ولماذا تقطع أيديكم؟! ردًا على الأسوانى

تقليص

عن الكاتب

تقليص

عبدالله المصري مسلم اكتشف المزيد حول عبدالله المصري
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 1 (0 أعضاء و 1 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالله المصري
    المدير الفني
    • 2 نوف, 2008
    • 2704
    • هندسة
    • مسلم

    ولماذا تقطع أيديكم؟! ردًا على الأسوانى

    ولماذا تقطع أيديكم؟! ردًا على الأسوانى
    دكتور محمد علي يوسف

    آثرت أن أبدأ المقال بهذا السؤال الاستفهامى الخاص بافتراض عجيب افترضه الدكتور علاء الأسوانى فى عنوان مقاله المنشور اليوم بجريدة المصرى اليوم.

    لقد عنون الدكتور علاء مقاله بجملة غريبة قال فيها: قبل أن تقطعوا أيدينا!!

    ولم أفهم من المقال بعدها بصراحة ما المطلوب أن نفعله قبل ذلك؟! لكن الأهم فى رأيى، وما لم ألتقطه كذلك هو ماهية السبب الذى افترض الدكتور لأجله أن هناك من يريد قطع يديه؟!

    فمعلوم أن قطع اليدين عقوبة شرعية خاصة بمن سرق مالاً أو متاعًا، وأعيذك بالله يا دكتور أن تكون من السراق! فلا أدرى لماذا وضعت نفسك فى ذلك الموضع الافتراضى غير المبرر ؟!

    والحقيقة أننى كنت فى حالة نفسية بعد أحداث غزة وحادث أسيوط الأليم دفعتنى إلى التوقف قليلا عن سلسلة مقالات كنت قد شرعت فيها، ردًا على بعض الشبهات التى يكثر تداولها اليوم حول الشريعة وتطبيقها.

    وكنت أظن عملاً بقواعد اللياقة المعروفة؛ التى تقتضى بعض التهدئة؛ أن البعض سيؤثرون تأجيل تلك المعارك لوهلة، ريثما تخرج البلاد من تلك الظروف الأليمة داخليًا وخارجيًا، لكن يبدو للأسف أن أولئك البعض - ومنهم الدكتور الأسوانى - يأبون إلا النزاع.

    لا بأس إذًا؛ أجد نفسى مضطرا للرد بعد انتشار المقال و اعتبار البعض أن ما ذكره الدكتور فيه يعد شبهات تشغب على فهمهم المستقر للشريعة ولعلها فرصة طيبة لتعريف الناس ببعض القواعد الشرعية، والأحكام الفقهية التى ربما تغيب عن كثير منهم فى زحمة الحياة، وقلة وقت القراءة، وسأعتبر ذلك مقاًما هو من الأهمية بمكان لتوضيح بعض الأصول العامة التى بدأ بها الدكتور، والفروع التفصيلية التى جعلها أمثلة، ظنًا منه أنها تعضد وجهة نظره التى تفرق بين معنى الشريعة، ومعنى الأحكام الفقهية؛ وتزعم أن تلك الأخيرة بمجملها مجرد اجتهادات بشرية لا تصلح لزماننا.

    المشكلة الرئيسية دائما أن من يشن هجومًا غالبا ما تكون مهمته أسهل؛ فالشبهة لا تحتاج إلا إلى جملة، أو أقل لتُطرح بينما يحتاج الرد عليها لتفصيل أمين، ومِن ثَمَ تصعب المهمة على الراد؛ لا لصعوبة الشبهات، ولكن لكثرتها؛ مما يؤدى لطول المقال، وجل الناس للأسف لا يصبرون على القراءة المطولة، والردود العلمية، وتستهويهم أكثر الهجمات المثيرة التى يجيدها الأستاذ علاء، ويُكثر منها، بينما كان الأولى به إن أراد النقاش العلمى؛ أن يطرح مسألة موضوعية، وتناقش تلك المسألة بهدوء، لكن ما دام قد فعل فسأكتب ردًا تفصيليًا متكاملا، وربما بعد ذلك أعيد نشره مجزءًا، ومن شاء أن يطلع فليفعل، ومن لم يشأ فعليه أن يعلم أن الرد موجود، وليرجع إليه متى تيسر له.

    لقد بدأ الدكتور علاء الأسوانى بضربة استباقية معتادة بطريقة مألوفة؛ وهى الطريقة الترهيبية التى يظن منتهجوها أنها تقطع الطريق على المخالف خوفًا من أن يقع فى تهمة التكفير التى تصدر بها تلك الطريقة دائمًا، كما فعل الدكتور بسؤاله الذى استفتح به "هل أنت مسلم" ملمحًا على التشكيك فى إيمان من يطرح مثل تلك الأطروحات حول الشريعة، وتطبيقها، والحكم بها.

    والحقيقة أن الآيات القرآنية تَكثر فى هذا الشأن، وفيها هذا السؤال الواضح الذى يستنكر بوضوح على من يدعو لاستبدال حكم الله و شرعه بغيره "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون"

    ما المفترض أن يُفهم من مقالات كاملة تدبج فى شأن واحد؛ وهو عدم صلاحية الشريعة، وأحكامها لكل زمان؟!

    ما الذى يتصوره القارئ حينما يظل الدكتور - وغيره - طوال أسطر مقاله يطرح نماذج من الشريعة فى إطار عدم مناسبتها و استحالة أو خطورة تطبيقها، ثم يختم مقاله بجملته الدائمة الديموقراطية هى الحل؟

    هل مفترض أن نفهم من تلك المقابلة أن الدكتور يدعو لتطبيق الشريعة مثلا، أو أنه يقبلها و يوافق عليها أم أنه يفضل حكم الشعب لنفسه بنفسه عن حكم الله، ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون؟!

    أترك له هو الإجابة عن هذا السؤال بجملة من مقاله؛ أعجبتنى كثيرا فى الحقيقة وهى قوله: "أى مسلم قطعًا يحب أن تطبق شريعة الإسلام" هكذا بلفظه. وأنا أشكره جدًا على هذه الجملة فقد قصرت علىّ طريقًا طويلاً.

    الرجل مُعترف إذًا أن المسلم لا يسعه إلا أن يحب الشريعة؛ لكن المشكلة فى رأيه أننا لا نفهم معنى كلمة الشريعة، ومِن ثَم يقرر أن يطرح لنا (رأيه) فى معنى تلك الكلمة (الربانية)، والاصطلاح (القرآنى) المحكم.

    لقد عرَّف الدكتور علاء الشريعة بقوله: أنها المبادئ الثابتة التى أنزلها الله، وهى تختلف فى رأيه عن الأحكام التى هى على حد قوله من صنع الفقهاء، ولا تعدو كونها مجرد اجتهاد بشرى!

    والحقيقة أننى بحثت جاهدًا عن أحد أهل العلم المتخصصين ممن سبقه بهذا التفريق أو التعريف، أو حتى بتعريف قريب منه، أو يشبهه؛ فلم أجد، ولقد كنت أبحث من باب الأمانة، وإلا فأنا أعلم علم اليقين أن هذا ليس تعريفًا علميًا للشريعة، وإنما هو محض رأى من الدكتور علاء.

    ولو أن الشريعة كانت مجرد نظرية، أو فكرة، أو فلسفة أرضية؛ لربما قبل من الدكتور علاء، أو من غيره أن يفسرها كما يشاء، ولربما وقف له أرباب تلك الفلسفات الوضعية حينئذ معارضين، أو مخالفين، وكل ذلك قد يُقبل فى إطار الاجتهاد البشرى العادى، لكن المشكلة؛ أنه على ما يبدو لم يلحظ الدكتور أن الشريعة مصطلح قرآنى، ومنهج ربانى طالما ذُكر فى كتاب الله بلفظه، ومشتقاته، ومن خلال كلام الله يتبين معناها الاصطلاحى، والشرعى كما فى قوله "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ".

    ففرق هاهنا بين الوصية، والوحى، وبيَّن أن ما أوحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم إنما هو من الشريعة، وأنها هى المنهج المتكامل و الطريق و النظام الذى أوصى الله رسوله وأمته باتباعه "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ".

    ولقد بيّن الحق جل وعلا بوضوح، وجلاء أن هذه الشريعة تختلف من أمة إلى أخرى بخلاف العقيدة التى تتحد، ولا تتباين فقال "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا".

    مِن ذلك، وغيره مما يطول به المقام يتضح أن الشريعة كلمة توقيفية، وأنها نص قرآنى ليس خاضعا لآراء الرجال، وإنما هو علم، ومنهج، وأعتقد أن الزميل الدكتور علاء - وهو بقدر الله زميل مهنة - يعلم جيدًا أن العلم يرجع فيه إلى أهله، وأننا كأطباء أسنان على سبيل المثال لا نملك أن نعرّف التسوس بخلاف ما عرَّفه علماء مهنتنا، أو أن نخوض فى تكوين طبقات الأسنان، والأضراس على هوانا، ودون الرجوع للأصول العلمية التى تعلمناها فى كليات طب الأسنان؟! أوليس ذلك فى حق الشرع النزل أولى؟!!

    من هذا المنطلق؛ أتعجب من تعريف الدكتور علاء الذى لا يحمل أصلاً لغويًا، أو دليلاً شرعيًا يستند إليه، بخلاف تعريفات أهل العلم لكلمة الشريعة، والتى استمدوها من النصوص الشرعية، والأصول اللغوية المعروفة لكل طالب علم، ولو بحث الدكتور علاء سنين عمر سيدنا نوح عليه السلام لما وجد من العلماء، أو المفسرين من عرفها بمثل تعريفه أنها المبادئ الثابتة.

    التعريف الأشهر والأعم للشريعة هـو "كل ما سنه الله تعالى لعباده من أمر أو نهى" وفي الموسوعة الفقهية: أنها تطلق عند العلماء في الأصل على ما سنه الله تعالى لعباده من أحكام عقائدية أو عملية أو خلقية، ثم ذكرت الموسوعة: أنه شاع إطلاقها في العصر الحديث على ما شرعه الله من أحكام عملية، وأن مستند هذا العرف المعاصر قوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [ سورة المائدة: 48]. إذ من المعلوم أن اختلاف شرائع الأنبياء إنما هو في الأمور العملية الفرعية، وأما الأحكام الأصلية فهي واحدة في كل الشرائع السماوية. ولذا أخرج البعض العقيدة من لفظ الشريعة، وجعلوها خاصة بتفصيلات العبادة، والمعاملة.

