قراءة فى السنن الكونية والاجتماعية ( 1 )
ياسر منير ( باحث بالدكتوراه " مقارنة أديان " - جامعة القاهرة )
المبحث الأول : مفهوم السنن الكونية والاجتماعية في اللغة والاصطلاح القرآنى:
1- مفهوم السنة فى اللغة:
لفظ« السنة» الذي جمعه « سنن » تعددت وجوه استعماله في اللغة العربية ، ومن ذلك أن يراد به من المعاني: الطريقة ، والسيرة ، والمثال ، والمنهج، والشريعة ، والإتباع، والعادة والاقتداء، والحكم.
وأذكر هنا أقوال بعض العلماء والأئمة ، وأرباب المعاجم في معنى " السنة" في اللغة :
قال الرازي في «مختار الصحاح»:السنن: الطريقة يقال : استقام فلان على سنن واحد . ويقال : امض على (سننك) و(سننك) أي : على وجهك. وتنح عن (سنن) الطريق ( وسننه) و(سننه) ثلاث لغات, و(السنة) : السيرة .وقال الفيروزآبادي في( القاموس المحيط) : و(السنة) بالضم: الوجه، أو حره ، أو دائرته، أو الصورة ، أو الجبهة والجبينان، والسيرة، والطبيعة...ومن الله : حكمه، وأمره، ونهيه، و( إلا أن تأتيهم سنة الأولين) أي معاينة العذاب ، وسنن الطريق: نهجه وجهته، وجاءت الريح سناسن، على طريقة واحدة .
وقال ابن منظور في "لسان العرب" : «وسنة الله : أحكامه وأمره ونهيه ، وسننها الله للناس، بينها ، وسن الله سنة : أي بين طريقا قويما، والسنة السيرة ، حسنة كانت أو قبيحة؛ قال خالد بن عتبة الهذلي :
فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها ** فأول راض سنة من يسيرها
وسننتها سنا واستننتها : سرتها، وسننت لكم سنة فاتبعوها...وكل من ابتدأ أمرا عمل به قوم من بعد قيل: هو الذي سنه ؛ قال نصيب:
كأني سننت الحب أول عاشق *** من الناس إذ أحببت من بينهم وحدي
وقد تكرر في الحديث ذكر السنة وما تصرف منها ، والأصل فيه الطريقة والسيرة. والسنة : الطريقة، والسنن أيضا،والسنة الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك قيل: فلان من أهل السنة معناه من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة ، وهي مأخوذة من السنن وهو الطريق..والسنة : الطبيعة ..وأمض على سننك : أي وجهك وقصدك، وللطريق سنن أيضا ، وسنن الطريق وسننه وسننه نهجه...والسنة في الأصل : سنة الطريق، وهو طريق سنه أوائل الناس فصار مسلكا لمن بعدهم..وسنن الطريق وسننه محجته، والسنن الطريقة ، يقال استقام فلان على سنن واحد...والسنن: القصد ، سنن الرجل : قصده وهمته..وجاءت الرياح سنائن : إذا جاءت على وجه واحد وطريقة واحدة لاتختلف ..وبنى القوم بيوتهم على سنن واحد : أي على مثال واحد».
وقال الإمام ابن الأثير في " النهاية :"« السنة وما تصرف منها ، والأصل فيها الطريقة والسيرة ...وفي حديث المجوس : ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب ) أي خذوهم على طريقتهم، ، وأجروهم في قبول الجزية منهم مجراهم، ومنه الحديث: ( لا ينقض عهدهم عن سنة ماحل ) أي : لا ينقض بسعي ساع بالنميمة والإفساد، كما يقال : لا أفسد بيني وبينك بمذاهب الأشرار وطرقهم في الفساد ، والسنة : الطريقة، والسنن أيضا ، ومنه الحديث : ( ألا رجل يرد عنا من سنن هؤلاء».
وقال الإمام الرازي في تفسيره : ( والسنة : الطريقة المستقيمة والمثال المتبع ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( والسنة هي العادة التي تتضمن أن يفعل في الثاني مثل ما فعل بنظيره الأول ، ولهذا أمر الله تعالى بالاعتبار).
