الشبْهَةُ الأولى
بسْمِ اللهِ الرحمَنِ الرحيمِ
يَقولُ Thunder
أوَّلُ خُطوَةٍ في الردِّ على المُلحدينَ هِيَ فهْمُ كلامِهِم - الأمْرُ غيرُ المُحبَّبِ كما ترون -.
وَلِفَهْمِ كلامِهِم يَجبُ تفكيكُهُ وَتحليلُهُ وَإعادَةُ صياغَتِهِ بلغَةٍ قريبَةٍ مِنْ لغاتِ البَشرِ - الشيء المُقزِّزُ كما تعلمون -.
مَا الذي يَعنيهِ المُلحدونَ بـقولِهِم "هَلْ يَستطيعُ اللهُ أنْ يَخلقَ إلهًا أقوى مِنْهُ" ؟ وَبقولِهِم "هَلْ يَستطيعُ اللهُ أنْ يَخلقَ صخرَة لا يَستطيعُ كسْرَها" ؟
يَقولُ Thunder "فالاله الجديد ليس الها لأنه مخلوق" فهَذِهِ واحِدَةٌ.
ثمَّ إنَّ الصخرَة في المَعْرِفةِ الإنْسانيَّةِ هِيَ في أبْسطِ مَعانيها تشكيلٌ مِنَ المادَّةِ، أي المادَّةِ المَعروفَةِ في عالمنا، وَهَذِهِ المادَّةُ خاضِعَةٌ للقدْرَةِ الإلهيَّةِ مَحكومَةٌ بها، بلْ إنَّها خاضِعَةٌ لقوانينِ المادَّةِ التي تشكَّلتْ مِنْها.
فالمُلحِدونَ إذًا يُريدونَ مِنَ اللهِ تعالى أنْ يَخلقَ إلها ليسَ بإلهٍ.
وَيريدونَ مِنَ اللهِ تعالى أنْ يَخلقَ صخْرَةً ليسَتْ بصَخْرَةٍ.
ما الذي يَعنيهِ هَذا ؟
إذا انتَقلنا مِنَ التطبيقِ إلى النظريَّةِ التي تحْكمُ جميعَ التطبيقاتِ المُتشابهَةِ فيُمكِنُنا أنْ نصوغَ عِباراتِ الملاحِدَةِ في هَذِهِ العِبارَةِ:
* هَلْ يَقدِرُ اللهُ أنْ يَخلقَ شيئا ليسَ بشيء ؟
فالمَخلوقُ ليسَ إلهًا وليسَ صخْرَةً، فلو خلقَهُ اللهُ وَقالَ هَذا إلهٌ أو صخرَةٌ لقلنا الإلهُ عدَمٌ وَالصخرَةُ عَدَمٌ هَذا شيء لا هوَ بإلهٍ وَلا بصخْرَةٍ.
فنرى أنَّ المُلحدينَ في الحَقيقةِ يسألونَ:
* هَلْ يَقدِرُ اللهُ أنْ يَخلقَ عَدَمًا ؟
وَإذا عَلِمْنا أنَّ الخلقَ هوَ الإيجادُ مِنْ عَدَمٍ، فيَكونُ مَعنى سؤالِهِم:
* هَلْ يَقدِرُ اللهُ أنْ يوجِدَ العَدَمَ عَدَمًا ؟
نقولُ لهؤلاءِ الأصاغِرِ البُله:
هَذا عَبَثٌ، وَاللهُ تعالى لا يَعبَثُ.
اللهُ تعالى قادِرٌ على ألّا يَعْبَثَ أبدا.
فاللهُ تعالى قادِرٌ على ألّا يَخلقَ إلها أبدا.
وَاللهُ تعالى قادِرٌ على ألّا يَخلقَ صخرَةً لا يَستطيعُ كسْرَها أبدا.
فإنَّ إيجادَ العَدَمِ عَدمٌ لا يُضيفُ للمَعدومِ وجودًا وَلا يَرْفَعُ عَنهُ عدمًا.
نقولُ لهُم: اللهُ تعالى قادِرٌ على ألا يَلحَقَهُ هَذا النقْصُ أبدا.
