الدعوه بالتسويق ركيزة ايمانية في مواجهة استبلاء العلمانية
كتبه : مصطفى الاشقر
[email protected]
" ... إندهش ... إسترجل ... إتجنن ... صاحبته ... خليك أسد ... "
هكذا يبدأ الإسفاف لترويج منتجات اختلفت شركاتها واتحدت في الطريقة المخلة والإسفاف الذي تعرضه ليحدث ذلك خروجاً عن قيم ومعتقدات وأخلاق شعب شرقي عربي مسلم تسير به نحو السفاهة ليقتدي بالغرب في طرق التسويق والترويج و الدعاية و الإعلان والتنازل في ذلك عن قيَمُنا، والتغافل عن ريادتنا لعلم التسويق ابتداءاً من كتاب ربنا جل وعلا .
وقد يظن "علمانيو هذا الزمان وسوادهم"ممن يسيطرون على عالم الإعلام والدعاية أن علم التسويق بما يكتنفه من الترويج والدعاية والإعلان هو علم غربي خالص ولذلك لا حرج عندهم ولا مانع لديهم من نقل التجربة الغربية التسويقية بكل ما تحويه من العهر و الاستهزاء والمجون والغزو النفسي والفكري لطبيعة الانسان المسلم وفطرته، لتُحوِلهُ إلى نمط الغرب الذي يتسم بالعلمانية الصرف فكراً وثقافةً وأسلوباً ومظهراً حتى يصل به الحال إلى معتقد الغرب ليبرالياً وعلمانياً بحرية مُدعاة تصل بالمسلم الوراثي إلى تحقيق أركان الجاهلية في الواقع من تبرجٍ سافرٍ، وحميةٍ غوغاءٍ، وظنٍ باطلٍ بالله ، وحاكميةٍ لغير الخالق جلَّ وعلا ...
بيد أن الحقيقة شيئٌ آخر :
فهذا العلم " علم التسويق " بما يحويه من دعوة إلى فكرة أو منتج ( بالترويج و الدعاية والإعلان ثم التنفيذ ) هو ركن ركين من أركان الدعوة الى الله تعالى التي هي وظيفة الأنبياء و الرسل ومهمتهم ومهمة أتباعهم إلى يوم الدين ..و من يحمل هم هذا الدين لابد له من تسخير كل ما يتاح له من وسائل الدنيا من علوم إنسانية وطبيعية وتطبيقية واجتماعية .. ليستخدمها في تحقيق غايته ، وهيتعبيد الناس لرب الناس الذي خلقهم وفطرهم على منهجه القرآني في تسيير معايشهم وصولاً إلى الانتقال للحياة الحقيقية في جنة الخلد وهذا هو التسويق " الدعوة " لدينه و شرعة.
ولقد فطر الرب سبحانه وتعالى الناس على سننه الكونية القدَرية وشرَّع لهم السنن الكونية الشرعية وجعل استجابة الناس لهذه السنن لتحقيق واقع التكامل والتوافق بينهما هو كمال تمام الفطرة بعناصرها الثلاثة " الكون والانسان والمنهج " كما جاء في كتاب " قَدَرُ الدعوة " للعلامه "رفاعي سرور" عليه رحمة الله ، ولذلك كان الأمرُ الرباني للنبي صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة هو :
"يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ * فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ" ( المدثر )
وهوأمر رباني صريح في دعوة الناس :
بإنذارهم ترهيباً .وتعظيم الرب إجلالاً .واستحسان المظهر تشريفاً .والترفع عن النقائص نزاهةً .والثبات على الصبر قوةً ويقيناً .
و تحذيراً من أمر الآخرة .ونهاية وقت الامتحان وبداية المحاسبة والجزاء .
