عبرة التاريخ .
تبدأ السورة بمقدمة تبين للناس أن طريق الهداية للإسلام سبيله القرآن ، الذى يوقن قارؤه من إعجازه أنه من عند الله . أنزله الله رحمة بالمؤمنين يبين له حقائق الغيب التي لايطيق إدراكها لمحدودية علمه وقدرته .
وتبين السورة الدليل علي الحق بآيتين بسطهما الله أمام عقول البشر :
1- آية كتاب الله المنظور ، التي يراها الإنسان في خلق السماوات والأرض ومابينهما ، وفي عبر التاريخ الإنساني.
والتحدى قائم فيها أن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له .
2- آية كتاب الله المقروء ، وهو القرآن ، ويتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله إن كانوا صادقين.
وللبشر أن يختاروا بين طريقين : طريق الهدى الذى يسير فيه المتقون ، وطريق الضلال الذى يسير فيه الكافرون والمنافقون . وعلي أساس هذا الاختيار يتحدد الحساب والجزاء في اليوم الآخر ، إما نعيم وإما عذاب .
ثم تأخذ السورة بأيدينا في رحلة التاريخ ، فتبدأ منذ النشأة الإنسانية بخلق آدم وقصته مع إبليس ، لتركز علي أسباب عصيانه وغواية إبليس له بشهوة الملك والخلود ، فأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها . وتلقي من ربه كلمات فتاب عليه ، هداية من الله. ثم كانت إرادة الله أن يهبط إلي الأرض ، فإذا اتبع هو وذريته هدى الله فلاخوف عليهم ولاهم يحزنون .
و يقول القرطبي :" لما سمعوا لفظ خليفة فهموا أن في بني آدم من يفسد، إذ الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد ، لكن عمموا الحكم علي الجميع بالمعصية ، فبين الرب تعالي أن فيهم من يفسد ومن لايفسد ، فقال تطييبا لقلوبهم :إني أعلم 0. وحقق ذلك بأن علم آدم الأسماء ، وكشف لهم عن مكنون علمه ."[1]
وعلم الله آدم الأسماء كلها ، قال ابن عباس وقتاده ومجاهد: علمه اسم كل شئ من جميع المخلوقات ، دقيقها وجليلها ... وقال أكثر العلماء : علمه تعالي منافع كل شئ ولما يصلح .[2]وعن طريق هذه الأسماء يستطيع-وهو يتفكر في خلق السماوات والأرض، يتخاطب ويتفاهم-أن يدرك سر وجوده وغاية حياته ، وأن يعمر ويكتشف،وأن يغير ويختار.وبدونها لايمكن لإنسان أن يخرج عن بدائيته،ولاأن يتدبر ماحوله.
ثم إن هذا الإنسان - الذى خلق من قبضة من طين ونفخة من روح الله - يصل إلي القمة حين يستعلي علي غريزته ويكيف شهوته وفق غاية وجوده ، وعندئذ يفوق - باقتحامه الصعاب وبلزومه الطاعات - كل مخلوق من حوله . لذا حين علمت الملائكة حكمة الله من خلق الإنسان استغفرت له، ودعت الله أن يقيه السيئات.
وأمر الله الملائكة بالسجود لآدم ، يقول الجصاص : " وكانت تحيتهم السجود ، وليس يمتنع أن يكون ذلك السجود عبادة لله تعالي وتكرمة وتحية لآدم عليه السلام، وكذلك سجد إخوة يوسف عليهم السلام ، وأهله له، وذلك لأن العبادة لاتجوز لغير الله تعالي ، والتحية والتكرمة جائزتان لمن يستحق ضربا من التعظيم .... فأخبر إبليس أن امتناعه عن السجود لأجل ماكان من تفضيل الله تكرمته بأمره إياه بالسجود له ."[3]
وكان حقد إبليس علي آدم شديدا ، فوهب نفسه يضل بني آدم ويوسوس لهم، وخصوصا في نداء الحاجات المادية وإلحاحها . وكان في ذلك ابتلاء لبني آدم واختبار لهم يتحدد علي أساسه أن يكون اصطفاء الله لهم : مقربين يناجيهم ويناجونه، أو فشلهم فيكونون وقودا للنار مع الحجارة التي لاتعقل ، والحثالة من الكافرين .
وكان طريق الشيطان إلي آدم عن طريق إلهاب رغبته في الخلود والملك، ومنها حرضه علي معصية الله فأكل من الشجرة التي أمره الله ألا يقربها . وعصي آدم ربه فغوى . ثم تلقي كلمات من ربه فاعتر ف بظلمه واستغفر فتاب عليه ربه وهدى .
