يقول السائل : هناك حديث (ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ) ألا يتعارض هذا مع القرآن في أن آدم هو من عصى ؟ وكيف ترث الذرية الخيانة ؟أليس هذا ما جاء في التوراة ؟!
--
الجواب :
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا محمد :
هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فلا ارتياب في صحته ، واجترأ - مع هذا - بعض المعاصرين فضعفوه ! ، لا بحجة سوى الوثوق بالآراء الكليلة والأفهام العليلة ..
ومحصّل الشبهة: أن هذا المعنى في نظرهم جاء نظيره في التوراة فلا يعدو أن يكون من الإسرائيليات ، لما جاء في سفر التكوين ، الإصحاح الثالث : (فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للاكل فأخذت من ثمرها أكلت وأعطت رجلها ) ونص الحديث (لولا حواء لم تخن أنثى زوجها ) وقالوا إن ظاهر القرآن يحمّل آدم عليه السلام المسؤولية أو يذكر آدم وحواء عليهما السلام معا ..فوجب رد الحديث ، كذا قالوا ! كما في سؤال الأخ السائل..
والجواب بعون الله في فقرات :
-لا تدل المشابهة في شيء ما ، بين معنى لدى أهل الكتاب ومعنى ورد عندنا في القران أو صحيح السنة على أنه من الإسرائيليات الدخيلة أو على حصول الاقتباس منهم ، وبخاصة لأنه هذه الكتب لا تخلو من بقايا حق ، ومن هنا جاء التوجيه النبوي ضابطا لهذه القضية العلمية بأوفى عبارة فأخرج الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا الآية
وفي سنن أبي داود بلفظ : إذا حدثكم اهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله ورسله فإن كان باطلا لم تصدقوا وإن حقا لم تصدقوه ..
يستفاد من مجموع الروايتين :
-أن المنهج العلمي الصحيح المتسق مع الإرشاد النبوي هو التوقف فيما يكون مصدره أهل الكتاب لجواز أن يكون الذي أخبروا به صحيحا فنقع في تكذيب الحق أو يكون خطأ فنقع في تصديق الباطل
-وعلى هذا ،قد ياتي الخبر من مصادرهم وهو موافق لما عندنا ، فهو مصدّق لأن هذه الشريعة مهيمنة وشاهدة على ما سلف ، وقد يكون مناقضا لما عندنا ، فهو مردود .. فأخبار أهل الكتاب على ثلاثة أقسام:
- أحدها ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح
- والثاني ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه
-والثالث ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم ) قاله الإمام ابن تيمية في رسالة أصول التفسير .
ومن يسارع إلى دعوى الاقتباس لمجرد عثوره على موضع تشابه فهو حكم كسول بعيد عن المنهج العلمي ولا يختلف كثيرا عن دعوى دارون –مثلا- في أصل الأنواع لأجل لحاظ بعض التشابهات في المجال الحيوي بين الكائنات ، ويلزم على كلام هؤلاء أن يرد كل ما جاء في الكتاب العزيز من أخبار جاء ذكر طرف منها في التوراة أوالإنجيل المحرفين ، ومنها قصة آدم هذه من أصلها
بقي أن يجاب عن الإشكال :
أصل مادة الخيانة كما بين إمام اللغة ابن فارس رحمه الله حيث قال: (الخاء والواو والنون أصلٌ واحد، وهو التنقص. يقال خانَه يخون خوْنا وذلك نقصان الوفاء)..وهذا النقصان شيء جبلّي في طبيعة المرأة لضعفها فهو مورَّث في بنات حواء ، فذلك معنى قوله (ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ) وليس المراد خيانة في الدين ولا خيانة في الفراش كما قال ابن عباس رض الله عنهما : مازنت امرأة نبي قط ، ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك ..وكذا ليس معنى ذلك أن المرأة مقهورة على هذا المعنى فلا قِبل لها بدفعه، بل هي مأمورة كالرجل بمجاهدة النفس والترفع بها عن مواقع الذم ولو كانت من الجبلّيات، كما في الصحيحين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت ما رأيت منك خيراً قط ) فهذا بيان طبيعة جبلية وهو قريب من معنى العوج الوارد في أحاديث أخرى وليس معناه أن يستسلم المرء لنوزاع النفس والطبائع التي جاء الشرع بتهذيبها والرفعة بها والسمو إلى معالي الأمور وأشرافها والتنزه عن سفسافها ، وقد تتابع أهل العلم على تفسير خيانة حواء آدم : بترك النصيحة له في شأن الشجرة ، ونحو ذلك ..
