عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطبُّ، ثمَّ آمرُ بالصلاة فيؤذن لها، ثمَّ آمرُ رجلاً فيؤم النّاس، ثمَّ أخالف إِلى رجال فأحرِّق عليهم بيوتهم" أخرجه البخاري ومسلم .
ولو جاز تداركُها في جماعة أخرى؛ لما كان لتحريق النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معنى.
وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- "أنّ رسول الله أقبَل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجَد الناس قد صلَّوا، فمال إِلى منزله، فجمع أهله فصلّى بهم" أخرجه الطبراني في "الأوسط"، وحسنّه شيخنا"الألباني" في "تمام المنّة"
ومما جاء في "إِعلام العابد بحكم تكرار الجماعة في المسجد الواحد" للشيخ مشهور حسن :
ووجه الدلالة منه: أنّه لو كانت الجماعة الثانية جائزة بلا كراهه؛ لما ترَك النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضل المسجد النبوي
قال شيخنا -حفظه الله- " الألباني" في "تمام المنّة" (ص 156):
"وأحسن ما وقفْتُ عليه من كلام الأئمّة في هذه المسألة هو كلام الإِمام الشافعي -رضي الله عنه- ولا بأس مِن نقْله مع شيء من الاختصار، ولو طال به التعليق، نظراً لأهميته، وغفلة أكثر الناس عنه، قال -رضي الله عنه- في "الأم" (1/ 136): "وإِنْ كان لرجلٍ مسجد يجمع فيه، ففاتته الصلاة، فإِنْ أتى مسجد جماعة غيره كان أحبّ إِليّ، وإِنْ لم يأته وصلّى في مسجده منفرداً، فحسن، وإذا كان للمسجد إِمامٌ راتب، ففاتت رجلاً أو رجالاً فيه الصلاة، صلّوا فرادى، ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة، فإِن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه، وإِنما كرهت ذلك لهم لأنّه ليس مما فعل السلف قبلنا، بل قد عابه بعضهم، وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إِنما كان لتفرقة الكلمة، وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إِمام الجماعة، فيتخلّف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة، فإِذا قُضيت دخلوا فجمّعوا، فيكون بهذا اختلاف وتفرُّق الكلمة، وفيهما المكروه، وإِنما أكره هذا في كلّ مسجد له إِمام ومؤذن، فأمّا مسجد بُني على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذّن راتب، ولا يكون له إِمام راتب ويصلّي فيه المارّة، ويستظلّون، فلا أكره ذلك، لأنّه ليس فيه المعنى الذي وصفتُ مِن تفرُّق الكلمة، وأن يرغب رجالٌ عن إِمامة رجل فيتخذون إِماماً غيره، قال: وإنّما معني أن أقول: صلاة الرجل لا تجوز وحده وهو يقدر على الجماعة بحال تفضيل النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الجماعة على صلاة المنفرد، ولم يقل: لا تجزي المنفرد صلاته، وأنَّا قد حفظنا أن قد فاتت رجالاً معه الصلاة، فصلّوا بعلمه منفردين، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا، وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوماً فجاؤوا المسجد فصلّى كل واحد منفرداً، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد، فصلّى كل واحد منهم منفرداً، وإِنما كرهوا لئلا يجمعوا في مسجد مرتين".
وما علقه الشافعي عن الصحابة قد جاء موصولاً عن الحسن البصري قال: "كان أصحاب محمّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا دخلوا المسجد وقد صُلِّي فيه صلَّوا فرادى".
رواه ابن أبي شيبة (2/ 223). وقال أبو حنيفة: "لا يجوز إِعادة الجماعة في مسجد له إِمام راتب". ونحوه في "المدوّنة" عن الإِمام مالك.
وبالجملة؛ فالجمهور على كراهة إِعادة الجماعة في المسجد بالشرط السابق، وهو الحقّ، ولا يعارض هذا الحديث المشهور: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلّي معه"، وسيأتي في الكتاب (ص 277)، فإِنّ غاية ما فيه حضُّ الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحد الذين كانوا صلّوا معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجماعة الأولى أن يصلّي وراءه تطوعاً، فهي صلاة متنفِّل وراء مفترض، وبحْثُنا إِنما هو في صلاة مفترض وراء المفترض، فاتتهم الجماعة الأولى، ولا يجوز قياس هذه على تلك لأنه قياس مع الفارق من وجوه:
الأول: أن الصورة الأولى المختلف فيها لم تنقل عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا إِذناً ولا تقريراً مع وجود المقتضى في عهده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما أفادته رواية الحسن البصري.
الثاني: أن هذه الصورة تؤدي إِلى تفريق الجماعة الأولى المشروعة، لأن الناس إِذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة يستعجلون فتكثر الجماعة، وإذا علموا أنها لا تفوتهم، يتأخّرون، فتقلّ الجماعة، وتقليل الجماعة مكروه، وليس شيء من هذا المحذور في الصورة التي أقرّها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فثبت الفرق، فلا يجوز الاستدلال بالحديث على خلاف المتقرر من هديه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". انتهى.
وقد فصّل أخي الشيخ مشهور حسن -حفظه الله- المسألة تفصيلاً دقيقاً في كتابه النفيس السابق الذّكر فارجع إِليه- إن شئت-.
