تلك الشخصيات التي تشربت من معين الوحي الرباني واقتبست من أنوار سيدنا محمد عليه السلام – عفوا سيدي و ليس سيدنا– فأنت على ما يبدوا لا ترض أن يكون النبي عليه السلام قدوة لك- و هذا الأسلوب الإسقاطي على التاريخ إنما جاء نتيجة حالة الهزيمة النفسية لأولئك المثقفين المستلبين الذين وقعوا فريسة الهيمنة الإيديولوجية اليسارية في فترة ما، وبحمد الله فهذه الثقافة تندحر يوما بعد يوم نتيجة الصحوة الإسلامية واليقضة القلبية التي انطلقت مج جيل من المثقفين فأدركوا وهْمَ ما كانوا يسبحون في فلكه، وهكذا وجدنا الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي البارز المتأثر باليسار سابقا على رغم كتبه التي أصدرها في وقت التأثر بالتوجه الماركسي مثل (الإسلام و الثورة) و (مسلمون ثوار) نجده الآن من أقوى المفكرين دحضا للفكر المتغرب ومن أشد الناس نقدا لأوهام الماركسية اللينينية وهو الذي جاء من أجواء هذا التيار وتعرف على بناءاته النظرية عن قرب، ووجدنا المرحوم عادل حسين الماركسي سابقا قد التمس طريقا للخلاص من أوهام الفكر الإلحادي الماركسي وانقلب من هذا الاعتقاد ليعتنق التصور الإسلامي فصار من المدافعين عنه رحمه الله و جمعني وإياه في جنة الخلد، وهذا ما يغيض المتمركسين فراحوا ينعتوه ب"المثقف السابق" وجردوه من صفة المثقف، أي و الله! ولك أن تقول أيضا هذا عن طارق البشري وخالد محمد خالد و غيرهم...أن مروة حسين لم يستطع البتة أن يفهم العقلية الإسلامية ولم يستطع إلا أن يرى في هذا الشخص أو ذاك إلا الصفة المعبرة عن الصراع الطبقي ولم يستطع أن يفهم أن صحابة رسول الله والتابعين إنما كانوا يتصرفون من دواعي عقدية وأصول إسلامية بعيدة كل البعد عن المنطلق المادي الصرف، وهكذا يمارس نقدا من خارج أملته الضغوطات المعاصرة وحالة الهزيمة الحضارية التي تعيش فيه أمتنا بعد قرون الجبر والعض، حقا لقد أصبت حينما قلتَ أن مروة طرح تصورا جديدا وبديلا للتراث ،ولكنه بديل مرفوض ومنبوذ لم يتأسس من خلال دراسة التراث من التراث وإنما سيطرت عليه الإديولوجيا فأراد أن يصل إلى ما قرره له إلهه ماركس وإنجلز، لم يستطع أن ينتج معرفة تنتمي إلى المجال التداولي كما بينه طه عبد الرحمان ولم يستطع أن يقرأ الأحداث بموضوعية مستقلة تراعي الاعتبارات القبلية والمادية والسياسية والاجتماعية وإنما أرادها تفسيرا دهريا للتاريخ فأفرز لنا شخصيات أساءت إلى التاريخ و الناس .
إنني أطالبك أن تقدم نماذج من أولئك الذين قلت فيهم أنهم يفسرون التاريخ بناء على التفسير المثالي والأسطوري والذين ينطلقون من القوى الغيبية في تحليل التاريخ، وقل لنا أولا ما الذي تقصده بالقوى الغيبية حتى نناقشك بأسلوب يتناسب معك ومن ثم نمارس حقنا في الرد على هذه المزاعم الهزلية ولنا بقية في النقاش وننتظر جوابك والسلام عليكم - عفوا إلى اللقاء.
قال :
عملية النقد هي عملية مفيدة ومثمرة، حينما يكون القارئ متفتحاً وعقلانياً، ويتميز بنوع من المرونة والقابلية على النقد الذاتي كذلك. لكن ما نلاحظه فيما يخص الكاتب هو أنه يُلقي ببعض الألفاظ والمصطلحات التي لا تنتمي إلى مجال النقد العلمي الرصين، بقدر ما هي ألفاظ وظيفتها شحن عاطفة المتلقي والتأثير فيها سلبياً....
ترى بأن كتاب "النزعات" يشوه التاريخ الإسلامي ويسيء إليه، وخاصة الشخصيات والرموز الإسلامية التاريخية. في حين أنني لا أرى في ذاك الكتاب أي محاولة للإساءة إلى أي شخص كيفما كانت منزلته، وإنما هدف الكاتب هو دراسة التراث العربي الإسلامي في شقه الفكري-الفلسفي، مع إبراز الجوانب الموضوعية التي ساهمت في نشأته.
وفي المقابل، يمكن القول بأن الإساءة إلى التاريخ والدين الإسلاميين تصدر أساساً عن شيوخ البترودولار، الذين ما فتئوا يحاولون ترويج تأويل لا تاريخي للإسلام، إنه الإسلام كما يتمظهر في مخيلتهم، وليس كما مارسه المسلمون الأوائل.
وإذا سلمنا مع الكاتب بعدم وجود "الصراع الطبقي" في التاريخ العربي الإسلامي، فكيف يفسر لنا ما يجري حالياً في البلدان العربية الإسلامية من توترات وتناحرات دموية خاصة في العراق المحتلة، وفلسطين، ولبنان... هل نسلم معه بأن الصراع غير موجود أصلا، فندفن رؤوسنا تحت الرمال، أم نعتقد بأن الأمر هو قدر وقضاء من السماء...
