وانهدمت الدار
- اركض .. اركض ياحازم .. اركض.
صرخت بآخر عزمها فى طفلها الذى انفلت من بين يد الجندى فى مراوغة ليطلق لساقيه الدقيقتين العنان .. فإذا بالجندى يرفع فوهة بندقيته ليصوبها نحو الصبى .. صرخت الأم فى هلع :
- ولدى ؟!!
وانقضت على ذراع الجندى تقضمها فى استماتة ... فرفعها الجندى بمؤخرة البندقية فى عنف وقسوة ليشج جبهتها .. فسقطت على الأرض فى ألم وقد دارت الدنيا حولها من هول اللطمة .. استدار الجندى مجددا يبحث عن الصبى .. لكنه كان قد اختفى بالفعل
· نهضت فى إعياء تحاول مسح خيوط الدم المنسابة على وجهها ... هتفت فى غضب :
- ماذا تريدون؟! .. ماذا تريدون؟! .. مات الزوج ...واعتقلتم الشبان .. لم يبق لى سوى هذا الصغير... وتلك الدار...
بترت جملتها بغتة حينما سمعت صوت المحركات التى أخذت فى الاقتراب ترج الأرض من تحتها وتطوى الطريق طيا... وأدركت مطلبهم هذة المرة .....تراجعت فى ثبات واصرار نحو باب الدار...... وقفت تسد الباب بجسدها الهزيل ......
صرخت: لا لن تسلبوا الدار لا لن تدخلوها....... أين أذهب أنا والصغير
تبدد صوتها وسط ضجة الجرافات التى راحت تحدث صريرا مخيفا وهى تقترب بلا رادع أو راد......
أخذت تدور بعينيها الزائغتين بحثا عن حازم ......كانت تود لو ضمته فى هذة اللحظة إلى صدرها لتحتمى به... وتحميه ...
لكنها لم تجده ولم تجد مخلوقا يقف معها ضد هذا السرب المقتحم من الجرافات والجنود المسلحين.....
لم تجد غير صبرها وثباتها..... فاستجمعت فتات شجاعتها واستحضرت معية الله ......
وتمتمت بالدعاء الذى راح يتردد صداه فى أعماقها:... يارب..... يارب....
تعلق بصرها بالجرافات التى تقترب فى اصرار..... ازدادت التصاقا وتشبثا بالباب....
وهى تصرخ ولا تسمع لصوتها صدى....
حتى هى نفسها ما عادت تسمع صوتها .... ما عادت تسمع إلا صوت الصرير المخيف
توقفت الجرافات على بعد أمتار قليلة من الدار .... رمقها قائد الجرافة بحقد بغيض وشماتة ... ثم جذب الذراع إلى الخلف
لترتفع ذراع الجرافة لكى تهوى بقوة على جدار الدار .... صرخت مجددا ...واندفعت نحو الجنود فى ثورة وغضب....
دفعوها جانبا... سقطت على الأرض... ركلوها بالاقدام... سبوها بأقبح الفاظ السباب ... بصقوا فى وجهها... انكفأت على وجهها الذى اختلطت به العبرات بالدماء مع الثرى....
شعرت كأنها تهوى فى بئر سحيق تنتظر أن يرتطم جسدها بالقاع الذى لا يأتى أبدا.....
شعرت بالارض تهتز مجددا من تحتها مالت بوجهها نحو الدار....
لم تدر أهو خداع البصر الذى هيأ لها تلك الخيوط المتصدعة التى بدأت تشق طريقها فى الجدار... أم أنه خيط الدم الذى سال على عينيها حاولت النهوض... لم تستطع... سقطت مرة أخرى... زحفت نحو الدار... ما عادت تميز أى شئ... كل شئ يهتز حولها.... الاصوات مختلطة والرؤية مشوهة
حاولت أن ترفع بصرها إلى السماء... فوجئت بحذاء الجندى يغوص فى وجهها......
تهاوت رأسها من جديد... نبشوا أصابعهم فى شعرها المرسل فى فوضى ...
جذبوا جسدها ..زجروه مخلفين أثرا من دماء..... ألقوه داخل الدار.... وتابعت الجرافات عملها ....وتصدع الجدار.... وهوى السقف....
وانهدمت الدار
تعليق