في خـطاب اللائكيين أشكال شتــى من المصطلحـات و المفاهــيم التي يوظفهـا العقل اللائكي في عـلاقتـه بالصراع حول طبيعة المشروع التغييري المنشود ، من هـذه المصطلحات مـا أصبــح متداولا بشكل تقليدي والتي اكتسـت هالة من القداسة اللفظية عند أصحـابهـا و صارت منحوتات تحيل مباشـرة إلــى عقل متمرد علـى الإسـلام ،فهـذا العقـل أراد أن يجعــل نفسـهُ علميــا لا يؤمن إلا بالجوانب المحسوسة العقلانية بعيدا عـن الاعتبارات الدينية تأثــرا بالنزعات المادية في العلوم الاجتماعية و الفيزيقية (نظريات أغست كونت بالأساس) ، و أراد أن يندس و يحشر نفسه في مواقف "التنويريين " الرافضين للتدخــل الديني في رسم معالم طريق الحياة ،و لــم يلحـظ قــط الخصوصيات و الأسس البنيوية التي حركـت فكر هؤلاء في الغرب و كيف أنهـم كــانوا يعبرون عــن وضع لحظي أشــادوا أنفسهــم بمفاصلة الإســلام عنه . أقــحم اللائكيون أنفسهــم في سياق ليسوا إلا هوامـش حوله و صاروا يتحدثون كمــا لو أنهم نظراء الفكر "العلماني " الغربي يؤصلون و يجترون و يعيدون نســخ عقلية مادية كانت قد خاصمت رجالا حكموا باسم "الحق الإلهـي " حينا من الدهـر . فاللائكيون يحسبون أنفســهم دعاة عــقل منفتح علـى السنن الاجتماعية الفاعلة و سياسيين يؤمنون بقدرة العقل وحده بصناعة غـد مشرق كمـا هو منقوش في أدبيات اللوحة السياسية الغربية ، و لذلـك يستعمــلون عن قــصد مصطلح " العلمانية " في محاولة مــاكرة لتدليس البضاعـة الكاسدة و التغطــية علـى طبيعـة المجتمـع المنحل الذي يؤطـر هموم "العلماني " في تحليلاته و تنظيراته الآلية ، فبقدر مـا يحرصون علـى جعل أنفسهم رواد فكر متحرر بقدر مـا يخفون فلسفة "العلمانية " الاجتماعية و السياسية كمـا رُسمت في أدبيات الفكر الغربي ( انظر تعريفات معجم اللغة البريطانية، معجم أكسفورد، المعجم الدولي الثالث الجديد، دائرة المعارف البريطانية...)
بعيدا عــن لــغة اللائكيين الجــافة و مــا يطبعـهـا من غرابة و تكلف في تحليل الظواهـر(عزيز العظمة، حامد نصر أبو زيد، محمد أركون، فؤاد زكريا، جلال العظم ، وجيه كوثراني،علي حرب،جورج طرابيشي ،محمودإسماعيل ...) سنحاول رصد بعض المفردات التــي تشيع في أوساطهم و تتبع شكل الحوار الممارس تحت شعارات الحرية الفكرية و الحق في الاختــلاف و سنكتفي برصد أحد المصطلحات المتداولة في متون الكتب اللائكية لنعرضهـا بالتحليل الممكن ، يتعلق الأمـر ب:
حول مصطــلح "الإسلاموية "
يُــفضل العديد من اللائكيين وصف الحركـات الإســلامية ب"الإسلاموية" كنـاية علـى استغلالهم للدين لأغــراض سياسية ،و قــد عرفت اللفظة انـتشارا في الكتب اللائكية حتـى صارت سنة عند طلاب الخصومـة و مفهومـا محبوبا عنـد أغلــب الكتاب المعادين للفكر الإســلامي و المشروع الإسلامي ، فــهم يصرون على اعتبار حملة الإسـلام الحركي حركات ادعائية غرضهـا الســطو على السلطــة و اللعب على العواطف الدينية من أجــل نفي قيم التعددية و ضرب المكتسبات " العلمانية " في مضمـار السياسة و الإدارة و الاقتصاد و الحريات . و الملاحظ أنهـم إذ يصفون الإسلاميين بذلك يضعون أنفسهـم معياريين يحددون على ضوئه مــا ينتمـي للمجال الإسلامي و مــا ينحشـر في ميدان الإدعــاء