ثمَّ نقولُ لهُم: تَبًّا لكُم مِنْ بُلهٍ.
يَزعمون أنَّ لهُمْ عُقولا كَسائرِ البشرِ، بلْ وَيعيبون على البشرِ عدَم عقلانيَّتِهِم، وَهُم إذا تكلَّموا بالوا كلاما وَتغوَّطوا أفكارا لكأنَّها تَخرجُ مِنْ أنبوبِ صرْفٍ لا مِنْ فمِ بشرٍ !!
ثمَّ لنقُمْ بمَزيدِ تحليلٍ
هُمْ يَسألونَ عَنْ القُدْرَةِ، فنسألهُم:
هَلْ ما تسألونَ عَنْهُ قُدْرَةٌ أمْ عَجْزٌ ؟
هَل انتِقالُ اللهِ تعالى مِنْ حالِهِ الذي نَعلمُهُ إلى حالٍ آخرَ يكونُ فيها أضعَفَ مِنْ إلهٍ أقوى مِنهُ فيكونُ مَحكوما بقوَّةِ هَذا "الإلهِ المَخلوقِ" خاضعا لهُ - وَحاشاهُ ربِّي -.
أو انتقالُ اللهِ تعالى مِنْ حالِ القدْرَةِ على كلِّ شيء إلى العَجزِ عَنْ إنْفاذِ إرادَتِهِ في صخرَةٍ.
هَلْ هَذا الانْتِقالُ قُدْرَةٌ أمْ عَجزٌ ؟
وَقدْ أجَبْنا عنْ هَذا السؤالِ قبْلا ردًّا على إخوانِهِم النَّصارى في سؤالِهِم "ألا يَقدِرُ اللهُ أنْ يَتجسَّدَ ؟"، قلنا:
هَلْ الخالقُ يَقدِرُ أنْ يَكونَ مَخلوقا ؟ أو مُحتاجا ؟ أو عاجزا ؟ أو ناقِصا ؟ أو ضعيفا ؟ أو حادثا ؟ أو فانيا ؟
تِلكَ مُشكِلةُ هَذا السؤالُ السخيفِ، فهوَ سؤالٌ سُفسطائيٌّ مَقلوبٌ يُسمِّي الضعْفَ قوَّةً وَالعَجْزَ قُدْرَةً.
فدعينا نسألُ النصرانِيَّ: هَلْ الانتقالُ مِنْ حالٍ إلى حالٍ أدنى مِنهُ قُدرَةٌ أمْ عَجْزٌ ؟ - كالانتِقالِ مِنَ الأزليَّةِ إلى الحدوثِ أو مِنَ الأبديَّةِ إلى الفناءِ أو مِنَ الكمالِ إلى النقْصِ -
فإنْ أجابَ: هوَ عَجْزٌ .. قُلنا: فاللهُ تعالى قادِرٌ على ألا يُعْجِزَهُ شئٌ.
وإنْ أجابَ: هوَ قدْرَةٌ .. فهوَ إذا مَخبولٌ، فنقولُ لهُ: إذا نفقأُ عَينَكَ وَنثقُبُ أذُنَكَ وَنقطعُ لِسانَك وَأنْفَكَ وَنشلُّ يدَكَ وَرِجْلَكَ، حتَّى تَتَّصِفَ بكلِّ عَجْزٍ لتُحَقِّقَ كمالَ القُدْرَةِ.
أمَّا البيانُ: فإنَّ الانْتِقالَ مِنْ حالٍ أعلى إلى حالٍ أدْنى هوَ بالفِعْلِ قْدَرَةٌ على الأدْنى، وَلكِنَّهُ عَجْزٌ عَنِ الأعلى، ولمَّا كانَ العَجزُ في جانبِ الأعلى كان ذلِكَ بمَجموعِهِ عَجزا بالمُقارَنةِ مَعَ الحالِ الأوَّلِ عِندَما كانَتْ القُدرَةُ في جانبِ الأعلى.