فوله تعالي: فتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه،
" الله عز وجل ثناؤه لقن آدم كلمات ، فتلقاهن آدم من ربه فقبلهن وعمل بهن ، وتاب بقلبه وعمله بهن إلي الله من خطيئته ، معترفا بذنبه ، متنصلا إلي ربه من خطيئته ، نادما علي ماسلف منه من خلاف أمره، فتاب الله عليه بقبوله الكلمات التي تلقاهن منه ، وندمه علي سالف الذنب منه...
قوله:فإما يأتينكم منكم هدى ، تأويلها : فإما يأتينكم يامعشر من أهبط إلي الأرض من سمائي ، وهو آدم وزوجه وإبليس .. بيان من أمرى وطاعتي، ورشاد سبيلي وديني ، فمن اتبعه منكم فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون ، وإن كان قد سلف منهم قبل ذلك إلي معصية وخلاف لأمرى وطاعتي، يعرفهم بذلك جل ثناؤه أنه التائب عليه من تاب إليه من ذنوبه ، والرحيم لمن أناب إليه ، كما وصف نفسه بقوله: ( إنه هو التواب الرحيم ) . "[4]
فهي حكمة الله أن يهبط بنوا آدم إلي الأرض ، ليختاروا بين الكفر والإيمان ، وبين الشرك والإسلام ، بين الاتباع والطاعة ، والمعصية والفساد ، بعد أن بين لهم الله الحق بالوحي وهداهم إليه . ثم يكون بعد ذلك الحساب ونتيجته الجزاء من الثواب أو العقاب .
وكان محل الابتلاء هو الدنيا، خلق الله للإنسان فيها من النعم مالا يحصي ولايعد ، وسخرها له وسيلة يؤدى بها رسالته ، لاغاية ينتهي إليها أمله. هذا التسخير كان من أجل الإنسان ، يتمتع به إذا أطاع الله ، ولكنه إذا صارت الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه ، يهيم بها في قلبه ، يعبدها من دون الله ، تعس وانتكس .
[1]القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، ج1 ص 235
[2]ابن عطية ، المحرر الوجيز ، ج 1 ض 234
[3]الجصاص، أحكام القرآن ، ج1 ص31-32
[4] الطبرى ، جامع البيان ، ج3 ص 283-285
تبدأ السورة بمقدمة تبين للناس أن طريق الهداية للإسلام سبيله القرآن ، الذى يوقن قارؤه من إعجازه أنه من عند الله . أنزله الله رحمة بالمؤمنين يبين له حقائق الغيب التي لايطيق إدراكها لمحدودية علمه وقدرته .
وتبين السورة الدليل علي الحق بآيتين بسطهما الله أمام عقول البشر :
1- آية كتاب الله المنظور ، التي يراها الإنسان في خلق السماوات والأرض ومابينهما ، وفي عبر التاريخ الإنساني.
والتحدى قائم فيها أن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له .
2- آية كتاب الله المقروء ، وهو القرآن ، ويتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله إن كانوا صادقين.
وللبشر أن يختاروا بين طريقين : طريق الهدى الذى يسير فيه المتقون ، وطريق الضلال الذى يسير فيه الكافرون والمنافقون . وعلي أساس هذا الاختيار يتحدد الحساب والجزاء في اليوم الآخر ، إما نعيم وإما عذاب .
ثم تأخذ السورة بأيدينا في رحلة التاريخ ، فتبدأ منذ النشأة الإنسانية بخلق آدم وقصته مع إبليس ، لتركز علي أسباب عصيانه وغواية إبليس له بشهوة الملك والخلود ، فأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها . وتلقي من ربه كلمات فتاب عليه ، هداية من الله. ثم كانت إرادة الله أن يهبط إلي الأرض ، فإذا اتبع هو وذريته هدى الله فلاخوف عليهم ولاهم يحزنون .
و يقول القرطبي :" لما سمعوا لفظ خليفة فهموا أن في بني آدم من يفسد، إذ الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد ، لكن عمموا الحكم علي الجميع بالمعصية ، فبين الرب تعالي أن فيهم من يفسد ومن لايفسد ، فقال تطييبا لقلوبهم :إني أعلم 0. وحقق ذلك بأن علم آدم الأسماء ، وكشف لهم عن مكنون علمه ."[1]
وعلم الله آدم الأسماء كلها ، قال ابن عباس وقتاده ومجاهد: علمه اسم كل شئ من جميع المخلوقات ، دقيقها وجليلها ... وقال أكثر العلماء : علمه تعالي منافع كل شئ ولما يصلح .[2]وعن طريق هذه الأسماء يستطيع-وهو يتفكر في خلق السماوات والأرض، يتخاطب ويتفاهم-أن يدرك سر وجوده وغاية حياته ، وأن يعمر ويكتشف،وأن يغير ويختار.وبدونها لايمكن لإنسان أن يخرج عن بدائيته،ولاأن يتدبر ماحوله.