ولا حاجة بنا - كذلك - إلى التذكير بما يجري في المغرب والأقطار العربية الأخرى بين الحركات الإسلامية بمختلف تلاوينهم من صراعات. ألا يعتبر هذا تجليا من تجليات الصراع السياسي والاجتماعي والمذهبي الذي يمتد إلى قرون سحيقة، ويجد تفسيره في الواقع الراهن...
أود أن أختم كلامي بملاحظة بسيطة حول ما طرحه الكاتب، ويتعلق الأمر بمسألة "الاجترار"، فمن حق الكاتب أن يعبر عن فكره وعن مواقفه بكل حرية، ولكن نسخ الأقوال الإنشائية الطويلة وكأنها (وحي يوحى) فهذا لا يعد عملية حوارية، بل أعده في هذا المقام رغبة في خنق النقاش. إذا كان لديك رأي فعبر عنه بأسلوبك بدون اللجوء إلى قال الله وقال النبي... كي أتمكن من الرد على كلامك، وليس على كلام الله... وتحية حوارية
قلت :
قرأت ما كتبه ببالغ الأسى على حاله و حال أمتنا المهيضة ، فالسيد ما زال يعيد علينا قصص الماركسيين في تحليل التاريخ و الواقع أنك لا تملك أية قيمة إضافية تزيدها إلى أساطير آلهة التثليث ( ماركس لينين ستالين ) في بناء الدولة و الحضارة ، و المشكلة في كثير من الماركسيين العزل أنهم لا يستطيعون أن يتحرروا من قبضة ماركس أو لينين فتراهم يسلمون لما يمليه عليهم جدهم الأكبر ماركس بحرفية تامة كما يتلقى المؤمن أوامر ربه بالامتثال و التطبيق ، و هل من يعبد المادة كمن يعبد خالق المادة ! عبثا تحاول أن توهم الآخرين أنك تناقش بعلمية و أمانة ، فكلماتك لا تتجاوز التكرار الممل و الاجترار الساذج لمفاهيم الصراع الطبقي في حين لو كنتَ منصفا مع نفسك لفتحت عينيك على أولئك المفكرين الذين عادوا إلى رشدهم و طرحوا قماماتهم الفلسفية المادية مستسلمين لله خاضعين تائبين بدل العناد الذي يقتل صاحبه و يحيله إلى كتلة بشرية صماء غاية همه الخبز و أثاث الدنيا ، لقد كان المفكر المصري مصطفى محمود أشد الناس تعصبا لتك الفلسفة الدهرية و كان لا يستحي أن يجهر بإلحاده و زندقته مثلما كان يسفه الأديان ، كان يقول : من يعطينا العلوم فيأخذ منا الأديان ، يــا لسخرية القدر الذي حولهم في ما بعد إلى دعاة إسلاميين أدركوا كم هي الماركسية متوحشة في علاقتها بالحياة و الإنسان و الطبيعة ، أدركوا أن أوهام محو الطبقية و سيادة الاشتراكية لا تتجاوز الدعايات الإيديولوجية و قد أكدتها أوضاع تلك البلدان التي اعتنقت الاشتراكية و انخدعت بسرابها الجذاب.
لقد كان السيد حسين مروة يحاول أن يستنطق التاريخ الإسلامي بناء على الآليات التي وضعها لهم جدهم ماركس و أراد أن يثبت أن تاريخ الحضارة لا يختلف عن التاريخ الآخر في خضوعه لآلية الصراع الطبقي ، أراد أن يثبت ما قرره لهم ماركس و إنجلز في البند الأول من الميثاق الشيوعي من أن التاريخ كل التاريخ عبارة عن صراع طبقي بين المالكين و الخاضعين فتحوّل عنده التاريخ الإسلامي إلـى أجنحة صراع حول من كان يمثل اليمين و بين من كان يمثل الجناح اليساري الطبقة المستغَلَّة ، لماذا لم يستطع حسين مروة أو طيب تيزني أو زكريا فؤاد أن يصلوا إلى التأصيل الحقيقي لقراءة التاريخ ؟ لماذا يلغون في هذا التاريخ أهم ما فيه من القوة الدافعة – الوحي - ، هل كان أبو ذر الغفاري رضي الله عنه رجلا يساريا يصول و يجول دفاعا عن الخبز للطبقة المحرومة ؟ هل أبو ذر الغفاري يمثل الطبقة العاملة في مقابل الطبقة الحاكمة القابضة على وسائل الإنتاج ؟ ما هذا التحليل السخيف لرجال الله على الأرض ؟ ما هذه السطحية في معالجة أبطال الإسلام الذين حرّكهم الإيمان و وازع الدين؟ كيف لهؤلاء الماركسيين أن يتجاهلوا عامل نداء الله لهم و يختزلوا همومهم في تحقيق الاشتراكية ؟ من يريد أن يتحدث عن الموضوعية في كتاب مروة فهو كمن يريد أن يقول بموضوعية كتابات برنارد لويس أو أرنست رينان أو موضوعية جولد زيهر في تعاطيهم مع الإسلام ، لسنا بهذه السذاجة حتى نُستغفل بهذا الشكل الخادع و لسنا بهذه البساطة حتى نجهل خلفيات حسين مروة الإيديولوجية ، فكتابات هؤلاء القوم تفضح نفسها و تعري مقاصدها الحقيقية تماما كما كان كارل ماركس يختبأ وراء " الاشتراكية العلمية " لتحقيق وهم ديكتاتوريا البروليتاريا ، و لقد قام المفكر الإسلامي البارز أنور الجندي رحمه الله بجهد جبار لفضح أولئك المستـلـَبين المقلِّدين الهاربين من الإسلام إلى أوكار الفكر الدهري .
