تقليد الجديد أو جديد التقليد

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الطلحاوي الإسلام اكتشف المزيد حول الطلحاوي
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الطلحاوي
    2- عضو مشارك

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 30 مار, 2013
    • 119
    • أستـاذ
    • الإسلام

    تقليد الجديد أو جديد التقليد

    في ثنـايا إنتاجات النخب المثقفة ذوات التكوين السياسي أو الفلسفي تكمـن جوانب التقليد و الجديد في الحقول المعرفية، و بين طياتهـا أفكـارا مستنـسخة أو مستحدثة قـد تشي أحيانـا بالتكرار و الاجترار المفاهيمي كمـا قد توحي بالابتكـار الفكري والجديد الفكري أحيانـا أخـرى. و في كتـابات المحدثين ممن حاولوا التأصيل لأزمة الراهن السياسي و الاجتمـاعي و الاقتصادي شيئـا من النبوغ الفكري و أشياء من التقليديات المنمـقة ،إذ يعجب المـرء و هـو يرصـد فلسفـة أصحـابهـا تصول وتجول في فضاءات اللغـة الخـادعـة فيسقط صريعـا سريعـا في سحـر الكـلام المرسل و مطاطية اللغـة دون أن تترك لـه مجال تتبع مستويات الأفكـار و طبائعهـا و انتمـاءاتهـا الإيديولوجية . في الحقيقة، نـبغ عندنـا في عـالمنـا الإسلامي عقولا أنتجت طـوفانـا من الكلام حول قضايا المعرفة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية والتاريخية دون أن تُنتِجَ تأصيلا منطقيا متسلسـلا، يكفي للمـلاحظ الحصيف رصد تقليدياتهم المعرفية و المنهجية و التي غـالبا مـا تغطيهـا حجم مطـاطية المفاهيم و توليد المعاني الفرعية، فالتقليد ثاوٍ في التفكير قبل التأليف و التجديد ثاو في التفريع قبل التأصيل، و ليس هنـاك أضــرّ للعقل النـاقد من أن يؤسس فلسفته علـى حساب الآخرين المبدعين في فضاءهم فيشرع في ترصيف ديباجاتهم و تقعيدهـا بمـا يجعله وسيطـا بين مرجعيتين متناقضتين .إن التقليد في نظري ليس أسلوبا في التفكير فحسب و إنمـا عجزا عن التفكير في خـلق نماذج فريدة و أنظمـة معرفية جديدة تنبني علـى المسار الطبيعي للأمـة ، التقليد صياغـة لجديد الآخـر صياغـةً تبعيةً تـروم الإيحاء بجديد الذات لكنهـا في الأصل انسحـاق داخـل نسقيةِ فكرٍ لا حـظّ لـه منـه في شيء ابتكـارا.
    تقليد الجديد الغربي صـارَ مهنـة "مثقفين" لُغويين مـا فتئـوا يتقنـون فن الحيل اللغوية فجعلوهـا مدخـلا لعرض البضاعـة القديمـة هنـاك الجديدة هنـا في ديار الإسلام، كــان قديمُ المذاهب الفكرية الغربية هنـاك جديد السـاحة الفلسفية هنـا في عـالم يعـاني من خـصاصٍ في التجديد و شحّ في صنعـه، فصارت عندنـا مرجعيات تشاكسُ مرجعياتنـا سلبا، كـان قديم المنهجيات المبتكرة هناك في حقول "العلوم الإنسانية" عـامة هو جديد الموضة الفكرية هنـا للمثقفين يستهلكونهـا بشراهـة فمسَّت تطبيقـاتهـا العوجاء أصولنـا و قواعدنـا التأسيسية، لـكن و مع ذلك فتقليد الجديد لم يخلُ من جديد إذ أسهمَ ذلك حقا في إغنـاء المكتبة الفكرية