ثم إن هذا الإنسان - الذى خلق من قبضة من طين ونفخة من روح الله - يصل إلي القمة حين يستعلي علي غريزته ويكيف شهوته وفق غاية وجوده ، وعندئذ يفوق - باقتحامه الصعاب وبلزومه الطاعات - كل مخلوق من حوله . لذا حين علمت الملائكة حكمة الله من خلق الإنسان استغفرت له، ودعت الله أن يقيه السيئات.
وأمر الله الملائكة بالسجود لآدم ، يقول الجصاص : " وكانت تحيتهم السجود ، وليس يمتنع أن يكون ذلك السجود عبادة لله تعالي وتكرمة وتحية لآدم عليه السلام، وكذلك سجد إخوة يوسف عليهم السلام ، وأهله له، وذلك لأن العبادة لاتجوز لغير الله تعالي ، والتحية والتكرمة جائزتان لمن يستحق ضربا من التعظيم .... فأخبر إبليس أن امتناعه عن السجود لأجل ماكان من تفضيل الله تكرمته بأمره إياه بالسجود له ."[3]
وكان حقد إبليس علي آدم شديدا ، فوهب نفسه يضل بني آدم ويوسوس لهم، وخصوصا في نداء الحاجات المادية وإلحاحها . وكان في ذلك ابتلاء لبني آدم واختبار لهم يتحدد علي أساسه أن يكون اصطفاء الله لهم : مقربين يناجيهم ويناجونه، أو فشلهم فيكونون وقودا للنار مع الحجارة التي لاتعقل ، والحثالة من الكافرين .
وكان طريق الشيطان إلي آدم عن طريق إلهاب رغبته في الخلود والملك، ومنها حرضه علي معصية الله فأكل من الشجرة التي أمره الله ألا يقربها . وعصي آدم ربه فغوى . ثم تلقي كلمات من ربه فاعتر ف بظلمه واستغفر فتاب عليه ربه وهدى .
فوله تعالي: فتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه،
" الله عز وجل ثناؤه لقن آدم كلمات ، فتلقاهن آدم من ربه فقبلهن وعمل بهن ، وتاب بقلبه وعمله بهن إلي الله من خطيئته ، معترفا بذنبه ، متنصلا إلي ربه من خطيئته ، نادما علي ماسلف منه من خلاف أمره، فتاب الله عليه بقبوله الكلمات التي تلقاهن منه ، وندمه علي سالف الذنب منه...
قوله:فإما يأتينكم منكم هدى ، تأويلها : فإما يأتينكم يامعشر من أهبط إلي الأرض من سمائي ، وهو آدم وزوجه وإبليس .. بيان من أمرى وطاعتي، ورشاد سبيلي وديني ، فمن اتبعه منكم فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون ، وإن كان قد سلف منهم قبل ذلك إلي معصية وخلاف لأمرى وطاعتي، يعرفهم بذلك جل ثناؤه أنه التائب عليه من تاب إليه من ذنوبه ، والرحيم لمن أناب إليه ، كما وصف نفسه بقوله: ( إنه هو التواب الرحيم ) . "[4]
فهي حكمة الله أن يهبط بنوا آدم إلي الأرض ، ليختاروا بين الكفر والإيمان ، وبين الشرك والإسلام ، بين الاتباع والطاعة ، والمعصية والفساد ، بعد أن بين لهم الله الحق بالوحي وهداهم إليه . ثم يكون بعد ذلك الحساب ونتيجته الجزاء من الثواب أو العقاب .
وكان محل الابتلاء هو الدنيا، خلق الله للإنسان فيها من النعم مالا يحصي ولايعد ، وسخرها له وسيلة يؤدى بها رسالته ، لاغاية ينتهي إليها أمله. هذا التسخير كان من أجل الإنسان ، يتمتع به إذا أطاع الله ، ولكنه إذا صارت الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه ، يهيم بها في قلبه ، يعبدها من دون الله ، تعس وانتكس .
[1]القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، ج1 ص 235
[2]ابن عطية ، المحرر الوجيز ، ج 1 ض 234
[3]الجصاص، أحكام القرآن ، ج1 ص31-32
[4] الطبرى ، جامع البيان ، ج3 ص 283-285
تعليق