التعليق على مقدمة الكتاب
يقول القمص في مقدمة كتابه ص 1 : ( لقد أوحى الله بكلماته ووصاياه إلى أنبيائه ورسله القديسين بوسائل متعددة ، فليس في المسيحية صورة واحدة للوحي كما يلخص ذلك القديس بولس الرسول " عب 1:1 " ) .
قـال القرطبـي الأندلسي رحمــه الله فــي حـق بولـس فـي كتابــه ( الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ) : " قلنا ذلك – أي بولس – هو الذي أفسد عليكم أديانكم وأعمى بصائركم وأذهانكم ، ذلك الذي غير دين المسيح الصحيح الذي لم تسمعوا له بخبر ولا وقفتم منه على أثر ، هو الذي صرفكم عن القبلة وحلل لكم كل محرم كان في الملة . ولذلك كثرت أحكامه عندكم وتداولتموها " ( إظهار الحق ص 422 ) .
وقال أبو البقاء الهاشمي في الباب التاسع من كتابه ( تخجيل من حرف التوراة والإنجيل؟ ) في بيان فضائح النصارى في حق بولس هكذا : " وقد سلبهم بولس هذا من الدين بلطيف خداعه إذ رأى عقولهم قابلة لكل ما يلقى إليها وقد طمس هذا الخبيث رسوم التوراة . لذلك نحن المسلمون لا نشتري قوله بحبة خردل " ( إظهار الحق ص 135 ) .
لقد أخرج بولس النصارى متعمداً من عهد الرب وأبعدهم عنه ، فلم تصبح ديانة التوحيد ، كما كان يدعوا كل أنبياء الله ، بل صارت ديانة التثليث ، ولا يقول غير ذلك إلا ماكر يحاول أن يُجمِّل دينه ، ويجعله مستساغ بين من يُنكرون التثليث , الأمر الذى جعل العديد من علماء المسيحية يُطلقون على هذه الديانة : البوليسية (نسبة لمؤلفها بولس ) , بل إن استشهاد القمص / يوحنا فوزي بالرسالة إلى العبرانيين المنسوبة إلى بولس فى أول سطور كتابه أكبر دليل على ذلك !
ثم يستطرد القمص ص 1 قائلاً : ( وقد شرح الرب بعضاً من طرق الوحي فقال " إن كان منكم نبي للرب فبالرؤيا أستعلن له في الحلم أكلمه أما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيت فماً إلى فم وعياناً أتكلم معه لا بالألغاز وشبه الرب يعاين " [ عدد 12 : 6 – 8 ] وهكذا ابتدأ موسى النبي الكليم بكتابة العهد القديم مبتدئاً من سفر التكوين الذي يتحدث عن تكوين خلقه السماوات والأرض وتكوين الشعوب والقبائل مما لم يكن موسى النبي معاصراً لهذه الأحداث إنما عرفها بروح من الله القدوس ) .
النص يقول أن الله تحدث إلى موسى فماً إلى فم فهل هذا دليل على أن الله أمر موسى عليه السلام بأن يكتب العهد القديم كما زعم القمص ؟! , وبمعنى أخر : هل هذا يعد دليلاً على أن موسى هو الذي كتب الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم ؟!
الإجابة لا طبعًا !
إن هذه الفقرات لا تدل إلا على فضل موسى عليه السلام وبيان مكانته , إذ هو الذي مَنَّ الله عليه وجعله كليمه من دون وسيط , فكيف يتخذ القمص هذا دليلاً ويقول : ( وهكذا إبتدأ موسى النبي الكليم بكتابة العهد القديم ) ؟!
يقول العلامة / أحمد ديدات : ( ....ففي الكتب الخمسة الأولى من كتابهم المقدس ( التكوين ، الخروج ، اللاويين ، العدد ، التثنية ) يوجد إثبات قاطع في أكثر من سبعمائة جملة أن الله لم يكن كاتبها وحتى موسى عليه السلام لم يكن له ضلع فيها . وما عليك إلا أن تفتح هذه الأسفار عشوائياً وسوف ترى .
( وقال الرب لموسى .... ) " خروج 6 – 1 " .
( فتكلم موسى بين يدي الرب....) " خروج 6 – 13 " .
( وكلم الرب موسى .... ) " اللاويين 11-1 " .
( ثم قال الرب لموسى ....)" تثنية 31-14 " .
ومن الواضح هنا أن هذه ليست كلمات الله ولا كلمات موسى فالضمير هنا هو ضمير الغائب مما يعني أن هذا كلام شخص ثالث يسجل أحداثاً سمع عنها فلو كان هذا كلام الله أو كان موسى كاتبه لكان الكلام على هذا النمط : ( وقلت للرب .... ) أو ( قال لى الرب.... ) أو ( قلت لموسى ....) أو ( قال لي موسى .... ) . وإنك لتعجب أشد العجب أنه إذا كان هذا كلام موسى فهل يعقل أن موسى يكتب تفاصيل موته بعد موته ؟!
( فمات موسى هناك .... ودفنه الرب .... وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات .... ولم يقم في بني إسرائيل كموسى ) " التثنية 34 : 5-10 ") (هل الكتاب المقدس كلمة الله ؟ ص 39 ).
