اليهود أنثروبولوجيا - د. جمال حِمدان

تقليص

عن الكاتب

تقليص

أحمد. مسلم اكتشف المزيد حول أحمد.
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد.
    مشرف اللجنة العلمية

    حارس من حراس العقيدة
    • 30 يون, 2011
    • 6655
    • -
    • مسلم

    اليهود أنثروبولوجيا - د. جمال حِمدان




    كتاب : اليهود أنثروبولوجيا
    بقلم : د. جمال حمدان
    تقديم : د. عبد الوهاب المسيرى



    النسخةُ المُصوَّرَة : ط دار الهلال
    http://www.mediafire.com/download/dtkqpwachvcumcq

    التفريغ : مُنتدى حُرَّاس العَقيدَة
    https://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=48475



    يُتبَع بإذنِ الله



    وَوالله ما عقيدَةُ الإسْلامِ بأهونَ مِنْ عقيدَةِ اليهودِ التي يَنتصرونَ بها، وَلا عقيدَةِ النَّصارى التي يَنتصرون بها، وَلا عقيدَةِ الرافِضةِ التي يَنتصرونَ بها، وَالله لو كانوا صادقينَ لانتصروا بالإسْلامِ، قالَ اللهُ {وإنَّ جُندَنا لهُم الغالبون}، فلمَّا انهزموا وَانكسروا وَاندحروا عَلِمنا أنَّ الإسلامَ مِنْهم برئٌ حقُّ برئٍ.

    رحِمَ
    اللهُ مُقاتِلة الإسْلامِ خالدَ وَالزبيرَ وَسعدَ وَعِكرمَة وَالقعقاعَ وَمُصعبَ وخبابَ وَخُبيبَ وَعلي وَعُمرَ وَعمرو وَابنَ عفَّانَ وأبا بكرَ وإخوانَهم وَالتابعينَ مِنْ بعدِهِم، رأينا رِجالا كسرَ اللهُ بهِمْ شوكَةَ كلِّ ذي شوكَةٍ، وَاليومَ نرى جيَفًا أظهرَ اللهُ عليها كلَّ دودَةٍ وَأرَضةٍ.
  • أحمد.
    مشرف اللجنة العلمية

    حارس من حراس العقيدة
    • 30 يون, 2011
    • 6655
    • -
    • مسلم

    #2



    مقدمة

    بقلم :
    د. عبد الوهاب المسيري

    اليهود أنثروبولوجيا[1]، أي "اليهود من الناحية الأنثروبولوجية" هو عنوان الكتيب الذي بين أيدينا، ألّفه هذا العبقري الفلتة، جمال حمدان. ورغم صغر حجم الكتيب فإنه يبلور كثيرًا من أفكاره وآرائه ولا يمكن فهمه إلا في إطار منظومته الفلسفية والسياسية ومنطلقاته الفكرية.



    وهذا الكتيب، مثل كل كتابات جمال حمدان، ليس دراسة بالمعنى السلبي للكلمة، أي الدراسة التي يكتبها أحد المتخصصين الأكاديميين دونما سبب واضح ولا تتسم بأي شيء سوى أنها "صالحة للنشر" لأن صاحبها اتبع مجموعة من الأعراف والآليات البحثية (من توثيق ومراجع وعنعنات علمية موضوعية) تم الاتفاق عليها بين مجموعة من المتخصصين والعلماء. والهدف عادة من مثل هذه الكتابات (التي يُقال لها "أبحاث" مع أنها لا تنبع من أية معاناة حقيقية ولا تشكل "بحثًا" عن أي شيء) هو زيادة عدد الدراسات التي تضمها المسيرة العلمية للأكاديمي صاحب الدراسة. فتتم ترقيته، فالصالح للنشر هو عادة ما يؤهل للترقية. قد تقوم الدنيا ثم تقعد وقد يُقتل الأبرياء وينتصر الظلم وينتشر الظلام، وصاحب "البحث" لا يزال يكتب ويوثق ويعنعن وينشر، ثم يكتب ويوثق ويعنعن وينشر، وتدور المطابع وتسيل الأحبار ويخرج المزيد من الكتب. ثم يذهب صاحبنا إلى المؤتمرات التي تُقرأ فيها أبحاث أكاديمية لا تبحث عن شيء ليزداد لمعانًا وتألقًا، إلى أن يعين رئيس المجلس الأعلى لشئون اللاشيء الأكاديمي، يتحرك في عالم خالٍ من أي هموم إنسانية حقيقية –عالم خالٍ من نبض الحياة : رمادية كالحة هي هذه المعرفة الأكاديمية، وذهبية خضراء هي شجرة المعرفة الحية المورقة.

    ------------------
    [1] لتقليل عدد الهوامش سنورد أرقام الصفحات في النص نفسه بعد عنوان الكتاب (إلا كتاب اليهود أنثروبولوجيا فسنكتفي بالإشارة إلى رقم الصفحة).
    1)
    استراتيجية الاستعمار والتحرير (دار الهلال) 1968.
    2)
    شخصية مصر (الهيئة العامة للكتاب) 1995.
    3)
    العالم الإسلامي المعاصر (دار الهلال) 1993.
    4)
    ثلاثية حمدان : د. عمر الفاروق "دار الهلال" 1995. اقتبسنا من هذا الكتاب بعض أقوال جمال حمدان التي وردت في الطبعة الموسعة لكتاب شخصية مصر.


    وَوالله ما عقيدَةُ الإسْلامِ بأهونَ مِنْ عقيدَةِ اليهودِ التي يَنتصرونَ بها، وَلا عقيدَةِ النَّصارى التي يَنتصرون بها، وَلا عقيدَةِ الرافِضةِ التي يَنتصرونَ بها، وَالله لو كانوا صادقينَ لانتصروا بالإسْلامِ، قالَ اللهُ {وإنَّ جُندَنا لهُم الغالبون}، فلمَّا انهزموا وَانكسروا وَاندحروا عَلِمنا أنَّ الإسلامَ مِنْهم برئٌ حقُّ برئٍ.

    رحِمَ
    اللهُ مُقاتِلة الإسْلامِ خالدَ وَالزبيرَ وَسعدَ وَعِكرمَة وَالقعقاعَ وَمُصعبَ وخبابَ وَخُبيبَ وَعلي وَعُمرَ وَعمرو وَابنَ عفَّانَ وأبا بكرَ وإخوانَهم وَالتابعينَ مِنْ بعدِهِم، رأينا رِجالا كسرَ اللهُ بهِمْ شوكَةَ كلِّ ذي شوكَةٍ، وَاليومَ نرى جيَفًا أظهرَ اللهُ عليها كلَّ دودَةٍ وَأرَضةٍ.

