مرحلة الاستضعاف ومرحلة الجهاد:
وتحت (مرحلة الاستضعاف ومرحلة الجهاد) يتكلم الكاتب عن مرحلة مكة التى كان فيها الرسول والمسلمون فى حالة ضعف وهوان على الناس، ولم يفرض عليهم فيها حتى الدفاع عن أنفسهم، وقد استمرت هذه المرحلة 13 سنة. بعدها هاجر الرسول إلى المدينة، وبعد تزايد أعداد المسلمين، وتكوين دولة الإسلام، فُرض عليهم الجهاد دفاعًا عن الدعوة والنفس والممتلكات.
وأقول له:
ألا يدل هذا على تشابه بين النبييبن موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام؟ وهذا تطبيق عملى لنبوءة الرب فى سفر التثنية (18: 18). لقد كان كل منهم مستضعف فى بلده، ولما هاجر كل منهما بعيدًا عن رموز الفساد وأصبحت له القيادة أمرهما الله بالدفاع عن العقيدة، مع الفارق الكبير بين ما يقوله الكتابان فى كيفية الحرب.
ألا يحق للمرء أن يدافع عن نفسه؟ ألا يحق لنبى أن يدافع عن المؤمنين والدعوة كما أمره الله تعالى دون إفراط أو تفريط؟ ألم يأمر الرب موسى بعد خروجه من مصر بقتل ثلاثة آلاف من أتباعه اللاويين الذى عبدوا العجل؟ (26وَقَفَ مُوسَى فِي بَابِ الْمَحَلَّةِ وَقَالَ: «مَنْ لِلرَّبِّ فَإِلَيَّ!» فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمِيعُ بَنِي لاَوِي. 27فَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: ضَعُوا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ عَلَى فَخِْذِهِ وَمُرُّوا وَارْجِعُوا مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ فِي الْمَحَلَّةِ وَاقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ». 28فَفَعَلَ بَنُو لاَوِي بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. وَوَقَعَ مِنَ الشَّعْبِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُلٍ) خروج 32: 26-28
ألم يحارب موسى والأنبياء من بعده، وأيَّد يسوع منهجهم بقوله إنه لم يأت ناقضًا للناموس أو الأنبياء: (17«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ.) متى 5: 16-17
وذلك كله مع الفارق الكبير، حيث لم يجبر المسلمون إنسانًا فى التاريخ على اعتناق الإسلام، وكان الإجبار على قبول ملكوت الله، أى حكم الله تعالى، مصداقًا لما أخبر به يسوع اليهود من قبل: (42قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا؟ 43لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللَّهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. 44وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ». 45وَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ أَمْثَالَهُ عَرَفُوا أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَيْهِمْ. 46وَإِذْ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يُمْسِكُوهُ خَافُوا مِنَ الْجُمُوعِ لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ.) متى 21: 42-46
فما الذى يخيفكم من إظهار الدعوة، والتعريف بحقيقتها للناس، ثم من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر؟ لماذا تشوهون الإسلام وتقفون حيلولة دون وصوله سليمًا ساطعًا ناصعًا للناس؟ فهل لمصلحة شخصية ومنفعة ذاتية؟ وهل الثمن الذى تتمتعون به فى الدنيا يساوى التخلى عن الآخرة، وعذاب الله وغضبه عليكم؟ أتبيعون آخرتكم بدنياكم؟ أتقفون ضد الله نصرةً للشيطان؟
