يسألونك عن الشريعة - للدكتور صلاح الصاوي.

تقليص

عن الكاتب

تقليص

عبدالله المصري مسلم اكتشف المزيد حول عبدالله المصري
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالله المصري
    المدير الفني
    • 2 نوف, 2008
    • 2704
    • هندسة
    • مسلم

    يسألونك عن الشريعة - للدكتور صلاح الصاوي.

    يسألونك عن الشريعة (1) : المقصود بتطبيق الشريعة.

    إذا كان الاتجاه الإسلامى على إختلاف فصائله يتمحور حول الدعوة إلى تطبيق الشريعة، فما مقصوده بالشريعة على وجه التحديد؟ الحدود مثلا؟

    الشريعة هى كل ما شرعه الله لعباده من الدين، فهى بمعناها العام تشمل كل ما جاء به الإسلام من العقائد والأخلاق والعبادات والمعاملات، وبمعناها الخاص تطلق على الأحكام العملية من العبادات والمعاملات.

    والشريعة بهذا المعنى الخاص هى التى كانت تتفاوت من رسالة إلى رسالة وفق ما اقتضته الحكمة الإلهية كما قال تعالى (( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا )) المائدة 48 ثم استقر الأمر على شريعة الإسلام التى ختم الله بها الشرائع ونسخ بها الملل وجعلها دينا واجب الاتباع إلى قيام الساعة.

    قال تعالى: (( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ )) الجاثية 18.

    فالمراد إذن بتطبيق الشريعة هو الشريعة بمعناها العام الشامل الذى يترادف مع كلمة الدين، فيكون المقصود حراسة الدين عقائد وأخلاقا وأحكاما، وسياسة الدنيا به.

    أما اختزال الشريعة فى الحدود فقط فهو محاولة للتشويش أرجو أن يترفع عنها المنصفون، فما الحدود إلا باب من أبواب المعاملات، وما المعاملات إلا قسم من أقسام الشريعة بمفهومها العام والشامل، ورحم الله امرءا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم!

    كتاب: "يسألونك عن الشريعة حوارات حول الشريعة والعلمانية"

    للدكتور صلاح الصاوي
    رئيس الجامعة الدولية وأمين عام مجمع الفقهاء بأمريكا
    -----------------------------------------------------------
    نقلاً عن رابطة النهضة و الإصلاح
    (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) الزمر46
    (اللهم رب جبرائيل ومكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) من حديث استفتاح النبي - صلى الله عليه و سلم - صلاته بالليل.
    الراوي: عائشة - المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 770 خلاصة الدرجة: صحيح

    (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) الفرقان 31
    (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) آل عمران 8

  • عبدالله المصري
    المدير الفني
    • 2 نوف, 2008
    • 2704
    • هندسة
    • مسلم

    #2
    يسألونك عن الشريعة (2) : أي الشرائع يريدون ؟!

    ولكن الواقع العملي يقول : إن هناك شرائع متعددة ، فهناك شريعة الخوميني في إيران ، وشريعة النميري في السودان ، وشريعة ضياء الحق في باكستان ، وشريعة ال*****ين في السعودية ، فأي شريعة من هذه الشرائع يريدها التىار الإسلامي ؟ ولماذا؟ وإذا كانوا لم يتفقوا على شريعة فيما بينهم فكيف يدعوننا إلى أمر مبهم لم يتفقوا على مضمونه بعد ؟

    - ليست هناك شرائع متعددة إنما هي شريعة واحدة بعث الله بها نبيه محمدا وألزم أتباعه بالحكم بها والتحاكم إليها إلى قيام الساعة ، ولكن هذه الشريعة تشتمل على نوعين من الأحكام :

    أولها : المحكم : وهو ما كان موضعا لدليل قاطع من نص صحيح أو إجماع صريح .

    والثاني : المتشابه : وهو ما تفاوتت فيه الاجتهادات وتعددت فيه الآراء لعدم قطعية أدلته ثبوتًا أو دلالة .

    فالأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع هى الشرع المحكم الذي ليس لأحد خروج عنه ولا منازعة فيه من شذ عنه فقد شذ إلى النار ، ومن فارقه فقد فارق الجماعة وافتتح باب ضلالة ، أما ما وراء ذلك من الاجتهادات فهي الشرع المؤول والأصل هو المقابلة بينها لاختيار أقواها حجة وأرجاها تحقيقا لمصالح المسلمين ، ومنها ما تتغير في الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال ، ولقد كان للشافعي مذهب في العراق وأصبح له مذهب في مصر ، ولكن هذا التغيير ضمن قواعد وأطر منضبطة يعرف ذلك المتخصصون، وليس لمجرد الهوى والتشهي ، لأن حقيقة التكليف : إخراج المكلف عن داعية هواه إلى طاعة مولاه .