    المهم أنها فى النهاية تشمل الجزء العملى من التكليف للمسلم، وبذلك يتبين أنها لا يمكن أن تفرق عن الأحكام، وخصوصا تلك النوعية من الأحكام التى ضرب الكاتب بها مثالاً عجيبًا فى عنوان مقاله المشير لحد السرقة. فحد السرقة بالذات، ومثله الزنا، والحرابة، والقصاص من الأحكام التى وردت فى كتاب الله بتصريح، وليست كما زعم الدكتور من اجتهادات الفقهاء القديمة.

    ولو تم إخراج الأحكام من التشريع؛ فكيف يكون الاختلاف بين الشرائع الذى أشرت إليه آنفا فى قول الله "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" والمعلوم أن المعانى العامة التى ذكرها الدكتور من حق، وعدل، وخير تتفق عليها كل الرسالات، بل كيف سيطلب من النبى - كما فى سورة المائدة - أن يحكم بين الناس بما أنزل الله، وألا يتبع أهواءهم، وأن يحذرهم أن يفتنوه عن بعض -مجرد بعض - ما أنزل الله إليه؟!

    أما من حيث الثوابت والمتغيرات التى أشار إليها الدكتور فى طيات كلامه فلا شك أن داخل مصطلح الشريعة يأتى الأمران ويوجد القسمان.

    بل حتى تجد فى الشق الخاص بالثوابت القطعية مساحة رائعة من المرونة؛ تتمثل فى أحكام الاضطرار، والإكراه، وعموم البلوى؛ وهى أمور قد تصل أحيانا إلى جواز أكل الميتة، ولحم الخنزير، وهما محرمان قطعا واتفاقًا كما هو معلوم.

    ولذلك فالفرضية المستمرة أن أحكام الشريعة لا تصلح لكل زمان، ومكان؛ كما تكرر، وتقرر فى كلام الدكتور علاء و غيره هى فرضية تشى بأن صاحبها يغفل هذا الجانب الرائع من الشريعة، وهو التيسير، ورفع الحرج، ويتغاضى عن تلك القواعد التى مآلها أنه حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله، ومقصدها الحفاظ على المقاصد العليا للشريعة من حفظ للدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل.

    للأسف قد أغفل الدكتور علاء فى مقاله الذى بناه على نقد المادة المفسرة لمبادئ الشرعية الجزئية الخاصة بمصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة وهى الكتاب والسنة والإجماع والقياس.قال الإمام الشافعي رحمه الله :
    " وليس لأحد أبداً أن يقول في شيء : حَلَّ ولا حَرُم إلا من جهة العلم ، وجهة العلم : الخبر في الكتاب أو السنة ، أو الإجماع ، أو القياس " انتهى .

    "الرسالة" (39) . ( و البعض أضاف الاستحسان و الاستصحاب و سد الذرائع و المصالح المرسلة و العرف)

    ولإغفال الدكتور هذا التفصيل بدى لمن يقرأ المقال أنها أمور جامدة لا تراعى زمانا ولا ظروفا ولا أحوالا متغايرة وكعادة الكثيرين يقع الدكتور فى رجم بالغيب ويتهم نية الإخوان والسلفيين زاعما أنهم يريدون فرض نموذج بعينه لأحكام فقهية قديمة ودون أن يعضد اتهامه لهذا الأمر الذى لا يطلع عليه إلا الله بدليل دامغ يفيد تلك الإرادة والتى تتضافر الملابسات على نفيها بدء بمطلب مرجعية الأزهر ثم تلك المادة المفسرة نفسها والتى رغم اختلافى مع صياغتها إلا أنها تنسف تلك الأمثلة التى بنى عليها مقاله نسفا وبجملة واحدة ألا وهى "مصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة " تلك المصادر التى أوضحتها آنفا .

    لقد بنى الدكتور علاء مقاله على اتهام للنية، أتبعه بإلزام من اتهمهم بمصنف بعينه قاطعًا الطريق على من يرفض هذا الإلزام بقوله: "لا يملك أحد من الإخوان والسلفيين أن يجرح فى كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق رحمة الله عليه."

    و كأن ضد القبول المطلق الذى يوحى به كلامه؛ هو التجريح، أو الطعن، أى منطق هذا؟!

    كتاب فقه السنة ليس تلمودًا مقدسًا لدى الإسلاميين، وهو مع احترامى لمصنفه طيب الله ثراه فإنه فى النهاية أحد الكتب التى تعج بها المكتبة الإسلامية العامرة، ونقده أو الاختلاف مع بعض ما فيه أمر مشروع، عليه وعلى غيره من الكتب؛ عدا كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه؛ ولا يعد ذلك تجريحًا أو انتقاصًا وإنما يعد منهجًا علميًا معروفًا.

    لقد تلقى عوام المسلمين هذا الكتاب بالقبول لبساطة أسلوبه، ويسره؛ ولعل ذلك دلالة على إخلاص مصنفه (رحمه الله) لكنه فى النهاية غير مُلزم لأحد، ولا يحصر تلك الجملة الواردة فى المادة المذكورة " مصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة "

    تلك الجملة التى تفتح المجال بسعة أمام المشرع للاختيار المناسب من بين مذاهب أهل السنة ومصادرهم المعتبرة والتى لا تكاد تخلو شبهة مما أوردها الكاتب بعد ذلك من قول لأحد تلك المذاهب يخالف ما أثبته من اختيار الشيخ سيد سابق فى كتابه
    وهذا ما فعله الدكتور "صوفي أبو طالب" رئيس مجلس الشعب الأسبق، حين قام فى الجلسة الختامية للبرلمان عام ١٩٨٢ ليعلن إنجاز تقنين للشريعة الإسلامية؛ فأعاد كل مواد القوانين إلى الأصول الإسلامية، وأشار إلى المصادر الفقهية التي استند إليها هذا التقنين؛ فأخرج الشريعة الإسلامية بمذاهبها الفقهية المعتبرة (منتقيًا الرأي المناسب من تلك المذاهب) في صورة تقنين حديث، تقوم فيه "الأصالة" بتحقيق المصالح المعاصرة وذلك بالإستعانة بفريق متميز من علماء الشرع، والقانون؛ تضافروا لتلك المحاولة الرائعة، ولإنجاز هذا المشروع الكبير.

    لذلك فسأفند الشبهات الخمس التى أوردها الدكتور علاء فى مقاله من خلال هذه القاعدة فى المادة المفسرة وهى وجود قول فى مذهب معتبر أو مصدر معلوم من مصادر التشريع يخالف ما زعم الدكتور علاء أن الإخوان والسلفيين يريدون فرضه على الناس.

    ورغم أن قواعد الترجيح ليست بهذه البساطة و رغم تأكيدى على أننى أرى المادة غير كافية و أن هناك صيغا أولى إلا أنها على قصورها فى رأيى كافية للرد على ما أورده الدكتور لذلك سأستعملها تجوزًا ومن منطلق الواقع الذى لا يريد الدكتور الاعتراف به؛ وإلا فقد يكون الراجح علميا تبعا لقواعد الاستدلال خلاف ما سأذكره، وسواء عمل به أم لم يعمل فأينما صح الحديث فهو مذهبى؛ لكن فقط من باب النقاش العلمى، واثبات نظريتى من أن الدكتور للأسف لم يكن أمينًا فى نقله، ولا منصفًا فى نقده.

    بالنسبة للمسألة الأولى التى أوردها الدكتور؛ وهى قضية الشهادة، وهل تقبل شهادة غير المسلم على المسلم أم لا؟
    __________________
    طبعا بغض النظر عن المثال الجدلى الذى ضربه الدكتور علاء حول سرقة صيدلية قبطى وكل الشهود أقباط فلا تقبل شهادتهم فيه وذلك فى الحقيقة أمر صعب فى بلد مختلط لا يعيش فيه الأقباط وحدهم لكن فلنعد إلى أصل المسألة.

    نعم أغلب أقوال أهل العلم أنه لا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم إلا فى حالة الوصية لمن حضره الموت فى السفر
    بل نقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم وبالمناسبة هذه هى الحالة الوحيدة مما أورده الدكتور يمكنك أن تجد فيها إجماعا
    لكن فلنأت هنا للتفصيل
    هل الشهادة هاهنا ضرورة أم ليست ضرورة
    لقد ذكر الإمام القرطبى أنه لا مانع من اختلاف الحكم عند الضرورة، وأنه يجوز أن يكون الكافر ثقة عند المسلم، ويرتضيه عند الضرورة، وهذا يشير إلى أن جواز شهادة غير المسلم على المسلم إنما هو للضرورة وفى حالة قيامها.
    وقد نقل عن ابن عباس ما يشير إلى ذلك أيضًا، وفيما نقل عن الإمام أحمد التصريح بأن جواز شهادة غير المسلمين على المسلمين هو ضرورة، وقد نقل الإمام ابن القيم عن شيخه الإمام ابن تيمية (رحمهم الله) أنه قال: إن ما نقل عن الإمام أحمد من تقليل جواز هذه الشهادة، وقبولها للضرورة يدل على جوازها، وقبولها فى كل ضرورة حضرًا، وسفرا؛ وأنه لو قيل تقبل شهادتهم مع أيمانهم فى كل شئ عدم فيه المسلمون لكان له وجه، وتكون بدلا مطلقًا.
    وقال بن القيم أيضًا: إن القائلين بعدم جواز قبول شهادة غير المسلمين على المسلمين فى أى مجال، أو نطاق؛ لم يبنوا جميعهم آراءهم على أساس أن الشهادة من باب الولاية، وأنه لا ولاية لكافر على مسلم وإنما بنى أكثرهم الرأي على معان أخرى تتصل بالشروط، والمعانى التى اعتبروا توافرها أساسا لقبول الشهادة ولا نريد بما ذكرنا أن نستبيح حكمًا أو نقرر رأيًا فى الموضوع.
    (من كتاب الشهادات لابن القيم)
    وبشئ قريب من هذا قال الشيخ رشيد رضا وأيضًا ذهبت بعض المجامع الفقهية الحديثة إلى اعتبار ذلك حال الضرورة فى المجتمعات المختلطة، وعملاً بمبدأ رفع الحرج، وإعادة الحقوق، والحاصل فعليًا أن شهادات جامعية، ورسائل علمية تقبل فيها تلك الشهادات من غير المسلمين كما هو معلوم لدى الدكتور.
    إذا فبحسب الافتراض الجدلى الذى اورده الدكتور فهناك قول بأنه يجوز للقاضى اعتبار تلك الشهادة للذمى إن قدر ذلك اضطرارا من باب حفظ الحقوق و حماية الخلق فى المجتمع المسلم.