وما سبق كله هو من أساليب " التسويق للدعوة للاستجابة لها " ؛ وهذا النص الرباني هو كمال التسويق بالدعوة ترهيباً وترغيباً وتحذيراً وتعظيماً وتنزيهاً لَلداعي إلى الله وتثبيتاً له على مهمته، ولم يكن هذا الأمر للنبي خاصة بل هي دعوة و منهج جميع الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم.... ولذلك سنجد أن نبي الله " نوح " عليه السلام هو من تحققت له جميع وسائل الدعوه وطرق بيانها لذلك عندما ذكر الله تعالى تجربة نوح عليه السلام وفتنته في قومه في سورة العنكبوت والتي تدعى بسورة " الابتلاء او الفتنة " ومن منظوري أنا فأرى أنها نموذج كامل " للمجاهدة ":
قال جل و علا : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى? قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) لأنه ظل يجاهد فيهم بالدعوة طيلة هذا العمر .
و بما أن دعوة الرسل واحدة الى الله الواحد الأحد المتفرد ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً بالألوهية والربوبية حيث قال جل و علا : "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُواالدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ " (الشورى)
وسنجد بغيتنا مع نبي الله نوح عليه السلام حيث أنه ضرب مثالاً رائعاً في التسويق بشتى الطرق لدعوته ودينه والوحي المنزل عليه من ربه - إن جاز لنا ذلك - فنجده تارة يحذر قومه من الغفلةِ عن عظمةِ الله كما قال رب العزّة على لسانه:"مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا "
ثم راح يذكرهم بفضل الله جل وعلا عليهم في الإيجاد اصلا مع الحكمة في التدرج بقوله : " وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا" .... وذلك بعد أن ذكر لهم محاسن الرجوع الى الفطرة بالاستغفار ومنافعها ومكاسبها أي التوبة من الشرك الى الإيمان والتوحيد لله بالعبودية قائلا :" فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا " ( نوح ) .
وذلك بعد أن أسَرّلهم بدعوته ثم جهر بها وأعلن إعلاناً ودعاهم ليلاً ونهاراً قائلاً كما حكى القرآن عنه : "قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا "( سورة نوح ) وقد بين نوح عليه السلام لقومه قدرة الله وعظمته في خلقه واستدل بالآيات الكونية على ذلك والاء الله عليهم في الارض وهذه هي قمة الدعوة بالدعاية والإعلان والمناظرة بالحجة الداحضة وقد فند عليه السلام المزيج التسويقي إلى (( تعظيم ومنافع و آيات ودلالات وآلاء )) للمدعو إليه وهو الله سبحانه تعالى .
*** التسويق بمنطق البلاء ... السياسة الإبليسية ***
أما اليوم فإننا حتمًا سنجد الإسفاف في الدعاية والإعلان هي وسيلة لقطاء العلمانية المنتسبين للإسلام زوراً وبهتاناً بينما قلوبهم تجحد الإسلام حقًداً وحسداً وعدواناً وهم من تربوا في أحضان الغرب الفاجر يروجون للفحش والجنون والهزيمة النفسية عند الرجال وخدش الحياء في البيوت من خلال تنفيذ خطة الغرب العلماني القائمة على الإغارة على قيم مجتمعنا المسلم وأخلاقه في النواحي الفكرية والثقافية والإعلامية في بيوت المؤمنين حتى أصبح التليفزيون وبقية عائلة "الملتي ميديا" مصيبة للبيت المسلم لا يستطيع أن يدفع ما به من بلاء إلا بالمنع عنه نهائياً رغم ما قد نجده من خير في القنوات الاجتماعية والإسلامية .
• فنجد إعلان بسكويت " فريسكا " مثلاً غير مبني على الاندهاش برقص القرود فقط وإنّما يحتمل معاني أخرى سياسية كما يحمل معاني هزلية فكيف يشبه الانسان الذي قال الله تعالى فيه : " لقدْ خلَقنا الإنسانَ في أحْسَنِ تقويمٍ " وهو الكائن المكرم من خالق الارض والسماوات بالقرد الذي جعله الله مسخ المغضوب عليهم غير استعمال أنثى القردكراقصة لترويج الرقص على أنه مدعاة للاندهاش.
• وإعلان شيكولاته " جالاكسي " دعوة إلى الفحش والزنا باتخاذ الأخدان " كل راجل عزم صاحبته على العشا وقسم في الحساب " والصاحبة في واقعنا اليوم هو مسمى جديد للأخدان من دون زواج كما في لغة الشباب .