بمؤلفات تقليدانية مـاراطونية تُسابقُ اللغة و التـاريخ و تُفرِخُ لدينـا نسخـا صغيرة من المتعلمين يبدءون رحلتهم مبكرا في استهـلاك تقليد التقليد (الكتب المقلِّدة) في انتظار الالتحاق بطـابور المقلدين المثقفين، جديد تقليد الجديد عندنـا إطنـابٌ شديدٌ في عرض الواقع السياسي و الاجتمـاعي و الاقتصادي و الثقافي و تكـلّـف عجيبٌ في منطق توظيف اللغة و إغراقٌ في المداخـل النظرية وتـلاعب في المفاهيم . فإذا كـان قديم فكر "المـاديات الصلبة" دارت حول مفردات العقلانية و الحرية و الفردانية كمـبادئ لعنوان"الحداثة" فصارت بعدهـا هي عندهم مخلفات فكرية متجاوزة متحولة إلـى "المـادية السائلة" بتعبير عبد الوهـاب المسيري رحمه الله فإننــا في عـالم التقليد العروبي لا زلنـا نمـضغ رواسب "الحداثة" بنفس النَّفَس الغربي لكن بثرثرة أكبر و إيقاع سريع، لازال الذهـول العقلي و الانسحـاق الوجداني يطبع عـالم المثقف المتحرر من "مجاله التداولي" فيجعلـه يعيش الدهـشة في ذاته و كأنـه خرج للتو من مغارة مظلمة فلمـا تبين له هـذا النسق الغربي و الانتظام المادي تحوَّلَ لراهب يُـسبّـحُ بحمدِ المُبدع الغربي. لقد صـارَ قديم الغرب سقفَ نضاله و عتبة فلسفته و غـاية وجوده لا يبـرح "جنتهـا" لحظة إلا أن يعود لذاته لتبخيسهـا و تدنيسهـا ، و هكذا فإن "الحرية" و "العقلانية" و "الفردانية" مفاهيم فريدة لم تفارق عندهم أزمنـة "التنوير" و "النهضة" ولم يشهـد التراث المشرقي عـامـة نظيرا لهـا بالمعنـى الفلسفي، ويلٌ لكَ إن خـالفتَ و عـاندتَ... و تجري الأيام و السنون و تبرز "المـابعد حداثة" بفكرهـا الجديد و نقدهـا للقديم فتصبح مفردات الذاتية الهيومـانية و مركزيته و "عقلانيته" و تعـاليه علـى سلطـة الواقع تصبح أشباحـا وخرافات غذتهـا سطوة الإنسان وغروره ليس إلا، قــد يجـاري المثقف العروبي تلـك التحولات فينتفض أحدهم هنـا أو هنـاك ليحدثنـا آنذاك عن تقليد جديدٍ آخـر وفد .
    كيف للعـاقل اللبيب أن يتلمـس الجديد الفكري الجاد في فكر أومليل مـثلا من خـلال ( الإصلاحية العربية و الدولة الوطنية) أو ( أعمـال ندوة ابن رشد ) أو ( في شرعية الاختلاف ) و قد جرت التحليلات تحت وقع انهيار العقل أمـام صدمـة "الحداثة"،فـلا شيء يدور إلا و يعود إلـى نبعـه الغربي ؟ كيف يلمس المسلم وجوده في فكر العروي و هو يطوف في سلسلته المفاهيمية أو في ( العرب و الفكر التاريخي) دون أن يحس باغتراب فكر صاحبه ؟ كيف نتحسس الجديد في خطاب كمـا عبد اللطيف ؟ إن المشكلـة البنيوية لدى مبدعينـا تكمن في كونهم قد جددوا تجديدا تقليدانيا للآخـر الغرب و ليس للذات فظلت اجتهـاداتهم تتمحور حول نـفس العنـاوين الغربية بعيدا عن التمفصلات السياسية و الاجتمـاعية التي تعرفهـا المنطقة المشرقية و المغربية، و بدت كـل المحـاولات كمـا لو أنهـا تُنــظِّـر لواقع آخـر غير واقعنـا . إن التجديد في التقليد لا يثمـر إلا مزيدا من التشوهـات الثقافية و يورث اغترابات حضارية عكس تجديد الغرب لذاته حيث انطلق من مسح تـاريخه لبناء حضارته، في حين معظم "عَلمانيينــا" يعـانون من عقدة الاقتراب من الدين و من أمـراض الفصام النكد بينه و بين السياسة.