    المسألة الثانية التى أوردها الدكتور الأسوانى نقلاً عن الشيخ سيد سابق؛ هى مسألة حد شارب الخمر من غير المسلمين.

    والحقيقة أن التوفيق قد خان الدكتور علاء فى ذلك المثال جدًا، فهذه المسألة بالذات قول المذاهب الأربعة فيها مخالف لما أورده بل إن مسألة إقامة الحدود عامة على الذمى مختلف فيها، عدا حد القذف،
    أما حد الخمر بالذات فالعلماء يصرحون بأنه شأن خاص لهم إن كان جائزا فى ملتهم
    ففى حين اتفق الفقهاء على أنه لا تجوز المعاملة بالخمر والخنزير بين المسلمين مطلقا؛لأنهما لا يعتبران مالا متقوما عند المسلمين، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والخنزير، والميتة، والأصنام.
    أقر الفقهاء المعاملة بالخمر والخنزير بين أهل الذمة، بنحو شرب، أو بيع، أو هبة، أو مثلها، بشرط عدم الإظهار، والإظاهر بالمناسبة ممنوع الآن فى القانون الوضعى، وعلى الجميع، ويعاقب عليه بتهمة الفعل الفاضح؛ رغم أن مصانع الخمر ترخص فى بلادنا، وتفرض عليها الضرائب، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

    وهذا يكاد يكون محل اتفاق بين الفقهاء في الجملة

    ويستدل الحنفية لذلك بقولهم: إن الخمر والخنزير مال متقوم في حقهم، كالخل والشاة للمسلمين، فيجوز بيعه بينهم.

    وإذا أتلف الخمر والخنزير لمسلم فلا ضمان اتفاقا؛ لعدم تقومهما كنوع من الأموال في حق المسلمين. وكذلك إتلافهما لأهل الذمة عند الشافعية والحنابلة؛ لأن ما لا يكون مضمونًا في حق المسلم لا يكون مضمونًا في حق غيره.

    لكن الحنفية صرحوا بضمان متلفهما لأهل الذمة؛ لأنهما مال متقوم في حقهم، وبهذا قال المالكية، إذا لم يظهر الذمي الخمر والخنزير يقول السرخسي: إن الغرض من عقد الذمة ليس مالياً، بل يستهدف من ورائه إلى هُدى الذمي إلى الإسلام بالمعروف كما أمرنا القرآن.

    تخيل يا دكتور علاء ؛ فى مذاهب أهل السنة ليس فقط لا يعاقب غير المسلم على شرب الخمر، بل وبعضها كالأحناف، والمالكية يوجب الضمان المالى على من أتلف شيئًا من خمور أهل الذمة؛ لأنها تعتبر عندهم مالاً، فأين هذا فى كلامك الذى بدا منه أنه لا يوجد حتى خلاف فى المسألة؟!!

    لقد خوفت الناس على السياحة، وصورت لهم أن السياح سيُضربون بالسياط فى بلادنا؛ رغم أن الجمهور على خلاف ما أوردت ورغم أننا لا نحكم من منطلق المصالح المالية؛ فالله يقول: "و إن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله" لكن حتى هذه فلتت منك للأسف يا دكتور.

    أما المسألة الثالثة التى أوردها الدكتور علاء فهى مسألة: القذف إن كان المقذوف غير مسلم.

    ولقد خلط الدكتور فى كلامه بين السب، وهو ما لا حد فيه، وبين القذف بالزنا، وهذا فيه الحد، وصور الأمر على أنه مباح فى الشريعة فى حق الذمى لأنه قد نص بعض العلماء أن من شروط الحد أن يكون المقذوف مسلمًا.

    والحقيقة أن الصحيح فى شأن قذف أعراض غير المسلمين بالزنا أنه محرم، وقد نص العلماء رحمهم الله على تعزير من فعل ذلك.

    و ليراجع إن شاء: "المغني" (9/48)، "الفروع" (6/108)، "الإنصاف" (10/203)، "نصب الراية" (4/173).

    والتعزير معلوم أنه نوع من أنواع العقوبة، ومسموح للحاكم أن يغلظها ليردع مرتكبها، فالأمر إذا ليس مباحًا كما صوره الدكتور؛ بل قد تصل فيه العقوبة إلى درجات أشد بكثير مما هو فى القانون الوضعى الحالى.

    أما بالنسبة للسب بخلاف الزنا فهو على الراجح محرم، ولا يعتبر ما ورد به النص سبًا لأنه اعتقاد لدى المسلم.

    كذلك الذى اعتذر عنه الدكتور حين نقله لفظ كافر عن الأقباط، وهو لفظ وصفهم به القرآن، ولا أدرى أيعتذر الدكتور عن لفظ يعتقده باعتقاده فى كتابه، أم أنها الأخرى التى أعيذه منها.

    لقد تكلمنا مرارًا عن معنى الكفر، وكيف أننا كفار بعقيدتهم فى ألوهية المسيح، وهم يروننا كذلك، ونحن كذلك نعتقد أن اعتقاد بنوة المسيح لله، أو ألوهيته كفرًا، وذلك لا علاقة له بحسن المعاملة، والبر، والإقساط لكن للأسف لا حياة لمن تنادى.

    وفقهاء المسلمين من جميع المذاهب صرَّحوا، وأكدوا بأن على المسلمين دفع الظلم عن أهل الذمة، والمحافظة عليهم؛ لأن المسلمين حين أعطوهم الذمة قد التزموا دفع الظلم عنهم، وهم صاروا به من أهل دار الإسلام، بل صرَّح بعضهم بأن ظلم الذمي أشد من ظلم المسلم إثمًا (ذكر ذلك ابن عابدين في حاشيته).

    والسب المطلق والإهانة دون سبب نوع من أنواع الظلم بلا شك، وهو خلاف البر المأمور به، وقد أخبر النبى (صلى الله عليه وسلم) أن من يظلم معاهدا، أو ينتقصه فهو حجيجه يوم القيامة، وتلك من صيغ التحريم.

    ويحمي الإسلام كذلك عِرض الذمي وكرامته، كما يحمي عِرض المسلم وكرامته، فلا يجوز لأحد أن يسبه أو يتهمه بالباطل، أو يشنع عليه بالكذب، أو يغتابه، ويذكره بما يكره، في نفسه، أو نسبه، أو خَلْقِه، أو خُلُقه أو غير ذلك مما يتعلق به. يقول الفقيه الأصولي المالكي شهاب الدين القرافي في كتاب "الفروق": "إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقًا علينا، لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا (حمايتنا) وذمتنا وذمة الله تعالى، وذمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة، فقد ضيَّع ذمة الله، وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وذمة دين الإسلام" .(الفروق ج ـ 3 ص 14 الفرق التاسع عشر والمائة).

    وفي الدر المختار من كتب الحنفية-: " يجب كف الأذى عن الذمي وتحرم غيبته كالمسلم".

    ويعلق العلامة ابن عابدين على ذلك بقوله: لأنه بعقد الذمة وجب له ما لنا، فإذا حرمت غيبة المسلم حرمت غيبته، بل قالوا: إن ظلم الذمي أشد . (الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج ـ 3 ص 244 - 246 ط . استانبول).

    أما عن المسألة الرابعة التى أوردها الدكتور علاء وهى مسألة الدية حال القتل الخطأ أو شبه العمد وأزيده والعمد.

    فهنا أيضا أغفل الدكتور الخلاف الذى فى المسألة وأوردها على أنها قول واحد لا نزاع فيه وهو أن دية غير المسلم نصف دية المسلم وكذلك دية المرأة نصف دية الرجل!

    والحقيقة أن هذا ليس محل إجماع، فقد ذهب الأحناف إلى أن دية الذمي، والكافر المستأمن، والمسلم سواء، لقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً {النساء: الآية92].

    حيث أطلق سبحانه، وتعالى القول بالدية في جميع أنواع القتل من غير فصل، فدل على أن الواجب في الكل واحد.

    وفي الفتاوى الكبرى لابن تيمية أنه يفرق بين العمد والخطإ، فيجب في العمد مثل دية المسلم، فقد قال (رحمه الله): ولا يجوز قتل الذمي بغير حق وتجب الدية.

    فالمسألة خلافية كما هو واضح فلماذا يلزمنا الدكتور بقول واحد؟!

    ومن قال أن الدية هى ما تحدد قيمة الإنسان كما زعم؟!

    وهل لاحظ الدكتور علاء قبل أن يخوف المصريين من العقوبات الدولية، التى ادعى انها تنتظر مصر حال تطبيق هذا المذهب - لو طبق أصلا - أن هذه العقوبات لم تطل مصر لعقود ظلت التعويضات فيها و إلى اليوم بمبالغ تافهة لا تستحق أن تذكر.

    فى حين أنه حتى هذا النصف الذى لا يرضيه يبلغ قيمة خمسين ناقة، أى بما يوازى مليون جنيه مصرى، ان اعتبرنا سعر الناقة فى المتوسط عشرون ألف جنيه.

    رغم أننى أكرر أن المسألة أصلا خلافية، وقد يختار قول الأحناف، وتعتبر القيمة مساوية، وهى ما يوازى ثمن مائة ناقة.
    أين المواثيق الدولية من تلك التعويضات، وهل تلك المواثيق المزعومة هى ما سنأخذ منه ديننا؟
    ولماذا لم يحذر الدكتور من تلك المواثيق و عقوباتها فى مسألة المواريث، وهى محكمة قرآنية بأن للذكر مثل حظ الأنثيين؟

    أما المسألة الأخيرة، والمعتادة فهى مسألة عدم قتل المسلم بكافر قصاصًا:

    والعجيب أن تلك هى المسألة الوحيدة التى اعترف الدكتور بأن فيها خلافًا بقوله بعض الفقهاء خالفوا هذا الرأى ونسى أن يذكر من هم أولئك الفقهاء، فلا بأس من أن أذكره بهم وهم إبراهيم النخعي، والإمام الشعبي، وأصحاب الرأي، وعلى رأسهم إمامهم أبو حنيفة قالوا يقتل المسلم بالذمي خاصة. اهـ.

    ولماذا لم نسمع من الدكتور علاء اعتراضًا على عقوبة القتل فى القانون الوضعى الحالى، وهى ليست دائما الإعدام بل هناك المؤبد.

