فضيلة الشيخ رفاعي سرور ..حالة منهجيه فريدة .......
من أصحاب الأخدود.. إلى.. صلاة العصر
في ذكرى وفاته عليه رحمه الله..
يوم الأربعاء الموافق22/2/2012
*****************************
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ... هكذا كان يبدأ كلامه -رحمه الله-..
الحمد لله رب العالمين.. الحميد المجيد..
سألته ذات سفرة وأنا رفيقه لزيارة والدته عليه رحمة الله،فقلت له:
لماذا يا شيخنا جاءت نهاية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة الإبراهيمية بالحميد المجيد دون بقية الأسماء الحسنى الأخرى؟
فأسدل لي النصوص المرتبطة ليستنبط لنفسه أولا، على غير مثال سابق، ورغم أنه قال لي أنه ما سئل هذا السؤال من قبل، ليكون هذا الموقف تربيه منهجية في تجميع النصوص ومحاولة تدبرها باتجاه الفهم المؤدي للاستنباط.
بداية:
تأخرت عن كتابة هذا الموضوع عامدًا متعمدًا، حتى لا تكون مشاعر الحزن والفراق هي مصدر الكتابة وحدها، ولكن ليكون الإحساس بافتقاد النموذج المنهجي الفريد في معايشة الواقع ومدافعة أهل الباطل هو السبب لرثاء من طمحت أحد عشرة سنةلا هم لي إلا الوصول إليه التعرف به لأقبل يده بعدما قرأت له ((أصحاب الأخدود)) والتي كتبهازفرة ألم وحزن منبعثة من بين طيَات الأسى على فقد أستاذه سيد قطب-عفا الله عنه–وقرأت أيضًا: ((عندما ترعى الذئاب الغنم)) التي كتبها وهو يبكي على واقع أصبح للذئاب فيه منابع المال والاقتصاد ومنابر الإعلام والبيان ليرعوا منها الناس ليصير المجتمع كقطعان تسرح في المرعى تؤدي إليهم الفراء واللبن واللحم فإذا ما جاعوا التهموهم !!
حقًا:
كان الشيخ الرقيق المشاعر..الحبيب لكل من عرفه..البسيط في حياته.. كان مثالا نادرًا لمن يخفي سريرة وخبيئة بينه وبين ربه عزَوجل حتى أن من حوله ذهلوا عن أمجاد خفية سطرها بنانه وقلبه وتاريخه وهم في غفلة عنها لأنه –كما نحسبه– ما كان يبتغي إلَا وجه الله تعالى.
والآن :
أصبحالشيختاريخًا حين مضى إلى ربه عز وجل، فلم يعد لهفي الواقع مثال بيننا، رغم أن هناك من هوأكثر منه علمًا واطلاعًا، بل وأحفظ منه للنصوص،وأكبرمنه سنا، ولكنه الفهم والإدراك للنصوص الذي جعل الشيخ نموذجًا للعالم الفريد الذي يستطيع ربط النص بالواقع، وإدراك العلائق الخفية بين النصوص وبعضها حتى أنَ أحدًا لم يأت بمثله فيمن هم حولنا في واقعنا المعاصر.
صحبته:
أحد عشر شهرًا كانت مِنَة من الله عزوجل وهبةً، (وأسأله سبحانه ألاَ تكون حجة عليَ)كانت شهوراً مباركة في صحبة من هو من أكثر الناس استخفاءً بطاعته وأصدقهم قولًا وأحرصهم على طاعة وعبادة وأكثر الناس شبهًا–فيما أحسب- في التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم وأشد الناس وأصلبهم على إبليس وأهل الباطل، وأرق الناس بمؤمن ضعيف، وأرحم أب بأسرته وأهله، رأيت فيه الوالد النموذجي لأولاده منهم الدكتور والمهندس والفيلسوف الكاتب وبناته المؤمنات لا اقول جميعا حفاظ لكتاب الله ولكن كلهم منه شربوا عداء أهل الباطل.. والأروع أنه غرس فيهم الشعور بمسؤليتهم تجاه دينهم والحرص على نصرة الحق،هذا هو دور الوالد الداعية في توريث الإحساس بالدعوة و الدين لمن يخلفوه ليكونوا امتدادا له في نصرة دعوته وحمل الرسالة "ذرية بعضها من بعض".
