وهذه القبلة الجديدة مرتبطة بمدينة جديدة. فقد تكلم يوحنا فى رؤياه عن هذه المدينة الجديدة التى أسماها أورشليم الجديدة، فهى مكعبة، تقع على سفح جبل، بل ومحاطة بجبال: (10وَذَهَبَ بِي بِالرُّوحِ إِلَى جَبَلٍ عَظِيمٍ عَالٍ، وَأَرَانِي الْمَدِينَةَ الْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ الْمُقَدَّسَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، 11لَهَا مَجْدُ اللهِ، وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ.) رؤيا يوحنا 21: 10-11
(16وَالْمَدِينَةُ كَانَتْ مَوْضُوعَةً مُرَبَّعَةً، طُولُهَا بِقَدْرِ الْعَرْضِ. فَقَاسَ الْمَدِينَةَ بِالْقَصَبَةِ مَسَافَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ غَلْوَةٍ.الطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالاِرْتِفَاعُ مُتَسَاوِيَةٌ)رؤيا يوحنا21: 16
وصاحب هذه المدينة (أى حاكمها) هو الصادق الأمين : (11ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ.) رؤيا يوحنا 19: 11، والكل يعرف أن من ألقاب الرسول من قبل البعثة أنه الصادق الأمين. ولم تكن هذه الألقاب من ألقاب عيسى . ولم يحارب عيسى . إنه دعا لمحبة الأعداء، وترك العنف، ولو سُلِبَ منك حقك: (38«سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. 39وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. 40وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. 41وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلًا وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ.) متى 5: 38-41
وقال أيضًا: (أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ.) متى 5: 44-45
وتكون هذه الأرض أرضًا جديدة أى ليست الأرض القديمة فلسطين، ولا يوجد بحر فيها: (1ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ.) رؤيا 21: 1، ويقول ويسلى فى تفسيره لهذه الفقرة ص 123: (ليس هناك بحرًا جديدًا. بل سوف لا يكون هناك بحر على الإطلاق.).
مع الأخذ فى الاعتبار أن ذهاب الأرض الأولى والسماء الأولى دليل على انتهاء النبوة من بنى إسرائيل، وذهاب ملكوت الله الجديد إلى أمة جديدة، أمة غير الأمة الأولى، تعمل أثماره.
ومعنى ذلك أنها ستكون فى أرض مقفرة، وقد فهم علماء اليهود هذا جيدًا، وأسموها صهيون الجديدة، وصهيون أى (سيون) أى الأرض المقفرة، وكانوا فى انتظار مولد الرسول .
ويقول الرائى فى رؤياه (وَلَمْ أَرَ فِيهَا هَيْكَلًا) رؤيا 21: 22 ومازال المفسرون لليوم فى حيرة من أمرهم بشأن هذا الهيكل، فمنهم من يقول إنها الكنيسة (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 359)، ومنهم من ينفى ذلك بقوله: إن أبناء العهد الجديد ما عرفوا أو كتبوا عن الكنيسة، (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 360). ومنهم من قال: إن كل هذه التفاسير لا تستقيم مع الحق (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 361)، ومنهم من يؤكد أن هذه النبوءة لم تتم بعد وستتم فى المستقبل، (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 361). وسيكون هذا البناء أفخم وأعظم بناء. فهيكل سليمان فى كل عظمته لا يُعدُ شيئًا بالنسبة لهذا البناء، (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 361). وعدم وجود الهيكل معناه أن الكل على سواء لهم حرية الاقتراب من الله (تفسير الرؤيا / ناشد حنا ص 458)، أى دون تدخل للكهنوت لغفران الذنوب والاعتراف، كما أنهم حول هذا البناء سوف يمتنعون عن كل ما يصدر عن الطبيعة (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 428)، ويكون رأس الرجل عاريًا، والمرأة تغطى رأسها (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 429)، ويلبسون السراويل لستر العورة من الحقوبين إلى الفخذين (تفسير حزقيال/ رشاد فكرى ص 429)، ويجزون شعر رأسهم جزًَّا (تفسير حزقيال/ رشاد فكرى ص 429)، وهناك نوع واحد من الزينة عند هذا البناء هو النخيل وأغصان النخيل. ومعنى هذا أنها منطقة تشتهر بزراعة التمر ووفرة النخل بها. (تفسير حزقيال/ رشاد فكرى ص 374). (نقلًا عن المسح الدجال قراءة سياسية فى أصول الديانات الكبرى،سعيد أيوب ص81)
ولا يمكن أن يكون الهيكل القادم هيكل سليمان، لأن النبوءة واضحة أنه سيكون هناك هيكلًا آخرًا أعظم من هيكل سليمان، أما بالنسبة لهيكل سليمان الذى قام تيطس بهدمه، كما يقول تاريخ الكنيسة، فإن الذى سيقوم ببنائه هو النبى الكذَّاب، كما يُجمِع علماء الكتاب المقدس على ذلك. أما الهيكل الجديد (الكعبة) (وَلَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ دَنِسٌ) رؤيا 21: 27، فهى محرمة على الكافرين، ومحرم دخول أى شىء دنس إلى داخل المدينة. مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا) التوبة 28
ولاسمها ستجثوا كل ركبة فى الكون (تفسير الرؤيا / ناشد حنا ص 104)، وستكون مركزًا للأرض، وستسير الأمم فى نورها (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 489)
(13وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ الْعَرَبِ: فِي الْوَعْرِ فِي بِلاَدِ الْعَرَبِ تَبِيتِينَ يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ. 14هَاتُوا مَاءً لِمُلاَقَاةِ الْعَطْشَانِ يَا سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ. وَافُوا الْهَارِبَ بِخُبْزِهِ. 15فَإِنَّهُمْ مِنْ أَمَامِ السُّيُوفِ قَدْ هَرَبُوا. مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ وَمِنْ أَمَامِ الْقَوْسِ الْمَشْدُودَةِ وَمِنْ أَمَامِ شِدَّةِ الْحَرْبِ. 16فَإِنَّهُ هَكَذَا قَالَ لِي السَّيِّدُ: «فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ 17وَبَقِيَّةُ عَدَدِ قِسِيِّ أَبْطَالِ بَنِي قِيدَارَ تَقِلُّ لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ».) إشعياء 21: 13-17
ما أعظم هذه النبوءة التى تحكى عن أن المسِّيِّا الذى تخصه هذه النبوءة سوف يفر هاربًا من أمام أهل بلده، الذين يحملون السيوف يريدون قتله، وتوضح النبوءة أنه سيفر منهم فى الصيف، حيث تصف شدة عطشه واحتياجه للماء، وتوضح أن مكان هذه الأحداث هى بلاد العرب (وكانت تطلق على الجزيرة العربية أى السعودية). بل وتحدد أن هذا النبى الفار من قومه سوف يسلك طريقًا وعرا، وأنه سوف ينتصر عليهم فى نهاية الأمر، ولن يستمر هذا طويلًا، فحدد المدة أنها (سنة كسنة الأجير)، وبانتصاره يفنى مجد كل قيدار.
إذًا فالنبوءة تصف هجرة الرسول من مكة إلى المدينة، وهذا ما حدث للرسول وقت الهجرة، فقد اجتمع نفر من أشراف كل قبيلة ودخلوا دار الندوة واتفقوا على أن يُؤخذ رجل من كل قبيلة ويجتمعون على قتل رسول الله ، فيتفرق دمه بين القبائل. وكانت هذه فكرة أبى جهل، وقد وصفها سفر المزامير بقوله: (12الشِّرِّيرُ يَتَفَكَّرُ ضِدَّ الصِّدِّيقِ وَيُحَرِّقُ عَلَيْهِ أَسْنَانَهُ. 13الرَّبُّ يَضْحَكُ بِهِ لأَنَّهُ رَأَى أَنَّ يَوْمَهُ آتٍ! 14الأَشْرَارُ قَدْ سَلُّوا السَّيْفَ وَمَدُّوا قَوْسَهُمْ لِرَمْيِ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ لِقَتْلِ الْمُسْتَقِيمِ طَرِيقُهُمْ. 15سَيْفُهُمْ يَدْخُلُ فِي قَلْبِهِمْ وَقِسِيُّهُمْ تَنْكَسِرُ. 16اَلْقَلِيلُ الَّذِي لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةِ أَشْرَارٍ كَثِيرِينَ. 17لأَنَّ سَوَاعِدَ الأَشْرَارِ تَنْكَسِرُ وَعَاضِدُ الصِّدِّيقِينَ الرَّبُّ. 18الرَّبُّ عَارِفٌ أَيَّامَ الْكَمَلَةِ وَمِيرَاثُهُمْ إِلَى الأَبَدِ يَكُونُ. 19لاَ يُخْزَوْنَ فِي زَمَنِ السُّوءِ وَفِي أَيَّامِ الْجُوعِ يَشْبَعُونَ. 20لأَنَّ الأَشْرَارَ يَهْلِكُونَ وَأَعْدَاءُ الرَّبِّ كَبَهَاءِ الْمَرَاعِي. فَنُوا. كَالدُّخَانِ فَنُوا. 21الشِّرِّيرُ يَسْتَقْرِضُ وَلاَ يَفِي أَمَّا الصِّدِّيقُ فَيَتَرَأَّفُ وَيُعْطِي. 22لأَنَّ الْمُبَارَكِينَ مِنْهُ يَرِثُونَ الأَرْضَ وَالْمَلْعُونِينَ مِنْهُ يُقْطَعُونَ) مزمور 37: 12-22
وهكذا هرب الرسول ، سافر فى الصحراء الوعرة برفقة صديقه أبى بكر الصديق ، وعندما علمت قريش بفرارهما، عرضت مكافأة تبلغ 100 ناقة لمن يأتى بمحمد حيًا أو ميتًا، فخرج الأشرار بسيوفهم وأقواسهم بحثًا عنهما، وطمعًا فى المكافأة.
ورأيى أن ورقة بن نوفل وهو من أعلام النصارى وقتها قد صرَّحَ للرسول وقت نزول الوحى لأول مرة أن قومه سوف يخرجوه، فسأله الرسول : ”أمخرجى هم“ فقال له ورقة بن نوفل: ”نعم يخرجونك، وإن أدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا“.
وتتحدث النبوءة عما يعانيه هذا النبى فى رحلته من تعب وجوع وعطش، وهذا يعنى أنه من الممكن أن تكون هذه الهجرة فى الصيف. وهذا ما حدث بالفعل، فقد وصل رسول الله المدينة بتاريخ 20 سبتمبر عام 622م، وبهذا التاريخ بدأ التأريخ الهجرى. وهذا يعنى أيضًا أنه خرج من مكة فى شهر أغسطس، وهو من أشد شهور الصيف حرًا. وهذا يفسر قول النبوءة: (14هَاتُوا مَاءً لِمُلاَقَاةِ الْعَطْشَانِ يَا سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ. وَافُوا الْهَارِبَ بِخُبْزِهِ)، فقد كانت اشارة على أن الهجرة ستكون فى الصيف.
ولكن ما علاقة (سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ) و(قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ) بهجرة الرسول ؟ فهم لا يرون علاقة بين الديدان والمدينة المنورة، ويدعون أن تيماء تقع بعد المدينة المنورة، وبالتالى فإن هجرة محمد من مكة للمدينة لا تجعله يمر بتيماء.
أولًا: إن الديدان هى العلا وهى احدى محافظات المدينة المنورة التى تمت هجرة الرسول إليها. ودليلنا على ذلك من
A.A Duri, 1987 Translated by Lawrence I Conrad, “The historical formation of Arab Nation” Croom Helm. London, New York, Sydney, Page
وملخص ترجمة ما يقوله: إنه فى القرن السادس قبل الميلاد ذكر كتاب الملك البابليونى استيلاءه على تيماء، التى أصبحت عاصمته لمدة 10 سنوات. كما امتدت سيطرته لتشمل ديدان (العلا)، وخيبر ويثرب (مدن عربية).
وهناك مرجع آخر يقر بأن الديدانيين هم سكان العلا، وهى نفسها ديدان:
GEOFFREY KING I.B. TAURIS PUBLISCHERS LONDON. NEW YORK PUBLISHED IN 1998 “THE TRADITIONAL ARCHITECTURE OF SAUDI ARABIA” PAGE 79.
وتقول: إن تاريخ مقاطعة العلا ثابت منذ أقدم التاريخ، ساعدت الواحات الحضارة العربية القديمة لديدان منذ القرن السادس قبل الميلاد. (نقلًا بتصرف عن هيمنة القرآن المجيد على ما جاء فى العهد القديم والجديد، للدكتورة مها محمد فريد عقل صفحات 78- 86)
وعلى ذلك فهذا المرجع يُبيِّن أن ديدان هى العلا. والآن بعد إزالة الإشكال فى التعرف على موقع ديدان، لم يبق أمامكم إلا التسليم بأن هذه النبوءة تشير إلى هجرة الرسول.
أمَّا بالنسبة لأرض تيماء فهى تقع فى السعودية كما يقول القاموس الجغرافى الجديد، ولا خلاف على ذلك:
WEBSTERS NEW GEOGRAPHICAL DICTIONARY, 1972
(G, C MERRIAM COMPANY; PUBLISHERS SPRING FIELD, MASSACHUSETTS, PAGE 1176)
أما عن موقعها داخل السعودية فهى تقع على مفترق عدد من الطرق البرية التى تصل بين أطراف الجزيرة وبين المناطق الحضارية خارج الجزيرة فى بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر، وهى أكبر مركز تجارى كشف عنه حتى الوقت الحاضر فى الجزيرة العربية. ومعنى هذا أن تيماء تقع فى طريق التجارة من مكة إلى سوريا (وهى ما تعرف برحلة الصيف). ويؤكد التاريخ صحة تفسيرنا لهذه النبوءة، وأنها لا تنطبق لا من قريب أو بعيد إلا على المِسِّيِّا الذى خرج من أرض الحجاز. فقد كان اليهود ساكنوا تيماء يبشرون بقرب ظهور نبى مهاجرًا استنادًا لهذه النبوءة.