    إن المجمع عليه أن المسلم الذى يقتل ذميًا عمدًا مذنب، ويعاقب، واختلفوا كما بينت فى العقوبة، وقد اجمع العلماء علي حرمة دماء الذمي، كما نقل بن حزم فى مراتب الإجماع (اتفقوا أن دم الذمي الذي لم ينقض شيئا من ذمتة حرام)

    وما أحسن قول النبى (صلى الله عليه وسلم) فى ذلك " ألا من قتل نفساً معاهدة، له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً. رواه الترمذي وقال حسن صحيح و صححه الألبانى .

    وغير ذلك من الأحاديث التى ترهب من تلك الجريمة، وتبين خطورتها فكيف إذًا يغفل الدكتور كل ذلك، ويصور الأمر أنه سيكون دمًا مستباحًا، بل سيؤدى إلى حرب أهلية، كما تلفظ للأسف الشديد فى جرأة ألومه عليها، وكنت أتمنى ألا يخوض غمارها حرصًا على تماسك هذا الوطن الجريح، الذى لا تنقصه مثل تلك الادعاءات.

    ثم يختم الدكتور علاء مقاله كالمعتاد بإعادة التهمة التى ينقصها الدليل، وهى أن نية الإخوان والسلفيين أن تطبق هذه الأحكام التى ذكرها تحديدًا، وهذا إن لم يعضد كما قلت بالبينة فهى مجرد دعوى طائشة لا يصح أن تخرج منه.

    وما لا يصح أكثر هو ما أتبع به ذلك من سب يفترض أن يعاقب عليه القانون فينهى عن خلق ويأتى بمثله، واصفا خصومه بالمتطرفين المتلهفين لقطع الأيدى والرجم والجلد، ولا أدرى كيف سمح لنفسه بإهانة مخالفيه بهذه الطريقة؛ بينما حرص كل الحرص على الاعتذار للأقباط عما استعمله الشيخ سيد سابق من عبارات!!

    اللطيف انه ختم مقاله بكلمته المعتادة "الديموقراطية هى الحل"، بينما هدد بوضوح قبلها بسطر واحد، بأنه لن يقبل، ولن يعترف بدستور يفترض أنه سيأتى باستفتاء بآلية ديموقراطية، وذلك لعمرى تناقض مذهل لأحد عرَّابى الديموقراطية التى يبدو أنها من عجوة.

    أما عن ظلام الماضى الذى يتوعدنا الدكتور أنه لن يسمح لنا بالعودة إليه، محرضًا شركاء الوطن على مساندته فى ذلك، فسأختم بتلك الكلمات من تلك العصور التى يراها الدكتور (مظلمة ) و هى للفقيه الأصولي المحقق شهاب الدين القرافي شارحًا بها معنى البر الذي أمر اللّه به المسلمين في شأن أهل الذمة. فذكر من ذلك: (الرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكساء عاريهم، ولين القول لهم ـ على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة ـ واحتمال أذايتهم في الجوار ـ مع القدرة على إزالته ـ لطفًا منا بهم، لا خوفًا ولا طمعًا، والدعاء لهم بالهداية، وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم، في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم، إذا تعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم، وإيصالهم إلى جميع حقوقهم ... إلخ

    وقد أفردت لمثل تلك الكلمات والمواقف التى يراها الدكتور من ظلام الماضى، كتيباً كاملاً سميته "صور من تسامح الإسلام" لعله يومًا يمسك به بيديه، اللتان لم يقل أحد أنهما ستقطعان، إنما ستقطع يد من يعتدى على ماله، وخاصة ما يملك.

    وإن كنت ترى يا دكتور أن من واجبك أن تمنعنا من تلك الدعوة لتطبيق شرع الله؛ فثق أننا ندين لله بوجوب تلك الدعوة والعمل و البذل لأجل تحقيقها و"كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا".
    (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) الزمر46
    (اللهم رب جبرائيل ومكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) من حديث استفتاح النبي - صلى الله عليه و سلم - صلاته بالليل.
    الراوي: عائشة - المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 770 خلاصة الدرجة: صحيح

    (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) الفرقان 31
    (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) آل عمران 8

  • مسلم للأبد
    مشرف الأقسام العامة

    • 20 ماي, 2008
    • 11698
    • محاسب
    • مسلم

    #2
    مقال رائع جدا
    إستوقفتنى آية ( ليشارك الجميع ) -- أستوقفنى حديث رسول الله ... متجدد

    من كلمات الإمام الشافعى رحمة الله عليه
    إن كنت تغدو في الذنوب جليـدا ... وتخاف في يوم المعاد وعيــدا
    فلقـد أتاك من المهيمن عـفـوه
    ... وأفاض من نعم عليك مزيــدا
    لا تيأسن من لطف ربك في الحشا
    ... في بطن أمك مضغة ووليــدا
    لو شـاء أن تصلى جهنم خالـدا
    ... ما كان أَلْهمَ قلبك التوحيـدا
    ●▬▬ஜ۩۞۩ஜ▬▬●
    أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ
    ●▬▬ஜ۩۞۩ஜ▬▬●

    تعليق

    • بن الإسلام
      6- عضو متقدم

      حارس من حراس العقيدة
      • 30 سبت, 2009
      • 961
      • محاسب ولكنى داعى الى الله
      • مسلم

      #3
      جزاكم الله خيراً

      رد ممتاز

      هدانا الله واياهم

      يا أخوة الخير

      هذه هجمة منظمة فى هذه الأيام للتشكيك فى الاسلام بدعوى تطور الزمن وعدم مناسبة الأحكام للعصر

      ثم يميلون الى ضرورة الاجتهاد وعد أخذ كلام السلف بما فيهم الصحابة والتابعين بدعوى أنهم بشر يخطئون

      ومن هذا يقومون بهدم الأحاديث لعدم موافقتها للعقل والحريات المنشودة

      وهذه معاول هدم الدين بالكلية

      لابد أن نحذر من هؤلاء ونفند شبهاتهم ونرد عليه بمعرفة المتخصصين

      تعليق

      • النيسابوري
        5- عضو مجتهد

        عضو اللجنة العلمية
        حارس من حراس العقيدة
        عضو شرف المنتدى
        • 13 أغس, 2012
        • 761
        • الإسلام

        #4
        سلمت يمناك على هذا المقال الطيب أستاذ عبد الله المصري

        وقد أفردت لمثل تلك الكلمات والمواقف التى يراها الدكتور من ظلام الماضى، كتيباً كاملاً سميته "صور من تسامح الإسلام" لعله يومًا يمسك به بيديه، اللتان لم يقل أحد أنهما ستقطعان، إنما ستقطع يد من يعتدى على ماله، وخاصة ما يملك.
        من أجمل ما سطّره قلم الدكتور محمد على يوسف في هذا المقال , فكل عاقل يرى مثل ما كتبه علاء وما يكتبه غيره من رموز العلمانيه واللليبراليه ومن والاهم ما هو إلا محاوله لإستباحة المحرمات والرذيله والمجون تحت غطاء الحريه والديمقراطيه من خلال أطروحاتهم الهلاميه التي لا سند لها ولا دليل ..
        قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
        عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
        وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
        حديث 7692 : الزهد والرقائق - صحيح مسلم

        تعليق

        • عبدالله المصري
          المدير الفني
          • 2 نوف, 2008
          • 2704
          • هندسة
          • مسلم

          #5
          الإخوة الكرام : مسلم للأبد - بن الإسلام - لؤي ابراهيم
          جزاكم الله خير، و جزى الله الدكتور محمد علي يوسف خير الجزاء.
          (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) الزمر46
          (اللهم رب جبرائيل ومكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) من حديث استفتاح النبي - صلى الله عليه و سلم - صلاته بالليل.
          الراوي: عائشة - المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 770 خلاصة الدرجة: صحيح

          (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) الفرقان 31
          (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) آل عمران 8

          تعليق

          • عبدالله المصري
            المدير الفني
            • 2 نوف, 2008
            • 2704
            • هندسة
            • مسلم

            #6
            من الردود الطيبة أيضاً، رد الأخت الكريمة (نور عبد الرحمن) :

            قبل أن تفتينا!

            كتبت: نور عبد الرحمن

            تُرى أيكون لى بفضل انتمائى إلى عالم الإنسان، ومن ثم امتلاكى أسنانًا؛ بفضل هذا التكوين البشري؛ أن افتتح عيادتى الخاصة لعلاج الأسنان؟! هل يُعد هذا كافيًا لممارسة المهنة؟ بل ونقد أصولها الثابتة المعلومة لأهلها؟! هذا السيناريو الساخر ليس بعيدًا عما قام به طبيب أسنان؛ رأى أنه بفضل ميلاده مسلمًا، وحمله لبطاقة رقم قومي مُدون بها أمام خانة الديانة: "مسلم"؛ أن هذا وحده
            كافيًا لكى يتصدى للإفتاء (الافتئات)، وأن ينقد الثابت من أصول الإسلام، ويتقدم بتعريفات جديدة عَنّت له؛ مصححًا لتراكمات من أفكار بالية؛ ترسبت على مدار أربعة عشر قرنًا!!

            الدكتور: علاء الأسواني، فى مقاله الأخير يغادر المنهج العلمى؛ بإقدامه على الخوض فى علم يفتقد أدواته، ويجهل أبجدياته، ومِنْ ثَمَ؛ استدعى ذلك وقوعه فى كثير من الأخطاء العلمية، فضلاً عن العقائدية، والأخلاقية كذلك.

            ■ ■ فالأخطاء العلمية التي انزلق إليها الدكتور بغير هدى يعصمه من ذلك تمثلت فى:

            ▣ تقديمه تعريفًا للشريعة، وللفقه من عندياته ..
            يصف الشريعة بأنها: "المبادئ الثابتة التي أنزلها الله"، والفقه بأنه: "العلم الذى يمكّننا من فهم الشريعة وتطبيقها على حياتنا اليومية" .. الأولى إلهية ثابتة، والثانى بشري متغير!

            فجعل الشريعة "مبادئ"، والفقه جميعه "بشري متغير".
            بينما الشريعة، هى "ما شرعه الله لعباده" فى معناها العام، والأحكام العملية (معاملات، وعبادات) فى معناها الخاص.
            والفقه، هو "علم الأحكام الشرعية العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية".