    وعلى هذا فالإسلام الذي ننشده وينشده كل مسلم هو إسلام الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة ، هذا هو المحكم الذي لا جدال فيه ولا مماراة ، أما ما وراء ذلك من الظنيات والمتشابهات ، فهو من موارد الاجتهاد التي لا يضيق فيها على المخالف ، ولأهل العلم في كل عصر أن يرجحوا ما تقتضيه الأدلة ويحقق المصلحة ، ولا حرج أن تتفاوت هذه الاجتهادات من قطر إلى آخر حسبما تقتضيه المصلحة ويرفع الحرج عن المكلفين ، بل و أن يعاد النظر فيها من حين لآخر كلما طرأت ظروف وتجددت أحوال تقتضي هذه المراجعة حتى تبقى دائما في هذا الإطار .

    فلسنا ملزمين باجتهاد بعينه من هذه الاجتهادات ، ولا بتجربة بعينها من هذه التجارب ، ولكن يقال : ما ثبت حكمه بدليل قاطع من الكتاب أو السنة أو الإجماع فهو شريعة محكمة لا يحل لأحد أن ينازع فيه كائنا من كان لقوله تعالى :

    (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) النساء : 115

    (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا )) الأحزاب: 36

    وما كان من مسائل الاجتهاد فلعلماء كل دولة أن يقابلوا بين الآراء المختلفة لاختيار ما ترجحه الأدلة ، وتتحقق به المصلحة ولا تثريب عليهم في ذلك ولا حرج ، مادام هذا الاجتهاد قد صدر من أهله وعلى و جهه . (*)

    والعجيب أن يجعل بعض الناس من مثل هذه المرونة والتوسعة مادة للإرجاف والتشويش وهي بذاتها من أعظم حسنات هذه الشريعة ومن عوامل خلودها ووفائها بمصالح العباد في مختلف الأزمنة والأمكنة حيث تستطيع الأمة أن تقتبس من هذه الاجتهادات في كل عصر ما يرجحه الدليل وتقتضيه المصلحة بواسطة أهل الحل والعقد من علمائها الثقات العدول ، فهو بذاته رحمة بالأمة وسعة عليها ، إذا ضاق عليها الأمر في مذهب التمست السعة في مذهب آخر ، يحدوها في ذلك قوة الدليل وكفالة المصلحة ولا حرج عليها في ذلك ولاتثريب .

    ولقد شهد بهذا المعنى المنصفون من غير المسلمين ففي المؤتمر الثاني للمجمع الدولي للحقوق المقارنة الذي عقد في كلية الحقوق بجامعة باريس تحت اسم ( أسبوع الفقه الإسلامي ) قرر المؤتمرون فىما قرروا في نهاية المؤتمر أن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات ومن الأصول الحقوقية ، هي مناط الإعجاب ، وبها يستطيع الفقه الإسلامي من أن يستجيب لجميع مطالب الحياة المدنية ، ويأملون أن تؤلف لجنة لوضع معجم للفقه الإسلامي. (1)

    ومن ناحية أخري فإن هؤلاء العالمانيين القائلين بهذه الشبهة يكيلون بكيلين ويزنون بمعيارين ، فعندما يتحدثون عن الإسلام يشغبون عليه باختلاف مذاهبه وتعدد تجارب تطبيقه ، وعندما يتحدثون عن مذاهبهم الوضعية وعقائدهم السياسية لا يكادون يتفقون على تعريف محدد لما ينادون به من هذه النظريات ، ولا يجدون في تعدد مدارسها وتباين مذاهبها مانعا يمنع من تطبيقها ، أو يثني عزمهم عن المناداة بها والدعوة إليها؟

    ولنتأمل هذه العبارة عن الماركسية وهي لأحد الماركسيين المعروفين وهو مكسيم رود ستون الكاتب اليهودي الفرنسي يقول : « الحقيقة أن هناك ماركسيات كثيرة بالعشرات والمئات ، ولقد قال ماركس أشياء كثيرة ، ومن اليسير أن نجد في تراثه ما نبرر به أية فكرة !! إن هذا التراث كالكتاب المقدس [ أسفار التوارة والأناجيل وملحقاتها ] حتى الشيطان يستطيع أن يجد في نصوصا تؤيد ضلالته !!» (2)

