بقلم: الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
لأول مرة فى مصر، أقيمت فى النصف الأول من شهر فبراير 2014 ، من7إلى14، صلاة جماعية فىالكنائسالمختلفة لمدة أسبوع، من أجل توحيد كافة الكنائس المنشقة عقائديا منذ قرون، ودمجها فى كيان واحد. وقد مر الحدث وغطته وسائل الإعلام بأنواعها، مجردا فى حد ذاته، دون أن يتسائل أحدا عن سبب هذا الإحتفال ولا عن معناه، بل ولا حتى عن مغزاه فيما يتعلق بمصرأو إنعكاسه عليها بما أن الجهة التى أقامته هنا هى الكنائس المصرية.
أقيم هذا الأسبوع تحت رعاية "مجلس كنائس الشرق الأوسط"، التابع بدوره "لمجلس الكنائس العالمى".كما أعلنت المواقع الفرنسية الكنسية أنه ستقام أيضا يوم 7 مارس 2014 صلاة للمسيحيات فى مصر والعالم خاصة فى فرنسا، من أجل توحيد الكنائس، بمبادرة من الكنائس الفرنسية مع توضيح أنها"مع ومن أجل المرأة المسيحية فى مصر"، تحت عنوان له مغزاه : "ستتدفق المياة فى الصحارى"..
ولمن لا يعرف الموضوع، فإن فكرة "توحيد الكنائس" بدأت بإنشاء المجلس العالمى لتوحيد الكنائس سنة 1948، فى أمستردام، وإن كانت إدارته توجد فى جنيف بسويسرا. وسنة 2010 أصبح يضم عضوية 349 كنيسة من الكنائس المنشقة أو المختلفة عقائديا. إلا أن مجمع الفاتيكان الثانى (1962ـ1965) هو الذى تبنىفكرة التطبيق الفعلى وحددها كبرنامج عمل وقرار لا رجعة فيه، ليتم تحت لواء كاثوليكية روما.
وهذا المجمع قرر من ضمن ما قرر: "تبرأة اليهود من دم المسيح"، بعد أن ظلت الكنيسة تلعنهم على مدى الفى عام تقريبا. وهو ما يوضح أن التلاعب بالعقائد فى المؤسسة الكنسية شئ مألوف، من أجل السياسة والمصالح، وما من أحد يمكنه المناقشة أو الإعتراض. كما قرر ذلك المجمع الفاتيكانى الثانى "تنصير العالم"؛ وقرر إنشاء "المجلس البابوى من أجل توحيد الكنائس"؛ و"المجلس البابوى من أجل الحوار بين الأديان". وهو ما يوضح أن هذا القرار مثله مثل كل قرارات ذلك المجمع هى قرارات لا رجعة فيها ولا نقاش. ولم أذكر هنا إلا القرارات المتعلقة بموضوع هذا المقال. ومن البديهى أن قرار "تنصير العالم" يعنى ضمنا قرار "إقتلاع الإسلام"..ويكفى إلقاء نظرة على ما يتجرعه المسلمون فى العديد من البلدان وخاصة فى بورما أوفى إفريقيا الوسطى ذات الأغلبية المسيحية ومحاولات إقتلاع الإسلام والمسلمين لندرك حقيقة ما يدور وسط صمت العالم الغربى والفاتيكان المحركان لهذا الإقتلاع ..
وتأكيدا لعملية "تنصير العالم" التى بدأ الإعلان عنها على استحياء عند إنتهاء المجمع الفاتيكانى سنة 1965، أعاد البابا يوحنا بولس الثانى إعلانها رسميا، من مدينة شانت يقب فى إسبانيا سنة 1982، ثم أورد معناها صراحة فى كتاب "الجغرافيا السياسية للفاتيكان"، موضحا : "أنه لا بد من توحيد كافة الكنائس للتصدى لموجة المد الإسلامى". وهو ما يوضح الهدف الأساس من عملية توحيد هذه الكنائس وخاصة إنعكاسها على مصر المسلمة..