• و إعلان مشروب " بيريل " الذي يخرج عن قيم المجتمع المسلم وأخلاقه ابتداءاً بدعوى الرجولة والفحولة في مشروب كحولي ، والرجولة في كتاب الله لم تقرن إلا بالخوف من الله والحرص على عهده سبحانه ، وإقامة الصلاة وذكر الله على كل حال .
• أما إعلان مشروب " كوكاكولا " فهو مصيبة إذ مبتغاه الدعوة إلى إخراج العمل الصالح من مسماه وهو إدخال السرور على المسلمين إلى أنه جنون رغم أنه افضل الأعمال عند الله جل وعلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن ، تقضي عنه دينًا ، تقضي له حاجة ، تنفس له كربة " .
• وإعلان أحد أدوية الفحولة والذكورة " خليك أسد " بالعلبة الذهبية بعد ان كان أصحاب الصيدليات يستحيون من بيعها علناً ؟؟!! فكيف وقد حوّل الإعلام الرجل إلىبطة وخروف إذا كان تمامه كلام فقط .. فالحقيقة أن مثل هذا الإعلان دعوة للتمرد من النساء على قوة الرجل في ممارسته لعلاقته الزوجية .
*** اعتراض خبراء التسويق ***
سألتُ الدكتورة "هدى صلاح"أستاذ التسويق بالأكاديمية العربية للعلوم المالية والنقل البحري قائلا : ما رأيك يا دكتورة في هذه الإعلانات " السالف ذكرها " فأجابت : أن دور الإعلان هو الترويج والتسويق وهذه الكلمات غير لائقة وتعتبر إهانه لقيم الشعب المصري وكانت هناك بدائل تسويقية أفضل و أقنع للمستهلك فمثلاً لو استخدم المسوق في إعلان بيريل أنه مشروب صحي وبديل للدواء ويعالج عدّة مشاكل لكان أوقع ولكن مدير التسويق فشل في الإعلان واستخدم الإسفاف في الوصول إلى هزال الناس .
أما الدكتور ايهاب مسلم خبير التسويق فكان رأيه : " "
" البلاء موكول بالمنطق " هذا ما ورد عن ابوبكر الصديق رضي الله عنه .
فإن سياسة الجاهلية الإعلامية في إيقاع المسلمين في منطق البلاء هي سياسة إبليس على وجه الحدود في إخراج أبينا آدم عليه السلام من الجنة بإدخاله في حرب المصطلحات والمسميات عندما غرر به في الطعام من شجرة الخلد وأنّى لبشر أن يُخلّد ؟؟!!
ولكنه بلاء المصطلحات والأسماء وحرب الألفاظ ..... لقد استطاع إبليس – وهو يملك رصيد التجربة البشرية - أن يعود بالجاهلية للواقع من خلال مصطلح العلمانية بأركانها السالف ذكرها .
• ولقد جاء في صحيح البخاري: أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دخل على أعرابيٌّ يعوده، قال: ( لا بأس، طهور إن شاء الله ) .
فقال الأعرابي: طهور؟!!! كلا، بل هي حمى تفور، أو تثور، على شيخ كبير، تزيره القبور.
فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( فنعم إذا) .
مات الرجل لانه نطق بالبلاء ( بل حمى تفور ... تزيره القبور   ولم يلتمس الطهور من الذنب بالمرض الذي هو من قدَر الله ابتداءاً والذي قدّرهُ الله كفارة .
• كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " عَجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلَّا المؤمنُ " .
• ولقد جاء عن إبراهيم النَخعي أنه قال : " إني لأجد نفسي تحدثني بالشيء فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى بمثله ".
• وانشد ابن بهلول : " لاتنطقن بما كرهت فربما ... عبث اللسان بحادث فيكون" .
*** مدافعة واقع بلاء التسويق ركيزة ايمانية ***
لابد ان يتحرك المدافعون المخلصون من أبناء الدعوة في مدافعة هؤلاء المسفهين بملاحقتهم قضائيا أول باول حتى يحترموا قيم مجتمعهم المسلم وألا يتجاوز آذاهم حدود أشخاصهم الى باقي المجتمع المسلم " فنصلح ما يفسدون " .
