الفرع الثالث
لغات الكتاب المقدس
قالوا في قاموس الكتاب المقدس :
" كتب أكثر العهد القديم بالعبرانية.وكتب العهد الجديد باليونانية وكان قد شاع استعمال هذه اللغة بين يهود الشتات بعد فتوحات الإسكندر والرومانيين.
النص العبري والعهد القديم (Old Testament) العبراني الموجود بين أيدينا مأخوذ عن النسخة الماسورية(Massoretic text)
التي أعدتها جماعة من علماء اليهود في طبرية من القرن السادس إلى الثاني عشر للميلاد.
وقد وضع هؤلاء المعلمون الشكل على الكلمات بواسطة النقط وعملوا للنص تفسيراً يسمى (الماسورة) أي التقليد يتضمن كل ما يتعلق بصحة ذلك النص.
وكانت العبرانية تكتب قبل ذلك بدون شكل أو حركات فثبتت تلك الحركات الألفاظ ووحدت قراءتها.
وقد دون الماسوريون الإصلاحات التي ارتأوها على النص وجعلوها في الحاشية تاركين للعلماء الخيار في قبولـها أو رفضها بعد البحث والتدقيق.
وأقدم النسخ من مخطوطات بعض أسفار العهد القديم في اللغة العبرية هي التي كشفت في القرن العشرين الميلادي وهي التي وجدت
في وادي قمران بقرب البحر الميت ويرجع تاريخ بعض هذه المخطوطات إلى القرن الثالث قبل الميلاد.
وأقدم المخطوطات من العهد القديم بجملته في اللغة العبرية ترجع إلى القرن العاشر الميلادي وقد بقيت إحدى هذه المخطوطات المهمة
في حلب قروناً طويلة أما الثانية فلا تزال في ليننجراد.
وأول مرة طبع فيها العهد القديم بالعبرانية كانت سنة 1488م في سونشيومن في دوقية ميلانو.
ثم طبع ثانية عام 1494م في بريسشيا ، وهذه هي النسخة التي استعملـها لوثيروس للقيام بترجمته الألمانية المشهورة " (قاموس الكتاب المقدس لفظة كتاب .) .
ترجمات الكتاب المقدس
وقد حظي الكتاب المقدس بأكبر عدد من الترجمات في العالم، فقد تُرجم بأكمله إلى أكثر من مئتي لغة، في حين تُرجمت أسفار معينة منه إلى حوالي ألف لغة؛
لتقرأها شعوب مختلفة، وكانت أول ترجمة للكتاب المقدس "الترجمة السبعينية" في بداية القرن الثالث ق. م.،
وهي ترجمة إلى اليونانية قام بها 72 عالماً يهودياً في 72 يوماً؛ ليستخدمها اليهود في مصر القديمة.
ومع أن أحداً لا يدخل أي تعديل أو تغيير على نصوص الكتاب المقدس لكونها نصوصاً دينية، فقد نشأ في القرن التاسع عشر فرع أكاديمي
جديد يُدعى الدراسة النقدية للكتاب المقدس؛ ينتهج نهجاً تاريخياً نقدياً. وأنتج الدارسون في هذا المجال كمية هائلة من الدراسات والتحليلات.
تفاسير الكتاب المقدس:
ظهرت في أعقاب التوراة تفاسير عديدة، تُعدُّ ضمن النصوص اليهودية المقدسة، وتعود التفسيرات اليهودية الأولى إلى القرن الثاني ق. م.،
حين حلّت الآرامية محل العبرية كلغة متداولة. ومع أن هذه التفاسير تُعرف باسم " تارجوميم" "ترجمات"، فإنها تحمل صبغة تفسيرية
وتشتمل على مقطوعات من التفسير ومن الأساطير، وتوجد تفاسير "تارجوميم" لجميع أسفار التوراة، فيما عدا تلك التي تم تدوين الجزء الأكبر منها بالآرامية.
انتقلت تفاسير الحاخامات من عصر التلمود إلى يومنا هذا، وكانت الغاية منها، في كثير من الأحيان، تسهيل استيعاب نصوص الكتاب المقدس
والتفاسير المتعلقة به للجمهور في القرون الوسطى، وبعد ذلك في العصر الحديث أيضاً. وتتناول التفسيرات نواحي مختلفة تتراوح بين النص الحرفي
والمعنى الباطني، كما أنها تعلق أهمية بالغة على كافة التفاصيل المتعلقة بالنص المقدس، سواء كان ذلك حذفاً أو ظاهرة نحوية غريبة، أو "خطأ في الكتابة"،
أو حتى ظهور حرف ذي حجم مختلف. وقد تتولد عن مثل هذه الأمور كميات كبيرة من التفسيرات.
