آليات التغريب : الغناء نموذجا

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الطلحاوي الإسلام اكتشف المزيد حول الطلحاوي
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 1 (0 أعضاء و 1 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الطلحاوي
    2- عضو مشارك

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 30 مار, 2013
    • 119
    • أستـاذ
    • الإسلام

    آليات التغريب : الغناء نموذجا

    يمثل التغريب في أبعاده المتعددة تحديا صعبا لأنصار التغيير الحقيقي و طلاب النهضة الأصيلة ، كما يمثل في نفس الوقت المحك الصعب في سبيل إعادة مسار الوجود الاجتماعي إلى موقعه الطبيعي بحيث ينسجم مع جذوره الحضاري و محيطه التداولي ، فالأمــر هنا لا يتعلق بمجرد عمليات رياضية تفرز نتـائــج صحيحة بالضرورة من قِِــبَــلِِ أنصار التغيير الأصيل و إنما يتعلق بتحديات تنساب إلى عالم الذهنيات و العقليات و أنماط التفكير و موروثات استقر عليها العقل الغثائي و تحوَّلت مع تعاقب الأجيال إلى معيقات موضوعية و عقبات حادة تقتضي من أجل إدراك طبيعة حلولها وقتا طويلا و نَــفَــساً صبورا حتــى يتم تلغيم العوائد السلبية و أسس تفكير الإنسان المُغرَّب ، يقول سبحانه و تعالــى في كتابه الحكيم ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الرعد 11 . إن هذا الأمــر أصبح يبدو في زمننا المعاصر بديهيا و أكثر جلاءً بالنظر إلــى حجم الاختراقات التي تعرض لها الإنسان المغرَّب و بالنظر إلــى مستوى الشرخ الذي أصاب قاعدته القلبية و العقلية بحيث أنتج لنا التغريب إنسانا آخر في تكوينه العقلي و نظامه التربوي يختلف مطلقا مع الإنسان المطلوب تكوينه فكريا و تربويا و ِرسالياً ، لقد أصاب التغريب العقل و القلب و حوَّلهما إلــى أدوات وضيعة غير فاعلة على مستوى إثبات الذات أودت بنا جميعا إلــى مأزق خطير من التردي الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و أفقدت عقلنا الجمعي مفاعيل الحركة و روح المبادرة كانت نهايتها عـبـثـيـة فاحشة و لامبالاة مقيتة و تكلُّــس سلوكي فاضح ، بكلمة ، أصبحنا كما أخبرنا الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة و السلام بأننا غثاء كغثاء السيل ، ثـــم أماط اللثام عن السبب فجمعها الحبيب بداء الوهن.

    علـــى أن الإنسان المُــغرَّب المعاصر قِـيميّـاً و سلوكياً بــدا يعاني من انفصام حاد في شخصيته ، بين ما ينتمي إلى محيطه الإسلامي الأصيل و بين ما يدين له بالولاء من أفكار تغريبية و قيم خارجة عن سياق تاريخه ، و بــدا كما لو أنه مُــمَــزق في نظامه الوجودي بحيث يستقي أنماط حركته من عالم آخر متحرر من الدِّين و متمرد عن أية قيود أخلاقية في الوقت الذي يجد نفسه أمام نداء ضميره الفِطري و إسلامه الشامل ، ما الذي ينقـــذ هذا الإنسان المُـغرَّب من ازدواجية تفكيره غيرَ العودة إلــى حنينِ دينه و روح إسلامه الحنيف ، ما الذي يدعو إلى التحرر بالدين من كل أشكال الزيف المعرفي و التشوه السلوكي و الغثائية العدمية غــيــرَ هذا الإســلام الانقلابي ، لــقد أضحــى الإنسان المغرَّب أسيرَ نفسه و أسير هــواه لا يدركَ أنه صاحب رسالة في هذا العالم المَــوَّار و أنــه ما خُــلِــقَ لِـيَـتِـيـهَ بين مطالب ذاته و طاعة غيره من المتحررين من الدين ، و بموجب هذا التغريب الذاتي فقدَ الإنسان المسلم معنى وجوده و موقعه في الخريطة ، فقــدَ وظيـفـته في الحياة و تــحوَّل معه الدين إلى طقوس و ترانيم في مراسيم يُستدعى عند الصدمة الأولى لا غير . إنــه لا مناص من نفخ نمط جديد من التفكير في هياكل المغرَّبين و التدرج معهــم في تغيير مرجعية العبث التي سيطرت على قطاع واسع من الناس ، لا بــد من إعادة تشكيل العقل المسلم كما نادى بها عماد الدين خليل في كتابه ( نحو إعادة تشكيل العقل المسلم ).