كتبه : مصطفى الاشقر
[email protected]
" ... إندهش ... إسترجل ... إتجنن ... صاحبته ... خليك أسد ... "
هكذا يبدأ الإسفاف لترويج منتجات اختلفت شركاتها واتحدت في الطريقة المخلة والإسفاف الذي تعرضه ليحدث ذلك خروجاً عن قيم ومعتقدات وأخلاق شعب شرقي عربي مسلم تسير به نحو السفاهة ليقتدي بالغرب في طرق التسويق والترويج و الدعاية و الإعلان والتنازل في ذلك عن قيَمُنا، والتغافل عن ريادتنا لعلم التسويق ابتداءاً من كتاب ربنا جل وعلا .
وقد يظن "علمانيو هذا الزمان وسوادهم"ممن يسيطرون على عالم الإعلام والدعاية أن علم التسويق بما يكتنفه من الترويج والدعاية والإعلان هو علم غربي خالص ولذلك لا حرج عندهم ولا مانع لديهم من نقل التجربة الغربية التسويقية بكل ما تحويه من العهر و الاستهزاء والمجون والغزو النفسي والفكري لطبيعة الانسان المسلم وفطرته، لتُحوِلهُ إلى نمط الغرب الذي يتسم بالعلمانية الصرف فكراً وثقافةً وأسلوباً ومظهراً حتى يصل به الحال إلى معتقد الغرب ليبرالياً وعلمانياً بحرية مُدعاة تصل بالمسلم الوراثي إلى تحقيق أركان الجاهلية في الواقع من تبرجٍ سافرٍ، وحميةٍ غوغاءٍ، وظنٍ باطلٍ بالله ، وحاكميةٍ لغير الخالق جلَّ وعلا ...
بيد أن الحقيقة شيئٌ آخر :
فهذا العلم " علم التسويق " بما يحويه من دعوة إلى فكرة أو منتج ( بالترويج و الدعاية والإعلان ثم التنفيذ ) هو ركن ركين من أركان الدعوة الى الله تعالى التي هي وظيفة الأنبياء و الرسل ومهمتهم ومهمة أتباعهم إلى يوم الدين ..و من يحمل هم هذا الدين لابد له من تسخير كل ما يتاح له من وسائل الدنيا من علوم إنسانية وطبيعية وتطبيقية واجتماعية .. ليستخدمها في تحقيق غايته ، وهيتعبيد الناس لرب الناس الذي خلقهم وفطرهم على منهجه القرآني في تسيير معايشهم وصولاً إلى الانتقال للحياة الحقيقية في جنة الخلد وهذا هو التسويق " الدعوة " لدينه و شرعة.
ولقد فطر الرب سبحانه وتعالى الناس على سننه الكونية القدَرية وشرَّع لهم السنن الكونية الشرعية وجعل استجابة الناس لهذه السنن لتحقيق واقع التكامل والتوافق بينهما هو كمال تمام الفطرة بعناصرها الثلاثة " الكون والانسان والمنهج " كما جاء في كتاب " قَدَرُ الدعوة " للعلامه "رفاعي سرور" عليه رحمة الله ، ولذلك كان الأمرُ الرباني للنبي صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة هو :
"يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ * فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ" ( المدثر )
وهوأمر رباني صريح في دعوة الناس :
بإنذارهم ترهيباً .وتعظيم الرب إجلالاً .واستحسان المظهر تشريفاً .والترفع عن النقائص نزاهةً .والثبات على الصبر قوةً ويقيناً .
و تحذيراً من أمر الآخرة .ونهاية وقت الامتحان وبداية المحاسبة والجزاء .