إنك تقول" وفي المقابل، يمكن القول بأن الإساءة إلى التاريخ والدين الإسلاميين تصدر أساساً عن شيوخ البترودولار، الذين ما فتئوا يحاولون ترويج تأويل لا تاريخي للإسلام، إنه الإسلام كما يتمظهر في مخيلتهم، وليس كما مارسه المسلمون الأوائل " ، أولا لست أنت من يحدد من يستغل الإسلام أو لا يستغل فأنت مُـؤَدلج في الفكر و نظرتك للإسلام ليست هي النظرة كما حددها لنا رسولنا الكريم ، و من ينكر الوحي في صناعة التاريخ ليس بمقدوره أن يتصور عن أي إسلام نتحدث ، و ثانيا من قال أننا نشايع حكام الجبر الذين يروجون لأفكار الجبريين ثم تجدهم ينتهكون حرماته في وضح النهار ، هؤلاء القوم تفضحهم أفعالهم و نحن أشد الناس غيرة على تطبيق الإسلام من الماركسيين الماديين ، و عبثا تحاولون أن تختبئوا وراء العمال و قد أثبت التاريخ المعاصر أن الماركسيين أبعد الناس التصاقا بهذه الطبقة حتى عندما قامت لها دولة ، ثالثا أن تصورك لأولئك المسلمين الأوائل كما هو تصور غيرك من الماديين ليس هو نفسه تصورنا لهم باعتبار أننا نرفع من شأنهم لقرب صحبتهم لرسول الله و ننزههم من التفسيرات اليسارية التي جعلتهم مخلوقات تتحرك بناء على مطلب الخبز ، فتصورنا أرفع من أن نختزلهم في الأبعاد المادية ثم إننا نعتبرهم أنهم كانوا يتصرفون من منطلق ديني أصيل يستنطقون المقاصد الإلهية و يرمون التمكين لهذا الدين فهذا يمثل المبتدأ و المنتهى في حياتهم . إننا لا نقول بالصراع الطبقي بالمفهوم الماركسي و لا نرى للإشتراكية أية رائحة في تحركات الصحابة رضي الله عنهم و إنما نقول أن النوازل و الأحداث المتجددة بعد وفاة النبي عليه السلام كانت تعالج من اعتبارات إسلامية تنطلق من النظر في القرآن الكريم ثم السنة النبوية و إلا اجتهدوا برأيهم مع الإستشارة و لم نعثر على أي دليل يثبت وجود الدوافع المادية في حسم المشاكل عندهم ، و الواقع الذي وجدناه في شخصية أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أنه كان يتصرف من خلال النداء الرباني في مسألة الأموال باعتبارها أموال الله و الإنسان مستخلف فيه فاعترض على سياسة معاوية من منطلق الدافع الديني الصرف و كل استدلالاته تنطلق من هذا المعين . إننا لا ننكر أن الدافع المادي كان موجودا و لكنه كان ضمن المطلب الإسلامي الذي يربط بين هذا المطلب و مطلب الإحسان و إسلامنا إسلام لا يتبعض أو يتجزأ فتأخذ ما شئت و ترفض ما شئت ، من يؤمن بدافع البعد المادي في المنظور الإسلامي عليه ألا يجردها من المعطى الديني كما يفعل الماركسيون مع الأشخاص فيشوهونهم و يسيئون إليهم و إلى مطالبهم العادلة ، إن رجال الله حينما يحتجون على الظلم فلأنه مطلب ديني أصيل يرجون بذلك رحمة الله و رضوانه .
ثم نراك و قد هربت إلى معطيات الواقع الراهن لتأكد وجود الصراع الطبقي ، و هذا تبسيط مخل لتحليل الأزمات الدولية يندرج في إطار الأخطاء النظرية التي وقع فيها ماركس في تحليل النظم الرأسمالية فاستنتج أن لا مفر من قيام الإشتراكية بناء على التناقضات التي تدب و تسري في جسمها ، الرد على هذه الفرية أصبح الآن شائعا عند القاصي و الداني و قد أثبت الأستاذ شفيق منير في ( الدولة و الثورة رد على ماركس و إنجلز و لينين و مقاربات مع الرؤية الإسلامية ) أن التفسير القطبي الأحادي للأزمات لا يقوى على الصمود أمام تعقد العوامل المتداخلة في تشكيل النظم فلتراجعه و لك أن تراجع انتقادات البنيويين حول العامل الأوحد في التطور التاريخي ، و أوهام تبعية البناء الفوقي للبناء السفلي ( تناقضات علاقات الإنتاج مع وسائل الإنتاج ).