لقد وجدت من هذا الرجل عجبا!!!!!
لقد صحبت مشايخ وعلماء غير الشيخ رفاعي سرور صحبتهم في مجالسهم وفي أسفارهم، ربما جلست إلى خمسة عشر عالمًا "مستمعا"،وصحبت "سائقا" عشرا في أسفارهم.. فما وجدت لتواضعه ولصحبته وصداقته ورقته وحنانه ومواساته لإخوانه ودوام ذكره لله عزوجل، وحرصه على أوقات الصلاة وأداء السنن الرواتب رغم أعذار العمل الدعوي–ما وجدت له مثلًا-..
كان الوقت متأخًرا ذات ليله من كثرة الجلسات التي تمر عليه يوميًا بدون موعد مسبق فقال لي: "اتركني قليلا لكي أصلي خمسًا ... أي: السنة والوتر".
ولا أستطيع أن أحصي مواقفه التي رأيتها بأم عيني مذهولاً من صدق هذا الرجل في علمه وعمله وغايتهفكان– رحمه الله - لا يرى في حياته الا أمرين:
"الشريعة والشهادة"..
سألته ذات مرة أمازحه وأنا ذاهب للعمرة ا فقلت له:
يا شيخنا !! بأي دعوة تحب أن أدعو لك عند الكعبة -على تكون أمرًا واحدًا؟؟ "وأنا مدرك تماما أنه رُبّماكان بعيدا عن البيت العتيق بجسده.. أقرب إلى الله من متعبِّدٍ فيه".
فرد بسرعة عجيبة رافعًا أصبعه السبَابة كالمستأذن من أستاذه ومتأوهًا شوقًا وحنينًا إلى غايته المرجوة قائلا: "الشهادة يا أخ مصطفى".
ومن مواقفه العجيبة أنهوفي إحدى المرات استدعاني لحضور عرس لأحد الإخوة فرأيته يلبس جلابية كستور رمادي مشبح، علما أن قد جاءته هدية من أحد الإخوة جلابيب لامعة من نوع "الدفة" وعطر عود عربي فقلت له:
يا شيخنا هلا لبست ثوبًا من هاتيك الثياب الجديدة وتعطرت بالعطر العربي "عود" ؟؟!!
فقال لي: الإخوة مش لاقيين يشتروا حاجة يا أخ مصطفى.. وأنا أروحلهم بجلابية بتلمع؟!، فقلتله: طيب والعطر ... ؟!، فرد عليّ:لقد أعجب أحد الإخوة فأعطيته له !!!
هكذا القدوة في الدعوة.. بذل للعطاء، وأخوة ومواساة..
فحزنت على حالي وحال مشايخ الشياكة والقصور..
قال له ذات مرة أحد الإخوة: "أنه يعتقد أن الشيخ رحمه الله من أشد الناس على إبليس " فقال عليه رحمة الله:قول ابن عباس متفاخرا بعداوته على إبليس عليه لعنة الله..هكذا قال ابن عباس: "والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحد أحب للشيطان هلاكا مني. فقيل: وكيف ؟! فقال: والله انه ليحدثُ البدعة في مشرق أو مغرب.. فيحملها الرجل إلي . فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنة، فترد عليه كما أخرجها ".