ويعتبر الحاخام شلومو بن يتسحاق المعروف ب – "راشي" (1040- 1105) أشهر المفسّرين للكتاب المقدس، وقد حاول إيجاد توازن
بين التفسير الحرفي للنص والمواعظ الأخلاقية التقليدية للحاخامين.
أشهر الترجمات القديمة المعروفة اليوم التي أخذت العهد القديم عن اللغة العبرية والعهد الجديد عن اللغة اليونانية رأسا أربع هي :
1. اليونانية المعروفة بالسبعينية وتشتمل على أسفار العهد القديم فقط ترجمت قبل العهد المسيحي.
2. الكلدانية (الآرامية) المعروفة بالترجومات وتشتمل على أسفار العهد القديم فقط ترجمت قبل العهد المسيحي.
3. السريانية المعروفة بالبشيتا وتشتمل على أسفار العهد القديم والعهد الجديد.
4. اللاتينية المعروفة بـ(الفولكات) وتشتمل على أسفار العهد القديم والعهد الجديد .
الترجمة اليونانية :
وتعرف بـ (ترجمة السبعين) (السبتوجنت) (Septuagint) (نسبة إلى سبعين أو اثنين وسبعين عالما قاموا بترجمتها من العبرية إلى اليونانية)
وهي أقدم ترجمة حيث ترجمت في مصر في منتصف القرن الثالث ق.م بأمر الملك بطليموس الثاني (285ـ247 ق.م)
الذي أسس المكتبة الشهيرة في الإسكندرية (انظر قاموس الكتاب المقدس ، لفظة ترجمات الكتاب المقدس الترجمة اليونانية أيضا.Encyclopedia. of Jewishconcepts , pp.666.).
الترجمة الآرامية :
وتسمى هذه الترجمة (ترجومات) (AramaicTargum)(ترجوم) [תרגום] والميسر منها فعلا ترجوم أونقيلوس (90م)
وترجوم يوناثان بن عزيل تلميذ هليل (70ق.م ـ 10م). (Enc. of Jew concepts , pp.664-666.).
ويرى البعض ان الترجومين من عمل أحبار اليهود في بابل في فترة زمنية أقدم من ذلك بكثير (The Targums , Etheridge. J.w. 1862 London. Introductionpp,6. وأيضا قاموس الكتاب المقدس لفظة عزرا : وفيه ان عزرا كان في فلسطين سنة 458ق.م
حين قرأ التوراة وفسرها لبني إسرائيل استعان بالترجمة الآرامية.).
حيث سادت اللغة الآرامية في أرجاء الإمبراطورية الفارسية منذ القرن السادس ق.م ولعدة قرون ومن ثم كانت لغة اليهود الموجودين
في بابل وغيرها من المناطق التابعة للإمبراطورية.
ويتميز ترجوم أونقيلوس بابتعاد عبارته عن كل مظاهر التجسيم (المصدر الأسبق وأيضا موسى بن ميمون في كتابه دلالة الحائرين ص63تحقيق موسى اتاي ، وقد جاء فيه (ان أونقيلوس المتهود كامل جدا في اللغة العبرانية والسريانية وقد جعل وكده رفع التجسيم فكل صفة يصفها الكتاب تؤدي إلى جسمانية يتأولـها بحسب معناها).
وقد حذا حذو أونقيلوس سعاديا في ترجمته للتوراة العربية للتوراة العبرانية ، وكذلك جاءت الترجمة العربية المطبوعة في مجموعة لندن سنة 1657م وباريس 1647م.
الترجمة السريانية (البشيتا) :
ترجم العهد القديم إلى السريانية في القرن الثاني أو الثالث للميلاد من اللغة العبرية. وقد أصلحت هذه الترجمة فيما بعد بالمقابلة مع الترجمة اليونانية.
الترجمة اللاتينية (الفولجاتا) :
لقد وجدت ولاشك ترجمة للكتاب المقدس في اللغة اللاتينية القديمة حوالي أواخر القرن الثاني للميلاد ترجمت من الترجمة السبعينية اليونانية وليس من العبرانية.