            وتتجلى إشكالية التعريفات التي قدمها الطبيب؛ فى أنك لا تعرف وفقًا لها أين يكون "الحدّ" الذى اتخذه عنوانًا لمقاله؟ "حد السرقة"، هل هو "مبادئ" أنزلها الله؟! أم هو "فهم بشري" متغير؟!

            ▣ فهمه لنص المادة التي تُفسر "مبادئ" الشريعة، والتى أراد أن يجعلها فتيلاً للفزاعة التي يُضّرمها مقاله ..
            يأتى هذا منطقيًا فى سياق افتقاده للتعريف الصحيح لـ "إسم" العلم الذى يخوض فيه، فيقول "ببساطة": «ببساطة تحيل مبادئ الشريعة إلى الأحكام الفقهية»!!

            المادة التي نصها: «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة.»

            تضم عدة مصطلحات فقهية هى:

            - أدلتها الكلية (أو الإجمالية): «هي المصادر التي تستنبط منها الأحكام، كالقرآن والسنة .. أما الأدلة التفصيلية فهي جزئيات هذه المصادر، مثل قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) فإنه دليل تفصيلي لحكم شرعي هو وجوب الصلاة.» (1)

            - القواعد الأصولية: «قضايا كلية يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة» (2)
            من أمثلتها: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم (3)

            - القواعد الفقهية: «هي أصل فقهي كلي يتضمن أحـكـامـاً تشريعية عامة، من أبواب متعددة في القضايا الـتـي تـدخـل تـحـت مـوضـوعــه.» (4)

            القواعد الفقهية من مصادرها فى المذاهب الأربعة (5)؛ والتي تُثير فزع الكاتب، ولعله يطمئن عندما يُطالع أحد هذه المصادر من المذهب الحنفي على سبيل المثال، وهو كتاب: "الأشباه والنظائر" لأبن نجيم.
            ويطلع على قواعده الفقهية: «الأمور بمقاصدها، الضرر يُزال، العادة مُحكَّمة، اليقين لا يزول بالشك، والمشقة تجلب التيسير، لا ثواب إلا بنية.» (6)

            فالمادة المُفَسرة لا تعدو أن تكون صياغة أصولية للمبادئ التي يرتضيها الدكتور. والذى تَوَهم بشكل يفتقد إلى المنطق (وليس للعلم فقط) أن تفسير "مبادئ" يمكن أن يتمدد إلى كامل الشريعة!

            ▣ تصنيفه لكتاب الشيخ: سيد سابق (رحمه الله)، الذى قال عنه: «أحد المصادر المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة»، "ببساطة" كبساطة تفسيره لنص المادة الدستورية! والحق، أن الكتاب لِمَا بُذل فيه من جهد (جعله الله فى موازين أعمال صاحبه)، ولِمَا امتاز به من بساطة فى اللغة، وتنظيم فى التبويب والعرض؛ قد لاقى استحسانًا عند العامة، وتبقى عليه مآخذ، بعضها طرحه الشيخ الألباني فى كتابه: "تمام المنة فى التعليق على فقه السنة". وهو ما ينفى قطعه بالقول" «فلا يستطيع أحد من الإخوان أو السلفيين أن يجرح فى كتاب "فقه السنة"»!!

            وما أثاره الدكتور فى مقاله (الفزاعة)، أجده فرصة طيبة لكى يتعرف (وغيره) على الشريعة، وعلى الفقه وموقعه منها، وما إذا كان يلتزم بحدودها، ويدور فى نطاق دائرتها الرحبة؛ لا يتجاوزها على تنوعه الذى يضيف سعة؛ تستوعب كل زمان ومكان.


            ◉ أولا: شهادة غير المسلم على المسلم

            الحكم الذى يستنكره الدكتور من عدم الأخذ بشهادة غير المسلم على المسلم، أدلته ..
            - قوله: "وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ" (الطلاق - 2)
            - قوله: "إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ" (المائدة - 106)

            والآيتان الكريمتان تحددان صفتين للشهداء: "ذوا عدل"، "منكم"

            - فالشرط الأول للشهادة أن يكون الشاهد عدلاً، يؤكد ذلك:

            قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات - 6)

            ومن حديثه (صلى الله عليه وسلم): "لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة، ولا محدود في الإسلام، ولا ذي غِمْرِ على أخيه" حسنه الألباني فى صحيح أبن ماجه (1930)
            وفى قوله (صلى الله عليه وسلم) "خائن" و"خائنة" معنى خيانة الأمانة؛ فيمن عُرف عنه ذلك، ومعن خيانة الدين؛ وهو الفاسق.
            والمحدود فى الإسلام، هو من أُقيم عليه حدّ فى زنا، أو قذف، أو خمر ..
            وذي الغِمْرِ، هو من به حقد وعداوة.

            ومن هذا قال الفقهاء: إنها مقيدة بالصلاح في الدين وبالاتصاف بالمروءة.
            أما الصلاح في الدين، فيتم بأداء الفرائض، والنوافل؛ واجتناب المحرمات، والمكروهات؛ وعدم ارتكاب كبيرة، أو إصرار على صغيرة.
            أما المروءة، فهي أن يفعل الإنسان ما يزينه؛ ويترك ما يشينه من الاقوال، والافعال.

            فإذا تفهمنا مدى حرص الشريعة على تحرى العدل فى الشاهد، لبلوغ العدل فى القضاء؛ فهِمنا اشتراط أن يكون الشاهد "منكم" أى من المسلمين. فإذا كان صلاح الدين شرط؛ فكيف يتقدم غير المسلم على المسلم غير الصالح؟! وإذا كان انتفاء العداوة شرط؛ فكيف أنفى ما قد تحمله النفوس من عداء بسبب العقيدة؛ وارد لدى غير المسلم الذى يعيش فى بلاد الإسلام.

            جميع ما سبق يرسل رسالة أمان بالسعي الحثيث لاقرار العدل، الذى يتنافى معه فزع تقطيع الأيدى الذى يتوهمه الكاتب.

            وما سبق ايضًا يعرض بوضوح كيف تكَوَّن الحكم الفقهي لدى الفقهاء، ليس لخاطر عَنَّ لأحدهم فاستحسنه، إنما هو مُستخلص من نص آمر من لدن لطيف خبير، وآخر لمن لا ينطق عن الهوى، وليس لهوى لدى الفقيه، إنما الهوى يكون لدى من يرفضه ويُنكره.

            ولحكمة الشارع (جل وعلا)، ولعدل شريعته؛ لم تغفل حالات الضرورة كما فى آية الوصية للضارب فى الأرض، لا يجد مسلميَّن يُشهدهما على وصيته، فيقول تعالى: "أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ" وهذا الإستثناء للضرورة، أخذ به بعض الفقهاء.
            قال خليل المالكى: «وقبل للتعذر غير عدول وإن مشركين» (7)
            وذكر ابن القيم: «وقال مالك: تجوز شهادة الطبيب الكافر حتى على المسلم للحاجة.» (8)
            وذكر ابن حزم: «وأما المالكيون فأجازوا شهادة طبيبين كافرين حيث لا يوجد طبيب مسلم.» (9)


            ◉ ثانيًا: تطبيق حد الخمر على غير المسلم.

            هنا يحق لنا نفى صحة ما جاء فى كتاب "فقه السنة"، فحكم غير المسلم (الذمى، والمستأمن المقيم لفترة قصيرة) هو: «ولا يحد بشرب الخمر، ولا تراق عليه، بل ترد عليه إذا غُصبت منه، ويضمن متلفها له؛ إلا أن يظهر بيعها بين المسلمين» (10)

            ولكن يجب عدم الجهر بتناولها، أو إفشائها.

            - وهو مما لا يتعارض مع أحكام الكنيسة المصرية التي يقول موقعها:
            «"ولا سارقون ولا طماعون، ولا سكيرون يرثون ملكوت الله" (1 كورنثوس 6: 9 و 10). فنرى أنه وضع السكيرين بجانب الزناة والسارقين. إلا أنه من المهم جدا أن الله لم يعط المسيحيين الحق في أن يعاقبوا السكيرين، لان هذا يكون في يد السلطات الحكومية (الشرطة والقضاء.. الخ).» (11)

            - كما لا يمثل ازعاجًا للسائحين، ففى كثير من بلادهم يلتزمون الامتناع عن تناولات الكحوليات فى الأماكن العامة، وكثير من السلطات تمارس دورًا ايجابيًا فى ذلك، نيوزيلاندا (12)، وأسبانيا (13) مثلاً.


            ◉ ثالثًا: قذف المسلم لغير المسلم

            وهنا يبرز من جديد افتقاد الدكتور للفهم الصحيح فى مثاله الذى ضربه: «إذا سب القبطى المسلم يتم جلده ثمانين جلدة، وإذا سب المسلم القبطى لا يجوز جلده»

            إذ لا حد فى "السب" لا على المسلم، ولا على غير المسلم؛ إنما الحد فى القذف ورمى المحصنات بالزنا، من قوله تعالى:
            "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ" (النور - 23)

            والنص القرآنى فى وصفه الفعل المستنكر إنه الذى يستهدف رمى .. المحصنة، الغافلة، "المؤمنة"
            فالإيمان شرط لإقامة الحد على من رماها.
            «حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا هشيم بن بشير، عن مغيرة، عن إبراهيم، أنه قال: من قذف يهوديًا أو نصرانيًا فلا حد عليه» (المصنف 27634)

            إلا أن عدم الحدّ لا يعنى عدم العقاب، وإنما يُعاقب من يفعل تعزيرًا (بحسب العقوبة التي يقررها ولى الأمر)، فى ذلك:
            «حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا عبد الأعلى، عن معمر عن الزهري، قال: إذا قذف اليهودي والنصراني عُزِرَ قاذفه.» (المصنف 27638)
            «حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا وكيع، عن أبي خلدة، عن عكرمة، قال: لو أوتيت برجل قذف يهوديا أو نصرانيا وأنا وال لضربته.» (المصنف 27639)
            والضرب، هنا الجلد اعزارًا


            ◉ رابعًا: الدية لغير المسلم

            هناك اختلاف بين الفقهاء فى تقديرها ..

            فبينما يذهب الأحناف إلى أن دية الذمي بمثل دية المسلم، أستنادًا إلى قوله تعالى:
            "وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ" (النساء - 92)
            الذى لم يُخصص مقدارًا لدية هذا الذى من قوم بيننا وبينهم ميثاق؛ فأخذوا بالتساوي.