المكذوب فلم يسائلوا أنفسهـم عن ثقافتهم الهجينة و أفكـارهم المُعلبة و قيمهم المنخورة ، و إنـما نصبوا أنفسهـم "إسلاميين " أحاطوا بما لم يحط به الأولون . مصيبة اللائكيين أنهـم جعلوا شعار " العلمانية مقياس كل شيء، مقياس وجود مـا يوجد و مقياس وجود مـا لا يوجد " فأصدروا صكوك الاتهام مفصلة علـى مقاسهم بشكـل يوحـي كما لو أننــا إزاءعقليات تفتيش لا عقليات تمحيص . للأسف لــم تُــنحت الكلمة الغريبة لتفيد مفهومـا سياقيا يتغيى الاختلاف و التعبير عن الرأي المخالف و إنــمـا صار التوظيف "للمصطلح " يجري في سياق القــدح و الذم ليكشف بذلك مرة أخـرى عـن إحدى تجليات العنف الفكري و الابتزاز السياسي الذي طــبع عقل اللائكي منــذ الغــزوة البونابارتية لمصر. إن الميوعة اللفظية التي تمــيز كتابات اللائكيين من خــلال تحريف المضامين يكشف بجلاء عــن تناقضات داخلية فجة ، فهــم يــطالبون الإسلاميين بالكف عــن نعتهم بالمتغربين العلمانيين في حين يسمحون لأنفسهـم باستعمـال أدوات التجربح اللفظي، و هــم يدّعون امتلاك أساليب الحجاج في النقاش الحر مع المخالفين بعيدا عن تسمم الألفاظ التي تعيق الحوار الجاد في حـين تمتلئ كتبهــم بموجبات الفصام و التنافر ، و هم إذ يقدحـون في مشاريع الإســلاميين و يصفون تياراتها بالإسلاموية يقررون بحزم شرعية منطلقاتهم الفكرية و أساساتهم الإديولوجية باعتبارهـا تفسيرات منسجمة مع التصور الإسلامي ، و الحــال أن كــل ناظر في أدبيات اللائكيين و نظرياتهم المستورَدة لـن يجد عنـاء في وصفهـا بملحقات و هوامش مخلفات الفكر الغربي البائدة بحيث لم تستطـع الانسجام مـع مخزون الأمـة.
يبدو أن مصطلح " الإسلاموية " أصبح محببا لـدى قطاع واسع من اللائكيين ، فجورج طرابيشي يتحدث في كتاب (المعجزة أو سبات العقل ص : 128 الهامش) عن "الايديولوجيا الإسلاموية" في وصف التيارات التي تؤمن بنظرية الإعــجاز البياني للقرآن ، و محمود إسماعيل يفضل استعمــال "الحركات الإسلاموية" بديلا عن الصحوة الإسلامية و الإسلام السياسي في كتابه (الإسلام المعاصر : قراءة في خطابات التأصيل ص :21) ، أمــا خليل عبد الكريم فيتحدث في الفصل الخامس من كتابه (الإسلام بين الدولة الدينية و الدولة المدنية ص:91 ) عن "الإسلامويين و القباب المقدسة " و يصفهم بأنهم هم : " الذين يستظلون بالقباب المقدسة و الذين يتعبدون النصوص و الذين يعتبرون النقل هـو مرجعهم الأول و الأخير، منه يبدأون و إليه ينتهـون و الذين لا تسمع لأحدهم خطبة أو حديثا و لا تقرأ مقالا أو بحثا إلا و تجد أنه قد ملأه ب (قال الله) و (قال الرسول) و (أفتى الصحابي) و (ذكر التابعي)..." ، و يستعمل مصطلح " الإسلاموية في تعقيبه علـى عادل حسين إبان مناظرته الشهيرة مع رفعت السعيد ( انظر كتاب المواجهة حول الاعتدال و التطرف في الإسلام ص : 100 ،101،102،110 ) ، و المفكر اللائكي عزيز العظمة يصف المنادين بالخصوصية و الأصالة بالإسلامويين في كتابه (التراث بين السلطان و التاريخ ص : 52 ) ، كمـا نجد برهان غليون في حواره مـع سليم العوا في كتاب ( النظام السياسي في الإسلام ) المنشور في سلسلة "حوارات لقرن جديد" يستعمل "الإسلاموية " في حق التيارات التي تؤمن بتداخل السياسة بالإسلام ...
