بسم الله الرحمن الرحيم
الوسطية في نقد الإنفجار الكبير بلغة القرآن و العلم الحديث
الوسطية في نقد الإنفجار الكبير بلغة القرآن و العلم الحديث
كتب : د. محمودعبدالله نجا
مع أن القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد للعباد، إلا أنه لا يخلو من الإشارة إلى بعض الحقائق الكونية التي يستدل بها على وجود الإله الواحد القادر، ومن ذلك قول الله (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) 30 الأنبياء، ففي هذه الآية يثير المولى تبارك و تعالى مسألتين في غاية الغرابة لم يكن للناس بهما علم في زمن نزول القرآن، الأولى أن السماوات و الأرض كانتا رتقا، أي ملتصقتين ثم فصل الله بينهما، و الثانية أن جعل حياة كل كائن حي لا تنفك عن احتياج معين للماء.
و قبل تفسير النصف الأول من هذه الآية بعلوم العصر الحديث لابد من الإشارة إلى أمرين:
الأول: إذا كان القرآن كتاب هداية فقط فلماذا أشار الله إلى هذه الغيبيات التي لا يمكن للنبي و أصحابه أن يدرسوها في زمن النبي صلى الله عليه و سلم إلا لأن الله يعلم بأنه سيأتي زمان على الناس يتناولون دراسة أصل الكون و أنهم سوف يمتلكون الأدوات المؤهلة لذلك، فوضع المولى تبارك و تعالى هذه الآية في كتابه، فكانت غيبا في زمن النبي صلى الله عليه و سلم و لكنه ما لبث أن بدأ يخرج من الغيب إلى الشهادة في زمننا الحالي، زمن الرؤية بالعلم.الثاني: لا يمكن تأويل الغيبيات إلا بعلم يقيني قطعي الثبوت و حتى نصل إلى هذه الدرجة فلا نملك إلا أن نقول كما قال الأولون {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا به كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7، و في هذا أكبر دليل على أن في القرآن معجزات علمية يظهرها الله لعباده في الوقت الذي يريد لكي يبقى القرآن الحجة الباقية على مر الزمان {قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }الأنعام149.
و نأتي الآن إلى وسطية الإعجاز العلمي في مقابلة النص الشرعي بما هو قطعي و ظني في العلم الحديث، فقد ظهر حديثا الكثير من علماء المسلمين الذين يحاولون تفسير نشأة الكون بنظرية الانفجار الكبير (big bang) و التي تقول بأن السموات و الأرض كانتا في بداية نشأة الكون ملتصقتين في كتلة واحدة يكاد يقترب حجمها من الصفر و كتلتها تصل إلى ما لا نهاية و ذات ضغط كبير و حرارة عالية جدا، و أشاروا إلى هذه البداية بالذرة أو البيضة الكونية أو نقطة التفرد (Singularity)، مما أدى إلى انفجار هذه الكتلة التي أخذت في الاتساع المستمر و نشأ عن هذا الانفجار تكون الذرات و مادة الأرض و الأجرام السماوية. مع ملاحظة أن النظرية تقول أيضا أنه قبل الانفجار كان لا يوجد مكان أو زمان و أنه لا يوجد قبلها شيء، أي أن الذرة الكونية أو البيضة الكونية التي نشأ منها الكون بالانفجار كانت و لا شيء غيرها. و هنا أيها المسلمون وسطية منهج الإعجاز العلمي تحتم علينا التوقف أمام هذه النظرية بعقل واعي يفهم لغة القرآن قبل أن يفهم لغة العلم، فلا ينبغي أبدا أن نأخذ الظني من النظرية و نقارنه بكتاب الله، والذي نؤمن به إيماناً قاطعاً أن وصف القرآن هو أدق وصف لأنه من عند الله تعالى خالق الكون الذي قال عن نفسه {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }فاطر14, (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) 14 الملك.
تعليق