بسم الله الرحمن الرحيم
بينما يعتقد المسيحيون اليوم بأن بولس هو أعظم رسول، كان المسيحيون الأوائل في شد ورد حول هذه الشخصية، فقد كانت هناك جماعتين رئيسيين من المسيحيين في القرن الأول الميلادي، وهم: المسيحيون الأمميون (وهم مسيحيوا أوروبا) والمسيحيون المتهودون(مسيحيوا أورشليم وما حولها). وبينما كان يعظم الأوربيون بولس كان الأورشليميون يرفضونه، وكل فريق يستخدم في ذلك زعمه بأن تلامذة المسيح كانوا على نفس رأيه، ولنتأكد من ذلك علينا أن نتفحص التاريخ.
هناك مصدران عن علاقة بولس بتلامذة المسيح، فلدينا سفر أعمال الرسل التي هي من كتابة لوقا (وهو أتى في جيل بولس أو بعده) ومقابلها لدينا رسائل بولس نفسه، وحينما نتساءل كيف كانت علاقة بولس بتلامذة المسيح وكيف ومتى تقابل معهم في البداية؟ نجد جواباً متناقضا من كلا المصدرين.
فكلنا يعلم بأن بولس كما يرويه سفر الأعمال، أول ما تحول إلى المسيحية كان في طريقه إلى دمشق، وبالتالي كانت أيامه الأولى مع المسيحية في مدينة دمشق، ويذكر سفر أعمال الرسل بأن بولس ذهب مباشرة من دمشق إلى أورشليم والتصق وتصاحب مع تلامذة المسيح وهو الذي كان معروفا لأنه كان يضطهد المسيحيين؛ وإليك نص سفر الأعمال:
Act 9:22 وأما شاول فكان يزداد قوة ويحير اليهود الساكنين في دمشق محققا «أن هذا هو المسيح».
Act 9:23 ولما تمت أيام كثيرة تشاور اليهود ليقتلوه
Act 9:24 فعلم شاول بمكيدتهم. وكانوا يراقبون الأبواب أيضا نهارا وليلا ليقتلوه.
Act 9:25 فأخذه التلاميذ ليلا وأنزلوه من السور مدلين إياه في سل.
Act 9:26 ولما جاء شاول إلى أورشليم حاول أن يلتصق بالتلاميذ وكان الجميع يخافونه غير مصدقين أنه تلميذ.
Act 9:27 فأخذه برنابا وأحضره إلى الرسل وحدثهم كيف أبصر الرب في الطريق وأنه كلمه وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع.
Act 9:28 فكان معهم يدخل ويخرج في أورشليم ويجاهر باسم الرب يسوع.
هذه النصوص السابقة التي خطها لوقا في أعمال الرسل تجعل من المرء متفاجأ حينما يعلم بأن بولس نفسه في رسائله سجل قصة أخرى مختلفة، فهو لم يهرب من دمشق مباشرة إلى أورشليم، وإنما ذهب إلى العربية أولا لمدة ثلاثة سنين، وتناقض ثان هو أنه لم يلتقِ بكل التلامذة وإنما التقى باثنان منهم فقط! ولم يلتق ببقية التلامذة إلا بعد أكثر من 18 سنة حينما دخل إلى أورشليم في زيارة ثانية؛ وإليك اعتراف بولس نفسه من رسائله:
Gal 1:16 أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم، للوقت لم أستشر لحما ودما
Gal 1:17 ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي، بل انطلقت إلى العربية، ثم رجعت أيضا إلى دمشق.
Gal 1:18 ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس، فمكثت عنده خمسة عشر يوما.
Gal 1:19 ولكنني لم أر غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب.
Gal 1:20 والذي أكتب به إليكم هوذا قدام الله أني لست أكذب فيه.
Gal 2:1 ثم بعد أربع عشرة سنة صعدت أيضا إلى أورشليم مع برنابا، آخذا معي تيطس أيضا.