    ولنتأمل هذه العبارة عن الاشتراكية لمكسيم لورا يقول : « لا شك في أن هناك اشتراكيات متعددة ، فاشتراكية بابون تختلف أكبر الاختلاف عن اشتراكية برودون ، واشتراكيتا سان سيمون وبرودون تتميزان عن اشتراكية بلانكي ، وهذه كلها لا تتمشى مع أفكار لويس بلان ، وكابيه ، وفوربية ، وبيكور. وإنك لا تجد داخل كل فرقة أو شعبة إلا خصومات عنيفة تحفل بالأسى والمرارة » (3)

    وليست الديموقراطية بأقل حظا من الاشتراكية في هذا التعدد ، فنحن لا نكاد نجد مذهبا في هذا العصر ليبراليا أو اشتراكيا أو شيوعيا إلا ويدعي أن ديموقراطيته هى الديموقراطية الحقة ، وأن ما عداها زائف ومدخول !

    ولا يخرجنا من هذا الجدل وهذا الغموض الاحتكام إلى معايير خلقية أو روحية لأن كل هذه المذاهب تدعى الحرص على الثالوث الفرنسي : الإخاء و الحرية والمساواة ، ولا الاحتكام إلى معايير اجتماعية موضوعية لأن كل مذهب سيبرز معياره فالماركسيون يبرزون المعيار الاقتصادي ، والليبراليون يبرزون المعيار السياسي ويميزون ديموقراطيتهم بالحرية السياسية ويتحدى الصينيون هؤلاء وهؤلاء ويبرزون ما يسمونه بالديموقراطية الجديدة ، كما يتحداهما الثوار الأسيويون والأفريقيون من خلال ما يسمونه بالديموقراطية الاشتراكية وهكذا .

    بل هذا المعني لا يجحده العالمانيون المعاصرون الذين يرفعون العلمانية في وجه الدعوة إلى تطبيق الشريعة فهم يقرون أنه لا يوجد مفهوم واحد في تطبيق العلمانية فالعلمانية في بريطانيا مختلفة عنها في فرنسا ، وكلتاهما مختلفتان عن العلمانية في البلاد الأخري التي تأخذ بها ، وهذا شأن الديموقراطية التي تختلف من بلد إلى آخر ، في انجلترا الملك هو رأس الدولة ورأس الكنيسة معا ، ولكنه لا يملك الحكم ، وفرنسا تفصل الدين عن الدولة فصلا تاما ، وهكذا (4)

    وإذا كان هذا الشأن في العلمانية التي ينادي بها هؤلاء العالمانيون ، فلماذا لم يجعلوا من تعدد مدارسها وتباين نظرياتها مانعا يمنع من الدعوة إليها ، وحائلا يحول دون صلاحيتها للتطبيق كما يريدون أن يشوشوا بذلك على الإسلام ؟ وما بال الإسلام وحده هو الذي يكال له بهذا المكيال الظلوم ؟! أليس هذا هو التطفيف الذي نعاه القرآن على أصحابه يقول تعالى :

    (( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) ))

    ومن ناحية أخرى فإن أغلاط التطبيق وتجاوزات الممارسة لا تحسب في عداد العقلاء المنصفىن على الشريعة في ذاتها وإنما يحاسب عنها من تولى كبرها ، فما كان منها عن خطأ وحسن قصد ولم يكن مرده إلى إهمال أو تفريط فهو في نطاق العفو إن شاء الله ، وما كان منها عن أهواء واستبداد فهو من الجرائم التي تستوجب المساءلة والعقوبة في الدنيا والآخرة .

    هذا وإن كثيرا ممن ذكرت لم يكن لهم توجه جاد إلى تطبيق الشريعة ، ولا أحسب ذلك يخفى على أحد .

    ________________________________________

    (*) قال ابن القيم : " الأحكام نوعان : نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها ، لا بحسب الأزمنة، ولا بحسب الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك ، فهذا لا يتطرق إليه تغيير، ولا اجتهاد مخالف لما وضع عليه . النوع الثاني : ما يتغير حسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا، كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة.)[إغاثة اللهفان لابن القيم : 1/346-348].

