لن تسرقوا منا رمضان - د. محمد علي يوسف

تقليص

عن الكاتب

تقليص

حاملة اللواء مسلمة اكتشف المزيد حول حاملة اللواء
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حاملة اللواء
    مشرفة شرف المنتدى
    عضو مجموعة الأخوات

    • 24 ديس, 2010
    • 1969
    • طاعة الله
    • مسلمة

    لن تسرقوا منا رمضان - د. محمد علي يوسف

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    لن تسرقوا منا رمضان


    ومن صام أو صلى يعلم حاله *** ففي النار يلقوه كل حالة
    ومن لم يجئ منا لموضع كفرهم *** يعاقبه اللباط شر العقوبة
    ويلطم خديه ويأخذ ماله *** ويجعله في السجن في سوء حالة
    وفي رمضان يفسدون صيامنا *** بأكل وشرب مرة بعد مرة

    كانت هذه بعض أبيات من رسالة أرسلها بعض الموريسكيين يستنجدون فيها بالسلطان العثماني بايزيد الثاني من هول ما يجدون في الأندلس بعد سقوطها في يد القشتاليين
    والموريسكيون لمن لا يعرفهم هم أولئك الأندلسيون الذين بقوا في الأندلس بعد سقوط دولة الإسلام سنة 1492م.
    ومعنى كلمة الموريسكيين هو: العرب المتنصّرين
    أو بمعنى أدق الذين أجبرتهم إسبانيا على التنصّر بالإكراه بعد سقوط الأندلس ومن رفض التنصّر كان يقتل هو وأهله أو يذوق الويلات والفظائع حتى يتمنى الموت في أقبية الكنائس على يد زبانية محاكم التفتيش الوحشية
    لذا فقد اضطر هؤلاء الموريسكيون لإعلان النصرانية تظاهرا فقط وبقوا زهاء قرنين من الزمان مسلمين يكتمون إسلامهم إلى أن اندثر الإسلام في أجيالهم المتأخرة بعد ذلك بفعل القمع الرهيب الذي كان يخفت من صوت الحق في تلك الربوع رويدا رويدا
    ورغم أن إسبانيا كانت تحظر عليهم التفاهم باللغة العربية وإحياء أي تقاليد إسلامية أو شعائر تعبدية إلا أنهم كانوا يتمتعون بقدرة عجيبة على الاحتفاظ بلغتهم فيما بينهم وداخل بيوتهم وبين أولادهم .. وكانوا يتحدثون القشتالية لغة إسبانيا في تلك الأزمان مع غيرهم من الإسبان النصارى حتى لا ينكشف أمرهم .. وكان لكل شخص منهم اسمان اسم عربى يتخاطبون به بينهم ولا يعرفه الإسبان واسم قشتالي إسباني يعرفه به الإسبان ..
    ولكن الويل كل الويل لمن يثبت عليه ارتكاب المحظور والتكلم باللغة العربية أو التلبس بالقيام بأي شعيرة من الشعائر الإسلامية فقد كانت محاكم التفتيش حينئذ تذيقه الويلات من سلخ وإحراق للناس أحياءً وقطع أطرافهم أو اغتصاب نسائهم أمام أعينهم .. في مشاهد غاية في الفظاعة لا فرق فيها بين كبير أو صغير أو عجوز أو شيخ ..
    العجيب أن هؤلاء الموريكسيين و رغم حفاظهم على سرية معتقدهم الذي لم يكن يظهر إلا أثناء ثوراتهم المتعددة أو من خلال رسائلهم للسلاطين المسلمين كتلك التي صدرت بها المقال أو في تحقيقات محاكم التفتيش مع من كشف منهم
    إلا أنهم كانوا يأتون إلى رمضان و تتعاظم في نفوسهم العزة الإسلامية و تعلو هممهم لدرجة تجعلهم لا يستطيعون كتمان تعبدهم ولا إخفاء تعظيم شعائر دينهم في هذا الشهر تحديدا.

