الإصحاح السابع و العشرين
حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ ،نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ قَائِلاً: ((قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَماً بَرِيئاً)). فَقَالُوا: ((مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ!)) فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ ،ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ. فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: ((لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ)).7فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ. لِهَذَا سُمِّيَ ذَلِكَ الْحَقْلُ ((حَقْلَ الدَّمِ)) إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ : ((وَأَخَذُوا الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ ،ثَمَنَ الْمُثَمَّنِ الَّذِي ثَمَّنُوهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَعْطَوْهَا عَنْ حَقْلِ الْفَخَّارِيِّ ،كَمَا أَمَرَنِي الرَّبُّ)).
إن الذي كتب هذه الرواية قد أخطأ خطأً فاحشاً عندما نسب الثلاثين من الفضة إلى إرميا النبي، ذلك أنها وردت في سفر زكريا و ليس سفر إرميا! و نحن بدورنا نسأل الفاتيكان المدافع الأول عن الأناجيل ، الذي أصدر وثيقته المعروفة في الدفاع عنها سنة (1962-1965) و نسأل جميع المدافعين عن الأناجيل و القائلين بأنها وحي منزه عن الخطأ ، نسألهم أن يفسروا لنا هذا الغلط و كيف يسكتون عليه و هو يتكرر في كل طبعة جديدة و سيبقى هذا حاله! ألا يستطيع الروح القدس أن يميز بين إرميا و زكريا؟
و كما عودنا كاتب هذا الإنجيل في انتزاع أعداد العهد القديم التي توافق غرضه و ترك الباقي، و الزعم بأن ما انتزعه هو نبوءة وردت في العهد القديم عن المسيح.. إن هذا النص ليس نبوؤة عن يهوذا و لا عن بيع المسيح إطلاقاً، إنما هو شرح حال وقع قبل آلاف السنين مع النبي زكريا الذي يسرد ما حدث بينه و بين شعبه ، و هذا هو النص: [11: 4-14]
َكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهِي: ((ارْعَ غَنَمَ الذَّبْحِ الَّذِينَ يَذْبَحُهُمْ مَالِكُوهُمْ وَلاَ يَأْثَمُونَ وَبَائِعُوهُمْ يَقُولُونَ: مُبَارَكٌ الرَّبُّ! قَدِ اسْتَغْنَيْتُ. وَرُعَاتُهُمْ لاَ يُشْفِقُونَ عَلَيْهِمْ. لأَنِّي لاَ أُشْفِقُ بَعْدُ عَلَى سُكَّانِ الأَرْضِ يَقُولُ الرَّبُّ بَلْ هَئَنَذَا مُسَلِّمٌ الإِنْسَانَ كُلَّ رَجُلٍ لِيَدِ قَرِيبِهِ وَلِيَدِ مَلِكِهِ فَيَضْرِبُونَ الأَرْضَ وَلاَ أُنْقِذُ مِنْ يَدِهِمْ)). فَرَعَيْتُ غَنَمَ الذَّبْحِ. لَكِنَّهُمْ أَذَلُّ الْغَنَمِ. وَأَخَذْتُ لِنَفْسِي عَصَوَيْنِ فَسَمَّيْتُ الْوَاحِدَةَ ((نِعْمَةَ)) وَسَمَّيْتُ الأُخْرَى ((حِبَالاً)) وَرَعَيْتُ الْغَنَمَ. وَأَبَدْتُ الرُّعَاةَ الثَّلاَثَةَ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ وَضَاقَتْ نَفْسِي بِهِمْ وَكَرِهَتْنِي أَيْضاً نَفْسُهُمْ. فَقُلْتُ: ((لاَ أَرْعَاكُمْ. مَنْ يَمُتْ فَلْيَمُتْ وَمَنْ يُبَدْ فَلْيُبَدْ. وَالْبَقِيَّةُ فَلْيَأْكُلْ بَعْضُهَا لَحْمَ بَعْضٍ!)). فَأَخَذْتُ عَصَايَ ((نِعْمَةَ)) وَقَصَفْتُهَا لأَنْقُضَ عَهْدِي الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ كُلِّ الأَسْبَاطِ. فَنُقِضَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَهَكَذَا عَلِمَ أَذَلُّ الْغَنَمِ الْمُنْتَظِرُونَ لِي أَنَّهَا كَلِمَةُ الرَّبِّ. فَقُلْتُ لَهُمْ: ((إِنْ حَسُنَ فِي أَعْيُنِكُمْ فَأَعْطُونِي أُجْرَتِي وَإِلاَّ فَامْتَنِعُوا)). فَوَزَنُوا أُجْرَتِي ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَقَالَ لِي الرَّبُّ: ((أَلْقِهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ الثَّمَنَ الْكَرِيمَ الَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ)). فَأَخَذْتُ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ وَأَلْقَيْتُهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. ثُمَّ قَصَفْتُ عَصَايَ الأُخْرَى ((حِبَالاً)) لأَنْقُضَ الإِخَاءَ بَيْنَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلَ.
هذا هو أصل النص يا عزيزي القارئ، و قام كاتب متى بأخذ ثلاث كلمات هي "الثلاثين من الفضة" مدعياً أنها نبوءة، و ترك باقي النص لأنه لا يفيد غرضه من جهة، و يفضحه من جهة أخرى.. معتقداً أن أحداً لن ينبش وراءه النصوص ليرى صدقه من عدمه..
فهل يستطيع أساتذة اللاهوت الدفاعي أن يقولوا لنا من هو الفخاري في بيت الرب زمن المسيح؟ و هل كان في زمانه كور في بيت الرب لعمل الفخار أصلاً؟ و من هم الرعاة الثلاثة الذين أبيدوا في شهر واحد؟! و ما شأن الغنم التي كان يرعاها زكريا، و العصوين ((نِعْمَةَ)) و ((حِبَالاً)) بالمسيح أو بيهوذا؟ ثم شتان بين الثمن الكريم المدفوع لنبي الله زكريا و الثمن الذي ادعى من كتب هذه الرواية أنه مدفوع لثلاثين من الفضة إلى يهوذا كثمن خيانة المسيح حسب قوله؟ فالأول مدفوع إلى نبي كريم ثمن صنيعه مع شعبه و قُبل في بيت الرب، بينما الثاني مدفوع ليهوذا الخائن في نظر كاتب إنجيل متى كثمن للخيانة و الغدر!! و قد رفض هذا الثمن كل الناس، حتى يهوذا نفسه رفضه و لم يقبله على نفسه، و الكهنة أيضاً رفضته! لأنه ثمن رجس..
و لم يكن في كاتب إنجيل متى أي حياء في اقتباس النص حين قال: ((وَأَعْطَوْهَا عَنْ حَقْلِ الْفَخَّارِيِّ ،كَمَا أَمَرَنِي الرَّبُّ)) فهو بقوله يزعم أن الرب قد أمره أن يُباع يسوع بثلاثين من الفضة، و أن يصرف هذا الثمن في شراء حقل ليكون منفعة للناس.. لذا فليتفضل أساتذة اللاهوت الدفاعي و يخبرونا متى و أين قال الرب هذا!!
أليس هذا ضحكاً و تدليساً على ذقون البسطاء و العامة من الناس؟ ماذا يثبت كل هذا؟ ألا يُثبت أن إنجيل متى هو عبارة عن نص مرقع من هنا و هناك؟
تعليق