وإلا فلِماذا نُسمِّي الإعاقَةَ عَجْزا ؟
وَتوضيحُ ذلِكَ: أنَّهُ على سبيلِ المِثالِ لو انتقلَ الخالِقُ مِنْ حالِ الكمالِ إلى حالِ النقْص- بالتجسُّدِ - لأصبَحَ عاجِزا عَنْ الكمالِ، ولو قارنَّاهُ بسيرَتِهِ الأولى إذ كانَ قادِرا على الكمالِ لوجَدنا تجسُّدَهُ عَجْزا لا قُدْرَة.
إذا نقولُ: اللهُ قادِرٌ على ألا يَلحَقهُ هذا العَجْزُ أبدا، وَنقولُ: اللهُ قادِرٌ على ألا يَتجسَّدَ أبدا.
تِلكَ مُشكِلةُ هَذا السؤالُ السخيفِ، فهوَ سؤالٌ سُفسطائيٌّ مَقلوبٌ يُسمِّي الضعْفَ قوَّةً وَالعَجْزَ قُدْرَةً.
فدعينا نسألُ النصرانِيَّ: هَلْ الانتقالُ مِنْ حالٍ إلى حالٍ أدنى مِنهُ قُدرَةٌ أمْ عَجْزٌ ؟ - كالانتِقالِ مِنَ الأزليَّةِ إلى الحدوثِ أو مِنَ الأبديَّةِ إلى الفناءِ أو مِنَ الكمالِ إلى النقْصِ -
فإنْ أجابَ: هوَ عَجْزٌ .. قُلنا: فاللهُ تعالى قادِرٌ على ألا يُعْجِزَهُ شئٌ.
وإنْ أجابَ: هوَ قدْرَةٌ .. فهوَ إذا مَخبولٌ، فنقولُ لهُ: إذا نفقأُ عَينَكَ وَنثقُبُ أذُنَكَ وَنقطعُ لِسانَك وَأنْفَكَ وَنشلُّ يدَكَ وَرِجْلَكَ، حتَّى تَتَّصِفَ بكلِّ عَجْزٍ لتُحَقِّقَ كمالَ القُدْرَةِ.
أمَّا البيانُ: فإنَّ الانْتِقالَ مِنْ حالٍ أعلى إلى حالٍ أدْنى هوَ بالفِعْلِ قْدَرَةٌ على الأدْنى، وَلكِنَّهُ عَجْزٌ عَنِ الأعلى، ولمَّا كانَ العَجزُ في جانبِ الأعلى كان ذلِكَ بمَجموعِهِ عَجزا بالمُقارَنةِ مَعَ الحالِ الأوَّلِ عِندَما كانَتْ القُدرَةُ في جانبِ الأعلى.
وإلا فلِماذا نُسمِّي الإعاقَةَ عَجْزا ؟
وَتوضيحُ ذلِكَ: أنَّهُ على سبيلِ المِثالِ لو انتقلَ الخالِقُ مِنْ حالِ الكمالِ إلى حالِ النقْص- بالتجسُّدِ - لأصبَحَ عاجِزا عَنْ الكمالِ، ولو قارنَّاهُ بسيرَتِهِ الأولى إذ كانَ قادِرا على الكمالِ لوجَدنا تجسُّدَهُ عَجْزا لا قُدْرَة.
إذا نقولُ: اللهُ قادِرٌ على ألا يَلحَقهُ هذا العَجْزُ أبدا، وَنقولُ: اللهُ قادِرٌ على ألا يَتجسَّدَ أبدا.
فهَكذا نفْعَلُ بالمُلحِدِ
فإمَّا أنْ يُقِرَّ أنَّ ما يَسألُ عَنْهُ عَجْزٌ لا قُدْرَةٌ أو أنْ نَفقأ عَينَهُ وَنثقُبَ أذُنَهُ وَنقطعَ لسانَهُ وَأنفَهُ وَنشلَّ يدَهُ وَرِجْلهُ ليَتَّصِفَ بكلِّ عَجْزٍ فيُحَقِّقَ كمالَ القدْرَةِ.