    راجع : مشاكلنا في ضوء الإسلام. د. عبد المنعم النمر : 37 . [1]
    راجع : الإسلام والعالمانية وجها لوجه. د.يوسف القرضاوي: 185 . [2]
    المرجع السابق: 184 . [3]
    راجع أقنعة الإرهاب لغالي شكري: 103. [4]

    كتاب: "يسألونك عن الشريعة حوارات حول الشريعة والعلمانية"
    (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) الزمر46
    (اللهم رب جبرائيل ومكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) من حديث استفتاح النبي - صلى الله عليه و سلم - صلاته بالليل.
    الراوي: عائشة - المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 770 خلاصة الدرجة: صحيح

    (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) الفرقان 31
    (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) آل عمران 8

    تعليق

    • عبدالله المصري
      المدير الفني
      • 2 نوف, 2008
      • 2704
      • هندسة
      • مسلم

      #3
      يسألونك عن الشريعة (3) : التفريق بين الشريعة والفقه خطأ و خطر!
      ألا يمكن بناء على تحليلنا السابق التفريق بين الشريعة والفقه، واعتبار الأولى هي المعصومة والثانية مجرد آراء لا تلزم أحدا من الناس؟

      - لقد كان المقصود بتحليلنا السابق هو التفريق بين القطعي والظني، أو المحكم والمتشابه من الأحكام، وبيان أن القطعي أو المحكم لا اجتهاد معه ولا منازعة فيه، ومخالفته مخالفة لما أنزل الله، أما الظني أو المتشابه فهو في محل الاجتهاد، والضابط في التعامل معه والتخيّر فيما ورد بشأنه من اجتهادات قوة الأدلة والوفاء بالمصلحة، فلا يكون القبول أو الرد بمجرد الهوى والتشهي لتناقض ذلك مع حقيقة المقصود من التكليف.

      أما ما ذهب إليه بعض المعاصرين من التفريق بين الشريعة والفقه، وقصر معنى الشريعة على ما ورد في نص مباشر في القرآن أو السُّنة، وإطلاق لفظ الفقه على اجتهادات الفقهاء واستنباطاتهم من الأدلة، ونزع الصفة التشريعية عن هذه الاجتهادات بالكلية فهو تفريق حادث وهو خطأ وخطر.

      لأن الشريعة كما ذكرنا ترد بمعنى عام فتكون مرادفة للفظ الدين عقيدة وشريعة، وترد بمعنى خاص فيقصد بها الأحكام العملية من العبادات والمعاملات.

      أما الفقه فهو كما عرَّفه الأصوليون: الأحكام الشرعية العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية، وقيدوه بالعملية، فتخرج الأحكام الشرعية العلمية وهى مسائل الاعتقاد - وإن كان قد أطلق عليها بعض الفقهاء اسم الفقه الأكبر- وعلى هذا فهو مرادف للشريعة إن قصد بها المعنى الخاص، وجزء منها إن قصد بها المعنى العام.

      ولهذا يجب التفريق في لفظ الشرع والشريعة بين ثلاثة أقسام:

      أحدها: الشرع المُنزَّل: وهو الكتاب والسنة والإجماع ، واتباعه واجب ومن خرج عنه وجب قتاله، ويدخل في أصول الدين وفروعه، فليس لأحد من الأولين والآخِرين الخروج عن طاعة الله ورسوله.

      والثاني: الشرع المُؤَوَّل وهو موارد النزاع والاجتهاد بين الأمة ، فمن أخذ فيما يسوغ في الاجتهاد أقر عليه، ولم تجب على جميع الخلق موافقته، إلا بحجة لا مردَّ لها من الكتاب والسنة.

      والثالث : الشرع المُبَدَّل : وهو المنسوخ أو ما نسبه الناس إلى الشرع وهو ليس منه(1).

      أما وجه الخطر في هذا التفريق فإنه يفضي إلى إلغاء الفقه الإسلامي بالكلية وإطلاق العنان للاسترسال في الأهواء بدعوى المصلحة والتجديد والاستنارة بلا ضابط ولا حرية دينية، وقد ينتهي بأصحابه إلى إهدار الدين كله باسم التطوير والمعاصرة وتحقيق المصلحة ولا أنكى على الإسلام وشريعته من هذا المدخل المريب!

      وإن أصحاب هذا الاتجاه لم يقفوا بالأمر عند حدود الاجتهادات الجزئية بل تجاوزوا ذلك إلى القواعد الفقهية الكلية وهى التي يتم التوصل إليها من خلال الاستقراء الكلِّى لأدلة الشريعة حتى رد بعضهم الأصل للقاضي بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وادعى أنه من اختراع الفقهاء فانتهى إلى القول بوقتية الأحكام وإلغاء ما لا يروق له من الأحكام الشرعية ، الأمر الذي يؤدى إلى خلع ربقة التكليف بالكلية.