فهل تعرف بولس على التلامذة لأول مرة وهم خائفون منه في أول خروج من دمشق أم أنه أخذ سنيناً طويلة بعد عدة خروجات ليتقابل معهم؟
هذه التناقضات تبرز لنا بأن كاتب سفر الأعمال لم ينقل الأحداث بدقة وإنما كان يحاول تقوية مكانة بولس بين المسيحيين الأوائل حتى ولو بكلام متناقض مع بولس نفسه، فلم يكن لوقا أو أيا كان المؤلف الحقيقي مدركاً لأن تصبح رسائل بولس مقدسة وتجمع مع سفره الذي لم يظنه أيضا أن يصبح مقدساً في يوم من الأيام.
وهذا يبين بأن سفر الأعمال ربما وقع في أخطاء كثيرة حينما يحاول تمجيد بولس، وهكذا فلا بد لنا إذن أن نرجع إلى رسائل بولس لنتعرف على طبيعة العلاقات بينه وبين التلامذة، ففي نفس الرسالة التي قرأناها وهي الرسالة إلى أهل غلاطية، نجد بأن بولس يصرّح بوقوع مشكلة بينه وبين تلامذة المسيح، بل اتهمهم بأنهم مزيفون منافقون، وأنه هو الحقيقي لأنه لم يستلم تعاليمه على يد دم وجسد كما عمله تلامذة المسيح وإنما استلمها بالروح! إليك ما يقول:
Gal 1:16 أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم، للوقت لم أستشر لحما ودما
Gal 2:11 ولكن لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة، لأنه كان ملوما.
Gal 2:12 لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم، ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه، خائفا من الذين هم من الختان.
Gal 2:13 وراءى معه باقي اليهود أيضا، حتى إن برنابا أيضا انقاد إلى ريائهم!
Gal 2:14 لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل، قلت لبطرس قدام الجميع: «إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميا لا يهوديا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا؟»
Gal 1:6 إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر.
إذن بولس هنا يزعم بأن الحواريين لم يتبعوا الإنجيل الحق وأنهم منافقون، وأنه على عكسهم هو المؤمن الذي لم يستشر لحماً ولا دماً، وسوف نأتي بأن سبب اتهام بولس للتلامذة بأنهم منافقون هو أنه يزعم بأنهم اتفقوا معه اتفاقا سريا بينه وبينهم ولم يعلم بهذا الاتفاق أحد وهو أن يبشر هو بمعتقده الجديد المختلف عن التلامذة وأن يبشروا هم بإنجيل آخر مختلف، وسبب هذا الزعم كما يظهر بأن التلامذة في الحقيقة كانوا ضده ومعارضين له، فما وجد بولس إلا أن يدّعي أنهم اتفقوا معه في السر!!
على العموم قبل ذلك أريد أن ترى كيف امتاز بولس بالتناقض مع نفسه، فبولس كما هو معروف نادى بعدم اتباع شريعة موسى (والتي منها الختان طبعا) كما هو معلوم في جميع رسائله، ومع ذلك فقد كان بولس حينما يقابل اليهود أو المسيحيون في أورشليم (وهم أتباع التلامذة) كان يزعم بأنه التزم بتقاليد الآباء ولم ينكرها (والتي منها شريعة موسى والالتزام بالختان!)؛ يقول بولس:
Act 28:17 وبعد ثلاثة أيام استدعى بولس الذين كانوا وجوه اليهود. فلما اجتمعوا قال لهم: «أيها الرجال الإخوة مع أني لم أفعل شيئا ضد الشعب أو عوائد الآباء أسلمت مقيدا من أورشليم إلى أيدي الرومان
بل وبالفعل فعل تمثيلية باتفاق مع أصحابه أن يمثل على المسيحيين المتهودين بأنه يتبع ناموس موسى! إليك النص:
Act 21:20 وقالوا له [أي لبولس]: «أنت ترى أيها الأخ كم يوجد ربوة من اليهود الذين آمنوا وهم جميعا غيورون للناموس.
Act 21:21 وقد أخبروا عنك أنك تعلم جميع اليهود الذين بين الأمم الارتداد عن موسى قائلا أن لا يختنوا أولادهم ولا يسلكوا حسب العوائد.
Act 21:22 فإذا ماذا يكون؟ لا بد على كل حال أن يجتمع الجمهور لأنهم سيسمعون أنك قد جئت.
Act 21:23 فافعل هذا الذي نقول لك: عندنا أربعة رجال عليهم نذر.