ولما دعت الحاجة في القرن الرابع إلى ترجمة لاتينية موحدة مقبولة اللغة، طلب (ديماسيوس) أسقف رومية من ايرونيموس المعروف بجيروم (340-420م) وكان أعظم علماء المسيحيين في عصره، ان يقوم بتنقيح العهد الجديد اللاتيني.
وقد نشر تنقيحه للأناجيل بمقابلتها مع الترجمة اليونانية عام 384م وكذلك ترجمتين للمزامير بمقابلتها بالترجمة السبعينية، أرسل احدهما إلى رومية عام 384م والثانية إلى بلاد الغال (فرنسا) عام 387-390م.
وقد انتقل ايرونيموس إلى دير في بيت لحم عام 387م حيث ترجم العهد القديم عن اللغة العبرانية رأسا بالمقابلة المستمرة مع الترجمات اليونانية.
ولما كان قد بدأ درس اللغة العبرانية في حداثته فقد أكمل دراسته فيها حال انتقالـه إلى بيت لحم مستعيناً ببعض الأساتذة اليهود.
وهكذا بدأ عملـه في ترجمة الفولجاتا عام 390م وأنهاه عام 405م ولم يُقدر معاصروه عظم هذا العمل الذي قام به والذي ما برح العالم المسيحي والكنيسة مدينين لـه فيه ديناً عظيما جداً (قاموس الكتاب المقدس .).
الترجمة القبطية :
ظهرت هذه الترجمة بلهجات كثيرة أشهرها الصعيدية والبحيرية.
وكانت الصعيدية أقدم هذه الترجمات، ولكن البحيرية هي التي قبلتها الكنيسة القبطية.
ولا يمكننا تحديد وقت الترجمة بالتمام، ومن الممكن ان وجدت أجزاء من العهد الجديد في اللهجة الصعيدية والبحيرية قبل نهاية القرن الثاني للميلاد ، ومن الممكن أيضاً ان تكون الترجمة في القرن الثالث أو حوالي عام 350 م أما ترجمته إلى البحيرية فقد أكملت بين عام 600 و 650م.
الترجمة الحبشية :
تقول التقاليد ان المسيحية أدخلت إلى بلاد الحبشة في أيام الملك قسطنطين (324-337م) . وقد كرس أثناسيوس بطريرك الإسكندرية فرومنتيوس السرياني أسقفا على الحبشة قبل عام 370م وربما عام 330م.
ولما تنصر جرانا ملك أكسوم حوالي عام 340م تنصرت جميع مملكته أيضاً.
ومن الممكن ان فرومنتيوس نفسه بدأ بترجمة الكتاب المقدس أو ان هذه الترجمة جرت تحت إشرافه.
وتقول تقاليد أخرى ان القديسين التسعة هم الذي ترجموا الكتاب المقدس إلى اللغة الحبشية وهؤلاء القديسون هم الذين هربوا عام 451م من سوريا إلى مصر بعد مجمع خلقدونية بسبب عقيدتهم بالطبيعة الواحدة، وتوجهوا من مصر إلى الحبشية، ومن الممكن أنهم راجعوا هناك الترجمة الأصلية التي يقال أنها تمت في منتصف القرن الرابع للميلاد.
وقد نقحت الترجمة الحبشية في القرن الرابع عشر وما يليه مع مراجعتها مع الترجمات العربية.
الترجمة الغوطية :
نقل الأسقف أولفيلاس الكتاب المقدس إلى اللغة الغوطية عام 350م. ولم يترجم أسفار صموئيل الأول والثاني ولا الملوك الأول والثاني لأنه ادعى انه من الخطر وضع هذه الأسفار بين أيدي الشعب الغوطي بسبب الروح الحربية الموجودة فيها. وهذه الترجمة هي أقدم أثر أدبي باق في أية لغة توتونية.
الترجمة الأرمنية : يقول الكاتب الأرمني موسى الخوريني الذي عاش في القرن الخامس : ان أول ترجمة للكتاب المقدس في اللغة الأرمنية قام بها إسحاق (البطريرك من 390-428م )وقد كانت من الترجمة السريانية.
وكتب كوريون (القرن الخامس ) أن مسروب مخترع الأبجدية الأرمنية (406م) عمل بمساعدة احد الكتبة اليونانيين على ترجمة الكتاب المقدس كله من اللغة اليونانية .
الترجمة الجورجانية :
وهي الترجمة المدعوة (الأخت التوأم للترجمة الأرمنية) وقد أكملت في القرن السادس. واشتغل في ترجمتها عدة كتاب من اللغات الأرمنية والسريانية مع أنها لم تخل من تأثير اليونانية. (قاموس الكتاب المقدس لفظة : كتاب.) .