    ولقد حاول المؤرخون الإسبان الذين عاصروا المورسكيين بإسبانيا رسم صورة لحياتهم الدينية السرية و قد خرج جلهم بخلاصة مفادها: أن صيام شهر رمضان و احترامه و تعظيم شعائره هو أكثر ما تشبّث به المورسكيون رغم مرور العقود على تنصيرهم.
    يقول المؤرخ الإسباني بورونات إي باراتشينا (Boronat y Parrchina) محاولا رسم صورة عن حياة المورسكيين الدينية كما كانوا يؤدونها خفية عن أعين الوشاة النصارى، وقد أورد عدة مظاهر أساسية في حياة المسلمين بينها الصيام حيث ذكر عن شهر رمضان : "ومدته ثلاثون يوما لا يأكل المسلم خلال اليوم إلا في الليل عند بزوغ النجم وفي كل ليلة يتسحر المسلم فيأكل بقية ما خلفه في أكل الليل يأكل قبل الفجر و يغسل فمه ويؤدي الصلاة ويتطهر المسلم قبل بدئ رمضان. يبدأ الصوم برؤية الهلال و ينتهي برؤية الهلال. بعد ذلك ينتظر أحد عشر شهرا و الشهر الثاني عشر يكون هو رمضان بحيث أن رمضان يبدأ قبل رمضان السابق له بنحو عشرة أيام إذ هكذا يكون حساب الأهلة. بعد أن ينتهي شهر رمضان – و مدته ثلاثون يوما – يحتفل المسلمون بعيد الفطر".
    و استخلصت الباحثة الإسبانية غارسيا مرثيدس أرينا من دراسة لمحاضر محاكم التفتيش الإسبانية أن: "العبادات الأكثر رسوخا في حياة المورسكيين و التي يتردد ذكرها في كل محاضر التفتيش تقريبا هي صيام رمضان و الطهارة و الصلاة".
    تقول الباحثة : "وبدون أدنى شك، صيام رمضان هو العبادة الدينية الأكثر تأصلا في حياة المسيحي الجديد و في الغالب هي أكثر عبادة يحافظ عليها الجميع. و يمكن القول بأنه آخر مظهر إسلامي من حيث التلاشي فصيام رمضان كما تصفه المحاضر يرتكز أساسا على الامتناع عن الطعام و الشراب و المحافظة على ذلك من الفجر إلى الليل عندما تطلع النجوم خلال شهر رمضان بأكمله. على وجه التحديد طابع الرفض و الامتناع في الصيام مثل ذلك طابعه الجماعي يجعل منه العبادة الإسلامية الأكثر تأصلا و بالتالي الأكثر تميزا".
    أما الباحث الإسباني الشهيرخوليو كارو باروخا فقد ذكر نقلا عن كتاب "سرفنتس والمورسكيون: "أنه في بداية القرن السابع عشر كان أهل مرسية و جيان و من بقي في غرناطة يصومون رمضان". أي بعد أكثر من مائة عام على سقوط غرناطة حافظ الأندلسيون على صيام رمضان. و هذا إن كان يدلّ على شيء فإنما يدل على عظم مكانة هذا الشهر عندهم رغم بطش النصارى بهم واستضعافهم إياهم.

    وقد شكلت مراقبة هلال رمضان للأندلسيين مهمة محفوفة بالمخاطر نظرا لانتشار أعين الوشاة الذين يترصدون الحركة الكبيرة و الصغيرة التي قد توحي بأن فاعلها مسلم. لكن شدة شوقهم لصيام رمضان كانت أكبر من خوفهم من النصارى فورد في العديد من الروايات التاريخية أنهم كانوا يصعدون إلى المرتفعات لرؤية الهلال حرصا على صيام رمضان في وقته الشرعي.
    وقد عاش الأندلسيون في حالة خوف و حذر من الوشاة و أخفوا عقيدتهم و التمسوا الخلوات والأماكن المنعزلة لأداء فرائضهم و منها الصيام و كان النصارى إذا حل رمضان يمتحنونهم لمعرفة ما إذا كانوا ممسكين و رغم اعتذار الأندلسيين بأعذار مختلفة لتبرير عدم أكلهم فإنهم كانوا يتابعون ويراقبون من طرف محاكم التفتيش. و هذا ما جعل عدد المورسكيين المدانين في شهر رمضان أكثر بمراحل من الشهور الأخرى.
    و لتفادي المراقبة النصرانية عمل الموريسكيون الأندلسيون على احتراف مهن تُبعدهم عن أعين الوشاة حتى يتمكنوا من أداء شعائرهم في اطمئنان نسبي. و هكذا فقد اشتغلوا بمهنة نقل البضائع حيث كانوا يقضون رمضان في قرى غير قراهم أو في طريقهم إلى مدينة أخرى. و قد شكل لهم هذا فرصة لدعوة الأندلسيين إلى الإسلام و تعليمهم أمور دينهم
    تخيل !!
    لم يكتفوا فقط في ذلك الشهر بالتعبد و إنما علت هممهم لدرجة أن حرصوا على الدعوة إلى الله و المساعدة في هداية الخلق إليه و في هذه الظروف العصيبة و الاستضعاف الرهيب
    و لولا خشية الإطالة لأوردت من محاضر محاكم التفتيش بعض النماذج لقضايا حوكم أصحابها و عذبوا لأنهم حرصوا على إظهار الشعيرة في رمضان و الدعوة إليها ودلالة غيرهم لسبيلها.