أليس من العقل أن يحارب بعد أن يكون له أتباع، ودولة يقاتل من أجلها؟ هل من العقل أن يقف بمفرده أما جيش من الأعداء؟ ألا تقاتل الدول فى كل العصور دفاعًا عن مصالحها ومصالح شعبها؟ أليس من واجب على رسول الله أن يأتمر بأمر الله؟
لكن هل من المنطق أن يحارب الإنسان جيشًا بمفرده أو بعدة أفراد ضعفاء معه؟ ألم يفعل يسوع هذا، وأمر تلاميذه ببيع ملابسهم وشراء سيوفًا، ثم تراجع؟ (36فَقَالَ لَهُمْ: «لَكِنِ الآنَ مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذَلِكَ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفًا. 37لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضًا هَذَا الْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ انْقِضَاءٌ». 38فَقَالُوا: «يَا رَبُّ هُوَذَا هُنَا سَيْفَانِ». فَقَالَ لَهُمْ: «يَكْفِي!».) لوقا 22: 36-37
لكن إن كنت تقصد أن الإسلام انتشر بعد أن قويت دولة الرسول أكره الناس على الإيمان، فهذا اعتقاد خاطىء وتحامل على التاريخ، إن لم يكن تزويرًا له. فآية عدم الإكراه فى الدين جاءت فى سورة مدنية، أى نزلت فى المدينة بعد أن قويت دولة الرسول ، وهو نفس مبدأ القرآن الذى جاء من قبل فى السور المكية:
وقال: (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) يونس 99 وهى سورة مكية
وقال: (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف 29 وهى سورة مكية
(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة 256 (مدنية)
اقرأ كيفية نشر الرسول الإسلام بحلمه وعفوه:
سماحة الرسول ورحمته:
فسيرته من التسامح مع أناس أُسروا وهم على شركهم، ولم يلجئهم على الإسلام، بل تركهم واختيارهم، ويرد هذه الفرية ويقتلعها من أساسها: فقد ذكر الثقات من كُتَّاب السير والحديث أن المسلمين أسروا في سرية من السرايا سيد بني حنيفة ـ ثمامة بن أُثال الحنفي - وهم لا يعرفونه، فأتوا به إلى رسول الله فعرفه وأكرمه، وأبقاه عنده ثلاثة أيام، وكان في كل يوم يعرض عليه الإسلام عرضًا كريمًا فيأبى ويقول: إن تسأل مالًا تُعطه، وإن تقتل تقتل ذا دمٍ، وإن تنعم تنعم على شاكر، فما كان من النبي إلا أن أطلق سراحه.
ولقد استرقت قلب ثمامة هذه السماحة الفائقة، وهذه المعاملة الكريمة، فذهب واغتسل، ثم عاد إلى النبي مسلمًا مختارًا، وقال له: يا محمد، والله ما كان على الأرض من وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلى. والله ما كان على الأرض من دين أبغض إلىَّ من دينك، فقد أصبح دينك أحب الدين إليَّ. والله ما كان من بلد أبغض إلى من بلدك، فقد أصبح أحب البلاد إليَّ. وقد سر رسول الله بإسلامه سرورًا عظيمًا، فقد أسلم بإسلامه كثير من قومه.
ولم يقف أثر هذا التسامح في المعاملة عند إسلام ثمامة وقومه بل كانت له آثار بعيدة المدى في تاريخ الدعوة الإسلامية، فقد ذهب مكة معتمرًا، فهمَّ أهلها أن يؤذوه ولكنهم ذكروا حاجتهم إلى حبوب اليمامة، فآلى على نفسه أن لا يرسل لقريش شيئًا من الحبوب حتى يؤمنوا، فجهدوا جهدًا شديدًا فلم يرَوا بُدًّا من الاستغاثة برسول الله .