    تعليق

    • أحمد.
      مشرف اللجنة العلمية

      حارس من حراس العقيدة
      • 30 يون, 2011
      • 6655
      • -
      • مسلم

      #3



      النموذج المعلوماتي التراكمي


      كتيب جمال حمدان ليس دراسة أكاديمية بهذا المعنى، وإنما هي دراسة عميقة كتبها مثقف مصري "صاحب موقف" لا يكتب إلا انطلاقا من لحظة معاناة وكشف. وهو لاشك يتبع معظم الأعراف الأكاديمية ويستخدم كل الآليات البحثية من توثيق وعنعنة. ولكن الآليات هي مجرد آليات، والوسائل لا تتحول ابدا إلى غايات، والمعلومات موجودة وبكثرة (وربما تفوق بمراحل ما تأتي به المراجع المعلوماتية) ولكنها مجرد معلومات. فنقطة البدء هي قلق وجودي عميق أدى إلى ظهور مشروع فكري متكامل، والهدف يظل دائما هو الوصول إلى الحقيقة وكيف يمكن تحويل الحقيقة إلى عدل.



      ولذا فكل دراسات جمال حمدان هي دراسات إشكالية، محاولة للإجابة عن سؤال ما، وتصب كل الأسئلة في مشروع فكري واحد، محوره مصر. فجمال حمدان صاحب فكر وليس ناقلًا للأفكار مثل عدد لا يستهان به ممن يسمون بالمفكرين في بلادنا، ممن جعلوا همهم نقل آخر فكرة وآخر صيحة، عادة من الغرب "أولئك الذين يرون أن العالم هو الغرب .. ولا شيء سواه، وهي النظرة الاستعمارية التي سادت طويلًا، والتي تركز على أن الدنيا هي أوربا Euro-Centric والآن على أوربا وأمريكا معا Atlanto Centric أو الغرب بعامة West Centric" (ثلاثية حمدان، ص 23). صاحب الفكر هو إنسان قد طور منظومة فكرية تتسم أجزاؤها بقدر من الترابط والاتساق الداخلي (فهي تعبّر عن قلقه وآماله)، ويكمن وراءها نموذج معرفي واحد – رؤية واحدة للكون. أما ناقل الأفكار، فهو إنسان ينقل أفكارًا متناثرة لا يربطها بالضرورة رابط وتنتمي كل فكرة إلى منظومة فكرية مستقلة. وما يحدث في كثير من الدراسات الأكاديمية أن كاتبيها يقومون بنقل الأفكار المتباينة ويعرضون لها، دون إدراك للنموذج المعرفي الكامن وراءها، أو مع إدراك كامل له دون أن يكترثوا بتضميناته وتطبيقاته، فمهمتهم هي النقل (حتى نلحق بركب الحضارة الغربية) – نقل كل شيء بأمانة شديدة وحياد أشد، وموضوعية متلقية هي في واقع الأمر تعبير عن موت القلب والعقل والضمير والهوية، والقدرة على الاجتهاد. في هذا الإطار يحل السرد المباشر للأفكار محل عمليات التفسير بما تتضمنه من تفكيك وإعادة تركيب، ويختفي المنظور النقدي، فتتعايش الأفكار المتناقضة جنبًا إلى جنب ولا يمكن التمييز بين الجوهري منها والهامشي. ونقل الأفكار ورصها دون إدراك لتضميناتها الفلسفية لايختلف كثيرًا عن نقل المعلومات ومراكمتها دون إدراك للمعنى الكامن وراءها والتحيزات القابعة داخلها والسياق الذي نبعت منه. ولذا فمثل هذه الدراسات "قد تنقل عمدًا أو عن غير عمد وجهات نظر محدودة ومحسوبة سياسيًا" (كما يقول جمال حمدان ص 7) وهكذا يتحول المثقفون إلى أعضاء في شركات نقل الأفكار التي لا تختلف كثيرًا عن شركات نقل المعلومات أو حتى البضائع.



      جمال حمدان لا ينتمي إلى هذه المدرسة المعلوماتية التراكمية التي استشرت تمامًا في صفوف الباحثين بسبب سهولة الإنتاج العلمي من خلالها (استبيانات – جداول – تحليل سطحي للمضمون – استطلاع رأي – أرقام). ولا شك أن غياب المشروع الحضاري المستقل يزيد من انتشار هذا النموذج، إذ يحل التفكير السهل المباشر من خلال الكم المصمت محل التفكير المركب من خلال الرؤية والهوية والحلم والأمل، ويصبح التلقي المهزوم والإذعان (الموضوعي) للأمر الواقع بديلًا لمحاولة رصد الواقع بأمل تغييره وإعادة صياغته. وقد زحف هذا النموذج على المقررات المدرسية وفلسفة التعليم في مدارسنا، ومن هنا التلقين، والدروس الخصوصية التي لا تعلّم الطالب شيئا، إذ أن المهارة الأساسية التي يكتسبها هي مهارة اجتياز الامتحانات.



      إن المدرسة المعلوماتية التراكمية معادية للفكر والإبداع، تدور في إطار الموضوعية المتلقية، السلبية، العقل عندها آلة ترصد وتسجل، وليس طاقة إنسانية مبدعة تعيد صياغة العالم. وهي لا تكترث بالحق أو الحقيقة لأنها غرقت تمامًا في الحقائق والوقائع والأفكار المتناثرة. ترصدها من الخارج دون تعمق ودون اجتهاد وكأنها أشياء مرصوصة، كم لا هوية له، ولذا تفقد الظواهر شخصيتها ومنحناها الخاص. وكما يقول جمال حمدان : "نحن نلاحظ أن أغلب كتاباتنا في العربية عن العدو الإسرائيلي تأخذ في جملتها الصيغة السياسية المباشرة أو غير المباشرة التي تعامل العدو كمعطيات مفروغ منها أو ككم معلوم بدرجة أو بأخرى دون أن تحاول أن تنفذ إلى حقيقة كيانه وتركيبه : فالكل يهود أو صهيونيون، والكل يعيش في كنف الاستعمار وحمايته، والكل أتى بصورة غامضة من نسل يهود الشتات الذي أتوا بدورهم بطريقة ما من سلالة يهود فلسطين التوراة ... إلخ. وفي هذا الإطار التجريدي الضيق [أي الاختزالي] أو المتعجل غير المتأني ... تبدو صورة العدو في أذهاننا باهتة عائمة بالغة السطحية، وتبدو أحيانًا – أكاد أقول – كما لو كنا نطارد شبحًا" (ص 6).