مازلت أنتظر منك جواب حول طلبي السالف ، قلتُ لك هاتِ لنا نماذج من أولئك الذين قلت فيهم أنهم يفسرون التاريخ بناء على التفسير المثالي والأسطوري والذين ينطلقون من القوى الغيبية في تحليل التاريخ، وقل لنا أولا ما الذي تقصده بالقوى الغيبية حتى نناقشك بأسلوب يتناسب معك، لكنك لم تفعل وها أنذا أجدد طلبي حتى نواصل النقاش وندع الكلمة تمضي بحرية، ولا تحاول أن تصادر حريتي في الكلام حينما تطلب مني النقاش بعيدا عن آيات الله فلستَ أنت من يقرر كيف سيكون النقاش وإلا كان علي أن أطالبك أيضا بالكف عن الحديث عن الصراع الطبقي، و هيهات أن تقارن هذا الوهم بآيات بينات تنساب إلى أفئدة الذين آمنوا ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
يُــتــبَــــــــــــــع بحول الله...
حوار حول كتاب النزعـات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية لحسين مروة
في أحد المنتديات وضع ماركسيي/تابع روابــط إلكترونية لكتاب لحسين مروة المعروف بالنزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية فأحببتُ أن أناقشــه في ما زعمه أنه تحليل موضوعي فــدار الحوار التــالي :
قلتُ :
يمثل كتاب حسين مروة أحد الكتب التي تروم إلى قراءة يسارية للإسلام، فهو كتاب يحاول عبثا اصطناع وجود آلية الصراع الطبقي في التاريخ الإسلامي تماشيا مع التحليلات الماركسية التي تضع الصراع الطبقي في مقدمة العوامل المحركة للتاريخ، وهي محاولات استلحاقية تأتي في خضم الهيمنة الإديولوجية لفلسفة النزعة المادية التي سيطرت على الفكر الغربي قرونا من الزمن، فمروة يحاول أن يقرأ التاريخ بناء على تاريخ آخر لا علاقة له بالوحي وتأثيره في التوجيه ولذالك تجده يتعامل مع الشخصيات الإسلامية في الصدر الإسلامي الأول كما لو أنهم أجساد تتحرك من خلال مطالب الخبز فراح يفسر أحداث بناءً على هذا المنهج العليل فانتهى إلى تشويه حقيقة رجال الإسلام الذين ما كانوا ليحيدوا عن مطالب الإسلام في مقتضيات العدل فلم ينتج لنا إلا أشخاص يجرون وراء حطام الدنيا مفصولين عن الهموم الإسلامية التي تحركهم ضد أي حدث.
ومثل هذا الكتاب مثل كتاب اليمين واليسار في الإسلامي لأحمد عباس صالح ، وكتابات طيب تيزني وفؤاد زكريا وغيرهم ممن يمارسون إسقاطا تاريخيا لتاريخ على تاريخ.
قــال :
إن كتاب الدكتور الشهيد "حسين مروة" الموسوم بـ(النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) بجزأيه، يمثل مشروعاً فكرياً وفلسفياً عربياً مهماً، كونه يتطرق إلى أهم مراحل التاريخ العربي الإسلامي، وخاصة الجانب الفكري والفلسفي منه، استناداً إلى المنهج المادي التاريخي، الذي أرسى دعائمه الفيلسوف الألماني الشهير "كارل ماركس". ولا شك بأن استخدام هذا المنهج - الذي يعتبره البعض مستوردا ودخيلا - في معالجة التراث العربي الإسلامي بجرأة وشجاعة، يمثل خطوة مهمة في طريق اقتحام السياج الحديدي الذي يقوم بعض سدنة الدين الجدد بحمايته، ليس خوفا على الدين الإسلامي في حد ذاته، وإنما خوفا على مصالحهم الطبقية...
صحيح أن كتاب "النزعات" تتخلله بعض المواقف المتسرعة والعجولة من طرف الكاتب، وصحيح أن الكتاب لم ينجح في سد بعض الثغرات أو إيجاد بعض الحلقات المفقودة في تاريخنا السحيق. لكنه استطاع - في المقابل - أن يكسر الاحتكار المفروض على الدين من طرف بعض القوى، وأن يطرح تصورا جديدا وبديلا للتراث، قد نتفق وقد نختلف معه.
علاوة على ذلك، فإن الدكتور حسين مروة، قد استند في معالجته للتراث على المادة التاريخية الموجودة في المصادر التاريخية المعروفة، ولم يأت بها من بنات أفكاره كما قد يتبادر لذهن البعض. وإذا كان الكاتب يفسر التاريخ الإسلامي على أساس نظرية "الصراع الطبقي" التي تنظر إلى التاريخ البشري كونه تاريخ صراع بين طبقات اجتماعية، فإن أصحاب التفسير المثالي والأسطوري للدين يعتبرون أن القوى الغيبية هي صانعة التاريخ، ولا دخل للعوامل الموضوعية في ذلك.... وبالتالي فإن لكلا التصورين منطلقهما الفلسفي الذي ينطلقان منه، ولا مجال - أبداً - للتوفيق بينهما.... ولكن التاريخ هو الذي يحكم على صحة الأفكار والتصورات، والبقاء للأصلح !
