اللائكية و المثقف ج 2

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الطلحاوي الإسلام اكتشف المزيد حول الطلحاوي
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الطلحاوي
    2- عضو مشارك

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 30 مار, 2013
    • 119
    • أستـاذ
    • الإسلام

    اللائكية و المثقف ج 2




    لــو نفــذنا إلــى عقل المثقف اللائكــي لوجدنــاه يتصــور المشروع الحضاري عبارة عن عملية التقاطــية يــحاول فيه إدمــاج بعض مكونات الذات الحضارية بالمشروع التحديثي المفصول عن المجال التداولي ، فــهو عــقل لازال يــحلم بالنــهوض العربي و الإســلامي علــى النــمط الغربي الثائــر علــى الدين و الفكر الديني و لازال يمارس تهــجينــا غريبا و عجيبا يجمــع بين الفلسفــة الإفرنجية في ميدان الإقصاء للدين و بين انتحال عناوين مستوحاة من الذات تُــوهِــــم بمشروع جديد يقطــع مع الاستبداد و حكم القهر و السيف ، و الــواقع في نظرنا أن ثــمة تـــناد قطعي بين الدعــوات المتغربة للمثقفين اللائكين في مقاربتــهم لطبيعة المشروع الحضاري و بين حقيقة البــناء الحضاري الذي أصــله الإسلاميون و حــددوا لــه خصوصياتــه التي ينفــرد به ( يُــنظــر كتابات محمد عمارة و سليم العوا و كمال أبو المجد و الشيخ عبد السلام ياسين و القرضاوي و البوطي و المسيري رحمه الله ....)، و يــعود الفضل في كــشف و تجديد النظر الحضاري إلــى مجهــودات الإسلاميين الذين تصــدوا لعمليات المســخ الفكــري و التــشوه الثقافي الذي طــبع العقل اللائكي في عقــدتــه المستــديمة مع الدين . عــلى أن اللائكــي المثقف و إن كــان يدَّعــي في أكثــر من مــرة حياده و عدم اعتــراضه على الدين كرسالــة روحية فإنــه مــا فتئ يخــلط و يتخبط في التحليل و يستــعير منــاهــج دهرية تختــزل الدين في الشــعائر التــعبدية و تصرف عنــه القيم السياسية و الاجتماعية ، و قــد أصبــح الآن واضحا لكل ذي عينين العداء الســافر الذي يستبطــنه المثقف اللائكي متستــرا تحت خُـــدع الحياد و تنزيه الدين و حفظه من المنازعات و المصالح الذاتية ، كــلمة حق يُــراد بها باطــل ، فمتــى يدرك المثقف اللائكي أرضــه و يحــل عقدتــه مــع الدين و يعود إلــى الإســلام في مرجعيته العليا ينــهلُ منه و يجدد به لا أن يجدده . أستــغــفر الله من حِــــبــر جــاف لا يرقق القلــب

    انســـجامــا مــع نــغمــة اللائكية و هيجــان المثقف نحو قولبــة قيمــها في واقع المعــطى الإســلامي نُــلاحــظ جلــيا هــوَسا شــديدا و تخــبطا في تــحليل المثقف للمــشاكــل التــي أفــرزتــها أصــلا نظام الــجبر اللائكي ، فــهــو يبــدأ نقاشــه السياسي و التحليل الفلسفي بطــرح أبــجديــات اللائكية و مسارهــا الطويل و يستــعرض محاسنــها في عيون عشاق أوهــامهــا عبر محاكاة آلــية و إسقاطات تنافــي " العقل الناقد " لينتــهي إلــى ضرورة " الأنســنة " و تجذيــر التربية اللائكية في أنماط التفكــير لحل الإشكالات البنيوية و التمزقات السياسية و إحــلال ثقافــة المساواة و احتــرام الآخــر و تبنــي تعددية في كل شيء ... لا فــائدة من اجتــرار لــغة أصبحت مبتــذلة و عديمــة التأثــير في " العقل الجمعي " للأمــة تُــسَــوّقُ للاستهــلاك الإعلامي و الحفــظ البــلاغي أكــثر مما تُــعبِّــر عن تــأصيل دقيق و شرح موضوعي لواقــع الارتــهان السياسي و الاقتصادي و الاجتمــاعي ، لــقد عــوَّدتــنا الكتابات اللائكــية أسلــوبا واحــدا مُــغلــقا علــى نفــسه منطوٍ علــى نظامــه اللغوي المُــنــتَــحَل لفظا و معنــا من اللائكية/ الأم حــتى ليحِــسُّ القارئ المحتــرم و هو يقرأ لمثقف لائكي " مُــزوَّر" أنــه يقرأ لدهــريٍّ خاض تجربــة مريرة مع الدين ، يُــعــصِّــرُ مُخــه و يلــوي لغتــه الهــجينــة بمصطلحات يحسبُ أنــه قد جــدَّدَ في الفكــر العالمي و أتــى بنظريات ثاقبــة و مــا هي إلا تقليديات جافــة تُــعبِّــر عن أحـد أوجه الأزمــة الفكرية لدى مثقفينــا .

