اللائكيون أطياف شتــى ، منهــم العَلمـانيون الذين يحـاولون الظهـور بمظهـر المحايد أمــامَ الأديـان فــيقيم عــلاقة بين الشأن السياسي و الدينـي علــى أسـاس الفصــل و تحديد الاختــصاصات لكـل مجال ، فـلا يتدخـل علـماء الدين في رســم معــالم الدولــة سلبا أو إيجـابا ، و منهــم العَلمـانيون الثوريون الذين اتخــذوا مــوقفـا راديكـاليا من الدين فـراحوا يمـارسون مبدأ تحــرير العقــل من الدين و ليس تحرير الدولة من الدين ، و لذلـك حددوا لأنفــسهم موقفـا جذريـا من الأديـان . و فــي كــلا الحــالتين فإن العلمـانيين يتفقون علـى ضرورة استــبعـاد الدين من مــضمــار السياسة و عزلهــا عن الشأن العام في التــدبير و التشريع للمجتــمع ، وقد تــحققت فعلا في سيـاق صــراع مرير بين السلطة الكهنوتية لرجال الدين الإيكليروس و بين علـماء الطبيعة و فلاسفة "الأنـوار" تمخض علـى دحــر الفكـر الديني الموغل في الميتافيزيقا . لــكن الغــرب الذي أرادَ أن يــصنــع لنفســه عالمــا سياسيا بدون دين تمـاهـى مــع النزعـة الكنسية أصلا و التــي حددت مـا لقيصر لقيصر و مـا لله لله ، و لذلك فكــل التحولات التــي قــامَ الغرب في سبيل بنـاء الدولة العَلمـانية لا تخــلو من أصول دينية فــضــلا علــى أن صنـاعة الدولة القومية العلمـانية لــم تتحدد معـالمهــا مع فلاسفة الأنـوار و إنــما شاركَ فيهـا إصلاحيون دينيون انتــفضوا من داخــل الدين لتقويم حـالات الاعوجاج الكنسي التــي مـارست التسلط السياسي و القهـر الاقتصادي باسم الدين نفسه .
لكن دعونـي أقرر -فيمـا أرى -بأن مــا وصلَ إليه الغرب من "مدنية" و "حداثة" مست جوانب الحـضارة لــم تــكن نتيجــة الأخـذ بالعلــمانية كمفهوم ينـافي حق التشريع لله و إنــمـا يعـود بالأســاس إلــى قدرة العقـل الغـربي علـى تنظيم أسس المجتــمع بنـاء علـى التخــطيط الحكيم و التدبير المعقلن و إلا فمن حقنـا أن نــسأل : لــماذا لــم تتمــدن الدول العَلمـانية العربية المتخلفة و الدول الإفريقية العلمـانية بالشكـل الذي وجدنـاهُ في الدولة الأمة ؟ ليس بالضرورة في اعتـقادي تحقيق التمدن من خــلال آلية العَلمـانية التــي فُهِـمت خــطأ علـى أنــها آلية تدبير للدولة الحديثة و إلا كيف نسمـي الدولة الإسلامية التــي تأسست علــى التشريع الإسلامي في العصر النبوي ؟ لـو توفرت إدارة حسن التنظــيم في أي دولة و بُــنِــيَــت علـى التسيير و التوزيع العـادل و راعت في ذلـك خصوصيات البلد فحتــمـا ستؤصل لدولة القانـون ، و هــذا مــا جــعلَ العديد من النـاس يعتقدون أن مـا وصلهُ الغرب إنـما كـانَ بفعل العلمـانية و الحـال أنهـا مـا حققت هـذا الإنجـاز الهـائل في الحضارة إلا بعدمـا حــلَّ العلم ( وليس العلمانية ) مكـان الفـوضى ، العلــم الذي يضع كــل شخص في مــكانــه ، العــلم الذي يتأسس علــى احترام القانون و يطبق علـى الجميع ، العلم الذي يشتــغل علــى المعطيات و البحوث الواقعية فيحترم البحث العلمي و ينفق عليه، العلــم الذي يدعـو إلــى محاسبة الظلــمة الذين نهـبوا أمــوال الأمــة و تُــركوا بــلا محاسبة .