      وَوالله ما عقيدَةُ الإسْلامِ بأهونَ مِنْ عقيدَةِ اليهودِ التي يَنتصرونَ بها، وَلا عقيدَةِ النَّصارى التي يَنتصرون بها، وَلا عقيدَةِ الرافِضةِ التي يَنتصرونَ بها، وَالله لو كانوا صادقينَ لانتصروا بالإسْلامِ، قالَ اللهُ {وإنَّ جُندَنا لهُم الغالبون}، فلمَّا انهزموا وَانكسروا وَاندحروا عَلِمنا أنَّ الإسلامَ مِنْهم برئٌ حقُّ برئٍ.

      رحِمَ
      اللهُ مُقاتِلة الإسْلامِ خالدَ وَالزبيرَ وَسعدَ وَعِكرمَة وَالقعقاعَ وَمُصعبَ وخبابَ وَخُبيبَ وَعلي وَعُمرَ وَعمرو وَابنَ عفَّانَ وأبا بكرَ وإخوانَهم وَالتابعينَ مِنْ بعدِهِم، رأينا رِجالا كسرَ اللهُ بهِمْ شوكَةَ كلِّ ذي شوكَةٍ، وَاليومَ نرى جيَفًا أظهرَ اللهُ عليها كلَّ دودَةٍ وَأرَضةٍ.

      تعليق

      • أحمد.
        مشرف اللجنة العلمية

        حارس من حراس العقيدة
        • 30 يون, 2011
        • 6655
        • -
        • مسلم

        #4



        ثنائية تكاملية

        وبدلًا من هذه المطاردة العبثية للأشباح غير الحقيقية، يقترح جمال حمدان "دراسة علمية محققة تقتنص هذا الشبح، وتجسده، ثم تشرحه أصلًا وتاريخًا، جنسا وتركيبا، تطورا وتوزيعا" (ص 6)، بدلا من الاختزال التركيب، وبدلا من التلقي الإبداع، وبدلا من التفاصيل الفكرية أو المعلوماتية الميتة رؤية متكاملة وحية. تبدأ هذه الرؤية بتعريف (أو إعادة تعريف) علم الجغرافيا ذاته (وهذا أمر يغيب عن الكثيرين، أن البحث المبدع الأصيل في مجال العلوم الإنسانية يعيد صياغة حدود العلم ذاتها). فالجغرافيا "هى علم تباين الأرض (أي التعرف على الاختلافات الرئيسية بين أجزاء الأرض المختلفة)"، هي ولا شك "علم" ولذا فهي تتعامل مع الكم والعام. يقف معظم الباحثين عند هذه التضاريس أو الحدود المادية الصارمة، ولكن جمال حمدان المبدع الجسور يتقدم ويغامر ليتعامل مع الكيف والخاص فيؤكد أن قمة علم الجغرافيا هو التعرف على "شخصية الأقاليم". يقول ذلك وهو يعرف تماما أنه قد ولج عالما جديدا مختلفا، "فالشخصية الإقليمية" شيء أكبر من مجرد المحصلة الرياضية لخصائص وتوزيعات الإقليم، إنها تتساءل أساسا عما يعطي منطقة تفردها وتميزها بين سائر المناطق، وتريد أن تنفذ إلى "روح المكان" لتستشف "عبقريته الذاتية التي تحدد شخصيته الكامنة".



        عالم الكم هو عالم الأشباح التي لا بدن لها ولا قوام ولا روح. ولأنها لا بدن لها نجدها تهوم في الأماكن ولا يمكن الإمساك بها. وهي أيضا لا روح لها، فالروح هي مصدر فردية المرء وتميزه عن غيره من بني الإنسان. هذا لا يعني أن الجسد ليس له تميزه، فشكل الجسد وبنيته يختلفان من فرد إلى فرد ومن مجموعة بشرية إلى أخرى. ولكن تميز الجسد ليس بنفس درجة تميز الروح، فالجسد في نهاية الأمر والتحليل والمطاف كم مادي ينتمي لعالم المادة، وقوانين الحركة. بل إن تميزه الحقيقي يأتي من وجود الروح فيه، التي تصوغ الجسد داخل خطاب حضاري متميز (من ملبس ومأكل وزينة) تختلف من زمان لآخر ومن مكان لآخر، فهي تخرج بالجسد من عالم الطبيعة وقوانينها العامة وتدخل به عالم الحضارة الإنسانية بثرائها وخصوصيتها.



        ولأن الجغرافيا كعلم تتجاوز عالم المادة والحواس المباشرة وليست سجينة الكم، فهي لا تقبع قط في الآن وهنا وحسب، وإنما تتجاوزهما، "فهي تترامي بعيدا عبر الماضي وخلال التاريخ، لأنه بالدور التاريخي وحده يمكن أن نتعرف على الفاعلية الإيجابية للإقليم وعلى التعبير الحر للشخصية الإقليمية" (شخصية مصر، ص 2).



        ولنلاحظ ما يفعله جمال حمدان : فهو يرفض أحادية البعد ويتبنى ثنائية أساسية تشكل جوهر رؤيته. وكما يقول : "حق لنا أن نبقي تفاصيل التفاصيل ... ولكن أحق علينا كذلك ألا نغرق فيها أو نتوه، وإنما علينا أن نتجاوزها، نقفز منها وفوقها إلى أعلى الكليات وأعم العموميات ... وإلى جانب النظرة التحليلية الميكروسكوبية والجغرافية المجهرية، لا غنى عن النظرة التركيبية التليسكوبية والجغرافية والمايكروسكوبية الواسعة الأفق" (ثلاثية حمدان، ص 29). ولكن الثنائية التي يدعو لها ليست ازدواجية وإنما ثنائية تكاملية : كم يتكامل مع كيف – جغرافيا تتكامل مع تاريخ – مكان يتكامل مع زمان – جسد يتكامل مع روح – جزء يتكامل مع كل – خاص يتكامل مع عام. والتكامل هنا لا يعني تقاطع وتفاعل يؤدي إلى تفرد وتجاوز لعالم الكم المادي. وإذا أخذنا العنصر الثاني في الثنائيات فسنكتشف أنه لا ينتمي لعالم المادة المصمتة وإنما ينتمي إلى عالم الإنسان (كيف – تاريخ زمان – روح). وكما يقول جمال حمدان : "البيئة قد تكون في بعض الأحيان خرساء، ولكنها تنطق من خلال الإنسان. وربما تكون الجغرافيا صماء، ولكن ما أكثر ما كان التاريخ لسانها. ولقد قيل بحق أن التاريخ ظل الإنسان على الأرض، بمثل ما أن الجغرافيا ظل الأرض على الزمان" (شخصية مصر، ص 4).