قلت :
حقا إن هذا النمط من التفكير المادي المتغرب ليس بجديد علينا في ساحة النقاش، فأصحابه مازالوا عبثا يمارسون علينا أسلوب الأدلجة واستيراد النظم المعلَبة في الفكر والسياسة والتحليل التاريخي، ولذلك فهم لا يشعرون بأي حرج وهم يرددون تحليلات الملاحدة حول التاريخ باعتباره المنهج السليم لقراءته وتحليل تموجاته السياسية والاجتماعية، وأنا لا أستغرب حينما أجد أتباع هذا الملحد المدعو "كارل ماركس" ينسجون على منواله في تفسير التاريخ والواقع كما يؤكد الأستاذ منير شفيق الماركسي السابق في كتابه الشيق (الدولة والثورة ومقاربات مع الرؤية الإسلامية) أن ماركس ومريديه لم تكن عندهم من القدرة العلمية مـا يجعلهم يلموا بالتاريخ من جوانبه المتعددة، فهو كغيره من العاجزين كان يستند إلى نتائج هزيلة من الأنتربولوجيين في دراستهم لبعض المناطق الإفريقية، فعبثا يحاول الملاحدة الماركسيون الاختباء وراء العلمية والتحليل العلمي للتاريخ، فلقد غدا واضحا عند المهتمين بالشأن التاريخي أن لا العامل الطبقي قادرا على تفسير الأحداث التاريخية و لا العامل الإثني وحده قادر على بناء نظريات شاملة حول مسار التطور التاريخي، وقد أوضح الأستاذ منير شفيق ما يكفي من هشاشة المنهج المادي في فهم التطور التاريخي من خلال كشف الأخطاء النظرية التي وقع فيها كل من ماركس ومقلده لينين في (الدولة والثورة).
لسنا بحاجة نحن المسلمين إن كنا نؤمن بالله ربا وبالرسول نبيا وبالقرآن دستورا لسنا بحاجة لمهاترات الإيديولوجية الماركسية في تصورها للحياة والإنسان والكون كما أننا في غنى عن استيراد هذه المعلبات الإيديولوجية في التحليل التاريخي وقد أوضح نقاده أن ماركس لم يكن إلا إيديولوجيا يصطنع العلمية ويتستر وراء الطبقة العاملة، والتاريخ يبين لنا أن ما من حكم ماركسي قام إلا و الخراب لازمه خراب في الدنيا وفي الآخرة عذاب أليم، إننا لسنا أمة تتغيى الخبز ولا تطلب إلا ما فوق الثرى ولسنا كائنات دوابية لا هم لها إلا الرغيف، نحن أمة قرآنية قبل أن نكون طلاب الدنيا و ليس بمقدورنا أن نعيش كما يعيش عباد البقر وليس بمقدورنا أن نتخلص من همنا في طلب القرب من الله مادمنا عباده، ولسنا مستعدين أن نلغي ديننا في سبيل الطاغوت في حبن أن إنجلز كان يردد "أن الماركسي لا يستطيع إلا ن يكون ملحدا"، إن كنتَ ترى أنت أن طلب الخبز والتراب أهون عليك من طلب وعد الله في الاستخلاف والتمكين فهذا عندنا نحن عين التخلف والانحطاط العقدي والفكري. لقد أبان الشيخ محمد الغزالي في كتابه (الإسلام في وجه الزحف الأحمر) أن الشيوعية أقبح نظام في العالم بالنظر إلى ما أنتجته الماركسية من بؤس في الواقع والمنهج و قد أبانت عليها مستوى الإنحطاط الاقتصادي الذي وصلت إليها الاتحاد السوفياتي سابقا وقد سرد لنا من المعطيات ما يجعلنا نمضي على قناعتنا بأن المسلمين لن تكون لهم نهضة ولا تحرر بغير دينهم، وهذا الأمر ليس ببعيد عنا حيث كان الإسلام المنطلق الأصيل في التحرر وكان المسجد الركن البارز في تحرك الجماهير التواقة إلى الخلاص والأدلة على ما نقول متعددة حملت لواءها في زمننا المعاصر الانتفاضة الفلسطينية المباركة التي انطلقت من المسجد لا من شعار (يا عمال العالم اتحدوا).