2- مفهوم السنة في الاصطلاح القرآنى:
جاء لفظ " السنة" في القرآن الكريم بالصيغة الصريحة في ستة عشر موضعا، فجاء مفردا في أربعة عشر موضعا ، وجمعا في موضعين، وجاء مضافا إلى الله تعالى في تسعة مواضع ، ومضافا إلى الرسل عليهم السلام في موضع واحد ، ومضافا إلى الأولين في أربعة مواضع، ومضافا إلى الذين من قبل في موضع واحد، وجاء نكرة مجردة عن الإضافة في موضع واحد
والسنة : وإن أضيفت إلى غير الله تعالى في بعض النصوص ، فإنها لا تنفك عن كونها من خلق الله وإرادته وقدرته سبحانه ، قال العلامة الطاهر ابن عاشور : (( وإضافتها إلى الأولين باعتبار تعلقها بهم ، وإنما هي سنة الله فيهم ، والإضافة لأدنى ملابسة )).
وفيما يأتي تعيين الآيات التي ورد فيها لفظ السنة وفق ترتيبها في القرآن العزيز : وهي قوله تعالى : ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين ).
وقوله : ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ).
وقوله : ( ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين).
وقوله : ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ).
وقوله : ( وما منع الناس أن يؤمنوا إذا جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا) .
وقوله : ( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا ).
وقوله : ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينكم بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ) .
وقوله : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا).
وقوله : ( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) وقوله : ( ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا).
هذه هي الصيغ الصريحة التي ورد بها لفظ " السنة "، وهناك نوعان من الصيغ قد يشار إليهما في أثناء البحث : كالصيغ الشرطية التي تؤكد العلاقة الموضوعية بين الشرط والجزاء، والصيغ الإخبارية التي تحمل معنى السنة الكونية والاجتماعية من خلال سياق الآية أوالآيات . وبمعنى آخر : إن القرآن الكريم أرشد إلى هذه السنن ، فذكرها نصا في بعض الأحيان ، ولم ينص عليها أحيانا أخرى وإنما فهمت من النص دلالة وفحوى .
فتحصل من هذه الآيات الصريحة معاني السنة الواردة في القرآن الكريم وهي ثلاثة :
المعنى الأول : الطريقة الحميدة وهو المعنى المراد في سورة النساء .
المعنى الثاني : سنة الله فيما أباح للرسل ، وهو المراد في موضع الأحزاب الأول .
والمعنى الثالث : العادة المألوفة والمثال المتبع في التعامل مع الأمم حال الطاعة وحال المعصية ، وهو المراد في سورة آل عمران وسائر النصوص القرآنية الأخرى. وهذا المعنى الثالث هو المقصود في هذا البحث، وهو الذي رامه أهل العلم في كلامهم عن سنن الله تعالى .
3- وجه العلاقة بين السنة الكونية والسنة الاجتماعية
هناك فرق دقيق بين مفهومي السنن الكونية والسنن الاجتماعية ، فالسنن الكونية : هي التي تتعلق بالأشياء والظواهر والأحداث المادية والطبيعة غالبا .
أما السنن الاجتماعية : فهي تلك السنن التي تتعلق بسلوك البشر وأفعالهم ومعتقداتهم وسيرتهم في الدنيا ، وفق أحوال الاجتماع والعمران البشري ، وما يترتب على ذلك من نتائج في العاجل والآجل .
ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الفرق الدقيق فيقول- رحمه الله – بعدما ذكر كثيرا من السنن الشرعية والاجتماعية: ( ...وهذه السنن كلها سنن تتعلق بدينه ، وأمره ونهيه ، ووعده ووعيده، وليست هي السنن المتعلقة بأمور الطبيعة ،كسنته في الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك من العادات ).
ويتضح من هذا التقسيم أن مفهوم السنن الاجتماعية هو موضوع هذه الدراسة، وهو المختص بالأفراد ، والأمم ، والجماعات ، والحضارات من خلال القرآن الكريم.
ولكن لو أمعنا النظر ، وأطلنا النفس في البحث؛ لوجدنا أن سنن الله في المجتمعات البشرية امتداد طبيعي لسننه في المجالات الكونية ، لأنها قوانين واحدة ، وأسباب واحدة ، ونواميس واحدة ، تصدر عن إرادة واحدة ، وتنبثق عن مشيئة واحدة .