فهل لو لم تنطبق هذه النبوءة على محمد فهل ممكن أن تنطبق على أحد غيره؟ بالطبع لا. فلا علاقة إذًا بمن ينتظره اليهود ليخرج منهم. (نقلًا بتصرف عن هيمنة القرآن المجيد على ما جاء فى العهد القديم والجديد، للدكتورة مها محمد فريد عقل صفحات 90-97)
أما بالنسبة لقيدار فهم العرب قبيلة قريش وسكان الجزيرة العربية الأصليون، وهى القبيلة التى أخرجت الرسول من مكة مهاجرًا إلى المدينة. وقيدار هو الجد الأكبر لقبيلة قريش، وهو الابن الثانى لإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. (تكوين 25: 13)
ولا خلاف على أن رسول الله من نسل قيدار، وقد اعترفت المراجع الجغرافية والتاريخية الأجنبية نفسها بمجىء رسول الله من نسل قيدار بن إسماعيل. مثل:
THE HISTORICAL FORMATION OF ARAB NATION, PAGE 11
وكذلك:
THE HISTORICAL GEOGRAPHY OF ARABIA BY THE REV. CHARLES FORSTER, PAGE 248
فيقول المرجع الأخير: إنه من التقليد السحيق لدى العرب أنفسهم أن قيدار وذريته قد استقروا فى الحجاز، وهم أجداد قبيلة قريش حكام مكة، وحراس الكعبة، وسبب مفخرة هذا النسب (كونهم حراس الكعبة).
وعلى الرغم من ذلك يُقر البعض بأن قبيلة قيدار هم العرب، ولكنهم يدَّعون أن هذه القبيلة قد فنيت من زمن بعيد. فإذا كانت قبيلة قيدار قد اندثرت فلا معنى إذًا للنبوءة، ويكون هذا تطاول منهم على الله والكتاب الذى يقدسونه.
(فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ 17وَبَقِيَّةُ عَدَدِ قِسِيِّ أَبْطَالِ بَنِي قِيدَارَ تَقِلُّ) إشعياء 21: 16-17
فبعد وقت قليل من الهجرة حدثت غزوة بدر وانتصر فيها المسلمون على المشركين من أبناء قيدار (قريش) طبقًا لما جاء فى النبوءة، وأفنت كل مجد قيدار. ودليلنا على ذلك:
1- أن الرسول قال للمسلمين: "هذه مكة ألقت إليكم أفلاذ كبدها" أى إن أشراف مكة وخيرة رجالها قد خرجوا لمحاربتكم. فإذا انهزموا، وقتل منهم من قتل، وسيق الآخرون أسرى فى أيدى المسلمين، ألا يعتبر هذا فناء لمجد قريش ولكبريائها وعظمتها أمام الفئة الضعيفة التى انتصرت عليهم؟
2- وفى غضون ثمانى سنوات كانت الهزائم قد توالت عليهم وخسر المشركون الكثير من أشرافهم وقادتهم حتى دخلها رسول الله فاتحًا منتصرًا على رأس عشرة آلاف من الجنود المسلمين، فكسَّرَ أصنامهم، وأصبحوا نفرًا فى الأمة بعد أن كانوا أسياد أمتهم. (نقلًا بتصرف عن هيمنة القرآن المجيد على ما جاء فى العهد القديم والجديد، للدكتورة مها محمد فريد عقل صفحات 98-104)
راجع أيضًا (عيسى ليس المسيح) مكتبة وهبة
تلخيص لما أثاره الكاتب من نقائص يدعى أنها فى الإسلام:
الرجال قوامون على النساء:
وسوف ألخص ما قاله الكاتب:
إنه ينتقد فى الإسلام وضع المرأة للأسباب الآتية:
1- يدعى أن المرأة لا تتساوى مع الرجل (ولهن مثل الذى عليهن، وللرجال عليهن درجة) البقرة 228
وقد رددت عليها فى بداية الكتاب، وبيَّنت أن اليهودية والمسيحية لا ترفع الرجل درجة على المرأة، بل ترفعه درجات، وتخسف بها الأرض أميال، بل اعتبروها من الأساس ليست من الجنس البشرى، وذلك بخلاف الإسلام، الذى ساوى بينهما فى الحقوق، وراعى التميز الفطرى أو الخلقى بينهما فى الواجبات. فمن غير الطبيعى مثلا أن يفرض عليها الجهاد، أو يلزمها بالعمل خارج البيت وداخله، أو يساويها فى الميراث مع الرجل، ثم يلزم الرجل بالإنفاق عليها، أو يجعل القيادة داخل البيت للاثنين بالتساوى، وذلك تجنبًا للمشاكل التى يمكن أن تظهر من اختلاف إدارة شؤون الحياة بينهما.
تقول الدكتورة فوزية العشماوى (بتصرف): ففى مسألة قوامة الرجل على المرأة: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ....) النساء 34، إن قوامة الرجل على المرأة لا تعنى أفضلية، ولكنها تعنى تحميله مسؤولية القيادة، وتحمل التبعية فى الدنيا والآخرة، فهذا تكليف وليس تشريف. كما أن المرأة تشارك الرجل فى هذه القوامة أثناء غيابه فى العمل أو السفر، فلا يمكن بحال من الأحوال أن ينتقص الإسلام من أهلية المرأة لقيادة البيت فى غياب زوجها، كما أنه لا يحرمها المشاركة فى قيادة البيت أثناء وجود زوجها، لكن بالشورى وليس بفرض الرأى.
ويقول الدكتور محمد عمارة: إن هذه القوامة لا تعني أنه القائد وحده وإنما تعني ارتفاع مكانته إذا أهلته إمكانياته ـ درجة تتيح له اتخاذ القرار، في ضوء الشورى، وليس الانفراد الذي ينفي إرادة المرأة وقيادتها ... ولو لم يكن هذا المضمون الاسلامي (للقوامة) لما أمكن أن يكون كل من الرجل والمرأة راعيا في ميدان واحد، هو البيت ... فهما أميران ـ راعيان وقائدان في ذات الميدان ... والقوامة درجة أعلى في سلم القيادة وليست السلم بأكمله (مجلة العربي العدد 330 مايو 1986).
وهل يعيب رئيس الوزراء وجود رئيسًا للجمهورية؟ وهل يعيب رئيس مجلس إدارة شركة وجود مديرًا لها؟ أم لكل اختصاصاته، وكل منهما يُكمِّل الآخر فى العمل؟ فالرجل رئيس الأسرة والمرأة رئيسة الوزراء أى الحكومة. فهل سمعت عن دولة ما لها رئيسان؟ وتخيَّل لو أن هناك سيارة يقودها اثنان، أو سفينة يتولى قيادتها اثنان!
وهذا ما أكد عليه الرسول في حديثه الشريف (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعتيه، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته.) البخاري (853، 2416، 2419، 2600، 4892، 4904، 6719)، مسلم (1829)، أبو داود (2928)، الترمذي (1705)، أحمد (2/5، 54).
لقد استخدم الرسول المصطلح "راع" ليصف كل من الرجل والمرأة واستخدم كذلك نفس المصطلح "مسئول" ليصف مهمة كل منهما، وهذا أكبر دليل على مفهوم التسوية التامة بين الرجل والمرأة، فكل منهما راع ومسئول، وهما مشتركان في الرعاية والمسئولية على البيت، ولكن لكل منهما درجة في سلم القيادة.
واستعمال هذه المصطلحات التي تؤكد التسوية بين الرجل والمرأة جاءت أيضًا فى القرآن الكريم، وهى عبارات فيها ضبط قياسي وتطابق لغوي لا يعنى إلا تساوى الرجل والمرأة أمام الله تعالى وفى القانون، فقد جاء في ذلك فى قول الله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب 35 وكان يمكن الاكتفاء بجمع المذكر الذى يشمل المذكر والمؤنث ولكن حرص الخطاب القرآني على تكرار جمع المؤنث للتأكيد على أن النساء لهن مثل ما للرجال من أجر وثواب.
وكذلك قوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) النساء 7،
وقوله تعالى: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) النساء 32
وكذلك قوله تعالى: (.... هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ...) البقرة 187
فهذا التطابق في الآيات الكريمة ما هو إلا تأكيد على التكافؤ والتكامل بين الرجل والمرأة. ولقد عرف الله سبحانه وتعالى الرجل والمرأة في كثير من الآيات الكريمة بأنهما الذكر والأنثى وقال (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) النجم 45 ولم يقل الرجل والمرأة لأنه سبحانه وتعالى أراد أن يعلمنا أن العلاقة بين الجنسين علاقة تقابلية فالذكر هو الطرف المقابل للأنثى وبالالتقاء يكون التكامل بينهما.
كما أن الخطاب القرآني أكد على أن طبيعة المرأة من نفس طبيعة الرجل أي أنهما جاءا من بوتقة واحدة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء 1.
ويكفى أن تعلم أن الله تعالى حينما قرر أن يجعل فى الأرض خليفة أنزل آدم وحواء إلى الأرض، فاستخلف الاثنين وذريتهما معًا الرجال والنساء: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) البقرة 30
لذلك يؤكد القرآن على أن المرأة مشاركة للرجل فى الدفاع عن الدين ونشره، فهى مسؤولة تمامًا مثله فى إقامة الدين والحق فى الحياة والمجتمع،وضبطه أخلاقيًا: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة 71
وقد شاركت المرأة المسلمة عبر التاريخ الاسلامي مع الرجل جنبًا إلى جنب في الكفاح لنشر الاسلام والمحافظة عليه، فقد اشتركت المرأة المسلمة في أول هجرة للمسلمين إلى الحبشة، وكذلك في الهجرة إلى المدينة المنورة، وخرجت مع الرجال في الغزوات التي قادها الرسول لنشر الإسلام، واشتركت في ميادين القتال ليس فقط لتمريض الجرحى بل للمقاتلة بالسيف أيضا بالرغم من أنها معفاة من الجهاد ومن حمل السلاح.
والتاريخ الاسلامي يؤكد لنا أن أول شهيدة في الإسلام هي الشهيدة سمية من آل ياسر عليهم السلام. كما اشتركت النساء في مبايعة الرسول . والمبايعة أو البيعة معناها الانتخاب والتصويت طبقًا لمصطلحاتنا الحديثة، فقد بايعت النساء المسلمات النبي في بيعتي العقبة الأولى والثانية. وهذه المشاركة النسائية في البيعة للرسول الكريم تعتبر اقرارًا لحقوق المرأة السياسية طبقا لمصطلحاتنا اليوم؛ إذ أن بيعة العقبة تعتبر عقد تأسيس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة.
كما أن الاسلام منح المرأة حق الذمة المالية قبل كل الحضارات الأخرى التي كانت تعتبر المرأة ملكًا لزوجها يتصرف هو في مالها بحرية وليس لها الحق في مراجعته، وكان هذا هو حال المرأة الغربية في أوروبا منذ القرون الوسطى وحتى نهاية القرن التاسع عشر بينما المرأة المسلمة تمتعت بهذا الحق منذ ظهور الإسلام الذي كفل لها حق البيع والشراء وإبرام العقود دون أي تدخل من أي رجل سواء أكان أبًا أو أخًا أو زوجًا أو ابنًا.
فلسفة الميراث فى الإسلام وعظمته:
وعودة إلى انتقاد الكاتب للإسلام فيما يخص المرأة فى نقطتين: الميراث: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) النساء 11،
وكذلك رددت على الميراث، وبينت أن الرجل لا يأخذ ضعف المرأة فى الميراث إلا فى ثلاث حالات فقط وهم: ميراث الأبناء من الأب أو الأم، وهو ما تشير إليه الآية، وميراث الزوج من زوجته فهو ضعف ميراثها هى منه، وميراث الأب والأم من ابنهما، إن لم يكن له ذرية. (انظر إنسانية المرأة بين الإسلام والأديان الأخرى)
لقد جاء القرآن الكريم بنظام إرث جديد أنصف فيه جميع الورثة وخاصة النساء منهم والتي كن محرومات من تركة أقربائهن في نظام الإرث المطبق عند العرب وكذلك عند أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
لقد بدأ القرآن الكريم بإقرار مبدأ عظيم وهو أن للنساء نصيب من تركة أقربائهن كما للرجال مهما بلغت قيمة التركة وأن هذا الحق مفروضًا لهن من الله سبحانه وتعالى وذلك في قوله تعالى (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) النساء 7
ولم يكتف القرآن الكريم بإنصاف النساء بل تعدى ذلك وطلب من الورثة إعطاء جزءًا ولو كان بسيطًا من التركة للأقارب الذين لا نصيب لهم في التركة في النظام الجديد، وخاصة من كان لهم فيها من قبل نصيب تطييبًا لأنفسهم وكذلك التصدق على من حضر من اليتامى والمساكين وذلك في قوله تعالى (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) النساء 8
وقد أكد القرآن الكريم كذلك على عدم هضم حقوق صغار الورثة من الذكور والإناث عند القسمة من قبل كبار الورثة وكذلك الحفاظ على أموال هؤلاء اليتامى من قبل إخوانهم أو أعمامهم أو من هم في كفالتهم وخاصة في غياب رقابة الدولة على إجراءات قسمة التركة وذلك في قوله تعالى (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) النساء 9-10
وبعد أن وضع القرآن القواعد العامة لنظام الإرث بدأ بتحديد أنصبة كل من ورثة المتوفى سواء كان ذكرًا أم أنثى وذلك في ثلاث آيات فقط لا يتجاوز عدد أسطرها العشرة وهي مليئة بالفرائض باستخدام نظام الكسور: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإ ِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ.) النساء 11-12
وجاءت آية الميراث الأخيرة تحدد نصيب من غابت أصوله وفروعه، أى لا ولد له ولا والد يرثونه ولكن قد يكون له أخوة: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.) النساء 176
ومن الملاحظ، كما يقول الدكتور مهندس منصور العبادى: أن (قوامة الرجال على النساء نظام قائم منذ أن خلق الله البشر، ولا زال قائمًا إلى يومنا هذا في معظم المجتمعات البشرية، وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإن أي محاولات لتغيير مثل هذا الواقع لن تفلح أبدًا، ما دام أن المجتمعات تقوم على النظام الأسري، والذي تكون فيه في الغالب القوامة للرجال؛ بسبب ما ميزهم الله به من قوة الجسم. والدليل على عدم تحيز القرآن الكريم للرجال هو تساوي نصاب الأب والأم في حالة وجود أولاد للمتوفى وكذلك تساوى نصاب الأخ والأخت من الأم في تركة الكلالة. وحين يحدد القرآن الكريم نصاب الإبن بضعف نصاب البنت فهو إنصاف لهذا الإبن وليس تحيزًا له وذلك لأسباب كثيرة أولها أن الأعباء المادية المترتبة على الرجال في الأنظمة الاجتماعية السائدة تفوق تلك المترتبة على النساء: فهم الذين يقومون ببناء مساكن الزوجية التي لا تشارك النساء فيه بشيء وهم الذين يدفعون المهور ويقيمون حفلات الزواج وهم الذين ينفقون على زوجاتهم وأولادهم وهم أقدر على العمل بشتى أنواعه بسبب تركيبهم الجسمي وهم أقدر على الحفاظ على الأموال التي يرثونها وكذلك تنميتها وهم أقدر كذلك على حمايتها في مجتمعات لا يصمد فيها إلا القوي وهذا هو واقع البشر منذ أن خلقهم الله وسيبقون كذلك)
يقول الدكتور منصور العبادى فى هذا الشأن: (لقد تحول كثير من عقلاء أهل الكتاب منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا إلى دين الإسلام بسبب كمال النظام التشريعي فيه وعلى الخصوص نظام الإرث بعد أن تأكد لهم أن مثل هذا التشريع لا يمكن أن يسن من قبل رجل أمي. بل مما زاد من دهشتهم وإعجابهم أن نظام الإرث هذا والذي تم فيه معالجة جميع الاحتمالات الممكنة لحالات الورثة من الدرجة الأولى قد تمت صياغته في عشرة أسطر فقط. إن مجرد استخدام الكسور كالنصف والثلث والربع والسدس والثمن في نظام الإرث في زمن يجهل فيه البشر وخاصة العرب منهم مثل هذه العمليات الحسابية لهو أكبر دليل على أن هذا النظام لا يمكن أن يكون قد تم وضعه من قبل رجل أمي. لقد كان من السهل لو كان هذا النظام من وضع رجل أمي أن يقع في ورطة حسابية باستخدام نظام الكسور هذا، ولكن الدارس المتفحص لنظام الإرث في القرآن يكتشف مدى الدقة التي تم بها اختيار حصص الورثة باستخدام الكسور.)