لقد وقــع لــغط كبير حول مفهومي الدولـة الدينية و الدولـة المدنية سعى من خــلالهــا التــيار اللائكــي إلــى اللعب علــى العواطف و مخلفات نتائج الصراع الديني العلـمي في الغرب أمــلا في إعـطاء الانطباع بتشابـه الحيثيات و الأفكـار الدينية ، جــدال فـارغ حول الدولة المدنية و الدينــية اكتســحَ الإعــلام و صـارَ مـادة خــام لهـواة الإيديولوجيين عكــسَ طبيعــة العقلية اللائكية التــي دأبت نــسخ التجارب و تنميط السياقات من الغرب ، و الحـال لا وجود لمفهـوم لدولة دينية أصلا إلا مـا كــان في القرون الوسطـى الغربي من دولة إيكليروس تحكَّمت في المجتـمع بلغة القهـر ، لا أثــر للدولة الدينــية في الفـكر و التاريخ الإسلامي حتــى عنــدمــا سجل لنـا أشكـال اغتصاب السلطة و تحويلهـا إلــى ملك عضوض و تحولت الدولة إلــى أداة قــمع للمعارضين ، بــل و لــم يثبــت أن اعتمـد أحـد الأمــراء علــى الحق الإلــهي في تولية السلطة لأولادهـم كمـا أثبتَ ذلك الدكتور محمد عمـارة في كتاب ( سقوط الغـلو العلمـاني )كرد علـى كتابات المستشار العشمـاوي . الحديث في هـذا المـوضـوع لا ينتهـي .
"العَـلمانية" أصبحت مفهـومـا رجراجـا يحـاول المقلدون العرب أن يجردوهـا من مضامينهــا التــي ثبتت في كـل القـواميس المعتمدة ، العلمانية طــرد للتشريع الإلهــي و اعتراف ضمنـي بأولوية العـقل البشري علــى اختــيار الأحكــام الوضعية التي تناسب مجتمـع مــا ، العلمــانية لا تأبــهُ لأحكـام الله و لا تهتــم بالشعـائر الفردية إلا أن تكــون مصطدمة مع هيبة الدولة ، بهذا المعنــى فهــي كــلا لا يتجزأ ، و الذين فهــموا أن في العلمـانية جوانب إيجابية وجب الاستفادة منهـا اعتقدوا أن مفهـومهـا يرادف العـقلانية و العلــم و دقة التخطيط .. و الحـال أن ذلك يمثل مغالطـات تفضحــها كل القواميس المعتمدة عند الغرب نفسه ، فالعلم و العقلانية شيء و العلمـانية شيء آخـر ، و في هـذا يُــستحسن مراجعـة كتاب عجز العقل العلمـاني و العلمانية في ميزان العقل ل عيد ادويهس . و لذلك فمن السذاجــة الحديث عن العلمـانية الإسلامية لأنهــما منظومتان متناقضتــان شكلا و مضمــونــا
كثيرة هــي الأوبــئة في زمننا المعـاصر ،منهـا أوبئة مـادية نتــنــة تصيبُ الإنـسان في صحتـه المـادية و منهـا كذلك أوبــئة معنــوية فكرية تُـصيبُ الإنـسان في صحته العقلية و الفكرية ، و إذا كـان من اليسيـر جــدا إيجـاد الحــلول لإصــلاح النـوع الأول فإن الإشكـال الحقيقي عنــد طــلاب التغيير الحقيقي يبدو شديد التعقيد في النوع الثـاني بحكم مـا لذلك من عـلاقة بالذهنيات و الايديولوجيات التي تتراكم لتصبح جدارا إسمنتيا صلبا . و أقصــد بالأوبـئة الفكرية تــلك القمـامات الفكرية الدخيلـة في سـاحة الفكر السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي التــي احتلت عقول أبنـائنــا و صـاروا ينـافحون عنهـا منـافحة العبد لسيده ، بحيث صارت سموم تــلك الأوبئة تطلق إشعاعاتهـا و جراثيمهـا في عقول المنبهرين بحضارة الغرب التي سلبتنــا حرية التفكير الهادئ .