أمَّا نحنُ فنعْلمُ أنَّ هَذا عَجْزٌ، وَنعْلمُ أنَّ اللهَ تعالى لا يُعْجِزهُ شئٌ، لِذا نقولُ:
اللهُ قادِرٌ على ألا يَلحَقَهُ هَذا العَجْزُ أبدا.
ثمَّ نقولُ لهُم: تَبًّا لكُم مِنْ بُلهٍ.
يَزعمون أنَّ لهُمْ عُقولا كَسائرِ البشرِ، بلْ وَيعيبون على البشرِ عدَم عقلانيَّتِهِم، وَهُم إذا تكلَّموا بالوا كلاما وَتغوَّطوا أفكارا لكأنَّها تَخرجُ مِنْ أنبوبِ صرْفٍ لا مِنْ فمِّ بشرٍ !!
ثمَّ نُفرِّقُ لهؤلاءِ البلْهِ بينَ "الإمْكانِ" وَ"القُدْرَةِ" فنقولُ:
المُمْكِناتُ لدى البشرِ بَعْضُها يَتحَقَّقُ بهِ العَجْزُ وَبَعْضُها تتحَقَّقُ بهِ القدْرَةُ، فالفقيرُ يُمْكِنُهُ أنْ يَستجدي وَيُمكِنُهُ أنْ يَتعفَّفَ، فاستجداؤهُ نعَمْ قُدْرَةٌ على الاستجداءِ إلا أنَّهُ عَجْزٌ عَنِ التعَفُّفِ
أي أنَّهُ قُدْرَةٌ على العَجْزِ عَجْزٌ عَنْ القدْرَةِ !!
وَإذا قُلنا لِعاقِلٍ "هَل تَقْدِرُ أنْ تَفقأ عَينَك ؟" لاعْتبرَ كلامَنا هَزلا لأنَّ هَذا قُدْرَةٌ على العَجْزِ عَجْزٌ عَنْ القدْرَةِ.
فلو تنَزَّلنا مَعَ المُلحدينَ البُلهِ وَقلنا "هَذا مُمْكِنٌ" نقولُ لهُمْ:
إلا أنَّ اللهَ قادِرٌ ألا يَلحَقَهُ عَجْزُ هَذا المُمْكِنِ.
ثمَّ إذا تأمَّلنا في هَذا الإمْكانِ ذاتِهِ مِنْ حيثُ القُدْرَةُ وَالعَجْزُ لوَجدنا اتِّصافَ المَخلوقاتِ بهِ إنَّما هوَ عَجْزٌ وَليسَ قُدْرَةً.
فهَلْ العَينُ القابلةُ للفَقأِ أفْضلُ أمْ غيرُ القابلةِ للفقأِ ؟
هَلِ اليد القابلةُ للشلِّ أفْضلُ أم غيرُ القابلةِ للشلِّ ؟
الحَقيقةُ أنَّ الكمالَ يَقتضي الخلوَّ مِنَ العيوبِ وَما يؤدِّي إليها، لأنَّ وجودَ ما يؤدِّي إلى العَيبِ عَيبٌ، فلو وُجِدَتْ في اللهِ تعالى أسبابُ النقصِ لنَقَصَ وَهوَ سبْحانهُ لا يَجري عليهِ ذاكَ.
لِذا فمُجرَّدُ إمْكانِ خلقِ إلهٍ أقوى أو صخرَةٍ تقوى كفرْضٍ جدليٍّ إنَّما يَتحوَّلُ في حَقِّ اللهِ تعالى إلى فرْضٍ هزليٍّ عَدَمِيٍّ يَستحيلُ عَقلا أنْ يلحَقَ اللهَ تعالى أو يلتصِقَ بهِ.
لِذا نقولُ للبُلهِ: اللهُ تعالى قادِرٌ ألا يَتَّصِفَ بهَذِا الإمِكانِ أبدا.
وَنقولُ لهُم: اللهُ تعالى قادِرٌ ألا تلحَقَهُ القُدْرَةُ على العَجْزِ أبدا.
ثمَّ نقولُ لهُم: تَبًّا لكُم مِنْ بُلهٍ.