أليس هذا بدليل على أن هذا القرآن أوحى به للرسول ؟
ويقول الشيخ سيد قطب رحمه الله فى تفسيره (فى ظلال القرآن): (إن الإسلام نظام للإنسان. نظام واقعي إيجابي. يتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه ويتوافق مع واقعه وضروراته، ويتوافق مع ملابسات حياته المتغيرة في شتى البقاع وشتى الأزمان، وشتى الأحوال. إنه نظام واقعي إيجابي، يلتقط الإنسان من واقعه الذي هو فيه، ومن موقفه الذي هو عليه، ليرتفع به في المرتقى الصاعد، إلى القمة السامقة. في غير إنكار لفطرته أو تنكر؛ وفي غير إغفال لواقعه أو إهمال؛ وفي غير عنف في دفعه أو اعتساف! إنه نظام لا يقوم على الحذلقة الجوفاء؛ ولا على التظرف المائع؛ ولا على "المثالية" الفارغة؛ ولا على الأمنيات الحالمة، التي تصطدم بفطرة الإنسان وواقعه وملابسات حياته، ثم تتبخر في الهواء!
إن هذا النظام في التوريث هو النظام العادل المتناسق مع الفطرة ابتداء؛ ومع واقعيات الحياة العائلية والإنسانية في كل حال. يبدو هذا واضحًا حين نوازنه بأي نظام آخر، عرفته البشرية في جاهليتها القديمة، أو جاهليتها الحديثة، في أية بقعة من بقاع الأرض على الإطلاق. إنه نظام يراعي معنى التكافل العائلي كاملا، ويوزع الأنصبة على قدر واجب كل فرد في الأسرة في هذا التكافل. فعصبة الميت هم أولى من يرثه - بعد أصحاب الفروض كالوالد والوالدة - لأنهم هم كذلك أقرب من يتكفل به، ومن يؤدي عنه في الديات والمغارم فهو نظام متناسق، ومتكامل.
وهو نظام يراعي أصل تكوين الأسرة البشرية من نفس واحدة. فلا يحرم امرأة ولا صغيرا لمجرد أنه امرأة أو صغير. لأنه مع رعايته للمصالح العملية يرعى كذلك مبدأ الوحدة في النفس الواحدة. فلا يميز جنسًا على جنس إلا بقدر أعبائه في التكافل العائلي والاجتماعي. وهو نظام يراعي طبيعة الفطرة الحية بصفة عامة، وفطرة الإنسان بصفة خاصة. فيقدم الذرية في الإرث على الأصول وعلى بقية القرابة. لأن الجيل الناشىء هو أداة الامتداد وحفظ النوع. فهو أولى بالرعاية - من وجهة نظر الفطرة الحية - ومع هذا فلم يحرم الأصول، ولم يحرم بقية القرابات. بل جعل لكل نصيبه. مع مراعاة منطق الفطرة الأصيل. وهو نظام يتمشى مع طبيعة الفطرة كذلك في تلبية رغبة الكائن الحي - وبخاصة الإنسان - في أن لا تنقطع صلته بنسله، وأن يمتد في هذا النسل. ومن ثم هذا النظام الذي يلبي هذه الرغبة، ويطمئن الإنسان الذي بذل جهده في ادخار شيء من ثمرة عمله، إلى أن نسله لن يحرم من ثمرة هذا العمل، وأن جهده سيرثه أهله من بعده. مما يدعوه إلى مضاعفة الجهد، ومما يضمن للأمة النفع والفائدة - في مجموعها - من هذا الجهد المضاعف. مع عدم الإخلال بمبدأ التكافل الاجتماعي العام الصريح القوي في هذا النظام وأخيرًا فهو نظام يضمن تفتيت الثروة المتجمعة، على رأس كل جيل، وإعادة توزيعها من جديد. فلا يدع مجالا لتضخم الثروة وتكدسها في أيد قليلة ثابتة - كما يقع في الأنظمة التي تجعل الميراث لأكبر ولد ذكر، أو تحصره في طبقات قليلة - وهو من هذه الناحية أداة متجددة الفاعلية في إعادة التنظيم الاقتصادي في الجماعة، ورده إلى الاعتدال دون تدخل مباشر من السلطات. هذا التدخل الذي لا تستريح إليه النفس البشرية بطبيعة ما ركب فيها من الحرص والشح. فأما هذا التفتيت المستمر والتوزيع المتجدد؛ فيتم والنفس به راضية، لأنه يماشي فطرتها وحرصها وشحها! وهذا هو الفارق الأصيل بين تشريع الله لهذه النفس وتشريع الناس.) انتهى الاقتباس من الشيخ سيد قطب
كما بينت أن المرأة فى اليهودية لا ترث إلا إذا لم يكن لها اخوة، ولو ورثت فهى مجبرة على التزوج من نفس سبط أبيها، حتى لا يذهب ما ترثه إلى سبط هذا الزوج، فيزداد بمرور الوقت نصيب سبط على آخر.
وها هو رب الرحمة والمحبة يحرم المرأة من الميراث، فيقول: (44وَأَمَّا عَبِيدُكَ وَإِمَاؤُكَ الَّذِينَ يَكُونُونَ لَكَ فَمِنَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ. مِنْهُمْ تَقْتَنُونَ عَبِيدًا وَإِمَاءً. 45وَأَيْضًا مِنْ أَبْنَاءِ الْمُسْتَوْطِنِينَ النَّازِلِينَ عِنْدَكُمْ مِنْهُمْ تَقْتَنُونَ وَمِنْ عَشَائِرِهِمِ الَّذِينَ عِنْدَكُمُ الَّذِينَ يَلِدُونَهُمْ فِي أَرْضِكُمْ فَيَكُونُونَ مُلْكًا لَكُمْ. 46وَتَسْتَمْلِكُونَهُمْ لأَبْنَائِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ مِيرَاثَ مُلْكٍ. تَسْتَعْبِدُونَهُمْ إِلَى الدَّهْرِ.) اللاويين 25: 44-46
وها هو الرب يعدِّل تقسيمته، التى فاته أن يعدل فيها، فيقول بناءً على طلب من بنات صلفحاد: (1فَتَقَدَّمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ ... مِنْ عَشَائِرِ مَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ. .... 2وَوَقَفْنَ أَمَامَ مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الكَاهِنِ وَأَمَامَ الرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الجَمَاعَةِ لدَى بَابِ خَيْمَةِ الاِجْتِمَاعِ قَائِلاتٍ: 3أَبُونَا مَاتَ فِي البَرِّيَّةِ وَلمْ يَكُنْ فِي القَوْمِ الذِينَ اجْتَمَعُوا عَلى الرَّبِّ فِي جَمَاعَةِ قُورَحَ بَل بِخَطِيَّتِهِ مَاتَ وَلمْ يَكُنْ لهُ بَنُونَ. 4لِمَاذَا يُحْذَفُ اسْمُ أَبِينَا مِنْ بَيْنِ عَشِيرَتِهِ لأَنَّهُ ليْسَ لهُ ابْنٌ؟ أَعْطِنَا مُلكًا بَيْنَ أَعْمَامِنَا». 5فَقَدَّمَ مُوسَى دَعْوَاهُنَّ أَمَامَ الرَّبِّ. 6فَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: 7«بِحَقٍّ تَكَلمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ فَتُعْطِيهِنَّ مُلكَ نَصِيبٍ بَيْنَ أَعْمَامِهِنَّ وَتَنْقُلُ نَصِيبَ أَبِيهِنَّ إِليْهِنَّ. 8وَتَقُول لِبَنِي إِسْرَائِيل: أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ وَليْسَ لهُ ابْنٌ تَنْقُلُونَ مُلكَهُ إِلى ابْنَتِهِ. 9وَإِنْ لمْ تَكُنْ لهُ ابْنَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ لِإِخْوَتِهِ. 10وَإِنْ لمْ يَكُنْ لهُ إِخْوَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ لأَعْمَامِهِ. 11وَإِنْ لمْ يَكُنْ لأَبِيهِ إِخْوَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ لِنَسِيبِهِ الأَقْرَبِ إِليْهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَيَرِثُهُ». فَصَارَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيل فَرِيضَةَ قَضَاءٍ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى.) العدد 27: 1-11
(ومن الواضح من هذا النص أن نظام الإرث عند أهل الكتاب نظام بدائي لا يعالج كثير من قضايا الإرث فالشخص عندما يموت قد يترك وراءه زوجة وأبناء وبنات وأب وأم وأخوة وأخوات وأعمام وعمات أو ما وراء ذلك من أقارب ولا يبين هذا النص نصيب كل منهم. وفي نظام الإرث هذا فإن الميت ذكرا كان أم أنثى إذا ترك أولادً ذكورًا فإنهم يستأثرون بكامل التركة يتقاسمونها بينهم ولا نصيب فيها لغيرهم من الورثة كأبيهم وأمهم وأخواتهم وزوجات أبيهم.
ويقول الدكتور العبادى: (وفي غياب أبناء للميت فإن التركة تؤول لبناته أو بناتها يتقاسمنها بينهن ولا نصيب لغيرهن من الورثة مهما كانت درجة قرابته. وفي حالة غياب البنات تنتقل التركة لإخوانه الذكور فقط ولم يبين النص كيف يتم تقسيم التركة في حالة غياب الأبناء والبنات مع وجود أب الميت وإخوانه. وفي غياب الأخوة تنتقل التركة لأعمامه الذكور فقط ولم يبين النص كيف يتم تقسيم التركة في حالة غياب الأبناء والبنات مع وجود أب الميت وأعمامه.)
ويواصل الدكتور منصور العبادى تحليله لهذا النص قائلا: (إن أول المظلومين في نظام الإرث هذا هما الأب والأم فقد يكون ابنهما المتوفى هو العائل الوحيد لهما وقد يكونان كبيرين في السن وبموت هذا الابن تتوزع تركته ولا نصيب لهما فيه رغم ما بذلاه من جهد ومال في تنشئته حتى بلغ سن الرشد. بل الأغرب من ذلك أن تركة المتوفى قد تذهب إلى أعمامه ولا ينال أبيه وأمه منها شيئا كما هو واضح من ظاهر النص والذي أعتقد جازمًا أنه نص محرف فالله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يظلم أحدًا في تشريعاته.)
ويواصل: (أما ثاني المظلومين فهي الزوجة فلا نصيب لها بتاتا في نظام الإرث هذا فربما كانت تعيش في رغد من العيش مع زوجها وبمجرد موته فإن مصيرها التشرد خاصة إذا لم يكن لها أبناء أو بنات وستموت قهرًا وهي ترى أخوة زوجها أو أعمامه يتقاسمون تركته بينما لا تنال هي منها شيئًا وقد تكون ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تحصيل هذا المال).
ويواصل قائلا: (أما ثالث المظلومين فهن بنات وأخوات وعمات الميت فلا نصيب للبنات أبدًا مع وجود الأبناء وكذلك الأخوات لا نصيب لهن مع وجود الإخوة والعمات لا نصيب لهن مع وجود الأعمام).
(إن نظام الإرث المستخدم حاليا في الدول الغربية التي تدين بالمسيحية لا يختلف كثيرا عن النظام المذكور في التوراة فعلى سبيل المثال فإنه في قانون الإرث الفرنسي لا ترث الزوجة زوجها ولا يرث الزوج زوجته ولا يرث الأب والأم شيئا من تركة ابنهما بوجود أي ولد أو بنت له حيث يتقاسم الأبناء والبنات التركة بينهم للأنثى مثل حظ الذكر. وفي غياب ذرية المتوفي فإن الأب والأم يتقاسمان التركة مع أخوة وأخوات المتوفى فيأخذ الأب الربع والأم الربع ويتقاسم الأخوة والأخوات النصف المتبقي من التركة للأنثى مثل حظ الذكر وفي غياب أب وأم وأخوة وأخوات المتوفى يتقاسم الأعمام والعمات التركة).
ويواصل الدكتور العبادى قائلا: (من الظلم الفادح أن يحرم الأب والأم من تركة إبنهم بمجرد وجود أبناء وبنات لهذا الميت، وقد يكونا في أمس الحاجة لمثل هذا المال عند هذه السن الكبيرة، التي تقل فيها قدرتهما على جلب الرزق. وإذا ما أخذ الأب والأم شيئا من التركة فهو جزء يسير مما أنفقاه على هذا الإبن على مدى ثمانية عشر عاما على الأقل. وكذلك فإنه من الظلم الفادح أن تحرم الزوجة حرمانًا كاملًا من تركة زوجها سواء ترك أولادًا أم لم يترك كما هو الحال في نظام الإرث التوراتي أو في أنظمة الإرث الحالية كنظام الإرث الفرنسى. فهل يعقل أن تذهب تركة زوجها إلى إخوانه وأخواته أو أعمامه وعماته وتحرم هي منه وقد ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تحصيل هذه التركة! ولهذا فقد أنصف القرآن الكريم الأب والأم والزوجة في نظام الإرث الذي جاء به وأعطى للأب سدس التركة وللأم السدس كذلك وللزوجة الثمن عند وجود أبناء وبنات للميت وتزداد هذه النسب في حالة غياب الأبناء والبنات).