ترى ماذا كان من أمر رسول الله معهم؟ أيدع ثمامة حتى يلجئهم بسبب منع الحبوب عنهم إلى الإيمان به وبدعوته؟ لا، لقد عاملهم بما عرف عنه من التسامح، وأن لا إكراه في الدين، فكتب إلى ثمامة أن يخلِّي بينهم وبين حبوب اليمامة، ففعل، فما رأيك فى هذا التسامح؟
هل عرفت المسيحية أو اليهودية أو دين آخر هذا التسامح؟
فيسوع الذى يرى فى العهد القديم وأسفار الأنبياء القدوة التى يجب أن تُحتذى بقوله: (17«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. 18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ.) متى 5: 16-17
وبقوله: (28مَنْ خَالَفَ نَامُوسَ مُوسَى فَعَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَمُوتُ بِدُونِ رَأْفَةٍ.) عبرانيين 10: 28
فأين هذا العفو، والسمو من قول العهد الجديد: (14لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟ 15وَأَيُّ اتِّفَاقٍ لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ؟ 16وَأَيَّةُ مُوَافَقَةٍ لِهَيْكَلِ اللهِ مَعَ الأَوْثَانِ؟) كورنثوس الثانية 6: 14-16
عفوه وحلمه:
وإليك قصة أخرى: لما فتح النبي مكة ودخلها ظافرًا منتصرًا كان صفوان بن أمية ممن أهدرت دماؤهم؛ لشدة عداوتهم للإسلام، والتأليب على المسلمين، فاختفى وأراد أن يذهب ليلقي بنفسه في البحر، فجاء ابن عمه عمير بن وهب الجمحي وقال: يا نبي الله، إن صفوان سيد قومه، وقد هرب ليقذف نفسه في البحر فأمِّنه، فأعطاه عمامته، فأخذها عمير حتى إذا لقي صفوان قال له: (فداك أبي وأمي. جئتك من عند أفضل الناس وأبر الناس، وأحلم الناس، وخير الناس، وهو ابن عمك، وعزه عزك، وشرفه شرفك، وملكه ملكك) فقال صفوان: إني أخافه على نفسي. قال عمير: هو أحلم من ذلك وأكرم، وأراه علامة الأمان وهي العمامة؛ فقبل برده، فرجع إلى رسول الله فقال: إن هذا يزعم أنك أمنتني، فقال النبي: "صدق". فقال صفوان: أمهلني بالخيار شهرين، فقال له رسول الله : (بل أربعة أشهر)، ثم أسلم بعد وحسن إسلامه.
فهل بعد هذه الحجج الدامغة يتقوَّل متقوِّل على الإسلام زاعمًا أنه قام على السيف والإكراه؟ !.
وهل من يُكره على شيء، يمكث فيه، ولا يحاول التحلل منه إذا وجد الفرصة سانحة له، أو على الأقل يكون منافقًا يكيد له، ويحاول النيل منه فى أى لحظة؟ ولكن التاريخ الصادق يكذب هذا، فنحن نعلم أن العرب ثبتوا على ما تركهم عليه الرسول، وحملوا الرسالة، وبلَّغوا الأمانة كأحسن ما يكون البلاغ إلى الناس كافة، ولم يزالوا يكافحون ويجاهدون في سبيل تأمين الدعوة وإزالة العوائق من طريقها حتى بلغت ما بلغ الليل والنهار في أقل من قرن من الزمان، ومن يطَّلع على ما صنعه العرب في حروبهم وفتوحاتهم لا يسعه إلا أن يجزم بأن هؤلاء الذين باعوا أنفسهم رخيصة لله، لا يمكن أن يكون قد تطرق الإكراه إلى قلوبهم، وفي صحائف البطولة التي خطوها أقوى برهان على إخلاصهم وصدق إيمانهم، وسل سهول الشام وسهول العراق، وسل اليرموك والقادسية، وسل شمال إفريقيا تخبرك ما صنع هؤلاء الأبطال.
ثم ما رأي هؤلاء المفترين على الإسلام في حالة المسلمين لمَّا ذهبت ريحهم، وانقسمت دولتهم الكبرى إلى دويلات، وصاروا شيعًا وأحزابًا وتعرضوا لمحن كثيرة في تاريخهم الطويل كمحنة التتار، والصليبيين في القديم، ودول الاستعمار في الحديث، وكل محنة من هذه المحن كانت كافية للمكرهين على الإسلام أن يتحللوا منه ويرتدوا عنه، فأين هم الذين ارتدوا عنه؟
إن الإحصائيات الرسمية لتدل على أن عدد المسلمين في ازدياد على الرغم من كل ما نالهم من اضطهاد وما تعرضوا له من عوامل الإغراء، وقد خرجوا من هذه المحن بفضل إسلامهم وهم أصلب عودًا وأقوى عزيمة على استرداد مجدهم التليد وعزتهم الموروثة.
بل ما رأي هؤلاء في الدول التي لم يدخلها مسلم مجاهد بسيفه؟ وإنما انتشر فيها الإسلام بوساطة العلماء والتجار والبحّارة كأندونيسيا، والصين، وبعض أقطار إفريقيا، وأوروبا وأمريكا، فهل جرَّد المسلمون جيوشًا أرغمت هؤلاء على الإسلام؟
لقد انتشر الإسلام في هذه الأقطار بسماحته، وقربه من العقول والقلوب، وها نحن نرى كل يوم من يدخل في الإسلام، وذلك على قلة ما يقوم به المسلمون من تعريف بالإسلام، ولو كنا نجرد للتعريف به عشر معشار ما يبذله الغربيون من جهد ومال لا يحصى في سبيل التبشير بدينهم وحضارتهم، لدخل في الإسلام ألوف الألوف في كل عام.