وإذا ما رجعنا إلى قرارات أخرى لنفس مجمع الفاتيكان الثانى لرأينا أنه قرر "فرض المساهمة فى عملية التنصير على كافة المسيحيين فى العالم، الكنسيين منهم والمدنيين" وهى أول مرة فى التاريخ يصدر فيها الفاتيكان قرارا متعلقا بالمدنيين ؛ كما قرر "فرض المساهمة فى عملية تنصير العالم على كافة الكنائس المحلية فى العالم". وهو ما عبّرت عنه آنذاك قائلة أكثر من مرة : "أن الفاتيكان بهذا القرار يضع الكنيسة وأتباعها فى مصر فى موقف "الخيانة" بالنسبة لمصر المسلمة وللمسلمين جميعا". الأمر الذى يكشف أهمية وضرورة أن يدرك ويعى الجميع، مسلمين ومسيحيين، حقيقة ما يدور فى العلن وفى الخفاء.
وترجع أولى محاولات الكنيسة المصرية للإندماج فى عملية "توحيد الكنائس" والخروج عن تعاليم عقائدها إلى البابا شنودة الثالث، عندما سافر إلى الفاتيكان سنة 1973، بعد عام من إنتخابه رئيسا للبطرياركية المصرية، وكان أول مسئول فى الكنيسة المصرية يسافر فى زيارة رسمية منذ سنة451، أيام مجمع خلقيدونيا الذى أقر أن المسيح، "النبى المقتدر"كما تقول الأناجيل، الذى تم تأليهه فى مجمع نيقيه الأول سنة 325 ، هو : "إله ذو طبيعتان"، وهو ما يخالف عقيدة الكنيسة القبطية التى تؤمن بأن له طبيعة واحدة، إضافة إلى أكثر من خمسة عشر خلافات اخرى ، وتمت القطيعة بين الكنيستين.
وعندما التقى البابا شنودة الثالث بالبابا بولس السادس أصدرا بيانا مشتركا يوم 10 مايو 1973، أعربا فيه على إستمرار "الخلاف اللاهوتى" بينهما وأكدا على الإيمان المشترك بين المؤسستين بمعنى إيمانهما بأن المسيح إلهاً، واتفقا على وقف التراشق بينهما أو إستقطاب الأتباع والعمل على توحيد الكنائس، كما أن شنودة الثالث قد اعترض على تحديد الفاتيكان بأن "كنيسة المسيح الوحيدة هى الكنيسة الكاثوليكية"، رغم التعديل الذى ادخله الفاتيكان بدلا من عبارة "هى"، وكتب بدلا عنها عبارة (Subsistit in)، وتعنى "قائمة" وهى رغم التغيير أشد فى المعنى من حيث أنها تعنى "قائمة دائمة". وبهذه الإتفاقية وضعا حدا لخمسة عشر قرنا من المعارك اللاهوتية بين الكنيستين إعتمادا على التحايل والتغاضى...
ويقول البيان فى إحدى فقراته : "بالفعل، منذ 451 م إنبثقت بيننا خلافات لاهوتية استمرت وتفاقمت بسبب عوامل غير لاهوتية. وهى خلافات لا يمكن تجاهلها. ورغمها، مع ذلك، نعيد اكتشاف أنفسنا ككنائس لها ميراث مشترك ونجاهد بإصرار وثقة فى الرب أن نصل إلى كمال وإكتمال هذه الوحدة التى هى هبة منه". أى أن البابا شنودة يقر بوجود خلافات لكنه يتنازل ويوافق ويجاهد لتحقيق وحدة الكنائس !
وأنهيا البيان المشترك بعبارة لها مغزاها فى قضية أخرى : "وبينما ننعم بأن الرب قد وهبنا نِعَم هذا اللقاء فإن أفكارنا تتجه إلى آلاف الفلسطينيين الذين يعانون ولا مأوى لهم. ونندد بأى استخدام تعسفى لإستخدام أدلة دينية من أجل غايات سياسية فى هذا المجال. فنحن نرغب بشدة ونبحث عن حل لأزمة الشرق الأوسط".. وهو ما معناه أن الكنيسة بعامة، سواء الفاتيكان أو فى مصر، تعلم أن اليهود لا حق دينى أو شرعى فى أرض فلسطين لكن للأغراض السياسية أحكام !..