من الســهل جدا اللعب بالكلمات في مواضيع عامة تستهدف قلب المضامين و تحوير القضايا الأم التي تـحتـاج إلـى صراحـة فكرية و صدق مع الذات ، من السـهل القيام بتصنيفـات وهمية عبر الألـفاظ الخادعة الموحية بالتجديد في الفكر فلن تفيد البتة الكلمات المؤدلجة في حجب حقيقــة الصراع و ستظـل الحقيقة ناصعة عــند طلاب الحقيقة . و الغريب أن العديد من اللائكيين يتخبطون في كتاباتهم فتحس بسيل جارف من الألفاظ الاستهلاكية في وصفهـم للتيارات التداولية في الكتاب الواحد ، يتحدثون عـن إسلام سياسي و أصولي و إسلاموية ومتأسلمين كما لو أن الأمــر يتعلق بفوضى في المضامين القصد منـها التشويه النظري لخطاب الإسلاميين و اجتهاداتهـم في قضايا السياسة و الاقتصاد و الاجتمـاع . عندمــا لا تــجد إجمــاعا لدى هؤلاء علـى اختيار الكلمة المناسبة في التعاطي مع الإسلاميين فــهذا يعنــي أن اللائكيين في حـاجة إلـى مراجعات جدية لنقد المخالفين . فلمـاذا يصـرون علـى استخدام " الإسلاموية " إذن ؟ ربمـا يسعـى البعض من خــلال إضافة الواو إلـى خدع مفضوحـة تستهدف جــر الإسلامي لساحة حرب المصطلحات فيبادر بدوره إلـى فعل الشيء نفسه " للعلماني" فلا يجد حرجا بوصفه بالعلمانوي بشكل يُــسقطهُ ضمنيا في فخ الاعتراف بشرعية العلمانية حيث ينسحب المعنى علـى طائفة تدعي الفكر العلماني و ليس على العلماني ذاته ، فــخ تنبــهَ إليهِ الإسلاميون فجعلوا اللائكية سلة واحدة لا تختلف إلا في درجات العداء للدين عامـة . كمـا أن قطاعا واسعا من المراهقين الشباب المتأثرين بالاتجاهات اليسارية العنيفة و الحركات الليبرالية الغربية و الأمازيغية النخبوية لا تنطلق في مسعاها لنقد الإسلاميين إلا من خـلال الانطباعات التي تشكلت إبـان حقب زمنية خاصـة فصارت إســارا شديدا يحكـم منطق الألفـاظ و يوجهها ، و لا تــكاد تعثرعند هؤلاء اعتبارات وجيهة معقولة تبرر اختيار " الإسلاموية " إلا من قبيل محاكمة النوايا في وقت تتجلـى عندهم مخاصمـة حتى التدين/الشعبي في أشـكال لا تُــحصى . لنتجاوز إذن سجالات ولدت في معضمـها في سياق الاحتراب الجامعي و ننـفذ لـعمق القضيـة فنسأل : إذا كــانت هنـاك "حركات إسلاموية" فالمنطق يقتضي الحديث عن الحركات الإسلامية بأدب يسمـح باعتبارهـا مكونـا أساسيا في معادلة المشروع النهضوي لا أن تُــضرب حركـات باسم الإسلاموية ثـم يقال "ليس في القنافذ أملس" ، إذا تقرر عند اللائكيين نعت الآخرين الحاملين لمشروع يستمـد أسسه من الإسلام ذاته فـهذا يفرض علينـا التساؤل عن المعيار المعتمـد في ذلك ، أتكون الأخطـاء المرتكبة تاريخيا من طرف بعض أطرافهـا معيارا لإصدار أحكام الإدانة اللفظية أم طبيعة الأفــكار المؤسسة لهذا التنظيم أو ذاك ؟ إذا كــان اللائكي أصــلا لا يؤمـن بفرعية السياسة عن أصل الأسلام فلا تزيد عنده أكثر من كونها – تعريفا - أخلاط مصالح يــخطط لها العقل "المجرد" لا "العقل المسدد" فلماذا اغتصب لنفسه حق إطلاق إسم " الحركة الإسلاموية " ، فلو كـان هـذا العقل يعترف بنسقية الإسلام في تدبير الجمـاعة البشرية لأمــكن لـه من باب النقد البناء أن يتحدث عـن المدَّعين "الإسلامويين" و لجاز لــهُ كشف أساليب الإحتيال بناء علـى أدلة إسلامية تستنطق الشواهد القرآنية و المأثورات النبوية و الكم الهائل من التراث السياسي التاريخي ، أمــا و أنّ هـذا العقل يتحرك من خارج الإســلام تنظيرا وتأصيلا فإن الأمـر يتعلق هنــا بنقد لا معنـى له .