فتاريخ المسلمين شاهد على بقاء غير المسلمين في دولة الإسلام دون أن يكرهوا على تغيير دينهم. وقد اعترف بذلك كثير من المستشرقين أنفسهم.فقد قال توماس كارليل صاحب كتاب "الأبطال ..": «إن اتهامه ـ ـ بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا له، فإذا آمن به من لا يقدرون على حرب خصومهم، فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها» (حقائق الإسلام وأباطيل خصومه) للعقاد صـ227
وقال المستشرق الألماني أولرش هيرمان: «الذي لفت نظري أثناء دراستي لهذه الفترة – فترة العصور الوسطى- هو درجة التسامح التي تمتع بها المسلمون، وأخص هنا صلاح الدين الأيوبي، فقد كان متسامحًا جدًا تجاه المسيحيين. [فى الوقت الذى] لم تمارس المسيحية الموقف نفسه تجاه الإسلام».
وقال المفكر الفرنسي هنري دي كاستري: «قرأت التاريخ وكان رأيي بعد ذلك أن معاملة المسلمين للمسيحيين تدل على ترفع في المعاشرة عن الغلظة وعلى حسن مسايرة ولطف مجاملة وهو إحساس لم يشاهد في غير المسلمين آن ذاك».
ويقول "هنرى دى كاستيرى" أيضًا: "إن دخول أهل الذمة فى الإسلام كان يحتاج إلى محضر يثبت أمام القاضى ويوضح فيه أن المسيحى الذى اعتنق الإسلام دخل فيه عن اقناع تام غير خائف أو مكره، وأن خلفاء بنى أمية لم ينظروا بعين الرضا إلى كثرة دخول المسيحين فى الإسلام. وذلك لانخفاض الضرائب المجبية نتيجة نقص الجزية، فقد هبطت الضرائب أيام معاوية إلى النصف عما كانت عليه أيام عثمان لتزاحم الأقباط على دخول الإسلام، ومن أجل ذلك ضيق الخلافاء باب دخول الإسلام، واستدل على رأيه بما كتبه حيان إلى عمر بن عبد العزيز إذ قال له: إذا دامت الحال فى مصر على ما هى عليها الآن، أصبح مسيحيوا البلاد مسلمين، وخسرت الخلافة ما تجتبيه من أموال، فأرسل إليه عمر بن العزيز "ويحك إن الله قد بعث محمد هاديًا ولم يبعثه جابيًا." (التعصب والتسامح بين الاسلام والمسيحية – الشيخ محمد الغزالى ص188)
وقال الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي الشهير ول ديورانت: «كان أهل الذمة المسيحيون، والزردشتيون، واليهود، والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد نظيرًا لها في المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم.. وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم وقضاتهم وقوانينهم».
وقال الدكتور جورج حنا من نصارى لبنان: «إن المسلمين العرب لم يعرف عنهم القسوة والجور في معاملتهم للمسيحيين بل كانوا يتركون لأهل الكتاب حرية العبادة وممارسة طقوسهم الدينية، مكتفين بأخذ الجزية منهم».
ويقول المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب): (إن العالم لم يعرف فاتحين أعدل ولا أرحم من العرب). ويتحدث عن صور من معاملة المسلمين لغير المسلمين فيقول: "وكان عرب أسبانيا خلا تسامحهم العظيم يتصفون بالفروسية المثالية فيرحمون الضعفاء ويرفقون بالمغلوبين ويقفون عند شروطهم وما إلى ذلك من الخلال التي اقتبستها الأمم النصرانية بأوربا منهم مؤخرًا."
ويقول (رينان) في كتابه "تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا: "إن المسلمين كانوا يعاملون المسيحيين بالحسنى" .
ويقول (توينبي): "بل كان المسلمون على خلاف غيرهم، إذ يظهر لنا أنهم لم يألوا جهدًا في أن يعاملوا كل رعاياهم من المسيحيين بالعدل والقسطاس".
