الـسلام عليكم
منذ أن وُجــد الإنسان علـى البسيطـة و هو يكدح و يكـافح لذاته و غيره، فهـو عنصر يمـارس الكدح قسرا لتأمين معاشه و توفير الإمكانات المناسبـة لتحقيق قدر من الرخاء و الهنـاء، و هـو إذ يكدح يسلــك مسارات صعود و هبوط يلاحق كل صغيرة و كبيرة و يخوض أحيانـا معارك وعرة لإثبات قدرته علـى التحدي و انتزاع الحقوق عنوة، لكن كدحــه لا يُتــوّج دومـا بانتصار يريحـه بل قد لا تمكنه الظروف من تحقيق الحد الأدنـى من مطـالبه، إذ ترسلــه أوضاع الحياة الصعبـة إلـى حـالة انكسار تعيقه فتشل فيه إرادة النهوض و تذبل فيه شعلـة التحدي و التصدي .
الإنسـان الكـادح –خصوصـا في دويلات الظلم و الجبر- يعيش عـالمـا متوترا تعكر مزاجـه مـا يشهده من بؤس مـادي سحيق و فراغ روحي غـائر و مشكلات لا تنتهــي و نزاعـات متكاثرة، فكدحـه صار موصولا بالعلاقات الأفقية منهـا تتغذى شتـى ألـوان المشكلات و فيهــا تغرق التخمينـات ، كدحــه لازال مسجونـا بواقع سلطة الأمـر الواقع و نفسياتـه لازالت تتحرك طبقــا لكدحــه، من هــؤلاء من التهمــه الكدح بحذافيره فمـا عـادَ تسمــع منــه إلا صراخـا أليمـا أو أنينـا صامتـا، و منهم من لازال يقارع و يُعـارِك فـلا تحس منه إلا تذمـرا و تسمرا .
الإنـسان الكادح في الدولـة الظالمة يظل كـآلـة يشتغـل باستمـرار و يفــتـقر لكل سيء يفيده ، لا يتوقف عن البحث في أصول الراحـة، فهو "كفراشـة" يــقفـز من مكـان لمكـان، إنْ كفتــهُ موارده اليومية قام ليفكـر في الزوائد و إنْ أعوزتـه الأحـوال ثـارَ ليفكر في الفوائد، و لا يهدأ لـه بال حتـى يجد كـل شيء علـى الموائد. اشتعـالُ هـذا الإنسان بحـاجات الأيام قد يوقعـه أحيانـا في انكسار نفسي رهيب يُغــير حـالته من جحيم لجحيم فيتردى طريحـا لوضعه و يزداد الأمـر تعقيدا لحينـه، كــدح أرضيٌّ أرضي يُرسـلُ الإنسان إلــى ضياع نفسي حـاد و يُسبب لــه تأزمـات و يحولـه إلـى "كـائن" باحث بلا انقطاع، يتسلسل الكدح و يشتد ضغطـه و لا يزال الكـادح يجاري، تقسو الظروف و تسوء و لا يزال الكادح يُبـاري: سنة الله في خلقـه . لكن ...!
لكنّ سنـة الله في كونــه و خلقـه لا ينبغــي البتة أن تنسي المخلصين أفعـالَ الظـالمين الذين يكتنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونهـا ، لا ينبغــي لهــا أن تنسيهم إهـدار الأمـوال الهـائلـة في المـلاهـي و احتكـار الثروات الطبيعية و إغراق البلدان بالمفاسـد الأخـلاقية و الشكليات ال****ـة ، لا ينبغــي لهـا أن تغض الطرف عن قارونـات العـصر كيف تُقـامـر بالمـلايين و تلعــب بكرامـات النـاس و تستغل عرق أعمـالهم مقابل دنـانير هزيلـة...فالكدح المدفوع بحـالات الإفقـار و البؤس الفاحش ليس هـو الكدح المدفوع بحـالات الحد الأدنــى من الرخـاء و الاستقرار الاقتصادي البتة .