    إن التجديد الذي نـراه مركزيا في تطوير الذات هـو مـا كـان ينتمـي لعالم الشهـادة التداولية لتحقيق الشهود الحقيقي، أي مـا تأسس علـى مساره الطبيعي قصد الاجتهـاد فيه لتجاوز إشكـالات الواقع الصلب و ليس عبر التوسل بمعيارية أوروباوية تستنطق وقائع مغايرة مغايرة، التجديد الحقيقي يبتكر المعـاني و "الأواني" معـا و يقدم صاحبه إنتـاجه بعيدا عـن الانتحـالات و الاسقاطـات، و لـو شـئنـا التمثيل لقلنـا أن الفيلسوف طه عبد الرحمـان يعد نموذجـا رائدا في صناعة التجديد الفكري و الفلسفي و صـار رمـزا فريدا من نوعـه استنطق التـراث بأدوات دقيقة "تأصيلية" في ( تجديد المنهج في تقويم التراث) و (القول الفلسفي) دون أن يقع في آفـة الاستغراق في التـاريخ أو أن ينفصل عنه، فقـد فهـم بحق أن "الحداثة" هي "أن لا تقلد الحداثة" و أن الفلسفة الحقة يجب أن لا تُحلِّـق بعيدا عن المجال التداولي الذي يعـيش فيه الإنسان فأبدع و قدَّم درسـا بليغـا للمقلدة الذين رفعـوا "العقلانية" مـقام القداسـة دون أن يتمكنـوا هم من ممــارستهـا بحق و رفعـوا "الحرية" مقام الثابت الكلي دون أن يتمكنوا من التحرر من قبضة الغرب، مـارسوا التقليد "الحداثي" و لم يستطيعوا فهم روحهـا و سقطوا في سيولـة فكرية استندت إلـى النمـاذج الغربية بصنمية بـالغة توسلت نقد الذات بتقليد الآخـر في حين لم يقبلوا نقد الآخـر بمنطق الذات، و هكذا صـارت تحليلاتهم "العَلمانية" حواشيـًا و هوامشاً لمتون الآخـر صيغت بألسن عجمية و عربية في وقت درج فيه القوم اعتبار العقل التراثي عقلا تقليديا لا ينفك عن أسلوب الحواشي و الاستدراكـات ! نـعم يمكن الاستفادة من هـذا الآخـر و التفاعـل معه في حدود مـا يبنـي عـلاقـة أفقية لا تُذَوِّب الشخصية الحضارية و لا تلحقهـا بخطابهـا ، فذلك منطق التـاريخ و الحضارات في جدلياته فلم تسلم منهـا أمـة من الأمم، لكننــا نـرى أن كـل هـذا الانسحـاق الفكري و الرضوخ لمعيارية غربية آفـة بلّــدت العقل النخبوي و صيَّرتهُ أداتيًا حرمتهُ من ملكة النقد ، كمـا أنهـا أنتجت نخبا إلحاقية لا تعي غير المضامين الوافدة في مجالات التدبير السياسي و المقاربات الاقتصادية و الاجتمـاعية و التـاريخية ، في حين كـان يُفترض من أهـل النـظر التعـالي عن سلطـة الواقع الغربي الفكري و المادي لأجـل ممـارسة قدر من الحرية . إن تقليد الجديد من أدوات التحليل المزمنـة المـادية و أنمـاط القيم التـاريخانية الغربية لـن يفرز في آخـر المطاف إلا جديد التقليد، و مـا أشبه كتابات المقلدة المشائين قديمـا بمقلدة "التنويريين" حديثا و في ذلك درس لمن اعتبر ،أليس التأصيل أولى من التقليد كمـا قال عبد الرحمان في "القول الفلسفي" ؟!