    قــد نستــثني من هــذا التكلف و الانتحال التحليلي بعض أقطاب الفكر الدهري الذين احتفظوا باللغة التداولية لكنهم سقطـوا في فــخ المضمون الفلسفي لللائكية و أصبحوا ذيولا تُــبَّــع للقيم الغربية التي اعتنقــت الدنــيا و طــلَّقــت الآخرة طلاقا بائنــا : من هــؤلاء طــه حسين قبل أن يــعود إلــى رشــده و يتصــالح مع دينه و عقــله و حضارتــه ( و نــحن نجد ردود عميد الأدب مصطفى صادق الرافعي خصوصا في كتابه الموسوم ب"تحت راية القرآن " نموذجــا فريدا للمثقف الناقد الأصيل ) و أيــضا مــحمد سعيد العشمــاوي الذي احتفظ باللغة التداولية و انســاق مع نزعات الفكــر الدهــري في علاقتــه بالدين ( و نحن نجد ردود المجدد محمد عمارة أبرز مثقف تداولي – بمفهوم طه عبد الرحمان - تصدى لتشوهات و مغالطات العشماوي التي سطرها في كتبه كَ " جوهر الإسلام " و " العقل في الإسلام " ، و يظــهر بشكل جلي قدرة المثقف المستنير محمد عمارة في كتابه " سقوط الغلو العلماني " علــى نقد التقليد اللائكي و كشف أوهامه الداخلية ) ، و منهــم أيضا فرج فــودة الذي أبــدع في اللغة و خانتــه القضية و أصبــح رمــزا للفكــر الدهــري يسمونــه الدهرييون بشهيد الفكــر، و لــو كانت الشهادة تُــنالُ بالبحوث الملفقة و التيه التاريخي و عدم التخصص لــكان كل من هب و دب شهيدا يَكذِب و يُــزوِّر فيُــحسبُ شهيدا ! مـا أروعه . و لــستُ بحاجــة إلــى سرد كتب الردود حول افتراءاته التاريخية و منهــجه العليل في التحليل ، و لمن أراد فليراجع " ما قبل السقوط و سقوط صاحبه" ل عبد المجيد صبحي و كتاب المفكر الوازن منير شفيق في " بين النهوض و السقوط " ... و للقارئ الكلمة.

    إذا استثنينا تلك الوجوه المحدودة التي حاولت اللعب بالكلمة و دغدغة العواطف فإنــنا لا نكــاد نجــدُ إلا شرودا غــائرا و تباعــدا سحيقا في اللغة التداولية و التحليل المنطقي لقضايا العصر من قِــبَلِ من نصبوا أنفسهــم مثقفين طوَّحُــوا الكلمة الأصيلة و غــرَّبُــوا البــلاغة و شردوا الفصاحــة و غــردوا خارج السرب ، مثقفون يعجنون الكلمات و يطرحون قماماتها في كتب جافة لا تــسرُّ الناظرين البتة ، و لمــن أراد الاستيقان فليقرأ كتب محمــد أركون و كمال عبد اللطيف و عزيز العظمــة و ورج طرابيشي و جمال البنا و علي حرب و نصر حامد أبو زيــد ... كتب أصحابها طارت شهــرة لكنــها لم تحصد إلا التيهان الفكري و التمزق المرجعي و تشجيع قيم الســفور و الانحــلال ، و لا يفــتـنِـنَــنَّ أحــد بخــطاب المثقفين المُــؤليَكــين فــينــبري جــهلا بخلفياتهم لينتصــبَ شاهــرا بأســـلحة متصــدئــة ليدعــونـا إلــى التعددية و قبــول تأويلات الغير حول الدين و التاريخ و الحضارة ، فتحت عنــاوين الحريات الفكــرية تنــبتُ معيقــات الوحــدة المرجــعية و تــفــتتُ أسباب النــهوض الإسلامي بأوضاع المجتمعات المتعفــنة بحالات البؤس الأخــلاقي و الفســاد الاستبدادي و الانــحطاط الاقتــصادي ، و بكلــمة ، فتحت دعاوى " العقلية التقليدية المؤليكــة " عــوامل الانــهيار.