Act 21:24 خذ هؤلاء وتطهر معهم وأنفق عليهم ليحلقوا رؤوسهم فيعلم الجميع أن ليس شيء مما أخبروا عنك بل تسلك أنت أيضا حافظا للناموس.
والمصيبة الكبرى أنه لم يحتج بولس فقط ليكذب ويمثل فقط بل اعترف بما يفعله اعترافا صريحا في رسالة كورنثوس الأولى حيث قال:
1Co 9:20 فصرت لليهود كيهودي لأربح اليهود وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس
1Co 9:21 وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس - مع أني لست بلا ناموس لله بل تحت ناموس للمسيح - لأربح الذين بلا ناموس.
إذن الرجل يتعامل مثل الأفعى، ويتفاخر بذكائه هذا وحنكته في تلبيس الأمور، ومع ذلك فخداعه لم ينطو على مسيحيي أورشليم المتهودين فأوسعوه ضربا!
Act 21:26 حينئذ أخذ بولس الرجال في الغد وتطهر معهم ودخل الهيكل مخبرا بكمال أيام التطهير إلى أن يقرب عن كل واحد منهم القربان.
Act 21:27 ولما قاربت الأيام السبعة أن تتم رآه اليهود الذين من أسيا في الهيكل فأهاجوا كل الجمع وألقوا عليه الأياديAct 21:28 صارخين: «يا أيها الرجال الإسرائيليون أعينوا! هذا هو الرجل الذي يعلم الجميع في كل مكان ضدا للشعب والناموس وهذا الموضع حتى أدخل يونانيين أيضا إلى الهيكل ودنس هذا الموضع المقدس».
ولذلك حينما بعث التلامذة الرسائل لأتباع بولس بأنه كذاب ودجال (وهو ما يظهر من رسالة بولس إلى أهل غلاطية) حاول بولس أن يبرر نفسه بأنه لم يستلم تعليمه من بشر على عكسهم، وأن هؤلاء التلامذة الأعمدة المعتبرين منافقون، فحاول اتهامهم بأنهم منافقون بزعمه أنهم هم الذين أيدوه في السر على منهجه ولكن أمام أتباعهم من مسيحيي أورشليم ينكرون ذلك! وهذا الكلام يتجلى في قول بولس:
Gal 2:2 وإنما صعدت بموجب إعلان، وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم، ولكن بالانفراد على المعتبرين، لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلا.
Gal 2:8 فإن الذي عمل في بطرس لرسالة الختان عمل في أيضا للأمم.
Gal 2:9 فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا، المعتبرون أنهم أعمدة، أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم وأما هم فللختان.
Gal 2:4 ولكن بسبب الإخوة الكذبة المدخلين خفية، الذين دخلوا اختلاسا ليتجسسوا حريتنا التي لنا في المسيح كي يستعبدونا -
Gal 2:11 ولكن لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة، لأنه كان ملوما.
Gal 2:12 لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم، ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه، خائفا من الذين هم من الختان.
Gal 2:13 وراءى معه باقي اليهود أيضا، حتى إن برنابا أيضا انقاد إلى ريائهم!
Gal 2:14 لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل، قلت لبطرس قدام الجميع: «إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميا لا يهوديا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا؟»
Gal 1:6 إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر.
بجمع هذه النصوص وتقريبها نجد بأن بولس يزعم بأن للتلامذة إنجيل أي دعوة بينما له إنجيل آخر، وأن إنجيل التلامذة يقتضي التهود واتباع الشريعة والحياة الموسوية بينما إنجيل بولس يقتضي ترك كل ذلك والإيمان بالفداء والصلب على الطريقة الوثنية التي أتى منها بولس (حيث أتى هو من طرسوس إحدى مراكز الفلسفات الوثنية)، وبالتالي هما إنجيلان نقيضان، وزعم بأن التلامذة اتفقوا معه سراً بأن يبشر هو بإنجيله بينما هم يستمرون بإنجيلهم، ولكنهم مع ذلك أمام الناس ينكرون هذه الاتفاقية وينافقون أمام الناس متنكرين لإنجيل بولس! هذا بولس المشهور بالكذب يريد أن يقنع الناس بأنه معه حق لأن التلامذة اتفقوا معه سراً على ذلك!!!