  • أحمد.
    مشرف اللجنة العلمية

    حارس من حراس العقيدة
    • 30 يون, 2011
    • 6655
    • -
    • مسلم

    #2
    ما شاء اللهُ أخى الكريم .. مَقالٌ أكثرُ مِن رائِعٍ

    أعجبتنى جدا هذهِ الفَقرَة

    المشاركة الأصلية بواسطة الطلحاوي
    إذ يعجب المـرء و هـو يرصـد فلسفـة أصحـابهـا تصول وتجول في فضاءات اللغـة الخـادعـة فيسقط صريعـا سريعـا في سحـر الكـلام المرسل و مطاطية اللغـة دون أن تترك لـه مجال تتبع مستويات الأفكـار و طبائعهـا و انتمـاءاتهـا الإيديولوجية .

    فهىَ تُعبِّرُ وبِشِدَّةٍ عَن خللٍ مَنهجِىٍّ مُستفحَلٍ بينَ طبقاتِ المُجتمعِ مِن أعلاها إلى أدناها بسبب خللٍ أصيلٍ فى مَبدأ التلقى لدى عامَّةِ الشعوبِ المُتخلِّفةِ التى عانَت مِن مرارةِ الهزائمِ المُتكرِّرَةِ على أيدى الشعوبِ المُتقدِّمة ما أنتجَ انسحاقا ثقافيًّا هائلا للأولى أمامَ الثانيَةِ، ذلِك الانسحاقُ الذى نتجَ عَنهُ انفصالُ هذهِ الشعوبِ عَن تاريخِها وحضارتِها ومَعينِ ثقافتِها فأنجبَت أطفالا لُقطاءَ مجهولى النسب وأرضعتْهُم الخواءَ وأطعَمَتهُم الفراغ حتى صاروا مَعينا فارِغا يبْحثُ عمَّن يملؤه، وللأسفِ فحالة الانسحاقِ التامِّ التى عاشوها فى صِغرهِم لم تدعْ لهُم خيارا غيرَ اتباعِ هؤلاءِ المُغرِّبين فى أفكارِهِم وطِباعِهم !

    أمَّا هذهِ الفقرة فكان لى استدراكٌ عليها

    المشاركة الأصلية بواسطة الطلحاوي
    إن التقليد في نظري ليس أسلوبا في التفكير فحسب و إنمـا عجزا عن التفكير في خـلق نماذج فريدة و أنظمـة معرفية جديدة تنبني علـى المسار الطبيعي للأمـة ، التقليد صياغـة لجديد الآخـر صياغـةً تبعيةً تـروم الإيحاء بجديد الذات لكنهـا في الأصل انسحـاق داخـل نسقيةِ فكرٍ لا حـظّ لـه منـه في شيء ابتكـارا.

    فالتقليدُ فى ذاتِهِ ليسَ عَجزا وإنَّما العجزُ نتيجةٌ لسوءِ اختيارِ الأسوَةِ التى يتمُّ تقليدُها، ولو نظرتَ إلى جميعِ البشرِ قديما وحَديثا فلن تجدَ واحِدا مِنهُم يخلو مِن التقليدِ، بل إنَّ نماءَ الإنسانِ وتطوُّرَهُ واستمراريَّتهُ فائمة أساسا على التقليدِ والاتباعِ.

    ولكِنَّ التقليدَ نوعان، فنوعٌ مِنهُ دافِعُ إلى الابتكارِ والتجديدِ وهوَ ما كانَ ناتِجا عَن استغراقٍ فى ذاتِ المُقلَّدِ أو فى مَنهجِهِ أو فِكرِهِ أو أسلوبِ حياتِه. ونوعٌ دافِعٌ إلى الجمودِ والتبلدِ وهوَ ما كانَ ناتجا عَن الانسحاقِ - الذى تكلمتَ عنهُ - فى ذاتِ المُقلَّدِ أو فى مَنهجِهِ أو فكرهِ أو أسلوبِ حياتِه.

    وشتَّانَ بينَ التقليدِ القائمِ على الاستغراقِ والتقليدِ القائمِ على الانسحاقِ فإنَّ الأوَّل دافِعٌ إلى النموِّ بالعقلِ والارتقاءِ بالذهنِ حتى ينقدِحَ زنادُه ويُبرى سِنُّه فيخطُّ أروعَ عِباراتِ التجديدِ ويُطلِقَ أقسى رصاصاتِ الابتكارِ، إذ تتعملَقُ ذاتُه بالخلفيَّاتِ التى استغرَقت فيها مِن ذواتٍ سابقةٍ عليها استطاعَت استحضارَ قوَّتِهِنَّ فى قوَّتِها وأرواحِهِنَّ فى روحِها فصارَ هذا الاندماجُ فى وجدانِهِ أشبهَ شئ بالاندماجِ النووىِّ الذى لا يخلو مِن طاقةٍ جبَّارَةٍ دافِعةٍ ومُحرَّكةٍ.

