أجر من حبسه العذر عن أداء فريضة الحج
منع بعض المسلمين في هذا العام من أداء فريضة الحج، تلك الفريضة الغالية، المحببة إلى قلوب المؤمنين، وهذا المنع له أسباب متعددة، فبعضهم منع بسبب السن بعد أن صدر قرار بالمنع من السلطات بسبب الخوف من العدوى، وبعضهم منع لأنه لم يستطع أن يدفع مبالغ كبيرة لشركات السياحة، ولم يستطع الحصول على تأشيرة مخفضة، وغير ذلك من الأعذار.وهذا المنع سبب آثارا نفسية متعددة لمن منع من الحج هذا العام.
فبعض الناس يرى أن هذا ظلم من الحكومات التي منعت الناس من الحج هذا العام، بل يصل الأمر إلى التفسير التأمري، فيظن الحاج أن هذا أمرا مقصودا، دُبِر له بليل، حتى يمنعوه من أداء الفرائض!!
وبعضهم يرى أن هذا علامة على عدم القبول من الله، فلو كان هناك قبول ليسر الله لهم أمر الحج، أو أن هذا نتيجة للمعاصي ، ومن ثم فهم مردودون عن البيت بأمر الله !!
أما البعض الآخر فيخاف من شماتة الناس، ومن نظراتهم إليه، وقد حُرم من أداء الفريضة ، فكيف ينظر في وجوه الشامتين، وماذا يقول لهم ؟!!
ولكن بعيدا عن العواطف المفرطة، والأعراف الخاطئة دعونا ننظر إلى هذا الحدث نظرة عقلية في ضوء الشريعة الغراء.
التعلق بالحج أمر محمود ولكن !
نحمد الله تعالى أن جعل في قلوب كثير من المسلمين حب هذه الطاعة، فعلى الرغم مما يلاقونه من مشقة، وما يتكلفونه من مال وجهد، وتعب ونصب، فقد أشربت قلوبهم حب المناسك، ورؤية الكعبة، والطواف والسعي، والوقوف بعرفة، وسائر المناسك.
ولعل هذا ببركة دعاء خليل الرحمن إبراهيم ـ عليه السلام ـ عندما امتثل لأمر الله تعالى، ونادى بالحج، وبلغ عنه الله تعالى يقول الله تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى
كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ )الحج : 27 .
فهذا أمر إيجابي، نود أن يظل في قلب كل مسلم، وألا يقف الأمر عند أداء المناسك أداء حرفيا جامدا، بل يتعداه إلى الأخلاق والسلوك التي يحياها كل مسلم، وأن يكون حجا مبرورا، ونسكا مقبولا، يعود المسلم من هذه الرحلة وقد تغير إلى الأحسن، خلقا وسلوكا، وعقيدة وعبادة، ومعاملة تنبع من ضوابط الشرع الحنيف.
ونود كذلك أن يكون هذا التعلق ، وهذا الحب مع أركان الإسلام من صلاة وزكاة وصيام، ولا نرى من يحج كل عام ثم لا يدفع زكاة ماله، ولا يحرص على إقامة الصلاة.
بل نأمل أن يتعدى هذا الخير ويصل لكل أوامر الإسلام نفعلها بحب، ونسعى إليها بشوق، ونؤديها برغبة، وأن يمتد هذا الخير إلى الآخرين من الناس.
ولي الأمر ومنع فئة من الحج
جمهور الفقهاء يرون أن الحج واجب على الفور إذا تمكن المكلف من أدائه، في حين يرى فقهاء الشافعية أن الحج لا يجب على الفور، وإنما يجب على التراخي . وهذا يعنى أن المسلم لا يأثم إذا أخر أداء الحج مع الاستطاعة، وإن كان الأرجح أن الحج واجب على الفور، غير أن ولي الأمر له الحق في التدخل في تحديد عدد الحجاج حسب الفئات العمرية، أو حسب الصحة وتحمل مشاق الحج وغير ذلك.
ولكن على ولي الأمر أن يكون متأكدا يقينا، أو بغلبة الظن على الأقل من الخطر الذي يلحق الحاج أو من حوله بسبب هذا المرض، وأن يكون هذا المنع يشمل كافة التجمعات، فلا يعقل بحال أن يسمح بهذه التجمعات لمشاهدة المباريات الرياضية، والحفلات السينمائية، وإحياء موالد مشايخ الطرق الصوفية، ثم يأتي المنع في الجمع والجماعات ، والعمرة والحج!!..