ويقول البطريرك بنيامين، الأسقف الأعلى للأقباط في مصر، بعد ثلاث عشرة سنة من الاضطهاد والتغريب والتهجير القسري: "لقد وجدت في مدينة الاسكندرية زمن النجاة والطمأنينة اللتين كنت أنشدهما بعد الاضطهادات والمظالم التي قام بتمثيلها الرومان الظالمون المارقون."
وقال المستشرق الإنجليزي البارز السير آرنولد توماس: "إن الفكرة التي شاعت بأن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة عن التصديق.. إن نظرية العقيدة الإسلامية تلتزم التسامح وحرية الحياة الدينية لجميع أتباع الديانات الأخرى".
وقال أيضًا: "لقد صادفت شريعة محمد ترحيبًا لا مثيل له في العالم، وإن الذين يتخيلون أنها انتشرت بحد السيف إنما ينخدعون انخداعًا عظيمًا".
وقال أيضًا: "إن مجرد وجود عدد كبير جدًّا من الفرق والجماعات المسيحية في الأقطار التي ظلت قرونًا في ظل الحكم الإسلامي لدليل ثابت على ذلك التسامح الذي نعم به هؤلاء المسيحيون".
ويقول المستشرق توماس أرنولد، فيقول: "لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة حرة، وأن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهدة على هذا التسامح".
وأكرر قوله: "إن هذه القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام إنما فعلت ذلك عن اختيار، وإرادة حرة، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لَشَاهدٌ على هذا التسامح".
ويقول أيضًا ص 73: "ولما بلغ الجيش الإسلامي وادي الأردن، وعسكر أبو عبيدة في بلدة فحل، كتب الأهالي النصارى في تلك البلاد إلى العرب الفاتحين يقولون: يا معشر المسلمين! أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، وأنتم أوفى لنا وأرأف بنا، وأكفُّ عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم غلبونا على أمرنا".
وقال: "وغلَّق أهل حمص أبواب مدينتهم، دون جيش هرقل، وأبلغوا المسلمين أن ولايتهم وعدلهم أحب إليهم من ظلم الإغريق والروم وتعسفهم."
ويقول سير توماس أرنولد أيضًا فى كتابه (الدعوة إلى الإسلام): "ولكننا لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد مُنظَّم قُصِد منه استئصالُ الدين المسيحي، ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها (فرديناند، وإيزابيلا) دين الإسلام من أسبانيا، أو التي جعل بها "لويس الرابع عشر" المذهب البروتستانتي مذهبًا يُعاقَبُ عليه متبعوه في فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مُبعَدين عن انجلترا مدة خمسين وثلاثمائة سنة، وكانت الكنائس الشرقية في آسيا قد انعزلت انعزالاً تامًّا عن سائر العالم المسيحي الذي لم يوجد في جميع أنحائه أحدٌ يقف في جانبهم باعتبارهم طوائف خارجة عن الدين، ولهذا فإن مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الآن ليحمل في طياته الدليل القوي على ما أقدمت عليه سياسة الحكومات الإسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم".
وقال مرماديوك: "إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم بنفس السرعة التي نشروها بها سابقًا، إذا رجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حينما قاموا بدورهم الأول، لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع أن يقف أمام حضارتهم".
وقال الأنبا جريجوريوس: "لقد لقيت الأقليات غير المسلمة - والمسيحيون بالذات – في ظل الحكم الإسلامي الذي كانت تتجلَّى فيه روح الإسلام السمحة كل حرية وسلام وأمن في دينها ومالها وعرضها". مجلة المجتمع، عدد 1748، بتاريخ 21/4/2007
وقال المؤرخ اليهودي الإنجليزي الكبير برنارد لويس: "وعندما انتهى الحكم العثماني في أوروبا، كانت الأمم المسيحية التي حكمها العثمانيون خلال عدة قرون لا تزال هناك بلغاتها وثقافاتها ودياناتها وحتى – إلى حَدٍّ ما - بمؤسساتها، كل هذه الأمور بقيت سليمة وجاهزة لاستئناف وجودها الوطني المستقل، أما أسبانيا وصقلية فليس فيهما اليوم مسلمون أو ناطقون بالعربية". .... "إن الفلاحين في المناطق التي غُزِيت – من الأتراك - قد تمتعوا بدورهم بتحسن كبير في أوضاعهم، وقد جلبت الحكومة الإمبراطورية العثمانية الوحدة والأمن مكان الصراع والفوضى، وكان الفلاحون يتمتعون بقدر من الحرية في حقولهم أكبر بكثير من ذي قبل، وكانت الضرائب التي يدفعونها تُقدَّر بصورة مخففة، وتُجمَع بطريقة إنسانية".