    تذكرت تلك الأحداث التاريخية و وثائقها وأنا أتابع و أشارك قدر وسعي في تلك الحملة الرائعة التي أطلقها أخي وصديقي الموفق د.حسام أبو البخاري والتي أطلق عليها هذا الاسم المعبر الذي استأذنته أن يكون عنوانا لمقالي هذا
    ~ لن تسرقوا منا رمضان ~

    تذكرت حال الموريسكيين و أنا أتأمل هذا العنوان المعبر ثم سألت نفسي
    ومن يسرق منا رمضان؟!
    هل هم القشتاليون السفاحون؟!
    هل هم مجموعة الساديين المجرمين الذين كانت متعتهم في الحياة أن يمزقوا أجساد المؤمنين ويقطعوا أوصال الصائمين القائمين ؟!
    هل قطاع الطرق إلى الله هذه الأيام يحملون سيوفا ورماحا يضعونها على رقاب المسلمين كما كان الحال مع المورسكيين الذين ذكرت طرفا من سيرتهم؟!

    الجواب: لا
    إن قطاع الطرق وسارقي رمضان هذه الأيام لا يحملون سيفا و لا يستعملون آلة تعذيب في محكمة تفتيش
    ومع ذلك تجد كثيرا من المسلمين يسلمونهم رمضان بدون تهديد أو وعيد!!
    تجد كثيرا من المسلمين رغم سعة العيش و سهولة العبادة ويسر إظهار الشعيرة أقل تمسكا من أولئك المستضعفين المساكين الذين قدّروا رمضان بشكل أفضل بكثير من العديد من شباب المسلمين اليوم و لم يترخصوا رغم إكراههم و جواز ذلك لهم

    لكن المشكلة هذه الأيام مزدوجة لا ينبغي أن يتحمل مسؤوليتها سارقو رمضان وحدهم رغم عظم جرمهم و رغم عدم تمكن العقل من إيجاد أي عذر لهم يجعلهم يكثفون هجمتهم في هذا الشهر بالذات
    نعم المشكلة مزدوجة يتحمل جزءا كبيرا منها من سمح لهم بسرقته و لم يؤمِّن على رأس ماله
    يتحمل مسؤوليتها من لم يتفكر لحظة ويسأل نفسه سؤالا حاسما
    لماذا يفعل سارقو رمضان ذلك ؟!
    لماذا يعلمنون رمضان؟!
    و"علمنة رمضان" هي الاصطلاح الذي أراه مناسبا لوصف تلك المهزلة بل الجريمة التي تتفاقم كل عام
    لماذا لم نتفكر بجدية في سر هذا السعار الفني و الإعلامي في رمضان ؟!
    لماذا يغرسون تلك المفاهيم الخفية التي تغير من طبيعة رمضان في الوجدان المسلم؟!
    لماذا يتحول رمضان إلى شهر مسلسلات وبرامج مسابقات و تفاهات وفوازير وسهرات؟!
    ما علاقة رمضان بالدورات الرياضية أو بالخيام الترفيهية ؟!
    من غرس تلك المفاهيم في عقول المسلمين و ربطها برمضان ؟!!
    و هل من فعلوا ذلك يريدون فقط تسلية صيامك ؟!
    أن أنهم في الحقيقة يريدون تضييع صيامك و قيامك ؟!
    يريدون تضييع القيمة الأكبر لرمضان و هي التغيير للأفضل
    للأتقى