وهناك اتفاقيات أخرى تمت آنذاك فبعد عودة شنودة الثالث إلى القاهرة تم إنشاء لجنة مشتركة من القبط والكاثوليك لمواصلة الحوار بينهما ودراسة مجالات التراث الكنسى والآباء والعبادات واللاهوت والتاريخ والمشاكل العملية وكل الخلافات بين الكنيستين بحيث يمكنهما "التعريف بالإنجيل بصورة تتفق ورسالة الرب الحقيقية وإحتياجات وتطلعات عالم اليوم".. وهو ما يشير بوضوح إلى قضية تنصير العالم. وتوالت الزيارات المتبادلة بين مسئولى الكنيستين. وفى عام 1974، أيام الأسبوع الدولى السنوى للصلاة من أجل اتحاد الكنائس، أعلن البابا شنودة الثالث قائلا : "العالم المسيحى بأسره شغوف ليرى وحدة الكنائس. أن المسيحيين يدفعون رؤساء كنائسهم للعمل على وحدة الكنائس وأننى لعلى يقين من أن الروح القدس يدفعنا لتحقيق ذلك".
وعبارة "أن المسيحيين يدفعون رؤساء كنائسهم" هى عبارة تقليدية يتذرع بها كل بابا من البابواتبأنه يقوم بتحقيق طلب الطرف الآخر أو الأتباع التى تستجديه لتنفيذ مطلب معيّن، أى أن المبادرة ليست ناجمة عنه وإنما من الأتباع. وهنا، فيما يتعلق بموضوع توحيد الكنائس تلبية لمطلب الفاتيكان للتصدى للمد الإسلامى، لا أعتقد أن المسيحيين فى مصر،بكل فرقهم، يستجدون أو يطلبون من رئاستهم أن تخرجهم عن عقيدتهم إرضاءا لبابا روما أو أن يقوموا بحرب أهلية لتنصير المسلمين !!
ونفس الصياغة نراها تتكرر عند زيارة البابا تواضرس الثانى للبابا فرنسيس فى الفاتيكان ، إذ قالت وكالة أنباء "فيديس" التابعة للفاتيكان يوم 4/5/2013 ، أن تواضرس الثانى هو الذى أعرب عن رغبته للذهاب إلى روما، وذلك عند إستقباله مندوب الفاتيكان فى مصر بكاتدرائية سان مارك. وقد تناولتُ هذه الزيارة آنذاك بمقال بعنوان : خلفيات تواضرس الثانى والفاتيكان . وعند إنتخاب البابا تواضرس الثانى يوم 4 نوفمبر 2013 أرسل إليه البابا بنديكت 16 رسالة تهنئة ودعاه للحوار وإلى وحدة كافة المسيحيين فى كنيسة واحدة.وقد تناولت هذه الزيارة بإنعكاساتها آنذاك فى مقال آخر بعنوان : زيارة تواضرس الثانى للفاتيكان..
وإذا ما أخذنا فى الإعتبار موقف الكنيسة القبطية فى مصر، وكل ما انجرفت إليه من أحداث ومواقف غير أمينة ، إعتمادا على التواطؤ مع الغرب ومع الفاتيكان، والوقوع فى شراك مخططاتهما المدمرة لكيان البلدان المسلمة وشعوبها، وليس هذا الموقف بجديد أو مرتبط بالبابا تواضرس الثانى منذ توليه منصب البابوية وحده، وإنما هو تاريخ ممتد تورط فيه البابا الراحل شنودة الثالث، وما أكثر الأحداث التى تكشف عن إن النوايا غير مطمئنة وغير أمينة، ولا أذكر منها هنا إلا الإصرار المتعصب الذى لا مبرر له على تنصير شكل الدولة المسلمة ببناء المزيد من الكنائس، علما بأن السيد المسيح قد طالب بأن تكون الصلاة فى الغرفة بالبيت وغلق بابها، أى عدم الإستعراض والتباهى بالصلاة ؛ والإستيلاء على أراضى الدولة لبناء الأديرة، وآخرها الإستيلاء على محمية وادى الريان فى محافظة الفيوم. وهى الواقعة التى نشرتها جميع الصحف حتى جريدة الأهرام، الشديدة الحرص فيما تنشره، موضحة أن الجيش مُنع من إختراق الأسوارالخرسانية !.. وقد تناولت بعض هذه المواقف فى مقالينآنذاك أحدهما بعنوان :خطاب مفتوح إلى البابا شنودة الثالث، والمقال الآخر بعنوان:رسالة إلى البابا شنودة .