        بيئة خرساء وجغرافيا صماء، هذا هو عالم الواحدية المادية (والدراسات الموضوعية المعلوماتية التراكمية المتلقية) في مقابل إنسان ينطق وتاريخ يتحدث بلسان فصيح (مثل كتابات جمال حمدان والتاريخ هو محاولة الإنسان تجاوز عالم المادة ولذا فهو يلقي بظله عليها – على الأرض. ولكن مادية العالم وموضوعيته لا يمكن للإنسان أن يبتلعهما، ولذا فالأرض تلقي هي الأخرى بظلالها على الزمان الإنساني.


        وَوالله ما عقيدَةُ الإسْلامِ بأهونَ مِنْ عقيدَةِ اليهودِ التي يَنتصرونَ بها، وَلا عقيدَةِ النَّصارى التي يَنتصرون بها، وَلا عقيدَةِ الرافِضةِ التي يَنتصرونَ بها، وَالله لو كانوا صادقينَ لانتصروا بالإسْلامِ، قالَ اللهُ {وإنَّ جُندَنا لهُم الغالبون}، فلمَّا انهزموا وَانكسروا وَاندحروا عَلِمنا أنَّ الإسلامَ مِنْهم برئٌ حقُّ برئٍ.

        رحِمَ
        اللهُ مُقاتِلة الإسْلامِ خالدَ وَالزبيرَ وَسعدَ وَعِكرمَة وَالقعقاعَ وَمُصعبَ وخبابَ وَخُبيبَ وَعلي وَعُمرَ وَعمرو وَابنَ عفَّانَ وأبا بكرَ وإخوانَهم وَالتابعينَ مِنْ بعدِهِم، رأينا رِجالا كسرَ اللهُ بهِمْ شوكَةَ كلِّ ذي شوكَةٍ، وَاليومَ نرى جيَفًا أظهرَ اللهُ عليها كلَّ دودَةٍ وَأرَضةٍ.

        تعليق

        • أحمد.
          مشرف اللجنة العلمية

          حارس من حراس العقيدة
          • 30 يون, 2011
          • 6655
          • -
          • مسلم

          #5



          المحصلات الرياضية


          هذه الثنائية الأساسية هي التي جعلت جمال حمدان يرفض هذا المفهوم المعرفي الذي يشكل الأساس الفلسفي للنموذج المعلوماتي التراكمي والذي قوض دعائم الإبداع الإنساني وإمكانية الاجتهاد وأحل محله فكرا ماديا حتميا مملا يقضي على الإنسان – يلقي بظلاله الكثيفة الكئيبة عليه حتى يخفيه تماما، أعني فكرة وحدة العلوم التي أصبحت من المنطلقات المعرفية الأساسية للبحث العلمي في مصر والعالم. وجوهر هذه الفكرة هو أنه يجب عدم التمييز بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية. فالاختلاف بين الإنسان والأشياء ليس اختلافا في الجوهر والنوع والكيف، وإنما هو اختلاف في التفاصيل والدرجة والكم، ولذا فإن ما يسري على الأشياء (والظواهر الطبيعية) يسري في أساسياته على الإنسان، ولذا فلابد أن يكون هناك منهج واحد لدراسة الإنسان والأشياء ولسلوك الإنسان والنمل. قد لا يقول دعاة هذا المنهج ذلك صراحة (فمن منا يمكن أن ينكر إنسانيته ببساطة وبشكل صريح وواضح ؟) ولكن مثل هذا الموقف متضمن في منطلقاتهم المعرفية. يرفض جمال حمدان هذا المنطق المادي المصمت المعادي للإنسان : "فالجغرافيا الكاملة الكامنة لا تتحقق في شيء كما تتحقق في دراسة الشخصية الإقليمية ... والشخصية الإقليمية ليست تقرير حقيقة علمية مطلقة يمكن أن تخضع تماما للقياس الرياضي والإحصاء، وذلك على الرغم من أنها تعتمد أساسا ... على مادة علمية موضوعية بحتة. إنها عمل فني بقدر ما هي عمل علمي". وهو لا يجد في هذه الثنائية أي تعارض، فالجغرافيا "فلسفة المكان ... فلسفة عملية واقعية ... ترتفع برأسها فوق التاريخ ... وتظل أقدامها راسخة في الأرض". وفي عبارة رائعة تعكس هذه الثنائية وتفرض عليها قدرا من التكاملية – وهو سيد مثل هذه العبارات – يقول حمدان : "فلسفة تحلق بقدر ما تحدق". الجغرافيا في نهاية الأمر "علم وفن وفلسفة في ذات الوقت : علم بمادتها، فن بمعالجتها، فلسفة بنظراتها". كل هذا يعني رفض النموذج المعلوماتي التراكمي (الواحدي المادي)، "فهذا المنهج المثلث يعني ببساطة أنه ينقلنا بالجغرافيا من مرحلة المعرفة إلى مرحلة التفكير، من جغرافيا الحقائق المرصوصة إلى جغرافيا الأفكار الرصينة" (شخصية مصر، ص 6) وما بين الرص التراكمي والرصانة الإنسانية ثمة فرق شاسع.



          ولعل هذا هو السبب الحقيقي لتركه الجامعة، فالنزوع نحو الرص كان قد بدأ في التصاعد (حتى وصل مؤخرا إلى أبعاد لا يمكن تخيلها). لعله أحس بالكارثة المحدقة وبالتشيىء المطبق، وبأن عالم الكم والأشباح يزداد اقترابا واتساعا فقرر أن يحمي علمه وإبداعه، لأنه عالم لا فلسفة فيه ولا فن ولا إبداع – وإنما محصلات رياضية صماء خرساء لا تقول شيئا ولا حول ولا قوة إلا بالله !