ومن هنا يتضح للقارىء أن الكاتب إما أنه متحامل على الإسلام دون سبب يُذكر، أو دون دراسة واعية، أو إنه لا يفهم دينه حق الفهم، وإما أنه من طبقة المنتفعين بوجود دينه واستمراره على الأرض، دون علم سليم، أو فهم غير سقيم.
هل يهدر الإسلام من كيان المرأة بجعل شهادتها نصف شهادة الرجل؟
قال الكاتب: إن المرأة فى الإسلام لا تتساوى مع الرجل فى مجالين، وهما الميراث (وقد تكلمنا عنه) والشهادة.
والشهادة: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) البقرة 282
يعتبر العلمانيون والمسيحيون والمشككون فى الإسلام أن قضية شهادة المرأة وأنها تساوى نصف شهادة الرجل منافية لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وأنها مظهر من مظاهر الدونية للمرأة في الشريعة الإسلامية.
وفى الحقيقة فهم جانبوا الصواب، وجانبهم الحق فى هذا الحكم. فإن الشهادة يُقصد منه إثبات شيء يترتب عليه واجبات أو حقوق أو عقوبات، فالشهادة هي توثيق وإثبات لحدوث أمر ما، وبالتالي فهي وسيلة من وسائل التوثيق والإثبات.
وهذه الشهادة يلزم لها تحقق الأهلية في الشاهد من حيث اتصافه ببلوغ سن الرشد والنضج العقلي، وسلامة الحواس المستخدمة في عملية الشهادة، والحضور الذاتي عند حصول الأمر المعني، وامتلاك العلم والخبرة في الأمر إذا كان يحتاج إلى ذلك، والمعرفة اليقينية لمضمون شهادته. وعدم القدح في عدالته سابقًا، وصحة أدائه للشهادة من حيث الضبط. وهذه الصفات لا علاقة لها بنوع الذكر أو الأنثى، فهي ممكن أن تتحقق بكليهما أو بأحدهما دون الآخر.
فالرجل والمرأة أمام القانون سواء من حيث الواجبات والحقوق، وكذلك شهادة المرأة مثل شهادة الرجل سواء بسواء، يتم بموجبها إثبات العقود والعلاقات الاجتماعية والقضائية والعلمية والخبرة، وما شابه ذلك من أمور، من منطلق أن المرأة إنسان مثل الرجل تمامًا، والقرآن كتاب إنساني لم يفرق بين الرجل والمرأة في خطابه التشريعي عمومًا إلا ما يقتضي ذلك من الفرق بين الذكر والأنثى، وما يترتب على ذلك من وظائف في الحياة الاجتماعية، وأكدت ذلك السنة المطهرة.
يؤكد ذلك الأستاذ العقاد: "والقضية في الشهادة هي قضية العدل وحماية الحق والمصلحة، ولها شروطها التي يلاحظ فيها المبدأ وضمان الحيطة على أساسه السليم. والمبدأ هنا - كما ينبغي أن تتحراه الشريعة - هو دفع الشبهة من جانب الهوى، وما يوسوس به للنفس في أحوال المحبة والكراهة وعلاقات الأقربين والغرباء. وليس بالقاضي العادل من يعرض له هذا المبدأ، فيقضي بالمساواة بين الجنسين في الاستجابة لنوازع الحس، والانقياد لنوازع العاطفة، والاسترسال مع مغريات الشعور من رغبة ورهبة. فالمبدأ الذي ينبغي للقاضي العادل أن يرعاه هنا، حرصًا على حقوق الناس، أن يعلم أن النساء لا يملكن من عواطفهن ما يملكه الرجال، وأنه يجلس للحكم ليحمي الحق، ويدفع الظلم، ويحتاط لذلك غاية ما في وسعه من حيطة، ....".
يقول الله تعالى فى نص إشهاد المرأة عند البيوع: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة 282
فكما هو ملاحظ من النص القرآني أن إشهاد المرأة فى الأعمال التجارية والعقود تعادل نصف شهادة الرجل وقد ذكر الشارع السبب في النص فقال [... فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى] . أى لم يقل لأنها أقل منه عقلا، أو دونه فى الحقوق والواجبات، بل كان الغرض أن تذكر أحدهما الأخرى إذا ضلت.
ولو تتبعنا الفقه الإسلامى بشأن شهادة المرأة وشهادة الرجل لوجدنا الآتى:
1- هناك شهادة لا يقبل فيها رأى المرأة، وهى خاصة بالقتل وأعمال البلطجة، والقصاص والحدود، وغالبًا لا تكون حاضرة مثل هذه المعارك أو المنازعات.
ذلك لأن هذه القضايا تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها. وهذا داع من دواعى أنوثتها، وهى تتشرف بذلك وتتباهى به. وفى حالة حدوث أى من أعمال العنف والبلطجة هذه ستكون أول من يفر بنفسه مبتعدًا عن مكان وقوع هذا الحدث، وبالتالى فستكون شهادتها منعدمة. ومثل هذه القضايا يكون الحكم فيها إما بقتل المعتدى أو القطع أو الرجم أو غيره من طرق الحدود. ومن غير المنطقى قتل نفس لوهم أو لشك. وهذا رحمة من الله تعالى بعباده، إذ لا يُقام حد إلا بعد التأكد التام من ارتكاب هذا الشخص لجريمته.ولا ينقص من قدر المرأة أن يراعى الشارع فطرتها، ولا يقحمها فى شىء ضد فطرتها الأنثوية، أو بما يغير من هذه الفطرة.
2- وهناك شهادة لا يُقبل فيها رأى الرجل مُطلقًا، ولا تُقبل فيها إلا شهادة امرأة واحدة أو أكثر من امرأة في شئون خاصة بهن مما لا يطلع عليه الرجال عادة، كالحيض، والحمل، وكذلك الولادة، والاستهلال، والرضاع، وانقضاء العدة، والعيوب تحت الثياب: كالرتق، والقرن، والبكارة، والثيابة، والبرص. وهذا أيضًا منطق سليم ولا ينقص من قدر الرجل شيئًا.
فقد جاء عن رسول الله "فقد روي عن عقبة بن الحارث، أنه تزوج أم يحيى بنت أبي أهاب. فجاءت امرأة وقالت: "لقد أرضعتكما" فسأل عقبة النبي فقال: كيف وقد قيل؟ ففارقها عقبة، فنكحت زوجًا غيره". وهنا قبل النبى شهادة المرأة الواحدة فى الرضاع وأقرها على رجل وامرأة.
وأكثر من ذلك، تُقبل شهادة المرأة وحدها إن كانت عدل، بغض النظر عن دينها: "قال مهنا: قال لى أحمد بن حنبل: قال أبو حنيفة: تجوز شهادة القابلة وحدها، وإن كانت يهودية أو نصرانية.." (الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ص115-117)
ذلك أن العبرة هنا فى الشهادة إنما هى الخبرة والعدالة، وليست العبرة بجنس الشاهد ذكرًا كان أو أنثى ففى مهن مثل الطب.. والبيطرة.. والترجمة أمام القاضى.. تكون العبرة بمعرفة أهل الخبرة. (الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ص188-193)
وإلى هنا يتساوى الطرفان، فكل يشهد بما يعلم فى مجال تخصصه.
3- شهادة تتساوى فيها شهادة المرأة مع شهادة الرجل، وهو شهادة اللعان، وهي الحالة التي يحصل فيها اتهام بالخيانة الزوجية، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ* وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ* ويدرأ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) النور 8
4- شهادة تكون فيها شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، وهى خاصة بالمبايعة والمداينة والأعمال التجارية. بناء على قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) البقرة 282
يتبين لنا مما سبق أن وجوب وجود امرأتين في الشهادة مع رجل واحد، هو أمر خاص في المداينة فقط دون سائر أنواع الشهادات مما ينفي وجود تمييز في الحقوق بين الرجل والمرأة ومما ينفي المساس بكرامة المرأة، بل جُلُّ ما في الأمر أن الدين الحنيف يهدف إلى توفير الضمانات في الشهادة وزيادة الاستيثاق لإيصال الحق إلى أصحابه.
ومن هنا نجد أن هذا التمييز في هذا النوع من الشهادة ليس تمييزًا عبثيًا وإنما يعود إلى الفوارق الفطرية والطبيعية بين الرجل والمرأة، حيث إن المرأة لقلة اشتغالها بالمبايعات معرضة أكثر من الرجل للضلال الذي هو نسيان جزء وتذكر جزء آخر، ويعود سبب ضلال المرأة أكثر من الرجل إلى طبيعة تركيبة جسمها الذي يجعلها تتأثر بسرعة مما يعرضها لعدم الثبات.
ما الحكمة من جعل شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين؟
وإن أردنا أن نتعمق أكثر فى الحكمة من وراء جعل شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل في الشهادة المتعلقة بالمعاملات التجارية: يقول الله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) البقرة 282
وهنا يجب أن نضع عدة تساؤلات تنير لنا الطريق للوصول إلى الحق:
1- ما معنى كلمة (تضل) فى الآية، وهى السبب الأساسى فى تدعيم شهادة المرأة بامرأة أخرى؟ إنها تعنى التشتت الذهنى، أو عدم التركيز التام فى موضوع الشهادة وقت حدوثه.
2- لماذا خص الله المرأة بهذه الخاصية دون الرجل؟ سنرى فى تقرير قادم صفات دماغ المرأة مقارنة بدماغ الرجل.
3- هل من المنطق أن تُقبل شهادة رجل أو امرأة ليس عند أى منهما الخبرة الكافية للتوقيع على عقد وفهم محتوياته وحقوق كل طرف؟ لا.
4- أليس من المنطقى أن تكون شهادة أهل الاختصاص أولى من شهادة الآخرين بغض النظر عن كون الشاهد رجل أو امرأة؟ نعم، وهذا هو ما نجده فى الإسلام.
5- هل الآية تتعرض لشهادة المرأة والرجل أو إشهاد كل منهما؟
إن النسيان غير الضلال، فإذا نسيت امرأة أى لم تستحضر المعلومة وقت طلبها لها. أما إذا ضلت المرأة فهى إمَّا ضلت متعمِّدة أو قد شاب حكمها العقلى شيئًا من الشعور أو التشتُّت يحول دون الوصول إلى الحقيقة والرشاد، وذلك الشىء الذى يشوبها قد يتأتى بسبب عاطفتها أو عدم تمكنها من فهم الموضوع أو عدم رؤيته بصورة كاملة بسبب طبيعة خلقتها، أو بطبيعة حياتها وعملها. فمن ناحية عدم توفر الخبرة الكافية لديها فى المعاملات التجارية، كان لزامًا عليها وجود امرأة أخرى تُذكرها أثناء الشهادة، إذا نسيت أو غلبت عليها عاطفتها.
ومن ناحية أخرى فإن التكوين الخَلقى لها يتباين عن مثيله لدى الرجل: ففي مقال للسيدة سميرة صائغ تقول: «هناك تباين بين انفعالات دماغ المرأة ودماغ الرجل، وإن الأقسام النشطة في دماغ المرأة تختلف عن الأقسام النشطة في دماغ الرجل، على الرغم من محاولات المرأة التشبه بالرجل، ..... واليوم تبرز نظرية بل اكتشاف علمي يؤكد أن هناك فعلًا اختلافًا بين دماغ الرجل، ودماغ المرأة من حيث الكفاءات الذهنية الناتجة عن ذلك الدماغ، أي: بكلمة أخرى هناك (دماغ ذكر) و(دماغ أنثى)، ويقسم العلماء الدماغ البشري إلى قسمين: قسم أيمن، وقسم أيسر، ويؤكدون أن القسم الأيمن لدى الرجل هو أقوى منه لدى المرأة، فماذا يعني هذا؟
فمن الناحية التكوينية للدماغ فهو عضو مؤلف من أنسجة رخوة تتشعب فيها الأوعية الدموية الرفيعة والأعصاب التي تحمل الإحساسات من الخارج إلى الداخل، وتحمل أوامر الدماغ إلى سائر الأعضاء في الجسم كي تقوم بوظيفتها. أما من ناحية العمل (الفسيولوجي) للدماغ فقد تبين للعلم الحديث أن الدماغ يقسم إلى مناطق، وكل منطقة تقوم بمهمة أو مهمات معينة، وقد تأكدت هذه النظرية مؤخرًا بعد أن تمكن العلماء من تصوير الدماغ وهو يقوم بوظائفه المختلفة، وذكرت الكاتبة أن أبرز عمل في هذا الحقل هو للدكتور دافيد انغمار السويدي الذي يعمل في جامعة لوند في السويد. استعمل الدكتور انغمار غاز "كزينون" الذي يذوب في الدم ويولد إشعاعات جاما وذلك لتصوير الدماغ وهو يقوم بمهمات مختلفة، فهو يحقن الإنسان ببعض الكزينون الذي يذوب، وينتقل عبر الأوعية الدموية إلى الدماغ، وتنتقل صورة ما يحدث في الدماغ عبر 32 سماعة مثبتة في أنحاء مختلفة من الرأس إلى كمبيوتر يقوم بتحليل تلك الصورة، وتحديد نوعية العمل الذي يقوم به الدماغ في تلك اللحظة، والركن الذي يصدر عنه ذلك العمل، ولاحظ أن كل عمل يقوم به الدماغ يصدر من مكان مختلف من الدماغ، وإذا ازدادت كثافة ذلك العمل، ازدادت الرقعة العاملة من الدماغ دون أن يتغير مكانها، وأمكن الآن تحديد الأماكن التي تقوم بشتى أنواع النشاطات، فهناك ركن خاص بالقوى النظرية والسمعية، وتلك الناتجة عن اللمس، بينما يتركز الإحساس الناتج عن طريق الشم في مكان آخر، إن للتفكير زاوية، وللقدرة على النطق زاوية أخرى، وكذلك القدرة على القراءة والحساب، وضبط حركة الجسم العضلية، وتوجد زاوية للانفعال النفسي، أي: الغضب والعنف، أو العطف والحنان.