لقد كنت أرى فيه عظات كثيرة لا أحصي لها حصرا..!، فمثلاً كان الأخ الذي رباني في مدينة العريشمنذ صغري يسألني دائمًا عن الشيخ لماذا لا يظهر على الشاشات التلفزيونية.. طالما أنه بهذه الصفات التي أرويها عنه دائما وبهذا القدر العلمي من الفهم؟؟
فأخبرته بأن أمن الدولة كانت تريد منه أن يظهر في التلفزيون ولكنه كان يرفض ويقول: "طالما أنهم يتحكمون في الإعلام فيمكنهم أن يمنعوني وقتما شاءوا إن قلت ما لا يرضيهم، بعد أن أكون قد تعلقت بالعمل فيه، فهذا خطر عليَ وعلى الدعاة" يفطن عداوة إبليس له" رحمه الله ، ولأن الشيخ رحمه الله كان يحب التخفي في أعماله أيضا ، وذكرت له قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:"بيننا وبينهم أيام الجنائز".
وأنَ الشيخ سيظهره الله يوم موته "كسنة إلهية" في الشكر من الله الشكور لشدة خفائه في الطاعة التي هي من ود الله ورحمته به ابتداءً فأخبرني الأخ بعد وفاته بأيام مصدقًا لي أنهما من أحد من التيار الاسلامي اهتم الإعلام الاسلامي بموته كما اهتم بالشيخ رفاعي سرور رحمه الله رغم عدم شهرته السابقة.
جلست أتفكر متخيلًا ماذا لو أنني استشير الشيخ الآن ماذا أفعل في خضم الاحداث الحالية وتسارعها مما يجعل الحليم حيراناً، فتذكرت مقولته العظيمة التي كان يختصر فيها كل تجارب حياته العلمية والحركية:
"ما أنعم الله على عبد من نعمة أعظم من فهم كتاب الله"،وحثني على "علم المناسبة" الذي برع هو فيه.. عليه رحمة الله.. فهي النصيحة التي أنقلها لكم عن شيخنا "عليه رحمة الله"عسى أن ينتفع بها الجميع "محاولة فهم كتاب الله ومعايشته".
من أصحاب الأخدود إلى صلاة العصر:
كما كان "أصحاب الأخدود"هو مبدأ انطلاق شيخنا -رحمه الله- في إبراز التدافع بين الحق والباطل،أبرز فيه كيف كان فتى الأخدود مُخلصًا في دعوته حتى أنه لم ير انتصار هو ذلك لموته في سبيل دعوته.. والحقيقة أن الشيخ رحمه الله كان يعيش هذه القصة واقعا من خلال كتاب معالم في الطريق الذي كان يكتبه بيده ويهديه لاخوانه كما أخبرني بذلك عندما اشتكيت له من صعوبة فهم كتابه "في النفس والدعوة" فقال لي:
لقد كان الإخوة يشتكون من صعوبة فهم كتاب معالم في الطريق وأنا فهمته وحفظته من أول مرة؛فاستحييت من نفسي ورجعت الى كتاب في النفس والدعوة أذاكره بالقلم والورقة فأثمر معي خيرا كثيرا،أما صلاة العصر فكانت جل حب الشيخ رفاعي رحمه الله وكان يعتبرها مثالا للمجاهدة الخفية لأنها تقع في وقت لا يظهر فيه صدق الحريص على المسجد الا عند الله ولا يستطيع أن يفتخر بأدائها أحد مثل صلاة الفجر التي يستطيع صاحبها التميز عن غيره في ادراكها بين الناس ، فكانت صلاة العصر لها خاصية خاصة عند الشيخ رحمه الله..
فعندما جئته فرحًا ببحث بسيط ذات مرة باستنباطي لوجود آية الصلاة الوسطى بين آيات علاقات تنظيم العلاقة بين الأزواج في سورة البقرة كرد لسؤال الاستاذ محمد قطب في كتابه " دروس تربوية من القرآن " اهتم الشيخ بالأمر بطريقة بالغة لم أكن أتوقعها وأكَدَ عليَ القيام بهذا البحث حتى استعظمته على نفسي فما سوَدته حتى الآن وكان يقول كلما رأيته دائما :
"اكتبه يا أخ مصطفى ده موضوع عظيم ومحدش فكر في هذه الفكرة من قبل، واقترح لي عنواناً له: "الصلاة الوسطى شعيرة منهجية".