-وفي هذا المعنى توجيه نفسي تربوي للزوج أن يحلم على زوجه ويتجمل بالحكمة في معاملته إياها إزاء ما يراه أحيانا من تنكبها الطريق القويمة إلى الطريق المعوجة ، (وأن ذلك من جبلاتهن وطبائعهن إلا أن منهن من تضبط نفسها ومنهن من لا تضبط وفي استحضار ذلك إعانة على احتمالهن ودوام عشرتهن ) كما يقول أبو زرعة العراقي في تكميل طرح التثريب (ج7 ، 64)
- ثم قد ورد في آدم نظير ما قيل في حواء عليهما السلام كما في جامع الإمام الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: (فجحد آدم فجحدت ذريته ونسي آدم فنسيت ذريته وخطئ آدم فخطئت ذريته ) قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح..
وليس مفاده توريث الخطيئة كما يتوهمه بعض المتهوكين أو المشككين فإن القاعدة المحكمة في الإسلام (ألا تزر وازرة وزر أخرى ) ، ولكن هذا باب الطبائع الإنسانية كقول الله جل ثناؤه: "إن الإنسان خلق هلوعا " ونظائر ذلك ، وحقيقة الامتحان الموقَع على الإنسان أن يستحب الآخرة على الدنيا ويقاوم نزعات النفس الأمارة بالسوء ويجاهدها في الله ويؤثر طريق الرشد على طريق الغواية بما أولاه الله من حرية الاختيار على حد قول الله تعالى "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" ، (فمعنى خيانتها-كما يقول الحافظ ابن حجر-: أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهها بالولادة ونزع العرق) ونزع العرق هو المسألة الجبلية الموروثة في الطباع ، السالف ذكرها ..
-وأما دعوى مناقضة القران فليس في القرآن أن آدم خان زوجه ، حتى يكون هذا الحديث مناقضا له ، بل فيه بيان معصية آدم: (وعصى آدم ربه فغوى ) ،وفيه بيان الملامة عليهما معا :(فبدت لهما سوءاتهما ) ، وهذا لا يعارض ما في الحديث كما لا يخفى ، بل كل ما في الأمر أن الحديث فيه مزيد تفصيل ..ولعل التنبيه على معصية آدم وحده في هذا السياق القراني إشارة إلى أن الرجل مخاطب بأن يكون قوّامًا بالمعنى الشرعي وأن مسؤوليته في القيادة الحكيمة والرعاية السديدة أعظم وأولى ..فتوجه اللوم له لأجل ذلك .
فكما رأيت لا يرد حديث جليل كهذا متفق على صحته بين أئمة الحديث لأجل اشتباه منشؤه سوء الفهم وقصر النظر ..والله أعلم وأحكم ..والحمدلله رب العالمين
مركز التأصيل للدراسات والبحوث ..
--
الجواب :
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا محمد :
هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فلا ارتياب في صحته ، واجترأ - مع هذا - بعض المعاصرين فضعفوه ! ، لا بحجة سوى الوثوق بالآراء الكليلة والأفهام العليلة ..
ومحصّل الشبهة: أن هذا المعنى في نظرهم جاء نظيره في التوراة فلا يعدو أن يكون من الإسرائيليات ، لما جاء في سفر التكوين ، الإصحاح الثالث : (فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للاكل فأخذت من ثمرها أكلت وأعطت رجلها ) ونص الحديث (لولا حواء لم تخن أنثى زوجها ) وقالوا إن ظاهر القرآن يحمّل آدم عليه السلام المسؤولية أو يذكر آدم وحواء عليهما السلام معا ..فوجب رد الحديث ، كذا قالوا ! كما في سؤال الأخ السائل..
والجواب بعون الله في فقرات :
-لا تدل المشابهة في شيء ما ، بين معنى لدى أهل الكتاب ومعنى ورد عندنا في القران أو صحيح السنة على أنه من الإسرائيليات الدخيلة أو على حصول الاقتباس منهم ، وبخاصة لأنه هذه الكتب لا تخلو من بقايا حق ، ومن هنا جاء التوجيه النبوي ضابطا لهذه القضية العلمية بأوفى عبارة فأخرج الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا الآية
وفي سنن أبي داود بلفظ : إذا حدثكم اهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله ورسله فإن كان باطلا لم تصدقوا وإن حقا لم تصدقوه ..
يستفاد من مجموع الروايتين :
-أن المنهج العلمي الصحيح المتسق مع الإرشاد النبوي هو التوقف فيما يكون مصدره أهل الكتاب لجواز أن يكون الذي أخبروا به صحيحا فنقع في تكذيب الحق أو يكون خطأ فنقع في تصديق الباطل
-وعلى هذا ،قد ياتي الخبر من مصادرهم وهو موافق لما عندنا ، فهو مصدّق لأن هذه الشريعة مهيمنة وشاهدة على ما سلف ، وقد يكون مناقضا لما عندنا ، فهو مردود .. فأخبار أهل الكتاب على ثلاثة أقسام:
- أحدها ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح
- والثاني ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه
-والثالث ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم ) قاله الإمام ابن تيمية في رسالة أصول التفسير .