(16وَالْمَدِينَةُ كَانَتْ مَوْضُوعَةً مُرَبَّعَةً، طُولُهَا بِقَدْرِ الْعَرْضِ. فَقَاسَ الْمَدِينَةَ بِالْقَصَبَةِ مَسَافَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ غَلْوَةٍ.الطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالاِرْتِفَاعُ مُتَسَاوِيَةٌ)رؤيا يوحنا21: 16
وصاحب هذه المدينة (أى حاكمها) هو الصادق الأمين : (11ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ.) رؤيا يوحنا 19: 11، والكل يعرف أن من ألقاب الرسول من قبل البعثة أنه الصادق الأمين. ولم تكن هذه الألقاب من ألقاب عيسى . ولم يحارب عيسى . إنه دعا لمحبة الأعداء، وترك العنف، ولو سُلِبَ منك حقك: (38«سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. 39وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. 40وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. 41وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلًا وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ.) متى 5: 38-41
وقال أيضًا: (أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ.) متى 5: 44-45
وتكون هذه الأرض أرضًا جديدة أى ليست الأرض القديمة فلسطين، ولا يوجد بحر فيها: (1ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ.) رؤيا 21: 1، ويقول ويسلى فى تفسيره لهذه الفقرة ص 123: (ليس هناك بحرًا جديدًا. بل سوف لا يكون هناك بحر على الإطلاق.).
مع الأخذ فى الاعتبار أن ذهاب الأرض الأولى والسماء الأولى دليل على انتهاء النبوة من بنى إسرائيل، وذهاب ملكوت الله الجديد إلى أمة جديدة، أمة غير الأمة الأولى، تعمل أثماره.
ومعنى ذلك أنها ستكون فى أرض مقفرة، وقد فهم علماء اليهود هذا جيدًا، وأسموها صهيون الجديدة، وصهيون أى (سيون) أى الأرض المقفرة، وكانوا فى انتظار مولد الرسول .
ويقول الرائى فى رؤياه (وَلَمْ أَرَ فِيهَا هَيْكَلًا) رؤيا 21: 22 ومازال المفسرون لليوم فى حيرة من أمرهم بشأن هذا الهيكل، فمنهم من يقول إنها الكنيسة (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 359)، ومنهم من ينفى ذلك بقوله: إن أبناء العهد الجديد ما عرفوا أو كتبوا عن الكنيسة، (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 360). ومنهم من قال: إن كل هذه التفاسير لا تستقيم مع الحق (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 361)، ومنهم من يؤكد أن هذه النبوءة لم تتم بعد وستتم فى المستقبل، (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 361). وسيكون هذا البناء أفخم وأعظم بناء. فهيكل سليمان فى كل عظمته لا يُعدُ شيئًا بالنسبة لهذا البناء، (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 361). وعدم وجود الهيكل معناه أن الكل على سواء لهم حرية الاقتراب من الله (تفسير الرؤيا / ناشد حنا ص 458)، أى دون تدخل للكهنوت لغفران الذنوب والاعتراف، كما أنهم حول هذا البناء سوف يمتنعون عن كل ما يصدر عن الطبيعة (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 428)، ويكون رأس الرجل عاريًا، والمرأة تغطى رأسها (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 429)، ويلبسون السراويل لستر العورة من الحقوبين إلى الفخذين (تفسير حزقيال/ رشاد فكرى ص 429)، ويجزون شعر رأسهم جزًَّا (تفسير حزقيال/ رشاد فكرى ص 429)، وهناك نوع واحد من الزينة عند هذا البناء هو النخيل وأغصان النخيل. ومعنى هذا أنها منطقة تشتهر بزراعة التمر ووفرة النخل بها. (تفسير حزقيال/ رشاد فكرى ص 374). (نقلًا عن المسح الدجال قراءة سياسية فى أصول الديانات الكبرى،سعيد أيوب ص81)
ولا يمكن أن يكون الهيكل القادم هيكل سليمان، لأن النبوءة واضحة أنه سيكون هناك هيكلًا آخرًا أعظم من هيكل سليمان، أما بالنسبة لهيكل سليمان الذى قام تيطس بهدمه، كما يقول تاريخ الكنيسة، فإن الذى سيقوم ببنائه هو النبى الكذَّاب، كما يُجمِع علماء الكتاب المقدس على ذلك. أما الهيكل الجديد (الكعبة) (وَلَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ دَنِسٌ) رؤيا 21: 27، فهى محرمة على الكافرين، ومحرم دخول أى شىء دنس إلى داخل المدينة. مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا) التوبة 28
ولاسمها ستجثوا كل ركبة فى الكون (تفسير الرؤيا / ناشد حنا ص 104)، وستكون مركزًا للأرض، وستسير الأمم فى نورها (تفسير حزقيال / رشاد فكرى ص 489)
(13وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ الْعَرَبِ: فِي الْوَعْرِ فِي بِلاَدِ الْعَرَبِ تَبِيتِينَ يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ. 14هَاتُوا مَاءً لِمُلاَقَاةِ الْعَطْشَانِ يَا سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ. وَافُوا الْهَارِبَ بِخُبْزِهِ. 15فَإِنَّهُمْ مِنْ أَمَامِ السُّيُوفِ قَدْ هَرَبُوا. مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ وَمِنْ أَمَامِ الْقَوْسِ الْمَشْدُودَةِ وَمِنْ أَمَامِ شِدَّةِ الْحَرْبِ. 16فَإِنَّهُ هَكَذَا قَالَ لِي السَّيِّدُ: «فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ 17وَبَقِيَّةُ عَدَدِ قِسِيِّ أَبْطَالِ بَنِي قِيدَارَ تَقِلُّ لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ».) إشعياء 21: 13-17
ما أعظم هذه النبوءة التى تحكى عن أن المسِّيِّا الذى تخصه هذه النبوءة سوف يفر هاربًا من أمام أهل بلده، الذين يحملون السيوف يريدون قتله، وتوضح النبوءة أنه سيفر منهم فى الصيف، حيث تصف شدة عطشه واحتياجه للماء، وتوضح أن مكان هذه الأحداث هى بلاد العرب (وكانت تطلق على الجزيرة العربية أى السعودية). بل وتحدد أن هذا النبى الفار من قومه سوف يسلك طريقًا وعرا، وأنه سوف ينتصر عليهم فى نهاية الأمر، ولن يستمر هذا طويلًا، فحدد المدة أنها (سنة كسنة الأجير)، وبانتصاره يفنى مجد كل قيدار.
إذًا فالنبوءة تصف هجرة الرسول من مكة إلى المدينة، وهذا ما حدث للرسول وقت الهجرة، فقد اجتمع نفر من أشراف كل قبيلة ودخلوا دار الندوة واتفقوا على أن يُؤخذ رجل من كل قبيلة ويجتمعون على قتل رسول الله ، فيتفرق دمه بين القبائل. وكانت هذه فكرة أبى جهل، وقد وصفها سفر المزامير بقوله: (12الشِّرِّيرُ يَتَفَكَّرُ ضِدَّ الصِّدِّيقِ وَيُحَرِّقُ عَلَيْهِ أَسْنَانَهُ. 13الرَّبُّ يَضْحَكُ بِهِ لأَنَّهُ رَأَى أَنَّ يَوْمَهُ آتٍ! 14الأَشْرَارُ قَدْ سَلُّوا السَّيْفَ وَمَدُّوا قَوْسَهُمْ لِرَمْيِ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ لِقَتْلِ الْمُسْتَقِيمِ طَرِيقُهُمْ. 15سَيْفُهُمْ يَدْخُلُ فِي قَلْبِهِمْ وَقِسِيُّهُمْ تَنْكَسِرُ. 16اَلْقَلِيلُ الَّذِي لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةِ أَشْرَارٍ كَثِيرِينَ. 17لأَنَّ سَوَاعِدَ الأَشْرَارِ تَنْكَسِرُ وَعَاضِدُ الصِّدِّيقِينَ الرَّبُّ. 18الرَّبُّ عَارِفٌ أَيَّامَ الْكَمَلَةِ وَمِيرَاثُهُمْ إِلَى الأَبَدِ يَكُونُ. 19لاَ يُخْزَوْنَ فِي زَمَنِ السُّوءِ وَفِي أَيَّامِ الْجُوعِ يَشْبَعُونَ. 20لأَنَّ الأَشْرَارَ يَهْلِكُونَ وَأَعْدَاءُ الرَّبِّ كَبَهَاءِ الْمَرَاعِي. فَنُوا. كَالدُّخَانِ فَنُوا. 21الشِّرِّيرُ يَسْتَقْرِضُ وَلاَ يَفِي أَمَّا الصِّدِّيقُ فَيَتَرَأَّفُ وَيُعْطِي. 22لأَنَّ الْمُبَارَكِينَ مِنْهُ يَرِثُونَ الأَرْضَ وَالْمَلْعُونِينَ مِنْهُ يُقْطَعُونَ) مزمور 37: 12-22
وهكذا هرب الرسول ، سافر فى الصحراء الوعرة برفقة صديقه أبى بكر الصديق ، وعندما علمت قريش بفرارهما، عرضت مكافأة تبلغ 100 ناقة لمن يأتى بمحمد حيًا أو ميتًا، فخرج الأشرار بسيوفهم وأقواسهم بحثًا عنهما، وطمعًا فى المكافأة.
ورأيى أن ورقة بن نوفل وهو من أعلام النصارى وقتها قد صرَّحَ للرسول وقت نزول الوحى لأول مرة أن قومه سوف يخرجوه، فسأله الرسول : ”أمخرجى هم“ فقال له ورقة بن نوفل: ”نعم يخرجونك، وإن أدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا“.
وتتحدث النبوءة عما يعانيه هذا النبى فى رحلته من تعب وجوع وعطش، وهذا يعنى أنه من الممكن أن تكون هذه الهجرة فى الصيف. وهذا ما حدث بالفعل، فقد وصل رسول الله المدينة بتاريخ 20 سبتمبر عام 622م، وبهذا التاريخ بدأ التأريخ الهجرى. وهذا يعنى أيضًا أنه خرج من مكة فى شهر أغسطس، وهو من أشد شهور الصيف حرًا. وهذا يفسر قول النبوءة: (14هَاتُوا مَاءً لِمُلاَقَاةِ الْعَطْشَانِ يَا سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ. وَافُوا الْهَارِبَ بِخُبْزِهِ)، فقد كانت اشارة على أن الهجرة ستكون فى الصيف.
ولكن ما علاقة (سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ) و(قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ) بهجرة الرسول ؟ فهم لا يرون علاقة بين الديدان والمدينة المنورة، ويدعون أن تيماء تقع بعد المدينة المنورة، وبالتالى فإن هجرة محمد من مكة للمدينة لا تجعله يمر بتيماء.
أولًا: إن الديدان هى العلا وهى احدى محافظات المدينة المنورة التى تمت هجرة الرسول إليها. ودليلنا على ذلك من
A.A Duri, 1987 Translated by Lawrence I Conrad, “The historical formation of Arab Nation” Croom Helm. London, New York, Sydney, Page
وملخص ترجمة ما يقوله: إنه فى القرن السادس قبل الميلاد ذكر كتاب الملك البابليونى استيلاءه على تيماء، التى أصبحت عاصمته لمدة 10 سنوات. كما امتدت سيطرته لتشمل ديدان (العلا)، وخيبر ويثرب (مدن عربية).
وهناك مرجع آخر يقر بأن الديدانيين هم سكان العلا، وهى نفسها ديدان:
GEOFFREY KING I.B. TAURIS PUBLISCHERS LONDON. NEW YORK PUBLISHED IN 1998 “THE TRADITIONAL ARCHITECTURE OF SAUDI ARABIA” PAGE 79.
وتقول: إن تاريخ مقاطعة العلا ثابت منذ أقدم التاريخ، ساعدت الواحات الحضارة العربية القديمة لديدان منذ القرن السادس قبل الميلاد. (نقلًا بتصرف عن هيمنة القرآن المجيد على ما جاء فى العهد القديم والجديد، للدكتورة مها محمد فريد عقل صفحات 78- 86)
وعلى ذلك فهذا المرجع يُبيِّن أن ديدان هى العلا. والآن بعد إزالة الإشكال فى التعرف على موقع ديدان، لم يبق أمامكم إلا التسليم بأن هذه النبوءة تشير إلى هجرة الرسول.
أمَّا بالنسبة لأرض تيماء فهى تقع فى السعودية كما يقول القاموس الجغرافى الجديد، ولا خلاف على ذلك:
WEBSTERS NEW GEOGRAPHICAL DICTIONARY, 1972
(G, C MERRIAM COMPANY; PUBLISHERS SPRING FIELD, MASSACHUSETTS, PAGE 1176)
أما عن موقعها داخل السعودية فهى تقع على مفترق عدد من الطرق البرية التى تصل بين أطراف الجزيرة وبين المناطق الحضارية خارج الجزيرة فى بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر، وهى أكبر مركز تجارى كشف عنه حتى الوقت الحاضر فى الجزيرة العربية. ومعنى هذا أن تيماء تقع فى طريق التجارة من مكة إلى سوريا (وهى ما تعرف برحلة الصيف). ويؤكد التاريخ صحة تفسيرنا لهذه النبوءة، وأنها لا تنطبق لا من قريب أو بعيد إلا على المِسِّيِّا الذى خرج من أرض الحجاز. فقد كان اليهود ساكنوا تيماء يبشرون بقرب ظهور نبى مهاجرًا استنادًا لهذه النبوءة.