يقول الدكتور عبد الكريم زيدان : ( وكل الفرق بين الأحداث الكونية المادية وبين الأحداث الاجتماعية هو أن أسباب الأولى واضحة بينة مضبوطة ، إذا عرفناها أمكننا الحكم بدقة على نتائجها وميقات هذه النتائج ، فالماء مثلا ينجمد إذا بلغت درجة برودته كذا درجة ، ويصل إلى الغليان إذا وصلت درجة حرارته إلى كذا درجة وبعد كذا من الوقت ،وهكذا.
أما أسباب الأحداث الاجتماعية فهي بمختلف أنواعها من سياسية واقتصادية وحضارية وعمرانية وغلبة ونصر وهزيمة وخذلان..إلخ.، أسباب دقيقة وكثيرة ومتشعبة ومتشابكة ، وقد يعسر على الكثيرين الإحاطة بها تفصيلا ..ولكن مع هذا العسر يمكن للمتأمل الفاحص الدقيق أن يعرفها ويحيط بها علما، كما يمكنه الجزم بحصول نتائج معينة بناء على أسباب معينة وإن لم يمكنه الجزم بميعاد حصول هذه النتائج، فنستطيع مثلا أن نحكم على وجه الجزم واليقين بزوال حكم أو سلطان إذا وجدناه قائما على الظلم والإرهاب ، وإن كنا لانستطيع تحديد وقت زواله على وجه الدقة والضبط كما نحدد ميعاد غروب الشمس أو شروقها..
ومن أجل هذا الفرق بين الأحداث الكونية المادية وبين الأحداث البشرية يغفل الناس كثيرا عن سنة الله في الاجتماع البشري وفي تصرفات وسلوك الأفراد والأمم ، ويظنون أن أمورهم لا تخضع كما تخضع الظواهر الكونية لقانون الأسباب والمسببات).
4- التعريف المختار لسنن الله الاجتماعية:
والتعريف المختار قريب من بعض المعاني اللغوية للسنة وهو أن يقال : سنة الله الاجتماعية هي العادة المألوفة والطريقة المتبعة في معاملة الله تعالى للناس بناء على أعمالهم في حال طاعة الله تعالى ، وحال عصيانه، ومايترتب على ذلك من نتائج ،وثواب وعقاب ، في المعاش قبل المعاد.
ياسر منير ( باحث بالدكتوراه " مقارنة أديان " - جامعة القاهرة )
المبحث الأول : مفهوم السنن الكونية والاجتماعية في اللغة والاصطلاح القرآنى:
1- مفهوم السنة فى اللغة:
لفظ« السنة» الذي جمعه « سنن » تعددت وجوه استعماله في اللغة العربية ، ومن ذلك أن يراد به من المعاني: الطريقة ، والسيرة ، والمثال ، والمنهج، والشريعة ، والإتباع، والعادة والاقتداء، والحكم.
وأذكر هنا أقوال بعض العلماء والأئمة ، وأرباب المعاجم في معنى " السنة" في اللغة :
قال الرازي في «مختار الصحاح»:السنن: الطريقة يقال : استقام فلان على سنن واحد . ويقال : امض على (سننك) و(سننك) أي : على وجهك. وتنح عن (سنن) الطريق ( وسننه) و(سننه) ثلاث لغات, و(السنة) : السيرة .وقال الفيروزآبادي في( القاموس المحيط) : و(السنة) بالضم: الوجه، أو حره ، أو دائرته، أو الصورة ، أو الجبهة والجبينان، والسيرة، والطبيعة...ومن الله : حكمه، وأمره، ونهيه، و( إلا أن تأتيهم سنة الأولين) أي معاينة العذاب ، وسنن الطريق: نهجه وجهته، وجاءت الريح سناسن، على طريقة واحدة .