اللائكـية أم البـلاوا و شر الخبائث ، إن سموم اللائكية تتجلــى في كونهـا أصابت العقل المسلم بالتشوش الفكري و أدخلت فيه بعض الشبهـات التي التقطهـا بعض ذراري اللائكيين عندنـا فحسبوهـا حــلا سحريا ، سمومهـا أنتجت عندنـا نخبا مخضرمـة تتــلاعب بالإسلام عبر منطق التجزيء و الانتقاء المفصَّل علـى الهـوى ، سمومــها خلفت لدينـا تشوهـات عميقة في الفكر الإسلامي السياسي من خــلال إعـادة إنتـاج نظريات انحصار الدين كل الدين في مفاصل جدران المعابد فجهَّلـوا النـاس و كسوا عقولهم بتخاريف الأبحاث الإنسانية و الانتربولوجية و الاثنوغرافية ...، سمومهـا أوصلتنـا إلــى إنتـاج مرجعيات مزدوجـة لكل طرف لها ولاءاتها و نظامهـا المختلف عن الآخر فصـار لدينـا "مجتمعين تحت سقف واحد" كمـا قال منير شفيق في (قضايا التنمية و الاستقلال في الصراع الحضاري ) .
لكن دعونـي أقرر -فيمـا أرى -بأن مــا وصلَ إليه الغرب من "مدنية" و "حداثة" مست جوانب الحـضارة لــم تــكن نتيجــة الأخـذ بالعلــمانية كمفهوم ينـافي حق التشريع لله و إنــمـا يعـود بالأســاس إلــى قدرة العقـل الغـربي علـى تنظيم أسس المجتــمع بنـاء علـى التخــطيط الحكيم و التدبير المعقلن و إلا فمن حقنـا أن نــسأل : لــماذا لــم تتمــدن الدول العَلمـانية العربية المتخلفة و الدول الإفريقية العلمـانية بالشكـل الذي وجدنـاهُ في الدولة الأمة ؟ ليس بالضرورة في اعتـقادي تحقيق التمدن من خــلال آلية العَلمـانية التــي فُهِـمت خــطأ علـى أنــها آلية تدبير للدولة الحديثة و إلا كيف نسمـي الدولة الإسلامية التــي تأسست علــى التشريع الإسلامي في العصر النبوي ؟ لـو توفرت إدارة حسن التنظــيم في أي دولة و بُــنِــيَــت علـى التسيير و التوزيع العـادل و راعت في ذلـك خصوصيات البلد فحتــمـا ستؤصل لدولة القانـون ، و هــذا مــا جــعلَ العديد من النـاس يعتقدون أن مـا وصلهُ الغرب إنـما كـانَ بفعل العلمـانية و الحـال أنهـا مـا حققت هـذا الإنجـاز الهـائل في الحضارة إلا بعدمـا حــلَّ العلم ( وليس العلمانية ) مكـان الفـوضى ، العلــم الذي يضع كــل شخص في مــكانــه ، العــلم الذي يتأسس علــى احترام القانون و يطبق علـى الجميع ، العلم الذي يشتــغل علــى المعطيات و البحوث الواقعية فيحترم البحث العلمي و ينفق عليه، العلــم الذي يدعـو إلــى محاسبة الظلــمة الذين نهـبوا أمــوال الأمــة و تُــركوا بــلا محاسبة .
لقد وقــع لــغط كبير حول مفهومي الدولـة الدينية و الدولـة المدنية سعى من خــلالهــا التــيار اللائكــي إلــى اللعب علــى العواطف و مخلفات نتائج الصراع الديني العلـمي في الغرب أمــلا في إعـطاء الانطباع بتشابـه الحيثيات و الأفكـار الدينية ، جــدال فـارغ حول الدولة المدنية و الدينــية اكتســحَ الإعــلام و صـارَ مـادة خــام لهـواة الإيديولوجيين عكــسَ طبيعــة العقلية اللائكية التــي دأبت نــسخ التجارب و تنميط السياقات من الغرب ، و الحـال لا وجود لمفهـوم لدولة دينية أصلا إلا مـا كــان في القرون الوسطـى الغربي من دولة إيكليروس تحكَّمت في المجتـمع بلغة القهـر ، لا أثــر للدولة الدينــية في الفـكر و التاريخ الإسلامي حتــى عنــدمــا سجل لنـا أشكـال اغتصاب السلطة و تحويلهـا إلــى ملك عضوض و تحولت الدولة إلــى أداة قــمع للمعارضين ، بــل و لــم يثبــت أن اعتمـد أحـد الأمــراء علــى الحق الإلــهي في تولية السلطة لأولادهـم كمـا أثبتَ ذلك الدكتور محمد عمـارة في كتاب ( سقوط الغـلو العلمـاني )كرد علـى كتابات المستشار العشمـاوي . الحديث في هـذا المـوضـوع لا ينتهـي .