    هذا بينما الثانى أصلا لا يَقومُ إلا فى ذاتٍ فشِلت فى الاستغراقِ فى الذواتِ التى تقومُ بتقليدِها بل وانفصلَت انفصالا شديدا عَن الذواتِ الأصيلةِ التى تجرى فى كيانِها فصارَ هذا الانفصالُ فى وِجدانِها كالانشطارِ النووىِّ لا يخلو مِن طاقةٍ مُتفجِّرَةٍ مُدمِّرةٍ تتركُ تِلك الذاتَ مُنهكة مُحتضِرة راكِعة أمام الذواتِ الأخرى التى سحَقتها وجدانيا ونفسيًّا فتعملقت هاتِهِ وتقزَّمَت تِلك حتى صارَت العِلاقةُ بينهما علاقةَ جاريَةٍ بسيِّدِها او كلبٍ وفىٍّ بصاحبِهِ، والجاريَة لا تعدو قدرَها بانتظارِ ما يتفضَّلُ عليها بهِ سيِّدُها والكلبُ لا يعدو طبعَهُ فى اللهاثِ وإدلاءِ اللسانِ طمعا فى عَظمةٍ يُلقيها إليهِ صاحبُه.


    لهذا أعجبتنى كثيرا هذهِ الفقرةُ

    المشاركة الأصلية بواسطة الطلحاوي
    لازال الذهـول العقلي و الانسحـاق الوجداني يطبع عـالم المثقف المتحرر من "مجاله التداولي" فيجعلـه يعيش الدهـشة في ذاته و كأنـه خرج للتو من مغارة مظلمة فلمـا تبين له هـذا النسق الغربي و الانتظام المادي تحوَّلَ لراهب يُـسبّـحُ بحمدِ المُبدع الغربي. لقد صـارَ قديم الغرب سقفَ نضاله و عتبة فلسفته و غـاية وجوده لا يبـرح "جنتهـا" لحظة إلا أن يعود لذاته لتبخيسهـا و تدنيسهـا

    وهذهِ

    المشاركة الأصلية بواسطة الطلحاوي
    إن المشكلـة البنيوية لدى مبدعينـا تكمن في كونهم قد جددوا تجديدا تقليدانيا للآخـر الغرب و ليس للذات فظلت اجتهـاداتهم تتمحور حول نـفس العنـاوين الغربية بعيدا عن التمفصلات السياسية و الاجتمـاعية التي تعرفهـا المنطقة المشرقية و المغربية، و بدت كـل المحـاولات كمـا لو أنهـا تُنــظِّـر لواقع آخـر غير واقعنـا . إن التجديد في التقليد لا يثمـر إلا مزيدا من التشوهـات الثقافية و يورث اغترابات حضارية عكس تجديد الغرب لذاته حيث انطلق من مسح تـاريخه لبناء حضارته، في حين معظم "عَلمانيينــا" يعـانون من عقدة الاقتراب من الدين و من أمـراض الفصام النكد بينه و بين السياسة.

    لا سيَّما العِبارَة الأخيرةُ فيهِ فإنَّها تؤصِّلُ للفارِقِ بينَ تجديدِ الغربِ وتقليدِ الشرقِ لتجديدِ الغربِ، فالأولون جدَّدوا تقليدَهُم والآخرون قلَّدوا تجديدَ غيرِهِم، فوقعَ تجديدُ الأوَّلينَ على تقليدِهِم ووقعُ تقليدُ الآخرين على تجديدِ غيرِهِم.