يَزعمون أنَّ لهُمْ عُقولا كَسائرِ البشرِ، بلْ وَيعيبون على البشرِ عدَم عقلانيَّتِهِم، وَهُم إذا تكلَّموا بالوا كلاما وَتغوَّطوا أفكارا لكأنَّها تَخرجُ مِنْ أنبوبِ صرْفٍ لا مِنْ فمِّ بشرٍ !!
حَسنا، إذا كانَ اللهُ تعالى قادِرا على ألا يَعْجَزَ كما نقولُ فهَلْ هوَ عاجزٌ عَنْ العَجْزِ ؟ هُنا الكلامُ المُهِمُّ.
صِفاتُ اللهِ تعالى لها مَعانٍ، وَالناظرُ فيها لا يَمْلِكُ وَلا يَجوزُ لهُ حَمْلها على غيرِ مَعانيها.
وَمِنْ هَذِهِ الصفاتِ ما يَقعُ على المَخلوقاتِ كالخلقِ وَالرحمَةِ.
لِذا فأسئلةٌ مِثلَ "هَلِ اللهُ قادرٌ على أنْ يَخلقَ نفْسَهُ ؟" أو "هَلِ اللهُ قادِرٌ على أنْ يَرْحَمَ نفْسَهُ ؟" أسئلةٌ غبيَّةٌ لأنَّ الخلقَ وَالرحْمَةَ صِفتانِ لا تنصبَّانِ على الخالقِ وَإنَّما تنصبَّانِ على المَخلوقِ، وَمُحاولةُ عَكسِ ذلِكَ تغييرٌ لمَعنى الصفةِ وَإسْقاطٌ لها.
وَهَذا مَعْروفٌ بلْ مَقطوعٌ بالعَقْلِ وَالنظرِ، وَثابتٌ في جميعِ الصفاتِ التي تتَّصِفُ بها جَميعُ المَوجوداتِ، وَلا يَقبَلُ العَقْلُ بغير هَذا.
فلو سألتَ إنْسانا "هَلْ تقدِرُ أنْ ترحَمَ هَذا الجمادَ" أو "هَلْ تقدِرُ أنْ تنتَقِمَ مِنَ هَذا الجمادِ" لاتَّهَمَ عَقلَك لأنَّ الجَمادَ لا يَتأثَّرُ برحْمَةِ الإنْسانِ وَلا بانتِقامِهِ، نعَمْ هَذا ما يَفْعلهُ الأطفالُ الصغارُ إذا تَعثَّروا بجمادٍ وَبكوا فضربوهُ إلا أنَّهُم يَبقونَ أطفالا صغارا، فتأمَّلْ.
لِذا فإمْضاءُ الصفاتِ الإلهيَّةِ على مَعانيها ضرورةٌ لا مَحيدَ عَنها في فهْمِها وَالنظرِ فيها.
وَما يَفْعَلهُ المُلحِدُ أنَّهُ يَستخدمُ صِفةً إلهيَّةً لإخْراجِ صِفةٍ أخرى عَنْ مَعناها.
كما يَستخدمُ صِفةَ القدْرَةِ لإخْراجِ صِفةِ الخلقِ عَنْ مَعناها.
وَكما يَستخدمُ النَّصارى صِفة القدْرَةِ لإخْراجِ صِفةِ العِزَّةِ عَنْ مَعناها.
وَهذا فاسِدٌ في العَقْلِ وَالنظرِ وَلا يأتيهِ إلا البُلهُ المَجانينُ، فصِفاتُ اللهِ تعالى كلٌّ لا يَتجزَّأ.
وَقُدرَةُ اللهِ تعالى كَغيرِها مِنَ الصفاتِ لها مَعنًى وَلا يَجوزُ استخدامُها في غيرِ مَعناها، وَمِنْ مَعناها أنَّهُ سبْحانهُ قادِرٌ على ألا يَتَّصِفَ بأيِّ عَجزٍ أو يَلحَقَهُ أيُّ نقْصٍ.