من كتاب : الموسوعه الفقهيه الميسره في فقه الكتاب والسنه المطهّره
للشيخ : حسين بن عودة العوايشة
مع بعض التصرف
ولو جاز تداركُها في جماعة أخرى؛ لما كان لتحريق النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معنى.
وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- "أنّ رسول الله أقبَل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجَد الناس قد صلَّوا، فمال إِلى منزله، فجمع أهله فصلّى بهم" أخرجه الطبراني في "الأوسط"، وحسنّه شيخنا"الألباني" في "تمام المنّة"
ومما جاء في "إِعلام العابد بحكم تكرار الجماعة في المسجد الواحد" للشيخ مشهور حسن :
ووجه الدلالة منه: أنّه لو كانت الجماعة الثانية جائزة بلا كراهه؛ لما ترَك النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضل المسجد النبوي
قال شيخنا -حفظه الله- " الألباني" في "تمام المنّة" (ص 156):
"وأحسن ما وقفْتُ عليه من كلام الأئمّة في هذه المسألة هو كلام الإِمام الشافعي -رضي الله عنه- ولا بأس مِن نقْله مع شيء من الاختصار، ولو طال به التعليق، نظراً لأهميته، وغفلة أكثر الناس عنه، قال -رضي الله عنه- في "الأم" (1/ 136): "وإِنْ كان لرجلٍ مسجد يجمع فيه، ففاتته الصلاة، فإِنْ أتى مسجد جماعة غيره كان أحبّ إِليّ، وإِنْ لم يأته وصلّى في مسجده منفرداً، فحسن، وإذا كان للمسجد إِمامٌ راتب، ففاتت رجلاً أو رجالاً فيه الصلاة، صلّوا فرادى، ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة، فإِن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه، وإِنما كرهت ذلك لهم لأنّه ليس مما فعل السلف قبلنا، بل قد عابه بعضهم، وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إِنما كان لتفرقة الكلمة، وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إِمام الجماعة، فيتخلّف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة، فإِذا قُضيت دخلوا فجمّعوا، فيكون بهذا اختلاف وتفرُّق الكلمة، وفيهما المكروه، وإِنما أكره هذا في كلّ مسجد له إِمام ومؤذن، فأمّا مسجد بُني على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذّن راتب، ولا يكون له إِمام راتب ويصلّي فيه المارّة، ويستظلّون، فلا أكره ذلك، لأنّه ليس فيه المعنى الذي وصفتُ مِن تفرُّق الكلمة، وأن يرغب رجالٌ عن إِمامة رجل فيتخذون إِماماً غيره، قال: وإنّما معني أن أقول: صلاة الرجل لا تجوز وحده وهو يقدر على الجماعة بحال تفضيل النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الجماعة على صلاة المنفرد، ولم يقل: لا تجزي المنفرد صلاته، وأنَّا قد حفظنا أن قد فاتت رجالاً معه الصلاة، فصلّوا بعلمه منفردين، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا، وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوماً فجاؤوا المسجد فصلّى كل واحد منفرداً، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد، فصلّى كل واحد منهم منفرداً، وإِنما كرهوا لئلا يجمعوا في مسجد مرتين".
وما علقه الشافعي عن الصحابة قد جاء موصولاً عن الحسن البصري قال: "كان أصحاب محمّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا دخلوا المسجد وقد صُلِّي فيه صلَّوا فرادى".
رواه ابن أبي شيبة (2/ 223). وقال أبو حنيفة: "لا يجوز إِعادة الجماعة في مسجد له إِمام راتب". ونحوه في "المدوّنة" عن الإِمام مالك.
وبالجملة؛ فالجمهور على كراهة إِعادة الجماعة في المسجد بالشرط السابق، وهو الحقّ، ولا يعارض هذا الحديث المشهور: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلّي معه"، وسيأتي في الكتاب (ص 277)، فإِنّ غاية ما فيه حضُّ الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحد الذين كانوا صلّوا معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجماعة الأولى أن يصلّي وراءه تطوعاً، فهي صلاة متنفِّل وراء مفترض، وبحْثُنا إِنما هو في صلاة مفترض وراء المفترض، فاتتهم الجماعة الأولى، ولا يجوز قياس هذه على تلك لأنه قياس مع الفارق من وجوه:
الأول: أن الصورة الأولى المختلف فيها لم تنقل عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا إِذناً ولا تقريراً مع وجود المقتضى في عهده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما أفادته رواية الحسن البصري.
الثاني: أن هذه الصورة تؤدي إِلى تفريق الجماعة الأولى المشروعة، لأن الناس إِذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة يستعجلون فتكثر الجماعة، وإذا علموا أنها لا تفوتهم، يتأخّرون، فتقلّ الجماعة، وتقليل الجماعة مكروه، وليس شيء من هذا المحذور في الصورة التي أقرّها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فثبت الفرق، فلا يجوز الاستدلال بالحديث على خلاف المتقرر من هديه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". انتهى.
وقد فصّل أخي الشيخ مشهور حسن -حفظه الله- المسألة تفصيلاً دقيقاً في كتابه النفيس السابق الذّكر فارجع إِليه- إن شئت-.
من كتاب : الموسوعه الفقهيه الميسره في فقه الكتاب والسنه المطهّره
للشيخ : حسين بن عودة العوايشة
مع بعض التصرف
تعليق