الترجمة العربية :
يرى البعض انه من غير المحتمل ان يكون المبشرون الذين أدخلوا المسيحية إلى الجزيرة العربية قبل الإسلام قد أهملوا تزويد المسيحيين العرب بترجمة عربية.
ويرى اغلب الباحثين ان الحاجة إلى الترجمة العربية للكتاب المقدس بدأت تظهر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسم، وسيادة الإسلام، وانضواء المجتمعات المسيحية واليهودية تحت سيطرته. وانه لا يوجد دليل يعول عليه لإثبات أي ترجمة عربية قبل الإسلام.
قال الدكتور جواد علي:
(ذكر ابن النديم ان احمد بن عبد اللـه بن سلام كان قد ترجم التوراة أيضا ، وترجم كتبا دينية أخرى ، يهودية ونصرانية وصابئية ، ترجمها من العبرانية واليونانية والصابئية ، ويريد بها لغة بني ارم ترجمها ترجمة حرفية كلمة كلمة مع محافظته على المعنى والنسق العربي . ترجمها (لأمير المؤمنين هارون) ، وهو هارون الرشيد . وقد وقف عليها ابن النديم وقرأها ونقل منها، وكانت في كتاب قديم، يظهر انه من خزانة كتب المأمون).
وقال جواد علي: ويظهر ان الشروح والتفاسير التي ذكرها (ابن النديم) ، هي تفاسير لأسفار من التوراة ألفها (سعديا). انظر بحثه (ما عرفه ابن النديم عن اليهودية والنصرانية) المنشور في مجلة المجمع العلمي العراقي ج10 ص164 /1962.
وأهم ترجمة هي ترجمة سعادية بن يوسف (892 ـ942م) (269ـ331ﻫ) عن الأصل العبري وقد كتبت بحروف عبرية (وقد طبعت لأول مرة في باريس سنة 1893 ثم طبعت في أورشليم سنة 1894م–1901م .وأصبحت الترجمة القياسية (Standard) لكل يهود الأقطار الإسلامية وامتد أثرها على الترجمات التي قام بها المسيحيون المصريون فيما بعد وكذلك على ترجمة التوراة السامرية لأبي الحسن في القرن الحادي عشر والثاني عشر للميلاد.
وهناك ترجمة عربية سامرية أخرى من قبل أبي سعيد (أبي البركات) في القرن الثالث عشر. هذا مضافا إلى ترجمة القرائي يافث بن علي عن العبرية في القرن العاشر للميلاد وهي جديرة بالاهتمام.
وفي عام (946م) قام الراهب الاسباني اسحق فالكيز (Isaac Velasques) في قرطبة بترجمة الإنجيل من اللاتينية إلى العربية.
وظهرت الترجمة العربية للعهد القديم والجديد في كتاب موحد في لينينجراد في القرن السادس عشر ، ثم ظهرت كذلك في باريس ولندن ضمن مجموعة متعددة اللغات (Biblia Sacra Polyglotta) في القرن السابع عشر للميلاد في ستة مجلدات وتحتوي على التوراة العبرانية بالخط العبري والسامرية بالخط الفينيقي والترجمة السريانية بالخط السرياني والترجمة العربية بالخط العربي والترجمة اللاتينية المعروفة بالفولجاتا (Vulgata) والترجمة الإغريقية وترجوم انقيلوس مع ترجمة لاتينية للنسخة العربية والسريانية والإغريقية وترجوم انقيلوس.
علق أصحاب الموسوعة البريطانية بعد ان أوردوا ما نقلناه عنها آنفا بما يلي:
(وبشكل عام فان المخطوطات العربية للكتاب المقدس المترجمة عن العبرية والإغريقية والسامرية والسريانية والقبطية واللاتينية تكشف عن اختلافات مربكة ومحيرة وعلى هذا الأساس ليس لها قيمة في البحوث النقدية. برزت عدة ترجمات عربية حديثة من قبل البروتستانت والكاثوليك في القرن التاسع عشر والقرن العشرين للميلاد) .
أقول ولنا عدة ملاحظات على هذا الكلام:
1:ان منشأ الاختلافات بين النسخ العربية لا يعدو ان يكون احد أمور أربعة وقد تجيء مجتمعة وهذه الأمور هي :
الأول: اشتباه الناسخين عن غير عمد.