وما سبق كله هو من أساليب " التسويق للدعوة للاستجابة لها " ؛ وهذا النص الرباني هو كمال التسويق بالدعوة ترهيباً وترغيباً وتحذيراً وتعظيماً وتنزيهاً لَلداعي إلى الله وتثبيتاً له على مهمته، ولم يكن هذا الأمر للنبي خاصة بل هي دعوة و منهج جميع الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم.... ولذلك سنجد أن نبي الله " نوح " عليه السلام هو من تحققت له جميع وسائل الدعوه وطرق بيانها لذلك عندما ذكر الله تعالى تجربة نوح عليه السلام وفتنته في قومه في سورة العنكبوت والتي تدعى بسورة " الابتلاء او الفتنة " ومن منظوري أنا فأرى أنها نموذج كامل " للمجاهدة ":
قال جل و علا : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى? قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) لأنه ظل يجاهد فيهم بالدعوة طيلة هذا العمر .
و بما أن دعوة الرسل واحدة الى الله الواحد الأحد المتفرد ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً بالألوهية والربوبية حيث قال جل و علا : "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُواالدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ " (الشورى)
وسنجد بغيتنا مع نبي الله نوح عليه السلام حيث أنه ضرب مثالاً رائعاً في التسويق بشتى الطرق لدعوته ودينه والوحي المنزل عليه من ربه - إن جاز لنا ذلك - فنجده تارة يحذر قومه من الغفلةِ عن عظمةِ الله كما قال رب العزّة على لسانه:"مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا "
ثم راح يذكرهم بفضل الله جل وعلا عليهم في الإيجاد اصلا مع الحكمة في التدرج بقوله : " وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا" .... وذلك بعد أن ذكر لهم محاسن الرجوع الى الفطرة بالاستغفار ومنافعها ومكاسبها أي التوبة من الشرك الى الإيمان والتوحيد لله بالعبودية قائلا :" فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا " ( نوح ) .
وذلك بعد أن أسَرّلهم بدعوته ثم جهر بها وأعلن إعلاناً ودعاهم ليلاً ونهاراً قائلاً كما حكى القرآن عنه : "قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا "( سورة نوح ) وقد بين نوح عليه السلام لقومه قدرة الله وعظمته في خلقه واستدل بالآيات الكونية على ذلك والاء الله عليهم في الارض وهذه هي قمة الدعوة بالدعاية والإعلان والمناظرة بالحجة الداحضة وقد فند عليه السلام المزيج التسويقي إلى (( تعظيم ومنافع و آيات ودلالات وآلاء )) للمدعو إليه وهو الله سبحانه تعالى .
*** التسويق بمنطق البلاء ... السياسة الإبليسية ***
أما اليوم فإننا حتمًا سنجد الإسفاف في الدعاية والإعلان هي وسيلة لقطاء العلمانية المنتسبين للإسلام زوراً وبهتاناً بينما قلوبهم تجحد الإسلام حقًداً وحسداً وعدواناً وهم من تربوا في أحضان الغرب الفاجر يروجون للفحش والجنون والهزيمة النفسية عند الرجال وخدش الحياء في البيوت من خلال تنفيذ خطة الغرب العلماني القائمة على الإغارة على قيم مجتمعنا المسلم وأخلاقه في النواحي الفكرية والثقافية والإعلامية في بيوت المؤمنين حتى أصبح التليفزيون وبقية عائلة "الملتي ميديا" مصيبة للبيت المسلم لا يستطيع أن يدفع ما به من بلاء إلا بالمنع عنه نهائياً رغم ما قد نجده من خير في القنوات الاجتماعية والإسلامية .
• فنجد إعلان بسكويت " فريسكا " مثلاً غير مبني على الاندهاش برقص القرود فقط وإنّما يحتمل معاني أخرى سياسية كما يحمل معاني هزلية فكيف يشبه الانسان الذي قال الله تعالى فيه : " لقدْ خلَقنا الإنسانَ في أحْسَنِ تقويمٍ " وهو الكائن المكرم من خالق الارض والسماوات بالقرد الذي جعله الله مسخ المغضوب عليهم غير استعمال أنثى القردكراقصة لترويج الرقص على أنه مدعاة للاندهاش.
• وإعلان شيكولاته " جالاكسي " دعوة إلى الفحش والزنا باتخاذ الأخدان " كل راجل عزم صاحبته على العشا وقسم في الحساب " والصاحبة في واقعنا اليوم هو مسمى جديد للأخدان من دون زواج كما في لغة الشباب .