      إذا كانت الشريعة كما ذكرت تضم نوعين من الأحكام أحدهما محكم والآخر متشابه ، فما الذي يقلقك من إطلاق لفظ الشريعة على أحدهما والفقه على الآخر ، ولا مشاحة في الاصطلاح كما يقولون؟

      - ليست المسألة مجرد مشاحة في الاصطلاح ، ولو كانت كذلك لهان الخطب، ولكن هذا التفريق جزء من منظومة فكرية متكاملة يراد منها القضاء على الشريعة وهدم الإسلام!

      وكيف ذلك ؟

      - تبدأ القضية بضرب الفقه بدعوى ظنية أدلته وارتباط أحكامه بملابسات الأزمنة والأمكنة التي ظهر بها. وهذا يعني إلغاء جميع ما ذخرت به المكتبة الإسلامية من الفقه مجمعا عليه ومختلفا فيه على مدى تاريخ الإسلام.

      ثم تبدأ الخطوة الثانية بالالتفاف على السنَّة والتفريق بين المتواتر والآحاد، والقول بأن أحاديث الآحاد ليست حجة في باب العمل ، ولا تفيد الحِلَّ والحرمة ، وهو القول الذي لم يعرف له إمام ، ولا سطر من قبل في كتاب من كتب الإسلام فتسقط بذلك حجية السنة.

      ثم تبدأ الخطوة الثالثة بالالتفاف على القرآن ، والقول بأن النص العام يتحول بمجرد أن يتعامل البشر معه بدءًا من النبي صلى الله عليه وسلم وانتهاء بآحاد الناس من منطوق إلى مفهوم ، ومن تنزيل إلى تأويل فيصبح الحكم المستفاد منه حكما بشريا بحتا لا حرمة له ولا قداسة ، بل هو من جنس الاجتهادات البشرية العادية ، لا فرق في ذلك بين بيان الرسول لهذا النص وبين بيان غيره من الناس ، لأن في القول بأن بيان الرسول للنص مطابق لعين مراد الله بهذا النص تأليهًا للنبي صلى الله عليه وسلم.... كذلك يزعمون !

      وهكذا ينعدم اليقين في أحكام الإسلام ، وتنتقل جميع شرائعه من دائرة الأحكام الإلهية إلى دائرة الاجتهادات البشرية ، ومن دائرة المقطوع به إلى دائرة المختلف فيه ، فتسقط حجية القرآن ، وتسقط حجية السنة ، ويسقط الفقه! .. وهكذا ينهدم الإسلام.

      إنه الكيد المحكم الذي بيت بليل واتجهت معاوله إلى الضرب في أصول الإسلام ، ولن يبلغ غير المسلمين في النكاية في الإسلام ما تبلغه هذه الدعوات المريبة.. فياليت قومي يعلمون !!

      -----------------------------------------------------------------------
      (1) مثل ما يثبت من شهادات الزور، أو يحكم فيه بالجهل والظلم بغير العدل والحق حكما بغير ما أنزل الله، أو يؤمر فيه بإقرار باطل لإضاعة حق، مثل أمر المريض أن يقر لوارث بما ليس بحق ليبطل به حق بقية الورثة، فإن الأمر بذلك والشهادة عليه محرمة، وإن كان الحاكم الذي لم يعرف باطن الأمر إذا حكم بما ظهر له من الحق لم يأثم، فقد قال سيد الحكام صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : "إنكم تختصمون إلي، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار " ) . [راجع مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 35/395].

      كتاب: "يسألونك عن الشريعة حوارات حول الشريعة والعلمانية"

      للدكتور صلاح الصاوي
      رئيس الجامعة الدولية وأمين عام مجمع الفقهاء بأمريكا
      (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) الزمر46
      (اللهم رب جبرائيل ومكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) من حديث استفتاح النبي - صلى الله عليه و سلم - صلاته بالليل.
      الراوي: عائشة - المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 770 خلاصة الدرجة: صحيح

      (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) الفرقان 31
      (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) آل عمران 8

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة Islam soldier, 6 يون, 2022, 01:23 م
      ردود 0
      212 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة Islam soldier
      بواسطة Islam soldier
      ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:22 ص
      ردود 0
      42 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة Islam soldier
      بواسطة Islam soldier
      ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:20 ص
      ردود 0
      61 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة Islam soldier
      بواسطة Islam soldier
      ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 07:41 م
      ردود 0
      98 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة عادل خراط
      بواسطة عادل خراط
      ابتدأ بواسطة Ibrahim Balkhair, 4 سبت, 2020, 05:14 م
      ردود 3
      113 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة Ibrahim Balkhair
      بواسطة Ibrahim Balkhair
      يعمل...