لــكن ، دعونـا نـرى في معادلة الصراع الفكري مَــن يــدَّعـي الإسلامية فنصفه بالإسلاموي و مَــن هــو صادق في تبني مقاربة الطرح الإسلامي فنثبت له الصفة ،في اعتقادي لـن يــجــد أي باحث عنـاء الجزم بغرابة تصور اللائكيين للتغيير المــطلوب عـن الوجهة الإسلامية ، فــهم يطرحـون بضاعـة مزجاة تـلتـقـط الغث و السمين و لا يبالون إطــلاقـا بمدى ملاءمتها للشرع الحنيف بــل منهــم مــن يــعلنهـا حربا علـى قيم الإسلام فكيف يمكن لعاقل أن يثق بهم في اتهامهـم للإسلاميين بالادعائية و الاستغلالية ؟ هــل حينمـا يصف اللائكي اليساري مخالفيه بالإسلامويين يحسب نفسـه مدافعـا عن الدين حقيقة ؟ أي بلادة يمكن أن تصيب القارئ و هــو يرصد نظرياتهم الخارجة عن أصول الإسلام و فروعه ؟ اللائكي يشعــر في قــرارة ذاته بمدى انفصامه السحيق عـن المجال التداولي الإسلامي و لذلك تــراهُ يُــسارعُ لدفع تهمـة العداء لذات الإسلام ، تـراهُ يصرخ بصورة كاريكاتورية : كلنـا إسلاميون ! تـماما كمــا فعل كبير الماركسيين فؤاد زكريا إبــان المناظرة الشهيرة عــام 1413/1992 بينــه و بين المفكر الإسلامي محمد عمــارة تحت عنــوان ( أزمــة العقل العربي ) حيث أعــاد الأسطوانـة الخادعــة لتدليس المشروع المعادي للدين ، أسطوانة أننا جميعا إسلاميون ، فالعبــارة عنده لا تتــجاوز كـون المسلم تــربى في ظــل الإسلام و لا يــودُّ أن يــفهــم من الإسلامية مشروعـا للنهوض و الإقلاع التنمــوي يستــوعب مجالات الحــياة كلهــا و طبقات المسلمين كــلهم ...فأي عقـل يمكن أن نثق به ؟ عقل مسكون بنزعـة استبعادية للدين -جزئيا أو كليا- أم عقــل تداولي و إن أخطأ في مقاربة أسلوب التغيير فلا يصل لحد اتهامه بالادعائية ؟ .