إن هذه التصرفات وغيرها تولد نوعا من عدم الثقة بين الراعي والرعية، حتى ولو كان قصد أولي الأمر حسنا، ونيتهم طيبة، لكن عندما يرى المسلم أن كل أمور الحياة تسير كما هي قبل ظهور المرض وبعده، ولم يتحدث الناس إلا عن التجمعات الناشئة من أداء السنن والفرائض الشرعية، فأنى لهم الثقة!! .
وعلى أية حال، فسواء التزم ولي الأمر بهذه الضوابط أو لم يلتزم بها فلا إثم على عموم الناس، لأن الخروج إلى الحج، أو الدخول للحرم مسئولية الحكومات وليست الأفراد، وعلينا أن نغلب حسن الظن .
هل المنع دليل على غضب الله؟
وليس المنع ـ دائما ـ يكون دليلا على عدم القبول، أو الغضب من الله تعالى، فكم من أناس ذهبوا إلى الحج بنية الفساد، والإفساد ووصل إلى أرض الحرم، فمنهم من ذهب ليسرق، ومنهم من ذهب ليفسد أو يخرب الحرم، ولم يمنعه الله من الوصول إلى الحرم، ولعل قول الله تعالى:(وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج :25 يؤكد على أن بعض الناس سيلحدون بظلم في هذا المكان المقدس.
فنؤكد أن هذا المنع لا يعبر بالضرورة على غضب الله تعالى، كما لا يعبر تيسير الحج بالضرورة على قبول الله تعالى، فهذا سر، وغيب لا يعلمه أحد إلا الله تعالى.
إظهار الشماتة فيمن لم يحج!
أما إظهار الشماتة فيمن حالت الأعذار بينه وبين الحج هذا العام، فإن دل على شيء فإنما يدل الجهل من الشامت، فقد مُنع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحبه الكرام من العمرة عام الحديبية، منعهم المشركون في مكة، وكان من الممكن أن تتدخل قدرة الله فتهزم المشركين، أو يعمهم الله بعذاب من عنده، ويمكّن المسلمين ومعهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الطواف بالبيت، ولا شك أنه أكرم خلق الله على الله تعالى، وسمى الله ـ عز وجل ـ الرجوع دون طواف بعد عقد صلح الحديبية فتحا مبينا، وسمى سورة من سور القرآن الكريم بسورة الفتح، ويعني به هذا الصلح الذي رجع المسلمون دون أن يعتمروا.
فهل يستطيع عاقل أن يقول إن هذا المنع كان بسبب معصية المسلمين ، أو بسبب غضب الله عليهم !!.
الحج نية
ونبشر الذين منعوا وكانت نياتهم خالصة لله رب العالمين ، أن فضل الله أوسع مما يتصورون، وأكبر مما يتخيلون، ولعل الله كتب لهم أجر حجة وعمرة تامة تامة ، فقد روى البخاري بسنده عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة، فقال: إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟! قال وهم بالمدينة! حبسهم العذر.
فعلى الرغم من مشقة السفر، وطول الطريق ، في غزوة تبوك التي سماها الله تعالى ساعة العسرة ، فقد كتب الله أجرها لأناس مكثوا في المدينة، ما حملوا سلاحا، ولا واجهوا عدوا لأنهم لم يتخلفوا كسلا، ولا نفاقا ولكن حبسهم العذر.
ونحن نقول لكل من نوى حج بيت الله الحرام، وحبسه العذر سيكتب الله لك الأجر بفضله وكرمه مرة بنيتك هذه، والمرة الثانية بفعلك لاحقا عندما تزول الأعذار إن شاء الله تعالى.
وعلى المسلم الذي منع من الحاج أن يردد مع الشاعر فيقول :
يا ذاهبين إلى البيت الحرام فقد *** سرتم شخوصا وسرنا نحن أرواحا
فقد أقمنا على عذر وقد رحتم *** ومن أقـام على عـذر كمن راح
نسأل الله أن يبلغنا وإياكم بيته الحرام، وأن يأجرنا، ويأجركم، وأن يوفق كل من يريد أداء الفريضة لأداء الفريضة وقبولها إنه ولي ذلك والقادر عليه .
http://www.onislam.net/content/arabic/hajj/deprived/12.shtml
تعليق