بينما يعتقد المسيحيون اليوم بأن بولس هو أعظم رسول، كان المسيحيون الأوائل في شد ورد حول هذه الشخصية، فقد كانت هناك جماعتين رئيسيين من المسيحيين في القرن الأول الميلادي، وهم: المسيحيون الأمميون (وهم مسيحيوا أوروبا) والمسيحيون المتهودون(مسيحيوا أورشليم وما حولها). وبينما كان يعظم الأوربيون بولس كان الأورشليميون يرفضونه، وكل فريق يستخدم في ذلك زعمه بأن تلامذة المسيح كانوا على نفس رأيه، ولنتأكد من ذلك علينا أن نتفحص التاريخ.
هناك مصدران عن علاقة بولس بتلامذة المسيح، فلدينا سفر أعمال الرسل التي هي من كتابة لوقا (وهو أتى في جيل بولس أو بعده) ومقابلها لدينا رسائل بولس نفسه، وحينما نتساءل كيف كانت علاقة بولس بتلامذة المسيح وكيف ومتى تقابل معهم في البداية؟ نجد جواباً متناقضا من كلا المصدرين.
فكلنا يعلم بأن بولس كما يرويه سفر الأعمال، أول ما تحول إلى المسيحية كان في طريقه إلى دمشق، وبالتالي كانت أيامه الأولى مع المسيحية في مدينة دمشق، ويذكر سفر أعمال الرسل بأن بولس ذهب مباشرة من دمشق إلى أورشليم والتصق وتصاحب مع تلامذة المسيح وهو الذي كان معروفا لأنه كان يضطهد المسيحيين؛ وإليك نص سفر الأعمال:
Act 9:22 وأما شاول فكان يزداد قوة ويحير اليهود الساكنين في دمشق محققا «أن هذا هو المسيح».
Act 9:23 ولما تمت أيام كثيرة تشاور اليهود ليقتلوه
Act 9:24 فعلم شاول بمكيدتهم. وكانوا يراقبون الأبواب أيضا نهارا وليلا ليقتلوه.
Act 9:25 فأخذه التلاميذ ليلا وأنزلوه من السور مدلين إياه في سل.
Act 9:26 ولما جاء شاول إلى أورشليم حاول أن يلتصق بالتلاميذ وكان الجميع يخافونه غير مصدقين أنه تلميذ.
Act 9:27 فأخذه برنابا وأحضره إلى الرسل وحدثهم كيف أبصر الرب في الطريق وأنه كلمه وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع.
Act 9:28 فكان معهم يدخل ويخرج في أورشليم ويجاهر باسم الرب يسوع.
هذه النصوص السابقة التي خطها لوقا في أعمال الرسل تجعل من المرء متفاجأ حينما يعلم بأن بولس نفسه في رسائله سجل قصة أخرى مختلفة، فهو لم يهرب من دمشق مباشرة إلى أورشليم، وإنما ذهب إلى العربية أولا لمدة ثلاثة سنين، وتناقض ثان هو أنه لم يلتقِ بكل التلامذة وإنما التقى باثنان منهم فقط! ولم يلتق ببقية التلامذة إلا بعد أكثر من 18 سنة حينما دخل إلى أورشليم في زيارة ثانية؛ وإليك اعتراف بولس نفسه من رسائله:
Gal 1:16 أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم، للوقت لم أستشر لحما ودما
Gal 1:17 ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي، بل انطلقت إلى العربية، ثم رجعت أيضا إلى دمشق.
Gal 1:18 ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس، فمكثت عنده خمسة عشر يوما.
Gal 1:19 ولكنني لم أر غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب.
Gal 1:20 والذي أكتب به إليكم هوذا قدام الله أني لست أكذب فيه.
Gal 2:1 ثم بعد أربع عشرة سنة صعدت أيضا إلى أورشليم مع برنابا، آخذا معي تيطس أيضا.