بعيدا عــن لــغة اللائكيين الجــافة و مــا يطبعـهـا من غرابة و تكلف في تحليل الظواهـر(عزيز العظمة، حامد نصر أبو زيد، محمد أركون، فؤاد زكريا، جلال العظم ، وجيه كوثراني،علي حرب،جورج طرابيشي ،محمودإسماعيل ...) سنحاول رصد بعض المفردات التــي تشيع في أوساطهم و تتبع شكل الحوار الممارس تحت شعارات الحرية الفكرية و الحق في الاختــلاف و سنكتفي برصد أحد المصطلحات المتداولة في متون الكتب اللائكية لنعرضهـا بالتحليل الممكن ، يتعلق الأمـر ب:
حول مصطــلح "الإسلاموية "
يُــفضل العديد من اللائكيين وصف الحركـات الإســلامية ب"الإسلاموية" كنـاية علـى استغلالهم للدين لأغــراض سياسية ،و قــد عرفت اللفظة انـتشارا في الكتب اللائكية حتـى صارت سنة عند طلاب الخصومـة و مفهومـا محبوبا عنـد أغلــب الكتاب المعادين للفكر الإســلامي و المشروع الإسلامي ، فــهم يصرون على اعتبار حملة الإسـلام الحركي حركات ادعائية غرضهـا الســطو على السلطــة و اللعب على العواطف الدينية من أجــل نفي قيم التعددية و ضرب المكتسبات " العلمانية " في مضمـار السياسة و الإدارة و الاقتصاد و الحريات . و الملاحظ أنهـم إذ يصفون الإسلاميين بذلك يضعون أنفسهـم معياريين يحددون على ضوئه مــا ينتمـي للمجال الإسلامي و مــا ينحشـر في ميدان الإدعــاء المكذوب فلم يسائلوا أنفسهـم عن ثقافتهم الهجينة و أفكـارهم المُعلبة و قيمهم المنخورة ، و إنـما نصبوا أنفسهـم "إسلاميين " أحاطوا بما لم يحط به الأولون . مصيبة اللائكيين أنهـم جعلوا شعار " العلمانية مقياس كل شيء، مقياس وجود مـا يوجد و مقياس وجود مـا لا يوجد " فأصدروا صكوك الاتهام مفصلة علـى مقاسهم بشكـل يوحـي كما لو أننــا إزاءعقليات تفتيش لا عقليات تمحيص . للأسف لــم تُــنحت الكلمة الغريبة لتفيد مفهومـا سياقيا يتغيى الاختلاف و التعبير عن الرأي المخالف و إنــمـا صار التوظيف "للمصطلح " يجري في سياق القــدح و الذم ليكشف بذلك مرة أخـرى عـن إحدى تجليات العنف الفكري و الابتزاز السياسي الذي طــبع عقل اللائكي منــذ الغــزوة البونابارتية لمصر. إن الميوعة اللفظية التي تمــيز كتابات اللائكيين من خــلال تحريف المضامين يكشف بجلاء عــن تناقضات داخلية فجة ، فهــم يــطالبون الإسلاميين بالكف عــن نعتهم بالمتغربين العلمانيين في حين يسمحون لأنفسهـم باستعمـال أدوات التجربح اللفظي، و هــم يدّعون امتلاك أساليب الحجاج في النقاش الحر مع المخالفين بعيدا عن تسمم الألفاظ التي تعيق الحوار الجاد في حـين تمتلئ كتبهــم بموجبات الفصام و التنافر ، و هم إذ يقدحـون في مشاريع الإســلاميين و يصفون تياراتها بالإسلاموية يقررون بحزم شرعية منطلقاتهم الفكرية و أساساتهم الإديولوجية باعتبارهـا تفسيرات منسجمة مع التصور الإسلامي ، و الحــال أن كــل ناظر في أدبيات اللائكيين و نظرياتهم المستورَدة لـن يجد عنـاء في وصفهـا بملحقات و هوامش مخلفات الفكر الغربي البائدة بحيث لم تستطـع الانسجام مـع مخزون الأمـة.
