بخصوصِ الوَحى فهُناكَ فارِقٌ بينَ أن تقولَ "أرى عدمَ وجوبه" أو تقول "أجزمُ باستحالتِه" فإنَّ العِبارَة الأولى تدعُ مجالا للاحتمالِ بينما العبارَةُ الثانيَة تفيدُ القطعَ اليقينىَّ.
لاحظ يا صديقى أنَّ الوَحى ليسَ سوى "وسيلة"، وسيلة مِن وسائل "التواصُل" بين الخالقِ ومَخلوقاتِه، والوسيلةُ مُرتبطةٌ وتابعةٌ للغايَةٍ.
بمعنى
لو قلتُ لكَ أنَّ غايتى هى السفر للقمر فستُخبرُنى أنَّ الوسيلة المُناسبَة لذلِك هىَ "المَكوك الفضائى".
ولكِنَّ هذهِ الوسيلة - رغم تقدُّمِها وكفاءتِها الشديدة جدا - لا تَصلحُ لى إذا كانت غايتى السفرَ لدولةٍ أخرى، والوسيلةُ المُناسبَةُ لذلِك هىَ "الطائرة".
ورغمَ ذلِك ستجدُنى مجنونا لو قلتُ لكَ أنَّنى أستخدِمُ "الطائرة" للانتقالِ إلى المدينةِ المُجاوِرةِ أو الحىِّ المُجاور !
إذا فوسيلةُ الانتقالِ تتحدَّدُ حسبَ الغايَةِ التى نتوجَّهُ إليها.
وكذلِك وسيلةُ الاتصالِ بينَ الخالِقِ والمَخلوقِ - بل والاتصال ذاته - تتحدَّدُ حسبَ الغايَةِ التى يسعى الخالِقُ لإيصالِها والرسالةِ التى يُريدُ إرسالها.
وأنتَ يقينا لا تعرفُ أبدا هذهِ الغايَة ولا اطلاعَ لكَ على تِلكَ الحِكمَةِ، لا تَعرِفُ ماذا بعدَ الموتِ ولا تَعرِفُ ماذا كان قبلَ الحياةِ، ولا تَعرِفُ لِماذا خلقَ اللهُ الخلقَ ولا ماذا يُريدُ مِنه.
فإذا كنتَ لا تَعرِفُ الغايَة فكيفَ تحكمُ على الوسيلةِ ؟!!
بصراحة أخشى أنَّك لمْ تستفِد شيئا مِن الحِوارِ الذى طالَ بيننا وبينكَ فى هذا المُنتدى، وأرجو أن أكونَ مُخطئا.
شخصيا لم أكُن أنتظِرُ مِنك أن تقطعَ بوجوب حصولِ "الوَحى" لأنَّك كما هوَ واضِحٌ تجهلُ الغاية والحِكمَة .. ولكِنِّى كذلِك لم أكُن أنتظِرُ مِنكَ أن تَقطعَ باستحالتِهِ لذاتِ السبب !
كنتُ أنتظرُ مِنك أن تقولَ أنَّ هذا الأمرَ غيرُ مُستحيلٍ فى العَقلِ وأنَّهُ يُمكِنُ قبولُه إذا كانت لهُ غايَةٌ وحِكمةٌ ساميَةٌ تليقُ بكمالِ اللهِ تعالى وجلالِه !!
أرى أنَّ الفرْصة مازالت سانِحة أمامك لتُعدِّل رأيَك فتختارَ قبولَ الوَحى إذا كانَ لهُ غايةٌ وحِكمةٌ سامِية تليقُ بكمالِ اللهِ وجلاله، وهُنا يُمكننا أن نبدأ مَعكَ فى أدلة صِدْقِ القرآنِ بما فيهِ الغايَة والحِكمةُ اللتانِ يُخبرنا بهما فى مسائلِ الخلقِ والحياةِ والبعثِ !
وَفقكَ اللهُ تعالى وهداكَ.
تعليق