لا أكتب إستفزازا لأحد ولا لإثارة البلبلة، وإنما هى محاولة جادة بكل ما تحمله من آلام ومعاناه لنتدارك الموقف،فالإطار العام لكل ما دار ويدور ، فى العلن وفى الخفاء، يحتم علينا جميعا إعادة النظر فى مختلف المواقف المتعددة التى ستؤدى بحالها الراهن إلى الإنفجار حتما،والرصاص أو القنابل حين تتساقط لا تفرق بين مسلم ومسيحي.
ليت إخواننا المسيحيين يقرأون النصوص والوثائق، بموضوعية وأمانة، والتعاون بصدق على حل مشاكل مصر بدلامن الإنصياع لبعض القيادات أو القساوسة المنفلتةوالتى لا يعنيها إلا تأجيج الفتنة فى مصر بين المسلمين والمسيحيين، وأذكر ، على سبيل المثال لا الحصر، كتاب الأنبا يوحنا قولته الذى تناولته فى مقال بعنوان نفس الكتاب وهو :المسيحية والألف الثالثة ..
*رابط إتفاقية البابا شنودة والبابا بولس السادس يوم 10 مايو 1973:
http://www.vatican.va/roman_curia/po..._copti_fr.html
25 فبراير 2014
أستاذة الحضارة الفرنسية
لأول مرة فى مصر، أقيمت فى النصف الأول من شهر فبراير 2014 ، من7إلى14، صلاة جماعية فىالكنائسالمختلفة لمدة أسبوع، من أجل توحيد كافة الكنائس المنشقة عقائديا منذ قرون، ودمجها فى كيان واحد. وقد مر الحدث وغطته وسائل الإعلام بأنواعها، مجردا فى حد ذاته، دون أن يتسائل أحدا عن سبب هذا الإحتفال ولا عن معناه، بل ولا حتى عن مغزاه فيما يتعلق بمصرأو إنعكاسه عليها بما أن الجهة التى أقامته هنا هى الكنائس المصرية.
أقيم هذا الأسبوع تحت رعاية "مجلس كنائس الشرق الأوسط"، التابع بدوره "لمجلس الكنائس العالمى".كما أعلنت المواقع الفرنسية الكنسية أنه ستقام أيضا يوم 7 مارس 2014 صلاة للمسيحيات فى مصر والعالم خاصة فى فرنسا، من أجل توحيد الكنائس، بمبادرة من الكنائس الفرنسية مع توضيح أنها"مع ومن أجل المرأة المسيحية فى مصر"، تحت عنوان له مغزاه : "ستتدفق المياة فى الصحارى"..
ولمن لا يعرف الموضوع، فإن فكرة "توحيد الكنائس" بدأت بإنشاء المجلس العالمى لتوحيد الكنائس سنة 1948، فى أمستردام، وإن كانت إدارته توجد فى جنيف بسويسرا. وسنة 2010 أصبح يضم عضوية 349 كنيسة من الكنائس المنشقة أو المختلفة عقائديا. إلا أن مجمع الفاتيكان الثانى (1962ـ1965) هو الذى تبنىفكرة التطبيق الفعلى وحددها كبرنامج عمل وقرار لا رجعة فيه، ليتم تحت لواء كاثوليكية روما.