إن النهج الذي اعتمده حسين مروة في تحليل نظمنا التاريخية متهافت ولا يستطيع أن يصمد مع معطيات الواقع الإسلامي، فهو منهج إسقاطي متعسف بعيد كل البعد عن آليات التحليل العلمي ولقد أوضح الفيلسوف طه عبد الرحمان في (تجديد المنهج وتقويم التراث) أن هذه الأدوات التحليلية التي يعتمد عليها الماديون والمتأثرون بالمناهج التفكيكية لم تفضِ إلا إلى نتائج كارثية مزقت أوصال التاريخ الإسلامي وشوهت تلك الشخصيات التي تشربت من معين الوحي الرباني واقتبست من أنوار سيدنا محمد عليه السلام – عفوا سيدي و ليس سيدنا– فأنت على ما يبدوا لا ترض أن يكون النبي عليه السلام قدوة لك- و هذا الأسلوب الإسقاطي على التاريخ إنما جاء نتيجة حالة الهزيمة النفسية لأولئك المثقفين المستلبين الذين وقعوا فريسة الهيمنة الإيديولوجية اليسارية في فترة ما، وبحمد الله فهذه الثقافة تندحر يوما بعد يوم نتيجة الصحوة الإسلامية واليقضة القلبية التي انطلقت مج جيل من المثقفين فأدركوا وهْمَ ما كانوا يسبحون في فلكه، وهكذا وجدنا الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي البارز المتأثر باليسار سابقا على رغم كتبه التي أصدرها في وقت التأثر بالتوجه الماركسي مثل (الإسلام و الثورة) و (مسلمون ثوار) نجده الآن من أقوى المفكرين دحضا للفكر المتغرب ومن أشد الناس نقدا لأوهام الماركسية اللينينية وهو الذي جاء من أجواء هذا التيار وتعرف على بناءاته النظرية عن قرب، ووجدنا المرحوم عادل حسين الماركسي سابقا قد التمس طريقا للخلاص من أوهام الفكر الإلحادي الماركسي وانقلب من هذا الاعتقاد ليعتنق التصور الإسلامي فصار من المدافعين عنه رحمه الله و جمعني وإياه في جنة الخلد، وهذا ما يغيض المتمركسين فراحوا ينعتوه ب"المثقف السابق" وجردوه من صفة المثقف، أي و الله! ولك أن تقول أيضا هذا عن طارق البشري وخالد محمد خالد و غيرهم...أن مروة حسين لم يستطع البتة أن يفهم العقلية الإسلامية ولم يستطع إلا أن يرى في هذا الشخص أو ذاك إلا الصفة المعبرة عن الصراع الطبقي ولم يستطع أن يفهم أن صحابة رسول الله والتابعين إنما كانوا يتصرفون من دواعي عقدية وأصول إسلامية بعيدة كل البعد عن المنطلق المادي الصرف، وهكذا يمارس نقدا من خارج أملته الضغوطات المعاصرة وحالة الهزيمة الحضارية التي تعيش فيه أمتنا بعد قرون الجبر والعض، حقا لقد أصبت حينما قلتَ أن مروة طرح تصورا جديدا وبديلا للتراث ،ولكنه بديل مرفوض ومنبوذ لم يتأسس من خلال دراسة التراث من التراث وإنما سيطرت عليه الإديولوجيا فأراد أن يصل إلى ما قرره له إلهه ماركس وإنجلز، لم يستطع أن ينتج معرفة تنتمي إلى المجال التداولي كما بينه طه عبد الرحمان ولم يستطع أن يقرأ الأحداث بموضوعية مستقلة تراعي الاعتبارات القبلية والمادية والسياسية والاجتماعية وإنما أرادها تفسيرا دهريا للتاريخ فأفرز لنا شخصيات أساءت إلى التاريخ و الناس .
إنني أطالبك أن تقدم نماذج من أولئك الذين قلت فيهم أنهم يفسرون التاريخ بناء على التفسير المثالي والأسطوري والذين ينطلقون من القوى الغيبية في تحليل التاريخ، وقل لنا أولا ما الذي تقصده بالقوى الغيبية حتى نناقشك بأسلوب يتناسب معك ومن ثم نمارس حقنا في الرد على هذه المزاعم الهزلية ولنا بقية في النقاش وننتظر جوابك والسلام عليكم - عفوا إلى اللقاء.
قال :
عملية النقد هي عملية مفيدة ومثمرة، حينما يكون القارئ متفتحاً وعقلانياً، ويتميز بنوع من المرونة والقابلية على النقد الذاتي كذلك. لكن ما نلاحظه فيما يخص الكاتب هو أنه يُلقي ببعض الألفاظ والمصطلحات التي لا تنتمي إلى مجال النقد العلمي الرصين، بقدر ما هي ألفاظ وظيفتها شحن عاطفة المتلقي والتأثير فيها سلبياً....
ترى بأن كتاب "النزعات" يشوه التاريخ الإسلامي ويسيء إليه، وخاصة الشخصيات والرموز الإسلامية التاريخية. في حين أنني لا أرى في ذاك الكتاب أي محاولة للإساءة إلى أي شخص كيفما كانت منزلته، وإنما هدف الكاتب هو دراسة التراث العربي الإسلامي في شقه الفكري-الفلسفي، مع إبراز الجوانب الموضوعية التي ساهمت في نشأته.
وفي المقابل، يمكن القول بأن الإساءة إلى التاريخ والدين الإسلاميين تصدر أساساً عن شيوخ البترودولار، الذين ما فتئوا يحاولون ترويج تأويل لا تاريخي للإسلام، إنه الإسلام كما يتمظهر في مخيلتهم، وليس كما مارسه المسلمون الأوائل.
وإذا سلمنا مع الكاتب بعدم وجود "الصراع الطبقي" في التاريخ العربي الإسلامي، فكيف يفسر لنا ما يجري حالياً في البلدان العربية الإسلامية من توترات وتناحرات دموية خاصة في العراق المحتلة، وفلسطين، ولبنان... هل نسلم معه بأن الصراع غير موجود أصلا، فندفن رؤوسنا تحت الرمال، أم نعتقد بأن الأمر هو قدر وقضاء من السماء...
ولا حاجة بنا - كذلك - إلى التذكير بما يجري في المغرب والأقطار العربية الأخرى بين الحركات الإسلامية بمختلف تلاوينهم من صراعات. ألا يعتبر هذا تجليا من تجليات الصراع السياسي والاجتماعي والمذهبي الذي يمتد إلى قرون سحيقة، ويجد تفسيره في الواقع الراهن...