وقال ابن منظور في "لسان العرب" : «وسنة الله : أحكامه وأمره ونهيه ، وسننها الله للناس، بينها ، وسن الله سنة : أي بين طريقا قويما، والسنة السيرة ، حسنة كانت أو قبيحة؛ قال خالد بن عتبة الهذلي :
فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها ** فأول راض سنة من يسيرها
وسننتها سنا واستننتها : سرتها، وسننت لكم سنة فاتبعوها...وكل من ابتدأ أمرا عمل به قوم من بعد قيل: هو الذي سنه ؛ قال نصيب:
كأني سننت الحب أول عاشق *** من الناس إذ أحببت من بينهم وحدي
وقد تكرر في الحديث ذكر السنة وما تصرف منها ، والأصل فيه الطريقة والسيرة. والسنة : الطريقة، والسنن أيضا،والسنة الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك قيل: فلان من أهل السنة معناه من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة ، وهي مأخوذة من السنن وهو الطريق..والسنة : الطبيعة ..وأمض على سننك : أي وجهك وقصدك، وللطريق سنن أيضا ، وسنن الطريق وسننه وسننه نهجه...والسنة في الأصل : سنة الطريق، وهو طريق سنه أوائل الناس فصار مسلكا لمن بعدهم..وسنن الطريق وسننه محجته، والسنن الطريقة ، يقال استقام فلان على سنن واحد...والسنن: القصد ، سنن الرجل : قصده وهمته..وجاءت الرياح سنائن : إذا جاءت على وجه واحد وطريقة واحدة لاتختلف ..وبنى القوم بيوتهم على سنن واحد : أي على مثال واحد».
وقال الإمام ابن الأثير في " النهاية :"« السنة وما تصرف منها ، والأصل فيها الطريقة والسيرة ...وفي حديث المجوس : ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب ) أي خذوهم على طريقتهم، ، وأجروهم في قبول الجزية منهم مجراهم، ومنه الحديث: ( لا ينقض عهدهم عن سنة ماحل ) أي : لا ينقض بسعي ساع بالنميمة والإفساد، كما يقال : لا أفسد بيني وبينك بمذاهب الأشرار وطرقهم في الفساد ، والسنة : الطريقة، والسنن أيضا ، ومنه الحديث : ( ألا رجل يرد عنا من سنن هؤلاء».
وقال الإمام الرازي في تفسيره : ( والسنة : الطريقة المستقيمة والمثال المتبع ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( والسنة هي العادة التي تتضمن أن يفعل في الثاني مثل ما فعل بنظيره الأول ، ولهذا أمر الله تعالى بالاعتبار).
2- مفهوم السنة في الاصطلاح القرآنى:
جاء لفظ " السنة" في القرآن الكريم بالصيغة الصريحة في ستة عشر موضعا، فجاء مفردا في أربعة عشر موضعا ، وجمعا في موضعين، وجاء مضافا إلى الله تعالى في تسعة مواضع ، ومضافا إلى الرسل عليهم السلام في موضع واحد ، ومضافا إلى الأولين في أربعة مواضع، ومضافا إلى الذين من قبل في موضع واحد، وجاء نكرة مجردة عن الإضافة في موضع واحد
والسنة : وإن أضيفت إلى غير الله تعالى في بعض النصوص ، فإنها لا تنفك عن كونها من خلق الله وإرادته وقدرته سبحانه ، قال العلامة الطاهر ابن عاشور : (( وإضافتها إلى الأولين باعتبار تعلقها بهم ، وإنما هي سنة الله فيهم ، والإضافة لأدنى ملابسة )).
وفيما يأتي تعيين الآيات التي ورد فيها لفظ السنة وفق ترتيبها في القرآن العزيز : وهي قوله تعالى : ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين ).
وقوله : ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ).
وقوله : ( ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين).
وقوله : ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا ).
وقوله : ( وما منع الناس أن يؤمنوا إذا جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا) .
وقوله : ( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا ).
وقوله : ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينكم بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ) .
وقوله : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا).
وقوله : ( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) وقوله : ( ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا).
هذه هي الصيغ الصريحة التي ورد بها لفظ " السنة "، وهناك نوعان من الصيغ قد يشار إليهما في أثناء البحث : كالصيغ الشرطية التي تؤكد العلاقة الموضوعية بين الشرط والجزاء، والصيغ الإخبارية التي تحمل معنى السنة الكونية والاجتماعية من خلال سياق الآية أوالآيات . وبمعنى آخر : إن القرآن الكريم أرشد إلى هذه السنن ، فذكرها نصا في بعض الأحيان ، ولم ينص عليها أحيانا أخرى وإنما فهمت من النص دلالة وفحوى .
فتحصل من هذه الآيات الصريحة معاني السنة الواردة في القرآن الكريم وهي ثلاثة :
المعنى الأول : الطريقة الحميدة وهو المعنى المراد في سورة النساء .