فهل تعرف بولس على التلامذة لأول مرة وهم خائفون منه في أول خروج من دمشق أم أنه أخذ سنيناً طويلة بعد عدة خروجات ليتقابل معهم؟
هذه التناقضات تبرز لنا بأن كاتب سفر الأعمال لم ينقل الأحداث بدقة وإنما كان يحاول تقوية مكانة بولس بين المسيحيين الأوائل حتى ولو بكلام متناقض مع بولس نفسه، فلم يكن لوقا أو أيا كان المؤلف الحقيقي مدركاً لأن تصبح رسائل بولس مقدسة وتجمع مع سفره الذي لم يظنه أيضا أن يصبح مقدساً في يوم من الأيام.
وهذا يبين بأن سفر الأعمال ربما وقع في أخطاء كثيرة حينما يحاول تمجيد بولس، وهكذا فلا بد لنا إذن أن نرجع إلى رسائل بولس لنتعرف على طبيعة العلاقات بينه وبين التلامذة، ففي نفس الرسالة التي قرأناها وهي الرسالة إلى أهل غلاطية، نجد بأن بولس يصرّح بوقوع مشكلة بينه وبين تلامذة المسيح، بل اتهمهم بأنهم مزيفون منافقون، وأنه هو الحقيقي لأنه لم يستلم تعاليمه على يد دم وجسد كما عمله تلامذة المسيح وإنما استلمها بالروح! إليك ما يقول:
Gal 1:16 أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم، للوقت لم أستشر لحما ودما
Gal 2:11 ولكن لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة، لأنه كان ملوما.
Gal 2:12 لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم، ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه، خائفا من الذين هم من الختان.
Gal 2:13 وراءى معه باقي اليهود أيضا، حتى إن برنابا أيضا انقاد إلى ريائهم!
Gal 2:14 لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل، قلت لبطرس قدام الجميع: «إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميا لا يهوديا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا؟»
Gal 1:6 إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر.
إذن بولس هنا يزعم بأن الحواريين لم يتبعوا الإنجيل الحق وأنهم منافقون، وأنه على عكسهم هو المؤمن الذي لم يستشر لحماً ولا دماً، وسوف نأتي بأن سبب اتهام بولس للتلامذة بأنهم منافقون هو أنه يزعم بأنهم اتفقوا معه اتفاقا سريا بينه وبينهم ولم يعلم بهذا الاتفاق أحد وهو أن يبشر هو بمعتقده الجديد المختلف عن التلامذة وأن يبشروا هم بإنجيل آخر مختلف، وسبب هذا الزعم كما يظهر بأن التلامذة في الحقيقة كانوا ضده ومعارضين له، فما وجد بولس إلا أن يدّعي أنهم اتفقوا معه في السر!!
على العموم قبل ذلك أريد أن ترى كيف امتاز بولس بالتناقض مع نفسه، فبولس كما هو معروف نادى بعدم اتباع شريعة موسى (والتي منها الختان طبعا) كما هو معلوم في جميع رسائله، ومع ذلك فقد كان بولس حينما يقابل اليهود أو المسيحيون في أورشليم (وهم أتباع التلامذة) كان يزعم بأنه التزم بتقاليد الآباء ولم ينكرها (والتي منها شريعة موسى والالتزام بالختان!)؛ يقول بولس:
Act 28:17 وبعد ثلاثة أيام استدعى بولس الذين كانوا وجوه اليهود. فلما اجتمعوا قال لهم: «أيها الرجال الإخوة مع أني لم أفعل شيئا ضد الشعب أو عوائد الآباء أسلمت مقيدا من أورشليم إلى أيدي الرومان
بل وبالفعل فعل تمثيلية باتفاق مع أصحابه أن يمثل على المسيحيين المتهودين بأنه يتبع ناموس موسى! إليك النص:
Act 21:20 وقالوا له [أي لبولس]: «أنت ترى أيها الأخ كم يوجد ربوة من اليهود الذين آمنوا وهم جميعا غيورون للناموس.
Act 21:21 وقد أخبروا عنك أنك تعلم جميع اليهود الذين بين الأمم الارتداد عن موسى قائلا أن لا يختنوا أولادهم ولا يسلكوا حسب العوائد.
Act 21:22 فإذا ماذا يكون؟ لا بد على كل حال أن يجتمع الجمهور لأنهم سيسمعون أنك قد جئت.
Act 21:23 فافعل هذا الذي نقول لك: عندنا أربعة رجال عليهم نذر.