فهل لو لم تنطبق هذه النبوءة على محمد فهل ممكن أن تنطبق على أحد غيره؟ بالطبع لا. فلا علاقة إذًا بمن ينتظره اليهود ليخرج منهم. (نقلًا بتصرف عن هيمنة القرآن المجيد على ما جاء فى العهد القديم والجديد، للدكتورة مها محمد فريد عقل صفحات 90-97)
أما بالنسبة لقيدار فهم العرب قبيلة قريش وسكان الجزيرة العربية الأصليون، وهى القبيلة التى أخرجت الرسول من مكة مهاجرًا إلى المدينة. وقيدار هو الجد الأكبر لقبيلة قريش، وهو الابن الثانى لإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. (تكوين 25: 13)
ولا خلاف على أن رسول الله من نسل قيدار، وقد اعترفت المراجع الجغرافية والتاريخية الأجنبية نفسها بمجىء رسول الله من نسل قيدار بن إسماعيل. مثل:
THE HISTORICAL FORMATION OF ARAB NATION, PAGE 11
وكذلك:
THE HISTORICAL GEOGRAPHY OF ARABIA BY THE REV. CHARLES FORSTER, PAGE 248
فيقول المرجع الأخير: إنه من التقليد السحيق لدى العرب أنفسهم أن قيدار وذريته قد استقروا فى الحجاز، وهم أجداد قبيلة قريش حكام مكة، وحراس الكعبة، وسبب مفخرة هذا النسب (كونهم حراس الكعبة).
وعلى الرغم من ذلك يُقر البعض بأن قبيلة قيدار هم العرب، ولكنهم يدَّعون أن هذه القبيلة قد فنيت من زمن بعيد. فإذا كانت قبيلة قيدار قد اندثرت فلا معنى إذًا للنبوءة، ويكون هذا تطاول منهم على الله والكتاب الذى يقدسونه.
(فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ 17وَبَقِيَّةُ عَدَدِ قِسِيِّ أَبْطَالِ بَنِي قِيدَارَ تَقِلُّ) إشعياء 21: 16-17
فبعد وقت قليل من الهجرة حدثت غزوة بدر وانتصر فيها المسلمون على المشركين من أبناء قيدار (قريش) طبقًا لما جاء فى النبوءة، وأفنت كل مجد قيدار. ودليلنا على ذلك:
1- أن الرسول قال للمسلمين: "هذه مكة ألقت إليكم أفلاذ كبدها" أى إن أشراف مكة وخيرة رجالها قد خرجوا لمحاربتكم. فإذا انهزموا، وقتل منهم من قتل، وسيق الآخرون أسرى فى أيدى المسلمين، ألا يعتبر هذا فناء لمجد قريش ولكبريائها وعظمتها أمام الفئة الضعيفة التى انتصرت عليهم؟
2- وفى غضون ثمانى سنوات كانت الهزائم قد توالت عليهم وخسر المشركون الكثير من أشرافهم وقادتهم حتى دخلها رسول الله فاتحًا منتصرًا على رأس عشرة آلاف من الجنود المسلمين، فكسَّرَ أصنامهم، وأصبحوا نفرًا فى الأمة بعد أن كانوا أسياد أمتهم. (نقلًا بتصرف عن هيمنة القرآن المجيد على ما جاء فى العهد القديم والجديد، للدكتورة مها محمد فريد عقل صفحات 98-104)
راجع أيضًا (عيسى ليس المسيح) مكتبة وهبة
تلخيص لما أثاره الكاتب من نقائص يدعى أنها فى الإسلام:
الرجال قوامون على النساء:
وسوف ألخص ما قاله الكاتب:
إنه ينتقد فى الإسلام وضع المرأة للأسباب الآتية:
1- يدعى أن المرأة لا تتساوى مع الرجل (ولهن مثل الذى عليهن، وللرجال عليهن درجة) البقرة 228
وقد رددت عليها فى بداية الكتاب، وبيَّنت أن اليهودية والمسيحية لا ترفع الرجل درجة على المرأة، بل ترفعه درجات، وتخسف بها الأرض أميال، بل اعتبروها من الأساس ليست من الجنس البشرى، وذلك بخلاف الإسلام، الذى ساوى بينهما فى الحقوق، وراعى التميز الفطرى أو الخلقى بينهما فى الواجبات. فمن غير الطبيعى مثلا أن يفرض عليها الجهاد، أو يلزمها بالعمل خارج البيت وداخله، أو يساويها فى الميراث مع الرجل، ثم يلزم الرجل بالإنفاق عليها، أو يجعل القيادة داخل البيت للاثنين بالتساوى، وذلك تجنبًا للمشاكل التى يمكن أن تظهر من اختلاف إدارة شؤون الحياة بينهما.
تقول الدكتورة فوزية العشماوى (بتصرف): ففى مسألة قوامة الرجل على المرأة: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ....) النساء 34، إن قوامة الرجل على المرأة لا تعنى أفضلية، ولكنها تعنى تحميله مسؤولية القيادة، وتحمل التبعية فى الدنيا والآخرة، فهذا تكليف وليس تشريف. كما أن المرأة تشارك الرجل فى هذه القوامة أثناء غيابه فى العمل أو السفر، فلا يمكن بحال من الأحوال أن ينتقص الإسلام من أهلية المرأة لقيادة البيت فى غياب زوجها، كما أنه لا يحرمها المشاركة فى قيادة البيت أثناء وجود زوجها، لكن بالشورى وليس بفرض الرأى.
ويقول الدكتور محمد عمارة: إن هذه القوامة لا تعني أنه القائد وحده وإنما تعني ارتفاع مكانته إذا أهلته إمكانياته ـ درجة تتيح له اتخاذ القرار، في ضوء الشورى، وليس الانفراد الذي ينفي إرادة المرأة وقيادتها ... ولو لم يكن هذا المضمون الاسلامي (للقوامة) لما أمكن أن يكون كل من الرجل والمرأة راعيا في ميدان واحد، هو البيت ... فهما أميران ـ راعيان وقائدان في ذات الميدان ... والقوامة درجة أعلى في سلم القيادة وليست السلم بأكمله (مجلة العربي العدد 330 مايو 1986).
وهل يعيب رئيس الوزراء وجود رئيسًا للجمهورية؟ وهل يعيب رئيس مجلس إدارة شركة وجود مديرًا لها؟ أم لكل اختصاصاته، وكل منهما يُكمِّل الآخر فى العمل؟ فالرجل رئيس الأسرة والمرأة رئيسة الوزراء أى الحكومة. فهل سمعت عن دولة ما لها رئيسان؟ وتخيَّل لو أن هناك سيارة يقودها اثنان، أو سفينة يتولى قيادتها اثنان!
وهذا ما أكد عليه الرسول في حديثه الشريف (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعتيه، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته.) البخاري (853، 2416، 2419، 2600، 4892، 4904، 6719)، مسلم (1829)، أبو داود (2928)، الترمذي (1705)، أحمد (2/5، 54).
لقد استخدم الرسول المصطلح "راع" ليصف كل من الرجل والمرأة واستخدم كذلك نفس المصطلح "مسئول" ليصف مهمة كل منهما، وهذا أكبر دليل على مفهوم التسوية التامة بين الرجل والمرأة، فكل منهما راع ومسئول، وهما مشتركان في الرعاية والمسئولية على البيت، ولكن لكل منهما درجة في سلم القيادة.
واستعمال هذه المصطلحات التي تؤكد التسوية بين الرجل والمرأة جاءت أيضًا فى القرآن الكريم، وهى عبارات فيها ضبط قياسي وتطابق لغوي لا يعنى إلا تساوى الرجل والمرأة أمام الله تعالى وفى القانون، فقد جاء في ذلك فى قول الله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب 35 وكان يمكن الاكتفاء بجمع المذكر الذى يشمل المذكر والمؤنث ولكن حرص الخطاب القرآني على تكرار جمع المؤنث للتأكيد على أن النساء لهن مثل ما للرجال من أجر وثواب.
وكذلك قوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) النساء 7،
وقوله تعالى: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) النساء 32
وكذلك قوله تعالى: (.... هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ...) البقرة 187
فهذا التطابق في الآيات الكريمة ما هو إلا تأكيد على التكافؤ والتكامل بين الرجل والمرأة. ولقد عرف الله سبحانه وتعالى الرجل والمرأة في كثير من الآيات الكريمة بأنهما الذكر والأنثى وقال (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) النجم 45 ولم يقل الرجل والمرأة لأنه سبحانه وتعالى أراد أن يعلمنا أن العلاقة بين الجنسين علاقة تقابلية فالذكر هو الطرف المقابل للأنثى وبالالتقاء يكون التكامل بينهما.
كما أن الخطاب القرآني أكد على أن طبيعة المرأة من نفس طبيعة الرجل أي أنهما جاءا من بوتقة واحدة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء 1.
ويكفى أن تعلم أن الله تعالى حينما قرر أن يجعل فى الأرض خليفة أنزل آدم وحواء إلى الأرض، فاستخلف الاثنين وذريتهما معًا الرجال والنساء: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) البقرة 30
لذلك يؤكد القرآن على أن المرأة مشاركة للرجل فى الدفاع عن الدين ونشره، فهى مسؤولة تمامًا مثله فى إقامة الدين والحق فى الحياة والمجتمع،وضبطه أخلاقيًا: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة 71
وقد شاركت المرأة المسلمة عبر التاريخ الاسلامي مع الرجل جنبًا إلى جنب في الكفاح لنشر الاسلام والمحافظة عليه، فقد اشتركت المرأة المسلمة في أول هجرة للمسلمين إلى الحبشة، وكذلك في الهجرة إلى المدينة المنورة، وخرجت مع الرجال في الغزوات التي قادها الرسول لنشر الإسلام، واشتركت في ميادين القتال ليس فقط لتمريض الجرحى بل للمقاتلة بالسيف أيضا بالرغم من أنها معفاة من الجهاد ومن حمل السلاح.
والتاريخ الاسلامي يؤكد لنا أن أول شهيدة في الإسلام هي الشهيدة سمية من آل ياسر عليهم السلام. كما اشتركت النساء في مبايعة الرسول . والمبايعة أو البيعة معناها الانتخاب والتصويت طبقًا لمصطلحاتنا الحديثة، فقد بايعت النساء المسلمات النبي في بيعتي العقبة الأولى والثانية. وهذه المشاركة النسائية في البيعة للرسول الكريم تعتبر اقرارًا لحقوق المرأة السياسية طبقا لمصطلحاتنا اليوم؛ إذ أن بيعة العقبة تعتبر عقد تأسيس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة.
كما أن الاسلام منح المرأة حق الذمة المالية قبل كل الحضارات الأخرى التي كانت تعتبر المرأة ملكًا لزوجها يتصرف هو في مالها بحرية وليس لها الحق في مراجعته، وكان هذا هو حال المرأة الغربية في أوروبا منذ القرون الوسطى وحتى نهاية القرن التاسع عشر بينما المرأة المسلمة تمتعت بهذا الحق منذ ظهور الإسلام الذي كفل لها حق البيع والشراء وإبرام العقود دون أي تدخل من أي رجل سواء أكان أبًا أو أخًا أو زوجًا أو ابنًا.
فلسفة الميراث فى الإسلام وعظمته:
وعودة إلى انتقاد الكاتب للإسلام فيما يخص المرأة فى نقطتين: الميراث: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) النساء 11،
وكذلك رددت على الميراث، وبينت أن الرجل لا يأخذ ضعف المرأة فى الميراث إلا فى ثلاث حالات فقط وهم: ميراث الأبناء من الأب أو الأم، وهو ما تشير إليه الآية، وميراث الزوج من زوجته فهو ضعف ميراثها هى منه، وميراث الأب والأم من ابنهما، إن لم يكن له ذرية. (انظر إنسانية المرأة بين الإسلام والأديان الأخرى)
لقد جاء القرآن الكريم بنظام إرث جديد أنصف فيه جميع الورثة وخاصة النساء منهم والتي كن محرومات من تركة أقربائهن في نظام الإرث المطبق عند العرب وكذلك عند أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
لقد بدأ القرآن الكريم بإقرار مبدأ عظيم وهو أن للنساء نصيب من تركة أقربائهن كما للرجال مهما بلغت قيمة التركة وأن هذا الحق مفروضًا لهن من الله سبحانه وتعالى وذلك في قوله تعالى (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) النساء 7
ولم يكتف القرآن الكريم بإنصاف النساء بل تعدى ذلك وطلب من الورثة إعطاء جزءًا ولو كان بسيطًا من التركة للأقارب الذين لا نصيب لهم في التركة في النظام الجديد، وخاصة من كان لهم فيها من قبل نصيب تطييبًا لأنفسهم وكذلك التصدق على من حضر من اليتامى والمساكين وذلك في قوله تعالى (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) النساء 8
وقد أكد القرآن الكريم كذلك على عدم هضم حقوق صغار الورثة من الذكور والإناث عند القسمة من قبل كبار الورثة وكذلك الحفاظ على أموال هؤلاء اليتامى من قبل إخوانهم أو أعمامهم أو من هم في كفالتهم وخاصة في غياب رقابة الدولة على إجراءات قسمة التركة وذلك في قوله تعالى (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) النساء 9-10
وبعد أن وضع القرآن القواعد العامة لنظام الإرث بدأ بتحديد أنصبة كل من ورثة المتوفى سواء كان ذكرًا أم أنثى وذلك في ثلاث آيات فقط لا يتجاوز عدد أسطرها العشرة وهي مليئة بالفرائض باستخدام نظام الكسور: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإ ِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ.) النساء 11-12
وجاءت آية الميراث الأخيرة تحدد نصيب من غابت أصوله وفروعه، أى لا ولد له ولا والد يرثونه ولكن قد يكون له أخوة: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.) النساء 176
ومن الملاحظ، كما يقول الدكتور مهندس منصور العبادى: أن (قوامة الرجال على النساء نظام قائم منذ أن خلق الله البشر، ولا زال قائمًا إلى يومنا هذا في معظم المجتمعات البشرية، وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإن أي محاولات لتغيير مثل هذا الواقع لن تفلح أبدًا، ما دام أن المجتمعات تقوم على النظام الأسري، والذي تكون فيه في الغالب القوامة للرجال؛ بسبب ما ميزهم الله به من قوة الجسم. والدليل على عدم تحيز القرآن الكريم للرجال هو تساوي نصاب الأب والأم في حالة وجود أولاد للمتوفى وكذلك تساوى نصاب الأخ والأخت من الأم في تركة الكلالة. وحين يحدد القرآن الكريم نصاب الإبن بضعف نصاب البنت فهو إنصاف لهذا الإبن وليس تحيزًا له وذلك لأسباب كثيرة أولها أن الأعباء المادية المترتبة على الرجال في الأنظمة الاجتماعية السائدة تفوق تلك المترتبة على النساء: فهم الذين يقومون ببناء مساكن الزوجية التي لا تشارك النساء فيه بشيء وهم الذين يدفعون المهور ويقيمون حفلات الزواج وهم الذين ينفقون على زوجاتهم وأولادهم وهم أقدر على العمل بشتى أنواعه بسبب تركيبهم الجسمي وهم أقدر على الحفاظ على الأموال التي يرثونها وكذلك تنميتها وهم أقدر كذلك على حمايتها في مجتمعات لا يصمد فيها إلا القوي وهذا هو واقع البشر منذ أن خلقهم الله وسيبقون كذلك)
يقول الدكتور منصور العبادى فى هذا الشأن: (لقد تحول كثير من عقلاء أهل الكتاب منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا إلى دين الإسلام بسبب كمال النظام التشريعي فيه وعلى الخصوص نظام الإرث بعد أن تأكد لهم أن مثل هذا التشريع لا يمكن أن يسن من قبل رجل أمي. بل مما زاد من دهشتهم وإعجابهم أن نظام الإرث هذا والذي تم فيه معالجة جميع الاحتمالات الممكنة لحالات الورثة من الدرجة الأولى قد تمت صياغته في عشرة أسطر فقط. إن مجرد استخدام الكسور كالنصف والثلث والربع والسدس والثمن في نظام الإرث في زمن يجهل فيه البشر وخاصة العرب منهم مثل هذه العمليات الحسابية لهو أكبر دليل على أن هذا النظام لا يمكن أن يكون قد تم وضعه من قبل رجل أمي. لقد كان من السهل لو كان هذا النظام من وضع رجل أمي أن يقع في ورطة حسابية باستخدام نظام الكسور هذا، ولكن الدارس المتفحص لنظام الإرث في القرآن يكتشف مدى الدقة التي تم بها اختيار حصص الورثة باستخدام الكسور.)