والبحث يصل بأهمية الصلاة الوسطى في تحقيق الفهم القرآني وإصلاح البيوت وصولا إلى إقامة الخلافة،لقد رأيت اهتمام الشيخوحرصه على أداء صلاة العصر في المسجد حتى وإن كان هناك عذر لأمر شرعي بمجلس علم أو غيره وحتى في السفر كان يحرص على ثلاث صلوات في المسجد وان رخص لنا الجمع والتقصير "الصبح والعصر والعشاء" وفي ذات مرة قال لي: ((جئت لك بهدية)) فقلت له:إيه يا شيخنا فرحني ...؟؟ ظننتها " عروسه " ولكنه كان زواج شياطين الانس مسيلمة وسجاح
فقال لي: "سجاح-مدعية النبوة-لما خطبها مسيلمة الكذاب قبلت خطبته.. فقال لها قومها: لو طلبتِي منه أن يفرض لكِ مهرًا؟؟!!
فطلبت منه أن يفرض لها مهرًا،وكانا كليهما يدعيان النبوة، فبعث لها مسيلمة:أن قد أسقطت من عليك ومن على قومك أداء صلاة العصر"،فتأوَه الشيخ رفاعي عليه رحمة الله قائلا: "شوف يا أخ مصطفى إبليس عارف قيمة صلاة العصر إزاي ..؟ " (كيف ربط الشيخ رفاعي بين صراعنا القدري مع إبليس ومجاملة مسيلمة في صلاة العصر لمخطوبته سجاح.. إنه كان ينظر إلى أصل الأمر وحقيقة الصراع).
وله كلمة عظيمة رحمه الله في هذا الأمر يحث المؤمن فيها على الاحساس بعداوة إبليس له قائلا رحمه الله:"وهذا هو الإحساس الواجب في مواجهة تركيز الشيطان على الدعاه إذ يجب أن يكون الداعية إحساسه بأنه هو بعينه وبشخصه وباسمه هدف للشيطان لأن هذا الاحساس هو الذي ينشيء الموقف اللازم لمواجهة هذا التركيز" عندما ترعى الذئاب الغنم.
ومن حبه لصلاة العصر رحمه الله وحرصه على إقامة حكم الله على الأرض كان يشرح لي دائمًا علاقة العصر بوقت النصرة للمسلمين وعلاقته بالعهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى على الناس وهم في ظهر أبينا ادم عليه السلام، وعلاقته برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثم تخرج روحه وهو يتوضأ لأداء صلاة العصر...! رحمه الله وجمعنا واياه مع امام أمة العصر " صلى الله عليه وسلم "
أسأل الله أن يجعلها له شهادة في سبيله وتفوح رائحة المسك الذكية مع دمه حتى أنه في خضم آلام الحزن والألم تعمدت أن أسأل الجميع ممن حوله: هل وضع أحدكم له عطرا..؟ وأنا أشم رائحة ذكيه تخرج مع دمه في جرح الموت، والكل يبكون وأنا مصر على هذا السؤال: لإثبات هذه الرائحة الذكية..
ثم يدفن في اليوم التاليساعة صلاة العصر أيضًا فيراني ابنه الشيخ المهندس ابن أبيه عمر بعد أيام فيقول لي:
تذكرتك أثناء الدفن يا أخ مصطفى ببحث صلاة العصر وإصرار الشيخ على كتابته دون غيره !!
لقد كانت جنازته نموذجًا حيًا لرحلة شيخ في دعوته، فاجتمعت له جميع أطياف الحركة الإسلامية المتفق والمختلف، القاصي والداني، لأنه رحمه الله كان دائما مايجمع بين أبناء الحركة، ويجمعهم ولا يفرقهم، وإن أخطأوا في حقه عذرهم..
وإن اختلفوا وتجادلوا.. جمعهم حتى وفق بينهم وأرضاهم عن بعضهم..