            وقد ذهب الحنابلة والمالكية إلى إنها على النصف من دية الحر، إستنادًا إلى قوله صلى الله عليه وسلم:
            «دية المعاهد نصف دية الحر» رواه: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس، وأخرجه: أبو داود، وبن القيم، وبن حجر، والسيوطي، صححه: الالباني.

            ويقول بن قدامة فى المُغنى: «فقد روي عنهم (أى صحابته صلى الله عليه وسلم) خلافه فنحمل قولهم في إيجاب الدية كاملة على سبيل التغليظ. قال أحمد: إنما غلظ عثمان الدية عليه؛ لأنه كان عمدًا»
            بهذا يفسر بن قدامة ما روى عن بعض صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أنهم أخذوا بما يساوى دية الحر، إنما للتغليظ على القاتل، وزيادة فى معاقبته لتعمده.

            ◉ خامسًا: قتل المسلم بغير المسلم

            النص فى ذلك مما ثَبُت عن النبى (صلى الله عليه وسلم) فى يوم الفتح قوله: «لا يُقتْل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده»

            فقال البعض: لا يُقتْل مسلم بكافر (محارب، أو ذو عهد)، بعطف ذي العهد على الكافر.
            وقال آخرون: لا يُقتْل مسلم بكافر يقصد به المحارب، وقالوا إنما ذو العهد معطوف على المسلم، كلاهما لا يقتل بكافر

            مع إجماع الفريقين على حرمة الدم المعصوم، لما جاء فى حديثه (صلى الله عليه وسلم):
            "ألا من قتل نفسا معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفا" أخرجه الترمذى فى سننه (1403)

            ومن العرض السابق الذى أتاحه لنا الدكتور الأسواني، لعلنا نكون قد وقفنا على معنى الفقه، وموقعه من الشريعة، وإنه ليس إنتاجًا بشريًا منفلتًا، منطلقًا، بلا ضوابط، ولا قواعد، وإنما هو استنباط لحكم الله الذى شرعه لعباده من دليل (القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس)، والتنوع فيه وارد، والحق لا يجاوزه.


            ■ ■ وهنا يجدر بنا الإشارة إلى الأخطاء العقائدية التي وردت بالمقال:

            ▣ جهله ابتداءً بمعنى "الإسلام" (وليس الشريعة، وليس الفقه)، الذى يعنى إسلام الوجه لله، والتسليم بما قضى.
            "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا" (الأحزاب - 36)

            ▣ التحرج مما انزل (سبحانه وتعالى علوًا كبيرًا).
            "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (النساء - 36)

            ▣ الانتقاص من أحكامه (تعالى)، فى مقابل الاعتزاز بمواثيق "حقوق الإنسان" (كذبوا).
            "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا" (النساء - 60)

            ▣ ادعاؤه تقادم الأحكام التى يدعوها فقهًا بشريًا، (رغم إشارته فى ذلك إلى أحكام مُنزلة صريحة فى كتاب الله بقوله: «قطع الأيدى والرجم والجلد»)، طعنًا فى علم الله.
            "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" (الملك - 14)


            ■ ■ وأما الأخطاء الأخلاقية.

            ▣ تعمده الظاهر للعيان من انتقاء الأحكام الخاصة بغير المسلمين لإثارة فتنة طائفية، يستثير فيها شركاء الوطن فى كل سطر، حتى يحرضهم صراحة فى ختام المقال على الوقوف بقوة فى وجه تطبيق شرع الله!

            ▣ توجهه إلى فريق أكثر اتساعًا مُفَزعًا من انهيار السياحة، ومن الإقتصاد؛ برسم صورة كاريكاتيرية للسائح الذى أقيم عليه الحد!

            ▣ وفزاعة أخرى من عقوبات دولية فى دية القتيل!! متناسيًا أن المملكة السعودية تُطبق هذه الأحكام؛ ولم تتعرض لعقوبات دولية، متناسيًا أننا نطبق الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين؛ ولم نتعرض لعقوبات دولية، متناسيًا أن المرأة فى الدولة العظمى مازالت تناضل حتى تحصل على أجر مساو لأجر الرجل الذى يؤدى نفس وظيفتها (14) ولم تتعرض الولايات المتحدة لعقوبات دولية!

            ▣ يُهدد بوقوع حرب أهلية، أو تقسيم للبلاد، وهو ما لا ينزلق أى وطنى مخلص إلى الإشارة إليه، فضلاً عن التحريض عليه.

            ▣ يمارس الطعن فى الآخرين بإزدواجية؛ لا تتناسب مع حميته لكرامة القبطى (المصونة بشريعة الله، دون مزايدة من أحد).

            ▣ ثم يختتم مهددًا: "الثورة مستمرة"

            فلا نملك إلا أن نقول: "قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ" (الأنعام - 135)

            ----------------------------------------------------------
            (1) من تعريف علم أصول الفقه - كتاب: بحوث فى علم أصول الفقه، أ. د. أحمد الحجى الكردى، دار البشائر الإسلامية 2004.
            (2) القواعد الأصولية عند ابن تيمية، وتطبيقاتها في المعاملات التقليدية والاقتصاديات المعاصرة، تأليف: د. محمد الهاشمي، مكتبة الرشد 2009، (ص252).
            (3) راجع المصدر السابق.
            (4) القواعد الفقهية، د. على احمد النَّدْوي، دار القلم 1998، (ص45).
            (5) المصدر السابق، الفصل الثالث: نظرة عامة حول مصادر القواعد الفقهية والمؤلفين لها، (ص159).
            (6) المصدر السابق، (ص171).
            (7) مختصر خليل، فصل البيع بشرط الخيار، (ص208)
            (8) الطرق الحكمية لابن القيم، تحقيق نايف بن أحمد الحمد، دار عالم الفوائد، (ص478).
            (9) المحلى، جزء 9، ص409.
            (10) الأشباة والنظائر، جزء 1، ص359
            (11) الموقع الرسمى للكنيسة القبطية |الخمر فى الكتاب المقدس
            http://st-takla.org/FAQ-Questions-VS...forbidden.html
            (12) منظمة ALAC نيوزيلندا.
            http://www.alac.org.nz/alcohol-you/l...rinking-public
            (13) SPAIN: Anti-public drinking law comes into operation
            http://www.just-drinks.com/news/anti...n_id72575.aspx
            (14) Fox News: Women Earning Less Than Men "Is Not A National Problem"
            http://mediamatters.org/blog/2012/09...not-a-n/190161

            (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) الزمر46
            (اللهم رب جبرائيل ومكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) من حديث استفتاح النبي - صلى الله عليه و سلم - صلاته بالليل.
            الراوي: عائشة - المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 770 خلاصة الدرجة: صحيح

            (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) الفرقان 31
            (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) آل عمران 8

            تعليق

            • الشهاب المبين
              0- عضو حديث
              • 10 نوف, 2012
              • 20
              • صاحب شركة
              • moslim

              #7
              اسمعت ان ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادى
              اخى الفاضل
              ان هولاء الكتاب يظن الواحد منهم ان قرأ كتابا اوعرف رأيا انة قد اصبح عالما لايشق لة غبار ولكن للاسف كثيرا منهم ياكل الحسد والكره قلبة فيعمى فبصرة عن الحق الذى بين يدية

              تعليق

              • في حب الله
                المشرفة على أقسام
                المذاهب الفكرية الهدامة

                • 28 مار, 2007
                • 8324
                • باحث
                • مسلم

                #8
                جزاكم الله كل الخير أخي الكريم عبدالله المصري على النقل المبارك
                مقال رائع ..

                ونسأل الدكتور لاء ما العلاقة بين الطب والسياسة والدين والإعلام!
                لو لزم كلٌ تخصصه لانصلح الحال وانضبط
                لكن للأسف الشديد أصبح كلٌ يفتي بعلم أو بغير علم وهذا الطبيب يجب أن يجلس بين أيادي العلماء قبل أن يفتي في دين الله عز وجل
                فأين أنت يا دكتور بين المجتهدين! هل تملك آلياته لتتحدث بما لم يتحدث به الأولون؟ أم أنك تخصصت في كل شيء حتى يأتي اليوم الذي نسمع منك التحدث في الهندسة وقواعد البناء!
                فأبسط قواعد العلم أن تعلمه من أهله وألا تجتهد إلا وأنت تملك ما يؤهلك لذلك
                التحدث في دين الله عز وجل من أخطر الأمور التي يجب أن يتحرى فيها الإنسان ولا يُطلق لسانه هكذا فالأمر جلّل والديان لا ينام ولا يغفل ومن كذب على دين الله وافترى عليه فهذا إثماً عظيما
                فاتقِ الله وتذكر
                ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

                بارك الله في الناقل والمنقول عنه

                وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
                وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
                @إن كنت صفراً في الحياة.... فحاول أن تكون يميناً لا يسارا@
                --------------------------------------
                اللهم ارزقني الشهادة
                اللهم اجعل همي الآخرة

                تعليق

                • بن الإسلام
                  6- عضو متقدم

                  حارس من حراس العقيدة
                  • 30 سبت, 2009
                  • 961
                  • محاسب ولكنى داعى الى الله
                  • مسلم

                  #9
                  علاء الإسواني .. وفن الكذب على الله!
                  بقلم :د طارق عبد الحليم
                  السبت 24 نوفمبر 2012
                  ======================================
                  الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

                  اتفق كل أصحاب الفكر الديموقراطيّ الليبراليّ الكفريّ، على منهاج واحدٍ جديد، استزرعوه بعد أن ظهر لهم أن الشعب المصريّ لا يقبل إلا الشرع الإسلاميّ، وأنه يكاد يكون من المستحيل أن يقبل بديموقراطيتهم التي تنحى شرع الله عن الحكم. هذا المنهاج هو مزيجٌ بين الكفر والنفاق والإسلام، بنسب متفاوتة، حسب الشخص، والموقف. فالتصريح بالكفر يكون في مؤامرات العلمانية الليبرالية، ثم مزج النفاق يكون في وسائل الإعلام والصحف. ثم تضاف نسبة من الإسلام في المؤتمرات العامة، على حسب الحاجة.

                  وقد رأينا خالد فهمى، أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية، كيف خلط واضطرب ونافق ثم لم لم يتناسق، ثم ذهب إلى تلامذته يتمطى، وظن أن لن يقدر عليه أحد. لكننا بعون الله فضحنا عوراته وكشفنا سوءاته، فلم نغادر منها شيئاً، ولم نسمع منه رداً، ولم نحس منه ركزا.