الثاني: تعمد الناسخين للتغيير.
الثالث: اختلاف فهم المترجمين.
الرابع : اختلاف النسخ المعتمدة في الترجمة.
ومما لا شك فيه ان احتمال الاشتباه غير العمدي اقل من غيره للظروف المحيطة باستنساخ الكتاب المقدس إذ من البعيد جدا ان لا تقابل النسخة بعد استنساخها على الأصل لان المقابلة جارية في الكتاب الاعتيادي فكيف بالكتاب المقدس.
أما عن التغيير العمدي للنص فقد ذكر المتخصصون اللاهوتيون (ان بعض النساخ الأتقياء أقدموا بإدخال تصحيحات لاهوتية على تحسين بعض التعابير التي كانت تبدو لـهم عرضة لتفسير عقائدي خطر) (الكتاب المقدس طبعة دار المشرق بيروت 1989 المقدمة ص 52) وفي ضوء ذلك فان احتمال التغيير المتعمد من الناسخ أكثر قوة.
أما الأمران الأخيران فلا خلاف عليهما بين المتخصصين.
وفي ضوء ذلك تصبح الاختلافات بين النسخ ذات قيمة مهمة جدا في البحوث النقدية خلافا لما ذكرته الموسوعة البريطانية.
2:لم تسلم المخطوطات غير العربية كاللاتينية والإغريقية والآرامية وغيرها من اختلافات مربكة ومحيرة ولكن الموسوعة البريطانية لم تسقط قيمتها العلمية كما فعلت مع المخطوطات العربية.
3:أعطت الموسوعة البريطانية (وهي محقة في ذلك) أهمية خاصة لترجمة سعادية (سعادية أو سعيد بن يوسف الفيومي هو من أهل مصر في الأصل ولد في الفيوم سنة (892م) في اغلب الروايات أو سنة (882م)على رواية ولـهذا نسب إلى الفيوم وقد غادر مصر إلى فلسطين فالعراق فسكن في مدينة (سورا) القريبة من الحلة وكانت من أهم مراكز العلم والثقافة بالنسبة إلى اليهود في ذلك العهد وتولى رئاسة يهود سورا حتى سنة (942م)(331ﻫ) فتوفى فيها ودفن في قبر جعلـه اليهود مزارا يقصدونه من مختلف أنحاء العراق درس العلوم العربية بأنواعها ودرس العبرانية والكتب الدينية اليهودية من توراة تلمود ومشنا وكتب دينية أخرى وتعلم الإغريقية ومعارف اليونان وأحاط بمعارف زمانه من فلسفة ورياضيات وجغرافية وتاريخ وموسيقى وشعر ولغة وهيئة وديانات وانكب على تعلمها حتى برع فيها وحاز على شهرة كبيرة عند بني قومه اليهود وعند المسلمين كذلك. وهاجر إلى فلسطين وأقام أمدا في طبرية مركز العلم والثقافة عند اليهود في ذلك العهد وقد اشتهرت بالعناية بدراسة التلمود والمدراشيم وحديث اليهود باللغة العبرانية وبالمحافظة على التقاليد اليهودية القديمة وبأخذها بظواهر النص ثم ترك طبرية وسار إلى بلاد الشام فالعراق واختار (سورا) (SURA) القريبة من الحلة مكانا لـه وكانت (سورا) مركزا من مراكز العلم لليهود في العراق لا ينافسها في ذلك إلا بومبديثة (Pumbedeta) بجوار الأنبار التي اشتهرت بمدارسها في دراسة التلمود وبعلمائها الذين ذاع صيتهم بين يهود العراق وفلسطين وقد كانت مثل (سورا) من المستوطنات اليهودية القديمة التي سكن فيها اليهود منذ أيام السبي (البابلي) وتمتعت باستقلال في إدارة شؤونها وفق الشرع اليهودي. ولـ(سعديا) مؤلفات عديدة ألفها بالعربية سمى ابن النديم اغلبها ولـه مؤلفات بالعبرانية كذلك ، ومن مؤلفاته ((كتاب التاج)) وهو ترجمة أسفار العهد القديم إلى اللغة العربية (جواد علي في بحثه ما عرفه ابن النديم عن اليهودية والنصرانية مجلة المجمع العلمي العراقي م10/164).