    لـــــكن مــما يُــبــهــرُ العقل و يصرفــه عن حــدود التحليل الحق أن اللائكيين و هــم يمضغـون ادعاءات اتهام الإسلاميين التداوليين بالماضويــة و التــقليد و الأصوليــة و عدم استخدام العقل النــقدي على ضوء التحولات المعاصرة في الحضارة لا يــأبهـون لمنــطوق تقليدهــم الجاف و انحناءهم التعبدي لشيوخ " النهضة و التنوير" و جريان المحاكاة المبتَــسرَة بشكل يــوحي كما لو أنهــم آليات نــاطقة لا تحســن إلا الترديد و نحت المفاهــيم و تطويــل الإطنابات المعرفية و انتــحال العنــاوين السياسية و التــخفي وراء " الإسلام المعتدل " و " الحوار " و " قيم التعددية " ، يمــارسون التــقليد التغريبي في أعــلى منسوبــه و يطالبون الآخرين الكف عن التقليد ! و أيُّ تقليد أنجى و أسلم ؟ أن تلازمَ العقل الغربي الشارد و المفصول عن ذاكرتــه الدينية أم تُــحاكي من ينتمي إلــي ذات الحضارة و تحرَّك في إطــارها ؟ قــال الحبيب المصطفــى عليه الــسلام: (( لتبعن سنة من كان قبلكم، باعا بباع، وذراعا بذراع، وشبرا بشبر، حتى لو دخلوا في جحر ضب، لدخلتم فيه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال :فمن، إذا؟)). هــذا مــا يُــلــخِّــصُ أزمــة المثقف اللائكــي في عقدتــهِ المستديمــة مع الدين و يحدد لــنا جُــلّ الصراعات الإيديولوجية التي تشهــدها الســاحة الفكرية خصوصا في شقــها السياسي .

    عــلى أن اللائكــي و هــو يحسبُ نـفسـه مجددا و مؤرخــا و عالم سياسة مدنية لا يكــاد يــرى في غــيره غير" الظــلامية " و " الرجعية " و العودة للمــاضي و" النصوصية " ، فــهو الحَــكــمُ و القــاضي و المعيار انطــلاقا مما استهــلكــه من ألفاظ و مــعان مؤَدلجة ، و نــحن نرصــد في كثير من الوقائع كيف يمارس العقل اللائكــي أسلوب الابتزاز و التكفير الثقافي بعيدا عن ما يتبجــحُ به من مبادئ قبول الآخــر و تعددية الأفكــار، فعــلى سبيل المـثال نتــذكــر كيف أجــمعَ المثقفون اللائكيون في مصر علــى سحب وصف " المثقف " على المفكــر المستنير عادل حسين إبــان قومــته الشجاعــة علــى الإيديولوجية الماركسية و عودته عن اعتناق التحليل المادي الدهري للتاريخ و الحضارة ليجــد رحابة الإسلام و منطقــه البديع أوسع و أحكم من أن تهزهــا افتراءات فلول الماركسية و أطفال الفكر الليبرالي المتوحش ، حينــما اختـار هذا الفارس انحيازه إلــى رؤية الإسلام في قضايا السياسة و الاقتصــاد و الاجتــماع تحرك اللائكيون في اتجاه اغتيال الثقافة و أبــوا إلا كشف عن أحد أوجــه اللائكية المتسربلة تحت عناوين الحرية و قبول الآخرين ، لعــلها عُــقدة لازمت هــذا العقل و تحكمت في الذهنية الدهرية لتنعكس علــى مواضيع الزمن المعاصر في دنيا الفكر و السياسة و الاقتصاد ، يقول محمود سلطــان في هــذا الشأن : ( عندمــا أعرض أمين عــام حزب العمل المصري المعارض الكاتب الصحفي الراحل عادل حسين عن الماركسية و اتجـه نحو تبني وجهة النظر الإسلامية في الفكر و الاقتصاد و السياسة كــان من المفترض أن يحترم دعــاة التنوير في مصر رغبة حسين و اختياره، نزولا علــى إعــلاء قيم حرية الاعتقاد ، التي يدَّعي التنويريون أنهم الحرس التقليدي لها ، غير أن إحــدى المجلات المصرية الأسبوعية و الناطقة بلسان حال التنوير و التقدمية في مصر قررت طرد حسين من جنة الاستنارة ، إذ دأبَ صحفيو المجلة و كتابها على أن يطلقوا عليه لقب " مثقف سابــق " ) ( يُــنظر المنار الجديد ، 14 ربيع 2001 ص 86 ).