    هذا الفِصامُ للأسف هو الذى حوَّلَ أغلبَ هؤلاءِ المُقلِّدين إلى "مسوخٍ" أشبهَ بـ"وحشِ فرانكشتاين" أو بـ"الزومبى" الموتى الأحياء فى الثقافاتِ الغربيَّة ! نعم نفصلَ الغربُ تماما عَن خلفيَّاتِه الدينيَّة والعَقديَّة ولكِنَّهُ كذلِك اعترَفَ صراحَة بهذا الانفصالِ بل وأعلنهُ فى كلِّ مَحفلٍ وأقامَ عليهِ السرادِقاتِ وتقبَّل فيهِ التعازى والتبريكاتِ ولم يَلبَث أن هدَمَهُ مرَّة واحِدَة ليُقيمَ على أنقاضِهِ صروحَ تجديدِهِ ومُدُن حداثتِهِن بينما المُقلِّدُون مِن بنى جِلدتنا لم يستطيعوا ان يُعلِنوا بهذا الانفصالِ أو حتى يَعترِفوا بهِ - وإن كانَ واقِعا - بل على العكسِ حاولوا مَزجَهُ بهذهِ المادَّةِ المُضادَّةِ لهُ فأرادوا الجمعَ بينَ النقيضين وحاولوا أن يبنوا فى القصرِ طريقا للسيَّاراتِ وفى الأنفاقِ مَهبطا للطائراتِ ويبنوا الباراتِ فى مَهاجِعِ المُحصناتِ والمراقِصَ فى مخادِعِ العذراواتِ، كان بديهيا أن ينتجَ عَن هذا الخليطِ الغريبِ تِلك النسخة المُشوَّهةُ مِن الفِكرِ المَمسوخِ الذى كالطفلِ اللقيطِ لا تَعرفُ نسبه إلى أبٍ أىِّ أبٍ، ولا يقبلُ بهِ أبٌ أىُّ أب !

    ومِن عجيبِ كِتابِ اللهِ العزيزِ أنْ جمعَ وَصفَهُم فى آيةٍ واحِدَةٍ مِن آى الذكر الحكيم، قال { مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) } ( النساء )، وصدَقَ ربِّى.
    وَوالله ما عقيدَةُ الإسْلامِ بأهونَ مِنْ عقيدَةِ اليهودِ التي يَنتصرونَ بها، وَلا عقيدَةِ النَّصارى التي يَنتصرون بها، وَلا عقيدَةِ الرافِضةِ التي يَنتصرونَ بها، وَالله لو كانوا صادقينَ لانتصروا بالإسْلامِ، قالَ اللهُ {وإنَّ جُندَنا لهُم الغالبون}، فلمَّا انهزموا وَانكسروا وَاندحروا عَلِمنا أنَّ الإسلامَ مِنْهم برئٌ حقُّ برئٍ.

    رحِمَ
    اللهُ مُقاتِلة الإسْلامِ خالدَ وَالزبيرَ وَسعدَ وَعِكرمَة وَالقعقاعَ وَمُصعبَ وخبابَ وَخُبيبَ وَعلي وَعُمرَ وَعمرو وَابنَ عفَّانَ وأبا بكرَ وإخوانَهم وَالتابعينَ مِنْ بعدِهِم، رأينا رِجالا كسرَ اللهُ بهِمْ شوكَةَ كلِّ ذي شوكَةٍ، وَاليومَ نرى جيَفًا أظهرَ اللهُ عليها كلَّ دودَةٍ وَأرَضةٍ.

    تعليق

    • الطلحاوي
      2- عضو مشارك

      حارس من حراس العقيدة
      عضو شرف المنتدى
      • 30 مار, 2013
      • 119
      • أستـاذ
      • الإسلام

      #3
      سُــعِدتُ لتــعقيبــك أخــي أحمــد ،فهــي تحــكي الأصـل و الفـصل و تزيد الدليل دليلا و تلــخـص بل و تفصل عـالم الشرود العَلمـاني للمثقفين الكرتونيين . بارك الله فيكَ و بقلمــك الخـلاق و جعلكم حـراسا لبيضـة الإسلام و أهــله آمـين .