وكان لا يتوانى في أن يدافع عن أي واحد من أبناء الحركة وإن اخطأ قائلاً: "هو إنسان مخلص، أوهم عايزين نصرة الدين".. ليكون تجميعه لهم في حياته هو إقرار منهم في جنازته أنه "أستاذ الحركة الاسلامية في هذا العصر" باقرار الحال والمقال.
وعدت مرة من مدينة الزقازيق فقلت أدخل المقابر لأسلم على حبيبي.. فقابلت الرجل المسئول عن المنطقة، فقال لي إن هذا القبر خرجت منه رائحة جميله لفترةبعد دفنه وكان يشمها كل الحاضرين، وكان الناس يسمعون بذلك فيخبرون غيرهم ويأتون فيألون على ذلك فتذكرت عندما كان يعطي الاخوة زجاجا العطر والطيب التي كانت تأتيه هدية وايثارا على نفسه.. "الجزاء من جنس العمل".
رحم الله الشيخ رحمة واسعة ونفعنا بفهمه في الامتثال لأمر اللهفي الدنيا، وألحقنا به في ظل عرش الرحمن يوم القيامة..
وكنت أقول له دائما:أنا بحبك في الله يا شيخنا حًبا جماً.. فيرد علي بحكمة شديدة:
"ربنا ينفعك بهذا الحب يوم القيامة!!".
فتفكرت فيها فعلمت أنَ جزاء الحب في الله هو ظل العرش ابتداءً يوم تدنو الشمس من الرؤوس فيغبط من في المحشر المتحابين على ظل عرش الرحمن، فتأملت دقة حكمة هذا العملاق حتى في الدعاء وكان ينهي لقائنا دائما وكنت سائقه المحبب كما أزعم بظني ذلك قائلا: "ربنا يبارك في عمرك" فكنت أطلب منه أن يكررها عليه رحمة الله.
لم يرفع صوته عليا وينهرني على خطأ إلا مرتين:
الأولى: "قام أحد الإخوة بعمل وليمة وقال لي عايزين الشيخ رفاعي واعزم أنت الإخوة، فجئت بالأقصى من اليمين وعكسه من التيارات الإسلامية، وحدثت مناقشة فكرية حادة على الأولويات، فنهرني الشيخ على الجمع بين هذا وذاك قائلا: "ما ينفعش ده مع ده".
الثانية: "كنا في سفر فصليت به إماما وخففت في الصلاة لعلمي بحالته الصحية رحمه الله، وكان مجهدا يومها ولا يستطيع أن يحتفظ بالوضوء لفترة طويلة، فنهرني قائلا: "كده الصلاه يا أخ مصطفى".
كان رحمه الله لا يغضب إلا لله.. ولا يغضب لنفسه قط..
لقد كان كثير المزاح مع الجميع فلا يشعر أحد أنه شيخ عالم من شدة تواضعه للغير ومزاحه معه بلا تلفظ ولا تكلف ... حتى مع الاضداد ، دخلت عليه مرة فرأيت رجلين عنده منهم واحد ملتحي فجلست وكان الشيخ يكرمهم جدا ، و يقول : للراجل الملتحي يا.. شيخنا .. فظننت انه من اهل العلم ، ثم رأيت على المنضدة كتابا عن القاديانية فتناولته ثم أدركت ان الضيوف قاديانيين فعلمت حكمته في مناظرة الاخر باللين و الرحمة وكان يشفق عليهم ولا يستعديهم وكان دائما يذكر أسرى بدر انهم أسلموا جميعا ... لأنهم أسرى الملائكة ودور الملائكة في الهداية ... فكان يحب جدا أن يكون دوره هاديا للناس شفقة عليهم ورحمة بهم رجاء رضى الله عليه و أن يرفعه في مقامات الهدايه .