وما لنا نذهب بعيدًا ولدينا الترجمة المسكونية للكتاب المقدس والتي قام بالوقوف على ترجمتها أعظم علماء الكتاب المقدس مكانة وقدرًا , إذ جاء في تقديمها لأسفار موسى الخمسة ما نصه : ( كثير من علامات التقدم تظهر في روايات هذا الكتاب وشرائعه مما جعل المفسرين الكاثوليك وغيرهم على التنقيب عن أصل هذه الأسفار الأدبي فما من عالم كاثوليكي في عصرنا يعتقد أن موسى قد كتب البانتيك (الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم ) منذ قصة الخلق إلى قصة موته , كما أنه لا يكفي أن يقال أن موسى أشرف على وضع النص الملهم الذى دونه كتبة عديدون فى غضون أربعين سنة ) ( مقدمة الكتاب المقدس ص 4 ( الأسفار الخمسة ) الصادر عن دار المشرق – بيروت – 1983م ) .
يقول القمص في مقدمة كتابه ص1 : ( وهكذا باقي الأنبياء والرسل قد كتبوا ما أوحي إليهم كل واحد بأسلوبه الخاص ولكن محفوظين بقوة إلهية ما يريده الوحي الإلهي بلا تغيير أو تبديل أو زيادة أو نقصان ) .
ومجمل هذا الكلام أن الروح القدس أوحت إلى الأنبياء والرسل ثم إن كل واحد منهم كتب بأسلوبه الخاص بلا تغيير أو تبديل أو زيادة أونقصان ، وأقول للقمص : إن ما جاء في سفر ( إشعياء إصحاح 37 ) و ( سفر الملوك الثاني إصحاح 19 )متطابقان كلمة بكلمة , وأنتم تدعون أنهما وحي وتقول أن كل واحد كتب بأسلوبه الخاص , فكيف يحدث هذا التطابق التام رغم أن مؤلفي السفرين شخصان مختلفان , كلاهما مجهول , وبينهما قرون عديدة ؟!
فليس هناك أي دليل على أن هذه الأسفار قد كتبها أنبياء الله ، فسندها منقطع إنقطاعًا يصل إلى مئات السنين , وحتى كُتاب تلك الأسفار لا يُعلم من هم !
أورد القمص نصًا من ( 2 بط 1 : 20-21 ) " أن أناس الله القديسون كتبوا مسوقين من الروح القدس " . والمعروف أن الروح القدس أقنوم من أقانيم النصارى وهو الله فى معتقداتهم ، ويزعم النصارى أن كتابهم المقدس من أوله إلى آخره وحي , وإني أعرض بعض الفقرات التي تبين حقيقة هذا الأمر :
يخبرنا (الروح القدس) في صموئيل الثاني (10: 18 ) أن داود أهلك سبعمائة مركبة , وأن نفس (الروح القدس) يخبرنا في سفر أخبار الأيام الأولى (19: 18) أن داود هزم سبعة آلاف مركبة في نفس الحادثة !
كما يخبرنا (الروح القدس) في صموئيل الثاني ( 24 : 13 ) أنه سوف يأتي على داود سبعة سنين جوع , ويخبرنا نفس (الروح القدس) أيضًا في سفر أخبار الأيام الأولى ( 21 : 11 ) أنهم ثلاث سنين جوع في نفس الحادثة !
فكيف لنا أن نعلم أيهما من الروح القدس إذا كان نفس الروح القدس يخبرنا بأمور متناقضة ؟!
وإذا كان الله هو مؤلف كل كلمة ، وكل فاصلة ونقطة في الكتاب المقدس , فهل هو مؤلف ذلك التناقض الرياضي السابق أيضًا ؟ أم أن الله عز وجل( تعالى عما تصفون ) أحاط بالعلم كله إلا علم الأرقام والحساب ؟!
قال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82. فأي كتاب يزعم أصحابه أنه من عند الله يجب أن يخضع لهذا الإختبارالإلهى , فقوله تعالى : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) بمعنى يتأملون القرآن ، إذ لا يختلف ولا ينقض بعضه بعضًا.( مختصر تفسير الطبري ص 91 ) .
ويستطرد القمص قائلاً ص1 : ( الله القدوس قد كتب كلماته وآياته في كتابه المقدس بيد أنبيائه في العهد القديم ومن فم يسوع المسيح ) .
أعجب ما رأيت هو أنك عندما تفتح الكتاب المقدس على العهد الجديد تجد هذه الجملة " العهد الجديد لربنا ومخلصنا يسوع " فأول ما يصل إلى ذهنك أن هذا هو إنجيل المسيح الذى وعظ وبشر به، وعندما تقلب الصفحة تجد " إنجيل متَّى " ثم بعد أن ينتهي هذا الإنجيل تجد " إنجيل مرقس " ثم "إنجيل لوقا" ثم " إنجيل يوحنا "، وكل واحد من هؤلاء يخبرنا أخبارًا مختلفة عن المسيح ، ثم يقولون بعد كل هذا أن هذا ما أملاه المسيح عليه السلام !
فإذا كان لجد جدك وصية ثم جاء جدك فأخذها وكتب عليها اسمه وأضاف فيها ثم جاء أبوك وحذف منها ثم جئت أنت بدورك وأحدثت فيها بعض التغييرات , فبعد كل هذا هل تجرؤ أن تسميها أنت وصية جد جدك ؟! بالطبع لا , فنحن نعترض على هذه الأناجيل ولا نؤمن إلا بإنجيل عيسى عليه السلام الذي بشر به ووعظ .( كما سنبين إن شاء الله ) .
يتبع ....
تعليق