ثانيًا: إعتراف القرآن بالكتاب المقدس وعدم تغيره !
هذا هو العنوان الذي ابتدأ به القمص كلامه ، وهذا عمل أُريد به باطل ، فإن القرآن الكريم لم يعترف للحظة واحدة بأن الكتاب الذي يُدعى " الكتاب المقدس" هو التوراة و الإنجيــل أو أنــه لــم يتغير بل على العكس , وسوف ترى عزيزي القاريء خداع وتحريف القمص , والذي إن دل على شيء فإنما يدل على بطلان معتقده وفساد منهجه في البحث والنقل !
تفسير الآيات القرآنية التي تمدح التوراة والإنجيل
القاعدة العامة للتفسير : يمكننا أن نذكر هنا قاعدة عامة يستطيع القاريء أن يجعلها أساسًا لتفسير آيات القرآن الكريم , بشأن التوراة والإنجيل وأهل الكتاب , وهى أن مدح القرآن للتوراة والإنجيل إنما هو مدح للتوراة التي أنزلت على موسى حقًا , والإنجيل الذي أنزل إلى عيسى حقًا كذلك , وهذا لا يناقض مطلقًا أن الجهل والفساد قد أفضيا إلى تحريف كثير منهما , وفقدان الصحيح , وعدم تواتره , فلما نزل القرآن بجميع الفضائل التي في الكتب المنزلة من عند الله , وأقرها وحفظها , كما حفظ غيرها من الشرائع والأحكام التي أنزلها الله تعالى والمناسبة لكل أمة من الأمم التي أُرسل لها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , من لدن القرآن إلى انقراض العالم , لأنه مرسل للناس كافة , وخاتم النبيين , فتواترت المعاني الفاضلة التي أنزلها الله مجددًا للتوراة والإنجيل الحقيقين , حافظًا لهما من الضياع , فهو مهيمنًا ( حافظًا ) على التوراة والإنجيل الحقيقيين بدون شك , وكما أنه مهيمن على المعاني الصحيحة الموجودة في التوراة والإنجيل فقد نبه على الفساد الذي عرض لهما , سواء كان في باب العقائد , أو في باب المعاملات أو في باب العبادات . ( أدلة اليقين في الرد على مطاعن المبشرين والملحدين ص 26 ) .
يقول القمص ص7 : ( يعترف القرآن بالكتاب المقدس أنه واحد يشكل العهدين فقال : {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ }الأنعام156) .
وهذا هو الجهل البين ، فليس في الدين الإسلامي شيء اسمه العهد القديم والعهد الجديد ، فالتوراة والإنجيل الوارد ذكرهما في آيات القرآن الكريم هما التوراة ( توراة موسى ) والإنجيل( إنجيل عيسى ) –كما سنبين إن شاء الله- اللذان لم يحرفا واللذان يخلوان من تلك العقائد الباطلة التي تزعم أن لله ولد وأن المسيح إله أو إبن الإله والتي تجعل عقيدة التثليث وعقيدة الصلب والفداء أساس الإيمان , بل إن تلك العقائد هى أكبر دليل على أن هذه الكتب قد حرفت لأن القرآن الكريم نفاها نفيًا قاطعًا بل وكفَّر من يؤمن بها !
إن العهدين القديم والجديد ليسا التوراة والإنجيل , وإذا اطلعت على تفسير الآية التي أشار إليها القمص في سورة الأنعام سوف تعلم ما فعله من تحريف في تأويلها , إذ قال المفسرون في تفسير هذه الآية : وقوله تعالى ( عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا ) أي اليهود والنصارى.
فأين إذاً إعتراف القرآن الكريم في هذه الآية بأن الكتاب المقدس يشكل العهدين ( القديم والجديد ) كما زعم القمص ؟! لكن هذا ما يروج له حضرة القمص لتضليل الآلاف من النصارى البسطاء الذين يطلعون على كتابه والذي لا يُرَوَج له إلا داخل الكنائس !
والآن لنستمع إلي القمص وهو يقول ص 7 : ( يدعو القرآن الكتاب المقدس أنه الكتاب المنير : {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ }آل عمران184. وفي تفسير الجلالين : " الْمُنِيرِ " أي الواضح وهو التوراة والإنجيل ) .
عجبتُ من أمر القسيس !
من الذي ادعى يا جناب القمص أن كتابك " منير " أصلاً ؟! إن الكتاب المقدس نفسه لا يقول عن نفسه أنه " منير " , بل ولا حتى يقول عن نفسه أنه " مقدس " ، بل أنتم الذين قلتم عليه أنه مقدس عندما جئتم بالتوراة المحرفة التي لدى اليهود واخترتم أربعة أناجيل من بين أكثر من 200 إنجيل , ولم يكن بينهم إنجيلين متطابقين ولا بينهم إنجيل المسيح الذي وعظ وبشر به وكل ذلك كان بالإقتراع وليس بوحي من الله , ثم أطلقتم في النهاية عليهما بعد كل ذلك العهد القديم والعهد الجديد !