Act 21:24 خذ هؤلاء وتطهر معهم وأنفق عليهم ليحلقوا رؤوسهم فيعلم الجميع أن ليس شيء مما أخبروا عنك بل تسلك أنت أيضا حافظا للناموس.
والمصيبة الكبرى أنه لم يحتج بولس فقط ليكذب ويمثل فقط بل اعترف بما يفعله اعترافا صريحا في رسالة كورنثوس الأولى حيث قال:
1Co 9:20 فصرت لليهود كيهودي لأربح اليهود وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس
1Co 9:21 وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس - مع أني لست بلا ناموس لله بل تحت ناموس للمسيح - لأربح الذين بلا ناموس.
إذن الرجل يتعامل مثل الأفعى، ويتفاخر بذكائه هذا وحنكته في تلبيس الأمور، ومع ذلك فخداعه لم ينطو على مسيحيي أورشليم المتهودين فأوسعوه ضربا!
Act 21:26 حينئذ أخذ بولس الرجال في الغد وتطهر معهم ودخل الهيكل مخبرا بكمال أيام التطهير إلى أن يقرب عن كل واحد منهم القربان.
Act 21:27 ولما قاربت الأيام السبعة أن تتم رآه اليهود الذين من أسيا في الهيكل فأهاجوا كل الجمع وألقوا عليه الأياديAct 21:28 صارخين: «يا أيها الرجال الإسرائيليون أعينوا! هذا هو الرجل الذي يعلم الجميع في كل مكان ضدا للشعب والناموس وهذا الموضع حتى أدخل يونانيين أيضا إلى الهيكل ودنس هذا الموضع المقدس».
ولذلك حينما بعث التلامذة الرسائل لأتباع بولس بأنه كذاب ودجال (وهو ما يظهر من رسالة بولس إلى أهل غلاطية) حاول بولس أن يبرر نفسه بأنه لم يستلم تعليمه من بشر على عكسهم، وأن هؤلاء التلامذة الأعمدة المعتبرين منافقون، فحاول اتهامهم بأنهم منافقون بزعمه أنهم هم الذين أيدوه في السر على منهجه ولكن أمام أتباعهم من مسيحيي أورشليم ينكرون ذلك! وهذا الكلام يتجلى في قول بولس:
Gal 2:2 وإنما صعدت بموجب إعلان، وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم، ولكن بالانفراد على المعتبرين، لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلا.
Gal 2:8 فإن الذي عمل في بطرس لرسالة الختان عمل في أيضا للأمم.
Gal 2:9 فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا، المعتبرون أنهم أعمدة، أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم وأما هم فللختان.
Gal 2:4 ولكن بسبب الإخوة الكذبة المدخلين خفية، الذين دخلوا اختلاسا ليتجسسوا حريتنا التي لنا في المسيح كي يستعبدونا -
Gal 2:11 ولكن لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة، لأنه كان ملوما.
Gal 2:12 لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم، ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه، خائفا من الذين هم من الختان.
Gal 2:13 وراءى معه باقي اليهود أيضا، حتى إن برنابا أيضا انقاد إلى ريائهم!
Gal 2:14 لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل، قلت لبطرس قدام الجميع: «إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميا لا يهوديا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا؟»
Gal 1:6 إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر.
بجمع هذه النصوص وتقريبها نجد بأن بولس يزعم بأن للتلامذة إنجيل أي دعوة بينما له إنجيل آخر، وأن إنجيل التلامذة يقتضي التهود واتباع الشريعة والحياة الموسوية بينما إنجيل بولس يقتضي ترك كل ذلك والإيمان بالفداء والصلب على الطريقة الوثنية التي أتى منها بولس (حيث أتى هو من طرسوس إحدى مراكز الفلسفات الوثنية)، وبالتالي هما إنجيلان نقيضان، وزعم بأن التلامذة اتفقوا معه سراً بأن يبشر هو بإنجيله بينما هم يستمرون بإنجيلهم، ولكنهم مع ذلك أمام الناس ينكرون هذه الاتفاقية وينافقون أمام الناس متنكرين لإنجيل بولس! هذا بولس المشهور بالكذب يريد أن يقنع الناس بأنه معه حق لأن التلامذة اتفقوا معه سراً على ذلك!!!
تعليق