          ثمة نقطة أساسية هنا تحتاج لمزيد من التأكيد وهي أن فكرة وحدة العلوم بنزعتها المادية المتطرفة (كل الأمور مادية طبيعية خاضعة للقانون الطبيعي الحتمي الصارم) لا تقوم بالمساواة بين كل الظواهر وحسب وإنما تقوم في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير بتسويتها وردها إلى عنصر مادي واحد. فتختفي الثنائيات والخصوصيات ويختفي عدم التجانس وتظهر المحصلات الرياضية التي تشبه الهامبورجر أو النظام العالمي الجديد بنزوعه نحو العولمة والكوكبة والكوكلة "نسبة إلى الكوكا كولا" وتحويل العالم إلى سوبر ماركت ضخم، كل الناس فيه سواسية كأسنان المشط البلاستيك المستورد أو المصنوع محليا. جمال حمدان لا يطيق هذا، فعالمه عالم إنساني ثري جميل مورق ينبض بالحياة ويتسم بعدم التجانس والخصوصية والتفرد.



          وينعكس كل هذا في مفهومه للوحدة، فهو يرفض الوحدة العضوية المصمتة التي تدور في إطار الرؤى المادية وتشيىء الظواهر، وتجعلها كلا متجانساً أملس . بل إنه يؤكد البعد الإنساني في مبدأ الوحدة ذاته : "إن الوحدة السياسية لا تأتي بالضرورة من الوحدة الطبيعية وإنما من الوحدة البشرية تأتي . فالعبرة في قيام دولة موحده دستورياً هي وحدة الناس , أي وحدة القومية بمعنى تجانسهم في المقومات الأساسية من لغة مشتركة وتاريخ ملتحم ومصلحة مترابطة وعقيدة سائدة ... ثم إن الوحدة السياسية وحدة وظيفية , والوحدة الوظيفية في أي مجال لاتاتي من الوحدة التركيبية بل من التنوع التركيبي , فأي جدوى من أن تتحد أقطار متشابهة منمطة في إنتاجها ومواردها وإمكانياتها إلا أن يكون مجرد تمدد أميبي عقيم ؟ وهذا بالدقة ما يعرف بمبدأ "التنوع في الوحدة" أو "الوحدة في التنوع" ( شخصية مصر , ص13 )


          وَوالله ما عقيدَةُ الإسْلامِ بأهونَ مِنْ عقيدَةِ اليهودِ التي يَنتصرونَ بها، وَلا عقيدَةِ النَّصارى التي يَنتصرون بها، وَلا عقيدَةِ الرافِضةِ التي يَنتصرونَ بها، وَالله لو كانوا صادقينَ لانتصروا بالإسْلامِ، قالَ اللهُ {وإنَّ جُندَنا لهُم الغالبون}، فلمَّا انهزموا وَانكسروا وَاندحروا عَلِمنا أنَّ الإسلامَ مِنْهم برئٌ حقُّ برئٍ.

          رحِمَ
          اللهُ مُقاتِلة الإسْلامِ خالدَ وَالزبيرَ وَسعدَ وَعِكرمَة وَالقعقاعَ وَمُصعبَ وخبابَ وَخُبيبَ وَعلي وَعُمرَ وَعمرو وَابنَ عفَّانَ وأبا بكرَ وإخوانَهم وَالتابعينَ مِنْ بعدِهِم، رأينا رِجالا كسرَ اللهُ بهِمْ شوكَةَ كلِّ ذي شوكَةٍ، وَاليومَ نرى جيَفًا أظهرَ اللهُ عليها كلَّ دودَةٍ وَأرَضةٍ.

          تعليق

          • أحمد.
            مشرف اللجنة العلمية

            حارس من حراس العقيدة
            • 30 يون, 2011
            • 6655
            • -
            • مسلم

            #6



            سيدة الحلول الوسطى


            هذا المنهج يتبدى تماماً في رؤيته لمصر, فهي نتيجة تفاعل بين بعدين أساسيين (ائتلافاً واختلافا) : الموضع والموقع, وبين هذا الشد والجذب تخرج شخصية مصر الكامنة كفلتة جغرافية, هي فلتة ولكنها ليست وثناً, ولم يكن هو عاشق وثني لمصر (كما يحلو للبعض تصويره) يتعبد في محراب مصر, ولذا فهو يرفض السقوط في ميتافيزيقا المكان المصري (أو أي مكان آخر) فيقول: "كثير من هذه السمات تشترك فيها مصر مع هذه البلاد أو تلك, ولكن مجموعة الملامح ككل تجعل منها مخلوقاً فريداً فذاً حقيقة" ( شخصية مصر , ص 8 ) .



            جمال حمدان كان محباً لمصر
            , والحب "أسرار" كما يعرف كل من عرف الحب الحق, وأن تبوح به هو في حكم المحال, وإن اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ! ولذا أن تحاول أن تفهم السر وأن تفصح عنه في ذات الوقت هو شكل من أشكال الثنائية . ولكن العالم – الفنان – الفيلسوف – الذي يستند عالمه إلى ثنائية تكاملية يعرف ذلك تماما, ولذا فهو يحاول أن يفهم السر وهو يعلم مسبقاً انه لن يكشفه, ولن يسويه, وهو يحاول ان يبوح ولكنه يعلم أن البوح والإفصاح لن يجففا بحر الحب وعيون المحبة ! ولذا فالعلم الذي سيؤسسه ليس علماً رصدياً ترشيحياً برانياً – نقتل الفراشة ثم ندرسها ونفسرها . أو كما يقول: "إن الدراسة الإقليمية التحليلية .. تثري معرفتنا بالمعلومات, غير أنها قل أن تتقبض على روح المكان أو تجسد العبقرية بإحكام, إنها تشرح الإقليم .. إلا أنها في غمار ذلك تضحي بروح الإقليم" ( ثلاثية حمدان , ص 29 ) تزهقه تماماً . وما يريد أن يؤسسه جمال حمدان هو "علم مبني على الحب , علم يحلق ويحدق , يتحرك من التخصيص إلى التعميم .. من الجزء إلى الكل" ( ثلاثية حمدان , ص29 ) يدرك السطح البرانى بتفاصيله والعمق الجواني بأبعاده, يعرف الوحدة ولا ينكر عدم التجانس . ولذا لا ينبغي لنا أن نبالغ فندعي تجانساً مطلقاً, يكفي أن نقول تجانساً نسبياً . وهذا التجانس ليس النقاوة الجنسية (التي يدعيها العنصريون البيولوجيون الماديون لأنفسهم), فمن الواضح "أن دماء كثيرة دخيلة وغريبة قد أضيفت إلى عروق مصر وصبت في شرايينها ... وليس من الدقة العلمية في شيء أن نصور مصر بوعاء جامد يتشكل كل من دخله بشكله , فليس هناك أطر ثابتة إلى هذا الحد كأنها أقفاص حديدية" ( شخصية مصر , ص 32 ) .