لِذا فالاتِّصافُ بالعَجْزِ يَخرجُ عَنْ مَعنى صِفةِ القُدْرَةِ أصلا، بلْ يُضادُّهُ، لِذا فالقولُ إنَّ اللهَ تعالى عاجزٌ عَنْ العَجْزِ قولٌ فاسِدٌ في العَقْلِ وَالنظرِ لأنَّ "القُدْرَة على العَجْزِ" لا تدْخلُ أساسا في مَعنى القُدْرَةِ التي يَتَّصِفُ بها اللهُ سبْحانهُ، بلْ تُضادُّهُ.
كما أنَّ قُدْرَةَ اللهِ تعالى لا يَدْخلُ في مَعناها القدْرَةُ على تَغييرِ مَعاني صفاتِهِ أو تَعطيلها أو إسْقاطِها، فلا نقولُ: هَلْ يَقدِرُ اللهُ على تغييرِ مَعنى صِفةِ الخلقِ وَصِفةِ الرحمَةِ ؟ أو هَلْ يَقدِرُ اللهُ على إسْقاطِ صِفتي الخلقِ وَالرحمَةِ ؟
فالجوابُ في جميعِ ما سبَقَ أنَّ قُدْرَةَ اللهِ مُطلقةٌ غيرُ مَحدودةٍ في مَعناها، لا أنَّها مُطلقةٌ في غيرِ مَعناها كما يُحاوِلُ البُلهُ أنْ يقولوا !!
وَهذا يسري على سائرِ الصفاتِ:
فرحْمَةُ اللهِ تعالى مُطلقةٌ في مَعناها، فلا يُمْكِنُ أنْ نقولَ إنَّ اللهَ تعالى رحيمٌ إلى غايَةِ الانْتِقامِ.
وَعَدْلُ اللهِ تعالى مُطلقٌ في مَعناهُ، فلا يُمكِنُ أنْ نقولَ إنَّ اللهَ تعالى عادلٌ إلى غايَةِ الظلمِ.
وَكذا قُدْرَتُهُ سبْحانهُ مُطلقةٌ في مَعناها، فلا يُمْكِنُ أنْ نقولَ إنَّ اللهَ تعالى قادِرٌ إلى غايَةِ العَجْزِ.
هَذا بدهِيٌّ، لا يُخالفُهُ إلا البُلهُ المَجانينُ.
وَكما أنَّ للصفاتِ الإلهيَّةِ مَعانٍ، فهِيَ كذلِكَ كلٌّ واحِدٌ لا يَقبَلُ التجزيء، فلِكي نفهَمَ صِفةً أو صفاتٍ إلهيةً يَجبُ أنْ ننظرَ إلى جَميعِ الصفاتِ الإلهيَّةِ لا أنْ نعْزِلَ صِفة أو صفَتينِ أو عِدَّة صِفاتٍ وَنقولَ "هَذا الله" ثمَّ نبدأ تحليلَ هَذِهِ الصفاتِ بعقولنا، هَذا لا يأتيهِ إلا البُلهُ المَجانينُ.
فالنَّصارى عَزلوا صِفَتي الرحمَةِ وَالعَدْلِ وَنسوا صِفاتِ المَغفرَةِ وَالحِكمَةِ وَالعَفو، ثمَّ ضربوا الصفتينِ ببعْضِهِما وأنتجوا لنا "التجَسُّدَ" الذي استخدموا لتبريرِهِ أيضا صِفةَ القُدْرَةِ وَنسوا صِفَة العِزَّةِ.
وَهَكذا حالُ البُلهِ المَجانينِ مِنَ إخوانِهِم المُلحدينَ، فإنَّهُم يَعْزِلونَ صِفتَي القُدرَةِ وَالخلقِ وَينسونَ صِفةَ الحِكمَةِ، فيَنْسونَ أنَّ اللهَ تعالى حكيمٌ يَضعُ الشيء في مَوضِعِهِ، فهوَ سبْحانهُ يضعُ خلقهُ في مَوضِعِهِ وَقُدْرَتَهُ في مَوضِعِها.
وَلو كانَ اللهُ تعالى قابلا للتجزيء لوَجَبَ أنْ يَرْحَمَ جَميعَ خلقهِ يومَ القيامَةِ فيُدْخِلهُم جَميعا الجنَّة، وَلوجَبَ في الوَقتِ ذاتِهِ أنْ يَعدلَ مَعَهُم جميعا فيُعاقِبَهُم كلَّهُم بالنَّارِ، وَتِلكَ مُعْضِلةٌ حَتَّى تجَسُّد النصارى لا يرْفعُها.