"العَـلمانية" أصبحت مفهـومـا رجراجـا يحـاول المقلدون العرب أن يجردوهـا من مضامينهــا التــي ثبتت في كـل القـواميس المعتمدة ، العلمانية طــرد للتشريع الإلهــي و اعتراف ضمنـي بأولوية العـقل البشري علــى اختــيار الأحكــام الوضعية التي تناسب مجتمـع مــا ، العلمــانية لا تأبــهُ لأحكـام الله و لا تهتــم بالشعـائر الفردية إلا أن تكــون مصطدمة مع هيبة الدولة ، بهذا المعنــى فهــي كــلا لا يتجزأ ، و الذين فهــموا أن في العلمـانية جوانب إيجابية وجب الاستفادة منهـا اعتقدوا أن مفهـومهـا يرادف العـقلانية و العلــم و دقة التخطيط .. و الحـال أن ذلك يمثل مغالطـات تفضحــها كل القواميس المعتمدة عند الغرب نفسه ، فالعلم و العقلانية شيء و العلمـانية شيء آخـر ، و في هـذا يُــستحسن مراجعـة كتاب عجز العقل العلمـاني و العلمانية في ميزان العقل ل عيد ادويهس . و لذلك فمن السذاجــة الحديث عن العلمـانية الإسلامية لأنهــما منظومتان متناقضتــان شكلا و مضمــونــا
كثيرة هــي الأوبــئة في زمننا المعـاصر ،منهـا أوبئة مـادية نتــنــة تصيبُ الإنـسان في صحتـه المـادية و منهـا كذلك أوبــئة معنــوية فكرية تُـصيبُ الإنـسان في صحته العقلية و الفكرية ، و إذا كـان من اليسيـر جــدا إيجـاد الحــلول لإصــلاح النـوع الأول فإن الإشكـال الحقيقي عنــد طــلاب التغيير الحقيقي يبدو شديد التعقيد في النوع الثـاني بحكم مـا لذلك من عـلاقة بالذهنيات و الايديولوجيات التي تتراكم لتصبح جدارا إسمنتيا صلبا . و أقصــد بالأوبـئة الفكرية تــلك القمـامات الفكرية الدخيلـة في سـاحة الفكر السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي التــي احتلت عقول أبنـائنــا و صـاروا ينـافحون عنهـا منـافحة العبد لسيده ، بحيث صارت سموم تــلك الأوبئة تطلق إشعاعاتهـا و جراثيمهـا في عقول المنبهرين بحضارة الغرب التي سلبتنــا حرية التفكير الهادئ .
اللائكـية أم البـلاوا و شر الخبائث ، إن سموم اللائكية تتجلــى في كونهـا أصابت العقل المسلم بالتشوش الفكري و أدخلت فيه بعض الشبهـات التي التقطهـا بعض ذراري اللائكيين عندنـا فحسبوهـا حــلا سحريا ، سمومهـا أنتجت عندنـا نخبا مخضرمـة تتــلاعب بالإسلام عبر منطق التجزيء و الانتقاء المفصَّل علـى الهـوى ، سمومــها خلفت لدينـا تشوهـات عميقة في الفكر الإسلامي السياسي من خــلال إعـادة إنتـاج نظريات انحصار الدين كل الدين في مفاصل جدران المعابد فجهَّلـوا النـاس و كسوا عقولهم بتخاريف الأبحاث الإنسانية و الانتربولوجية و الاثنوغرافية ...، سمومهـا أوصلتنـا إلــى إنتـاج مرجعيات مزدوجـة لكل طرف لها ولاءاتها و نظامهـا المختلف عن الآخر فصـار لدينـا "مجتمعين تحت سقف واحد" كمـا قال منير شفيق في (قضايا التنمية و الاستقلال في الصراع الحضاري ) .
تعليق