وهذا المجمع قرر من ضمن ما قرر: "تبرأة اليهود من دم المسيح"، بعد أن ظلت الكنيسة تلعنهم على مدى الفى عام تقريبا. وهو ما يوضح أن التلاعب بالعقائد فى المؤسسة الكنسية شئ مألوف، من أجل السياسة والمصالح، وما من أحد يمكنه المناقشة أو الإعتراض. كما قرر ذلك المجمع الفاتيكانى الثانى "تنصير العالم"؛ وقرر إنشاء "المجلس البابوى من أجل توحيد الكنائس"؛ و"المجلس البابوى من أجل الحوار بين الأديان". وهو ما يوضح أن هذا القرار مثله مثل كل قرارات ذلك المجمع هى قرارات لا رجعة فيها ولا نقاش. ولم أذكر هنا إلا القرارات المتعلقة بموضوع هذا المقال. ومن البديهى أن قرار "تنصير العالم" يعنى ضمنا قرار "إقتلاع الإسلام"..ويكفى إلقاء نظرة على ما يتجرعه المسلمون فى العديد من البلدان وخاصة فى بورما أوفى إفريقيا الوسطى ذات الأغلبية المسيحية ومحاولات إقتلاع الإسلام والمسلمين لندرك حقيقة ما يدور وسط صمت العالم الغربى والفاتيكان المحركان لهذا الإقتلاع ..
وتأكيدا لعملية "تنصير العالم" التى بدأ الإعلان عنها على استحياء عند إنتهاء المجمع الفاتيكانى سنة 1965، أعاد البابا يوحنا بولس الثانى إعلانها رسميا، من مدينة شانت يقب فى إسبانيا سنة 1982، ثم أورد معناها صراحة فى كتاب "الجغرافيا السياسية للفاتيكان"، موضحا : "أنه لا بد من توحيد كافة الكنائس للتصدى لموجة المد الإسلامى". وهو ما يوضح الهدف الأساس من عملية توحيد هذه الكنائس وخاصة إنعكاسها على مصر المسلمة..
وإذا ما رجعنا إلى قرارات أخرى لنفس مجمع الفاتيكان الثانى لرأينا أنه قرر "فرض المساهمة فى عملية التنصير على كافة المسيحيين فى العالم، الكنسيين منهم والمدنيين" وهى أول مرة فى التاريخ يصدر فيها الفاتيكان قرارا متعلقا بالمدنيين ؛ كما قرر "فرض المساهمة فى عملية تنصير العالم على كافة الكنائس المحلية فى العالم". وهو ما عبّرت عنه آنذاك قائلة أكثر من مرة : "أن الفاتيكان بهذا القرار يضع الكنيسة وأتباعها فى مصر فى موقف "الخيانة" بالنسبة لمصر المسلمة وللمسلمين جميعا". الأمر الذى يكشف أهمية وضرورة أن يدرك ويعى الجميع، مسلمين ومسيحيين، حقيقة ما يدور فى العلن وفى الخفاء.
وترجع أولى محاولات الكنيسة المصرية للإندماج فى عملية "توحيد الكنائس" والخروج عن تعاليم عقائدها إلى البابا شنودة الثالث، عندما سافر إلى الفاتيكان سنة 1973، بعد عام من إنتخابه رئيسا للبطرياركية المصرية، وكان أول مسئول فى الكنيسة المصرية يسافر فى زيارة رسمية منذ سنة451، أيام مجمع خلقيدونيا الذى أقر أن المسيح، "النبى المقتدر"كما تقول الأناجيل، الذى تم تأليهه فى مجمع نيقيه الأول سنة 325 ، هو : "إله ذو طبيعتان"، وهو ما يخالف عقيدة الكنيسة القبطية التى تؤمن بأن له طبيعة واحدة، إضافة إلى أكثر من خمسة عشر خلافات اخرى ، وتمت القطيعة بين الكنيستين.