فكيف علمتم يا حضرة القمص من بين كل هذه النسخ أن هذا هو كلام الله ؟! إنه عملكم أنتم ، وقولكم أنتم ، والله منه بريء , ثم في النهاية قلتم أن هذه هى التوراة وهذا هو الإنجيل !
لقد ادعى القمص أنه قد جاء في القرآن الكريم أن " الْمُنِيرِ " هو الكتاب المقدس , وهذا من تحريفه وتزيفه للحقائق , لأنه وبكل بساطة لا توجد آية في القرآن الكريم تزعم ما زعمه القمص من أن القرآن الكريم يدعو ما يعرف بـ " الكتاب المقدس " أنه الكتاب المنير , والذي جاء في تفسير الجلالين أن كلمة " المنير " أي الواضح وهو التوراة والإنجيل – وليس الكتاب المقدس – ( تفسير الجلالين ص 93 ) .
وكما بينت وسوف أبين إن شاء الله أن الكتاب المقدس ليس التوراة والإنجيل , لكن هذا ما يروج له القمص لأنه يعلم قدر التوراة والإنجيل عندنا .
وفي تفسير نفس الآية قال ابن كثير : وقوله " الْكِتَابِ الْمُنِيرِ " أي الواضح الجلي . ولم يقل ابن كثيـر رحمــه الله أنه التوراة والإنجيل , فلماذا لم تنقل ما جاء في تفسير ابن كثير يا حضرة القمص وهو عندنا أصح وأدق من تفسير الجلالين ؟!
والإجابة : لأنه لا يوافق مخطط القمص ولا يوافق معتقــده الباطل بأن التوراة والإنجيل هما الكتاب المقدس .
قال ابن حزم – رحمه الله – : ( أما إقرارنا بالتوراة والإنجيل فنعم , وأي معنى لتمويهكم بهذا ونحن لن ننكرهما قط بل نكفر من أنكرهما ؟ إنما قلنا إن الله تعالى : أنزل التوراة على موسى عليه السلام حقًا , وأنزل الزبور على داود عليه السلام حقًا , وأنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام حقًا , وأنزل الصحف على إبراهيم وموسى عليهما السلام حقًا , وأنزل كتبًا لم تسم لنا على أنبياء لم يسموا لنا حقًا , نؤمن بكل ذلك .... وقلنا ونقول : إن كفار بني إسرائيل بدلوا التوراة فزادوا ونقصوا , وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء "لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ " الأنبياء23 . " لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِه "الرعد 41. وبدل كفار النصارى الإنجيل كذلك فزادوا ونقصوا , وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء ) ( الفصل في الملل والأهواء والنحل 1/314 ) .
ويستمر القمص في تحريفه قائلاً ص 7: ( يشهد القرآن للمسيحيين أنهم يتلونه حق تلاوة ( أي الكتاب المقدس ) – البقرة 121 ) .
لاحظ أيها القاريء أن القمص لم يذكر الآية كالمعتاد بل أشار للموضع فقط , أتعلمون لماذا ؟ لأن الآية تقول {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }البقرة121, فأين المسيحيون من الآية الكريمة ؟!
ويستمر قائلاً : ( أنه جاء في تفسير الجلالين أن هذا معناه : أن الكتاب هو هو لم يتغير كما أنزل بمعنى أنه لم يحدث فيه تغيير أو تبديل أو تحريف ولن يتبدل إلى الأبد ) !
هذا ما زعمه حضرة القمص أنه موجود في تفسير الجلالين , والآن لنستعرض ما جاء في تفسير الجلالين , إذ جاء فيه في تفسير هذه الآية ما نصه : ( ( الذين أتيناهم الكتاب ) مبتدأ ( يتلونه حق تلاوته ) أي يقرؤونه كما أُنزل والجملة حال و ( حق ) نصب على المصدر والخبر ( أولئك يؤمنون به ) نزلت في جماعة قدموا من الحبشة وأسلموا ( ومن يكفر به) أي بالكتاب المؤتى بأن يحرفه (فأولئك هم الخاسرون ) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم ) ( تفسير الجلالين ص 25 ) .
إن هذا التحريف الذي نراه بالمقارنة بما سوف نراه من القمص فيما بعد لا يعد شيئًا البتة !