ويقول هنري دي شامبون مدير مجلة (ريفي بارلمنتير) الفرنسية: "لولا انتصار جيش شارل مارتل الهمجي على العرب المسلمين في فرنسا لما وقعت بلادنا في ظلمات القرون الوسطى ولما أصيبت بفظائعها ولا كابدت المذابح الأهلية التي دفع إليها التعصب الديني المذهبي، لولا ذلك الانتصار الوحشي على المسلمين في بواتييه لظلت أسبانيا تنعم بسماحة الإسلام ولنجت من وصمة محاكم التفتيش ولما تأخر سير المدنية ثمانية قرون ومهما اختلفت المشاعر والآراء حول انتصارنا ذاك فنحن مدينون للمسلمين بكل محامد حضارتنا في العلم والفن والصناعة مدعوون لأن نعترف بأنهم كانوا مثال الكمال البشري في الوقت الذي كنا فيه مثال الهمجية."
ويقول المستشرق دوزي: "إن تسامح ومعاملة المسلمين الطيبة لأهل الذمة أدى إلى إقبالهم على الإسلام وأنهم رأوا فيه اليسر والبساطة مما لم يألفوه في دياناتهم السابقة."
ويقول المستشرق بارتولد: "إن النصارى كانوا أحسن حالا تحت حكم المسلمين إذ أن المسلمين اتبعوا في معاملاتهم الدينية والاقتصادية لأهل الذمة مبدأ الرعاية والتساهل."
ويقول أندرو باترسو ، وهو أحد الكتاب الأمريكيين المعاصرين: "إن العنف باسم الإسلام ليس من الإسلام في شيء بل إنه نقيض لهذا الدين الذي يعني السلام لا العنف."
ويقول الشاعر الأمريكي رونالد ركويل بعد أن أشهر إسلامه: "لقد راعني حقا تلك السماحة التي يعامل بها الإسلام مخالفيه سماحة في السلم وسماحة في الحرب والجانب الإنساني في الإسلام واضح في كل وصاياه."
وقال الأنبا شنودة: "إن الأقباط، في ظل حكم الشريعة، يكونون أسعد حالاً وأكثر أمنًا، ولقد كانوا كذلك في الماضي، حينما كان حكم الشريعة هو السائد.. نحن نتوق إلى أن نعيش في ظل "لهم ما لنا، وعليهم ما علينا". إن مصر تجلب القوانين من الخارج حتى الآن، وتطبقها علينا، ونحن ليس عندنا ما في الإسلام من قوانين، فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة، ولا نرضى بقوانين الإسلام؟!!" صحيفة الأهرام المصرية، 6 مارس 1985م.
وهذا اعتراف من القادة الغربيين بقدرات محمد :
يقول الكاتب المسرحي البريطاني جورج برنارد شو الذى رفض أن يكون أداة لتشويه صورة الرسول وأن يمسرح حياة النبي، ومما قاله عن الإسلام ورسوله: "قرأت حياة رسول الإسلام جيدًا، مرات ومرات لم أجد فيها إلا الخلق كما يجب أن يكون، وأصبحت أضع محمدًا في مصاف بل على قمم المصاف من الرجال الذين يجب أن يتبعوا".
ويقول برتراند راسل أحد فلاسفة بريطانيا الكبار والحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 1950: "لقد قرأت عن الإسلام ونبي الإسلام فوجدت أنه دين جاء ليصبح دين العالم والإنسانية، فالتعاليم التي جاء بها محمد والتي حفل بها كتابه مازلنا نبحث ونتعلق بذرات منها وننال أعلى الجوائز من أجلها".