الأهــم من هـذا كله أن الكدح لا يجب أن يعمــي عنــا كدحنــا الحقيقــي إلــى الله جل عـلاه، فهـو كدح أرضــي سمـائي ينطــلق من الأرض ليعانق السمـاء، و لا يتحرك من الأرض ليعود إليه كمـا يفعـل المـاديون ، فهـذا الإنسان كـادح إلــى ربه فـمـلاقيـه، و كدحــه إلــى الله لا يتم إلا عبر قنوات أرضيـة كؤودة تحتـاج منه اقتحـام العقبات و الاستعداد لتحمـل كل المتـاعب لأجـل الفوز بلقائه، فهـو كدح يشتـرط المرور بكل الأفعـال الأرضية الحسنـة و التواصي بالحق و الصبر و بنـاء العـلاقات و الدخـول في تدافعـات و البحث عن مصادر الرزق و مقارعـة الظـالمين..دون أن يقطع صـاحبـه رابطـته بالله تعـالـى ، فمـلاقاة الله تعـالى غـايـة إيمانية و الكدح الأرضي مسلــك استخـلافي غرضـه تحصيل التمكين، و فصـل المسلك عن الغـايـة يوقِــع حتمـا في المفهـوم المـادي للكدح و يحصره في البواعث المـادية حصرا .
يتميز الكدح الإيماني عن الكدح المـادي بكون الأول يتحرك ضمـن مجـال يوقنُ صـاحبه برقـابـة الله عليه، فهــو سعـي لربــط العمـل ربطـا إيمانيا و إنسانيا بحيث يدفعــه إلـى إخـلاص النية لله قبل العباد فينبثق عنـه سلوك متزن يؤدي إلــى الإتقان، فالكدح هنــا لا يُــجري معـادلات النظر في مراقبـة النـاس لـه و لا يجتهـد اجتهـاد من يريد رضــى رب العمل، بل يعتبر ذلك كلــه استشعارات لا فائدة منهــا إذا لــم تكن الغـاية موصولــة بالله تعـالـى ، و حتــى لا يَـفهــم البعض من هـذا الطرح كونـه عنصـرا استسلاميا يعـالج قضيــة العــلاقـة بين "الطبقات" من منظور غيبي بحيث قد يــرى المـاديون فيه هروبــا من سلـطة رب العمل الاستغلالية فإننــا نسارع بالقول بأن الكدح الإيمـاني كدح يمــر عبر بوابــة العـلاقات الأفقية و العمودية بين بني البشر ، فهـو كدح يتوســل كل ضروب أدوات الذود عن الحقوق المهضومـة و يخوض في سبيلهــا كل أشكـال المدافعـات التي تمكنـه من انتـزاع حقوقــه،من هـذا الجـانب لا يختلف عن الكدح المـادي لكنه يتجاوزه من زاويــة ربط الوسيلـة بالغـايـة و يضيف إليه ضمـانـات تُحــصّـن الكـادح من الوقوع في مطبات الغش و محطــات النفاق .
أمــا عن الكدح المـادي المفصـول عن الوِجهــة فقد صـارَ علـى ألسن المـاديين أشبــه بحلـبة صراع دائمة يكدح فيهـا الإنسان كشخص مُستــغَل و يسعـى جـاهدا للتأسيس لمشروع النفي و النفي المضاد، و حينمـا يصير هـذا المُستغَل رب عمل فيتحكم برقاب العـاملين لا يجد غضاضة في نهش أرزاقهم و استغلال عَرقهم فيتحول من مستغَل إلــى مستغِل ، إنسان لـم تنفعــه تحسن مستوياته المـادية الآمنة في التعـامل مع الآخرين بالعدل .
الكدح المـادي عندمـا يتحرك ضمن مطـالب أرضية بحتة و يختزل هدفه في تحقيق الحد الأدنـى من الطمأنينـة فهـو كدح لا يمكن لـه في الغالب أن يُثمــر العـلاقات العـادلة مـادامت النزعــة القارونية في الإنسان تكيد به من كل الجوانب، فمـا لــم يتم تأطير هـذا الكدح بالغـاية الإيمانية فعـلا و ممـارسة فسيظل يقفز بين انتصار و انكسار ، بل سيظل محرومـا من أعظم غـاية في الوجود و هـي مـلاقاة الله جل و عــلا .