وعندما التقى البابا شنودة الثالث بالبابا بولس السادس أصدرا بيانا مشتركا يوم 10 مايو 1973، أعربا فيه على إستمرار "الخلاف اللاهوتى" بينهما وأكدا على الإيمان المشترك بين المؤسستين بمعنى إيمانهما بأن المسيح إلهاً، واتفقا على وقف التراشق بينهما أو إستقطاب الأتباع والعمل على توحيد الكنائس، كما أن شنودة الثالث قد اعترض على تحديد الفاتيكان بأن "كنيسة المسيح الوحيدة هى الكنيسة الكاثوليكية"، رغم التعديل الذى ادخله الفاتيكان بدلا من عبارة "هى"، وكتب بدلا عنها عبارة (Subsistit in)، وتعنى "قائمة" وهى رغم التغيير أشد فى المعنى من حيث أنها تعنى "قائمة دائمة". وبهذه الإتفاقية وضعا حدا لخمسة عشر قرنا من المعارك اللاهوتية بين الكنيستين إعتمادا على التحايل والتغاضى...
ويقول البيان فى إحدى فقراته : "بالفعل، منذ 451 م إنبثقت بيننا خلافات لاهوتية استمرت وتفاقمت بسبب عوامل غير لاهوتية. وهى خلافات لا يمكن تجاهلها. ورغمها، مع ذلك، نعيد اكتشاف أنفسنا ككنائس لها ميراث مشترك ونجاهد بإصرار وثقة فى الرب أن نصل إلى كمال وإكتمال هذه الوحدة التى هى هبة منه". أى أن البابا شنودة يقر بوجود خلافات لكنه يتنازل ويوافق ويجاهد لتحقيق وحدة الكنائس !
وأنهيا البيان المشترك بعبارة لها مغزاها فى قضية أخرى : "وبينما ننعم بأن الرب قد وهبنا نِعَم هذا اللقاء فإن أفكارنا تتجه إلى آلاف الفلسطينيين الذين يعانون ولا مأوى لهم. ونندد بأى استخدام تعسفى لإستخدام أدلة دينية من أجل غايات سياسية فى هذا المجال. فنحن نرغب بشدة ونبحث عن حل لأزمة الشرق الأوسط".. وهو ما معناه أن الكنيسة بعامة، سواء الفاتيكان أو فى مصر، تعلم أن اليهود لا حق دينى أو شرعى فى أرض فلسطين لكن للأغراض السياسية أحكام !..
وهناك اتفاقيات أخرى تمت آنذاك فبعد عودة شنودة الثالث إلى القاهرة تم إنشاء لجنة مشتركة من القبط والكاثوليك لمواصلة الحوار بينهما ودراسة مجالات التراث الكنسى والآباء والعبادات واللاهوت والتاريخ والمشاكل العملية وكل الخلافات بين الكنيستين بحيث يمكنهما "التعريف بالإنجيل بصورة تتفق ورسالة الرب الحقيقية وإحتياجات وتطلعات عالم اليوم".. وهو ما يشير بوضوح إلى قضية تنصير العالم. وتوالت الزيارات المتبادلة بين مسئولى الكنيستين. وفى عام 1974، أيام الأسبوع الدولى السنوى للصلاة من أجل اتحاد الكنائس، أعلن البابا شنودة الثالث قائلا : "العالم المسيحى بأسره شغوف ليرى وحدة الكنائس. أن المسيحيين يدفعون رؤساء كنائسهم للعمل على وحدة الكنائس وأننى لعلى يقين من أن الروح القدس يدفعنا لتحقيق ذلك".
وعبارة "أن المسيحيين يدفعون رؤساء كنائسهم" هى عبارة تقليدية يتذرع بها كل بابا من البابواتبأنه يقوم بتحقيق طلب الطرف الآخر أو الأتباع التى تستجديه لتنفيذ مطلب معيّن، أى أن المبادرة ليست ناجمة عنه وإنما من الأتباع. وهنا، فيما يتعلق بموضوع توحيد الكنائس تلبية لمطلب الفاتيكان للتصدى للمد الإسلامى، لا أعتقد أن المسيحيين فى مصر،بكل فرقهم، يستجدون أو يطلبون من رئاستهم أن تخرجهم عن عقيدتهم إرضاءا لبابا روما أو أن يقوموا بحرب أهلية لتنصير المسلمين !!