ويضيف يوسف رزق اللـه غنيمة (وهو من يهود العراق) في كتابه (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق) ص114 (طبعة بغداد 1924م) سعديا بن يوسف من مدرسة سورا المعروف بـ(سعديا الفيومي) طبق صيته الخافقين وخلد ذكره على ممر القرون والأجيال وتضاءلت أمامه شهرة أعظم طائفة من المؤلفين اليهود رقي إلى منصب الجاوون في سورا سنة 928 وكان معظم سعيه موجها إلى مناضلة القرائيين ومحاربتهم وقد خلف تَآليف كثيرة نشرت كلـها ورأس تركته العلمية ترجمته العربية للعهد القديم نقلـه عن العبرية.
ومن المعروف أن (جاوون) لفظة عبرية (جاون) تعني: حاخام ، علامة شهير ، عبقري (المعجم الحديث ربحي كمال) وفي معجم قوجمان اللفظة تعني عبقري نابغة مثقف.
وهذا الكتاب والمسمى بـ "الكتاب المقدس" هو أحد أكثر الكتب انتشاراً في العالم, بالعبرية وباقي لغات العالم, رغم اختلافات نسخها وتناقضها وتعددها الكثيرة جداً, فهو مثير للجدل وغامض.
إنه مكتبة خاصة اختيرت لمصلحة واحدة والمكتبات تشيَّد على مدى سنوات طويلة وقرون عدة طويلة وطويلة جداً, إنه نتاج مجموعة كبيرة من مجتمعات "رعاة بدو رحل" وأناس, رجالاً ونساءً, وتفصل بينهم السنوات بل الآلاف من السنوات ابتداءً من أولى كلمات الكتاب العبري إلى آخر الكلمات اليهودية أو السامرية أو الكنسية الرومانية...
لا أوافق الكثير من الأحبار اليهود الذين يعتبرون أن كتابات العهد القديم - التناخ- لا سيما شريعة الله على يدي سيدنا موسى - التوراة وما إلى ذلك - هي مكتملة روحياً لدرجة أنه ما من عقل بشري يستطيع أن يفهم كل ما كتب.
هذا الكتاب يحتوي على سجل جزئي لتاريخ بني إسرائيل رغم التناقضات والأنانية الموجودتين., وما نبحث في ثناياه عن نواقص... قد نجده في التلمود وهو الكتاب المعترف به يهودياً والكتب الربانية والرسائل الكهنوتية... هو ما لا تعترف به جميعاً الكنائس المسيحية النصرانية.
يقوم العهد الجديد على قصة المدعو "يسوع", إلا أن هذا القول حتى, يلفه الغموض , لا نعرف أين كتبت الأناجيل أو متى كتبت , أو من كتبها, هذه الأمور كلها يجب أن نحزرها.
كيف نملك هذه الوثيقة؟
هناك مجموعة من النصوص كتبت مرات في أماكن مختلفة, وأزمان مختلفة بواسطة أشخاص مختلفين بنصوص متباينة فيما بينها, فلماذا جمعت معاً؟ لأننا فيما ندرسها ونفهمها تاريخياً نرى أن مصدرها مجموعات متباينة لا يمكن أن تكون قد اتفقت في ما بينها على أمور متعددة معينة. ولمَ ضمت بعضها إلى بعض إذاً؟
أصحيح أنه من غير الممكن تحديد أصل هذا الكتاب, كما هي الحال لظهور الدين بحد ذاته تاريخياً بادئ ذي بدء؟
رغم قصة سيدنا إبراهيم, عليه السلام, مع نمرود, فهي قصة لا ينوط بها فقط ظهور الدين والإيمان بخالق واحد!
هل هو, إذن, يقِدم أول بحث قام به الجنس البشري عن الخالق؟
هل نحن قادرون على معرفة من نقل إلينا كتَّاب هذه الكتب كلها؟
أيمكن أن تكون المفاتيح الكفيلة بحل هذا اللغز في نصوصه الأقدم التي وصلتنا؟
و لم يصلنا سوى نصوص البحر الميت والنسخة السبعينية التي كتبها اليهود في الإسكندرية وهي لا تكفي بسبب عمر هذا الدين لأكثر من خمسة آلاف سنة, أي ألفي سنة ونيف قبل تاريخ نصوص مغاور البحر الميت!
خاصة أن اللغات تغيرت وحروف اختفت أو تبدلت؟
و مقابل كل اكتشاف يتم وكل جواب يتم التوصل إليه, يطرأ سؤال جديد, سيقوم العلماء الدائمو الاندفاع بالتحري عن لغز هوية كـّتاب هذه "المكتبة"؟
تعليق