المعنى الثاني : سنة الله فيما أباح للرسل ، وهو المراد في موضع الأحزاب الأول .
والمعنى الثالث : العادة المألوفة والمثال المتبع في التعامل مع الأمم حال الطاعة وحال المعصية ، وهو المراد في سورة آل عمران وسائر النصوص القرآنية الأخرى. وهذا المعنى الثالث هو المقصود في هذا البحث، وهو الذي رامه أهل العلم في كلامهم عن سنن الله تعالى .
3- وجه العلاقة بين السنة الكونية والسنة الاجتماعية
هناك فرق دقيق بين مفهومي السنن الكونية والسنن الاجتماعية ، فالسنن الكونية : هي التي تتعلق بالأشياء والظواهر والأحداث المادية والطبيعة غالبا .
أما السنن الاجتماعية : فهي تلك السنن التي تتعلق بسلوك البشر وأفعالهم ومعتقداتهم وسيرتهم في الدنيا ، وفق أحوال الاجتماع والعمران البشري ، وما يترتب على ذلك من نتائج في العاجل والآجل .
ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الفرق الدقيق فيقول- رحمه الله – بعدما ذكر كثيرا من السنن الشرعية والاجتماعية: ( ...وهذه السنن كلها سنن تتعلق بدينه ، وأمره ونهيه ، ووعده ووعيده، وليست هي السنن المتعلقة بأمور الطبيعة ،كسنته في الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك من العادات ).
ويتضح من هذا التقسيم أن مفهوم السنن الاجتماعية هو موضوع هذه الدراسة، وهو المختص بالأفراد ، والأمم ، والجماعات ، والحضارات من خلال القرآن الكريم.
ولكن لو أمعنا النظر ، وأطلنا النفس في البحث؛ لوجدنا أن سنن الله في المجتمعات البشرية امتداد طبيعي لسننه في المجالات الكونية ، لأنها قوانين واحدة ، وأسباب واحدة ، ونواميس واحدة ، تصدر عن إرادة واحدة ، وتنبثق عن مشيئة واحدة .
يقول الدكتور عبد الكريم زيدان : ( وكل الفرق بين الأحداث الكونية المادية وبين الأحداث الاجتماعية هو أن أسباب الأولى واضحة بينة مضبوطة ، إذا عرفناها أمكننا الحكم بدقة على نتائجها وميقات هذه النتائج ، فالماء مثلا ينجمد إذا بلغت درجة برودته كذا درجة ، ويصل إلى الغليان إذا وصلت درجة حرارته إلى كذا درجة وبعد كذا من الوقت ،وهكذا.
أما أسباب الأحداث الاجتماعية فهي بمختلف أنواعها من سياسية واقتصادية وحضارية وعمرانية وغلبة ونصر وهزيمة وخذلان..إلخ.، أسباب دقيقة وكثيرة ومتشعبة ومتشابكة ، وقد يعسر على الكثيرين الإحاطة بها تفصيلا ..ولكن مع هذا العسر يمكن للمتأمل الفاحص الدقيق أن يعرفها ويحيط بها علما، كما يمكنه الجزم بحصول نتائج معينة بناء على أسباب معينة وإن لم يمكنه الجزم بميعاد حصول هذه النتائج، فنستطيع مثلا أن نحكم على وجه الجزم واليقين بزوال حكم أو سلطان إذا وجدناه قائما على الظلم والإرهاب ، وإن كنا لانستطيع تحديد وقت زواله على وجه الدقة والضبط كما نحدد ميعاد غروب الشمس أو شروقها..
ومن أجل هذا الفرق بين الأحداث الكونية المادية وبين الأحداث البشرية يغفل الناس كثيرا عن سنة الله في الاجتماع البشري وفي تصرفات وسلوك الأفراد والأمم ، ويظنون أن أمورهم لا تخضع كما تخضع الظواهر الكونية لقانون الأسباب والمسببات).
4- التعريف المختار لسنن الله الاجتماعية:
والتعريف المختار قريب من بعض المعاني اللغوية للسنة وهو أن يقال : سنة الله الاجتماعية هي العادة المألوفة والطريقة المتبعة في معاملة الله تعالى للناس بناء على أعمالهم في حال طاعة الله تعالى ، وحال عصيانه، ومايترتب على ذلك من نتائج ،وثواب وعقاب ، في المعاش قبل المعاد.
تعليق