أود أن أختم كلامي بملاحظة بسيطة حول ما طرحه الكاتب، ويتعلق الأمر بمسألة "الاجترار"، فمن حق الكاتب أن يعبر عن فكره وعن مواقفه بكل حرية، ولكن نسخ الأقوال الإنشائية الطويلة وكأنها (وحي يوحى) فهذا لا يعد عملية حوارية، بل أعده في هذا المقام رغبة في خنق النقاش. إذا كان لديك رأي فعبر عنه بأسلوبك بدون اللجوء إلى قال الله وقال النبي... كي أتمكن من الرد على كلامك، وليس على كلام الله... وتحية حوارية
قلت :
قرأت ما كتبه ببالغ الأسى على حاله و حال أمتنا المهيضة ، فالسيد ما زال يعيد علينا قصص الماركسيين في تحليل التاريخ و الواقع أنك لا تملك أية قيمة إضافية تزيدها إلى أساطير آلهة التثليث ( ماركس لينين ستالين ) في بناء الدولة و الحضارة ، و المشكلة في كثير من الماركسيين العزل أنهم لا يستطيعون أن يتحرروا من قبضة ماركس أو لينين فتراهم يسلمون لما يمليه عليهم جدهم الأكبر ماركس بحرفية تامة كما يتلقى المؤمن أوامر ربه بالامتثال و التطبيق ، و هل من يعبد المادة كمن يعبد خالق المادة ! عبثا تحاول أن توهم الآخرين أنك تناقش بعلمية و أمانة ، فكلماتك لا تتجاوز التكرار الممل و الاجترار الساذج لمفاهيم الصراع الطبقي في حين لو كنتَ منصفا مع نفسك لفتحت عينيك على أولئك المفكرين الذين عادوا إلى رشدهم و طرحوا قماماتهم الفلسفية المادية مستسلمين لله خاضعين تائبين بدل العناد الذي يقتل صاحبه و يحيله إلى كتلة بشرية صماء غاية همه الخبز و أثاث الدنيا ، لقد كان المفكر المصري مصطفى محمود أشد الناس تعصبا لتك الفلسفة الدهرية و كان لا يستحي أن يجهر بإلحاده و زندقته مثلما كان يسفه الأديان ، كان يقول : من يعطينا العلوم فيأخذ منا الأديان ، يــا لسخرية القدر الذي حولهم في ما بعد إلى دعاة إسلاميين أدركوا كم هي الماركسية متوحشة في علاقتها بالحياة و الإنسان و الطبيعة ، أدركوا أن أوهام محو الطبقية و سيادة الاشتراكية لا تتجاوز الدعايات الإيديولوجية و قد أكدتها أوضاع تلك البلدان التي اعتنقت الاشتراكية و انخدعت بسرابها الجذاب.
لقد كان السيد حسين مروة يحاول أن يستنطق التاريخ الإسلامي بناء على الآليات التي وضعها لهم جدهم ماركس و أراد أن يثبت أن تاريخ الحضارة لا يختلف عن التاريخ الآخر في خضوعه لآلية الصراع الطبقي ، أراد أن يثبت ما قرره لهم ماركس و إنجلز في البند الأول من الميثاق الشيوعي من أن التاريخ كل التاريخ عبارة عن صراع طبقي بين المالكين و الخاضعين فتحوّل عنده التاريخ الإسلامي إلـى أجنحة صراع حول من كان يمثل اليمين و بين من كان يمثل الجناح اليساري الطبقة المستغَلَّة ، لماذا لم يستطع حسين مروة أو طيب تيزني أو زكريا فؤاد أن يصلوا إلى التأصيل الحقيقي لقراءة التاريخ ؟ لماذا يلغون في هذا التاريخ أهم ما فيه من القوة الدافعة – الوحي - ، هل كان أبو ذر الغفاري رضي الله عنه رجلا يساريا يصول و يجول دفاعا عن الخبز للطبقة المحرومة ؟ هل أبو ذر الغفاري يمثل الطبقة العاملة في مقابل الطبقة الحاكمة القابضة على وسائل الإنتاج ؟ ما هذا التحليل السخيف لرجال الله على الأرض ؟ ما هذه السطحية في معالجة أبطال الإسلام الذين حرّكهم الإيمان و وازع الدين؟ كيف لهؤلاء الماركسيين أن يتجاهلوا عامل نداء الله لهم و يختزلوا همومهم في تحقيق الاشتراكية ؟ من يريد أن يتحدث عن الموضوعية في كتاب مروة فهو كمن يريد أن يقول بموضوعية كتابات برنارد لويس أو أرنست رينان أو موضوعية جولد زيهر في تعاطيهم مع الإسلام ، لسنا بهذه السذاجة حتى نُستغفل بهذا الشكل الخادع و لسنا بهذه البساطة حتى نجهل خلفيات حسين مروة الإيديولوجية ، فكتابات هؤلاء القوم تفضح نفسها و تعري مقاصدها الحقيقية تماما كما كان كارل ماركس يختبأ وراء " الاشتراكية العلمية " لتحقيق وهم ديكتاتوريا البروليتاريا ، و لقد قام المفكر الإسلامي البارز أنور الجندي رحمه الله بجهد جبار لفضح أولئك المستـلـَبين المقلِّدين الهاربين من الإسلام إلى أوكار الفكر الدهري .