    لا أدرِ لِــمَ لا يستــفيد اللائكيون من الذين كانوا ينافحــون عن شريعة اللائكية و كــرّسوا أعــمارهم لتثبيت جذور هذه النبتــة الغربية ، لا أدرِ لُــمَ تأخذهــم العنجهية الفارغة و تحكمــهم الأهــواء كلمــا أُشير إليهــم بنماذج المراجِعون عن قيم الأليكة و شواهــد من انخدعــوا ببريقها السَّـرابي ، فبدل أن يلتــزمــوا بمنطق العقل النقدي الذي يــدَّعون امتلاكــه في التحليل المنهــجي و يبصروا خواتــم معظــم اللائكيين في شأن العلاقة بين الدين و الدولة تــجدهــم يــستأنفون طريق ارتكاب الأخطاء القاتلــة و يجــترون معهــم أسباب الشقاق الإيديولوجي . سبحان الله ! عِــناد في عنــاد ، و لا يستدركن أحد بالاحتجاج علينا بــكون هذا دليل على انفلات اللائكيون من أســر التقليد و بينة الاستقلال العقلي عن اجتــهادات الآخرين ، فالعقــلاء من البشــر تُــهذبهــم التجارب و تردعــهم تكرار الظواهــر و تدفعهــم إلى استنباط الحكم و العِــبر لا إلـى مزيد من التعنت الفكري و التسربل وراء حرية الرأي و تعدد الاجتهادات، و الحــال أن اللائكيين في مجملهــم ممن كانوا علــى قدر كبير من المطالعة السياسية و الفكرية عــادوا إلــى أصول الفكرة الإسلامية ليجعلوهــا العنوان الوحيد القادر عــلى التصدي و مواجــهة التحديات التي أفرزتــها أنظمــة الجبر اللائكيــة من اختلالات بنيويــة طــالت كــل حقول الأنشطــة الفكرية و الاجتــماعية و السياسية و الاقتصادية . نقولــها بصوت مرتفع لأننا لا نــرى بديلا عن الذات و لسنا بحاجة إلى عسكر الغير كما لسنا بحاجة إلى ثقافة الغير . و قــد نــعود في مــقال آخــر لبيان بعض التفاصيل في هــذا الشأن بحول الله و آخــر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


    الملفات المرفقة

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة Islam soldier, 6 يون, 2022, 01:23 م
ردود 0
211 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Islam soldier
بواسطة Islam soldier
ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:22 ص
ردود 0
42 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Islam soldier
بواسطة Islam soldier
ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:20 ص
ردود 0
61 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Islam soldier
بواسطة Islam soldier
ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 07:41 م
ردود 0
98 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة عادل خراط
بواسطة عادل خراط
ابتدأ بواسطة Ibrahim Balkhair, 4 سبت, 2020, 05:14 م
ردود 3
113 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة Ibrahim Balkhair
بواسطة Ibrahim Balkhair
يعمل...