ونفس الصياغة نراها تتكرر عند زيارة البابا تواضرس الثانى للبابا فرنسيس فى الفاتيكان ، إذ قالت وكالة أنباء "فيديس" التابعة للفاتيكان يوم 4/5/2013 ، أن تواضرس الثانى هو الذى أعرب عن رغبته للذهاب إلى روما، وذلك عند إستقباله مندوب الفاتيكان فى مصر بكاتدرائية سان مارك. وقد تناولتُ هذه الزيارة آنذاك بمقال بعنوان : خلفيات تواضرس الثانى والفاتيكان . وعند إنتخاب البابا تواضرس الثانى يوم 4 نوفمبر 2013 أرسل إليه البابا بنديكت 16 رسالة تهنئة ودعاه للحوار وإلى وحدة كافة المسيحيين فى كنيسة واحدة.وقد تناولت هذه الزيارة بإنعكاساتها آنذاك فى مقال آخر بعنوان : زيارة تواضرس الثانى للفاتيكان..
وإذا ما أخذنا فى الإعتبار موقف الكنيسة القبطية فى مصر، وكل ما انجرفت إليه من أحداث ومواقف غير أمينة ، إعتمادا على التواطؤ مع الغرب ومع الفاتيكان، والوقوع فى شراك مخططاتهما المدمرة لكيان البلدان المسلمة وشعوبها، وليس هذا الموقف بجديد أو مرتبط بالبابا تواضرس الثانى منذ توليه منصب البابوية وحده، وإنما هو تاريخ ممتد تورط فيه البابا الراحل شنودة الثالث، وما أكثر الأحداث التى تكشف عن إن النوايا غير مطمئنة وغير أمينة، ولا أذكر منها هنا إلا الإصرار المتعصب الذى لا مبرر له على تنصير شكل الدولة المسلمة ببناء المزيد من الكنائس، علما بأن السيد المسيح قد طالب بأن تكون الصلاة فى الغرفة بالبيت وغلق بابها، أى عدم الإستعراض والتباهى بالصلاة ؛ والإستيلاء على أراضى الدولة لبناء الأديرة، وآخرها الإستيلاء على محمية وادى الريان فى محافظة الفيوم. وهى الواقعة التى نشرتها جميع الصحف حتى جريدة الأهرام، الشديدة الحرص فيما تنشره، موضحة أن الجيش مُنع من إختراق الأسوارالخرسانية !.. وقد تناولت بعض هذه المواقف فى مقالينآنذاك أحدهما بعنوان :خطاب مفتوح إلى البابا شنودة الثالث، والمقال الآخر بعنوان:رسالة إلى البابا شنودة .
لا أكتب إستفزازا لأحد ولا لإثارة البلبلة، وإنما هى محاولة جادة بكل ما تحمله من آلام ومعاناه لنتدارك الموقف،فالإطار العام لكل ما دار ويدور ، فى العلن وفى الخفاء، يحتم علينا جميعا إعادة النظر فى مختلف المواقف المتعددة التى ستؤدى بحالها الراهن إلى الإنفجار حتما،والرصاص أو القنابل حين تتساقط لا تفرق بين مسلم ومسيحي.
ليت إخواننا المسيحيين يقرأون النصوص والوثائق، بموضوعية وأمانة، والتعاون بصدق على حل مشاكل مصر بدلامن الإنصياع لبعض القيادات أو القساوسة المنفلتةوالتى لا يعنيها إلا تأجيج الفتنة فى مصر بين المسلمين والمسيحيين، وأذكر ، على سبيل المثال لا الحصر، كتاب الأنبا يوحنا قولته الذى تناولته فى مقال بعنوان نفس الكتاب وهو :المسيحية والألف الثالثة ..
*رابط إتفاقية البابا شنودة والبابا بولس السادس يوم 10 مايو 1973:
http://www.vatican.va/roman_curia/po..._copti_fr.html
25 فبراير 2014
تعليق