هل يبيح الإسلام الأيمان الكاذبة؟
أما قول الكاتب (لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور رحيم". سورة البقرة 225)
وعلى ذلك فإن أنواع الأيمان أو القسم ثلاثة أنواع:
1- اليمين الغموس هو الحلف الكذب على أمر ماض أو حاضر وهو مدرك بكذب نفسه كقوله "والله ما سرقت هذا الشيء"، وهو يدرك تمامًا أنه سرقه، أو "والله ما لك دين عندي"، وهو يعلم أنه مُدان له. وهذا كذب ظاهر، ويُعد من الكبائر، وما أخذه حرام. وهذا له في الإسلام عقوبة صارمة، وتحذير شديد منه، ونهي قاطع عنه!
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس) رواه البخاري
وعن جابر بن عتيك رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبا من أراك). رواه مسلم
وعن عبدالله بن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من حلف على مالامرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان قال عبد الله ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقه من كتاب الله { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } آل عمران 77 إلى آخر الآية أخرجاه في الصحيحين
وأما الكفارة فيها، فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه لا كفارة في اليمين الغموس، ويجب أن يُغمس صاحبه فى النار.
وأوجب الشافعية والأوزاعي الكفارة فيها. وتجب التوبة منها كغيرها من الذنوب مع رد الحقوق إن ضاع بسببها حق أو عفا أصحابها عنها.
2- اليمين المنعقدة فهو حلف على شيء يريد فعله أو تركه في المستقبل كقوله: "والله لا ألبس هذا الثوب"، ثم يلبسه، وهذا له كفارة: يقول سبحانه في سورة المائدة: { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ } سورة المائدة 89
3- اليمين اللغو فهو الحلف الذي لم يعقد عليه القلب أي يقصده كقوله أثناء الكلام "لا والله وبلى والله"، وهو لم يقصد عقد اليمين، أو يقسم، معتقدًا أنه صادق، أن القادم من بعيد هو فلان، ثم يجده شخصًا آخرًا. وهذا ليس عليه مؤاخذة من الله تعالى على العبد، لأنها إما زلة لسان منه، أو حلف بنية صادقة على حق توهمه: يقول الحق تبارك وتعالى: { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } سورة البقرة 225
من هنا يتضح لك أن اليمين الكاذب حرام شرعًا، لكن زلات اللسان لا يؤاخذ الله بها الإنسان برحمته، وعلى المسلم أن يحفظ لسانه من كثرة الأيمان دون داع، وهو أمر الله تعالى للمسلم فى آخر الآية: { وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ } سورة المائدة 89.
ويا ليتك أيها الكاتب كلفت نفسك قليلا من الوقت، وفتحت تفسير الآية، أو حتى بحثت عن "الكذب في الإسلام" على النت! لقد كان هذا كفيلا بعدم إظهار سوء نيتك أو تحاملك على الإسلام! ولا أريد أن أقول إنه أظهر جهل الكاتب والناقل، فيكفي أنه أظهر عدم موضوعيته ككاتب فى تناول الإسلام.
أما عن تعظيم الإسلام للصدق، فاقرأ:
لقد أثنى سبحانه وتعالى على نبيه إسماعيل عليه السلام، فقال { إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا }مريم 54، ووصف الله بالصدق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فقال جل شأنه { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } الزمر 33
وقد جعل الباري سبحانه الصدق من سمات أصحاب رسول رب العالمين، فقال سبحانه وتعالى: { مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } الأحزاب 23
وأمر تبارك وتعالى به المؤمنين، فقال جل ثناؤه: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } التوبة 119
وبين تبارك وتعالى أن الصدق والكذب مقياس النجاح في دار الابتلاء والامتحان، فقال: { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } العنكبوت 3
بل وبين الله سبحانه وتعالى فضل الصدق، وعظم منزلته، وأن الصادقين يوم القيامة، سينفعهم صدقهم، وسيكون جزاؤهم الفوز العظيم، المتمثل في رضوان الله تعالى عنهم، والفوز بخلود أبدي في جنات الخلد والنعيم، يقول سبحانه وتعالى: { قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } المائدة 119
ولقد أوضح لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، منزلة الصدق من الدين، وأثره عند رب العالمين، وبين كذلك أن عواقب الكذب ذميمة، ونتائجه وخيمة، فقال في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق، حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذابا) رواه مسلم
وعن عبد الله بن عمرو ، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله ما عمل الجنة، قال: الصدق، وإذا صدق العبد بر، وإذا بر آمن، وإذا آمن دخل الجنة، قال : يا رسول الله ما عمل النار، قال: الكذب، إذا كذب العبد فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل يعني النار)رواه الإمام أحمد
وقال صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) البخارى
وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "الْبَيِّعَان ِبِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ـ اَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا ـ فَاِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَاِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا". صحيح البخارى
وقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ بُنِيَ لَهُ قَصْرٌ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلاَهَا " .ابن ماجه
وكما أن الإسلام اعتبر الصدق أس الفضائل، فقد اعتبر الكذب رأس الرذائل، فبالكذب يتصدع بناء المجتمع، ويختل نظامه، ويسقط صاحبه من العيون، وتدور حوله الظنون، فلا يصدقونه في قول، ولا يثقون به في عمل، ولا يحبون له مجلسا، أحاديثه منبوذة، وشهادته مردودة. (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ) النحل 105
وعن أبي الحوراء السعدي، قال: قلت للحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما، ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة) رواه الترمذى.
تعليق