أليس هذا بدليل على أن هذا القرآن أوحى به للرسول ؟
ويقول الشيخ سيد قطب رحمه الله فى تفسيره (فى ظلال القرآن): (إن الإسلام نظام للإنسان. نظام واقعي إيجابي. يتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه ويتوافق مع واقعه وضروراته، ويتوافق مع ملابسات حياته المتغيرة في شتى البقاع وشتى الأزمان، وشتى الأحوال. إنه نظام واقعي إيجابي، يلتقط الإنسان من واقعه الذي هو فيه، ومن موقفه الذي هو عليه، ليرتفع به في المرتقى الصاعد، إلى القمة السامقة. في غير إنكار لفطرته أو تنكر؛ وفي غير إغفال لواقعه أو إهمال؛ وفي غير عنف في دفعه أو اعتساف! إنه نظام لا يقوم على الحذلقة الجوفاء؛ ولا على التظرف المائع؛ ولا على "المثالية" الفارغة؛ ولا على الأمنيات الحالمة، التي تصطدم بفطرة الإنسان وواقعه وملابسات حياته، ثم تتبخر في الهواء!
إن هذا النظام في التوريث هو النظام العادل المتناسق مع الفطرة ابتداء؛ ومع واقعيات الحياة العائلية والإنسانية في كل حال. يبدو هذا واضحًا حين نوازنه بأي نظام آخر، عرفته البشرية في جاهليتها القديمة، أو جاهليتها الحديثة، في أية بقعة من بقاع الأرض على الإطلاق. إنه نظام يراعي معنى التكافل العائلي كاملا، ويوزع الأنصبة على قدر واجب كل فرد في الأسرة في هذا التكافل. فعصبة الميت هم أولى من يرثه - بعد أصحاب الفروض كالوالد والوالدة - لأنهم هم كذلك أقرب من يتكفل به، ومن يؤدي عنه في الديات والمغارم فهو نظام متناسق، ومتكامل.
وهو نظام يراعي أصل تكوين الأسرة البشرية من نفس واحدة. فلا يحرم امرأة ولا صغيرا لمجرد أنه امرأة أو صغير. لأنه مع رعايته للمصالح العملية يرعى كذلك مبدأ الوحدة في النفس الواحدة. فلا يميز جنسًا على جنس إلا بقدر أعبائه في التكافل العائلي والاجتماعي. وهو نظام يراعي طبيعة الفطرة الحية بصفة عامة، وفطرة الإنسان بصفة خاصة. فيقدم الذرية في الإرث على الأصول وعلى بقية القرابة. لأن الجيل الناشىء هو أداة الامتداد وحفظ النوع. فهو أولى بالرعاية - من وجهة نظر الفطرة الحية - ومع هذا فلم يحرم الأصول، ولم يحرم بقية القرابات. بل جعل لكل نصيبه. مع مراعاة منطق الفطرة الأصيل. وهو نظام يتمشى مع طبيعة الفطرة كذلك في تلبية رغبة الكائن الحي - وبخاصة الإنسان - في أن لا تنقطع صلته بنسله، وأن يمتد في هذا النسل. ومن ثم هذا النظام الذي يلبي هذه الرغبة، ويطمئن الإنسان الذي بذل جهده في ادخار شيء من ثمرة عمله، إلى أن نسله لن يحرم من ثمرة هذا العمل، وأن جهده سيرثه أهله من بعده. مما يدعوه إلى مضاعفة الجهد، ومما يضمن للأمة النفع والفائدة - في مجموعها - من هذا الجهد المضاعف. مع عدم الإخلال بمبدأ التكافل الاجتماعي العام الصريح القوي في هذا النظام وأخيرًا فهو نظام يضمن تفتيت الثروة المتجمعة، على رأس كل جيل، وإعادة توزيعها من جديد. فلا يدع مجالا لتضخم الثروة وتكدسها في أيد قليلة ثابتة - كما يقع في الأنظمة التي تجعل الميراث لأكبر ولد ذكر، أو تحصره في طبقات قليلة - وهو من هذه الناحية أداة متجددة الفاعلية في إعادة التنظيم الاقتصادي في الجماعة، ورده إلى الاعتدال دون تدخل مباشر من السلطات. هذا التدخل الذي لا تستريح إليه النفس البشرية بطبيعة ما ركب فيها من الحرص والشح. فأما هذا التفتيت المستمر والتوزيع المتجدد؛ فيتم والنفس به راضية، لأنه يماشي فطرتها وحرصها وشحها! وهذا هو الفارق الأصيل بين تشريع الله لهذه النفس وتشريع الناس.) انتهى الاقتباس من الشيخ سيد قطب
كما بينت أن المرأة فى اليهودية لا ترث إلا إذا لم يكن لها اخوة، ولو ورثت فهى مجبرة على التزوج من نفس سبط أبيها، حتى لا يذهب ما ترثه إلى سبط هذا الزوج، فيزداد بمرور الوقت نصيب سبط على آخر.
وها هو رب الرحمة والمحبة يحرم المرأة من الميراث، فيقول: (44وَأَمَّا عَبِيدُكَ وَإِمَاؤُكَ الَّذِينَ يَكُونُونَ لَكَ فَمِنَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَكُمْ. مِنْهُمْ تَقْتَنُونَ عَبِيدًا وَإِمَاءً. 45وَأَيْضًا مِنْ أَبْنَاءِ الْمُسْتَوْطِنِينَ النَّازِلِينَ عِنْدَكُمْ مِنْهُمْ تَقْتَنُونَ وَمِنْ عَشَائِرِهِمِ الَّذِينَ عِنْدَكُمُ الَّذِينَ يَلِدُونَهُمْ فِي أَرْضِكُمْ فَيَكُونُونَ مُلْكًا لَكُمْ. 46وَتَسْتَمْلِكُونَهُمْ لأَبْنَائِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ مِيرَاثَ مُلْكٍ. تَسْتَعْبِدُونَهُمْ إِلَى الدَّهْرِ.) اللاويين 25: 44-46
وها هو الرب يعدِّل تقسيمته، التى فاته أن يعدل فيها، فيقول بناءً على طلب من بنات صلفحاد: (1فَتَقَدَّمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ ... مِنْ عَشَائِرِ مَنَسَّى بْنِ يُوسُفَ. .... 2وَوَقَفْنَ أَمَامَ مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الكَاهِنِ وَأَمَامَ الرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الجَمَاعَةِ لدَى بَابِ خَيْمَةِ الاِجْتِمَاعِ قَائِلاتٍ: 3أَبُونَا مَاتَ فِي البَرِّيَّةِ وَلمْ يَكُنْ فِي القَوْمِ الذِينَ اجْتَمَعُوا عَلى الرَّبِّ فِي جَمَاعَةِ قُورَحَ بَل بِخَطِيَّتِهِ مَاتَ وَلمْ يَكُنْ لهُ بَنُونَ. 4لِمَاذَا يُحْذَفُ اسْمُ أَبِينَا مِنْ بَيْنِ عَشِيرَتِهِ لأَنَّهُ ليْسَ لهُ ابْنٌ؟ أَعْطِنَا مُلكًا بَيْنَ أَعْمَامِنَا». 5فَقَدَّمَ مُوسَى دَعْوَاهُنَّ أَمَامَ الرَّبِّ. 6فَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: 7«بِحَقٍّ تَكَلمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ فَتُعْطِيهِنَّ مُلكَ نَصِيبٍ بَيْنَ أَعْمَامِهِنَّ وَتَنْقُلُ نَصِيبَ أَبِيهِنَّ إِليْهِنَّ. 8وَتَقُول لِبَنِي إِسْرَائِيل: أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ وَليْسَ لهُ ابْنٌ تَنْقُلُونَ مُلكَهُ إِلى ابْنَتِهِ. 9وَإِنْ لمْ تَكُنْ لهُ ابْنَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ لِإِخْوَتِهِ. 10وَإِنْ لمْ يَكُنْ لهُ إِخْوَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ لأَعْمَامِهِ. 11وَإِنْ لمْ يَكُنْ لأَبِيهِ إِخْوَةٌ تُعْطُوا مُلكَهُ لِنَسِيبِهِ الأَقْرَبِ إِليْهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَيَرِثُهُ». فَصَارَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيل فَرِيضَةَ قَضَاءٍ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى.) العدد 27: 1-11
(ومن الواضح من هذا النص أن نظام الإرث عند أهل الكتاب نظام بدائي لا يعالج كثير من قضايا الإرث فالشخص عندما يموت قد يترك وراءه زوجة وأبناء وبنات وأب وأم وأخوة وأخوات وأعمام وعمات أو ما وراء ذلك من أقارب ولا يبين هذا النص نصيب كل منهم. وفي نظام الإرث هذا فإن الميت ذكرا كان أم أنثى إذا ترك أولادً ذكورًا فإنهم يستأثرون بكامل التركة يتقاسمونها بينهم ولا نصيب فيها لغيرهم من الورثة كأبيهم وأمهم وأخواتهم وزوجات أبيهم.
ويقول الدكتور العبادى: (وفي غياب أبناء للميت فإن التركة تؤول لبناته أو بناتها يتقاسمنها بينهن ولا نصيب لغيرهن من الورثة مهما كانت درجة قرابته. وفي حالة غياب البنات تنتقل التركة لإخوانه الذكور فقط ولم يبين النص كيف يتم تقسيم التركة في حالة غياب الأبناء والبنات مع وجود أب الميت وإخوانه. وفي غياب الأخوة تنتقل التركة لأعمامه الذكور فقط ولم يبين النص كيف يتم تقسيم التركة في حالة غياب الأبناء والبنات مع وجود أب الميت وأعمامه.)
ويواصل الدكتور منصور العبادى تحليله لهذا النص قائلا: (إن أول المظلومين في نظام الإرث هذا هما الأب والأم فقد يكون ابنهما المتوفى هو العائل الوحيد لهما وقد يكونان كبيرين في السن وبموت هذا الابن تتوزع تركته ولا نصيب لهما فيه رغم ما بذلاه من جهد ومال في تنشئته حتى بلغ سن الرشد. بل الأغرب من ذلك أن تركة المتوفى قد تذهب إلى أعمامه ولا ينال أبيه وأمه منها شيئا كما هو واضح من ظاهر النص والذي أعتقد جازمًا أنه نص محرف فالله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يظلم أحدًا في تشريعاته.)
ويواصل: (أما ثاني المظلومين فهي الزوجة فلا نصيب لها بتاتا في نظام الإرث هذا فربما كانت تعيش في رغد من العيش مع زوجها وبمجرد موته فإن مصيرها التشرد خاصة إذا لم يكن لها أبناء أو بنات وستموت قهرًا وهي ترى أخوة زوجها أو أعمامه يتقاسمون تركته بينما لا تنال هي منها شيئًا وقد تكون ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تحصيل هذا المال).
ويواصل قائلا: (أما ثالث المظلومين فهن بنات وأخوات وعمات الميت فلا نصيب للبنات أبدًا مع وجود الأبناء وكذلك الأخوات لا نصيب لهن مع وجود الإخوة والعمات لا نصيب لهن مع وجود الأعمام).
(إن نظام الإرث المستخدم حاليا في الدول الغربية التي تدين بالمسيحية لا يختلف كثيرا عن النظام المذكور في التوراة فعلى سبيل المثال فإنه في قانون الإرث الفرنسي لا ترث الزوجة زوجها ولا يرث الزوج زوجته ولا يرث الأب والأم شيئا من تركة ابنهما بوجود أي ولد أو بنت له حيث يتقاسم الأبناء والبنات التركة بينهم للأنثى مثل حظ الذكر. وفي غياب ذرية المتوفي فإن الأب والأم يتقاسمان التركة مع أخوة وأخوات المتوفى فيأخذ الأب الربع والأم الربع ويتقاسم الأخوة والأخوات النصف المتبقي من التركة للأنثى مثل حظ الذكر وفي غياب أب وأم وأخوة وأخوات المتوفى يتقاسم الأعمام والعمات التركة).
ويواصل الدكتور العبادى قائلا: (من الظلم الفادح أن يحرم الأب والأم من تركة إبنهم بمجرد وجود أبناء وبنات لهذا الميت، وقد يكونا في أمس الحاجة لمثل هذا المال عند هذه السن الكبيرة، التي تقل فيها قدرتهما على جلب الرزق. وإذا ما أخذ الأب والأم شيئا من التركة فهو جزء يسير مما أنفقاه على هذا الإبن على مدى ثمانية عشر عاما على الأقل. وكذلك فإنه من الظلم الفادح أن تحرم الزوجة حرمانًا كاملًا من تركة زوجها سواء ترك أولادًا أم لم يترك كما هو الحال في نظام الإرث التوراتي أو في أنظمة الإرث الحالية كنظام الإرث الفرنسى. فهل يعقل أن تذهب تركة زوجها إلى إخوانه وأخواته أو أعمامه وعماته وتحرم هي منه وقد ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تحصيل هذه التركة! ولهذا فقد أنصف القرآن الكريم الأب والأم والزوجة في نظام الإرث الذي جاء به وأعطى للأب سدس التركة وللأم السدس كذلك وللزوجة الثمن عند وجود أبناء وبنات للميت وتزداد هذه النسب في حالة غياب الأبناء والبنات).