إنك تقول" وفي المقابل، يمكن القول بأن الإساءة إلى التاريخ والدين الإسلاميين تصدر أساساً عن شيوخ البترودولار، الذين ما فتئوا يحاولون ترويج تأويل لا تاريخي للإسلام، إنه الإسلام كما يتمظهر في مخيلتهم، وليس كما مارسه المسلمون الأوائل " ، أولا لست أنت من يحدد من يستغل الإسلام أو لا يستغل فأنت مُـؤَدلج في الفكر و نظرتك للإسلام ليست هي النظرة كما حددها لنا رسولنا الكريم ، و من ينكر الوحي في صناعة التاريخ ليس بمقدوره أن يتصور عن أي إسلام نتحدث ، و ثانيا من قال أننا نشايع حكام الجبر الذين يروجون لأفكار الجبريين ثم تجدهم ينتهكون حرماته في وضح النهار ، هؤلاء القوم تفضحهم أفعالهم و نحن أشد الناس غيرة على تطبيق الإسلام من الماركسيين الماديين ، و عبثا تحاولون أن تختبئوا وراء العمال و قد أثبت التاريخ المعاصر أن الماركسيين أبعد الناس التصاقا بهذه الطبقة حتى عندما قامت لها دولة ، ثالثا أن تصورك لأولئك المسلمين الأوائل كما هو تصور غيرك من الماديين ليس هو نفسه تصورنا لهم باعتبار أننا نرفع من شأنهم لقرب صحبتهم لرسول الله و ننزههم من التفسيرات اليسارية التي جعلتهم مخلوقات تتحرك بناء على مطلب الخبز ، فتصورنا أرفع من أن نختزلهم في الأبعاد المادية ثم إننا نعتبرهم أنهم كانوا يتصرفون من منطلق ديني أصيل يستنطقون المقاصد الإلهية و يرمون التمكين لهذا الدين فهذا يمثل المبتدأ و المنتهى في حياتهم . إننا لا نقول بالصراع الطبقي بالمفهوم الماركسي و لا نرى للإشتراكية أية رائحة في تحركات الصحابة رضي الله عنهم و إنما نقول أن النوازل و الأحداث المتجددة بعد وفاة النبي عليه السلام كانت تعالج من اعتبارات إسلامية تنطلق من النظر في القرآن الكريم ثم السنة النبوية و إلا اجتهدوا برأيهم مع الإستشارة و لم نعثر على أي دليل يثبت وجود الدوافع المادية في حسم المشاكل عندهم ، و الواقع الذي وجدناه في شخصية أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أنه كان يتصرف من خلال النداء الرباني في مسألة الأموال باعتبارها أموال الله و الإنسان مستخلف فيه فاعترض على سياسة معاوية من منطلق الدافع الديني الصرف و كل استدلالاته تنطلق من هذا المعين . إننا لا ننكر أن الدافع المادي كان موجودا و لكنه كان ضمن المطلب الإسلامي الذي يربط بين هذا المطلب و مطلب الإحسان و إسلامنا إسلام لا يتبعض أو يتجزأ فتأخذ ما شئت و ترفض ما شئت ، من يؤمن بدافع البعد المادي في المنظور الإسلامي عليه ألا يجردها من المعطى الديني كما يفعل الماركسيون مع الأشخاص فيشوهونهم و يسيئون إليهم و إلى مطالبهم العادلة ، إن رجال الله حينما يحتجون على الظلم فلأنه مطلب ديني أصيل يرجون بذلك رحمة الله و رضوانه .
ثم نراك و قد هربت إلى معطيات الواقع الراهن لتأكد وجود الصراع الطبقي ، و هذا تبسيط مخل لتحليل الأزمات الدولية يندرج في إطار الأخطاء النظرية التي وقع فيها ماركس في تحليل النظم الرأسمالية فاستنتج أن لا مفر من قيام الإشتراكية بناء على التناقضات التي تدب و تسري في جسمها ، الرد على هذه الفرية أصبح الآن شائعا عند القاصي و الداني و قد أثبت الأستاذ شفيق منير في ( الدولة و الثورة رد على ماركس و إنجلز و لينين و مقاربات مع الرؤية الإسلامية ) أن التفسير القطبي الأحادي للأزمات لا يقوى على الصمود أمام تعقد العوامل المتداخلة في تشكيل النظم فلتراجعه و لك أن تراجع انتقادات البنيويين حول العامل الأوحد في التطور التاريخي ، و أوهام تبعية البناء الفوقي للبناء السفلي ( تناقضات علاقات الإنتاج مع وسائل الإنتاج ).
مازلت أنتظر منك جواب حول طلبي السالف ، قلتُ لك هاتِ لنا نماذج من أولئك الذين قلت فيهم أنهم يفسرون التاريخ بناء على التفسير المثالي والأسطوري والذين ينطلقون من القوى الغيبية في تحليل التاريخ، وقل لنا أولا ما الذي تقصده بالقوى الغيبية حتى نناقشك بأسلوب يتناسب معك، لكنك لم تفعل وها أنذا أجدد طلبي حتى نواصل النقاش وندع الكلمة تمضي بحرية، ولا تحاول أن تصادر حريتي في الكلام حينما تطلب مني النقاش بعيدا عن آيات الله فلستَ أنت من يقرر كيف سيكون النقاش وإلا كان علي أن أطالبك أيضا بالكف عن الحديث عن الصراع الطبقي، و هيهات أن تقارن هذا الوهم بآيات بينات تنساب إلى أفئدة الذين آمنوا ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
يُــتــبَــــــــــــــع بحول الله...
تعليق