لم يره فأحبَه حبًا شديًدا:
أهديت كتاب أصحاب الاخدود الذي كتبه شيخنا رحمه الله دون العشرين عمره إلى الشاعر السوري "مصطفى عكرمة" ويلقب بشاعر الإسلام، فجاءني سريعًا بعد قراءته له مستفسرًا عن صاحب هذا الكتاب ليثني عليه كثيرا وتعجَب كثيرًا عندما علم أنهقد كتبه مبكًرا من عمره، فقال لي: "لا يكتب هذا الفهم إلا رجل فوق الستين".
وأنشأ قصيدة ثناء على شيخنا وما رآه وكلما يراني يقول لي: "ليتني قابلته ولو لساعتين فقط".
رفاعي المقالة والفعال سرورا جاء من رب الجلال
نماه الله للإسلام ذخرا وهيأه لكشف أولي الضلال
لــســان صادق بالحق نادى فأوشك أن يكون بلا مثال
سيبقى علــمـه للناس كـــــنزا به يهدى على مر الليالي
فمنه كم أفـاد النـاس علـماً بليغ واضح سهل المنال
فخيرالعـلـم عــلـم كان ممن تـنـاقله لنا خير الرجال
فزاد الله منه الناس نفعا بعصر زاد فيه أولو الجدال
يجادل لا يجادل في مراء ولكن للوصول إلى الكمال
وهل كهدى الإله لنا كمال بأفعال تنم عن المقال
فكان إليه داعية بصدق وإخلاص يظل بلا زوال
وزاد الله عالمنا سرورا بما أهداه من طيب الخصال
كريم الخلق محمود السجايا غزير العلم يسعى للأعالي
فأمسى حجة لله فيه ويبقى الفضل منه بلا مثال
يتابعه رجال منه بنيه ومن ربى فهم فخر الرجال
نجوا من شر كلف واختلاف ليبقى نهجه النهج المثال
.... .... .... .... .... ....
*** تمتلىء سريرتي بالكثير عنه من مناقب وشمائل الشيخ قد يظنها البعض بسيطه أو مغالاة ولكن والله لا تجتمع في زماننا للكثير .
*** وجدت فيه شدة كرم حاتم الطائي رغم شدة الفقر ... كيف لا أعلم .
*** وجدت فيه قوة سيدنا عمر بن الخطاب رغم لطفه ولينه ورحمته بغيره .
*** وجدت فيه خفاء " اسكافي ابن المنكدر " والقصة مشهوره رغم عالم الظهور والشهرة .
*** وجدت فيه ابن القيم عندما يكتب عن النفس البشرية وسياستها في واقع الغربة الثانية .
*** وجدت فيه ابن تيمية عندما اراد يؤصل للواقع ممارسته السياسية الاسلامية الصحيحة بعيدا عن استقاء سياسة اهل الباطل .
*** وجدت فيه بناة الحضارة عندما أراد أن يربط الفطرة ببناء الحضارة الاسلامية من خلال المنهج الرباني في استرجاع الخلافة " كتاب قدر الدعوه " .
*** وجدت فيه الامام " الحرالي " المغربي امام علم المناسبة سابقا عندما أدرك تناسب النصوص القرانية والنبوية وفهم خفايا ترابطها .
*** وجدت فيه كثير وكثير ... لا تدرك الكتابة " احساسه " والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا .
لم أرى مثله حتى الان واني قد استخلفت الله فيه واسترجعته فيه عسى ان يهبنا الله بأفضل منه على أعيننا ليقود الامة " بالعلم والحركة " نحو العزة والكرامه كما كان شيخنا رحمه الله يسهر الليل اما في تجميع التيارات الاسلامية على الحق والألفة ولأخوة أو في دراسة مناسبة الايات بالسنة .
في اخر ايامه كانت تحكى له رؤى ترى له فكان يقول : " أنا حاسس ان ربنا بيناديني " لقد أحسن ظنه بربه في أخر عمره والله أكرم به منا .
رحمه الله رحمة واسعه وجمعنا واياه في زمرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
مصطفى الاشقر
تعليق