            كاتبنا ينفر بشكل واضح من النماذج الاختزالية المغلقة والتجانس الواحدي المطلق, عالم الأشباح إياه . ومصر التي يحبها ليست شيئاً مادياً, جغرافياً محضاً, وإنما هي رقعة يلتقي فيها الزمان بالمكان . هي مجموعة من الثنائيات التي لا تذوب ولا تختزل في كل واحدي مصمت – "هي بطريقة ما تكاد تنتمي إلى كل مكان دون أن تكون هناك تماماً, فهي بالجغرافيا تقع في أفريقيا, ولكنها تمت أيضاً إلى آسيا بالتاريخ ... وهي بجسمها النحيل تبدو مخلوقاً اقل من قوي, ولكنها برسالتها التاريخية الطموح تحمل رأساً أكثر من ضخم ... وإذا كان لهذا كله مغزى , فهو ليس أنها تجمع بين الأضداد والمتناقضات, وإنما أنها تجمع بين أطراف متعددة غنية وجوانب كثيرة خصبة وثرية, بين أبعاد وآفاق واسعة, بصورة تؤكد فيها "ملكة الحد الأوسط" وتجعلها "سيدة الحلول الوسطى", تجعلها أمة وسطاً بكل معنى الكلمة, بكل معنى الوسط الذهبي, ولكن ليس أمة نصفاً" ! ( شخصية مصر ص 8-9 ) .


            وَوالله ما عقيدَةُ الإسْلامِ بأهونَ مِنْ عقيدَةِ اليهودِ التي يَنتصرونَ بها، وَلا عقيدَةِ النَّصارى التي يَنتصرون بها، وَلا عقيدَةِ الرافِضةِ التي يَنتصرونَ بها، وَالله لو كانوا صادقينَ لانتصروا بالإسْلامِ، قالَ اللهُ {وإنَّ جُندَنا لهُم الغالبون}، فلمَّا انهزموا وَانكسروا وَاندحروا عَلِمنا أنَّ الإسلامَ مِنْهم برئٌ حقُّ برئٍ.

            رحِمَ
            اللهُ مُقاتِلة الإسْلامِ خالدَ وَالزبيرَ وَسعدَ وَعِكرمَة وَالقعقاعَ وَمُصعبَ وخبابَ وَخُبيبَ وَعلي وَعُمرَ وَعمرو وَابنَ عفَّانَ وأبا بكرَ وإخوانَهم وَالتابعينَ مِنْ بعدِهِم، رأينا رِجالا كسرَ اللهُ بهِمْ شوكَةَ كلِّ ذي شوكَةٍ، وَاليومَ نرى جيَفًا أظهرَ اللهُ عليها كلَّ دودَةٍ وَأرَضةٍ.

            تعليق

            • أحمد.
              مشرف اللجنة العلمية

              حارس من حراس العقيدة
              • 30 يون, 2011
              • 6655
              • -
              • مسلم

              #7



              الدائرة العربية والدائرة الإسلامية

              وسيدة الحلول الوسطى هذه "فرعونية بالجد. . . عربية بالأب" (شخصية مصر، ص8). ولكنها ثنائية تكاملية، وليست ازدواجية فالأب والجد من أصل وجد أعلى واحد مشترك. "غير أن العرب هنا وقد غيروا ثقافة مصر، هم "الأب الاجتماعي" في الدرجة الأولى، وليسوا "الأب البيولوجي" إلا في الدرجة الثانية" (شخصية مصر، ص 213). فالتعريب والإسلام. . . "هما أعظم حقيقة في تاريخ مصر الثقافي والروحي ويمثلان انقطاعاً حضارياً، ونقطة تحول حاسمة وخط تقسيم في وجودنا اللامادي" (شخصية مصر، ص208). وبالنسبة لجمال حمدان يعد هذا الوجود اللامادي هو العنصر الأهم في ثنائيته التكاملية. "بعد التعريب. . . أصبحت [مصر] جزءاً لا يتجزأ من العالم العربي وعاشت غالبا إقليما أو رأساً في رؤيته السياسية وفي ظل وحدته القومية" (شخصية مصر، ص208).


              والاستعارات أو الصور المجازية التي يستخدمها جمال حمدان تشي بولائه العربي على حساب جذوره "المصرية". فنحن نحب الجد ونتذكره، أما الأب فنحن ننتمي إليه، ونسير معه خاصة وإذا كان الأب العربي هو "آخر انقطاع في الاستمرارية المصرية"، خاصة أن الجد قد ابتعد كثيراً، فمصر الفرعونية (كما يبين جمال حمدان) "لم تعد إلا مكدسة في المتحف أو معلقة كالحفريات على سفوح الهضبتين، أما في الوادي فقد انقرضت كما انقرضت من قبل تماسيح النيل من النهر، ولهذا فنحن ننتهي إلى أن الحضارة الفرعونية قد ماتت في مجموعها، دون أن ينفي ذلكالاستمرارية المحورية في حضارتنا المادية" (شخصية مصر، 207). ولذا يحذر جمال حمدان دعاة "الفرعونية (وغيرها من دعاوى الرجعية التاريخية والوطنيات الضيقة كالفينيقية والأشورية) فالمقصود من هذه الدعوات نفي القومية العربية ونسخ العروبة ومضاربة القومية الشاملة بالوطنية المغلقة" (شخصية مصر، ص214). كما يحذر من دعاة الاستمرارية في الكيان المصري "لا ليبرز أصالة ما، ولكن ليقلل من جانب الانقطاع، وبالتالي ليضخم في البعد الفرعوني في تاريخنا فيبعدنا عن عروبتنا ويطمس معالمها" (شخصية مصر، ص208-209)


              ومصر التي في خاطره وفي فمه، وسيدة الحلول الوسطى، تقع في وسط ثلاث (أو أربع) دوائر مختلفة "بحيث صارت مجمعاً لعوالم شتى، فهي قلب العالم العربي وواسطة العالم الإسلامي وحجر الزاوية في العالم الإفريقي" (شخصية مصر، ص9). وهو في كتابات أخرى يشير إلى أفريقيا وآسيا باعتبارهما الدائرة الثالثة. ثم هناك الدائرة الرابعة الأعظم والمحيط الأكبر: بقية العالم.