فقوله تعالى : ( الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) أي الذين آتـيناهم الكتاب يا مـحمد – صلى الله عليه وسلم – من أهل التوراة الذين آمنوا بك (مثل عبد الله بن سلام وأصحابه وكعب الأحبار ومثل الآلاف من اليهود والنصارى الذين دخلوا فى دين الله أفواجًا ) يتبعون كتابـي الذي أنزلته علـى رسولـي موسى – صلوات الله علـيه – فـيؤمنون به , ويقرّون بـما فـيه من نعتك وصفتك , وأنك رسولـي فرض علـيهم طاعتـي فـي الإيـمان بك والتصديق بـما جئتهم به من عندي, ويعملون بـما أحللتُ لهم , ويجتنبون ما حرّمت علـيهم فـيه , ولا يحرّفونه عن مواضعه ولا يبدّلونه ولا يغيرونه ، وقوله تعالى ( يَتْلُونَهُ حَقّ تِلاَوَتِهِ ) أي يتبعونه حقّ إتبـاعه ، فالله جل ثناؤه يخبرنا أن متبعي التوراة هم الـمؤمنون بـمـحمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى :{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الأعراف157, وهم العاملون بـما فـيها ، ولهذا تبعها الله جل وعلا بقوله (أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي : من أقام كتابه من أهل الكتب المنزلة على الأنبياء المتقدمين حق إقامته آمن بما أرسلتك به يا محمد لأن فيها وصفك ونعتك وخبرك , كما قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ }المائدة66, وقوله تعالـى ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَـاولَئِكَ هُمُ الـخَاسِرُونَ ) فيعنـي جل ثناؤه : ومن يكفر بـالكتاب الذي أخبر عز وجل أنه يتلوه من آتاه من الـمؤمنـين حقّ تلاوته , ويجحد ما فـيه من فرائض الله ونبوّة مـحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه , ويبدّله , ويحرفه أولئك هم الذين خسروا علـمهم وعملهم فبخسوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله واستبدلوا بها سخط الله وغضبه .( تفسير الطبري 1/566-596 , وابن كثير 1/196 بتصرف ) .
فهل اليهود والنصارى يقرون بذلك ؟!
فإن قلتم نعم يُلزمكم هذا الإقرار : الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن الكريم والقول بأن الكتاب المقدس ليس التوراة والإنجيل ، وإن قلتم لا : فاقرؤوا إن شئتم تتمة الآية التي استشهد بها القمص : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَـاولَئِكَ هُمُ الـخَاسِرُونَ ) !
يقول القمص ص 7 : ( ويعتبر القرآن الكتاب المقدس أنه كلام الله الذي لا يتغير " وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ " آل عمران 3 ، " لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ " الأنعام 34 ، 115 والكهف 27 ، ويونس 64 ) .
وأستفتح الرد مستأنسًا بقول المولى سبحانه وتعالى : { إِنّ الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاّ النّارَ وَلاَ يُكَلّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أليم * أُولَـَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضّلاَلَةَ بِالْهُدَىَ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النّارِ ذَلِكَ بِأَنّ اللّهَ نَزّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ وَإِنّ الّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } البقرة 175-176 .
لنرى الأن ماذا فعل القمص بكلام الله :
قال تعالى : {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ *مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ}آل عمران3-4. لقد حذف القمص هذا الجزء من استشهاده ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) والذي هو دليل على أن القرآن الكريم هو كلام الله الموحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم والـمُنَزَّل عليه , ثم أخذ الجزء الباقي من الآية وهو (وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ) ووصله بالآية الرابعة ، وحذف من الآية الرابعة ( وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ )أي القرآن الكريم , ثم كتب نتاج ما حرفه فكان هكذا : (وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ) , ثم قال بعدها(آل عمران 3) مخترعاً بذلك آية جديدة في كتاب الله !
ولم ينته الخداع إلى هذا فقط بل امتد بأن جاء بآية أخرى من سورة أخرى وهى سورة الأنعام الآية 34 : {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ }الأنعام34 ، فحذف الآية إلا جملة (وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ) ووضعها بجانب الجزء المقطوع السابق , فكانت المحصلة : ( " وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ " آل عمران 3 ، " لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ " الأنعام 34 ) !
ويستدل القمص من قول المولى جل في علاه في سورة الأنعام : ( لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ) أن كتابه المقدس لم يتغير أو يتبدل !
إن قول المولى عز وجل : ( لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ) أي مواعيده وسننه الكونية من تحقق النصر للمؤمنين ولو بعد حين كما قال تعالى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ }الصافات 171-172 . وقوله تعالى : {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }المجادلة21. ( تفسير الجلالين ص 167 , تفسير ابن كثير 3/151 ) .
يقول فضيلة الدكتور/ محمد شوقي الجزيري في تعليقه على آية الأنعام 34 : {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ }الأنعام 34: ( وهذا معناه البديهي الذي يدركه كل من له إلمام باللغة العربية : إن معنى الآية أن الله قد أنفذ وعده لرسله الصابرين فنصرهم , لأن وعده لا تبديل له , فالكلمات التي وعدهم بها في قوله تعالى : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }غافر51. لا تبديل لها , فأين هذا الذي فهمه المبشرون ؟ وهل يصح للمستدل أن يقدم دليلاً قبل أن يتثبت من معناه , ويتأكد أنه لا يحتمل إلا ما يقول ) ( أدلة اليقين ص 38 ) .
يتبع ....
تعليق