ومن يسارع إلى دعوى الاقتباس لمجرد عثوره على موضع تشابه فهو حكم كسول بعيد عن المنهج العلمي ولا يختلف كثيرا عن دعوى دارون –مثلا- في أصل الأنواع لأجل لحاظ بعض التشابهات في المجال الحيوي بين الكائنات ، ويلزم على كلام هؤلاء أن يرد كل ما جاء في الكتاب العزيز من أخبار جاء ذكر طرف منها في التوراة أوالإنجيل المحرفين ، ومنها قصة آدم هذه من أصلها
بقي أن يجاب عن الإشكال :
أصل مادة الخيانة كما بين إمام اللغة ابن فارس رحمه الله حيث قال: (الخاء والواو والنون أصلٌ واحد، وهو التنقص. يقال خانَه يخون خوْنا وذلك نقصان الوفاء)..وهذا النقصان شيء جبلّي في طبيعة المرأة لضعفها فهو مورَّث في بنات حواء ، فذلك معنى قوله (ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ) وليس المراد خيانة في الدين ولا خيانة في الفراش كما قال ابن عباس رض الله عنهما : مازنت امرأة نبي قط ، ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك ..وكذا ليس معنى ذلك أن المرأة مقهورة على هذا المعنى فلا قِبل لها بدفعه، بل هي مأمورة كالرجل بمجاهدة النفس والترفع بها عن مواقع الذم ولو كانت من الجبلّيات، كما في الصحيحين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت ما رأيت منك خيراً قط ) فهذا بيان طبيعة جبلية وهو قريب من معنى العوج الوارد في أحاديث أخرى وليس معناه أن يستسلم المرء لنوزاع النفس والطبائع التي جاء الشرع بتهذيبها والرفعة بها والسمو إلى معالي الأمور وأشرافها والتنزه عن سفسافها ، وقد تتابع أهل العلم على تفسير خيانة حواء آدم : بترك النصيحة له في شأن الشجرة ، ونحو ذلك ..
-وفي هذا المعنى توجيه نفسي تربوي للزوج أن يحلم على زوجه ويتجمل بالحكمة في معاملته إياها إزاء ما يراه أحيانا من تنكبها الطريق القويمة إلى الطريق المعوجة ، (وأن ذلك من جبلاتهن وطبائعهن إلا أن منهن من تضبط نفسها ومنهن من لا تضبط وفي استحضار ذلك إعانة على احتمالهن ودوام عشرتهن ) كما يقول أبو زرعة العراقي في تكميل طرح التثريب (ج7 ، 64)
- ثم قد ورد في آدم نظير ما قيل في حواء عليهما السلام كما في جامع الإمام الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: (فجحد آدم فجحدت ذريته ونسي آدم فنسيت ذريته وخطئ آدم فخطئت ذريته ) قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح..
وليس مفاده توريث الخطيئة كما يتوهمه بعض المتهوكين أو المشككين فإن القاعدة المحكمة في الإسلام (ألا تزر وازرة وزر أخرى ) ، ولكن هذا باب الطبائع الإنسانية كقول الله جل ثناؤه: "إن الإنسان خلق هلوعا " ونظائر ذلك ، وحقيقة الامتحان الموقَع على الإنسان أن يستحب الآخرة على الدنيا ويقاوم نزعات النفس الأمارة بالسوء ويجاهدها في الله ويؤثر طريق الرشد على طريق الغواية بما أولاه الله من حرية الاختيار على حد قول الله تعالى "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" ، (فمعنى خيانتها-كما يقول الحافظ ابن حجر-: أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهها بالولادة ونزع العرق) ونزع العرق هو المسألة الجبلية الموروثة في الطباع ، السالف ذكرها ..
-وأما دعوى مناقضة القران فليس في القرآن أن آدم خان زوجه ، حتى يكون هذا الحديث مناقضا له ، بل فيه بيان معصية آدم: (وعصى آدم ربه فغوى ) ،وفيه بيان الملامة عليهما معا :(فبدت لهما سوءاتهما ) ، وهذا لا يعارض ما في الحديث كما لا يخفى ، بل كل ما في الأمر أن الحديث فيه مزيد تفصيل ..ولعل التنبيه على معصية آدم وحده في هذا السياق القراني إشارة إلى أن الرجل مخاطب بأن يكون قوّامًا بالمعنى الشرعي وأن مسؤوليته في القيادة الحكيمة والرعاية السديدة أعظم وأولى ..فتوجه اللوم له لأجل ذلك .
فكما رأيت لا يرد حديث جليل كهذا متفق على صحته بين أئمة الحديث لأجل اشتباه منشؤه سوء الفهم وقصر النظر ..والله أعلم وأحكم ..والحمدلله رب العالمين
مركز التأصيل للدراسات والبحوث ..
تعليق