فاللهُ تعالى حَكيمٌ يَضعُ الشيء في مَوضِعِهِ، فيَضعُ سبْحانَهُ العَدْلَ في مَوضِعِهِ وَالرحْمَةَ في مَوضِعِها، وَلا يَقولُ بغيرِ هَذا إلا البُلهُ المَجانينُ.
وَلأنَّ الكُفرَ كلَّهُ مِلَّةٌ واحِدَةٌ فجَميعُ المُبطلينَ إخوةٌ، يَحسبونَ اللهَ تعالى قابلا للتشريحِ وَالتجزييء وَالتشييء، سبْحانَ اللهِ عمَّا يَصفونَ.
فجَميعُ هَذِهِ الأسئلةِ وَغيرِها مِنْ نفْسِ جِنْسِها إنَّما تُرَدُّ إلى ثلاثةِ ضروبٍ:
== إخْراجُ الصفَةِ/اتِ عَنْ مَعناها/انيها.
== خلطُ الصفَةِ/اتِ بصفَةٍ/اتٍ أُخرى.
== اجْتزاءُ صفَةٍ/اتٍ مِنْ باقي الصفاتِ.
وَجميعُ هَذِهِ الضروبِ تُرَدُّ إلى "الإلحادِ في أسْماءِ اللهِ تعالى" الذي قالَ اللهُ تعالى فيه : {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعْرافُ].
قالَ الإمامُ ابنُ كثيرٍ عليهِ رحْمَةُ اللهِ: وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} قال: إلحاد الملحدين أن دعوا اللات في أسماء الله. وقال ابن جريج عن مجاهد {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} قال اشتقوا اللات من الله, والعزى من العزيز, وقال قتادة يلحدون يشركون في أسمائه. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الإلحاد التكذيب: وأصل الإلحاد في كلام العرب العدول عن القصد, والميل والجور والانحراف, ومنه اللحد في القبر لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر.
وَقالَ الإمامُ القرطبيُّ: والإلحاد يكون بثلاثة أوجه
أحدها: بالتغيير فيها كما فعله المشركون، وذلك أنهم عدلوا بها عما هي عليه فسموا بها أوثانهم؛ فاشتقوا اللات من الله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان قاله ابن عباس وقتادة. الثاني: بالزيادة فيها. الثالث: بالنقصان منها؛ كما يفعله الجهال الذين يخترعون أدعية يسمون فيها الله تعالى بغير أسمائه، ويذكرون بغير ما يذكر من أفعاله؛ إلى غير ذلك مما لا يليق به.
وَقالَ: معنى الزيادة في الأسماء التشبيه، والنقصان التعطيل. فإن المشبهة وصفوه بما لم يأذن فيه، والمعطلة سلبوه ما اتصف به، ولذلك قال أهل الحق: إن ديننا طريق بين طريقين، لا بتشبيه ولا بتعطيل. وسئل الشيخ أبو الحسن البوشنجي عن التوحيد فقال: إثبات ذات غير مشبهة بالذوات، ولا معطلة من الصفات.
وَقالَ الإمامُ السعْديُّ: وحقيقة الإلحاد ، الميل بها ، عما جعلت له . إما بأن يسمى بها ، من لا يستحقها ، كتسمية المشركين بها لآلهتهم ، وإما بنفي معانيها وتحريفها ، وأن يجعل لها معنى ، ما أراده الله ولا رسوله ، وإما أن يشبه بها غيرها .
وَقالَ اللهُ تعالى: سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
خِتاما نَعْتذِرُ إلى اللهِ تعالى عَنْ هَذِهِ المُناقشةِ التي ما كنَّا لنخوضَ فيها لولا بلهِ المُلحدينَ وَالناقلينَ عَنهُم، وَإلا فاللهُ تعالى أعلى وَبذاتِهِ أعلمُ.
تعليق