وقال المستشرق الإيطالى مراتشي، ومترجم معانى القرآن الكريم إلى اللاتينية: "لو قارن إنسان بين أسرار الحالة الطبيعية البسيطة التي فاقت طاقة الذكاء البشري، أو التي هي على الأقل من الصعوبة بمكان، إن لم تكن مستحيلة (العقيدة المسيحية) وبين عقيدة الرهبنة، وكان الناس في الواقع مشركين يعبدون زمرة من الشهداء والقديسين والملائكة، كما كانت الطبقات العليا مخنثة يشيع فيها الفساد، والطبقات الوسطى مرهقة بالضرائب، ولم يكن للعبيد أمل في حاضرهم ولا مستقبلهم، فأزال الإسلام، بعون من الله، هذه المجموعة من الفساد والخرافات، لقد كان ثورة على المجادلة الجوفاء في العقيدة، وحجة قوية ضد تمجيد الرهبانية باعتبارها رأس التقوى.. ولقد بين أصول الدين التي تقول بوحدانية الله وعظمته، كما بين أن الله، رحيم عادل يدعو الناس إلى الامتثال لأمره والإيمان به وتفويض الأمر إليه. وأعلن أن المرء مسؤول، وأن هناك حياة آخرة ويومًا للحساب، وأعد للأشرار عقاباً أليماً، وفرض الصلاة والزكاة والصوم وفعل الخير، ونبذ الكذب والدجل الديني والترهات والنزعات الأخلاقية الضالة وسفسطة المنازعين في الدين، وأحل الشجاعة محل الرهبنة، ومنح العبيد رجاء، والإنسانية إخاء، ووهب الناس إدراكاً للحقائق الأساسية، التي تقوم عليها الطبيعة البشرية"
قال وول ديورانت فى قصة الحضارة: «وإذا حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا أن محمدًا كان من أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي في شعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحًا لم يدانه فيه أي قائد آخر في التاريخ كله، وقل أن نجد إنسانًا غيره حقق كل ما كان يحلم به. وقد وصل إلى ما كان يبتغيه عن طريق الدين. ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى، بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب في أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذي سلكوه، فقد لجأ إلى خيالهم، وإلى مخاوفهم وآمالهم، وخاطبهم على قدر عقولهم، وكانت بلاد العرب عندما بدأت الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان، قليل عددها، متفرقة كلمتها، وأصبحت عند وفاته أمة موحدة متماسكة، وقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية، ودين بلاده القديم، دينًا سهلًا واضحًا قويًا، وصرحًا خلقيًا قوامه البسالة والعزة القومية واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا، قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم». (قصة الحضارة (ويل ديورانت) ج2 من مج4 ـ عصر الإيمان ـ ص47)
ألا يجب بعد أن علمت جزءًا من حقيقة هذا الدين أن يُشكر هؤلاء الذين يقومون بدعوة كبار السياسيين والاقتصاديين والعلماء فى العالم إلى اعتناق الإسلام؟
أليس علماء العالم وحكمائه هم أجدر الناس على تقييم هذا الدين؟
ألا يدل هذا على ثقتهم على قدرة الإسلام على إصلاح العالم؟
ألا يدل هذا على محبتهم للعالم، ومحاولتهم إنقاذه فى الدنيا من بطش حاكم، وإذلال اقتصاد مغرض، وتعرضهم لغضب الله تعالى عليهم، وفى الآخرة من نار وقودها الناس والحجارة، كلما خبت زادها الله سعيرا؟
لذلك فإن عظمة هذا الدين لا تخفى إلا على من جهل حقيقة الإسلام، أو عميت بصيرته عنه، أو كان به لوثة من هوى أو حقد مقيت. وإلا فإن سماحة الإسلام في المعاملة وتيسيره في كل أموره، ظاهر بأدنى تأمل لمن طلب الحق وسعى إلى بلوغه والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وأتعجب حقًا: كيف تكتب أنت فى هذا الموضوع ولا ترى ما رآه هؤلاء، وأنت تعيش بين أظهر المسلمين، ودرست تاريخهم، وسمعت عن تعاليمهم؟!
أسأل الله لك الهداية والإصلاح وأن يبصرك بالحق، ويقوِّيك على اتباعه، وينزع منك التعصُّب الأعمى، ويهديك إلى الصراط المستقيم!
تعليق