      تعليق

      • كنز العلوم
        مشرف اللجنة العلمية والتواصل

        • 6 ديس, 2010
        • 1624
        • طبيب
        • مسلم

        #4
        و لـو شـئنـا التمثيل لقلنـا أن الفيلسوف طه عبد الرحمـان يعد نموذجـا رائدا في صناعة التجديد الفكري و الفلسفي و صـار رمـزا فريدا من نوعـه استنطق التـراث بأدوات دقيقة "تأصيلية" في ( تجديد المنهج في تقويم التراث) و (القول الفلسفي) دون أن يقع في آفـة الاستغراق في التـاريخ أو أن ينفصل عنه، فقـد فهـم بحق أن "الحداثة" هي "أن لا تقلد الحداثة" و أن الفلسفة الحقة يجب أن لا تُحلِّـق بعيدا عن المجال التداولي الذي يعـيش فيه الإنسان

        واضيف

        انه من اراد ان يعرف قدر هذا الرجل الفذ فليقرا له كتابه

        ( في اصول الحوار وتجديد علم الكلام )

        وهو كتاب قيم ودراسة رائعة ودروس بليغة لمن اراد البحث والتعلم من المشتغلين بعذا العلم

        والكتاب موجود علي صفحات الانترنت لمن اراد الاطلاع عليه

        بارك في الاستاذ الجليل طه عبد الرحمن


        و بارك الله فيك اخي الكريم الطلحاوي





        ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل : 125]

        تعليق

        • أحمد.
          مشرف اللجنة العلمية

          حارس من حراس العقيدة
          • 30 يون, 2011
          • 6655
          • -
          • مسلم

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة كنز العلوم
          واضيف
          انه من اراد ان يعرف قدر هذا الرجل الفذ فليقرا له كتابه
          ( في اصول الحوار وتجديد علم الكلام )

          طيب، تفضلوا هذهِ الإضافةَ الخجِلة

          تجديد المَنهج فى تقويمِ التراث - طه عَبد الرحمن
          http://hotfile.com/dl/62858470/2a9be...ptiff.pdf.html

          فى أصولِ الحِوارِ وتجديد عِلمِ الكلام - طه عَبد الرحمن
          http://www.4shared.com/get/5KjdoqA8
          وَوالله ما عقيدَةُ الإسْلامِ بأهونَ مِنْ عقيدَةِ اليهودِ التي يَنتصرونَ بها، وَلا عقيدَةِ النَّصارى التي يَنتصرون بها، وَلا عقيدَةِ الرافِضةِ التي يَنتصرونَ بها، وَالله لو كانوا صادقينَ لانتصروا بالإسْلامِ، قالَ اللهُ {وإنَّ جُندَنا لهُم الغالبون}، فلمَّا انهزموا وَانكسروا وَاندحروا عَلِمنا أنَّ الإسلامَ مِنْهم برئٌ حقُّ برئٍ.

          رحِمَ
          اللهُ مُقاتِلة الإسْلامِ خالدَ وَالزبيرَ وَسعدَ وَعِكرمَة وَالقعقاعَ وَمُصعبَ وخبابَ وَخُبيبَ وَعلي وَعُمرَ وَعمرو وَابنَ عفَّانَ وأبا بكرَ وإخوانَهم وَالتابعينَ مِنْ بعدِهِم، رأينا رِجالا كسرَ اللهُ بهِمْ شوكَةَ كلِّ ذي شوكَةٍ، وَاليومَ نرى جيَفًا أظهرَ اللهُ عليها كلَّ دودَةٍ وَأرَضةٍ.

          تعليق

          مواضيع ذات صلة

          تقليص

          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
          ابتدأ بواسطة Islam soldier, 6 يون, 2022, 01:23 م
          ردود 0
          211 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة Islam soldier
          بواسطة Islam soldier
          ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:22 ص
          ردود 0
          42 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة Islam soldier
          بواسطة Islam soldier
          ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:20 ص
          ردود 0
          61 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة Islam soldier
          بواسطة Islam soldier
          ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 07:41 م
          ردود 0
          98 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة عادل خراط
          بواسطة عادل خراط
          ابتدأ بواسطة Ibrahim Balkhair, 4 سبت, 2020, 05:14 م
          ردود 3
          113 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة Ibrahim Balkhair
          بواسطة Ibrahim Balkhair
          يعمل...