              ولنبدأ بالدائرة الأولى أي الدائرة العربية. "الإطار العربي [حسب تصور حمدان] ليس مجرد بعد توجيهي أو إشعاعي ولكنه خامة الجسم وكيان جوهر في ذاته" (شخصية مصر. ص 178). ومع هذا لا يرى حمدان أن الوحدة العربية وحدة عضوية مصمتة: "فليس مما يضير قضية الوحدة العربية أو يخرب حركة القومية العربية أن يكون لكل قطر من أقطارها شخصيته الطبيعية المتبلورة بدرجة او بأخرى داخل الإطار العام المشترك. وهذا التنوع والتباين في البيئات إنما يثري الشخصية العربية العامة ويجعلها متعددة الجوانب والأبعاد". وهو "لا يعني التمزيق السياسي أو تأكيد الانفصالية الراهنة بحال ولا يشجع الولاءات الوطنية في وجه الولاء القومي العربي الكبير أو على حسابه" (شخصية مصر، ص14، 13)



              ولنتوقف هنا قليلاً لأشير إلى حقيقة غائبة عن الكثيرين؛ جمال حمدان بلا منازع هو واحد من أهم فلاسفة ثورة 23 يوليه فقد بلور رؤيتها للذات وللكون وللآخر، ووضح الأسس الفلسفية لمشروعها الحضاري الثوري، ونظر للصراع العربي الإسرائيلي باعتباره صراعاً سياسيا مصيرياً حضارياً له أبعاد دينية، فابتعد به عن العنصرية. ولكن يبدو أن بيروقراطية ثورة 23 يوليه لم تكن مدركة لأهمية اللحظة التاريخية ولا لمدى ثراء الإمكانات، لأنها كانت ثورة برجماتية علمية تؤمن بالحقائق والمعلومات والحلول الجاهزة، فضاع ما ضاع، وجلس فيلسوفنا الحزين ينظر لها، بينما كانت أمانة الدعوة والفكر "الاشتراكي" تمتلئ بموظفين قادرين على إصدار أي بيان يطلب منهم لخدمة مصلحة الدولة والنظام (أي نظام كما بينت الأيام) وبذلك وُضع الفكر في خدمة اللحظة ولم توضع اللحظة في إطار الفكر.


              ولا تختلف الوحدة الإسلامية من منظور حمدان كثيراً عن الوحدة العربية، فهو يرفض المفهوم العضوي الكاسح للوحدة الإسلامية التي يجعلها تدخل في صراع مع الوحدة العربية بهدف المضاربة بينهما من جهة وتذويب القومية العربية وتمييعها من جهة ثانية. بدلاً من هذا يطرح مفهوماً "صحياً وصحيحاً" للوحدة الإسلامية. "توحيد الدين، بمعنى توحيد عقيدة الإسلام لا المسلمين، لتذويب الفروق والفرق الحفرية التي ورثها عن ماضٍ فقد الآن سياقه الزمني؛ وتعميق روح الإسلام وتقويمها حيث سطحية أو ابتعادات او تحريفات التبادل الثقافي والفكري العام والمزيد من التنسيق الاقتصادي والترابط والتبادل التجاري؛ التضامن السياسي الوثيق في المجتمع الدولي لمجابهة الأخطار الخارجية والتعاون لتحرير الدول الإسلامية المستعمرة .. تلك جميعاً هي المجالات الخصبة والفعالة والواجبة لتفاعل العالم الإسلامي سياسياً ... إنها في كلمة "وحدة عمل" لا "وحدة كيان" بل يمكن أن نضيف: وحدة مصير، إلا أنها ليست دستورية، في كلمة أخرى: وحدة فكرية لا دستورية. أو هي كما قال عبد الناصر في دوائره الثلاث ((دائرة إخوان العقيدة الذين يتجهون أينما كان مكانهم تحت الشمس إلى قبلة واحدة ...)) فإذا كانت الدائرة العربية وحدة مصير، والإفريقية وحدة جوار، فالإسلامية وحدة عقيدة" (العالم الإسلامي المعاصر، ص206).




              وَوالله ما عقيدَةُ الإسْلامِ بأهونَ مِنْ عقيدَةِ اليهودِ التي يَنتصرونَ بها، وَلا عقيدَةِ النَّصارى التي يَنتصرون بها، وَلا عقيدَةِ الرافِضةِ التي يَنتصرونَ بها، وَالله لو كانوا صادقينَ لانتصروا بالإسْلامِ، قالَ اللهُ {وإنَّ جُندَنا لهُم الغالبون}، فلمَّا انهزموا وَانكسروا وَاندحروا عَلِمنا أنَّ الإسلامَ مِنْهم برئٌ حقُّ برئٍ.

              رحِمَ
              اللهُ مُقاتِلة الإسْلامِ خالدَ وَالزبيرَ وَسعدَ وَعِكرمَة وَالقعقاعَ وَمُصعبَ وخبابَ وَخُبيبَ وَعلي وَعُمرَ وَعمرو وَابنَ عفَّانَ وأبا بكرَ وإخوانَهم وَالتابعينَ مِنْ بعدِهِم، رأينا رِجالا كسرَ اللهُ بهِمْ شوكَةَ كلِّ ذي شوكَةٍ، وَاليومَ نرى جيَفًا أظهرَ اللهُ عليها كلَّ دودَةٍ وَأرَضةٍ.

              تعليق

              • أحمد.
                مشرف اللجنة العلمية

                حارس من حراس العقيدة
                • 30 يون, 2011
                • 6655
                • -
                • مسلم

                #8



                فلسطين: عين القلب وقدس الأقداس

                بعد هذه المقدمات التاريخية/ الجغرافية، الزمانية/ المكانية، هذه البانوراما العريضة حان الوقت أن نقترب من موضوعنا وأن نسأل: أين تقع إسرائيل من كل هذا؟ وأين يقع اليهود؟. يعبر جمال حمدان عن الموقف الجيوستراتيجي المصري كله في إيجاز من خلال سلسلة من المعادلات الإستراتيجية على نحو التالي:

                - من يسيطر على فلسطين .. يهدد خط دفاع سيناء الأول.
                - من يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط .. يتحكم في سيناء.
                - من يسيطر على سيناء ... يتحكم في خط دفاع مصر الأخير
                - من يسيطر على خط دفاع مصر الأخير .. يهدد الوادي.