منذ أن وُجــد الإنسان علـى البسيطـة و هو يكدح و يكـافح لذاته و غيره، فهـو عنصر يمـارس الكدح قسرا لتأمين معاشه و توفير الإمكانات المناسبـة لتحقيق قدر من الرخاء و الهنـاء، و هـو إذ يكدح يسلــك مسارات صعود و هبوط يلاحق كل صغيرة و كبيرة و يخوض أحيانـا معارك وعرة لإثبات قدرته علـى التحدي و انتزاع الحقوق عنوة، لكن كدحــه لا يُتــوّج دومـا بانتصار يريحـه بل قد لا تمكنه الظروف من تحقيق الحد الأدنـى من مطـالبه، إذ ترسلــه أوضاع الحياة الصعبـة إلـى حـالة انكسار تعيقه فتشل فيه إرادة النهوض و تذبل فيه شعلـة التحدي و التصدي .
الإنسـان الكـادح –خصوصـا في دويلات الظلم و الجبر- يعيش عـالمـا متوترا تعكر مزاجـه مـا يشهده من بؤس مـادي سحيق و فراغ روحي غـائر و مشكلات لا تنتهــي و نزاعـات متكاثرة، فكدحـه صار موصولا بالعلاقات الأفقية منهـا تتغذى شتـى ألـوان المشكلات و فيهــا تغرق التخمينـات ، كدحــه لازال مسجونـا بواقع سلطة الأمـر الواقع و نفسياتـه لازالت تتحرك طبقــا لكدحــه، من هــؤلاء من التهمــه الكدح بحذافيره فمـا عـادَ تسمــع منــه إلا صراخـا أليمـا أو أنينـا صامتـا، و منهم من لازال يقارع و يُعـارِك فـلا تحس منه إلا تذمـرا و تسمرا .
الإنـسان الكادح في الدولـة الظالمة يظل كـآلـة يشتغـل باستمـرار و يفــتـقر لكل سيء يفيده ، لا يتوقف عن البحث في أصول الراحـة، فهو "كفراشـة" يــقفـز من مكـان لمكـان، إنْ كفتــهُ موارده اليومية قام ليفكـر في الزوائد و إنْ أعوزتـه الأحـوال ثـارَ ليفكر في الفوائد، و لا يهدأ لـه بال حتـى يجد كـل شيء علـى الموائد. اشتعـالُ هـذا الإنسان بحـاجات الأيام قد يوقعـه أحيانـا في انكسار نفسي رهيب يُغــير حـالته من جحيم لجحيم فيتردى طريحـا لوضعه و يزداد الأمـر تعقيدا لحينـه، كــدح أرضيٌّ أرضي يُرسـلُ الإنسان إلــى ضياع نفسي حـاد و يُسبب لــه تأزمـات و يحولـه إلـى "كـائن" باحث بلا انقطاع، يتسلسل الكدح و يشتد ضغطـه و لا يزال الكـادح يجاري، تقسو الظروف و تسوء و لا يزال الكادح يُبـاري: سنة الله في خلقـه . لكن ...!
لكنّ سنـة الله في كونــه و خلقـه لا ينبغــي البتة أن تنسي المخلصين أفعـالَ الظـالمين الذين يكتنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونهـا ، لا ينبغــي لهــا أن تنسيهم إهـدار الأمـوال الهـائلـة في المـلاهـي و احتكـار الثروات الطبيعية و إغراق البلدان بالمفاسـد الأخـلاقية و الشكليات ال****ـة ، لا ينبغــي لهـا أن تغض الطرف عن قارونـات العـصر كيف تُقـامـر بالمـلايين و تلعــب بكرامـات النـاس و تستغل عرق أعمـالهم مقابل دنـانير هزيلـة...فالكدح المدفوع بحـالات الإفقـار و البؤس الفاحش ليس هـو الكدح المدفوع بحـالات الحد الأدنــى من الرخـاء و الاستقرار الاقتصادي البتة .
