إذا فالفرض الذى تؤمنُ به هو الآتى :
أنا فقيرٌ دعوت الله أن يرزقنى المال .. عندما سمع الله دعائى رقَّ لحالى فوهبنى المال .. هذه ليست صورة عن الله هذه صورة عن "عفركوش بن بتركوش" أو "مصباح علاء الدين" أو "خاتم سليمان".
الله :
يعلمُ قبل أن يخلقك أنك ستكونُ فقيرا وأنَّك ستدعوه ويُقدِّرُ قبل أن يخلقك أنَّك عِندما تدعوه سيجيبُ دعائك .. فحصولُ الإجابة سابق على الدعاء ولكن ظهورَ الإجابة لاحق للدعاء .. أى فحصولُ المال سابقٌ على الدعاء لأنه مُقدَّرٌ بتقدير الله منذ القِدم ولكنَّ ظهورَ المال فى الواقع أو مجيئه لكَ يكونُ بعدَ الدعاء.
المثال على ذلِك فى قِصَّة زكريا عليه السلام :
لو تأملت فى القصة قليلا لوجدت وكأنَّ الأحداث كلَّها مُرتبة مِن الله لكى يدعو زكريا بالولد .. لاحظ أنَّه رجلٌ طاعن فالسن وزوجته عاقر فالقضية منهية والحال هكذا لا يمكن أن يرزقه الله الولد فهو مستسلم لقضاء الله لسان حاله "الحمد لله على كل حال" ولكن انظر .. قبل هذا الموقف بسنين تحمل امرأة عمران فتنذر ما فى بطنها لله فيأتى الله تعالى لها بأنثى لا بذكر ثم يتقبلها بقبول حسن وينبتها نباتا حسنا ثمَّ ..... يكفلها زكريا ثمَّ .... كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا .. هنالك يدعو زكريا ربَّه .. وهنا تناديه الملائكة وهو قائم يصلى فالمحراب أن الله يبشرك بيحيى .. حاول أن تغير أىَّ حدث مِن أحداث هذه السلسلة .. لا تحمل امراة عمران .. أو لا تنذر ما فى بطنها لله .. أو تنجب ذكرا .. أو لا يكفلها زكريا .. أو لا يجد زكريا عندها رزقا .. أى خلل فى السلسلة نتيجته ألا يدعو زكريا ربه وألا يهبه الله الولد.
نقطة أخرى فى هذه القصة .. قال الله فى سورة مريم { يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا } .. هذا الغلامُ هل كان موجودا قبل ذلِك ؟ هل كان مقدرا فى علم الله ؟ هل كانت روحه مقدرة عند الله ؟ هل كان من الذرية التى أشهدها الله فى قوله سبحانه { وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ... } .. فكيف قدَّره الله لزكريا إلا لو كان قد استجاب دعاء زكريا قبل أن يدعوه .. استجاب دعاءه لأنَّه علم أن امراة عمران ستحمل وأنَّها ستنذر ما فى بطنها لله وأنَّها ستنجب أنثى وأنها سيكفلها زكريا وأنه سيجد عندها رزقا وأنه سيدعو الله بالولد فقدَّر له سبحانه فى علمِه الزلى الولد لعلِمه أنَّه فى يومِ كذا فى ساعة كذا سيدعوه بالولد .. عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.
لا شكَّ أن الله أعطى الاختيار للإنسان ولكن هل معنى أنّه أعطاه الاختيار أنه سبحانه لا يعلم ماذا سيختار ؟ .. هل معنى أن الله أعطاك حرية قيادة السيارة أنه لا يعلم أنك سترتكب ذلك الحادث ؟ أو هل معنى أنه أعطى لآدم عليه السلام حرية الأكل من الجنة حيثما شاء أنه كان لا يعلم أنه سياكل من الشجرة المحرمة ؟ فهل معنى أنه أعطاك الحرية فى الدعاء أو عدمه أنه لا يعلم ما إذا كنت ستدعوه أو لا ؟!!
أجب عن هذه الأسئلة تعرف جواب ما سألت عنه.
الأسبقية فى الكلام ليست دليلا على الأسبقية فى الزمان .. الدليل على الأسبقية فى الزمان هو قدَمُ علم الله سبحانه وتعالى وإنما كانت الإشارة فى كلامى إلى هذه المقابلة الدقيقة بين ترتيب الأفعال فى الآية وبين ترتيب الأحداث فى الواقع حسب العقل والمنطق .. فكما أن العقل والمنطق يخبراننا أن الإجابة سابقة على الدعاء فكذلك جاءت الإجابة فى الآية سابقة على الدعاء وهذه مجرد ملاحظة وليست استشهادا أو تدليلا !
أرى أن أعود لإكمال ما بدأته فبه يتضح الأمرُ أكثر بإذن الله.
يتبع بإذن الله.
تعليق