                وهذه بالضبط "نواة نظرية الأمن المصري" (ثلاثية حمدان، ص228). إن موقع مصر "مهدد أبداً وبانتظام بالإجهاض والشلل الجزئي ما بقيت إسرائيل"، خاصة وأنها "تريد أن ترث دور القناة نهائياً، بل وتهدف إلى سرقة موقع مصر الجغرافي"، ومن ثم يصبح المبدأ الاستراتيجي الأول في نظرية الأمن المصري هو مرة أخرى: دافع عن سيناء - تدافع عن القناة. . . تدافع عن مصر جميعاً، ولا ضمان بالتالي إلا بذهاب العدو" (ثلاثية حمدان، 228).


                ثم ننتقل إلى الدائرة الأولى حيث نجد مصر "محكوماً عليها بالعروبة" (بعد أن دخل الجد الفرعوني المتحف) فهي "لا تستطيع أن تنسحب من عروبتها، أن تنضوها عن نفسها حتى لو أرادت" (ثلاثية حمدان، ص 24). بل إنها محكوم عليها بزعامة العالم العربي الذي تقع فلسطين في منتصفه، ولكن "بدلاً من فلسطين التي توحد شطريه [والتي تمثل] نقطة عبور بينهما، تظهر إسرائيل التي تمثل فاصلاً أرضياً يمزق اتصال المنطقة العربية ويخرب تجانسها ويمنع وحدتها" فهي "إسفنجه غير قابلة للتشبع تمتص كل طاقاتها ونزيفاً مزمناً في مواردها وأداة جاهزة لضرب حركة التحرير" (إستراتيجية الاستعمار والتحرير، 175).


                ثم ننتقل إلى الدائرة الثانية، أي الدائرة الإسلامية. سنكتشف "إن فلسطين عين القلب من العالم الإسلامي، لا جغرافيا فحسب، بل ودينيا أولاً وقبل كل شيء. إن يكن العالم العربي هو قلب العالم الإسلامي روحياً وموقعاً، فإن فلسطين - كمصر في هذا الصدد - هي أرض الزاوية من العالم الإسلامي طبيعياً. وبالفعل فإنها تقع في صرة العالم الإسلامي تتوسطه - ما بين الصين شرقاً والأطلسي غرباً وما بين وسط آسيا شمالاً وجنوب أفريقيا جنوباً. إن مكانة فلسطين في العالم الإسلامي تتلخص ببساطة وبما فيه الكفاية في أنها من منطقة النواة وقدس الأقداس فيه أرضا وديناً" (العالم الإسلامي المعاصر، 208).


                ثم تلتحم الدائرتان العربية والإسلامية "فالخطر الصهيوني لا يستهدف الأرض المقدسة في فلسطين فحسب"، وإنما "يمتد من النيل إلى الفرات شرقاً بغرب، ومن الاسكندرونة حتى المدينة شمالاً بجنوب. وهذا وذاك يعني نصف المشرق العربي بالتقريب، ويضم كل أرض الإسلام المقدسة بل وكل دائرة الرسالات، ويرادف قلب العالم العربي، وفي الوقت نفسه صرة العالم الإسلامي" (العالم الإسلامي المعاصر، 215). ولذا "إن كان ثمة للعالم الإسلامي من وحدة سياسية، فهي وحدة العمل السياسي، وإذا كان من واجب العالم العربي أن يدعو إلى "قومية المعركة"، فإن من واجب العالم الإسلامي كما يرى كثيرون أن يتنادى إلى "إسلامية المعركة"" (العالم الإسلامي المعاصر، 216-217).


                وتتسع الدوائر لتصل إلى الدائرة الإفريقية الأسيوية وهناك أيضاً سنجد إسرائيل "أخطر مناطق العدوانية الامبريالية في العالم الثالث. . . أخطر مناطق التسليح الغربي. . . ترسانة أمريكية مسلحة حتى الأسنان". ويضع جمال حمدان ما يسميه "معادلة عالمية تتألف من عدة متتاليات إقليمية تختزل أساسيات الصراع المستقبل:

                - مصير
                الامبريالية العالمية يتوقف على مصير العالم الثالث.
                - مصير
                العالم الثالث يتوقف على مصير العالم العربي.
                - مصير
                العالم العربي يتوقف على مصير فلسطين / إسرائيل".




                وَوالله ما عقيدَةُ الإسْلامِ بأهونَ مِنْ عقيدَةِ اليهودِ التي يَنتصرونَ بها، وَلا عقيدَةِ النَّصارى التي يَنتصرون بها، وَلا عقيدَةِ الرافِضةِ التي يَنتصرونَ بها، وَالله لو كانوا صادقينَ لانتصروا بالإسْلامِ، قالَ اللهُ {وإنَّ جُندَنا لهُم الغالبون}، فلمَّا انهزموا وَانكسروا وَاندحروا عَلِمنا أنَّ الإسلامَ مِنْهم برئٌ حقُّ برئٍ.

                رحِمَ
                اللهُ مُقاتِلة الإسْلامِ خالدَ وَالزبيرَ وَسعدَ وَعِكرمَة وَالقعقاعَ وَمُصعبَ وخبابَ وَخُبيبَ وَعلي وَعُمرَ وَعمرو وَابنَ عفَّانَ وأبا بكرَ وإخوانَهم وَالتابعينَ مِنْ بعدِهِم، رأينا رِجالا كسرَ اللهُ بهِمْ شوكَةَ كلِّ ذي شوكَةٍ، وَاليومَ نرى جيَفًا أظهرَ اللهُ عليها كلَّ دودَةٍ وَأرَضةٍ.

                تعليق

                مواضيع ذات صلة

                تقليص

                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ يوم مضى
                ردود 0
                5 مشاهدات
                0 ردود الفعل
                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                بواسطة *اسلامي عزي*
                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ يوم مضى
                رد 1
                5 مشاهدات
                0 ردود الفعل
                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                بواسطة *اسلامي عزي*
                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ أسبوع واحد
                ردود 0
                8 مشاهدات
                0 ردود الفعل
                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                بواسطة *اسلامي عزي*
                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ أسبوع واحد
                ردود 0
                7 مشاهدات
                0 ردود الفعل
                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                بواسطة *اسلامي عزي*
                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ أسبوع واحد
                ردود 0
                5 مشاهدات
                0 ردود الفعل
                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                بواسطة *اسلامي عزي*
                يعمل...