ومن هنا يتضح للقارىء أن الكاتب إما أنه متحامل على الإسلام دون سبب يُذكر، أو دون دراسة واعية، أو إنه لا يفهم دينه حق الفهم، وإما أنه من طبقة المنتفعين بوجود دينه واستمراره على الأرض، دون علم سليم، أو فهم غير سقيم.
هل يهدر الإسلام من كيان المرأة بجعل شهادتها نصف شهادة الرجل؟
قال الكاتب: إن المرأة فى الإسلام لا تتساوى مع الرجل فى مجالين، وهما الميراث (وقد تكلمنا عنه) والشهادة.
والشهادة: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) البقرة 282
يعتبر العلمانيون والمسيحيون والمشككون فى الإسلام أن قضية شهادة المرأة وأنها تساوى نصف شهادة الرجل منافية لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وأنها مظهر من مظاهر الدونية للمرأة في الشريعة الإسلامية.
وفى الحقيقة فهم جانبوا الصواب، وجانبهم الحق فى هذا الحكم. فإن الشهادة يُقصد منه إثبات شيء يترتب عليه واجبات أو حقوق أو عقوبات، فالشهادة هي توثيق وإثبات لحدوث أمر ما، وبالتالي فهي وسيلة من وسائل التوثيق والإثبات.
وهذه الشهادة يلزم لها تحقق الأهلية في الشاهد من حيث اتصافه ببلوغ سن الرشد والنضج العقلي، وسلامة الحواس المستخدمة في عملية الشهادة، والحضور الذاتي عند حصول الأمر المعني، وامتلاك العلم والخبرة في الأمر إذا كان يحتاج إلى ذلك، والمعرفة اليقينية لمضمون شهادته. وعدم القدح في عدالته سابقًا، وصحة أدائه للشهادة من حيث الضبط. وهذه الصفات لا علاقة لها بنوع الذكر أو الأنثى، فهي ممكن أن تتحقق بكليهما أو بأحدهما دون الآخر.
فالرجل والمرأة أمام القانون سواء من حيث الواجبات والحقوق، وكذلك شهادة المرأة مثل شهادة الرجل سواء بسواء، يتم بموجبها إثبات العقود والعلاقات الاجتماعية والقضائية والعلمية والخبرة، وما شابه ذلك من أمور، من منطلق أن المرأة إنسان مثل الرجل تمامًا، والقرآن كتاب إنساني لم يفرق بين الرجل والمرأة في خطابه التشريعي عمومًا إلا ما يقتضي ذلك من الفرق بين الذكر والأنثى، وما يترتب على ذلك من وظائف في الحياة الاجتماعية، وأكدت ذلك السنة المطهرة.
يؤكد ذلك الأستاذ العقاد: "والقضية في الشهادة هي قضية العدل وحماية الحق والمصلحة، ولها شروطها التي يلاحظ فيها المبدأ وضمان الحيطة على أساسه السليم. والمبدأ هنا - كما ينبغي أن تتحراه الشريعة - هو دفع الشبهة من جانب الهوى، وما يوسوس به للنفس في أحوال المحبة والكراهة وعلاقات الأقربين والغرباء. وليس بالقاضي العادل من يعرض له هذا المبدأ، فيقضي بالمساواة بين الجنسين في الاستجابة لنوازع الحس، والانقياد لنوازع العاطفة، والاسترسال مع مغريات الشعور من رغبة ورهبة. فالمبدأ الذي ينبغي للقاضي العادل أن يرعاه هنا، حرصًا على حقوق الناس، أن يعلم أن النساء لا يملكن من عواطفهن ما يملكه الرجال، وأنه يجلس للحكم ليحمي الحق، ويدفع الظلم، ويحتاط لذلك غاية ما في وسعه من حيطة، ....".
يقول الله تعالى فى نص إشهاد المرأة عند البيوع: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة 282
فكما هو ملاحظ من النص القرآني أن إشهاد المرأة فى الأعمال التجارية والعقود تعادل نصف شهادة الرجل وقد ذكر الشارع السبب في النص فقال [... فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى] . أى لم يقل لأنها أقل منه عقلا، أو دونه فى الحقوق والواجبات، بل كان الغرض أن تذكر أحدهما الأخرى إذا ضلت.
ولو تتبعنا الفقه الإسلامى بشأن شهادة المرأة وشهادة الرجل لوجدنا الآتى:
1- هناك شهادة لا يقبل فيها رأى المرأة، وهى خاصة بالقتل وأعمال البلطجة، والقصاص والحدود، وغالبًا لا تكون حاضرة مثل هذه المعارك أو المنازعات.
ذلك لأن هذه القضايا تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها. وهذا داع من دواعى أنوثتها، وهى تتشرف بذلك وتتباهى به. وفى حالة حدوث أى من أعمال العنف والبلطجة هذه ستكون أول من يفر بنفسه مبتعدًا عن مكان وقوع هذا الحدث، وبالتالى فستكون شهادتها منعدمة. ومثل هذه القضايا يكون الحكم فيها إما بقتل المعتدى أو القطع أو الرجم أو غيره من طرق الحدود. ومن غير المنطقى قتل نفس لوهم أو لشك. وهذا رحمة من الله تعالى بعباده، إذ لا يُقام حد إلا بعد التأكد التام من ارتكاب هذا الشخص لجريمته.ولا ينقص من قدر المرأة أن يراعى الشارع فطرتها، ولا يقحمها فى شىء ضد فطرتها الأنثوية، أو بما يغير من هذه الفطرة.
2- وهناك شهادة لا يُقبل فيها رأى الرجل مُطلقًا، ولا تُقبل فيها إلا شهادة امرأة واحدة أو أكثر من امرأة في شئون خاصة بهن مما لا يطلع عليه الرجال عادة، كالحيض، والحمل، وكذلك الولادة، والاستهلال، والرضاع، وانقضاء العدة، والعيوب تحت الثياب: كالرتق، والقرن، والبكارة، والثيابة، والبرص. وهذا أيضًا منطق سليم ولا ينقص من قدر الرجل شيئًا.
فقد جاء عن رسول الله "فقد روي عن عقبة بن الحارث، أنه تزوج أم يحيى بنت أبي أهاب. فجاءت امرأة وقالت: "لقد أرضعتكما" فسأل عقبة النبي فقال: كيف وقد قيل؟ ففارقها عقبة، فنكحت زوجًا غيره". وهنا قبل النبى شهادة المرأة الواحدة فى الرضاع وأقرها على رجل وامرأة.
وأكثر من ذلك، تُقبل شهادة المرأة وحدها إن كانت عدل، بغض النظر عن دينها: "قال مهنا: قال لى أحمد بن حنبل: قال أبو حنيفة: تجوز شهادة القابلة وحدها، وإن كانت يهودية أو نصرانية.." (الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ص115-117)
ذلك أن العبرة هنا فى الشهادة إنما هى الخبرة والعدالة، وليست العبرة بجنس الشاهد ذكرًا كان أو أنثى ففى مهن مثل الطب.. والبيطرة.. والترجمة أمام القاضى.. تكون العبرة بمعرفة أهل الخبرة. (الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ص188-193)
وإلى هنا يتساوى الطرفان، فكل يشهد بما يعلم فى مجال تخصصه.
3- شهادة تتساوى فيها شهادة المرأة مع شهادة الرجل، وهو شهادة اللعان، وهي الحالة التي يحصل فيها اتهام بالخيانة الزوجية، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ* وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ* ويدرأ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) النور 8
4- شهادة تكون فيها شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، وهى خاصة بالمبايعة والمداينة والأعمال التجارية. بناء على قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) البقرة 282
يتبين لنا مما سبق أن وجوب وجود امرأتين في الشهادة مع رجل واحد، هو أمر خاص في المداينة فقط دون سائر أنواع الشهادات مما ينفي وجود تمييز في الحقوق بين الرجل والمرأة ومما ينفي المساس بكرامة المرأة، بل جُلُّ ما في الأمر أن الدين الحنيف يهدف إلى توفير الضمانات في الشهادة وزيادة الاستيثاق لإيصال الحق إلى أصحابه.
ومن هنا نجد أن هذا التمييز في هذا النوع من الشهادة ليس تمييزًا عبثيًا وإنما يعود إلى الفوارق الفطرية والطبيعية بين الرجل والمرأة، حيث إن المرأة لقلة اشتغالها بالمبايعات معرضة أكثر من الرجل للضلال الذي هو نسيان جزء وتذكر جزء آخر، ويعود سبب ضلال المرأة أكثر من الرجل إلى طبيعة تركيبة جسمها الذي يجعلها تتأثر بسرعة مما يعرضها لعدم الثبات.
ما الحكمة من جعل شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين؟
وإن أردنا أن نتعمق أكثر فى الحكمة من وراء جعل شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل في الشهادة المتعلقة بالمعاملات التجارية: يقول الله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) البقرة 282
وهنا يجب أن نضع عدة تساؤلات تنير لنا الطريق للوصول إلى الحق:
1- ما معنى كلمة (تضل) فى الآية، وهى السبب الأساسى فى تدعيم شهادة المرأة بامرأة أخرى؟ إنها تعنى التشتت الذهنى، أو عدم التركيز التام فى موضوع الشهادة وقت حدوثه.
2- لماذا خص الله المرأة بهذه الخاصية دون الرجل؟ سنرى فى تقرير قادم صفات دماغ المرأة مقارنة بدماغ الرجل.
3- هل من المنطق أن تُقبل شهادة رجل أو امرأة ليس عند أى منهما الخبرة الكافية للتوقيع على عقد وفهم محتوياته وحقوق كل طرف؟ لا.
4- أليس من المنطقى أن تكون شهادة أهل الاختصاص أولى من شهادة الآخرين بغض النظر عن كون الشاهد رجل أو امرأة؟ نعم، وهذا هو ما نجده فى الإسلام.
5- هل الآية تتعرض لشهادة المرأة والرجل أو إشهاد كل منهما؟
إن النسيان غير الضلال، فإذا نسيت امرأة أى لم تستحضر المعلومة وقت طلبها لها. أما إذا ضلت المرأة فهى إمَّا ضلت متعمِّدة أو قد شاب حكمها العقلى شيئًا من الشعور أو التشتُّت يحول دون الوصول إلى الحقيقة والرشاد، وذلك الشىء الذى يشوبها قد يتأتى بسبب عاطفتها أو عدم تمكنها من فهم الموضوع أو عدم رؤيته بصورة كاملة بسبب طبيعة خلقتها، أو بطبيعة حياتها وعملها. فمن ناحية عدم توفر الخبرة الكافية لديها فى المعاملات التجارية، كان لزامًا عليها وجود امرأة أخرى تُذكرها أثناء الشهادة، إذا نسيت أو غلبت عليها عاطفتها.
ومن ناحية أخرى فإن التكوين الخَلقى لها يتباين عن مثيله لدى الرجل: ففي مقال للسيدة سميرة صائغ تقول: «هناك تباين بين انفعالات دماغ المرأة ودماغ الرجل، وإن الأقسام النشطة في دماغ المرأة تختلف عن الأقسام النشطة في دماغ الرجل، على الرغم من محاولات المرأة التشبه بالرجل، ..... واليوم تبرز نظرية بل اكتشاف علمي يؤكد أن هناك فعلًا اختلافًا بين دماغ الرجل، ودماغ المرأة من حيث الكفاءات الذهنية الناتجة عن ذلك الدماغ، أي: بكلمة أخرى هناك (دماغ ذكر) و(دماغ أنثى)، ويقسم العلماء الدماغ البشري إلى قسمين: قسم أيمن، وقسم أيسر، ويؤكدون أن القسم الأيمن لدى الرجل هو أقوى منه لدى المرأة، فماذا يعني هذا؟
فمن الناحية التكوينية للدماغ فهو عضو مؤلف من أنسجة رخوة تتشعب فيها الأوعية الدموية الرفيعة والأعصاب التي تحمل الإحساسات من الخارج إلى الداخل، وتحمل أوامر الدماغ إلى سائر الأعضاء في الجسم كي تقوم بوظيفتها. أما من ناحية العمل (الفسيولوجي) للدماغ فقد تبين للعلم الحديث أن الدماغ يقسم إلى مناطق، وكل منطقة تقوم بمهمة أو مهمات معينة، وقد تأكدت هذه النظرية مؤخرًا بعد أن تمكن العلماء من تصوير الدماغ وهو يقوم بوظائفه المختلفة، وذكرت الكاتبة أن أبرز عمل في هذا الحقل هو للدكتور دافيد انغمار السويدي الذي يعمل في جامعة لوند في السويد. استعمل الدكتور انغمار غاز "كزينون" الذي يذوب في الدم ويولد إشعاعات جاما وذلك لتصوير الدماغ وهو يقوم بمهمات مختلفة، فهو يحقن الإنسان ببعض الكزينون الذي يذوب، وينتقل عبر الأوعية الدموية إلى الدماغ، وتنتقل صورة ما يحدث في الدماغ عبر 32 سماعة مثبتة في أنحاء مختلفة من الرأس إلى كمبيوتر يقوم بتحليل تلك الصورة، وتحديد نوعية العمل الذي يقوم به الدماغ في تلك اللحظة، والركن الذي يصدر عنه ذلك العمل، ولاحظ أن كل عمل يقوم به الدماغ يصدر من مكان مختلف من الدماغ، وإذا ازدادت كثافة ذلك العمل، ازدادت الرقعة العاملة من الدماغ دون أن يتغير مكانها، وأمكن الآن تحديد الأماكن التي تقوم بشتى أنواع النشاطات، فهناك ركن خاص بالقوى النظرية والسمعية، وتلك الناتجة عن اللمس، بينما يتركز الإحساس الناتج عن طريق الشم في مكان آخر، إن للتفكير زاوية، وللقدرة على النطق زاوية أخرى، وكذلك القدرة على القراءة والحساب، وضبط حركة الجسم العضلية، وتوجد زاوية للانفعال النفسي، أي: الغضب والعنف، أو العطف والحنان.
تعليق