    ينشط التغريب في الدول المتخلفة و تدعمها الدول المستبدة بكل أشكال الفجور و العبث صرفاً للناس عن سياسات الظلم و القهر الاجتماعي التي تمارسها أنظمة القمع في حق شعوبها ، و تـنـفِـقُ في سبيل ذلك ما لا يُــحصى من الأموال و تستنفر إمكانات بشرية هائلة تحت أشكال متعددة من الذرائع و المسميات مُــغلَّفـة بشعارات تأخذ أبعادا ثقافية أو فنية ظاهرها الرحمة و باطنها الأســى و الألم الغائر، ثــم يتساءل الجميع بعدما يشتـدُّ عود التغريب و يُــحـوِّل الدول إلــى أوراق كرتونية مذعورة : ما الذي جــعل الشعوب خاملة لا تلقي بالا لسياسات حكوماتها الظالمة ؟ ما الذي قـتـلَ في الشباب حب التضحية و البذل ؟ ما الذي جعلَ الجموع البشرية أشتاتا منثورة في البلد الواحد رغم ضنكِ عيشهم و اشتراكهم في تسلط الظلم عليهم ؟ ما الذي قـتـل في المسلمين الغيرة و الإيثار و النهي عن المنكـر ؟ ما الذي حـــوَّلَ النساء في ديار الإسلام إلى بضاعات تُــشترى بأثمان بخسة و يُــعاكسنَ في وضَــحِ النهار و بأقـذر الكلمات ؟ ما الذي أماتَ في المسلمين فرض نصرة إخوانهم في العالم حتى على مستوى التظاهر السلمي ؟ ما الذي مــزَّق أسَرنــا و فــكَّــكَ قيمنا و أفسد مجتمعاتنا بالبلاوى و المنكرات ؟ أســئــلة تطول و تطوف و يأبــى الواحد منا وضع يــده على مكان الجــرح لعلاجه.

    الغـــناء ! كــلمــة أصبح لها وقع خــاص في عيون عشاقها و أصبحت لهول سيطرتها على الناس في مقام شريف ، أصبح الغناء شكل حضاري أدرجوهُ تحت مسمى الفن و قالوا عنه أنه مطلب روحي وجداني ! غدا أسلوبا معاصرا لا يستفز أحــد و لا يثير حنق أحد ، معبودا و تراتيل يندمج فيه الإنسان بالعقل و اللسان ، و مــع تقدم أدوات السماع إلى أجهزة خفيفة محمولة أصبع الغناء ظــلاًّ للإنسان و أنيسا له ، فهذا تجد أذنيه مُــغلَّفَــة بسماعات الغناء أمــد اليوم تسكَّــرت أُذنيهِ بالصوت الصاخب أو الغناء الفاحش و لا اعتبار ، و هذا بأذنيه لصيقة بسماعة الهاتف النقال يستمع علنا و يُســمِعُ غيره شاء أو كــره و لا اعتبار ، و هذا في سيارته بأسطوانة الغناء لا تفارقه لحظة و لا اعتبار ، و انتقل العدوى – عدوى الغناء الفاحش – ليصل ضجيجه داخل أسوار بيوت الله من خلال فتنة الغناء الصاخب لأجهزة الهواتف النقالة ، فما عاد الواحد منا يصلي خاشعا دون سماع أشكال الصخب المتنوعة و لا اعتبار ، مــا الذي فعلــه الغناء الفاحش بعقول أجيالنا إلا أن غــرَّب عقولهم و جفف قلوبهم من أي إحساس بالنشوة الإيمانية ، ثم نسأل ما نصيب و مسؤولية الغناء في التخلف الحضاري و التكلس العقلي للأمة ؟ ما أثــر الغناء في تفكيك قيم المجتمع الإسلامية ؟ .