يبدو أن مصطلح " الإسلاموية " أصبح محببا لـدى قطاع واسع من اللائكيين ، فجورج طرابيشي يتحدث في كتاب (المعجزة أو سبات العقل ص : 128 الهامش) عن "الايديولوجيا الإسلاموية" في وصف التيارات التي تؤمن بنظرية الإعــجاز البياني للقرآن ، و محمود إسماعيل يفضل استعمــال "الحركات الإسلاموية" بديلا عن الصحوة الإسلامية و الإسلام السياسي في كتابه (الإسلام المعاصر : قراءة في خطابات التأصيل ص :21) ، أمــا خليل عبد الكريم فيتحدث في الفصل الخامس من كتابه (الإسلام بين الدولة الدينية و الدولة المدنية ص:91 ) عن "الإسلامويين و القباب المقدسة " و يصفهم بأنهم هم : " الذين يستظلون بالقباب المقدسة و الذين يتعبدون النصوص و الذين يعتبرون النقل هـو مرجعهم الأول و الأخير، منه يبدأون و إليه ينتهـون و الذين لا تسمع لأحدهم خطبة أو حديثا و لا تقرأ مقالا أو بحثا إلا و تجد أنه قد ملأه ب (قال الله) و (قال الرسول) و (أفتى الصحابي) و (ذكر التابعي)..." ، و يستعمل مصطلح " الإسلاموية في تعقيبه علـى عادل حسين إبان مناظرته الشهيرة مع رفعت السعيد ( انظر كتاب المواجهة حول الاعتدال و التطرف في الإسلام ص : 100 ،101،102،110 ) ، و المفكر اللائكي عزيز العظمة يصف المنادين بالخصوصية و الأصالة بالإسلامويين في كتابه (التراث بين السلطان و التاريخ ص : 52 ) ، كمـا نجد برهان غليون في حواره مـع سليم العوا في كتاب ( النظام السياسي في الإسلام ) المنشور في سلسلة "حوارات لقرن جديد" يستعمل "الإسلاموية " في حق التيارات التي تؤمن بتداخل السياسة بالإسلام ...
من الســهل جدا اللعب بالكلمات في مواضيع عامة تستهدف قلب المضامين و تحوير القضايا الأم التي تـحتـاج إلـى صراحـة فكرية و صدق مع الذات ، من السـهل القيام بتصنيفـات وهمية عبر الألـفاظ الخادعة الموحية بالتجديد في الفكر فلن تفيد البتة الكلمات المؤدلجة في حجب حقيقــة الصراع و ستظـل الحقيقة ناصعة عــند طلاب الحقيقة . و الغريب أن العديد من اللائكيين يتخبطون في كتاباتهم فتحس بسيل جارف من الألفاظ الاستهلاكية في وصفهـم للتيارات التداولية في الكتاب الواحد ، يتحدثون عـن إسلام سياسي و أصولي و إسلاموية ومتأسلمين كما لو أن الأمــر يتعلق بفوضى في المضامين القصد منـها التشويه النظري لخطاب الإسلاميين و اجتهاداتهـم في قضايا السياسة و الاقتصاد و الاجتمـاع . عندمــا لا تــجد إجمــاعا لدى هؤلاء علـى اختيار الكلمة المناسبة في التعاطي مع الإسلاميين فــهذا يعنــي أن اللائكيين في حـاجة إلـى مراجعات جدية لنقد المخالفين . فلمـاذا يصـرون علـى استخدام " الإسلاموية " إذن ؟ ربمـا يسعـى البعض من خــلال إضافة الواو إلـى خدع مفضوحـة تستهدف جــر الإسلامي لساحة حرب المصطلحات فيبادر بدوره إلـى فعل الشيء نفسه " للعلماني" فلا يجد حرجا بوصفه بالعلمانوي بشكل يُــسقطهُ ضمنيا في فخ الاعتراف بشرعية العلمانية حيث ينسحب المعنى علـى طائفة تدعي الفكر العلماني و ليس على العلماني ذاته ، فــخ تنبــهَ إليهِ الإسلاميون فجعلوا اللائكية سلة واحدة لا تختلف إلا في درجات العداء للدين عامـة . كمـا أن قطاعا واسعا من المراهقين الشباب المتأثرين بالاتجاهات اليسارية العنيفة و الحركات الليبرالية الغربية و الأمازيغية النخبوية لا تنطلق في مسعاها لنقد الإسلاميين إلا من خـلال الانطباعات التي تشكلت إبـان حقب زمنية خاصـة فصارت إســارا شديدا يحكـم