الأهــم من هـذا كله أن الكدح لا يجب أن يعمــي عنــا كدحنــا الحقيقــي إلــى الله جل عـلاه، فهـو كدح أرضــي سمـائي ينطــلق من الأرض ليعانق السمـاء، و لا يتحرك من الأرض ليعود إليه كمـا يفعـل المـاديون ، فهـذا الإنسان كـادح إلــى ربه فـمـلاقيـه، و كدحــه إلــى الله لا يتم إلا عبر قنوات أرضيـة كؤودة تحتـاج منه اقتحـام العقبات و الاستعداد لتحمـل كل المتـاعب لأجـل الفوز بلقائه، فهـو كدح يشتـرط المرور بكل الأفعـال الأرضية الحسنـة و التواصي بالحق و الصبر و بنـاء العـلاقات و الدخـول في تدافعـات و البحث عن مصادر الرزق و مقارعـة الظـالمين..دون أن يقطع صـاحبـه رابطـته بالله تعـالـى ، فمـلاقاة الله تعـالى غـايـة إيمانية و الكدح الأرضي مسلــك استخـلافي غرضـه تحصيل التمكين، و فصـل المسلك عن الغـايـة يوقِــع حتمـا في المفهـوم المـادي للكدح و يحصره في البواعث المـادية حصرا .
يتميز الكدح الإيماني عن الكدح المـادي بكون الأول يتحرك ضمـن مجـال يوقنُ صـاحبه برقـابـة الله عليه، فهــو سعـي لربــط العمـل ربطـا إيمانيا و إنسانيا بحيث يدفعــه إلـى إخـلاص النية لله قبل العباد فينبثق عنـه سلوك متزن يؤدي إلــى الإتقان، فالكدح هنــا لا يُــجري معـادلات النظر في مراقبـة النـاس لـه و لا يجتهـد اجتهـاد من يريد رضــى رب العمل، بل يعتبر ذلك كلــه استشعارات لا فائدة منهــا إذا لــم تكن الغـاية موصولــة بالله تعـالـى ، و حتــى لا يَـفهــم البعض من هـذا الطرح كونـه عنصـرا استسلاميا يعـالج قضيــة العــلاقـة بين "الطبقات" من منظور غيبي بحيث قد يــرى المـاديون فيه هروبــا من سلـطة رب العمل الاستغلالية فإننــا نسارع بالقول بأن الكدح الإيمـاني كدح يمــر عبر بوابــة العـلاقات الأفقية و العمودية بين بني البشر ، فهـو كدح يتوســل كل ضروب أدوات الذود عن الحقوق المهضومـة و يخوض في سبيلهــا كل أشكـال المدافعـات التي تمكنـه من انتـزاع حقوقــه،من هـذا الجـانب لا يختلف عن الكدح المـادي لكنه يتجاوزه من زاويــة ربط الوسيلـة بالغـايـة و يضيف إليه ضمـانـات تُحــصّـن الكـادح من الوقوع في مطبات الغش و محطــات النفاق .
أمــا عن الكدح المـادي المفصـول عن الوِجهــة فقد صـارَ علـى ألسن المـاديين أشبــه بحلـبة صراع دائمة يكدح فيهـا الإنسان كشخص مُستــغَل و يسعـى جـاهدا للتأسيس لمشروع النفي و النفي المضاد، و حينمـا يصير هـذا المُستغَل رب عمل فيتحكم برقاب العـاملين لا يجد غضاضة في نهش أرزاقهم و استغلال عَرقهم فيتحول من مستغَل إلــى مستغِل ، إنسان لـم تنفعــه تحسن مستوياته المـادية الآمنة في التعـامل مع الآخرين بالعدل .
الكدح المـادي عندمـا يتحرك ضمن مطـالب أرضية بحتة و يختزل هدفه في تحقيق الحد الأدنـى من الطمأنينـة فهـو كدح لا يمكن لـه في الغالب أن يُثمــر العـلاقات العـادلة مـادامت النزعــة القارونية في الإنسان تكيد به من كل الجوانب، فمـا لــم يتم تأطير هـذا الكدح بالغـاية الإيمانية فعـلا و ممـارسة فسيظل يقفز بين انتصار و انكسار ، بل سيظل محرومـا من أعظم غـاية في الوجود و هـي مـلاقاة الله جل و عــلا .