    و يستمر نزيف التغريب بأداة الغناء حينما يصير بيد الدولــة إلــى مشروع و رهان استراتيجي تُــوظفه في سبيل تفكيك الروابط الاجتماعية و تمزق من خلالها قنوات الصمود و الوحدة داخل المجتمع ، لذلك نجد الدول المنحطة سياسيا القابضة على كراسي الحكــم من أشــد الدول استعمالا لآلية الغناء و أكثرها نفقة على هذا المطلب بالنظر إلــى مصلحتها القاضية بتحويل المجتمع الصلب إلــى كتلة بشرية فاقدة للقيادة المنظمة و فاقدة للأي وعــي بالمسؤولية ، علـــى هــذا الأساس تدفقت سيول ضخمــة من المهرجانات الغنائية الغثائية و السهرات التافهات و ليالي الأمسيات الصاخبة بالمغرب مــثلا و بأموال كان الأولــى أن تُــصرَفَ على اليتامــى المعوزين و المعطلين و ... ، لقــد راقبنا تلك الليالي الصاخبة وسط جمــوع كثيفة من الناس فما وجدنا إلاَّ وضعا غثائيا نخرها الوهن يصير مع تعاقب أنشطة الصخب و التهريج إلــى مجتمع لا يفكر إلا في ذاتــه و هواه بعيدا عن نداء الله و صوت الحق ، نــعم تابعنا ذلك بكل أسى و حزن على ما فرطــنا في رسالة الإسلام و عدل الإسلام و إحسان الإسلام ، فما وجدنا الأزمة إلا فينا نصنعها بأيدينا و نغذيها بأفعالنا الساذجة ، أستغـفر الله فكل شيء إلا بيد الله يجريها على العباد كيف يشاء . وجــد شبابنا الضائع في الغناء متنفسا مُــعلَّــباً لوضعيتهم الصعبة فأرادوا علاج حالات الرتابة و البطالة و البؤس الاجتماعي بضرر أشد فتكا ، لقد تحرك التغريب في شكله الغنائي الغثائي بسرعة رهيبة أُسِـــرَ فيه قطاع واسع من الناس غير قادرين على التحرر من سلطة هذا الأخطبوط الضاري أو التحكم به على الأقل ، فما لــم يُــدرَك الجميع مدى خطورة التغريب الغنائي في بناء الشخصية السوية سيظــلُّ جانبا هاما من أزمــة الواقع مستمرا حتى إشعار آخـــر و لــلــه الأمــر من قبل و من بعــد
  • كمال العليمى
    2- عضو مشارك
    • 8 ينا, 2008
    • 255

    #2
    بارك الله فيك أستاذى الطلحاوى

    مقالة ممتازة جدا
    تشخص بأقتدار أحد أليات التغريب التى جرفت فى طريقها ملايين من المسلمين
    أسئل الله الكريم ان يعفوا عنهم

    و فى انتظار المزيد من المقالات الهادفة بقلمكم البليغ
    جزيتم الجنة



    تعليق

    • الطلحاوي
      2- عضو مشارك

      حارس من حراس العقيدة
      عضو شرف المنتدى
      • 30 مار, 2013
      • 119
      • أستـاذ
      • الإسلام

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة كمال العليمى
      بارك الله فيك أستاذى الطلحاوى

      مقالة ممتازة جدا
      تشخص بأقتدار أحد أليات التغريب التى جرفت فى طريقها ملايين من المسلمين
      أسئل الله الكريم ان يعفوا عنهم

      و فى انتظار المزيد من المقالات الهادفة بقلمكم البليغ
      جزيتم الجنة


      جـزاكَ الله خيرا أخي الكريم علــى كلمـاتك الطيبــة آمين

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ يوم مضى
      ردود 0
      9 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 4 أسابيع
      ردود 7
      24 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 19 يول, 2024, 02:38 ص
      ردود 7
      33 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 19 يول, 2024, 02:11 ص
      ردود 4
      18 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 17 يول, 2024, 03:37 م
      ردود 5
      40 مشاهدات
      0 ردود الفعل
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      يعمل...