                  ثم ها نحن نرى نفس المنهج وذات التوجه، فيما كتب العلمانيّ الليبرالي علاء الأسوانيّ، وكأنه وخالد فهمى قد تفلا في وجه بعض! أقصد على ألسنة بعضهم البعض.

                  راح الأسوانيّ يخرج أولاً زعاف سمه في كلمات عن رغبته في الدين والإسلام، وفي الشريعة، "إذ إن أى مسلم قطعا يحب أن يطبق شريعة الإسلام". لكن الشريعة التي يريدها ليس لها علاقة بالفقه كما راح يتشدق بما لا علم له به إذ يقول بعدها "لكن يجب أولا أن نشرح للناس الفرق بين الشريعة والفقه (انظر يا رعاك الله، علاء الأسواني، صاحب عمارة يعقوبيان، يشرح للناس ما هي الشريعة وما هو الفقه! والله لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لم تستح فاصنع ما شئت) الشريعة هى المبادئ الثابتة التى أنزلها الله علينا. الفقه هو العلم الذى يمكّننا من فهم الشريعة وتطبيقها على حياتنا اليومية. الشريعة إلهية ثابتة لا تتغير أبدا، لكن الفقه إنجاز بشرى يتغير بتغير الزمان والمكان. شريعة الإسلام بالتأكيد تدعو إلى الحق والخير والعدل والمساواة. إن ما يدعو الإخوان والسلفيون إلى تطبيقه ليس مبادئ الشريعة التى أنزلها الله، وإنما أحكام فقهية كتبها بشر مثلنا، يصيبون ويخطئون، وكثير من هذه الأحكام كانت مناسبة للمجتمع فى القرن العاشر لكنها لم تعد ملائمة للمجتمع فى القرن الحادى والعشرين. إن الإخوان والسلفيين يسيطرون على لجنة كتابة الدستور من أجل تطبيق الأحكام الفقهية القديمة بأى وسيلة. بعد أن اتفق الليبراليون والأقباط والإسلاميون على المادة الثانية التى تؤكد أن مبادئ الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع .. عاد الإخوان والسلفيون ووضعوا مادة فى مسودة الدستور تقول: «مبادئ الشريعة تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة»".

                  ولا ندرى ما تعريف الأحكام الفقهية القديمة عند فقيه الأمة الجديد، ولكن الظاهر انه يقصد بها كل حكم شرعيّ جاء في كتب الفقه. والمؤكد كذلك أن فقيهنا العلمانيّ لا يعرف الفرق بين الحكم الشرعيّ والفتوى الشرعية. حيث الأحكام لا تتغير، وإنما يطرأ التغيير على الفتوى مع الزمان والمكان والأحوال، لكن مع من نتحدث ..

                  لقد ناديت إذ أسمعت حيا ولكن لا حياة لمن تنادى

                  يعتذر مهرج الإعلام للقبط إذ هو مجبرٌ على استعمال كلمة كافر للإشارة اليهم، إذ "هكذا فعل معظم الفقهاء، وهكذا فعل الشيخ سيد سابق نفسه .."! يتعجب الملحد أنّ القبط كفار، وينكر ما علم من الدين بالضرورة، وما صرحت به آيات القرآن بلا مواربة، وما أطبق عليه علماء الإسلام وعامتهم طوال الدهر..! ترى هل هذا أيضاً من مسائل الفقه الذي يجب أن نتخطاها يا أكفر خلق الله إنسانا، أم إنه من عقائد المسلمين الراسخة التي لا يكفر بها إلا أمثالك؟

                  ثم يأتي الرجل الأسوانيّ بأمثلة لا يعى ما فيها، كما فعل نظيره خالد فهمى، يقول مهرج الإعلام:

                  "أولا: إذا افترضنا أن لصاً مسلماً سرق صيدلية مملوكة لصيدلى قبطى.. فى هذه الحالة إذا كان الشهود على واقعة السرقة أقباطا فإنه لا تجوز شهادتهم لأن رأى جمهور الفقهاء يؤكد أنه لا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم... يقول الشيخ سابق «الجزء الثالث صفحة 380»: «يشترط فى قبول الشهادة أن يكون الشاهد مسلما، فلا تجوز شهادة الكافر على المسلم إلا فى الوصية أثناء السفر (عند الإمام أبى حنيفة)».. أى أنه إذا كان المسلم مسافرا وحضره الموت ولم يجد إلا قبطيا ليبلغه بوصيته، هذه الحالة الوحيدة التى تقبل فيها شهادة القبطى على المسلم. فيما عدا ذلك لا تقبل شهادة القبطى على المسلم إطلاقا".

                  ثم يتباكي الرجل على الفوضى التي ستنشأ في هذه الحالة! ونسأل العلمانيّ الملحد، أين هي الفوضى التي حدثت في مصر، أو غيرها على مرّ العصور السابقة نتيجة لهذا الإجتهاد الفقهيّ؟ ثمّ، من الذي قال أنّ القاضى لا يحق له أن ينظر في الحالة المعروضة عليه ويحكم وفق ظروفها ومناطها، كما فعل أبو حنيفة في موضوع المسافر؟ إنما هو كُره الله ورسوله هو الذي يدفعك يا أسوانيّ لهذا التحامل، ولا أكثر ولا أقل.

                  ثم يستمر الإباحيّ الإسوانيّ في معركته مع الله فيقول " ثانيا: شرب الخمر محرم على المسلمين وعقوبته الجلد ثمانين جلدة «بعض الفقهاء قالوا أربعين جلدة فقط».. هذا الحكم معروف إلا أن الفقهاء يذهبون إلى وجوب تطبيق حد الخمر على غير المسلمين أيضا.. يكتب الشيخ سابق «الجزء الثانى صفحة 493» «لا يشترط الإسلام فى تطبيق حد الخمر، فالكتابيون الذين يتجنسون بجنسية الدولة المسلمة.. مثل الأقباط فى مصر.. وكذلك الكتابيون الذين يقيمون مع المسلمين (مؤقتا) مثل الأجانب.. هؤلاء يقام عليهم الحد إذا شربوا الخمر فى دار الإسلام...».

                  لنا أن نتخيل ماذا سيحدث إذا طبقنا هذا الحكم.. فالقبطى الذى يشرب البيرة سوف يقبض عليه ويجلد ثمانين جلدة. هل لنا أن نتفاءل بمستقبل السياحة فى مصر؟! عندما ندعو السائح الأوروبى أو الأمريكى لزيارة مصر يجب أن نحذره لأنه لو أحضر زجاجة نبيذ معه إلى مصر وشرب منها مع الأكل مثلما يفعل فى بلاده قد يقبض عليه ويجرد من ثيابه ويتم جلده وفقا لهذا الحكم الفقهى. كم من الأجانب على استعداد لخوض هذه المخاطرة من أجل قضاء إجازتهم فى مصر؟!"

                  نعم، لنا أن نتخيل، مصر نظيفة طاهرة من الإثم الذي يعتبره أهل البغاء والعهر مصدراً للرزق. لنا أن نتخيل كيف أنّ من شرب الخمر في العلن بما يسمح أن يُقبض عليه، سيجعل من يريد أن يتقحم حرمات الله، أن يكون مستتراً بها لا معلناً لها. لنا أن نتخيل كيف أنّ السياح سيأتون ليرون مجد مصر المسلمة وتاريخها الجاهلي قبل الإسلام، دون أن يرتكبوا علنا ما يسئ إلى أبناء الأمة ودينها وثقافتها. وهذا ليس حكماً فقهياً يا أجهل من دابة، بل هو حكم شرعيّ ثابتٌ مبنيّ على آياتٍ قطعيةٍ، أجراه عمر بن الخطاب على الصحابيّ أبو محجن، وبن مظعون وغيرهما، أفلا نقيمه على أمثالك وأمثال المتنطعين من المستهترين بدين الله علناَ بزعم السياحة والمال الحرام؟

                  ثم يقول المعتدى على حرمات الله " ثالثا: القذف هو الاتهام بالزنى والخوض فى الأعراض بالسوء.. هذه جريمة فى الفقه الإسلامى وعقوبتها الجلد ثمانين جلدة، لكن الغريب أن جمهور الفقهاء اعتبروا إسلام المجنى عليه شرطا أساسيا لإقامة الحد على من قذف فى حقه.. يقول الشيخ سابق فى كتابه «الجزء الثانى صفحة 535»: «الإسلام شرط فى المقذوف (المجنى عليه) فلو كان المقذوف من غير المسلمين لم يقر الحد على قاذفه عند جمهور العلماء، وإذا كان العكس فقذف النصرانى أو اليهودى المسلم فعليه ما على المسلم: ثمانون جلدة». من يستطيع أن يتحدث بعد ذلك عن حقوق المواطنة والمساواة أمام القانون. إذا سب القبطى المسلم يتم جلده ثمانين جلدة، وإذا سب المسلم القبطى لا يجوز جلده. وكأن الكرامة الإنسانية حكر على المسلمين فقط، أما الأقباط فهم مخلوقات بلا عرض ولا كرامة.."

                  لا والله لقد تأولت قاصدا ومجرماً، قال صلى الله عليه سلم "ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة. رواه أبو داود، وصححه الألباني. وجاء في الموسوعة الفقهية "سب المسلم للذمي معصية، ويعزر المسلم إن سب الكافر. قال الشافعية: سواء أكان حيا، أو ميتا يعلم موته على الكفر. وقال البهوتي ـ من الحنابلة: التعزير لحق الله تعالى". فها أنت ترى أنّ الإسلام يحمى أهل الذمة المعاهدين، لا المحاربين منهم أو الناقضين للعهد. وهو ما يتم بحسبه عقوبة المعاهد إن سبّ مسلما، فقد جاء في المحلى لإبن حزم "سألت الشعبي عن يهودية افترت على مسلم ؟ قال : تضرب الحد سألت الشعبي عن يهودية افترت على مسلم ؟ قال : تضرب الحد". فلماذا الإفتراء يا أسوانيّ، لماذا لا تدرس الأمر أبعد قليلا من فقه السنة؟ ألديك وقت لكتابة الشذوذ في عمارة يعقوبيان، ونصرة النصارى ودينهم والدفاع عن السكارى والزناة، لكن ليس لديك وقت للنظر إلى الشرع في مظانه الأصلية؟ سفهك الله من كائن.

