الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،أمّابعد
قال الله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)الروم 41
هذه الآية من جوامع كلم القرآن ، بين الله - سبحانه - فيها أن الشرك والمعاصي سبب لظهور الفساد في الأرض
والفساد : سوء الحال ، وهو ضد الصلاح ، وهو النقص والشر والآلام التي يحدثها الله في الأرض عند معاصي العباد ، فكلما أحدثوا ذنبا أحدث الله لهم عقوبة .
ودل قوله تعالى ( في البر والبحر ) على أنه سوء الأحوال في ما ينتفع به الناس من خيرات الأرض برها وبحرها .
و قوله تعالى ( بما كسبت أيدي الناس ) أي : بسبب معاصيهم وذنوبهم ، ( ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) أي : ليذيقهم عقاب أو جزاء بعض عملهم ، لعلهم يرجعون عما هم فيه من المعاصي ويتوبون إلى الله وينيبوا إلى الحق ، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم .
قال الله تعالى ( ليذيقهم بعض الذي عملوا ) وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ، قال تعالى ( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة )
قال الله تعالى ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) 30 الشورى ، أي : وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم ( فبما كسبت أيديكم ) أي : يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترمتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم ، فلا يعاقبكم بها .
وظهور الفساد فيهما بارتفاع البركات وفساد معايشهم كحبس الله عنهما الغيث ونقصها بنقص الأموال والأنفس والثمرات ، ونزول مصائب وحلول الآفات و الأمراض والأوبئة وغير ذلك ، وحدوث فتن من قطع السبيل والظلم ، وتقلب عدو كافر .
وفساد البر يكون بفقدان منافعه وحدوث مضاره ، مثل القحط وقلة النبات من الزرع والثمار والكلأ ، وذهاب البركة ،وفي موت الحيوان المنتفع به ، وفي حدوث المصائب والبلايا والأمراض .
وفساد البحر يظهر في تعطيل منافعه من قلة الحيتان واللؤلؤ والمرجان ،و الرياح الحائلة عن الأسفار في البحر ، ونضوب مياه الأنهار وانحباس فيضانها الذي به يستقي الناس .
فمن عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض; لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة; ، وإذا ارتكبت المعاصي كان سببا في محق البركات من السماء والأرض ، فمن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء ، والزرع ، والثمار ، والمساكن .
ولهذا إذا نزل عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان فحكم بهذه الشريعة المطهرة ، وإذا أهلك الله الدجال وأتباعه ويأجوج ومأجوج ، قيل للأرض : أخرجي بركاتك . فيأكل من الرمانة الفئام من الناس ، ويستظلون بقحفها ، ويكفي لبن اللقحة الجماعة من الناس . وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير.
ومن الحكم في حصول المصائب والإبتلاءات ، التنبيه والتحذير عن التقصير في بعض الأمور ليتدارك الإنسان ما قصر فيه ، فإن فعل فبها ونعمت، وإلا فإنه يستحق العقاب ، قال تعالى ( فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون . فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) .
والحمدلله رب العالمين
منقول بتصرف من
1- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية
2- التفسير الكبير المسمى البحر المحيط
3- التحرير والتنوير
4- تفسير القرطبي
5- تفسير ابن كثير
6- تفسير الطبري
6- السعدي
7- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ( ابن قيم الجوزية)
8- فوائد الشدائد الإسلام سؤال وجواب
تعليق