• و إعلان مشروب " بيريل " الذي يخرج عن قيم المجتمع المسلم وأخلاقه ابتداءاً بدعوى الرجولة والفحولة في مشروب كحولي ، والرجولة في كتاب الله لم تقرن إلا بالخوف من الله والحرص على عهده سبحانه ، وإقامة الصلاة وذكر الله على كل حال .
• أما إعلان مشروب " كوكاكولا " فهو مصيبة إذ مبتغاه الدعوة إلى إخراج العمل الصالح من مسماه وهو إدخال السرور على المسلمين إلى أنه جنون رغم أنه افضل الأعمال عند الله جل وعلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن ، تقضي عنه دينًا ، تقضي له حاجة ، تنفس له كربة " .
• وإعلان أحد أدوية الفحولة والذكورة " خليك أسد " بالعلبة الذهبية بعد ان كان أصحاب الصيدليات يستحيون من بيعها علناً ؟؟!! فكيف وقد حوّل الإعلام الرجل إلىبطة وخروف إذا كان تمامه كلام فقط .. فالحقيقة أن مثل هذا الإعلان دعوة للتمرد من النساء على قوة الرجل في ممارسته لعلاقته الزوجية .
*** اعتراض خبراء التسويق ***
سألتُ الدكتورة "هدى صلاح"أستاذ التسويق بالأكاديمية العربية للعلوم المالية والنقل البحري قائلا : ما رأيك يا دكتورة في هذه الإعلانات " السالف ذكرها " فأجابت : أن دور الإعلان هو الترويج والتسويق وهذه الكلمات غير لائقة وتعتبر إهانه لقيم الشعب المصري وكانت هناك بدائل تسويقية أفضل و أقنع للمستهلك فمثلاً لو استخدم المسوق في إعلان بيريل أنه مشروب صحي وبديل للدواء ويعالج عدّة مشاكل لكان أوقع ولكن مدير التسويق فشل في الإعلان واستخدم الإسفاف في الوصول إلى هزال الناس .
أما الدكتور ايهاب مسلم خبير التسويق فكان رأيه : " "
" البلاء موكول بالمنطق " هذا ما ورد عن ابوبكر الصديق رضي الله عنه .
فإن سياسة الجاهلية الإعلامية في إيقاع المسلمين في منطق البلاء هي سياسة إبليس على وجه الحدود في إخراج أبينا آدم عليه السلام من الجنة بإدخاله في حرب المصطلحات والمسميات عندما غرر به في الطعام من شجرة الخلد وأنّى لبشر أن يُخلّد ؟؟!!
ولكنه بلاء المصطلحات والأسماء وحرب الألفاظ ..... لقد استطاع إبليس – وهو يملك رصيد التجربة البشرية - أن يعود بالجاهلية للواقع من خلال مصطلح العلمانية بأركانها السالف ذكرها .
• ولقد جاء في صحيح البخاري: أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دخل على أعرابيٌّ يعوده، قال: ( لا بأس، طهور إن شاء الله ) .
فقال الأعرابي: طهور؟!!! كلا، بل هي حمى تفور، أو تثور، على شيخ كبير، تزيره القبور.
فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( فنعم إذا) .
مات الرجل لانه نطق بالبلاء ( بل حمى تفور ... تزيره القبور   ولم يلتمس الطهور من الذنب بالمرض الذي هو من قدَر الله ابتداءاً والذي قدّرهُ الله كفارة .
• كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " عَجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلَّا المؤمنُ " .
• ولقد جاء عن إبراهيم النَخعي أنه قال : " إني لأجد نفسي تحدثني بالشيء فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى بمثله ".
• وانشد ابن بهلول : " لاتنطقن بما كرهت فربما ... عبث اللسان بحادث فيكون" .
*** مدافعة واقع بلاء التسويق ركيزة ايمانية ***
لابد ان يتحرك المدافعون المخلصون من أبناء الدعوة في مدافعة هؤلاء المسفهين بملاحقتهم قضائيا أول باول حتى يحترموا قيم مجتمعهم المسلم وألا يتجاوز آذاهم حدود أشخاصهم الى باقي المجتمع المسلم " فنصلح ما يفسدون " .