                  ويكمل الجَهول "الدية غرامة مالية على من ارتكب القتل الخطأ أو شبه العمد.. لكن هذه الدية، طبقا لرأى جمهور الفقهاء، تختلف باختلاف الجنس والدين.. دية المرأة المسلمة المقتولة نصف دية الرجل المسلم المقتول ودية القبطى المقتول نصف دية الرجل المسلم المقتول، أما دية المرأة القبطية المقتولة فتبلغ نصف دية المرأة المسلمة المقتولة «أى ربع دية الرجل المسلم المقتول».. هذا حكم جمهور الفقهاء كما يؤكد الشيخ سابق فى كتابه «الجزء الثالث صفحة 60 و61».. ونحن إذا طبقنا هذا الحكم الفقهى نكون قد اعترفنا بأن الحياة الإنسانية ليس لها القيمة ذاتها عند الناس جميعا، فحياة الرجل المسلم أغلى من حياة المرأة المسلمة، وحياة القبطى أرخص من حياة المسلم، وحياة المرأة القبطية أرخص من الجميع (لأن بها العيبين فهى امرأة وقبطية). هل يمكن قبول هذا المفهوم ونحن فى القرن الواحد والعشرين..وهل تتحمل الدولة المصرية العقوبات الدولية التى ستنهال عليها إذا طبقت هذا الحكم الذى يخالف كل معاهدات حقوق الإنسان التى وقعت عليها الحكومات المصرية المتعاقبة؟!"

                  ذكرنا من قبل أنّ الدية لا علاقة لها بقيمة الإنسان، بل هي مقابل ماديّ على سبيل التعويض، يتغير بحسب انتاجية المقتول مادياً، كما هو الحال فيما تفعل شركات التأمين في الغرب، فتحسب حساباتها في التعويض بناء على إنتاجية الفرد، دون أن يتهمها أحد بالتعصب أو خرق حقوق الإنسان. فالمرأة في النظر الإسلاميّ أقل أنتاجية في الناحية المالية من الرجل، لأن طبيعتها تتجه إلى التربية أكثر من الإنتاج الماديّ، فيكون تعويضها، أو ديتها أقل، وإن كانت قيمتها مثل قيمة الرجل سواءً بسواء. كذلك في العبد والأمة، وإن كان لا محل لهما في عصرنا. أما عن القبطيّ، فأنه، في النظر الإسلاميّ لا يشارك في كثير من الواجبات المالية الشرعية كالزكاة، فهو بالمثل أقل مشاركة من المسلم. كما لا ننسى أنّ المسلم يرى أنّ جنسيته هي عقيدته، لا قوميته ولا وطنيته. وهذا هو الفارق الأساس بيننا وبين الكفار المتَسَمِّين بأسماء مسلمة، أمثال علاء وخالد وعمرو..الخ. فإنّ الذميّ المُعَاهِد ليس متجنساً بجنسية الإسلام، وإن أقام على أرضه، فليس له من الحق ما للمسلمين من أصحاب الجنسية الإسلامية. أما عن عقوبات ما تسميه بالمجتمع الدوليّ، فأين أنت من العقوبات التى يجب أن يفرضها هذا المجتمع الصهيو-صليبيّ على قتلة المسلمين في بورما وفي الشيشان وفي غزة؟ أخزاك الله وإياهم.

                  ويتابع المُحارِب لله ورسوله " خامسا: فى جريمة القتل يجب تطبيق القصاص على القاتل وبالتالى ينفذ فيه حكم الإعدام.. إلا أن من شروط القصاص أن يكون المقتول مسلما، أما إذا كان المقتول كافرا قبطيا، فإن القاتل لا يطبق عليه القصاص.. يقول الشيخ سابق «فى الجزء الثالث صفحة 25». «من شروط القصاص أن يكون المقتول مكافئا للقاتل حال جنايته، بأن يساويه فى الدين والحرية، فلا قصاص على مسلم قتل كافرا أو حر قتل عبدا، لأنه لا تكافأ بين القاتل والمقتول.. بخلاف ما إذا قتل الكافر مسلما أو قتل العبد حرا فإنه يقتص منهما»..

                  مرة أخرى يلتوى المحارب لله رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الكاذب عليهما، بالحديث. فإن الكافر أمره غير أمر المعاهد، وها نحن نرميه بحارقة البخاريّ وسالقة أحمد والحاكم وأبو داود النسائي. فعنْ أبي جُحَيْفَةَ قالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: هلْ عندَكم شيءٌ مِن الوحيِ غيرَ القرآنِ؟ قالَ: لا، والذي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسْمَةَ، إلَّا فَهْمٌ يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا في القُرآنِ، وما في هذهِ الصحيفةِ. قُلْتُ: وما في هذهِ الصحيفةُ؟ قالَ: "الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ". رواهُ البخاريُّ، وأَخْرَجَهُ أحمدُ وأبو داودَ والنَّسائيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عنْ عَلِيٍّ، وقالَ فيهِ: "الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِ" وصَحَّحَهُ الحاكمُ. ثم استئناساً، عن عبدِ الرحمنِ بنِ البَيْلَمَانِيِّ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ، وقال" أَنَا أَوْلَى مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ" مرسلا وموصولاً ، والبيلمانيّ ضعيف. ففي الحديث الأول كفاية على الفرق بين الكافر المحارب والكافر الذميّ. فالأول لا دية له ولا قصاص فيه. والثاني دمه حرامٌ كدم المسلم، كما في حديث الحاكم.

                  جاء في سبل السلام للصنعانيّ"وَالثَّالِثَةُ: عَدَمُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ قَوَداً، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ، وَأَنَّهُ لا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ في عَهْدِهِ، فَذُو الْعَهْدِ: الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِأَمَانٍ، فَإِنَّ قَتْلَهُ حَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَأْمَنِهِ. فَلَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ، فَقَالَت الْحَنَفِيَّةُ: يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ إذَا قَتَلَهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، وَلا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: (وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ)؛ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: (مُؤْمِنٌ)، فَلا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدٍ فِي الثَّانِي كَمَا فِي الطَّرَفِ الأَوَّلِ، فَيُقَدَّرُ: وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ، وَلا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْكَافِرِ فِي الْمَعْطُوفِ بِلَفْظِ الْحَرْبِيِّ؛ لأَنَّ الذِّمِّيَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ، وَيُقْتَلُ بِالْمُسْلِمِ" 1092/6. وقد اعتبرالشافعي وأحمد ومالك انه لا يجوز قتل المسلم بالكافر أياّ كان، لعدم التكافؤ، فالكفر منقصة بذاته، وهو رأي معتبرٌ للجمهور، وإن كانت الأدلة تتناطح فيه بين عموم وخصوص. لكن هذا لا يمنع من أن يحكم القاضى بما ذهب اليه الإمام أبو حنيفة إن رأي في ذلك عدل يتحقق.

                  نهاية..

                  لقد انقسم المجتمع اليوم إلى أربعة أقسامٍ في صدد ما نتحدث فيه، قسمان من المخلصين فيما يقولون، أولهما المسلمون الملتزمون بدينهم من أهل السنة، وهم الذين يطلق عليهم أمثالك يا أسوانيّ الإرهابيون والمتطرفون وال*****ون والمتشددون، وما شئت من مثل هذه التسميات، والقسم الآخر هم القبط الصليبيون المتمسكون بصليبيتهم ودينهم المحرّف لا يبغون عنه حولاً. ثم بين هذين الطرفين يقع القسم الثالث والرابع. أما القسم الثالث، فهم الكفار المتأسلمون من أمثالك وأمثال البرادعي والصباحيّ وعمرو موسى وأبراهام عيسى وعمرو أديب، وسائر كفار مصر، ممن يدعى الإسلام تقية وتدسساً، ثم ينسلخ من الشريعة وهو يدعي حبها. والقسم الرابع هم المسلمون المتكفّرون، الذين يريدون التقرب من الكفار والتمسح في طرقهم ووسائلهم، اعتقاداً أن ذلك سيلغى الفجوة بين الإسلام والكفر، مثل الإخوان والجماعة الإسلامية المخذولة وعدد من السلفيين المنزليين.

                  الأمر يا أسوانيّ، أن مصر اليوم تعيش فترة اكتشاف للذات، وما يصحبها من صراحة وخلعٍ لبرقع الحياء. فالكفار اليوم يعلنون الكفر، تحت أسماء مستعارة كالعلمانية والليبرالية والديموقراطية، وهم يعلمون أنّ تلك المعركة هي معركتهم الأخيرة، فإما أن يربحوا الدنيا ويخسروا الآخرة، أو أن يخسرونهما معاً، ولا خيار ثالث.

                  إن عهد الظلام الذي أشرت اليه في قاع مقالك، تقصد به ما تتصوره عن عصر الإسلام، هو أزهى العصور التي ضمنت الأمان للنصارى واليهود، عكس ما حدث لهم في العصور الوسطي النصرانية، عهود محاكم التفتيش الأسبانية وهجرة اليهود إلى الشرق لضمان السلامة من القتلة الصليبيين، برغم كلّ ما سقت أنت وأمثالك من مقتطعات، تبث بها سمومك.

                  إنّ الكفر ملةٌ واحدة في كلّ عصر، يبدأ في عصرنا بالأسوانيّ ولا ينتهى بالبرادعيّ..!!

                  تعليق

                  مواضيع ذات صلة

                  تقليص

                  المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                  ابتدأ بواسطة Islam soldier, 6 يون, 2022, 01:23 م
                  ردود 0
                  212 مشاهدات
                  0 معجبون
                  آخر مشاركة Islam soldier
                  بواسطة Islam soldier
                  ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:22 ص
                  ردود 0
                  42 مشاهدات
                  0 معجبون
                  آخر مشاركة Islam soldier
                  بواسطة Islam soldier
                  ابتدأ بواسطة Islam soldier, 29 ماي, 2022, 11:20 ص
                  ردود 0
                  61 مشاهدات
                  0 معجبون
                  آخر مشاركة Islam soldier
                  بواسطة Islam soldier
                  ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 07:41 م
                  ردود 0
                  98 مشاهدات
                  0 معجبون
                  آخر مشاركة عادل خراط
                  بواسطة عادل خراط
                  ابتدأ بواسطة Ibrahim Balkhair, 4 سبت, 2020, 05:14 م
                  ردود 3
                  113 مشاهدات
                  0 معجبون
                  آخر مشاركة Ibrahim Balkhair
                  بواسطة Ibrahim Balkhair
                  يعمل...