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
    هذه هي الغاية و ذلك هو المقصد الرباني والذي في مقابله المراد الشيطان الشهواني
    { و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما }
    ‫تأمل‬ وتدبر
    هدفهم ليس فقط أن تميل أو تزل
    وغايتهم ليست مجرد الوقوع في أمر يحتمل خلافا
    هدفهم الذي أخبرك به الله - و من أصدق من الله حديثا - هو أن تميل ((ميلا عظيما))
    دعهم ينكرون كما يشاءون و دعهم يتجملون و يكذبون و يدلسون و يزعمون أنهم وسطيون مبدعون و على مصلحتك ومتعتك حريصون
    لكن مهما قالوا و مهما ادعوا فإن القول الفصل قول ربك { و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما }

    هذا هو الاقتران و تلك هي المزاوجة التي لا تنفصل عند أولئك المفسدين
    اتباع شهوات و رغبة في إمالة الخلق
    ليس مجرد ميل
    بل "ميلا عظيما"
    البعض ينكر بكل حماس وجود طائفة تريد للأمة أن تتبع الشهوات و أن تميل هذا الميل العظيم و أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا و يسفهون بكل قسوة ممن يحذر الخلق من تلك الطائفة و كأنه يدعي شيئا أسطوريا مستحيلا كالغول والعنقاء و الخل الوفي
    بينما لو تدبروا كتاب ربهم لوجدوا هذا البيان القطعي في الآية السابقة عن تلك الطائفة المضلة التي تريد للمؤمنين الميل معها و تسعى بقوة لتمرغهم في أوحال الفساد إلى جوارها
    و هؤلاء هم سارقو رمضان
    و تلك هي حقيقتهم جلية ظاهرة
    فلماذا نتغافل عنها
    لماذا نسمح لهم أو لغيرهم بسرقته
    لماذا لا ندخل رمضان هذا العام بنفسية المورسكيين و نواجه سيوف شهواتهم ورماح مغرياتهم وخناجر فتنهم بنفسية مجاهدة صلبة
    لا نحتاج أن نفعل كما فعل المورسكيين فنخرج إلى البراري و الأصقاع فارين بديننا من محاكم التفتيش أو أن نستخفي بشعائرنا خوفا من عذاب جلاد و بطش متجبر و لكن مهمتنا بلا شك أهون
    فقط نحتاج إلى إرادة قوية و عزيمة و نية و تعظيم و هوية
    دعونا هذا العام ندلف إلى رمضان بتلك العزيمة والنية و بهذا التعظيم لشعائر الله و إظهار الهوية و لنرددها معا في كل مكان
    في بيوتنا و أعمالنا و مساجدنا و بين أهلنا و ذوينا و أصحابنا و على جدران شوارعنا و على جوارحنا و في عقولنا و بقلوبنا و على ألسنتنا
    دعونا نصدع بها قوية و نحطم بها جدر باطلهم و أسوار شهواتهم صائحين
    ‫#‏لن_تسرقوا_منا_رمضان‬
    وكتبه
    محمد علي يوسف
    عشية العاشر من شعبان لعام ١٤٣٤ من الهجرة
    ونشر بعدد رمضان من مجلة حراس الشريعة
    http://alhorras.wordpress.com/2013/07/11/5597/


    روى الإمام أحمد من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال : سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إذا كَنَز الناس الذهب والفضة فاكْنِزوا هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات على الأمر ، والعزيمة على الرُّشْد ، وأسألك شُكر نعمتك ، وأسألك حُسْن عبادتك ، وأسألك قلباً سليماً ، وأسألك لِساناً صادقاً ، وأسألك من خير ما تَعْلَم ، وأعوذ بك من شر ما تَعْلَم ، وأستغفرك لِما تَعْلَم إنك أنت علام الغيوب".
    وفي رواية له قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلّمنا كلمات ندعو بهن في صلاتنا ، أو قال : في دُبُر كل صلاة.



مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة العبادي محمد, 7 ماي, 2019, 10:59 م
ردود 0
85 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة العبادي محمد
ابتدأ بواسطة مسلم للأبد, 23 يون, 2017, 12:24 ص
ردود 0
253 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة مسلم للأبد
بواسطة مسلم للأبد
ابتدأ بواسطة مسلم للأبد, 15 يون, 2017, 02:49 ص
رد 1
355 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة فارس الميـدان
ابتدأ بواسطة عاشق طيبة, 11 أكت, 2016, 12:57 م
ردود 2
997 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة عاشق طيبة
بواسطة عاشق طيبة
ابتدأ بواسطة فارس الميـدان, 11 أكت, 2016, 03:01 ص
ردود 0
784 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة فارس الميـدان
يعمل...