منطق الألفـاظ و يوجهها ، و لا تــكاد تعثرعند هؤلاء اعتبارات وجيهة معقولة تبرر اختيار " الإسلاموية " إلا من قبيل محاكمة النوايا في وقت تتجلـى عندهم مخاصمـة حتى التدين/الشعبي في أشـكال لا تُــحصى . لنتجاوز إذن سجالات ولدت في معضمـها في سياق الاحتراب الجامعي و ننـفذ لـعمق القضيـة فنسأل : إذا كــانت هنـاك "حركات إسلاموية" فالمنطق يقتضي الحديث عن الحركات الإسلامية بأدب يسمـح باعتبارهـا مكونـا أساسيا في معادلة المشروع النهضوي لا أن تُــضرب حركـات باسم الإسلاموية ثـم يقال "ليس في القنافذ أملس" ، إذا تقرر عند اللائكيين نعت الآخرين الحاملين لمشروع يستمـد أسسه من الإسلام ذاته فـهذا يفرض علينـا التساؤل عن المعيار المعتمـد في ذلك ، أتكون الأخطـاء المرتكبة تاريخيا من طرف بعض أطرافهـا معيارا لإصدار أحكام الإدانة اللفظية أم طبيعة الأفــكار المؤسسة لهذا التنظيم أو ذاك ؟ إذا كــان اللائكي أصــلا لا يؤمـن بفرعية السياسة عن أصل الأسلام فلا تزيد عنده أكثر من كونها – تعريفا - أخلاط مصالح يــخطط لها العقل "المجرد" لا "العقل المسدد" فلماذا اغتصب لنفسه حق إطلاق إسم " الحركة الإسلاموية " ، فلو كـان هـذا العقل يعترف بنسقية الإسلام في تدبير الجمـاعة البشرية لأمــكن لـه من باب النقد البناء أن يتحدث عـن المدَّعين "الإسلامويين" و لجاز لــهُ كشف أساليب الإحتيال بناء علـى أدلة إسلامية تستنطق الشواهد القرآنية و المأثورات النبوية و الكم الهائل من التراث السياسي التاريخي ، أمــا و أنّ هـذا العقل يتحرك من خارج الإســلام تنظيرا وتأصيلا فإن الأمـر يتعلق هنــا بنقد لا معنـى له .
لــكن ، دعونـا نـرى في معادلة الصراع الفكري مَــن يــدَّعـي الإسلامية فنصفه بالإسلاموي و مَــن هــو صادق في تبني مقاربة الطرح الإسلامي فنثبت له الصفة ،في اعتقادي لـن يــجــد أي باحث عنـاء الجزم بغرابة تصور اللائكيين للتغيير المــطلوب عـن الوجهة الإسلامية ، فــهم يطرحـون بضاعـة مزجاة تـلتـقـط الغث و السمين و لا يبالون إطــلاقـا بمدى ملاءمتها للشرع الحنيف بــل منهــم مــن يــعلنهـا حربا علـى قيم الإسلام فكيف يمكن لعاقل أن يثق بهم في اتهامهـم للإسلاميين بالادعائية و الاستغلالية ؟ هــل حينمـا يصف اللائكي اليساري مخالفيه بالإسلامويين يحسب نفسـه مدافعـا عن الدين حقيقة ؟ أي بلادة يمكن أن تصيب القارئ و هــو يرصد نظرياتهم الخارجة عن أصول الإسلام و فروعه ؟ اللائكي يشعــر في قــرارة ذاته بمدى انفصامه السحيق عـن المجال التداولي الإسلامي و لذلك تــراهُ يُــسارعُ لدفع تهمـة العداء لذات الإسلام ، تـراهُ يصرخ بصورة كاريكاتورية : كلنـا إسلاميون ! تـماما كمــا فعل كبير الماركسيين فؤاد زكريا إبــان المناظرة الشهيرة عــام 1413/1992 بينــه و بين المفكر الإسلامي محمد عمــارة تحت عنــوان ( أزمــة العقل العربي ) حيث أعــاد الأسطوانـة الخادعــة لتدليس المشروع المعادي للدين ، أسطوانة أننا جميعا إسلاميون ، فالعبــارة عنده لا تتــجاوز كـون المسلم تــربى في ظــل الإسلام و لا يــودُّ أن يــفهــم من الإسلامية مشروعـا للنهوض و الإقلاع التنمــوي يستــوعب مجالات الحــياة كلهــا و طبقات المسلمين كــلهم ...فأي عقـل يمكن أن نثق به ؟ عقل مسكون بنزعـة استبعادية للدين -جزئيا أو كليا- أم عقــل تداولي و إن أخطأ في مقاربة أسلوب التغيير فلا يصل لحد اتهامه بالادعائية ؟ .